المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412423
يتصفح الموقع حاليا : 371

البحث

البحث

عرض المادة

الدولــة المملوكيـــة

الدولــة المملوكيـــة
The Mamluke State
في محاولتنا تصنيف الدولة الصهيونية الوظيفية وتعريف هويتها، استخدمنا مصطلح «الدولة المملوكية»، وهو في تصوُّرنا مصطلح له قيمة تفسيرية تصنيفية عالية على المستويين التاريخي والبنيوي. أما من الناحية التاريخية، فقد أشرنا من قبل إلى أعضاء الجماعة الوظيفية اليهودية من يهود الأرندا في أوكرانيا (وغيرهم من أعضاء الجماعات الوظيفية اليهودية) باعتبارهم «مماليك مالية»، وقد بيَّنا نقط التشابه التي دعتنا إلى استخدام المصطلح. ونحن نذهب إلى أن كل ما أنجزه المشروع الصهيوني هو تجنيد المماليك المالية ثم نقلهم بمعونة الدول الغربية إلى الشرق العربي حيث تحولوا إلى مماليك قتالية داخل إطار الدولة الوظيفية. وأصبحت الوظيفة المالية إما ثانوية أو غير مباشرة، فهي دولة وظيفية قتالية يمكن أن نسميها «دولة مملوكية».


ويمكننا أن نجد جوانب مملوكية عديدة للدولة الصهيونية، فعسكرة المجتمع الصهيوني ليست إلا تعبير عن هذه الظاهرة. كما أن الأموال الطائلة التي تصب فيه تعبير آخر عن الظاهرة نفسها، والإسرائيليون يعرفون جيداً أن هذه الأموال تُدفَع لهم لا حباً في التراث اليهودي أو لاهتمام العالم الغربي بهم (وهو العالم الذي نبذهم على أية حال) وإنما نظراً لاضطلاعهم بوظيفة محددة. وعزلة التجمُّع الصهيوني عن المنطقة العربية، وعلاقة العداء بينه وبين كل المجتمعات المحيطة به، وإحساسه بالغربة وإصراره عليها في الوقت نفسه، ومركب الشعب المختار، وتَميُّع البناء الاجتماعي والطبقي في المُستوطَن الصهيوني، كل هذه السمات تجمع بين الدولة الصهيونية والجماعات الوظيفية ومنها المماليك. بل إن طريقة التنشئة في الكيبوتس، هذه المؤسسة الزراعية العسكرية، هي الطريقة الحديثة لتنشئة المماليك الاستيطانية، وهي الطريقة المبتكرة لتحويل الفائض البشري اليهودي إلى مادة قتالية مملوكية نافعة. فالتنشئة في الكيبوتس تستبعد الملكية الفردية والحياة الخاصة وتتسم في بعض جوانبها بالتقشف، كما أن لها أبعاداً وأهدافاً عسكرية واضحة. ولكن أعضاء الكيبوتسات، مع هذا، يتمتعون بمستوى معيشي مرتفع بل ومترف، يفوق كثيراً مستوى بقية السكان، وهم كذلك على مستوى ثقافي رفيع. كما أن الكيبوتسات تُعَد من أهم مؤسسات الضغط التي تشارك في صنع القرار السياسي، بل تتحكم في بعض جوانبه. وهذا المزج بين الجماعـية والعسـكرية من جهـة، والترف والثقافـة من جهة أخرى، يُذكِّرنا ولا شك بالساموراي، فالكلمة تعني «الخادم» وتعني أيضاً «البوشي» أو «المحارب الأرستقراطي». وقد كان المماليك أيضاً خدماً ولكنهم كانوا كذلك حكاماً وصناع قرار. وكان المملوك يتمتع بثروته أثناء حياته ولكنها كانت تُصادَر بعد موته. ولكن طبيعة الكيبوتس المملوكية تخبئها ديباجات حديثة بحيث تُفسَّر الجماعية الكيبوتسية على أنها اشتراكية، وإدارة الأرض الفلسطينية المسروقة على أنها شكل من أشكال الديموقراطية المتطرفة.

وقد تحدث أحد أعضاء الكنيست عما سماه عام «الخصب اليهودي» وطالب النساء الإسرائيليات بزيادة الإنجاب في هذا العام. وقد وصفت بعض النساء الإسرائيليات هذا التصريح بأنه محاولة لتحويلهن إلى «آلة الإنجاب اليهودي»، فهي محاولة لحوسلتهم ليصبحن آلة حديثة لولادة المزيد من المقاتلين للمحافظة على الدور المملوكي (السلعة الأساسية الشاملة وأهم مصادر الدخل بعد أن نضب معين الفائض البشري).

ويمكن القول بأن هناك شيئاً من التجاوز فيما قمنا به حين قارنا علاقة التجمع الصهيوني بالمجتمعات العربية المجاورة له بعلاقة المماليك بالمجتمعات نفسها ووحدنا بينهما. وقد يكون تشبيه يهود الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط بيهود الأرندا في أوكرانيا فيه شيء من عدم الدقة. ولكن التطابق الكامل تكرار لا يوجد إلا في عالم الرياضة والهندسة والسحر. أما في عالم الإنسان، فأبعاد أية ظاهرة اجتماعية تاريخية متعددة ومركبة، وبعضها غير معروف إلا بصفة تقريبية وحسب، وتختلف الظواهر نفسها باختلاف الزمان والمكان. ولذا فإننا نقنع، في تصنيفنا للظواهر الإنسانية، بالبحث عن بعض مواطن التماثل الجوهرية ولا نطمح فيها إلى التطابق الكامل إلا إذا كنا ماديين، نرى الواقع البشري كذرات وأرقام. والمصطلح الذي صغناه، رغم كل هذه التحفظات، يصف في كثير من الدقة طبيعة علاقة التجمُّع الصهيوني بكل من الإمبريالية (مصدر المال) والدول العربية المجاورة (موضع القتال)، بل يُفسِّر لنا طبيعة علاقته مع نفسه وسر إصراره على هويته المزعومة وانتمائه الغربي وعزلته الدائمة.

ومن الحقائق التاريخية التي تدعو إلى شيء من التأمل، لطرافتها إن لم يكن أيضاً لدلالتها، أنه مثلما حاول الفرنجة أن ينشئوا تحالفاً مع المغول لسحق العالم العربي الإسلامي، كانت هناك محاولة لعقد اتفاق بين الجماعة الوظيفية القتالية التي حكمت مصر والشام (أي المماليك) والجماعـة اليهـودية الوظيفية الماليـة في أوربا. فبين عـامي 1771 و1773، حينما كانت روسيا متحالفة مع المملوك علي بك الكبير، والي مصر الذي تمرَّد على الدولة العثمانية، حاول بعض ضباط الأسطول الروسي، الذي كان راسياً في ليجورن، أن يدعموا حكمه عن طريق تأسيس دولة يهودية في القدس تابعة له متحالفة معه، أي دولة صهيونية مملوكية من الناحية البنيوية والفعلية. وهكذا كان من الممكن أن يقوم الحليفان، المماليك العسكرية في مصر والمماليك اليهودية المالية الغربية، بالقضاء على النفوذ العثماني في المنطقة تحت رعاية روسيا القيصرية، التي كانت تغازل آنذاك فكرة أن يكون لها مشروع استعماري في الشرق الأوسط! إن هذه واقعة تاريخية طريفة ودالة، ومع هذا فإننا لا نؤسس وجهة نظرنا مستخدمين هذه الواقعة كأحد الدلائل أو الشواهد، إذ أن أطروحتنا تَصدُر عن نموذج تفسيري أساسي هو الجماعة الوظيفية المالية أو القتالية والاستيطانية ولَّدنا منه أو استنبطنا منه العـلاقة بين دور الجمـاعات اليهـودية في الحضارة الغربية من جهة ودور المماليك في الشرق العربي من جهة أخرى، ومن ثم تحدثنا عن الدور المملوكي لكل من الجماعات اليهودية والدولة الصهيونية.

  • الاثنين AM 12:15
    2021-05-17
  • 1134
Powered by: GateGold