المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409027
يتصفح الموقع حاليا : 268

البحث

البحث

عرض المادة

المعونات الخارجية للدولة الصهيونية الوظيفية

المعونات الخارجية للدولة الصهيونية الوظيفية
Foreign Aid to the Functional Zionist State
«المعونات الخارجية» مصطلح شامل لا يضم فقط المساعدات الإنمائية وإنما يضم أيضاً المعونة العسكرية والمعونة الإنسانية التي تدفعها دولة (أو منظمة دولية) لدولة أخرى. والمعونات الخارجية هي إحدى أدوات تحقيق أهداف السياسة الخارجية للدولة المانحة.


والمشروع الصهيوني الاستيطاني الذي يهدف إلى تأسيس دولة وظيفية تجمع بعض يهود العالم وتقوم على خدمة المصالح الغربية في المنطقة مشروع تم تنفيذه برعاية الدول الغربية ودعمها السياسي والاقتصادي. فقد حصلت الحركة الصهيونية على العون السياسي والمادي منذ نشأتها في أواخر القرن التاسع عشر. وحتى قبل أن تتحوَّل إلى منظمة لها شبكتها الضخمة الممتدة التي تمارس الضغط السياسي وتجمع التبرعات من الحكومات والأفراد، كانت المعونات قد بدأت تصب بالفعل في فلسطين لتمويل جماعات المستوطنين اليهود التابعين لمنظمات شبه صهيونية كانت بمنزلة الإرهاصات الأولى للحركة الصهيونية.

والتمويل الخارجي جزء أساسي من تكوين الحركة الصهيونية، ويمكن القول بأن الأثرياء اليهود، ومن بعدهم الدول الغربية (التي احتضنت المشروع الصهيوني بعد أن تحوَّل من مجرد جمعيات وإرهاصات إلى منظمة عالمية)، لا ينظرون إلى المُستوطَن الصهيوني باعتباره استثماراً اقتصادياً، وإنما باعتباره استثماراً سياسياً له أهمية إستراتيجية قصوى. ولذا اتسمت تدفقات المعونات على الحركة الصهيونية وعلى الدولة الصهيونية بدرجة عالية من التسييس والارتباط بطبيعة المشروع الصهيوني.

والواقع أن أيَّ باحث في الاقتصاد الإسرائيلي لابد أن يلاحظ محورية الدور الذي تلعبه المعونات الخارجية وتدفقات البشر ورؤوس الأموال على إسرائيل بشكل لا مثيل له في أية دولة من دول العالم، سواء من حيث حجمها ودرجة اعتماد الاقتصاد الإسرائيلي عليها، أو من حيث درجة تسييسها وارتباطها بطبيعة المشروع الصهيوني.

والدولة الصهيونية في حالة حرب دائمة تلتهم جزءاً كبيراً من ميزانية الدفاع والأمن وهو ما يُشكِّل استنزافاً اقتصادياً دائماً. كما أن عملية بناء المستوطنات تتطلب ميزانيات ضخمة. وبناء المستوطنات، شأنه شأن نشاطات "اقتصادية" أخرى، لا يخضع بالضرورة لمقاييس الجدوى الاقتصادية الصارمة، إنما يخضع لمتطلبات الاستيطان وهو ما يسبب إرهاقاً مالياً.

والاقتصاد الإسرائيلي صغير الحجم - بمعيار عدد السكان - لا يشكل قاعدة كافية لاستيعاب ناتج الكثير من المشروعات الإنتاجية عند حجمها الأمثل، وهو ما يعني أن الإنتاج في مثل هذا الاقتصاد ليس اقتصادياً (بالمعنى الفني للمصطلح)، الأمر الذي يقتضي تخصيص مبالغ كبيرة لدعم المشروعات وإعانتها، وقد بلغت نسبة الإعانات للمشـروعات الصـناعية في بعض السـنوات 40% من قيمة الناتج الصناعي. ويمكن القول بأن النموذج الاقتصادي الإسرائيلي يرجع أساساً إلى نجاح صيغة الصهيونية العمالية (الاستيطانية)، التي تبنتها إسرائيل منذ نشأتها، في ضمان تَدفُّق البشر ورؤوس الأموال إليها.

وقد ارتبطت فترات النمو في الاقتصاد الإسرائيلي أساساً بتدفقات البشر - عبر حركات هجرة البحر والأموال (أو العمل ورأس المال بالتعبير الاقتصادي) - على إسرائيل، حيث يرى أحد الباحثين الإسرائيليين أن 75% من النمو الذي حققه الاقتصاد الإسرائيلي في الفترة من 1954 - 1972 تم بفضل المعدلات المرتفعة التي نمت بها عوامل الإنتاج (رأس المال والعمل) و25% منه فقط بسبب التحسن في الكفاءة الإنتاجية، الأمر الذي يفسر نجاح إسرائيل في تنفيذ استثمارات ضخمة رغم أن معدل الإدخار المحلي كان بالسالب في أغلب الفترات (حتى في الفترات التي كان الاقتصاد الإسرائيلي فيها ينمو بشكل سريع إذ كان الإدخار القومي سالباً، ومع هذا كان معدل الإدخار الخاص مرتفعاً، لكنه لم يكن كافياً لتغطية العجز في ميزانية الحكومة)، وقد كانت المساعدات الخارجية الوسيلة الأساسية لسد الفجوة بين الإدخار والاستثمار، وهي التي مكَّنت إسرائيل من تحقيق مستوى معيشي مرتفع رغم معدلات زيادة السكان المرتفعة.

وقد ساهمت المعونات ولا شك في حل مشاكل التجمُّع الصهيوني الاقتصادية وحمته طيلة هذه الفترة من جميع الهزات. والأكثر من هذا أن هذه المعونات غطت تكاليف الحروب الإسرائيلية الكثيرة والغارات التي لا تنتهي. وبالتالي قُدِّر للعقيدة الصهيونية أن تستمر لأن الإسرائيليين لا يدفعون بتاتاً ثمن العدوانية أو التوسعية الصهيونية. كما موَّلت هذه المعونات عملية الاستيطان باهظة التكاليف، وحقَّقت للإسرائيليين مستوىً معيشياً مرتفعاً كان له أكبر الأثر في تشجيع الهجرة من الخارج وبخاصة من الاتحاد السوفيتي.

وحينما يتحدث الدارسون عن «المعونات الخارجية» فهم يتحدثون عن معونات من مختلف الدول الغربية ومن يهود العالم الغربي. ولكن قبل الخوض في هذا الموضوع لابد من الاعتراف أنه سيكون هناك قدر من الاختلافات الواضحة بين التقديرات المختلفة لحجم المعونة الغربية (وبخاصة الأمريكية) للدولة الصهيونية. ولعل هذا يعود إلى طريقة تقديرها وإلى أن قدراً كبيراً من السرية والتعمية المتعمدة يحيط بحجم المعونات. وقد اعتمدت إسرائيل في البداية على التعويضات الضخمة التي تلقتها من ألمانيا اعتباراً من عام 1953 (بواقع 750 - 900 مليون دولار سنوياً) وحتى نهاية الستينيات، والتي بلغت مليار دولار كتعويضات مباشرة للحكومة الإسرائيلية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لكل يهود العالم، ومنهم ضحايا النظام النازي في الحرب العالمية الثانية (التي بدأت وانتهت قبل قيام دولة إسرائيل!)، كما اعتمدت على المعونات العسكرية الألمانية خلال الخمسينيات والستينيات، وهي المساعدات التي قامت ألمانيا بموجبها بتمويل شراء إسرائيل لأسلحة أمريكية (مثال: في عام 1963 قامت ألمانيا بتقديم 60 مليون دولار لتمويل شراء صفقة دبابات أمريكية الصنع لإسرائيل). وقد بلغت التعويضات الألمانية للأفراد ما بين 700 - 900 مليون دولار سنوياً. وتصل بعض التقديرات إلى أن حجم المعونة الألمانية تتراوح بين 60 - 80 بليون دولار. فقد صرح وزير الخارجية أمام المؤتمر اليهودي (8/5/1997) أن ألمانيا دفعت لإسرائيل تعويضات تصل إلى 97 مليون مارك (6 بليون دولار) وأنها ستستمر في دفع التعويضات لمدة 34 سنة أخرى حتى تصل عام 2030 مبلغ 940 بليون مارك (80 بليون دولار)، مع العلم بأن مجموع ما تلقته ألمانيا من مشروع مارشال هو 15 بليون دولار!

ولكن الدعم الحقيقي جاء من الولايات المتحدة، وهو ما يجعلها صاحبة لقب «الراعي الإمبريالي» بامتياز. وكانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بإسرائيل؛ وذلك بعد مضي دقائق على إعلان قيامها في 15 مايو 1948. وبعد أسـابيع منحـتها قرضاً قيمته 100 مليون دولار. وكان الدعم العسكري والدعم الاقتصادي منذ الخمسينيات حتى منتصف الستينيات متواضعين، ذلك أن إسرائيل كانت من الناحية الاقتصادية تعتمد على التعويضات الألمانية كما أسلفنا؛ وبدأ التبدل النوعي في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بعد حرب 1967 مباشرةً في عهد الرئيس ليندون جونسون.

وفي الأيام الأولى لحرب 1973، أقامت الولايات المتحدة جسراً جوياً بينها وبين إسرائيل، إذ نقلت إلى إسرائيل في أيام قليلة 22 ألف طن من العتاد العسكري لتعويضها عن خسائرها التي مُنيت بها.

وقد تطوَّرت المساعدات الأمريكية لإسرائيل وتصاعدت خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، وحدثت القفزة الكبيرة بعد حرب 1973 حتى وصلت إلى 3 مليار دولار تقريباً سنوياً طبقاً للإحصاءات الأمريكية الرسمية منها 1.8 مساعدات عسكرية، 1.2 مساعدات اقتصادية. وقد أخذ طابع المساعدات منذ الثمانينات يتحوَّل إلى المنح بدلاً من القروض.

تطور المساعدات الأمريكية لإسرائيل (مليون دولار):

السنة / المجموع / القروض / المنح

1949 - 1950 / 852.9 / 339.3 / 313.6

1960 - 1969 / 834.8 / 801.9 / 32.9

1970 / 93.6 / 80.7 / 12.9

1972 / 480.9 / 424.9 / 56.0

1974 / 2.646.3 / 1.055.0 / 1.591.3

1978 / 1.822.6 / 772.2 / 1.050.4

1982 / 2.245.5 / 874.0 / 1.371.5

1984 / 2.628.5 / 851.9 / 1.776.6

1986 / 3.800.0 / --- / 3.800.0

1988 / 3.050.0 / --- / 3.050.0

1990 / 3.452.0 / --- / 3.452.0

1991 / 2.935.0 / --- / 2.935.0

المصدر : حتى سنة 1988 : Rabie (1988) .p.59.

أما سنتا 1990 و 1991 ، فمن :

Government Finance Statistics Yearbook (1992).p.306.

غير أن الأرقام السابقة - على ضخامتها - لا تكشف سوى جزء من الواقع، إذ أن المبالغ الفعلية التي تحصل عليها إسرائيل أكبر من الرقم الرسمي المعلن بكثير، لتصل إلى ما يتراوح بين 5.5 مليار دولار و6.5 مليار دولار كما يتبين من خلال استعراض التقديرين الآتيين:

ففي تقدير ذا واشنطن ربورت أُنْ ميدل إيست أفيرز The Washington Report on Middle East Affairs تم تقدير حجم المعونة عام 1993 بـ 6.321 مليار دولار أو 17 مليون دولار يومياً، منها 2 مليار دولار سنوياً منذ عام 1993 ولمدة خمس سنوات هي ضمانات قروض بقيمة 10 مليار دولار، وذلك لكون إسرائيل غير مُلزمة بسداد القروض للولايات المتحدة سواء من خلال إمكانية تنازُل الكونجرس، أو بسبب تعديل كرانستون الذي يشترط عدم خفض مستحقات الدفع السنوية لإسرائيل، ويُلزم الحكومة الأمريكية بأن لا يقل حجم المكون الاقتصادي من المعونة التي تقدمها لإسرائيل عن إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة على إسرائيل للولايات المتحدة سنوياً، أي أن الولايات المتحدة قد ألزمت نفسها بسداد ما سبق أن اقترضته الحكومة الإسرائيلية أو ما يمكن أن تقترضه في المستقبل من الولايات المتحدة.

ويبيِّن الجدول الآتي المعونة الأمريكية لإسرائيل عام 1993 بالمليار دولار:

3.000 من ميزانية المساعدات الأجنبية.

1.271 مساعدات أخرى من الميزانية ومن خارجها.

0.050 فوائد قروض إسرائيلية.

2.000 ضمانات قروض.

6.321 المجموع

وحسب بعض التقديرات، يصل إجمالي ما تحصل عليه إسرائيل في ميزانية 1996 من معونة مبلغ خمسة مليار وخمسمائة وخمسة ملايين وثلاثمائة ألف دولار (5.505.300)، أي أن ما تحصل عليه إسرائيل يعادل تقريباً ضعف ما تظهره الأرقام الخاصة ببرنامج المعونة الأمريكية الخارجية لإسرائيل وهي 3 مليارات دولار منها 1.2 مليار دولار تحت بند المعونة الاقتصادية أو بعبارة أدق تحت بند "صندوق الدعم الاقتصادي Ecormic Support Fund" و1.8 مليار دولار تحت بند المعونة العسكرية أو بعبارة أدق تحت بند "مبيعات السلاح الخارجية Foreign Military Sales". أما عن مصادر تلك الفجوة بين حجم المعونة الرسمية المعلن وبين ما تحصل عليه إسرائيل فعلاً فهو ما يلي:

1 - المعونات المدرجة ضمن ميزانيات عدد من الوزارات أو الوكالات الفيدرالية مثل وزارات الخارجية والدفاع والتجارة، ومصلحة الهجرة والجنسية... إلخ، فميزانية الدفاع خصَّصت مبلغ 242.3 مليون دولار عام 1996 لتطوير عدد من نظم التسليح لم تظهر في برنامج المعونة.

2 - التيسيرات الهائلة التي تحصل إسرائيل بموجبها على حصتها من برنامج المعونة، كونها الدولة الوحيدة في العالم التي تحصل على المعونة الاقتصادية نقداً ومرة واحدة وهو ما يرفع عن كاهلها أعباء مصاريف بنكية تصل إلى 60 مليون دولار، ولأنها مستثناه من قانون استخدام أموال المعونة العسكرية لشراء معدات عسكرية أمريكية، بل إن لها الحق في استخدامها في شراء معدات مُصنَّعة في إسرائيل.

3 - التسهيلات الائتمانية والقروض وهي من حيث المضمون أقرب إلى المنحة منها إلى القرض.

وقد حصلت إسرائيل على استثناءات كثيرة من شروط المعونة، من أهمها الاستثناءات الخاصة باستخدام إسرائيل أموال المعونة في شراء منتجات غير أمريكية وبخاصة في مجال التصنيع العسكري. كما تعمد إسرائيل إلى خرق العديد من القوانين الأمريكية إذا تصادمت مع مصالحها مثل خَرْق القانون الذي يحظُر نَقْل التكنولوجيا الأمريكية بدون إذن الإدارة الأمريكية إلى طرف ثالث. بل إن عملية الخرق هذه قد تجد تشجيعاً من الإدارة الأمريكية. ففي عام 1993، قرر الكونجرس خصم واحد دولار من المعونة مقابل كل دولار تستخدمه إسرائيل في بناء المستوطنات في غزة والضفة، واعترفت إسرائيل بأنها أنفقت بالفعل 437 مليون دولار على المستوطنات وهو ما كان يعني خصم القيمة نفسها من المعونة، فقررت إدارة الرئيس كلينتون تزويد إسرائيل بـ 500 مليون دولار إضافية مقابل ذلك الخصم، وهو ما يعني زيادة 63 مليون دولار على المعونة لم تكن لتستلمها لو أطاعت رغبة الكونجرس.

ويشير أحد التقديرات إلى أن إجمالي ما حصلت عليه إسرائيل من معونة أمريكية حتى عام 1996 يبلغ 78 مليار دولار، منها ما يزيد على 55 مليار دولار منحة لا تُرد. بينما ترفع بعض التقديرات الأخرى مبلغ المعونة الفعلية إلى أعلى من هذا بكثير.

ولا تكشف هذه الأرقام بطبيعة الحال عن حجم المساعدات غير الحكومية التي تتلقاها إسرائيل من أفراد ومؤسسات داخل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أصبحت منذ منتصف السبعينيات ثاني أكبر مصدر لتدفُّق رؤوس الأموال الخارجية على إسرائيل بعد الحكومة الأمريكية. ففي الولايات المتحدة توجد حوالي 200 مؤسسة تعمل في مجال جمع التبرعات لإسرائيل، من أشهرها مؤسسة النداء اليهودي المتحد، ومنظمة سندات دولة إسرائيل. وتشير بعض التقديرات إلى أن المساعدات التي حصلت عليها إسرائيل من مصادر غير حكومية في الفترة من 1948 إلى 1986 قد بلغت 24.5 مليار دولار موزعة على النحو التالي: 6.5 مليار مساعدات أفراد و11 مليار مساعدات مؤسسات و7 مليارات قيمة سندات دولة إسرائيل. وقد صبت هذه المعونات في تجمُّع بشري يبلغ عدد سكانه أقل من خمسة ملايين. وقد قدَّر أحد الدارسين أن الولايات المتحدة منحت إسرائيل ما يقرب من عشرة بلايين دولار سنوياً في الفترة الأخيرة، وأنها أعطت كل مواطن إسرائيلي مبلغ ألف دولار كل عام منذ إنشاء دولة إسرائيل، وهذا المبلغ يفوق كثيراً معدل دخل كثير من مواطني العالم الثالث.

وحالياً تبلغ حصة الفرد الإسرائيلي من المساعدات حوالي 1600 - 2000 دولار سنوياً دون حساب عوائد الدعم الاقتصادي والتكنولوجي والعلمي والعسكري والسياسي. وطبقاً للتقديرات السابقة فإن مجمل المعونات الأمريكية الرسمية يصل إلى 78 مليار دولار، ومجمل المعونات الأمريكية غير الرسمية يصل إلى 24.5 مليار دولار، أي أن المعونات الأمريكية الرسمية وغير الرسمية تزيد عن مائة مليار دولار.

ويمكن القول بناءً على تقديرات أخرى لا تختلف كثيراً عن التقدير السابق مباشرةً أن مجموع المساعدات الأمريكية لإسرائيل إضافة إلى التعويضات الألمانية والجباية اليهودية منذ عام 1949 وحتى عام 1996 ما يزيد عن 179.4 مليار دولار، موزعة بين 79.6 مليار دولار مساعدات حكومية أمريكية متنوعة، 60 مليار دولار تعويضات ألمانية، 19.4 مليار دولار جباية يهودية، 23.4 مليار دولار أصول أجنبية في إسرائيل. وحتى إذا استبعدنا الأصول الأجنبية الموجودة في إسرائيل على اعتبار أنها قد توطنت فيها لاعتبارات اقتصادية (وهو أمر غير صحيح لأنها كانت دائماً دولة في حالة حرب أو توتر ولا تغري أي مستثمر بتوطين الاستثمارات فيها) فإن المساعدات الخارجية المعروفة التي تلقتها إسرائيل منذ إنشائها عام 1948 وحتى عام 1996 قد بلغت نحو 156 مليار دولار بالأسعار الجارية على مدى سنوات تلقي إسرائيل لها، وهي توازي ما يزيد عن 450 مليار دولار من دولارات الوقت الراهن.

وهناك مساعدات تحصل عليها إسرائيل في ظروف معينة مثل ما حصلت عليه عند التوقيع على معاهدة كامب ديفيد 1979 لتعويض ما فقدته، فحصلت على: بناء مطارين في النقب يعمل في كل منهما سربان أثناء العمليات بواسطة سلاح المهندسين الأمريكي، وتعزيز البنية الأساسية لقواعد بحرية وإنشاءات عسكرية ومراكز تدريب وثكنات، والحصول على معدات وأسلحة لتحديث قواتها، وبناء مدارس عسكرية، وبناء مخزنين في كل قاعدة جوية في النقب بهما قطع الغيار اللازمة، وهي تعمل بطريقة أوتوماتيكية بحيث يكفي 3 أشخاص لتشغيل وإدارة كل مخزن، وقد تكلفت هذه الإنشاءات والمعدات ما يقرب من3.2 مليار دولار، والغريب أن كل معدات سلاح المهندسين التي قامت ببناء هذه الأبنية أعطيت منحة لإسرائيل.

علاوة على ذلك فإنه لا يمكن حصر المساعدات غير المنظورة التي تُعطَى للكيان الصهيوني، مثل هجرة العلماء إليها، فمثلاً يُقال إن معظم أعضاء قسم رسم الخرائط في الجيش البولندي هاجروا إلى إسرائيل بعد عام 1967، كما أن كثيراً من العلماء اليهود يجرون تجاربهم في معامل جامعاتهم في الولايات المتحدة، ثم يعطون نتائجها لإسرائيل. وهذا شكل من أشكال المعونات يصعب - إن لم يستحيل - حسابه.

ويمكن رصد أنواع أخرى من المساعدات غير المباشرة. ففي مجال الصناعات الحربية تسهم الولايات المتحدة في مشروع إنتاج الصاروخ "حيتس أو السهم" الإسرائيلي المضاد للصواريخ رغم تكرار فشله (وكذلك الحال مع الطائرة لافي من قبل). وفي مجال نقل التكنولوجيا نجد أنه رغم أن الولايات المتحدة تفرض قيوداً صارمة على عملية النقل هذه إلا أنها لا تُطبَّق على إسرائيل، التي تستخدم في صناعاتها الحربية معدات تكنولوجية أمريكية.

وتشير بعض الإحصاءات إلى أن 36% من الصادرات الإسرائيلية تحتوي على نظم أمريكية، ولذلك فإنه لو طُبِّقت القيود الصارمة على تصدير التكنولوجيا التي في حوزة إسرائيل لدولة ثالثة لأصيبت صادراتها بضربة قاسية.

وهناك نوع آخر من المساعدات غير المباشرة وهو فتح الأسواق الأمريكية للصادرات الإسرائيلية، وكذلك ما يُعرف بـ «الأسواق المتروكة»، وهي أسواق لا تستطيع الولايات المتحدة التورط فيها بطريقة مباشرة مراعاةً لمصالحها العليا، الأمر الذي يجعلها تلجأ إلى إسرائيل لملئها مؤقتاً مثل أسواق ديكتاتوريات أمريكا اللاتينية أو أسواق بعض النظم العنصرية مثل نظام جنوب أفريقيا السابق.

ولهذه المعونات آثار سلبية عديدة، فالتضخم المفرط ناجم في جزء كبير منه عن التدفق المسيَّس لرؤوس الأموال الذي بلغ في منتصف الثمانينيات معدلات فلكية (536% عام 1984)، والخفض المستمر في قيمة الشيكل (اضطرت الحكومة في النهاية لإلغائه واستبدال الشيكل الجديد به حيث أصبح كل شيكل جديد يساوي 100 شيكل إسرائيلي) ساهم في تدهور قدرته الشرائية ودفع العديد من الاقتصاديين الإسرائيليين إلى المطالبة بدولرة الاقتصاد الإسرائيلي. وأوشك النظام المالي الإسرائيلي على الانهيار لولا تدخُّل الولايات المتحدة وقيامها بمد إسرائيل بمساعدة طارئة بلغت 1.5 مليار دولار مكَّنت الحكومة الإسرائيلية من تثبيت سعر الشيكل ووفرت عليها عبء الاستدانة من أسواق المال العالمية. وقد أصبحت إسرائيل نتيجة هذا الدعم المستمر بلداً كل ما فيه مموَّل أو مُدعَم من الخارج: حمام السباحة في النادي، معمل قسم الطفيليات في الجامعة، مشروعات إعانة الفقراء، المتحف الذي يذهب المواطن لزيارته، بل حتى البرامج الإذاعية التي يسمعها. وبطبيعة الحال الجيش الذي يدافع عنه، والوجبة التي يتناولها. إن مثل هذا الوضع يقوض دعائم الأخلاقيات الاجتماعية وأي إحساس بالعزة القومية. والصهيونية تستمد شرعيتها أمام اليهود من ادعائها أنها حولتهم إلى شعب له كرامته القومية مثل كل الشعوب.

وقد بدأت الحكومة الأمريكية تتدخل في السياسات الداخلية للمستوطن الصهيوني وبخاصة الشئون الاقتصادية والعسكرية، وأصبحت هذه السياسات يتم تقريرها على أمل أن تحوز إعجاب واشنطن. وهذه قضية تثير قلقاً عميقاً داخل المُستوطَن الصهيوني. وكما قال ييجال يادين: "إن المعونة الأمريكية تشكل الخطر الأساسي على مستقبلنا الروحي". ولكن لا يوجد حل ولو نظري لهذه المشكلة في الوقت الحاضر على الأقل.

والمعونات الخارجية أدت إلى ظهور بعض الظواهر الفريدة في المجتمع الإسرائيلي. فالمعونات الألمانية - على سبيل المثال - خلقت بشكل فجائي فوري طبقة من الإسرائيليين الأثرياء (من أصل أوربي) تمكنوا من الانتقال من الأحياء الفقيرة إلى أحياء أكثر ثراء، وغيَّروا أسلوب حياتهم بشكل كامل. هذه النقود السهلة (كما يسمونها)، أي النقود التي لم يكدَّ أحد من أجلها، تُعرِّض المجتمع لهزات اجتماعية وتُولِّد فيه التوترات. ونتيجة المعونات ازداد عدد كليات الطب في إسرائيل بشكل غير طبيعي في بلد يوجد فيه فائض كبير من الأطباء الأمر الذي يتسبب في هجرة العديد منهم. وقد لخص أحد الرأسماليين الإسرائيليين أثر المعونات السلبي في المجتمع الإسرائيلي بقوله: "إنه قد يضطر لإغلاق مصنعه لو زادت المنح الخارجية لإسرائيل، إذ أنها ستوزَّع على العمال الذين يمكنهم بذلك تحقيق دخل لا بأس به دون الحاجة للعمل"، أي أن المعونة تحوِّل اليهود إلى شعب طفيلي غير منتج مرة أخرى.

ونتيجة انسحاب اليهود من الأعمال الإنتاجية دخلت العمالة العربية كل مجالات الحياة وضمنها الكيبوتس الذي يستفيد منها بسبب انخفاض تكلفتها. وبدأت الأعمال الضرورية في الزراعة والبناء والمصانع تنتقل تدريجياً إلى أيدي العرب، وهناك فروع كاملة أو جزء كبير منها لم يَعُد موجوداً بين أيدي عمال يهود.

وفي أعقاب احتدام أزمة نموذج الصهيونية العمالية منذ منتصف الثمانينيات وظهور الدعوة لتطبيع الاقتصاد الإسرائيلي، تعالت الأصوات منادية بضرورة إعادة النظر في اعتماد إسرائيل على المساعدات الخارجية، وداعية إلى ضرورة تَوجُّه إسرائيل نحو جذب رؤوس أموال غير مسيَّسة عن طريق توفير مناخ استثماري أفضل لضمان تدفُّق رؤوس الأموال على إسرائيل سواء في شكل استثمارات أجنبية مباشرة أو استثمارات في حوافظ الأوراق المالية، عن طريق ما يُعرف بالوعاء الاستثماري للدولة أو صندوق الدولة (بالإنجليزية: كانتري فاند country fund) الذي يتم تسجيله كشركة قابضة في إحدى البورصات ثم يقوم بإصدار أوراق مالية يتم تداولها في البورصات العالمية، على أن يقوم هذا الصندوق باستثمار حصيلة بيع الأوراق المالية في مجموعة من الشركات الإسرائيلية سواء عن طريق شراء أسهم وسندات هذه الشركات أو عن طريق الاستثمار المباشر (وهو ما تم بالفعل منذ عام 1992 إذ تم إنشاء ما يُعرف بصندوق إسرائيل الأول).

وتبلورت هذه الاتجاهات بشكل احتفالي خلال الزيارة الأولى التي قام بها بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة عقب توليه الحكم. فقد شهدت هذه الزيارة - ولأول مرة منذ قيام دولة إسرائيل - إعلان رئيس وزراء إسرائيلي عن استعداده لبحث خفض المعونة الأمريكية لإسرائيل بدعوى أن الاقتصاد الإسرائيلي وصل لمرحلة من التطور تغنيه عن المساعدات الخارجية! ونجاح إسرائيل في الاستغناء عن المساعدات الخارجية (التي مثَّلت - إلى جانب موجات الهجرة لإسرائيل - إحدى دعامتين قام عليهما نموذج الصهيونية العمالية) يمكن أن يُعَد مؤشراً بالغ الدلالة على قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على تجـاوز أزماته، وإمكانية نجـاح التطبيـع، على الأقل على المستوى الدولي.

وفي أعقاب احتدام أزمة نموذج الصهيونية العمالية منذ منتصف الثمانينيات وظهور الدعوة لتطبيع الاقتصاد الإسرائيلي، تعالت الأصوات منادية بضرورة إعادة النظر في اعتماد إسرائيل على المساعدات الخارجية، وداعية إلى ضرورة تَوجُّه إسرائيل نحو جذب رؤوس أموال غير مسيَّسة عن طريق توفير مناخ استثماري أفضل لضمان تدفُّق رؤوس الأموال على إسرائيل سواء في شكل استثمارات أجنبية مباشرة أو استثمارات في حوافظ الأوراق المالية، عن طريق ما يُعرف بالوعاء الاستثماري للدولة أو صندوق الدولة (بالإنجليزية: كانتري فاند country fund) الذي يتم تسجيله كشركة قابضة في إحدى البورصات ثم يقوم بإصدار أوراق مالية يتم تداولها في البورصات العالمية، على أن يقوم هذا الصندوق باستثمار حصيلة بيع الأوراق المالية في مجموعة من الشركات الإسرائيلية سواء عن طريق شراء أسهم وسندات هذه الشركات أو عن طريق الاستثمار المباشر (وهو ما تم بالفعل منذ عام 1992 إذ تم إنشاء ما يُعرف بصندوق إسرائيل الأول).

وتبلورت هذه الاتجاهات بشكل احتفالي خلال الزيارة الأولى التي قام بها بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة عقب توليه الحكم. فقد شهدت هذه الزيارة ـ ولأول مرة منذ قيام دولة إسرائيل ـ إعلان رئيس وزراء إسرائيلي عن استعداده لبحث خفض المعونة الأمريكية لإسرائيل بدعوى أن الاقتصاد الإسرائيلي وصل لمرحلة من التطور تغنيه عن المساعدات الخارجية! ونجاح إسرائيل في الاستغناء عن المساعدات الخارجية (التي مثَّلت ـ إلى جانب موجات الهجرة لإسرائيل ـ إحدى دعامتين قام عليهما نموذج الصهيونية العمالية) يمكن أن يُعَد مؤشراً بالغ الدلالة على قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على تجـاوز أزماته، وإمكانية نجـاح التطبيـع، على الأقل على المستوى الدولي.

غير أن تأمل واقع الاقتصاد الإسرائيلي، والبرنامج الاقتصادي للحكومة الحالية بشكل دقيق، يثير العديد من الشكوك حول مصداقية المبادرة التي تقدَّم بها نتنياهو. فبرنامج الحكومة الانكماشي لا يحتمل أيَّ خفض في إيرادات الدولة، إذ أن تراجع المعونات الخارجية سيضعف الأثر المرجو لخفض النفقات على عجز الموازنة. بالإضافة إلى أن عدداً من توجهات الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم (كالتوجه نحو التوسع في الاستيطان مثلاً) يحتاج إلى مصادر تمويلية إضافية.

 

 وتؤكد هذه الشكوك أن نتنياهو نفسه عاد وأوضح ـ بعد 3 أيام فقط من خطابه أمام الكونجرس ـ أنه لا يرغب في خفض المعونة الأمريكية خلال العامين الماليين القادمين، موضحاً الفرق بين المساعدات العسكرية التي تعطيها إسرائيل أولوية كبرى، وبين المعونة الاقتصادية التي يمكن خفضها تدريجياً. فالمعونة الاقتصادية تُستخدَم لسداد ديون إسرائيل لدى الولايات المتحدة، كما أن تعديل كرانستون يُلزم الولايات المتحدة بأن تقدِّم الولايات المتحدة معونة اقتصادية سنوية لإسرائيل قيمتها أكبر من إجمالي الديون المستحقة عليها للولايات المتحدة، بالإضافة إلى قدرة إسرائيل على الحصول على مستوى المعونة نفسه بوسائل وأساليب أخرى.

وحقيقة السياسة الإسرائيلية تكمن في رفع شعار الاستغناء عن المعونة الأمريكية مع استمرار الحصول عليها سراً، بهدف تخفيف الحرج عن اللوبي الصهيوني عندما يجري نقاش علني حول خفض برنامج المعونة الخارجية الأمريكي، وللإيحاء بأن إسرائيل قوة اقتصادية تعتمد على نفسها اعتماداً تاماً.

وعلى أية حال فإن التشكيك في مصداقية مبادرة نتنياهو لخفـض المعونة لا ينـفي اتجـاهاً أمريكياً لخفـض المعونات لجميع دول العالم. فالميزانية الأمريكية تعاني من ضغوط متزايدة يرجع جزء أساسي منها إلى أن المعونات الأمريكية لكل من إسرائيل ومصر لم يصبها التخفيض كما أصاب غيرها، الأمر الذي يعني أن اقتراح نتنياهو ـ بغض النظر عن مصداقيته بالنسبة لأوضاع الاقتصاد الإسرائيلي ـ يمثل ضرورة حيوية للميزانية الأمريكية، وهو ما يدعم الآراء القائلة بأن خفض المساعدات الخارجية آت لا محالة بعد انتهاء العامين الماليين القادمين.

وهنا تبرُز أهمية القنوات الأخرى ـ بخلاف المعونة الرسمية ـ لتدفُّق رؤوس الأموال على إسرائيل، والتي توفر في الوقت الحالي أكثر قليلاً من نصف المبالغ التي تحصل عليها إسرائيل من الحكومة الأمريكية (ناهيك عما تحصل عليه من تبرعات من جهات غير حكومية)، والتي يمكن أن تُستخدَم لتعويض أيِّ خفض في المعونة الرسمية.

والدلالة التي يمكن استخلاصها هنا بالغة الخطورة، إذ أن الاعتماد الإسرائيلي سيتحول من موارد مؤقتة بطبيعتها ـ نظراً لخضوعها ولو شكلياً للمراجعة الدورية من قبَل المؤسسة المانحة ـ إلى موارد غير ظاهرة وغير خاضعة للمراجعة الدورية، ومن ثم تُعَد من الناحية العملية أكثر ثباتاً، الأمر الذي قد يشير إلى أن الاعتماد الإسرائيلي على المعونة الأمريكية يزداد تجذراً ـ بدلاً من أن ينخفض كما ينادي أنصار التطبيع ـ بحيث ينتقل إلى الاعتماد على موارد دائمة لا مؤقتة، وهو ما يطرح أزمة الاقتصاد الإسرائيلي بشكل أعمق، إذ أن المعونة أصبحت جزءاً من هيكل هذا الاقتصاد.

كما أن زيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية يشير إلى فشل الجهود الرامية لتطبيع الاقتصاد الإسرائيلي على المستوى الدولي. فإذا أضفنا إلى ذلك الصعوبات التي تواجه التطبيع محلياً وإقليمياً، فيمكننا أن ندرك عُمْق الأزمة التي يمر بها هذا الاقتصاد، وأن هذه الوظيفية والتبعية ستظل من صفاته البنيوية.

  • الاثنين AM 12:11
    2021-05-17
  • 994
Powered by: GateGold