المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413774
يتصفح الموقع حاليا : 175

البحث

البحث

عرض المادة

المقاومـــة العربيــة اليهوديـــة للصهيونيــة

اليهودية الاستيطانية
Settler Judaism
«اليهودية الاستيطانية» مصطلح يعني أن اليهودية قد تم علمنتها تماماً واستيعابها في المنظومة الصهيونية حتى أصبح أعضاء الجماعات اليهودية يظنون أن اليهودية هي الصهيونية وأن أهم عمل ديني يهودي هو الاستيطان، وبخاصة في الضفة الغربية. وقد نحت المصطلح بعض أعضاء الجماعات اليهودية من المعارضين لعملية دمج اليهودية بالصهيونية والتوحيد بينهما.

المقاومـــة العربيــة اليهوديـــة للصهيونيــة

The Resistance of Jewish Arabs to Zionism
تباينت مواقف يهود الأقطار العربية تجاه الصهيونية، ووصل الأمر ببعضها حد مقاومة هذه الحركة. وإذا كان طبيعياً أن تجد الصهيونية من يؤيدها وسط هؤلاء؛ فإن من الطبيعي، أيضاً، أن يعارضها آخرون منهم، وأن يناصبوها العداء؛ بعضهم بسبب فكره الماركسي، المعادي للصهيونية، أصلاً؛ والبعض الآخر لوعيه بأن الصهيونية ستجلب على اليهود عداء العرب، وتضرب مصالح اليهود في الأقطار العربية، التي طالما ظلَّلهم التسامح الذي سادها.


لعل أهم المنظمات التي أسسها بهود من الأقطار العربية، وعملت على محاربة الصهيونية، "عصبة مكافحة الصهيونية" في العراق؛ و"الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية" في مصر.

وما أن وضـعت الحـرب العالمية الثانية أوزارها (1939 ـ 1945)، حتى صعَّدت الإدارة الأمريكية جهودها الرامية إلى التعجيل بإقامة الدولة اليهودية. وفي العراق سمحت حكومته بتشكيل أحزاب سياسية؛ وهو ما حدا باللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي (السري)، أواسط سنة 1945، إلى طلب ترخيص لحزب سياسي علني، باسم "حزب التحرر الوطني"؛ فيما كلفت اللجنة المركزية أعضاء يهود في الحزب الشيوعي بالعمل من أجل تأسيس منظمة جماهيرية لمكافحة الصهيونية. وكان اليهود يشكلون في العراق أقلية نشيطة، اقتصادياً وسياسياً وثقافياً؛ الأمر الذي أهَّلهم لاحتلال موقع متميِّز في المجتمع العراقي.

أما الأعضاء الذين كلفوا من قبل اللجنة المركزية للحزب، فهم: يهودا صديق؛ ويوسف هارون زلخة؛ ومسعد قطَّان؛ وإبراهيم ناجي؛ ويعقوب فرايم؛ ونعيم شوع؛ ويوسف زلوف. حيث عقدوا عدة اجتماعات، صاغوا خلالها برنامجاً سياسياً، ونظاماً داخلياً لعصبة مكافحة الصهيونية، التي طلبوا ترخيصاً لها من الحكومة العراقية. وما إن حصلوا عليه، حتى تألفت هيئة إدارية للعصبة، ترأسها يوسف هارون زلخة؛ فيما ترأس هيئة الرقابة يهودا صديق.

وقد كان يهود العراق في أمسِّ الحاجة إلى توثيق صلاتهم بالشعب العراقي، وتحقيق اندماجهم فيه، وإقناعه بانعدام الصلة بين يهود العراق والحركة الصهيونية.

أصدرت العصبة عدة كراسات؛ كما عمدت إلى نشر برنامجها، جماهيرياً؛ وعقدت اجتماعات ومؤتمرات جماهيرية حاشدة في مقرها، بالكرخ، أحد أحياء العاصمة العراقية، بغداد؛ وأصدرت جريدتها العصبة، عن دار الحكمة للطباعة، المملوكة للعصبة نفسها. ونشرت هذه الجريدة سلسلة مقالات، شرحت أهداف العصبة، سرعان ما جمعتها قيادة العصبة، وأصدرتها في كتاب، حـمل عنـوان نحـن نكافـح في ســبيل من؟ وضد مـن نـكافح؟. وفيه فصلت اليهودية عن الصهيونية، "المرتبطة بالاستعمار العالمي، وعلى رأسه الاستعمار الأمريكي". مؤكدة أنه "ليس لليهود قضية منفصلة عن قضايا شعوبهم". واعتبر الكتاب الصهيونية" عميلاً للإمبريالية، وأداة لها"؛ ورأت في "الفاشية والصهيونية توءمين لبغيّ واحدة، هي العنصرية". وأكدت أن الصهيونية إنما تهدف إلى دق إسفين بين اليهود والعرب، بما يصرف هؤلاء وأولئك عن النضال الوطني. ويعلن الكتاب عداء العصبة للوطن القومي اليهودي، لأنه "يُفرِّق بين اليهود ومواطنيهم في الوطن الواحد، ولأنه يستهدف شطر فلسطين العربية عن جسم البلاد العربية، وإفناء شعبنا العربي". ورغم أن الصهيونية تتلون أمام اليهود، بما يرضي فريقاً منهم، إلا أن دينها "نفاق ورياء، وقوميتها عنصرية اعتدائية، واشتراكيتها انتهازية". ورأى الكراسة أن الصهيونية تطمع، فقط، في إغراق الأسواق بالبضائع، لتضرب الصناعة الوطنية، وتسيطر على التجارة. أما تبنِّي الاستعمار للصهيونية، فلأنها أداته في قلب الوطن العربي. واعتبرت العصبة غياب الديموقراطية عن الأقطار العربية عاملاً منشطاً للصهيونية في هذه الأقطار. وطالبت بضرورة إشراك المنظمات الشعبية في الكفاح من أجل طرد الاستعمار البريطاني، الذي أوجد الصهيونية في فلسطين.

حين حلَّت الذكرى الثامنة والعشرون لصدور وعد بلفور (2/11/1945)، أصدرت العصبة بياناً، ضمَّنته استنكارها هذا الوعد. وأضاف البيان أن "الاستعمار يستطيع أن يتكرم بفلسطين، مئات المرات، طالما أنها ليسـت بلاده، وطالما أنه يجـد في ذلك ربحـاً له ومغنماً". واعتبر البيان غاية الاستعمار وعميلته الصهيونية من "وعد بلفور"، تحويل "نضال العرب، الموجَّه ضد الاستعمار، نحو جماهير اليهود، وبذلك تخلق منهم حاجزاً يختفي وراءه الاستعمار، ولو كان المستعمرون يعطفون، حقاً، "على اليهود لعاملوهم معاملة طيبة في أوربا". وأكد بيان العصبة "أن حل المشكلة اليهودية يتم بحل مشكلة البلدان التي يعيش فيها اليهود. أما [حل] فلسطين، فهو فضلاً عن أنه لا يحل المشكلة اليهودية، فهو اعتداء صريح غاشم على حقوق الشعب العربي". ودعت قيادة العصبة في بيانها المواطنين "إلى النضال من أجل استقلال فلسطين، استقلالاً تاماً، وتأليف حكومة ديموقراطية عربية فيها، ومنع الهجمة الصهيونية إلى فلسطين؛ وإيقاف انتقال الأراضي إلى الصهاينة". وهي أهداف الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها آنذاك.

في فبراير 1946، تقرَّر إرسال لجنة تحقيق أنجلو ـ أمريكية إلى فلسطين، لبحث إمكانية استيعابها مئة ألف مهاجر يهودي جديد؛ فأصدرت العصبة بياناً، ذكَّرت فيه بما كانت رددته، قبلئذ، من "أن مشكلة فلسطين يجب أن تُفصَل عن المشكلة اليهودية، لأن المشكلة الأولى ما هي إلا مشكلة شعب يناضل في سبيل حريته واستقلاله". وتساءل بيان العصبة: "فإذا كانت المشكلة اليهودية لا تربط بمشاكل الشعوب المناضلة الأخرى، فلماذا ـ إذن ـ تربط بمشكلة الشعب الفلسطيني العربي المناضل؟!". يردف البيان، مؤكداً "... وأن قضية فلسطن لا تحتاج إلى تحقيق". وزود البيان بقرار سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين القاضي بالسماح، شهرياً، بهجرة ألف وخمسمائة يهودي إلى فلسطين. وشددت العصبة في بيانها على "أن العرب لا يمكن أن يحصلوا على حرياتهم واستقلالهم، إلا بالاعتماد على أنفسهم، وبالتعاون مع قوى الشعوب المعادية للظلم والاستعمار". وطالب البيان رؤساء الحكومات العربية بالعمل على رفع قضية فلسطين إلى مجلس الأمن الدولي، لإلغاء الانتداب، ومنحها استقلالاً تاماً.

في الوقت نفسه، بادرت العصبة إلى إرسال مذكرتين، أولاهما إلى رؤساء الحكومات العربية، وثانيتهما إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية؛ نددت فيهما باللجنة الأنجلوـ أمريكية، بعد أن اعتبرتها ستاراً مهلهلاً "يختفي وراءه الاستعماران البريطاني والأمريكي، بقصد القيام بهجوم جديد، لدعم الصهيونية، وتثبيت أقدام الاستعمار في فلسطين، وباقي البلاد العربية".

في السياق نفسه، أصدرت العصبة بياناً "إلى الجماهير العربية"، ندَّدت فيه بقرار الكونجرس الأمريكي السماح لمئة ألف يهودي بالهجرة إلى فلسطين. ونبهت العصبة إلى مؤامرة بريطانية ترمي إلى تقسيم فلسطين. وأكدت عجز اللجنة الأنجلو ـ أمريكية "عن إصدار حـكم يمس جـوهر القضية... إلغاء الانتداب البريطاني، وتأليف حكومة وطنية ديموقراطية في فلسطين". وانتهى بيان العصبة إلى "أن حل قضية فلسطين لن يتم إلا عن طريق توحيد نضال الشعوب العربية، واعتمادها ـ بالدرجة الأولى ـ على كفاحها الوطني المشترك، وعلى رفع قضية فلسطين إلى مجلس الأمن...".

بمجـرد صدور بيان اللجنـة الأنجلو ـ أمريكـية، شــاركت العصبة، أواخر مايو 1946 الحزب الشيوعي العراقي وحزب التحرر الوطني [تحت التأسيس]، في تنظيم مظاهرة حاشدة، ندَّدت بهذا البيان الاستعماري، واصطدمت بقوات الجيش العراقي، وهو ما دفع الحكومة العراقية إلى تعطيل صحيفة العصبة لمدة سنة. فوجهت العصبة مذكرة إلى رئيس جمعية الصحفيين في بغداد، رأت فيها أن "للاستعمار والصهيونية دخلاً، قد حمل السلطات على إصدار قرار التعطيل... لغرض إيقاف الحملة الوطنية المثارة، اليوم، في سبيل فلسطين العربية"؛ وأن هذا التعطيل "معناه تكميم أفواه الشعب. معناه تجريده من أداة فعالة، توجه نضاله. معناه ترك البسطاء من أبناء شعبنا فريسة الدعايات الأجنبية.

في يونيه 1946، اعتقلت الحكومة العراقية قادة العصبة؛ لكن بعد أن حرثت العصبة عميقاً في الحياة السياسية والفكرية للمجتمع العراقي، فكشفت أغراض اللجنة الأنجلو أمريكية، وطالبت بانتزاع قضية فلسـطين من أيدي الحكـومات البريطانية، ونقلها إلى مجلـس الأمن، ودعت إلى إغلاق الحدود في وجه الجيش البريطاني، المتنقل بين العراق وفلسطين، وعملت على أن يُنظَّم الدفاع عن فلسطين على أساس شعبي، "يعتمد على قوانا الداخلية، وعلى حقنا الدولي"؛ ونبذ "حُسن الظن بالمستعمرين"، أو انتظار حل مشاكلنا الوطنية على أيدي "لجانهم التحقيقية، وموائدهم المستديرة". كما دأبت العصبة على دعوة المنظمات الشعبية الديموقراطية في الأقطار العربية إلى مؤتمر يوحد جهودها "من أجل تحرير فلسطين والبلاد العربية". ولطالما لجأت العصبة إلى عقد مؤتمرات جماهيرية حاشدة، لتعبئة الشعب العراقي في هذا الصدد. كما ألغـمت الاسـتعمار البريطـاني في أهم قاعدة اجتماعية يستند إليها، وهي الأقليات الدينية والعرْقية. لذا كان طبيعياً أن تحتل صحيفة العصبة المكان الأول بين الصحف العرْقية، من حيث المادة وكمية المطبوع. فضلاً عن أن العصبة قدمت القضية الفلسطينية إلى الشعب العراقي "بشكل علمي واقعي"؛ وعرَّت الصهيونية، وفضحت أغراض الاستعمار، وروابطه بالصهيونية.

بيد أن محكمة عراقية أصدرت حكمها بالسجن المؤبد على يوسف هارون زلخة، مدعية أنه إنما يترأس عصبة للكفاح من أجل الصهيونية لا ضدها. فيما كانت الحكومة العراقية تعجل بتهجير زهاء مائة وثلاثين ألف يهودي من العراق إلى فلسطين المحتلة، مقابل عشرة دنانير عن كل مهاجر يصل إلى هناك، تدخل جيوب متنفذين في الحكومة العراقية.

في السياق نفسه تكوَّنت، في مصر، أواسط سنة 1946، "الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية"، بمبادرة من منظمة "إيسكرا" الشيوعية المصرية السرية، حيث كلفت "قسم اليهود" في المنظمة بتأسيس هذه الرابطة، بعد تعاظُم الخطر الصهيوني، والتهاب القضية الفلسطينية، وهو ما تطلَّب تنظيماً جماهيرياً، يؤكد انفصال الدين اليهودي عن الصهيونية، الحركة السياسية الموالية للاستعمار، ومن هنا عداء الصهيونية لليهود، فضلاً عن عدائها للحركات الوطنية. كما يناضل هذا التنظيم ضد الصهيونية ولأن هذا التنظيم سيحصر نشاطه في الوسط اليهودي المصري، لذا كان طبيعياً أن يقوم على أكتاف اليهود.

 هكذا تأسست "الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية". ولخصت أهدافها "في محاربة العنصرية، ومكافحة الاستعمار، وربيبته الصهيونية". وشدَّدت على أن جماهير اليهود تعادي الصهيونية. ودعت الرابطة إلى "تكتيل جميـع العناصر الوطنيـة المخلصة، لتحطيم الاستعمار، وقهـر الصهــيونية، وإيجـاد شرق عربي حر مسـتقل، يظلله التسـامح، وجو الأخـاء المطهر من العنـصرية العصبية المقيتة، التي لن يكسب من ورائها سوى الغاصب المحتل".

ضمت اللجنة التأسيسية للرابطة في عضويتها: عزرا هراري (أمين السر)؛ ومارسيل إسرائيل؛ وإدوار متالون؛ وهانزين كاسفلت؛ وإدوارد ليني.

رأت الرابطة أنها بمناهضتها للصهيونية "تخدم المصالح الحقيقية للطائفة اليهودية المصرية" وقد وقعت الرابطة بين مطرقة الحكومة المصرية المستبدة، وسندان الصهيونية النشيطة في مصر. مع ذلك، نجحت الرابطة في إصدار كراسة واحدة، في يونيه 1946. وفي مايو 1947 اعتقلت حكومة محمود فهمي النقراشي المصرية أعضاء اللجنة التأسيسية للرابطة، وأفرجت عنهم، بعد 48 ساعة.

في الكراسة عددت الرابطة أهدافها، في:

1) الكفاح ضد الدعاية الصهيونية التي تتعارض مع مصالح كل من اليهود والعرب.

2) الربط الوثيق بين يهود مصر والشعب المصري، في الكفاح من أجل الاستقلال والديموقراطية.

3) العمل على حل مشكلة اليهود المشردين".

رغم عمر الرابطة القصير، إلا أنها نجحت في إلقاء حزمة أضواء على طبيعة الصهيونية، وروابطها الحميمة بالاستعمار، وخطرهما على الحركات الوطنية العربية وعلى جموع اليهود؛ كما أوضحت الرابطة أن الدولة اليهودية ستساعد على تثبيت أقدام المستعمرين في المنطقة، وتربط اليهود بعجلة الاستعمار، وتصبح الدولة رأس الرمح الاستعماري ضد شعوب البلاد العربية". وأدانت الرابطة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، التي تعارضها أغلبية الشعب الفلسطيني، وتؤدي "بإخواننا اليهود إلى أن يعيشوا في جو حرب أهلية في فلسطين". وأعربت الرابطة عن ثقتها في أن "فلسطين الحرة المستقلة ستشترك ـ عن طيب خاطر ـ مع الدول الديموقراطية الأخرى، في إيواء اليهود المشردين". واقترحت الرابطة حلاً لمسألة المشردين اليهود، مؤداه "إعادتهم إلى البلاد التي طردتهـم منها الفاشية"، واسـتقبال من يُرفَض منهــم في سائر الأقطار.

كما ندَّدت الرابطة بالإرهاب الصهيوني في فلسطين، ووصفته بالفاشـية، وبأنه موجَّه ضــد الجماهير اليهودية، ولحساب المستعمرين؛ الذين وجدوا فيه ذريعة لاستمرار قمعهم للشعب الفلسطيني. ورأت الرابطة في "تكوين جبهة موحدة مع الحركة التحريرية العربية في سبيل فلسطين حرة مستقلة ديموقراطية... طريق الخلاص الوحيد للجماهير اليهودية في فلسطين".

وفيما يتصل بالتأييد الذي تلقاه الصهيونية في أوساط اليهود المصريين، قدمت الرابطة تفسيراً طبقياً. ذلك أن أغلب يهود مصر ينتمون إلى الطبقات المتوسطة؛ "فصاحب الخدمة اليهودي، والتاجر الصغير، والمستخدم، الذين يقاسون شظف العيش، كثيراً ما يقعون فريسة للدعاية الصهيونية، التي تجعلهم يحلمون بالهرب من حياتهم الصعبة، ليعيشوا في فلسطين... [إضافة إلى] ضغط أصحاب الأعمال الصهيونيين، أو المجندين للصهيونية". ولا ترى الرابطة من سبيل أمام يهود مصر إلا "الانضمام إلى الحركة الوطنية المصرية، والتضامن التام معها، في سبيل تحقيق جميع أهدافها، إذ لا تختلف مصالح الجماهير اليهودية، بتاتاً، عن مصالح الشعب المصري، عادةً".

أما العداء لليهودية، فترى الرابطة أنه سلاح في أيدي أعداء التقدم والحرية. وأن المشكلة اليهودية أصبحت، اليوم، ذات ثلاثة جوانب متمايزة: أولها مشكلة الأقليات اليهودية في أرجاء العالم؛ وثانيها يهود فلسطين؛ وثالثها اليهود الذين لا مأوى لهم. وأنكرت الرابطة على اليهود حق إقامة دولة خاصة بهم. وأكدت أن العداء لليهودية لا يتقدم إلا حيث تتراجع الديموقراطية. واتهمت الرابطة الصهيونيين "بصرف اليهود عن الكفاح ضد عدوهم الأول ـ ألا وهو الفاشية". ورأت "أن سلام الأقليات اليهودية لن يُكفَل، إلا بالتحالف مع القوى الديموقراطية، التي بتحقيقها للحرية والرفاهية لكل الشعب ستحقق بهذا الحرية والرفاهية لليهود".

وانتهت الرابطة في كراستها إلى أن "الطريق الوحيد الذي يجب أن يسلكه يهود فلسطين هو التفاهم مع العرب، والاتحاد معهم، لتحرير فلسطين من نير الاستعمار". ذلك "أن فلسطين مستقلة ديموقراطية هي الوحيدة التي تستطيع أن تضمن للسكان اليهود حياة رغدة، حرة، ومثمرة".

ما كان لنشاط الرابطة أن يستمر دون رد فعل عنيف من الحركة الصهيونية في مصر، التي اسـتقرت بالبوليـس المصري وببـعض البلطجية، وعمدت إلى طرد الشيوعيين اليهود من نادي مكابي القاهرة. وفي السياق نفسه، اجتمعت الجمعيات الصهيونية في مصر، واعتمدت ميزانية مقدارها عشرة آلاف جنيه، لمحاربة الشيوعيين اليهود في مصر وأنشطتهم المتزايدة.

تصاعدت المواجهة بين الصهيونيين والشيوعيين اليهود، ولجأ الأخيرون إلى نشر مقالات في يومية صوت الأمة القاهرية الوفدية، ومنها كشف انتساب البورجوازية اليهودية في مصر للصهيونية. كما ألقت هذه المقالات الضوء على "أوكار الصهيونية في مصر"؛ وفي مقدمتها "مكابي القاهرة"، مقر النشاط التخريبي والدعوة للصهيونية. حيث تعلو جدرانه شعارات تدعو للهجرة إلى فلسطين "الوطن القومي لليهود"؛ وتشيد بالصهيونية، باعتبارها حركة وطنية.

في مجال كشف "الأوكار الصهيونية"، نشرت صوت الأمة حلقة أخرى، خصصتها لكشف "شركة الإعلانات الشرقية"، باعتبارها وكراً صهيونياً. وكانت الشركة تصدر صحيفتين بالفرنسية (لابورص؛ و البروجريه)؛ وصحيفتين أخريين بالإنجليزية (الإجبشيان جازيت؛ و الإجبشيان ميل)". وعـادت ملكـية الشـركة لبعـض الصهاينة والإنجليز. وجعلت مهمتها الدفاع عن الاستعمار والصهيونية، ومهاجمة الوطن والوطنيين المصريين، حتى وصفتهم "بأنهم جماعة من الرعاع". ولطالما أثارت خوف الأجانب "من الحركة الوطنية في مصر". وأدانت صحف هذه الشركة "الحركة الوطنية العربية في فلسطين بأنها حركة رجعية". وألقى مقال صوت الأمة الضوء على احتكار هذه الشركة للإعلانات في مصر، وهو ما أوقع عدداً كبيراً من الصحف والمجلات المصرية تحت سيطرة هذه الشركة.

تطور الصراع بين اليهود الصهيونيين وخصومهم اليهود الشيوعيين إلى الاشتباك بالأيدي، غير مرة، وفيها سالت الدماء. ونفى الرأسمالي اليهودي المصري الكبير، رئيس مكابي القاهرة، كليمان شيكوريل، إلى صوت الأمة أن يكون المكابي وكراً للصهيونية. وإن لم يعلن شيكوريل معاداته للصهيونية، على نحو ما فعل خصومه الشيوعيون اليهود.

ونشرت صوت الأمة مقالاً آخر، تناول استخدام المدارس الأجنبية، والسفارة البريطانية في بث السموم الاستعمارية، بينما يستخدم الصهاينة المدارس اليهودية في نشر دعايتهم، وجَمْع التبرعات، ويديرون من نواديهم المؤتمرات ضد الشعب الفلسطيني. وقد تبع هذا مقال آخر، كشف النقاب عن لجنة تكوَّنت من كبار الماليين اليهود المناصرين للصهيونية في مصر، تحصل جنيهاً مصرياً واحداً من كل يهودي قادر، لحساب الأنشطة الصهيونية.

في أواسط يونيو 1947، أبلغت وزارة الشئون الاجتماعية المصرية سكرتير الرابطة، عزرا هراري "بعدم الموافقة على تكوين الرابطة، لأسباب تتعلق بالأمن العام" كأن مكافحة الصهيونية تخل بالأمن المصري، بينما النشاط الصهيوني يدعمه ويعززه.

في مايو 1948، ألقت سلطات الأمن المصرية القبض على كل اليهود المصريين المعادين للصهيونية، وأبعدت النسبة الأكبر منهم عن البلاد، فانحسر الأساس الجماهيري للرابطة، وكفت عن الحركة.

  • الاثنين AM 12:55
    2021-05-10
  • 1048
Powered by: GateGold