المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413937
يتصفح الموقع حاليا : 309

البحث

البحث

عرض المادة

مشـروع ليبيــا

مشـروع ليبيــا
Libya Project
يرجع الاهتمام الصهيوني بتوطين اليهود في ليبيا إلى مطلع القرن العشرين، عندما اكتشف هرتزل ما كانت تبيته إيطاليا من نوايا استعمارية إزاء ليبيا، في إطار مساعيها للحصول على نصيب من تركة الدولة العثمانية في شمال أفريقيا وإيجاد موضع لقدمها هناك، وبخاصة بعد سقوط تونس والجزائر في قبضة الاستعمار الفرنسي عامي 1830 و1881، ثم وقوع مصر تحت الاحتلال البريطاني عام 1882.


وبادر هرتزل عام 1904 بتقديم اقتراح إلى ملك إيطاليا، يرمي إلى تهجير عدد من يهود شرق أوربا إلى طرابلس الغرب لكي يقيموا فيها حكماً ذاتياً في "ظل القوانين والمؤسسات الليبرالية الإيطالية". وأفاض هرتزل، كدأبه مع زعماء القوى الاستعمارية الكبرى، في ذكر المنافع التي ستعود على إيطاليا من جراء هذا المشروع والخدمات التي يمكن أن تؤديها الحركة الصهيونية لإيطاليا، إلا أن الملك الإيطالي آثر عدم الاستجابة للاقتراح خشية افتضاح أمر الأطماع الإيطالية في ليبيا وما يمكن أن يسببه هذا من مشاكل مع بريطانيا وفرنسا والدولة العثمانية، فرد على هرتزل بما يفيد عدم قدرة إيطاليا على تقديم الدعم للمنظمة الصهيونية العالمية في هذا الصدد، واحتج بأن "طرابلس الغرب وطن للآخرين" ولا سلطان لإيطاليا عليها.

وفي أعقاب وفاة هرتزل، جددت المنظمة الصيهونية الإقليمية بزعامة إسرائيل زانجويل مشروع توطين اليهود في ليبيا. ففي عام 1906 أوفد زانجويل لجنة من الخبراء الصهاينة إلى طرابلس الغرب لبحث إمكانية توطين اليهود هناك. وعادت اللجنة بانطباعات إيجابية ضمنتها تقريرها إلى زانجويل الذي أشارت فيه إلى استعداد السلطات العثمانية في ليبيا لقبول فكرة إنشاء مستوطنات يهودية في منطقة الجبل الأخضر بولاية برقة. وفي الوقت نفسه، أوعزت الحكومة البريطانية إلى قنصلها العام في مدينة تونس، السير هاري جونستون، بأن يقترح على زانجويل فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في منطقة الجبل الأخضر وإرسال بعثة لدراسة أحوال المنطقة، مؤكداً له استعداد والي ليبيا العثماني رجب باشا (1904 ـ 1909) لتقديم سائر التسهيلات لأعضاء البعثة.

وكانت بريطانيا ترمي من وراء ذلك إلى إيجاد قوة تستطيع مواجهة خطر التدخل الإيطالي المحتمل في ليبيا، بينما وجد الوالي العثماني في الاستيطان اليهودي فرصة لتحسين الأوضاع الاقتصادية السيئة في ليبيا. أما المنظمة الصهيونية الإقليمية، فقد نظرت إلى اقتراح توطين اليهود في برقة بوصفه مشروعاً مربحاً من الوجوه كافة، فهو أولاً مشروع يحظى بتأييد اثنتين من القوى الكبرى، وهما بريطانيا والدولة العثمانية، وهو ما يضمن له الحماية والتمويل اللازمين لنجاحه. كما أن المنطقة المقترحة للاستيطان في برقة تكاد تخلو من السكان الأصليين، وهو ما يجعل غلبة النفوذ اليهودي فيها أمراً يسيراً، وذلك عن طريق جلب أعداد كبيرة من اليهود إلى المنطقة وإجبار السكان الأصليين على الهجرة باتجاه الصحراء، وخصوصاً أن المنطقة تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يُسهِّل عملية جلب اليهود من روسيا ورومانيا. وفضلاً عن هذا، من الممكن على المستوى الدعائي إيجاد ذرائع لجذب اليهود إلى الاستقرار في برقة حيث كانت هذه المنطقة مأوى لعدد كبير من اليهود في عصر الإسكندر المقدوني والبطالمة. ثم إن هذه العناصر مجتمعة تجعل المشروع أمراً ممكناً على عكس مشاريع الاستيطان الأخرى التي كانت مطروحـة آنذاك، مثل مشـروع قبرص ومشـروع أوغندا.

وقد سعت المنظمة الصهيونية الإقليمية، منذ البداية، إلى تقديم نفسها بوصفها الحارس لمصالح الدولة العثمانية في المنطقة وأبدت استعدادها للقيام "بكل ما فيه خير البلاد العثمانية"، فعرضت أن يَحصُل المستوطنون اليهود على الجنسية العثمانية وأن يقوموا بدفع ما يلزم من ضرائب ورسوم بشكل جماعي، وأن تتولى المنظمة إقامة ميناء على الساحل الليبي وإنشاء سكة حديدية وتأسيس ملاحة، على أن تعمل هذه المؤسسات جميعها تحت سيطرة الدولة العثمانية وفي خدمتها.

وفي عام 1908، أوفدت المنظمة بعثة من الخبراء الصهاينة إلى طرابلس الغرب حيث التقى أعضاؤها بالوالي العثماني الذي رحب بهم وكلف أحد معاونيه بمصاحبتهم إلى برقة لتذليل أية صعوبات قد تواجههم. وأمضت البعثة ثلاثة أسابيع في برقة أجرت خلالها أبحاثاً مكثفة تركزت على أوضاع المنطقة ومواردها المائية وفرص إقامة مشاريع زراعية بها. وأدرجت البعثة خلاصة بحوثها تلك في تقرير صدر في مطلع عام 1909 وأُطلق عليه اسم الكتاب الأزرق تضمن عدداً من المقترحات العملية التي تهدف إلى توفير احتياجات المنطقة من المياه، وإنشاء شبكة مواصلات حديثة تربط برقة بغيرها من مدن ليبيا، وتنظيم الاستيطان اليهودي هناك. وشدد التقرير على ضرورة تحاشي كل ما من شأنه إحراج السلطات العثمانية الراعية للمشروع أو تعكير صفو العلاقات معها، فاقترح أن يتم جلب اليهود على مراحل وبأعداد صغيرة في أول الأمر، وعدم المطالبة بالحكم الذاتي منذ البداية. بيد أن الأوضـاع العالميـة آنذاك سـارت على غير ما كان يشـتهي واضعو المشروع. فقد شهد عام 1909 وقوع انقلاب في الدولة العثمانية أطاح بالسلطان عبد الحميد الثاني ودفع الدولة إلى دوامة من الصراعات والمشاكل الداخلية الحادة التي شغلتها عن الاهتمام بمشروع الاستيطان اليهودي، فضلاً عن وفاة والي ليبيا العثماني الذي كان من مؤيدي المشروع. وزاد الموقف تعقيداً إقدام إيطاليا عام 1911 على غزو ليبيا واحتلالها، ولم يلبث العالم بأسره أن اندفع في غمار الحرب العالمية الأولى، وكان من شأن هذا كله أن يؤدي إلى القضاء على المشروع في مهده.

  • الاحد PM 10:06
    2021-05-09
  • 842
Powered by: GateGold