المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409030
يتصفح الموقع حاليا : 305

البحث

البحث

عرض المادة

الصهيونية الإقليمية

محـــاولات تضييـق نطــاق المشروع الصهيـونى
Attempts at Setting Limits to the Zionise Project
في باب سابق بيَّنا أن ثمة صراعاً أساسياً بين شرق أوربا (يهود اليديشية والفائض البشري) وغربها (اليهود المندمجون). ومع تدفُّق يهود اليديشية على وسط وغرب أوربا، ظهر المشروع الصهيوني لتحويل سيل الهجرة، ثم ترجم الصراع نفسه إلى الصهيونيتين: الاستيطانية والتوطينية. والصهيونية التوطينية شكل من أشكال التملص من الصهيونية عن طريق تضييق نطاقها بحيث تصبح مجرد دعم الدولة الصهيونية سياسياً واقتصادياً دون الاستيطان في فلسطين.


والصهيونية التوطينية لم تكن المحاولة الوحيدة لتضييق نطاق الصهيونية، فهناك محاولتان أخريان: كانت الأولى تهدف إلى الإسراع بعملية تخليص أوربا من فائضها اليهودي عن طريق توطينهم في أي أرض، دون أي اعتبار للديباجات الصهيونية. أما الثانية فكانت تهدف إلى تخفيف حدة المواجهة مع السكان الأصليين عن طريق تأسيس دولة ثنائية القومية. ويُلاحَظ أن محاولات تضييق نطاق الصهيونية كان يعني التخلي عن بعض عناصر الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة.

الصهيونية الإقليمية
Territorial Zionism
»الصهيونية الإقليمية» ضرب من ضروب الصيغة الصهيونية الأساسية قبل أن تتحوَّل إلى الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة وقبل أن تدخلها أية ديباجات إثنية أو دينية أو أيديولوجية، فهي تذهب إلى ضرورة تهجير الفائض البشري اليهودي في أوربا إلى أي مكان في العالم حلاًّ للمسألة اليهودية، فهي إذن شكل من أشكال الصهيونية التوطينية. وكان الصهاينة الإقليميون يرون اليهود عنصراً استيطانياً أبيض يُوطَّن في أي مكان، وكانوا يرون المشروع الصهيوني مشروعاً غربياً تماماً وجزءاً لا يتجزأ من التشكيل الاستعماري الاستيطاني الغربي الذي يرمي إلى خلق مناطق نفوذ غربية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية يَبسُط من خلالها سيطرته الكاملة على العالم، كما يرمي إلى خلق بقع استيطانية تستوعب الفائض البشري اليهودي. وكان العنصر الحاسم في اختيار هذا المكان أو ذاك هو مدى أهميته في سياق المصالح الاستعمارية للدولة الراعية للمشروع التوطيني. ولذا، فإنهم لم يطالبوا بدولة يهودية مستقلة ذات سيادة، وتركوا هذه النقطة لتقررها الدولة الراعية التي ستقوم بعملية نقل الفائض البشري. لكل هذا، كان الصهاينة الإقليميون لا يرون ضرورة تحتم إنشاء هذا الجيب الاستيطاني اليهودي في فلسطين، بل إن بعضهم كان يشير إلى أن فلسطين بالذات غير مناسبة بسبب وجود العرب فيها.


وقد كان دعاة المشاريع المختلفة لتوطين اليهود خارج أوربا على وعي تام باستحالة تحقيق أيٍّ من هذه المشاريع إلا إذا حظي برعاية قوة استعمارية كبرى تجد فيه فرصتها لتحقيق مصالحها الاستعمارية بشكل أو آخر، ومن ثم كان هؤلاء الدعاة يحرصون على السعي لدى هذه القوة العظمى أو تلك لضمان أن يتم المشروع التوطيني بموافقتها وتحت رعايتها، ولم يكن يعنيهم في كثير أو قليل أن يحظى المشروع بموافقة أعضاء الجماعات اليهودية (المادة البشرية المُستهدَفة) ممن كان يُرجَى توطينهم.

ودعاة الصهيونية الإقليمية التوطينية، من أمثال دي هيرش وترييتش وزانجويل وأضرابهم، هم في الغالب من اليهود غير اليهود الذين فَقَدوا هويتهم الدينية والإثنية. ولذا، فإنهم لم يعودوا يشعرون بأي ضرورة لمسألة الحفاظ على ما يُسمَّى «الإثنية اليهودية». كما أن يهود الغرب بينهم كانوا يرغبون في تحويل سيل الهجرة اليهودية من بولندا وروسيا بشكل فوري لأي مكان لأنه يهز مواقعهم الطبقية ومكانتهم الاجتماعية الجديدة ويهدد وجودهم كجزء من النخب المتميِّزة اقتصادياً وسياسياً وحضارياً في مجتمعاتهم الأوربية.

وإصرار هؤلاء الصهاينة على بقعة ما دون غيرها كان دائماً في إطار محاولتهم تأكيد ولائهم لأوطانهم ولمصالحه الاستعمارية. فزانجويل البريطاني (صاحب مشروع شرق أفريقيا)، كان يدافع في واقع الأمر عن المصالح الإمبريالية الإنجليزية التي كانت تبحث عن مواطنين بيض لتوطينهم في جزء من الإمبراطورية. ولقد انصرف اهتمام زانجويل والإقليميين عن فلسطين لأن بريطانيا كانت قد احتلت مصر في مطلع القرن العشرين، ولم تكن تستطيع في ظروف التوازن الدولي الدقيق أن تخطط للاستيلاء على فلسطين، فكان اهتمامها بالمنظمة الصهيونية قائماً على رغبتها في تسخيرها لتنظيم استيطان استعماري في بعض أنحاء الإمبراطورية وحسب. ولكن بتغيُّر الأوضاع في العالم إبان الحرب العالمية الأولى، وسنوح فرصة تقسيم ممتلكات الإمبراطورية العثمانية، وقيام الثورة العربية التي هددت المصالح الإمبريالية البريطانية، بُعث مشروع توطين اليهود في فلسطين ومُنح وايزمان وعد بلفور، وتَحوَّل الإقليميون عن موقفهم وعادوا إلى صفوف المنظمة الصهيونية بعد أن كانوا قد انسحبوا منها في المؤتمر الصهيوني السابع (1905) بعد أن أصبحت مصالحها متفقة مع مصالح الإمبريالية البريطانية.

ومن الأمور الجديرة بالذكر أن بنسكر في كتابه الانعتاق الذاتي وهرتزل في كتاب دولة اليهود لم يتقيدا ببقعة معينة لإقامة الدولة المقترحة. ويظهر في يوميات هرتزل أنه لم يكن يتحمس كثيراً في أواخر حياته لفكرة الدولة اليهودية في فلسطين، خشية أن يثير هذا المكان، المشحون بالدلالات الدينية والتاريخية، رغبة لدى المستوطنين في العودة إلى صُوَر الحياة اليهودية التقليدية التي كانت موضع ازدراء من جانب هرتزل، وهو الأمر الذي قد يبتعد بهم عن أساليب الحياة العلمانية "الحديثة".

  • الاحد PM 09:43
    2021-05-09
  • 900
Powered by: GateGold