المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412610
يتصفح الموقع حاليا : 281

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى تعارض أحاديث الوضوء من مس الذكر

دعوى تعارض أحاديث الوضوء من مس الذكر)*(

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المتوهمين أن أحاديث الوضوء من مس الذكر متعارضة في كون المس ناقضا للوضوء أو غير ناقض. ويستدلون على هذا بحديث قيس بن طلق عن أبيه أنه قال: «سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيتوضأ أحدنا إذا مس ذكره؟ قال: إنما هو بضعة منك أو جسدك»، بينما روي عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ». ويتساءلون: أليس هذا دليلا على تناقض السنة وتعارضها؟!

وجه إبطال الشبهة:

  • إنالأحاديثالواردةبشأنالوضوءمنمسالذكرصحيحة،ولاتعارضبينها،وللعلماءفيدفعهذاالتعارض المتوهم قولان؛ أحدهما: أن حديث طلق بن قيس «إنما هو بضعة منك» منسوخ بحديث بسرة «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ»، والثاني: هو الجمع بين الحديثين؛ على أن الوضوء واجب إذا كان اللمس بشهوة وإلا فلا، أو أن الأمر بالوضوء على الاستحباب لا الوجوب؛ وعلى كلا القولين فلا تعارض بينهما.

التفصيل:

إن الأحاديث التي توهم هؤلاء بطلانها بدعوى تعارضها أحاديث صحيحة ثابتة ولا تعارض بينها، وحتى يتضح الأمر نذكر هذه الأحاديث، ونبين مدى ثبوتها؛ فقد روى الإمام أحمد عن قيس بن طلق عن أبيه قال: «سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيتوضأ أحدنا إذا مس ذكره؟ قال: إنما هو بضعة منك أو جسدك»[1]، ورواه النسائي عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه - أيضا - قال: «خرجنا وفدا حتى قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعناه وصلينا معه، فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي، فقال: يا رسول الله ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة، قال: وهل هو إلا مضغة منك أو بضعة منك»[2]، ورواه - أيضا - ابن الجعد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والدارقطني في سننه، ومالك في الموطأ، والطبراني في معجمه الكبير، وغيرهم.

هذا عن حديث جواز الصلاة لمن مس ذكره ولم يتوضأ، أما حديث وجوب الوضوء لمن مس ذكره، فقد رواه ابن ماجه في سننه عن بسرة بنت صفوان قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ»[3]، ورواه النسائي - أيضا - عن عروة بن الزبير قال: "دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: من مس الذكر الوضوء، فقال عروة: ما علمت ذلك، فقال مروان: «أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ»[4]، ورواه الدارقطني، وابن حبان، وابن خزيمة، والحارث، وعبد الرزاق، ومالك، والبيهقي، وغيرهم.

وقد أجاب العلماء عن القول بالتعارض بين الحديثين من وجهين:

الأول: أن أحدهما منسوخ: قال العلماء: إن حديث طلق «إنما هو بضعة منك» متقدم، فهو منسوخ بحديث بسرة «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ» المتأخر، وبهذا فلا تعارض بين الحديثين[5].

الثاني: الجمع بين الحديثين: وذلك بأن المعنى: أن من مسه بشهوة انتقض الوضوء وإلا فلا، وبهذا يحصل الجمع بين حديث بسرة وحديث طلق بن علي، وإذا أمكن الجمع وجب المصير إليه قبل الترجيح أوالنسخ؛ لأن الجمع فيه إعمال الدليلين، وترجيح أحدهما إلغاء للآخر.

ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما هو بضعة منك»؛ لأنك إذا مسست ذكرك بدون شهوة صار الأمر كأنما تمس سائر أعضائك، وحينئذ لا ينتقض الوضوء، وإذا مسسته لشهوة فإنه ينتقض؛ لأن العلة موجودة، وهي احتمال خروج شيء ناقض من غير شعور منك، ومن ثم، فإذا مسه لشهوة وجب الوضوء؛ لأن مسه على هذا الوجه يخالف مس بقية الأعضاء، وإن كان لغير شهوة لا يجب الوضوء.

وقد جمع بعض العلماء بينهما بأن الأمر بالوضوء في حديث بسرة للاستحباب، والنفي في حديث طلق لنفي الوجوب؛ بدليل أنه سأل عن الوجوب، فقال: "أعليه"؟ وكلمة "على" ظاهرة في الوجوب.

وهذا هو اختيار شيخ الإسلام أن الوضوء من مس الذكر مستحب مطلقا، ولو بشهوة، وإذا قلنا: إنه مستحب، فمعناه أنه مشروع وفيه أجر واحتياط، وأما دعوى أن حديث طلق بن علي منسوخ لأنه قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبني مسجده أول الهجرة، ولم يعد إليه بعد، فهذا غير صحيح لما يلي:

o      أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن كما وضحنا.

o  أن في حديث طلق علة لا يمكن أن تزول، وإذا ربط الحكم بعلة لا يمكن أن تزول فإن الحكم لا يمكن أن يزول؛ لأن الحكم يدور مع علته، والعلة هي قوله: «إنما هو بضعة منك» ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون ذكر الإنسان ليس بضعة منه، فلا يمكن النسخ.

o  أن أهل العلم قالوا: إن التاريخ لا يعلم بتقدم إسلام الراوي، أو تقدم أخذه؛ لجواز أن يكون الراوي حدث به عن غيره، بمعنى أنه إذا روى صحابيان حديثين ظاهرهما التعارض، وكان أحدهما متأخرا عن الآخر في الإسلام، فلا نقول: إن الذي تأخر إسلامه حديثه يكون ناسخا لمن تقدم إسلامه؛ لجواز أن يكون رواه عن غيره من الصحابة، أو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حدث به بعد ذلك[6].

o  أن الذكر عضو من الجسد، فلمسه كلمس أي عضو، خاصة وأن لمس النجاسة ذاتها ليس بناقض، فأولى منه لمس العضو الطاهر[7].

وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى الجمع - كما أشرنا - فقال: "والأظهر - أيضا - أن الوضوء من مس الذكر مستحب لا واجب، وهكذا صرح به الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، وبهذا تجتمع الأحاديث والآثار بحمل الأمر به على الاستحباب، وليس فيه نسخ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وهل هو إلا بضعة منك»، وحمل الأمر على الاستحباب أولى من النسخ"[8].

وذهب الشيخ محمد بن صالح العثيمين إلى الجمع بين الحديثين، فقال: "يمكن أن يؤخذ من هذين الحديثين أن الإنسان إذا مس ذكره لشهوة وجب عليه الوضوء، وإذا مسه لغير شهوة لم يجب عليه الوضوء، ويكون هذا جمعا بين الحديثين، ويدل لهذا الجمع أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- علل عدم النقض - نقض الوضوء - بأنه (بضعة) يعني: فإذا كان بضعة منك فإن مسه كمس بقية الأعضاء، كما لو مس الإنسان يده الأخرى أو مس رجله أو مس أنفه أو مس أي طرف منه، فإنه لا ينتقض وضوؤه، كذلك الذكر فإن مسه لغير شهوة كمس سائر الأعضاء، وأما إذا مسه لشهوة فإنه يختلف عن مس سائر الأعضاء، فيكون هنا الجمع بين الحديثين أن يقال: إذا مس ذكره لشهوة انتقض وضوؤه، وإن مسه لغير شهوة لم ينتقض.

وجمع بعض العلماء بجمع آخر فقالوا: أن الأمر في قوله: "فليتوضأ" ليس على سبيل الوجوب، وإنما هو على سبيل الاستحباب، وعلى كل حال فوجوب الوضوء من مس الذكر مطلقا أو الفرج مطلقا فيه نظر، والصواب عندي خلافه[9].

وقد أكد د. يوسف القرضاوي هذا الجمع بين الحديثين - أيضا - فقال: "والذي نرجحه هو أن مس الذكر لا ينقض الوضوء بحال، وإذا كان المس بشهوة استحب الوضوء منه"[10].

والذي نصل إليه في هذه المسألة أن الأحاديث التي توجب الوضوء من مس الذكر والتي لا توجبه - أحاديث صحيحة ثابتة لا مطعن فيها، وأما القول بتعارضها فهو مردود من وجهين كما قال العلماء، الأول منهما: أن حديث طلق الصريح في أن الذكر بضعة من جسد الإنسان، ومن ثم لا يوجب مسه الوضوء - حديث منسوخ بحديث بسرة «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ»، والثاني: هو الجمع بين الحديثين؛ لأنه مقدم على الترجيح أو النسخ؛ وذلك بأن المس إذا كان بشهوة وجب الوضوء وإلا فلا، أو أن الأمر بالوضوء على الاستحباب لا الوجوب، وعلى كلا القولين - النسخ أو الجمع - فلا تعارض ولا تناقض ألبتة.

الخلاصة:

  • إنالأحاديثالواردةبشأنالوضوءمنمسالذكرصحيحةثابتة؛فقدرويتفيأغلبكتبالسنة،وصححهانقادالحديثوجهابذته،فحديثقيسبنطلقعنأبيهقال: «سألرجلرسولاللهصلىاللهعليهوسلم: أيتوضأأحدناإذامسذكره؟قال: إنما هو بضعة منك أو جسدك» حديث صحيح، صححه الإمام الألباني وشعيب الأرنؤوط، وحديث بسرة «إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ» صحيح أيضا، صححه الإمام الألباني.
  • لاتعارضبينالحديثينالسابقين،وقدأجابالعلماءعلىهذاالإشكالمنوجهين:

الأول: القول بالنسخ؛ إذ إن حديث قيس بن طلق منسوخ بحديث بسرة السابق.

الثاني: الجمع بين الحديثين؛ وذلك بأن المس إذا كان بشهوة انتقض الوضوء، وإن لم يكن بشهوة لم ينتقض؛ لأنك إذا مسست ذكرك بدون شهوة صار ذلك كأنما تمس سائر أعضائك، وإذا مسسته لشهوة ينتقض؛ لأن العلة موجودة وهي احتمال خروج شيء ناقض من غير شعور منك، وجمع بعض العلماء بينهما أيضا بأن الأمر بالوضوء للاستحباب، والنفي لنفي الوجوب.

  • الجمعبينالحديثينهناصارإليهكثيرمنالعلماء؛مستدلينعلىذلكبأنهمتىأمكنالجمعأخذبهوتركالترجيحأوالنسخ؛لأنإعمالالدليلينأولىمنإهمالأحدهما، وقد أمكن ذلك، ومن ثم فلا تعارض بين الحديثين؛ لإمكان الجمع بينهما.

 

 

 

 

(*) الناسخ والمنسوخ في الأحايث, أبو حامد الرازي، تحقيق: أبي يعقوب نشأت المصري، الفاروق الحديثة، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2004م. لا نسخ في السنة، د. عبد المتعال محمد الجبري، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 1415هـ/ 1995م. مختلف الحديث عند الإمام أحمد رضي الله عنه، د. عبد الله بن فوزان بن صالح الفوزان، مكتبة دار المنهاج، ط1، 1428هـ. السنة المطهرة، د. سيد أحمد رمضان المسير، مكتبة الإيمان، القاهرة، ط3، 1424هـ/ 2003م.

[1]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المدنيين، حديث طلق بن علي رضي الله عنه، رقم (16329). وحسنه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند.

[2]. صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: الطهارة، باب: ترك الوضوء من ذلك، (1/ 27)، رقم (166). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (165).

[3]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من مس الذكر، (1/ 161)، رقم (479). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (479).

[4]. صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من مس الذكر، (1/ 27)، رقم (164). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (163).

[5]. انظر: سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دار ابن الجوزي، السعودية، ط1، 1418هـ/ 1997م، (1/ 342، 343).

[6]. فتوى رقم (82759)، بعنوان: مس الذكر هل ينقض الوضوء؟ موقع: الإسلام سؤال وجواب، عن محمد صالح المنجد.

[7]. الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة، د. محمد بن عمر بن سالم بازمول، دار الإمام أحمد، القاهرة، ط1، 1429هـ/ 2008م، ص61.

[8]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (21/ 241).

[9]. فتاوى نور على الدرب، بعنوان: "ما حكم مس العورة سواء كان قبلا أو دبرا، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، موقع ابن عثيمين: www. ibn othaimeen. com.

[10]. فقه الطهارة، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص186.

 

  • الاحد AM 02:12
    2020-10-18
  • 1796
Powered by: GateGold