المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409153
يتصفح الموقع حاليا : 318

البحث

البحث

عرض المادة

الزعم أن حديث شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب يتعارض مع القرآن الكريم

الزعم أن حديث شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب يتعارض مع القرآن الكريم(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المغالطين أن هناك تعارضا بين حديث شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب، والقرآن الكريم؛ مستدلين على ذلك بأنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن شفاعته تنفع عمه أبا طالب، وتجعله في ضحضاح[1] من نار، ولولا ذلك لكان في الدرك الأسفل من النار، وهذا يتعارض مع قول الله تعالى في شأن الكافرين: )فما تنفعهم شفاعة الشافعين (48)( (المدثر)، فكيف تنفع شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عمه أبا طالب، مع أنه مات على الشرك، وكان محيطا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يسلم أو ينطق بالشهادة عند موته؟!! ويتساءلون: أليس في هذا الحديث مخالفة صريحة لنصوص القرآن، ومجاملة لعمه أبي طالب، وإحياء لعصبية القرابة التي أماتها الإسلام. رامين من رواء ذلك إلى التشكيك في الأحاديث الصحيحة وردها.

وجها إبطال الشبهة:

1) إن نفي انتفاع الكفار بالشفاعة في القرآن عام، وأما الشفاعة لأبي طالب فهو استثناء من هذا العموم؛ وذلك لما كان له من يد بيضاء في حماية النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبلغ دعوة الله، ومع ذلك فإنه لا يخرج من النار.

2) إن اتهام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتعصب لأقاربه من خلال شفاعته لعمه أبي طالب، قول باطل يدحضه كثير من المواقف التي تدل على أنه لم يحاب أحدا من أقاربه، فقد قال يوما لرجل سأله عن مصير أبيه - أي: أبي السائل - فقال له: «إن أبي وأباك في النا» فهل أبو طالب أولى من أبي الرسول ليشفع له، أو يطلب من ربه التخفيف عن أبيه؟!

التفصيل:

أولا. حديث شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب حديث صحيح، ولا يتعارض مع القرآن:

إن حديث شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب حديث صحيح رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما؛ فقد روى البخاري بسنده عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: "قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك. قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار»[2].

وروى أيضا عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر عنده عمه فقال: «لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه»[3].

وروى الإمام مسلم هذا الحديث عن العباس وعن أبي سعيد[4] أيضا، وبوب النووي لهذه الأحاديث بابا بعنوان: "باب شفاعة النبي لأبي طالب، والتخفيف عنه بسببه".

ولهذا فالحديث صحيح في أعلى درجات الصحة؛ فقد اتفق على روايته الشيخان، وما اتفق على صحته البخاري ومسلم فقد جاوز القنطرة كما قرر المحدثون.

أما ادعاء أن هذا الحديث يتعارض مع قوله تعالى: )فما تنفعهم شفاعة الشافعين (48)(، ادعاء غير مقبول؛ لأن في الآية عموما قد خصص بما ورد في شأن أبي طالب، ويرد على من زعم ذلك بالجمع بين الآية والحديث على النحو الآتي:

قوله تعالى: )فما تنفعهم شفاعة الشافعين (48)( أي: هؤلاء الكافرون لا تنفعهم شفاعة أحد يوم القيامة، قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها: "من وافى الله كافرا يوم القيامة، فإن له النار لا محالة خالدا فيها"[5].

وقال القرطبي في تفسيره للآية: "هذا دليل على صحة الشفاعة للمذنبين، وذلك أن قوما من أهل التوحيد عذبوا بذنوبهم، ثم شفع فيهم، فرحمهم الله بتوحيدهم والشفاعة، فأخرجوا من النار، وليس للكفار شفيع يشفع فيهم"[6].

ويعضد هذه الآية آيات أخرى تؤكد أن أعمال الكفار الحسنة لا تنفعهم، ولا تشفع لهم عند الله، بل تصير يوم القيامة هباء منثورا، قال تعالى: )وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا (23)( (الفرقان)، وقوله تعالى: )والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب (39)( (النور).

إذن أعمال الكفار الخيرية لا تنفعهم، وإن جنوا ثمرات ذلك في الدنيا، فلا فائدة منها يوم القيامة؛ فتكون حالة أبي طالب خاصة به لا تتعداه لغيره من الكفار مهما عملوا من حسنات أو قربات طيبة في حياتهم؛ بناء على ما فهمنا من آيات القرآن المجيد.

ومن المتفق عليه أن الكافر لا تنفعه أعماله الحسنة نفعا يخلصه من النار ويدخله الجنة، حتى ولو اقترن ذلك بشفاعة شافع، وهذا مما انعقد عليه الإجماع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما الشفاعة والدعاء فانتفاع العباد به موقوف على شروط، وله موانع، فالشفاعة للكفار بالنجاة من النار والاستغفار لهم مع موتهم على الكفر لا تنفعهم ولو كان الشفيع أعظم الشفعاء جاها، فلا شفيع أعظم من محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم الخليل إبراهيم - عليه السلام - وقد دعا الخليل إبراهيم لأبيه واستغفر له، كما قال - عز وجل - عنه: )ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب (41)( (إبراهيم)، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يستغفر لأبي طالب اقتداء بإبراهيم، وأراد بعض المسلمين أن يستغفر لبعض أقاربه، فأنزل الله سبحانه وتعالى: )ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم (113)( (التوبة)، ثم ذكر الله تعالى عذر إبراهيم فقال: )وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم (114) وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون( (التوبة)، فهذا لما مات مشركا لم ينفعه استغفار إبراهيم مع عظم جاهه وقدره"[7].

وقد وردت أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تؤكد أن أعمال الكافرين لا تفيدهم في الآخرة طالما أنهم لم يؤمنوا بالله واليوم الآخر، من هذه الأحاديث ما رواه مسلم عن السيدة عائشة أنها قالت: «قلت: يا رسول الله! ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك ينفعه؟ قال: لا ينفعه؛ إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين»[8].

وروى مسلم في صحيحه أيضا عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنة يجزى بها»[9].

فلا شك أن هذين الحديثين لا يتعارضان مع ما جاء في القرآن بشأن الشفاعة للكافرين، وأنها لا تجلب لهم منفعة، ولا ترفع عنهم عذابا.

وقد وضحنا فيما سبق ما ورد بشأن الكافرين عموما، وأن ما يفعلونه من خير في دنياهم يجنون ثمرته في دنياهم دون أخراهم، فهل أبو طالب الذي عليه محك الحديث مات كافرا، فيكون مثل هؤلاء الذين نتحدث عنهم؟ نعم؛ فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه قال: «لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: أي عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه، ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم، على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله، لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله: )ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين(، وأنزل في أبي طالب مخاطبا رسوله الكريم: )إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء( (القصص: ٥٦)»[10].

والحديث الذي معنا يثبت أن أبا طالب مات كافرا، ولم يسلم، على الرغم من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حاضرا عنده حين وفاته، وعرض عليه أن ينطق بلا إله إلا الله، لتكون حجة له أمام الله، ويصبح ما عمله من أعمال تجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - والدعوة في كفة حسناته، لكنه أبى إلا أن يموت على ملة عبد المطلب، فقرر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستغفر له ما لم ينهه الله عن ذلك، فلما نزل النهي عن الاستغفار للمشركين، امتنع - صلى الله عليه وسلم - عن استغفاره. وكان أبو طالب واقفا بجوار الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحوطه ويحميه من المشركين في مكة من الذين كانوا يكيدون له، ويريدون الإجهاز عليه والخلاص منه، واستغل سلطته في حماية النبي - صلى الله عليه وسلم - وحفظه، وكلاءته، وبعد أن توفي على تلك العقيدة، سأل العباس - رضي الله عنه - رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أغنيت عن عمك؛ فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار».

بهذا الحديث يصبح أبو طالب حالة مستثناة مما جاء في القرآن من عدم اعتبار الشفاعة في حق الكافرين، وأنها لا تنفعهم، وطالما أن الأحاديث المخصصة لما جاء في القرآن صحيحة، فإنه يؤخذ بها ولا يعتبر هذا تناقضا، أو فيه مخالفة لصريح الكتاب؛ لا سيما وأن ما ورد بشأن الشفاعة لأبي طالب - وهو كافر - ليس معناه أنه سيخرج من النار بالكلية، كلا، بل هو تخفيف لعذابه، كما خفف هو من عذاب قريش عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر عنده عمه، فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار، يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه»[11].

قال ابن حجر معلقا على هذا الحديث: "ظهر من حديث العباس وقوع هذا الترجي، واستشكل قوله صلى الله عليه وسلم: «تنفعه شفاعتي» بقوله تعالى: )فما تنفعهم شفاعة الشافعين (48)( (المدثر)، وأجيب بأنه خص، ولذلك عدوه في خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل: معنى المنفعة في الآية يخالف معنى المنفعة في الحديث، والمراد بها في الآية الإخراج من النار، وفي الحديث المنفعة بالتخفيف، وبهذا الجواب جزم القرطبي، وقال البيهقي في البعث: صحة الرواية في شأن أبي طالب، فلا معنى للإنكار من حيث صحة الرواية، ووجهه عندي: أن الشفاعة في الكفار امتنعت لوجود الخبر الصادق في أنه لا يشفع فيهم أحد، وهو عام في حق كل كافر، فيجوز أن يخص منه من ثبت الخبر بتخصيصه، قال: وحمله بعض أهل النظر على أن جزاء الكافر من العذاب يقع على كفره وعلى معاصيه، فيجوز أن الله يضع عن بعض الكفار بعض جزاء معاصيه تطييبا لقلب الشافع، لا ثوابا للكافر؛ لأن حسناته صارت بموته على الكفر هباء"[12].

ويفهم من كلام ابن حجر أن شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب خاصة به، وهي خصيصة من خصائص الرسول، وأن المنفعة التي تكون من النبي لعمه أبي طالب، هي مجرد تخفيف فقط، وليس هو المقصود في الآية الكريمة بأنها تعني الخروج من النار بالكلية.

وبما أوردنا من أدلة نرد على الذين يتوهمون أن حديث شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب يتعارض مع القرآن الكريم، بأن الشفاعة للكفار لا تنفعهم يوم القيامة، وقد بينا أن هذه حالة خاصة بأبي طالب فقط؛ لما كان له من يد في حماية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليبلغ دعوة الله - عز وجل - ولا يعتبر هذا إخراجا له من النار بالكلية، بل هو مجرد تخفيف لعذابه في النار، كما حمى هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخفف عنه من تعذيب قريش له، فلا تعارض إذا بين خصوص أتت به السنة في شأن أبي طالب - وهو كافر - وبين عموم أخبر عنه القرآن، بأنه لا تنفع شفاعة الكافرين.

ثانيا. النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحاب عمه أبا طالب بشفاعته له، وليس في هذا إحياء للعصبية القبلية:

إن الزعم بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشفاعته لعمه أبي طالب قد حاباه، وأعاد بتلك المحاباة العصبية للأقارب بدون وجه حق - زعم باطل يرد بأدلة كثيرة: شرعية وعقلية نفيدها من تتبع حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكيف كان بغضه لهذا الأمر؟

لقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعمل دائما على إخماد مثل هذه الفتنة بين الصحابة، ويعلمهم أنه لا عصبية لأحد إلا للدين وحده، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «كنا في غزاة - قال سفيان: مرة في جيش - فكسع[13] رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما بال دعوى جاهلية؟ قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال: دعوها فإنها منتنة، فسمع بذلك عبد الله بن أبي، فقال: فعلوها؟ أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل...»[14] فذكره.

وقد قال النووي في معنى هذا الحديث: "تسمية النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بدعوى الجاهلية، فيه كراهة منه لذلك، فإنه مما كانت عليه الجاهلية من التعاضد بالقبائل في أمور الدنيا ومتعلقاتها، وكانت الجاهلية تأخذ حقوقها بالعصبات والقبائل، فجاء الإسلام بإبطال ذلك، وفصل القضايا بالأحكام الشرعية، فإذا اعتدى إنسان على آخر، حكم القاضي بينهما، وألزمه مقتضى عدوانه، كما تقرر من قواعد الإسلام"[15].

ولو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - محابيا عمه أبا طالب لكان من الأولى أن يستغل أنه رسول الله، ويطلب من الله أن يشفع لأبويه أو أن يخفف عنهما العذاب، فهما أقرب إليه من عمه أبي طالب؟!

 إن انتفاء العصبية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولزومه الحياد في أموره تجاه أقاربه لخلق بناه في قلبه القرآن، فبناه هو في أمته بسلوكه عليه السلام.

ودعوى أن شفاعة النبي لعمه أبي طالب تعد تعصبا منه لقرابته - دعوى يبطلها من أساسها ما روي عن أنس بن مالك: «أن رجلا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفى دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار»[16].

فهل يعقل أن يكون الرسول في شفاعته لأبي طالب قد أحيا العصبية الجاهلية للأنساب وهو يقول عن أبيه ذلك؟!

وينفي ذلك التعصب أيضا ما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شأن آل بيته «لما نزل قوله تعالى: )وأنذر عشيرتك الأقربين (214)( (الشعراء)، حيث قام - صلى الله عليه وسلم - فنادى: "يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد المطلب! لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا»[17].

ومما سبق من الأدلة والشواهد يتبين لكل ذي لب صادق أن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - خير شاهد على أنه لم يكن مجاملا أحدا من أهل بيته على حساب الدين، ولكن في الوقت نفسه كان من الأريحية وطول القامة في الأخلاق، حيث لا يضيع المعروف لديه حتى ولو كان بالكلمة الطيبة[18].

الخلاصة:

  • حديثشفاعةالنبي - صلىاللهعليهوسلم - لعمهأبيطالبحديثصحيح،بلفيأعلىدرجاتالصحة،فقدرواهكلمنالبخاريومسلمفيصحيحيهما.
  • ماوردفيشأنأبيطالبمنشفاعةالنبي - صلىاللهعليهوسلم - لهلايتعارض مع ما جاء في القرآن من انتفاء انتفاع الكفار بشفاعة أحد؛ لأن شفاعة أبي طالب مخصصة لما جاء عاما في القرآن.
  • الشفاعةللكافرينلاتنفعهم؛لأنأعمالهمصارتبموتهمعلىالكفرهباءمنثورا،وإنجنواثمارحسناتهمفيالدنيا.
  • إنحسناتالكافروأعمالبره إذا لم تقترن بالإيمان بالله واليوم الآخر، فإنها لا تنفعه في الآخرة.
  • لقدماتأبوطالبعلىملةآبائه،ولمينطقبالشهادةقبلموته،فعزمرسولالله - صلىاللهعليهوسلم - أنيستغفرله - شفقةعليه - مالمينههربهعنذلك،فلمانزلالقرآنبشأنعدمالاستغفار للمشركين، امتنع الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الاستغفار لعمه، وهذا يدل على أنه مات على الشرك، وسيحشر مع المشركين.
  • ماوردفيحقالشفاعةلأبيطالبليسمعناهأنهسيخرجمنالناربالكلية،وإنماهومجردتخفيفعنهمنعذابالنار؛لدفاعهعنالرسول - صلىاللهعليهوسلم - وقديخففعنالكافرمنمعاصيهبمافعلمنحسنات؛تطييبالقلبالشافع،لالقلبالمشفوعله.
  • إنالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحاب عمه أبا طالب بتلك الشفاعة، ولم يحيى بذلك العصبية للأقارب، بل عمل على إماتتها طوال حياته، وإحياء العصبية للدين دون غيره، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يغضب غضبا شديدا عندما يضرب رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، وكل واحد منهما يستغيث بحزبه، فيقول صلى الله عليه وسلم: «دعوها فإنها منتنة».
  • لوصحأنالنبي - صلىاللهعليهوسلم - حابىأحدالكانأبوهأولى،فلمالميحدثذلكدلعلىأنشفاعةالنبيلعمهليستمحاباةوإنمالسببآخر.
  • النبي - صلىاللهعليهوسلم - لميحابأحدامنآلبيته، سواء فاطمة، أو العباس، أو عمته صفية - رضي الله عنهم - بل وكلهم إلى أعمالهم، لا إلى أنسابهم، وأخبرهم أنه لم ينفع أحدا مهما بلغت درجة قرابته منه.

 

 

 

(*)ضلالات منكري السنة، د. طه حبيشي، مطبعة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م. أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، د. سليمان بن محمد الدبيخي، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1، 1427هـ.

[1]. الضحضاح: ما رق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين، واستعير للنار.

[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: قصة أبي طالب، (7/ 232)، رقم (3883). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: شفاعة النبي –صلىاللهعليهوسلم -لأبيطالبوالتخفيفعنهبسببه، (2/ 704)،رقم (500).

[3]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: قصة أبي طالب، (7/ 233)، رقم (3885).

[4]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: شفاعة النبي لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه، (2/ 704، 705)، رقم (500، 501، 502).

[5]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1400هـ/ 1980م، (4/ 447).

[6]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (19/ 88).

[7]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (1/ 145، 146).

[8]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمله، (2/ 707)، رقم (507).

[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا، (9/ 3925)، رقم (6956).

[10]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: سورة القصص، (8/ 365)، رقم (4772). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: الدليل على صحة إسلام من حضره الموت...، (2/ 361)، رقم (131).

[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: قصة أبي طالب، (7/ 233)، رقم (3885). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: شفاعة النبي –صلى الله عليه وسلم- لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه، (2/ 705)، رقم (502).

[12]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (11/ 437).

[13]. كسع فلانا: ضرب دبره بيده أو بصدر قدمه.

[14]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: ) سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم (، (8/ 516)، رقم (4905). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: البر والصلة، باب: نصر الأخ ظالما أو مظلوما، (9/ 3709)، رقم (6460).

[15]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3710) بتصرف.

[16]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: بيان أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين، (2/ 700)، رقم (490).

[17]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الوصايا، باب: هل يدخل النساء والولدان في الأقارب؟ (5/ 449)، رقم (2753). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: في قوله تعالى: ) وأنذر عشيرتك الأقربين (، (2/ 702)، رقم (494).

[18]. ضلالات منكري السنة، د. طه حبيشي، مطبعة رشوان، القاهرة، ط2، 1427هـ/ 2006م، ص130 بتصرف.

 

  • الخميس PM 10:30
    2020-10-15
  • 1463
Powered by: GateGold