المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413499
يتصفح الموقع حاليا : 264

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى تعارض أحاديث زيادة العمر ورد القضاء مع القرآن الكريم

دعوى تعارض أحاديث زيادة العمر ورد القضاء مع القرآن الكريم(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض الواهمين أن السنة النبوية تتعارض مع القرآن الكريم، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «صلة الرحم تزيد العمر»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر»، فهذان الحديثان يتعارضان مع قوله تعالى: )فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (34)( (الأعراف)، فأخبر الله أن الأجل لا يتقدم ولا يتأخر، فكيف يجوز للرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يقول ذلك؟ ويتساءلون: كيف يرد الدعاء القضاء، وكل شيء مقدر ولا بد من وقوعه، سواء دعا به العبد أم لم يدع، وكذلك ما لم يقدر لا يقع، سواء سأله العبد أم لم يسأله؟! وقد قال الله تعالى: )إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (40)( (النحل).

وجها إبطال الشبهة:

1)  لقد توافرت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إثبات أن صلة الرحم تزيد في العمر، وقد وجه العلماء هذه الزيادة في العمر توجيهات عديدة، الراجح منها عند المحققين من أهل العلم أن الزيادة على حقيقتها؛ فإن للمسلم عمرين: عمرا محددا عند الله لا يعلمه غيره، فهو لا يتغير، وعمرا مرددا بين الزيادة والنقصان عند ملك الموت، فهو محتمل التغير.

2)  صرحت الأحاديث الصحيحة بأن الأعمال جميعها من قدر الله تعالى، وأن من القدر رد البلاء بالدعاء؛ فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة؛ كما أن الترس سبب لرد السهم، والماء سبب لخروج النبات من الأرض؛ وبذلك تحصل النتيجة إذا أخذ بالسبب.

التفصيل:

أولا. وجه العلماء أحاديث الزيادة في العمر توجيهات عديدة، الراجح منها عند المحققين من أهل العلم أن الزيادة على حقيقتها:

من المعلوم بداهة أن القرآن الكريم، والحديث الشريف كلاهما وحي؛ فقد خرجا من مشكاة واحدة، ومن ثم فلا يعقل أن يتعارض الحديث النبوي - إذا ما ثبتت صحته - مع غيره، سواء كان قرآنا أو سنة.

وزيادة العمر بصلة الرحم جاءت في أحاديث صحيحة ثابتة، رواها غير واحد من الصحابة، منها ما اتفق عليه الشيخان من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه»[1].

وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه»[2].

وعن عائشة - رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار»[3].

وعن ابن عمر قال: «من اتقى ربه، ووصل رحمه؛ نسئ في أجله (وفي لفظ: أنسئ له في عمره)، وثرى ماله، وأحبه أهله»[4].

وللعلماء توجيهات وأجوبة عن هذه الأحاديث في معرفة المقصود من زيادة العمر، وبالنظر في هذه الأجوبة يمكن أن تحمل أقوالهم على أمرين:

  1. الزيادة الحقيقية؛ وهذا ما ذهب إليه عدد من العلماء:

قال الحافظ ابن حجر: إن الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر، وأما الذي دلت عليه الآية فهو بالنسبة إلى علم الله تعالى، كأن يقال للملك مثلا: إن عمر فلان مائة سنة مثلا إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله تعالى: )يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب (39)( (الرعد)، فالمحو: الإثبات بلا نسبة لما في علم الملك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله - سبحانه وتعالى - فلا محو فيه ألبتة، ويقال له القضاء المبرم[5].

وقد اختاره الإمام النووي، فقال: وهذا مراد الحديث[6].

وقال الشيخ الألباني معلقا على حديث أنس بن مالك: والحديث على ظاهره؛ أي: إن الله جعل بحكمته صلة الرحم سببا شرعيا لطول العمر، وكذلك حسن الخلق، وحسن الجوار، كما في بعض الأحاديث الصحيحة، ولا ينافي ذلك ما هو معلوم من الدين بالضرورة من أن العمر مقطوع به؛ لأن هذا بالنظر إلى الخاتمة، تماما كالسعادة والشقاوة، فهما مقطوعتان بالنسبة إلى الأفراد (شقي أو سعيد)، فمن المقطوع به أن السعادة والشقاوة منوطتان بالأسباب شرعا، كما قال صلى الله عليه وسلم: «اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فييسر لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ: )فأما من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى (6)( (الليل)»[7].

فكما أن الإيمان يزيد وينقص، وزيادته الطاعة، ونقصانه المعصية، وأن ذلك لا ينافي ما كتب في اللوح المحفوظ؛ فكذلك العمر يزيد وينقص بالنظر إلى الأسباب، فهو لا ينافي ما كتب في اللوح المحفوظ أيضا، فتأمل هذا فإنه مهم جدا في حل مشكلات كثيرة، ولهذا جاء في الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة الدعاء بطول العمر[8].

وعلى هذا، فحمل الزيادة على الحقيقة أمر يقبله العقل، ويؤيده النقل، لما في القول من وجاهة، واحتمال للصواب، وذلك بالتفريق بين علم الله الأزلي، وما هو معروف عند الملك الموكل بالأجل والرزق، وما إلى ذلك.[9] وهذا هو الراجح من أقوالهم.

  1. الزيادة المجازية؛ أي أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن تضييعه في غير ذلك[10].

يقول الحكيم الترمذي: "إن العبد إذا عمر بالإيمان وبحياة القلب فذلك كثير وإن قل مدته؛ لأن القصر من العمر إذا احتشى من الإيمان أربى على الكثير؛ لأن المتبقي من العمر العبودية لله - سبحانه وتعالى - كي يصير عند الله وجيها"[11].

والزيادة في الأحاديث كذلك هي السعة والزيادة في الرزق، وعافية البدن، وقد قيل: الفقر هو الموت الأكبر، كما في قول الشاعر:

ليس من مات فاستراح بميت

إنما الميت ميت الأحياء

فلما جاز أن يسمى الفقر موتا، ويجعل نقما من الحياة، جاز أن يسمى الغنى حياة، ويجعل زيادة في العمر[12].

وانفرد ابن فورك بتفسير آخر للزيادة، فقال: إن معنى الزيادة في العمر نفي الآفات عنهم، والزيادة في أفهامهم وعقولهم وبصائرهم، وليس ذلك زيادة في أرزاقهم، ولا في آجالهم؛ لأن الآجال مؤجلة لا زيادة فيها، والأرزاق مقسومة لا يزاد لأحد في رزقه، ولا ينقص منه شيء[13].

وقد قال المناوي - نقلا عن الزمخشري: معناه أن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلا، فلا يضمحل سريعا كما يضمحل أثر قاطع الرحم[14]. فحمل الأجل هنا على الأثر، وهو تأويل سائغ، وتفسير محتمل[15]، وكذلك التأويلات والتفسيرات السابقة محتملة كلها؛ وذلك لموافقتها وجها من أوجه دفع التعارض وهو التأويل.

ونخلص من هذا إلى أنه لا تعارض بين أحاديث الزيادة في العمر وقوله تعالى: )فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (61)( (النحل)، فقد اتجه العلماء إلى الجمع بينهما، فحملوا الزيادة على الحقيقة، وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر، أما الذي هو في علم الله، فلا يتغير ولا يتبدل، وهذا ما دلت عليه الآية، كما يتبين أن الحكمة في الحديث أن فيه إبلاغ ذلك إلى المكلف؛ ليعلم فضل البر وشؤم القطيعة.

ثانيا. إن رد القدر بالدعاء من قدر الله، والدعاء ذاته من القدر، وهو من الأسباب الجالبة لرد القدر:

من المعلوم أن سؤال الله تعالى ودعاءه من الأمور المرغب فيها شرعا، فقد قال الإمام النووي:

اعلم أن المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدثون وجماهير العلماء من الطوائف كلها من السلف والخلف أن الدعاء مستحب، قال الله تعالى: )وقال ربكم ادعوني أستجب لكم( (غافر: ٦٠)، وقال تعالى: )ادعوا ربكم تضرعا وخفية( (الأعراف:٥٥)[16].

وجاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء»[17]، وعنه أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سره أن يستجيب الله تعالى له عند الشدائد والكرب؛ فليكثر الدعاء في الرخاء»[18]، وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: )وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (60)( (غافر)»[19].

وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بمأثم أو قطيعة رحم. فقال رجل من القوم: إذا نكثر! قال صلى الله عليه وسلم: الله أكثر»[20].

إذا تقرر هذا، فنعود للحديث النبوي محل الإشكال، والذي رواه الحاكم من حديث ثوبان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر...»[21]، ورواه الترمذي بلفظ آخر من حديث سلمان الفارسي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر»[22]، والذي يتوهم بعضهم أنه يتعارض مع قوله تعالى: )إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (40)( (النحل)، لأن أمر الله لا راد له.

نقول: إن هذا مما لا اختلاف فيه، إذ كان قد يحتمل أن يكون الله - عز وجل - إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برت كذا، وإن لم تبر كذا، لما هو دون ذلك، وإن كان منها الدعاء رد عنها كذا، وإن لم يكن منها الدعاء، نزل بها كذا، وإن عملت كذا حرمت كذا، وإن لم تعمله رزقت كذا، ويكون ذلك مما يثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا ينقص منه، وفي ذلك بحمد الله التئام هذه الآثار واتفاقها وانتفاء التضاد عنها[23].

وقد قرر العلماء أن الدعاء سبب في حصول الخير، وأن هناك أشياء مقدرة ومربوطة بأسباب، فإذا تحقق السبب وقع المقدر، وإذا لم يتحقق السبب لم يقع، فإذا دعا المسلم ربه حصل له الخير، وإذا لم يدع وقع به الشر، كما جعل الله صلة الرحم سببا لطول العمر، وقطيعة الرحم سببا لضده.

قال ابن القيم: "والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء؛ يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله ويرفعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن، وله مع البلاء ثلاثة مقامات:

أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.

الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء؛ فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه، وإن كان ضعيفا.

الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه. وقد روى الحاكم من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة»[24][25].

وقال ابن القيم أيضا: وها هنا سؤال مشهور، وهو أن المدعو به إن كان قد قدر لم يكن بد من وقوعه، دعا به العبد أو لم يدع، وإن لم يكن قد قدر لم يقع، سواء سأله العبد أو لم يسأله، فظنت طائفة صحة هذا السؤال فتركت الدعاء، وقالت: لا فائدة فيه، وهؤلاء مع فرط جهلهم وضلالهم متناقضون، فإن مذهبهم يوجب تعطيل جميع الأسباب، فيقال لأحدهم: إن كان الشبع والري قد قدرا لك فلا بد من وقوعهما، أكلت أو لم تأكل، وإن لم يقدرا لم يقعا، أكلت أو لم تأكل، وإن كان الولد قد قدر لك فلا بد منه، وطئت الزوجة والأمة أم لم تطأهما، وإن لم يقدر ذلك لم يكن، فلا حاجة إلى التزوج والتسري... وهلم جرا!

فهل يقول هذا عاقل أو آدمي؟! بل الحيوان البهيم مفطور على مباشرة الأسباب التي بها قوامه وحياته، فالحيوانات أعقل وأفهم من هؤلاء الذين هم كالأنعام، بل هم أضل سبيلا!

وتكايس[26] بعضهم وقال: الاشتغال بالدعاء من باب التعبد المحض يثيب الله عليه الداعي من غير أن يكون له تأثير في المطلوب بوجه ما، وقالت طائفة أخرى أكيس من هؤلاء: بل الدعاء علامة مجردة نصبها الله - سبحانه وتعالى - أمارة على قضاء الحاجة، فمتى وفق العبد للدعاء كان ذلك علامة له، وأمارة على أن حاجته قد قضيت، وهذا كما إذا رأيت غيما أسود باردا في زمن الشتاء، فإن ذلك دليل وعلامة على أنه يمطر. قالوا: وهكذا حكم الطاعات مع الثواب، والكفر والمعاصي مع العقاب، هي أمارات محضة لوقوع الثواب والعقاب، لا أنها أسباب له، وهكذا عندهم الكسر مع الانكسار، والحرق مع الإحراق، والإزهاق مع القتل ليس شيء من ذلك سببا ألبتة، ولا ارتباط بينه وبين ما يترتب عليه إلا مجرد الاقتران العادي لا التأثير السببي. وخالفوا بذلك الحس والعقل والشرع والفطرة وسائر طوائف العقلاء، بل أضحكوا عليهم العقلاء.

والصواب: أن ها هنا قسما ثالثا غير ما ذكره السائل، وهو أن هذا المقدور قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجردا عن سببه، ولكن قدر سببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور، وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، وقدر خروج نفس الحيوان بذبحه، وكذلك قدر دخول الجنة بالأعمال ودخول النار بالأعمال، وهذا القسم هو الحق، وهذا هو الذي حرمه السائل ولم يوفق له.

وحينئذ فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال: لا فائدة في الدعاء. كما لا يقال: لا فائدة في الأكل والشرب وجميع الحركات والأعمال، وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء، ولا أبلغ في حصول المطلوب، ولما كان الصحابة - رضي الله عنهم - أعلم الأمة بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأفقههم في دينه؛ كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يستنصر به - أي بالدعاء - على عدوه، وكان الدعاء أعظم جنديه، وكان يقول للصحابة: لستم تنصرون بكثرة، وإنما تنصرون من السماء. وكان يقول: إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن هم الدعاء، فإذا ألهمتم الدعاء، فإن الإجابة معه[27].

وقال أبو حامد الغزالي: فإن قلت: فما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له؟! فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء؛ فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة، كما أن الترس سبب لرد السهم، والماء سبب لخروج النبات من الأرض، فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان، فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان، وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله - عز وجل - ألا يحمل السلاح، وقد قال الله تعالى: )خذوا حذركم( (النساء:٧١)، وألا تسقى الأرض بعد بث البذر، فيقال: إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر، وإن لم يسبق لم ينبت، بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر أو هو أقرب، وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر الذي قدر الخير قدره بسبب، والذي قدر الشر قدر لدفعه سببا، فلا تناقض بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته [28].

إذن لا وجه للتعارض بين رد القضاء بالدعاء وبين قضاء الله؛ لأنه إذا كان الأمر مقدرا من قبل الله بالوقوع إيجابا أو سلبا فإن الدعاء سبب لرد شره واستنزال خيره.

الخلاصة:

  • إنأحاديثالزيادةفيالعمرلاتتعارضمعالقرآن،فهيأحاديثصحيحةثابتةعنرسولاللهصلىاللهعليهوسلم.
  • وقد اتجه العلماء في دفع التعارض المتوهم بينهما وبين قوله تعالى: )فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (61)( (النحل) إلى الجمع بينهما، فإن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
  • وانقسمالعلماءفيتوجيهأحاديثالزيادةفيالعمرإلىفريقين،فريقيرى أن الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر، كأن يقال للملك، على سبيل المثال: إن عمر فلان مائة سنة إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أن يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقصان، وهذا هو المراد من الأحاديث كما أشار القرآن إلى ذلك في قوله: )يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب (39)( (الرعد)، وقد رجح المحققون من أهل العلم هذا القول.

أما الفريق الآخر، فيرى أن الزيادة مجازية، وهي إما كناية عن البركة في العمر أو السعة والزيادة في الرزق وعافية البدن، وإما كناية عن نفي الآفات عن النفس، والزيادة في الأفهام والعقول، وإما بقاء أثر الواصل لرحمه بعد موته.

  • وفيالحديثحكمةعظيمة،ألاوهيتنبيهالمكلفإلىأهميةصلةالرحم؛لكييعلمفضلالبروشؤمالقطيعة،فيحرصعلىوصلها.
  • إندعاءاللهتعالىوسؤالهمنالأمورالمرغوبفيهاوالمستحبة،وذلكعندجمهورالفقهاءوالمحدثين،قالتعالى: )وقالربكمادعونيأستجبلكم( (غافر:٦٠).
  • والأحاديثالصحيحةكثيرةعنالنبي - صلىاللهعليهوسلم - فياستحبابالدعاءوالترغيبفيه،وبيانفضلهفي قضاء الحوائج؛ فهو سبب في حصول الخير، وهو من أنفع الأدوية التي ترفع البلاء وتعالجه، أو قد تمنعه وترده.
  • إنكلشيءمقدرقدرمعهسببه،فلايوجدقدرإلاولهسببوقوع،وذلكمثلالشبعبالأكل،والريبالشرب؛وعليهيكونالدعاءمنالقدر،وهومنالأسبابالمقدرة، ومن ثم فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة.

 

 

(*) تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، تحقيق: أبي المظفر سعيد بن محمد السناري، دار الحديث، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2006م. مشكل الحديث وبيانه، ابن فورك، تحقيق: موسى محمد علي، دار عالم الكتب، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م.

[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأدب، باب: من بسط له في الرزق بصلة الرحم، (10/ 429)، رقم (5986). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: صلة الرحم، (9/ 3687)، رقم (6404).

[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأدب، باب: من بسط له في الرزق، (10/ 429)، رقم (5985).

[3]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث عائشة ـ رضي الله عنها، رقم (25298). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (519).

[4]. حسن: أخرجه البخاري في الأدب المفرد، كتاب: صلة الرحم، باب: من وصل رحمه أحبه أهله، (1/ 34)، رقم (58). وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد برقم (43).

[5]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (10/ 430) بتصرف.

[6]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/ 3688).

[7]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: ) فسنيسره لليسرى (7) (، (8/ 579)، رقم (4949).

[8]. صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري، الألباني، دار الصديق، ط1، 1421هـ، هامش ص24.

[9]. التعارض في الحديث، د. لطفي بن محمد الزغير، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1428هـ/ 2008م، ص157.

[10]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (10/ 430).

[11]. نوادر الأصول في أحاديث الرسول، الترمذي، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، 1992م، ص367.

[12]. تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، تحقيق: أبي المظفر سعيد بن محمد السناري، دار الحديث، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص270.

[13]. مشكل الحديث وبيانه، ابن فورك، تحقيق: موسى محمد علي، دار عالم الكتب، بيروت، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص306.

[14]. فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ/ 1994م، (4/ 259). وانظر: الفائق في غريب الحديث والآثر، الزمخشري، دار المعرفة، بيروت، ط2، (1/ 23).

[15]. التعارض في الحديث، د. لطفي بن محمد الزغير، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1428هـ/ 2008م، ص158.

[16]. الأذكار النووية، النووي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1414هـ/ 1994م، (1/ 395).

[17]. حسن: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الدعوات، باب: ما جاء في فضل الدعاء، (9/ 218)، رقم (3593). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف الترمذي برقم (3370).

[18]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الدعوات، باب: أن دعوة المسلم مستجابة، (9/ 228)، رقم (3606). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (3382).

[19]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: تفسير القرآن، باب: سورة المؤمن (غافر)، (9/ 87)، رقم (3463). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (3247).

[20]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الدعوات، باب: في انتظار الفرج وغير ذلك، (10/ 18)، رقم (3808). وصححه الألباني في صحيح وضعيف الترمذي برقم (3573).

[21]. حسن: أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب: الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، (1/ 670)، رقم (1814). وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (154)، دون الزيادة: "وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها".

[22]. حسن: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: القدر، باب: ما جاء لا يرد القدر إلا الدعاء، (6/ 289)، رقم (2225). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2139).

[23] . شرح مشكل الآثار، أبو جعفر الطحاوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م، (8/ 82).

[24]. حسن: أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الدعاء والتكبير، (1/ 669)، رقم (1813). وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (7739).

[25]. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ابن القيم، تحقيق: جميل غازي، مكتبة المدني، القاهرة، ص7، 8.

[26] . تكايس: تطرف.

[27]. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ابن القيم، تحقيق: جميل غازي، مكتبة المدني، القاهرة، ص15: 17.

[28]. إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، المطبعة النموذجية، القاهرة، 1982م، ص1072.

  • الاربعاء PM 02:41
    2020-10-14
  • 1527
Powered by: GateGold