المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413765
يتصفح الموقع حاليا : 266

البحث

البحث

عرض المادة

التعامل مع الصحابة من خلال أخطائهم

الصالح يخطئ ويتعثر بعض الأحيان لكنه سرعان ما يتدارك نفسه ويقف مستوياً من جديد، ذاك رجل عرف الصلاح وحفظ له صلاحه مقامه عند الله وعند الناس رغم تعثره وما أخل بمكانته ولا بشرفه خطأ أو معصية بشرية لما كانت العصمة في أنبياء الله ورسله دون غيرهم من الناس، فكيف بمن قال الله عنهم {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَان}؟ (1)

هل يمكن أن يُنظر إلى هذه الفئة المزكّاة على أنها منافقة وراعية لمصالحها الشخصية وأنها بكبيرها وصغيرها إلا قلة لا تتعدى اليد الواحدة مرتدة كافرة؟! كل ذلك من أجل الإمامة التي لا يوجد نص واحد صريح فيها لا يقبل النقاش؟!

رصيد هذه الفئة المؤمنة المجاهدة من هذا الجهاد العظيم ومن الإسلام الذي نشروه وأوصلوه إلينا وإلى الأمم أن يُطعن فيهم وفي نزاهتهم وفي عقيدتهم وفي كل شيء.

ولذلك قيل قديماً (بعض الناس مثل الذباب لا يقع إلا على الجرح) وهذا دأب من لا يعرف في غيره إلا أخطاءهم ليُشنّع عليهم ويرميهم بالتهم، ولا يريد أن يرى فيمن يبغضه ويلعنه إلا كل الشر ... إنها منهجية البحث في القمامة كما يصفها المفكرون اليوم.

ولا يخفى على المؤمن النجيب أيّ بعد عن تعاليم الإسلام وأخلاقه تلك المهاترات التي تجعله ينظر نظرة طعن ونقيصة إلى الصالحين بل إلى أناس تربوا على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتخرجوا من مدرسته.


(1) سورة الحجرات آية 7

إنّ تربية الإسلام علمتنا أنّ المسلم طيب السريرة والقلب كما هو طيب اللسان والتعامل وأنه أبعد ما يكون عن جمع الزلات وتتبع العثرات لأنّ خُلقه الإسلامي يترفع به عن هذا المستوى.

فالرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم هو القائل (إنّ المؤمن ليس باللعان والطعّان ولا الفاحش ولا البذيء) (1).

وما أجمل ما قاله العالم الرباني "تقي الدين ابن تيمية" ناصحاً تلميذه "ابن القيم": (لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل الإسفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليه صار ممراً للشبهات) (2).

وقد انتفع التلميذ النجيب بهذه الوصية أيما انتفاع فقال: (إنّ من قواعد الشرع والحكمة أنّ من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يُحتمل له ما لا يحتمل لغيره ويُعفى عنه ما لا يُعفى عند غيره، فإنّ المعصية خبث والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث بخلاف الماء القليل فإنه يحمل أدنى خبث) (3).

لكن حينما يتشرب القلب هذه الشبهات ولا ينطق إلا بها، ضارباً بجميل الصحابة عليه عرض الحائط، ناكراً لجهادهم ودعوتهم وللآيات القرآنية المزكّية لهم، فإنّ مكيال الدنيا قبل الآخرة كفيل بأن يُظهر له من الحق والحجة الباهرة ما لم يخطر على قلبه.

وبالمكيال الذي تكيل تُكال

إنّ من يكيل الناس بمكيال عليه أن يقبل أولاً أن يكيل نفسه وأحبابه بالمكيال ذاته الذي يكيل به الآخرين ... كي يتبين له كم يظلم عدوه ويتجنى عليه دون أن يشعر.

وقد قيل عند أولي الألباب: (كما تدين تُدان وبالمكيال الذي تكيل تُكال)، ذلك أنّ السهم المسموم يقتل صاحبه أيضاً إن جاز له أن يقتل الآخرين.

ومن عادى أولياء الله عز وجل فقد آذنه الله بالحرب وبهتك ستره وبالفضيحة يوم يلقاه.

فهؤلاء الذين يتصيدون العثرات لصحابة رسولهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذين دافعوا عنه ونصروه وتركوا أهليهم وأموالهم في مكة مهاجرين في سبيل الله إلى المدينة ويتصيد للأنصار الذين تقاسموا مع إخوانهم المهاجرين لقمة العيش من أجل الله عز وجل ومن أجل الإسلام، لا بد لهم أن يروا أي ألم وأي جريمة يرتكبون في حق الإسلام وفي حق أنفسهم إذا ما وقفوا يرون السهام التي يجرحون بها الأبرياء هي نفس السهام التي تجرح من يحبون أو من يدّعون حبه.

ولو أنّ رجلاً من الخوارج الذين قاتلهم الإمام علي بقي الغل في قلبه فأعماه عن رؤية علي بن أبي طالب الحقيقي وأراد أن ينظر إليه بنفس نظرة الشيعة الإثنى عشرية لأبي بكر وعمر وباقي الصحابة ويتشفى فيه، فأمسك بيده القلم وبدأ ينقّب في سيرة هذا الإمام العطرة عن خطأ أو ذنب أو زلة لسان لأظهر لك صورة مختلفة تماماً عن صورة هذا الرجل العظيم!!

فبالطريقة ذاتها التي يستخدمها الشيعة الإثنا عشرية في إظهار أبي بكر وعمر وعثمان وباقي الصحابة بمظهر المبدّلين لشرع الله المغيرين لسنة رسول الله يمكن لرجل من النواصب أن يُظهر علياً بهذه الصورة!!

إننا على يقين بأننا أحقر من أن نقيّم علي بن أبي طالب .. ذاك الرجل العظيم الذي خالط الإيمان قلبه وتجسد في حياته ... لكني أريد من القارئ المنصف أن يتلمس المعاني التي أريدها من طرح هذه الفكرة.

 

 


(1) رواه أحمد في المسند - حديث رقم (3948)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح
(2) مفتاح دار السعادة 1/ 176
(3) المصدر نفسه

  • الاثنين AM 04:28
    2022-05-23
  • 876
Powered by: GateGold