المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409170
يتصفح الموقع حاليا : 358

البحث

البحث

عرض المادة

مع صحابة رسول الله ...

كنت أتفكر كثيراً في اختلاف نظرتي أهل السنة والشيعة الإثني عشرية لصحابة رسول الله ... وكانت التساؤلات تحيط بي من كل جانب والأفكار تأخذني شرقاً وغرباً ... أقرأ لهذا وذاك ويرد التساؤل تلو التساؤل ... لم أترك باباً أستطيع طرقه إلا طرقته ... وشعرت أني خُضت بحراً كلما اقتربت من شاطئه زاد بُعده.

لكن عناية ربانية انتشلتني إلى بر الأمان .. حينما تمسكت بقوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (1).

لم تكن قراءاتي المتأنية وتساؤلاتي الجريئة لترسم لي وحدها طريق الحقيقة ... بل كان للعقل دوره في إثارة الكثير من علامات الاستفهام على كل ما أقرأه وأسمعه أو أشاهده.

قرأت وفكّرت ... ناقشت ونوقشت ... وعشت الحرب بداخلي ... سنوات من الجدب تسبق المطر ... لكن الغيث قد يُنسيك أضعافاً مضاعفة من تلك الأيام المجدبة حينما تكتحل عيناك برؤية الحقيقة.

كل ما عليك هو أن تتقدم خطوتين إلى الأمام .. تُفكر فيها ... وتحكّم ضميرك ... تتحرر من التعصب للمذهب .. وتكون وجهتك إلى الإسلام ... الدين الذي أمرك برمي أغلال التقليد للآباء والأجداد والتمسك بالدليل والبرهان حيثما كان.

فعلت ذلك ... ووُجهت لي الاتهامات من متعصبة الفريقين، أرادوا لي أن أكون نسخة منهم لا أن أكون نبض ضمير المسلم المتجرد .. لقد علمت أنّ الشرع لا يُحابي أحداً، وأنّ الحق حكر للدليل والبرهان لا حكراً على الأشخاص، فلست إمعة إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت معهم ... طريقي ضيق بين طرفي نقيض لكني أرى فيما بعده اتساعاً وراحة للضمير.

وكعلمي بأهمية التجرد للحق ونبذ هوس التعصب أدركت كذلك أنّ الحوار نعمة رفع من شأنها الإسلام، وأنه جدير بالمرء أن يشكر نعمة الله عليه، ويكون شكره عز وجل من خلال استشعار نعمته وأهميتها، ومن لا يدرك النعمة فكيف له أن يشكر واهبها وأن يتنعم بها؟

[حوار مع زميل]

قُلتُ لصاحبي ذات مرة: (لو كتب الله عز وجل لك أن ترى رجلاً قيادياً صالحاً، عليه سيما الإيمان والتقوى وأنوارهما، قد منّ الله تعالى عليه بفراسة وذكاء بحيث يستطيع معرفة أهل النفاق من أتباعه الحقيقيين من لحن قولهم، لكنك علمت بعد ذلك أنّ هذا الرجل الصالح قد أعرض عن أهل الصلاح من قومه مختاراً أهل النفاق والضلال، فسوّدهم على الناس، معطياً إياهم أهم المناصب القيادية الدينية منها والدنيوية، بل إنه لم يكتفِ بإعطائهم تلك المناصب وبتقريبهم إليه بل صاهر بعضهم وجعلهم من خاصة أصحابه الذين يخرج معهم ويروح، ويهاجر معهم ويجاهد، مع علمه بنفاقهم وعلمه بنفاق بناتهم اللاتي صرن زوجاته!

ثم علمت أنّ ذاك الرجل الصالح قد مات وهنّ على ذمته، ينطقن باسمه ويتكلمن بالدين ويُفتين للناس من بعده، والناس لثقتهم وإجلالهم لهذا الرجل الصالح قد وثقوا بمن قربهم وسوّدهم عليهم، فالصالح لا يتعمد اختيار الخبثاء إلا لخبث طرأ عليه أو شهوة عارضة أو غفلة أو غباء، والرجل الذي نتكلم عنه هو أعظم وأشرف في أعينهم من أن يُظن به ذلك.

ثم علمت يا صاحبي أنّ هؤلاء المنافقين الذين مكّن لهم هذا الرجل الصالح قد تسلطوا على العباد وسلبوا المؤمنين حقهم وأساؤوا إليهم وأفسدوا في البلاد حتى صار المؤمن خائفاً على نفسه من الهلاك وعرضه من الانتهاك ودينه من الانحراف فلجأ إلى التقية والمداراة، فما قولك فيمن فعل هذا بقومه؟

قال صاحبي: أراه إما خبيثاً فاجراً استغل ثقة الناس به أسوأ استغلال أو جاهلاً مغفلاً استخدمه عدوه أبشع استخدام.

قلت: فلان، قال: نعم

قلت: ألا ترى أنّ الشخصية التي تشتمها وتتهمها بالسَّذاجة أو بالخبث هي نفس الشخصية التي يريدنا الشيعة الإثنا عشرية من حيث لا يشعرون أن نجعلها شخصية أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم!

إنك شتمت تلك الشخصية وأنت مدرك أنها شخصية رجل صالح فقط لا دخل له بالوحي من قريب ولا بعيد، شخصية غير معصومة، قد تستقيم يوماً وتعتريها الشهوة غداً فكيف بنا ونحن نتكلم عن خليل الرحمن وخاتم الأنبياء والمرسلين؟!

إننا ندرك أنّ ختم نبوته صلى الله عليه وآله وسلم يقتضي بقاء دينه بلا تحريف ولا عبث من بعده، وكيف يتأتى ذلك والشيعة الاثنا عشرية يجعلونه مصاهراً للمنافقين وزوجاً للمنافقات؟!

فالشيعة الإثنا عشرية يرون أنّ رسول الله قد صاهر منافِقَيْن هما (أبو بكر وعمر) وزوّج ابنتيه إلى منافق وهو (عثمان)، وتزوج هو صلى الله عليه وآله وسلم منافِقَتيْن هما (عائشة وحفصة) اللتان سُمّيتا في القرآن بـ (أمهات المؤمنين) بقوله تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}!

وتولى خالد بن الوليد قيادة جيشه ... منافق آخر في القائمة!

وكل هؤلاء يشتمهم الشيعة الإثنا عشرية ويقولون بردتهم.

إنّ هؤلاء بالإضافة إلى آخرين كالزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وغيرهم ممن يعدّهم الشيعة الإثنا عشرية من جملة المنافقين هم في الحقيقة أهل النفوذ في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي اختارهم وأبرزهم هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا أحد غيره.

وقد مات هذا النبي الكريم وخلّفهم من بعده وسلّمهم زمام الأمور، فمن المخطئ ومن المصيب؟ رسول الله أم الشيعة الإثنا عشرية؟ أخبرني بصراحة، وحكّم ضميرك وانس النظرة الطائفية الضيّقة وحكّم عقلك، فأنا لا أخاطبك من منطلق عصبية مذهبية ولكني أخاطبك كمسلم لا يرتضي هذا الطرح في رسول الله ولا في أصحابه.

هل أخطأ رسول الله في الزواج من عائشة؟ هل أخطأ في اختيار رفيق دربه في الغار وفي الهجرة إلى المدينة؟ هل أخطأ في مصاهرتهم جميعاً؟ هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى المسلم عن جلساء السوء وزوجة السوء ثم يختار هو أهل نفاق وردة وضلال؟!!

إنك لتعجب وأن تسمع وتقرأ ما يقوله الشيعة الإثنا عشرية في صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجم التناقض بين معتقدهم في صحابة الرسول وبين اعتقادهم بأنّ الأنبياء والأوصياء يعلمون الغيب بإذن الله، فمن يعلم الغيب ويعلم ما في اللوح المحفوظ وما كان وما يكون كما في روايات الشيعة، كيف يُمكن أن يجهل ويغفل عن البشر الذين يتعامل معهم فيُقرّب منهم من لا يستحق التقريب؟!

يعتقد الشيعة الإثنا عشرية أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الإثنى عشر أطهار، وهم يصرّحون بتنزيههم جميعاً عن الأقذار صغيرها وكبيرها بل عن الخطأ والنسيان لكنهم في الوقت ذاته ينسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخطأ والغفلة والقذر بإدعائهم أنه غفل وأخطأ في اختيار من يُقرّب من أصحابه ومن يُصاهر منهم!

صمت صاحبي برهة ثم قال لي: معك حق.

كان صادقاً مع نفسه ... لم يجد حرجاً في الاعتراف بحقيقة جسّها ضميره ..

ولا يعيب الإنسان أن يبحث ويفكر بهدوء بعيداً عن البطانة التي يقودها التعصب والهوى والتي تسوّل له الاستمرار في الخطأ.

ما أحوجنا إلى هذا التجرد، وما أحوجنا إلى التفكر في الطريق الذي نسير فيه .. قبل أن نهلك أو يعمّنا الهلاك.

 

 


(1) سورة العنكبوت آية 69

  • الاثنين AM 02:17
    2022-05-23
  • 718
Powered by: GateGold