المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412569
يتصفح الموقع حاليا : 284

البحث

البحث

عرض المادة

من هم الخلفاء الإثنا عشر؟

لقد اجتهد شراح هذا الحديث في ذكر أسماء خلفاء مسلمين ليبلغوا بهم العدد (إثني عشر) فكأنهم بفعلهم هذا قد تعجلوا قيام الساعة، فحين أخبر الحديث بحصول هذا العدد فلا بد أن يكون قد تم ذلك على عهد هذا المصنف أو ذاك أو في عهدنا الحالي!

وهذا تعجل، فالزمن لا يتوقف عندهم ولا عندنا، والأحقاب التي أعقبتهم قد تفرز خلفاء قبل خروج المهدي .. من يستطيع أن يجزم بعدم حصول هذا؟!

واجتهاد هؤلاء العلماء والفضلاء في تحديد الأسماء يذكرني بما فعله كثير ممن كتب في الفرق الإسلامية والملل والنحل حين قسّموا المسلمين في زمانهم إلى ثلاث وسبعين فرقة تمشياً مع الحديث الوارد بافتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة.

حتى وجدنا من ألف كتاباً باسم "الثلاث وسبعين فرقة" كأبي محمد اليمني (من علماء القرن الرابع الهجري) وحدد الفرق المرادة من الحديث بأسمائها في عصره!

وعلى هذا المنوال سار أغلب المؤلفين سنة وشيعة!

فإذا كانت نظرة هؤلاء صحيحة فقد زاد العدد بعدهم الثلاث والسبعين!

خصوصاً وأنه قد درج الكثيرون منهم على عدّ من ينفرد بقول في مسألة عقدية بأنه صاحب فرقة.

ومنشأ الخطأ في رأيي أمران اثنان:

أولهما: التعجل في معرفة أسماء الفرق الثلاث والسبعين، وكأنّ تلك الفرق لا بد أن تكون في زمن الشارح والمؤلف أو قبل ذلك، دون أن يُعطي المؤلف لنفسه ولو احتمالاً واحداً أنّ فرقة واحدة من تلك الفرق ستكون بعده بقرون!

ثانيهما: الاهتمام بعدد الفرق أكثر من المبدأ، فكأنّ شارح الحديث والناظر فيه قد أخذا على نفسيهما عهداً أن يعرفا أسماء الثلاث والسبعين فرقة المذكورين في الحديث الشريف بدلاً من الاهتمام بمغزى الحديث من ذكر هذا العدد وهو (كثرة التفرق في الأمة ووجود فرقة واحدة ثابتة على إسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم النقي بخلاف غيرها ممن تنكب الطريق).

والأمر ذاته يُقال في حديث (الإثني عشر خليفة)، لقد رأينا من تعجل في تحديد الأسماء دون حاجة تدفعه لذلك وهو يقرأ قول النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش).

وفي رواية (إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة).

فالحديث واضح في ذكر أنّ فترة خلافة الإثنى عشر ممتدة إلى قيام الساعة، والذي يحصر فترة خلافة الإثني عشر بشخصيات مضت يخالف نص الحديث من حيث لا يشعر.

تساؤلات أنتجت تنوعاً في الآراء

لم يكن حديث (الخلفاء الإثني عشر) مفصّلاً بحيث لا يقع الخلاف في فهمه أو تكثر الاحتمالات فيه، بل كانت التساؤلات التي أثارتها أذهان العلماء سبباً جوهرياً لاختلاف الآراء في الخلفاء الإثني عشر المرادين من الحديث إلا أنّ علماء أهل السنة ومعهم جميع فرق الشيعة باستثناء الإثني عشرية كلهم مجمعون على أنّ المراد بهؤلاء الإثني عشر أناس غير (الإثني عشر) الذي تذكرهم الإمامية لتوافر الأدلة على بطلان كونهم المذكورين في الحديث كما أشرت آنفاً.

لكن بقيت بعض الأسئلة في أذهان الشراح بلا إجابة:

هل من اللازم أن يكون الإثنا عشر متتابعين أم متفرقين؟

هل من اللازم أن تجتمع الأمة عليهم جميعاً أم أنّ الحديث يشير إلى الغلبة والأكثرية؟ أم أنّ زيادة (كلهم تجتمع عليهم الأمة) لا تصح أصلاً؟ (1)

هل من اللازم أن يكون كل هؤلاء الإثني عشر من الأتقياء الأنقياء أم أنه يجوز أن يكون منهم الظلمة كما قال عليه الصلاة والسلام (إنّ الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر) (2) بحيث تكون العبرة هنا بعزة الدين أمام الكفار وبنهضة المسلمين لا بمظالم فردية وقعت على بعض الثائرين أو المعترضين على سياسة هذا الحاكم؟

هذه الأسئلة المثارة وكذا الاحتمالات العالقة بالنص ساهمت بشكل مباشر في جعل آراء العلماء متفاوتة في تحديد شخصيات الإثني عشر المشار إليهم بالحديث النبوي.

على أنّ الجميع متفقون على أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشار في الحديث إلى حدث مستقبلي سيحصل للأمة، ولم يذكر في الحديث أنه يلزم كل مسلم معرفة أسماء هؤلاء الإثني عشر أو الإيمان بهم كما يؤمن المرء منا بالأنبياء والملائكة والكتب السماوية واليوم الآخر كما قال الله تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِه} (3).

فحديث الخلفاء الإثني عشر لا يختلف كثيراً عن الغيبيات الأخرى التي أخبر عنها النبي


(1) وجدت الشيخ الألباني رحمه الله قد حكم على لفظة: (كلهم تجتمع عليه الأمة) و (ثم يكون الهرج) بالنكارة "السلسلة الصحيحة - حديث (376) ".
(2) متفق عليه
(3) سورة البقرة آية 285

عليه الصلاة والسلام كقوله (إنّ في ثقيف كذاباً ومبيراً) (1) ولم يقل عاقل من العقلاء فضلاً عن أن يدّعي عالم من علماء المسلمين المشهود لهم بالعلم والمعرفة أنه يجب على كل مسلم أن يعرف من هو كذّاب ثقيف ومبيرها، وأن يؤمن بأنهما (فلان وفلان) إيماناً جازماً لا يتسلل إليه فيه شك! فإنّ مثل هذا الكلام لا يقوله عاقل أبداً.

وقد قال عليه الصلاة والسلام أيضاً (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه) (2) ولم يقل أحد من الناس أنه يجب على كل مسلم أن يعرف ذاك القحطاني باسمه ونسبه وأرضه وإنما غرض مثل هذه الأحاديث الإخبار عن حدث سيحصل للأمة خيراً كان أو شراً. والأحاديث في ذلك كثيرة لمن أراد التتبع.

[تحرير المسألة]

روى سفينة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله -تعالى-، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله -تعالى-، ثم تكون ملكاً عاضاً (3)، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم


(1) رواه مسلم - كتاب فضائل الصحابة - باب (ذكر كذاب ثقيف ومبيرها) - حديث رقم (2545).
(2) رواه البخاري- كتاب الفتن- باب (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل) - حديث رقم (2910).
(3) روى الدارمي في سننه 2/ 155 عن أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة الجراح رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أول دينكم نبوة ورحمة ثم ملك ورحمة ثم ملك أعفر ثم ملك وجبروت يستحل فيها الخمر والحرير) فذكر (الملك والرحمة) بين خلافة النبوة والملك العضوض، والحديث ضعيف على أي حال لانقطاع السند ولو صح سنداً لجزمنا بشذوذه لمخالفته الروايات الصحيحة كرواية سفينة رضي الله عنه المذكورة.

يرفعها الله-تعالى-، ثم تكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله -تعالى ثم تكون خلافة على منهاج نبوة. ثم سكت) (1).

فقد نص الحديث أولاً على مرحلة حكم النبوة والتي تمثلت في حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم مرحلة الخلافة على منهاج النبوة والتي تمثلت في خلافة الخلفاء الأربعة مضافة إليها خلافة الحسن بن علي بن أبي طالب (الخليفة الراشد الخامس).

ثم مرحلة الملك العضوض والتي تمثلت بالفترة ما بعد خلافة الحسن إلى سقوط الخلافة العثمانية.

ثم الحكم الجبري والذي تمثل بفترة ما بعد سقوط الخلافة وحتى خلافة المهدي (محمد بن عبد الله) أو قبلها بزمن حيث سيعود بالحكم إلى ما كانت عليه الخلافة الراشدة.

الملفت للنظر في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام لما تكلم عن المرحلة التي تتلو مرحلة (الحكم الجبري) قال: (خلافة على منهاج النبوة) ولم يحددها بخليفة واحد وإنما أشار إلى مرحلة قد تحتمل وجود خليفة أو اثنين أو ثلاثة أو أكثر.

وهي مسألة غفل عنها الكثيرون - في رأيي - رغم وجود ما يشهد لها في السنة النبوية.

فقد روى الإمام أحمد وأبو داود بسند ضعيف عن أم المؤمنين (أم سلمة) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله (يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من المدينة هارباً إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيُخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام فيُبعث إليهم جيش من الشام فيُخسف بهم بالبيداء).


(1) رواه أحمد في المسند - حديث رقم (18430)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.

فقد نص هذا الحديث على أنّ خروج المهدي إنما يكون بعد موت خليفة للمسلمين مما يعني أنه ستكون هناك خلافة قائمة قبل المهدي لكنها خلافة مشبعة بظلم فيخرج المهدي بعد موت هذا الخليفة ليشيع العدل بين الناس بعد أن أُشيع فيها الظلم.

وروى ابن ماجة والحاكم من طريق ثوبان، والإمام أحمد والحاكم من طريق أبي قلابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله (يُقتل عند كنزكم ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قِبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يُقتله قومٌ ثم ذكر شيئاً لا أحفظه، فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي) (1).

والحديث صحيح المعنى كما قال الشيخ الألباني دون زيادة (فإنّ فيها خليفة الله المهدي) لأنه لا يُقال في الشرع (خليفة الله) لما في ذلك من إيهام ما لا يليق بالله تعالى من النقص والعجز، وإنما يُقال (خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).

ورغم أنّ الحديثين لا يخلوان من كلام في السند أو المتن إلا أنهما يصلحان على الأقل كشاهدين للكلام الذي ذكرته في شرح حديث الإثني عشر.

فمن ذا الذي يلزم حديث النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون خاصاً بالفترة ما بين أول خليفة راشد وحتى الخلافة الأموية أو العباسية أو يكتفي بالنظرة للأموية والعباسية ثم يخرج بنتيجة مضادة للحديث؟

نعم ... من منا يستطيع الجزم بعدد الخلفاء الذين سيأتون في مرحلة (العودة إلى الخلافة على منهاج النبوة) حتى يناقش الأسماء اليوم ويجزم بأنّ فلاناً من الخلفاء الإثني عشر المذكورين في الحديث أم أنّ غيره أحق منه بذلك؟

الحديث نص على أمور لكنه لم يحدد فترة ولا أسماء حتى يُمكن لمعترض أن يختبر الناس في أسماء هؤلاء الخلفاء الإثني عشر!

وقد أعجبني تعليق ابن كثير على هذا الحديث الشريف حيث لمست في كلامه بعده عن التعجل الذي وقع فيه بعض شراح الحديث.

فقد قال رحمه الله في "تفسيره 2/ 34" (ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود إثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ويعدل فيهم ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم بل قد وُجد منهم أربعة على نسق وهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة وبعض بني العباس، ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة. والظاهر أنّ منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره فذكر أنه يواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسمُ أبيه اسمَ أبيه فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً).

حيث تتلمس تورّع ابن كثير عن حصر الخلفاء الإثني عشر بمن سبقه أو من عايشه من الخلفاء وإنما اكتفى بذكر من تم اتفاق العلماء عليهم وقال عن الباقي (ولا تقوم الساعة حتى ولايتهم لا محالة).

 


(1) السلسلة الضعيفة 1/ 195

 

  • الاثنين AM 02:15
    2022-05-23
  • 1381
Powered by: GateGold