المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409095
يتصفح الموقع حاليا : 251

البحث

البحث

عرض المادة

حديث الدار

ومن أهم الأحاديث التي يستدل بها الشيعة الاثنا عشرية على نصية الإمامة حديث الدار حيث يرى الشيعة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نص على إمامة علي منذ بداية البعثة وأثناء عرضه الإسلام على كفار مكة ومنذ مطالبته إياهم بترك الأوثان وإفراد الواحد القهّار بالعبادة!

وفيما يلي نص الرواية: (لما نزلت هذه الآية على رسول الله {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين} (1) دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا علي، إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتُّ عليها حتى جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إنك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذِّبك ربك، فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رحل شاة، واملأ لنا عُسّاً من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلّمهم وأُبلّغهم ما أُمرت به، ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصون، فيهم أعمامه: أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به، فلما وضعته تناول رسول الله حِذيةً (2) من اللحم فشقّها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة

ثم قال: خذوا باسم الله فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة، وما أرى إلا موضع أيديهم وايم الله الذي نفس علي بيده، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم، ثم قال: اسق القوم، فجئتهم بذلك العُس فشربوا حتى رووا منه جميعاً، وايم الله إن كان الرجل


(1) سورة الشعراء آية 214
(2) الحذية من اللحم: ما قُطع منه طولاً.

الواحد منهم ليشرب مثله فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكلّمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لَهَدّ ما (1) سحركم صاحبكم! فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول الله، فقال: الغد يا علي، إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول فتفرّق القوم قبل أن أكلّمهم فعِد لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثم اجمعهم إليّ.

قال: ففعلت، ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقرّبته لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة، ثم قال: اسقهم فجئتهم بذلك العُسّ فشربوا حتى رووا منه جميعاً، ثم تكلّم رسول الله فقال: يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم.

قال: فأحجم القوم عنها جميعاً وقلت: وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم (2) عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً (3) أنا يا رسول الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثم قال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع) (4).

وفي سياق آخر (... وبدرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام فقال: أيكم يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي؟ قال: فسكتوا وسكت العباس خشية أن يحيط ذلك


(1) لَهَدّ: كلمة يُتعجب بها.
(2) الرمص في العين كالغمص، وهو كناية عن صغر سنه.
(3) حمش الساقين: دقيقها
(4) تاريخ الرسل والملوك للطبري 2/ 319 - 321

بماله، قال: وسكت أنا لسِن العباس، ثم قالها مرة أخرى فسكت العباس، فلما رأيت ذلك قلت: أنا يا رسول الله، قال: أنت؟ قال: وإني يومئذ لأسوأهم هيئة وإني لأعمش العينين ضخم البطن خمش الساقين) (1).

أقول: وحديث الدار المذكور آنفاً باطل سنداً ومتناً، فأما سنداً ففيه عبد الغفار بن القاسم وعبد الله بن عبد القدوس، فأما عبد الغفار بن القاسم فهو متروك لا يُحتج به، قال عنه علي بن المديني: كان يضع الحديث، وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وروى عباس بن يحيى: ليس بشيء، وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم (أي عند علماء الجرح والتعديل)، وقال عنه ابن حبان: (يقلّب الأخبار ولا يجوز الاحتجاج به، تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين) (2) وقال النسائي: متروك الحديث (3).

وليس عبد الله بن عبد القدوس بأحسن حالاً من سابقه بل هو مجروح أيضاً عند عامة علماء الحديث، قال النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: ضعيف (4).

وأما من ناحية المتن فالحديث واضح البطلان لأسباب وهي:

1ـ في الحديث أنّ بني عبد المطلب (هم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه) والتاريخ يشهد أنهم لم يبلغوا العشرين رجلاً فضلاً عن الأربعين!


(1) البداية والنهاية 3/ 40
(2) كتاب المجروحين لابن حبان ص143
(3) كتاب الضعفاء والمتروكين للنسائي ص210
(4) انظر ميزان الاعتدال 2/ 457

(فإنّ بني عبد المطلب لم يُعقِب منهم كما هو معلوم إلا أربعة: العبّاس، وأبو طالب والحارث، وأبو لهب. وجميع ولد عبد المطلب من هؤلاء الأربعة وهم بنو هاشم، ولم يدرك النبوة من عمومته إلا أربعة: العباس وحمزة وأبو طالب وأبو لهب، وأما العمومة وبنو العمومة فأبو طالب كان له أربعة بنين: طالب وعقيل وجعفر وعليّ.

وأما العباس فبنوه كلهم صغار، إذ لم يكن فيهم بمكة رجل، وهَبْ أنهم كانوا رجالاً فهم: عبد الله وعبيد الله والفضل، وأما قثم فوُلد بعدهم، وأكبرهم الفضل، وبه كان يكنَّى، ولم يُولد للعباس في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا الفضل وعبد الله وعُبيد الله، وأما سائرهم فوُلدوا بعده.

وأما الحارث بن عبد المطلب وأبو لهب فبنوهما أقل، والحارث كان له ابنان: أبو سفيان وربيعة، وبنو أبي لهب ثلاثة ذكور، فأسلم منهم اثنان: عتبة ومعتب (1) (2).

2ـ رواية الدار المذكورة آنفاً معارضة برواية أخرى اتفق أهل الحديث على صحّتها وثبوتها فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (لمّا نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين}. صعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الصّفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدِي، لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال: أرأيتكم أنّ خيلاً بالوادي تريد أن تُغير عليكم أكنتم مصدقِّي، قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: فإنِّي نذير


(1) في الأصل المطبوع (مغيث) بدل (معتب) وهو تصحيف جلي يُستغرب غفلة المحقق عنه.
(2) منهاج السنة النبوية 7/ 304 - 305 بتصرف

لكم بين يديْ عذابٍ شديدٍ، فقال أبو لهب: تباًّ لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا، فنزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}) (1).

3ـ الشيعة الإثنا عشرية طالماً ادعوا النص الصريح على خلافة عليّ وأنه هو الوصي والمستحق الوحيد لهذا المنصب، وأنّ النصوص متظافرة في إثبات ذلك، وهذا الحديث يدحض قولهم، إذ فيه أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا قومه لنصرته وأنّ من يقبل نصرته فسيصبح أخاه ووصيه وخليفته من بعده ولم يخص علياً بذلك بل وأعرض عنه ثلاث مرات، ولمّا لم يجد ناصراً غير عليّ قال له ما قال، وهذا يعني أنّ علياً لا يستحق هذا المنصب ابتداءً، وأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم اضطر مع إحجام قومه أن يجعل هذا الأمر في عليّ، فهل يتوافق هذا مع ما يدّعيه الشيعة الإثنا عشرية من أنّ علياً منصوص عليه من السماء؟!

4ـ لقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المنصب من نصيب من يؤازره على هذا الأمر وهو الإسلام والنطق بالشهادتين، وأنا أتساءل هل مجرد إسلام الشخص ونطقه بالشهادتين يستحق به أن يصبح وزيراً ووصياً وخليفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟!

ومعنى ذلك أيضاً أنّ جميع من أسلم وآزر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الأمر يستحق أن يصبح خليفة له، فأي ميزة لعلي عن جميع من أسلم حتى يصبح وصي وخليفة الرسول صلى الله عليه وآله بعد ذلك؟ ثم لو فرضنا أنّ اثنين أو أكثر من قومه أجابوه إلى


(1) صحيح البخاري - كتاب التفسير- باب (وأنذر عشيرتك الأقربين) برقم (4770).

ذلك، فهل سيكون للنبي صلى الله عليه وآله ثلاثة خلفاء في وقت واحد؟! أم سيجري انتخابات لترشيح واحدٍ منهم (1)؟!

5ـ لو كانت الآية قد نزلت بشأن تنصيب عليّ إماماً على المسلمين، فما السر في إجلاس النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً أكثر من مرة كلما قام معلناً تأييده له؟! أكان ينتظر من غيره أن يقوم مقامه؟ ولماذا يأمل ذلك من غيره وهو الإمام المنصوص عليه من الله؟!

ثم أين أبو طالب من هذا كله؟ فأبو طالب عند الشيعة الإثني عشرية كان مسلماً موحداً بل إنّ المسلمين مجمعون على أنه كان (مؤازراً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومحامياً عنه) فأين هو من حديث الدار؟ ولماذا أحجم عن مساندة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن هذا الفضل العظيم؟

كيف وقد ذكر القمي في "تفسيره" والمجلسي في "بحاره" أنه (نزلت النبوة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الإثنان، وأسلم علي عليه السلام يوم الثلاثاء، ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبي صلى الله عليه وآله، ثم دخل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو يصلّي وعلي بجنبه وكان مع أبي طالب جعفر، فقال له أبو طالب: صلِ جناح ابن عمّك، فوقف جعفر على يسار رسول الله صلى الله عليه وآله، فبدر رسول الله صلى الله عليه وآله من بينهما، فكان يصلّي رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة إلى أن أنزل الله عليه {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر}) (2).


(1) بل ضللت ص438 - 440 بتصرف.
(2) تفسير القمي 1/ 378 وتفسير نور الثقلين 3/ 32 وبحار الأنوار 22/ 272 وجامع أحاديث الشيعة 6/ 406

فالمسألة لا تقف حينئذ عند أبي طالب بل تتعداه إلى جعفر ابنه أيضاً، فأين الإثنان من واقع حديث الدار؟!

6 - تزعم الرواية الأولى أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي بعدما أحجم القوم عن مؤازرته (إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم) وليس من بعدي!

فأي وجه للدلالة على إمامة علي بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام؟

فإنه يصح أن يستخلف الرجل أحداً على قومه أو أهله وهو حي كما استخلف النبي أحد صحابته على المدينة عند ذهابه إلى مكة لأداء مناسك الحج، فالحديث يذكر (خليفتي فيكم) وليس (خليفتي من بعدي) والفرق واضح.

أما الرواية الثانية فتوضح بأنّ المراد الاستخلاف على أهله لا الناس جميعاً، وفي تفسير الحديث يقول الإمام ابن كثير: (ومعنى قوله في هذا الحديث من يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي يعني إذا مت، وكأنه صلى الله عليه وسلم خشي إذا قام بإبلاغ الرسالة إلى مشركي العرب أن يقتلوه فاستوثق من يقوم بعده بما يصلح أهله ويقضي عنه، وقد أمنه الله من ذلك في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} الآية) (1).

ثم إنّ في الرواية ما نصه: (فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع)؟!

وأنا أتساءل متعجباً، كيف يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقومٍ رفضوا مؤازرته ونصرته بل وحاربوه: (هذا خليفتي فاسمعوا له وأطيعوا؟!)، هم أنفسهم لم يطيعوا النبي المرسل فهل سيطيعون صبياً صغيراً؟!

ولو فرضنا أنّ النص كان كالتالي: (إنّ هذا أخي وخليفتي من (بعدي)) وليس (فيكم) كما في الرواية الثانية، فهل هم أطاعوا النبي في الحاضر حتى يطيعوا خليفته من بعده؟! كأنّ الخطاب لجمع من المسلمين وليس لجمع من رؤوس الكفر!

سبحان الله حتى المشركون أكثر فهماً من هؤلاء الذي يستدلون بالحديث على معنى الإمامة، لذلك خرجوا يضحكون على مثل هذا الكلام العجيب، ويقولون لأبي طالب، قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع!

7 - ذكر المجلسي في "بحار الأنوار" روايتين مهمتين في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم قُبيل وفاته، وهما تثبتان بما لا يدع مجالاً للشك بأنّ حديث الدار لا يدل من قريب ولا بعيد على النص على الإمام علي.

فروى عن الإمام زيد بن علي عليه السلام قال: لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله الوفاة ورأسه في حجر علي عليه السلام، والبيت غاصّ بمن فيه من المهاجرين والأنصار والعباس قاعد قدّامه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عبّاس، أتقبل وصيّتي وتقضي ديني وتنجز موعدي؟ فقال: إني امرؤ كبير السن، كثير العيال، لا مال لي، فأعادها عليه ثلاثاً كل ذلك يردها عليه، فقال رسول الله: سأعطيها رجلاً يأخذها بحقّها لا يقول مثل ما تقول ثم قال: يا علي، أتقبل وصيتي وتقضي ديني وتنجز موعدي؟ قال: فخنقته العبرة، ولم يستطع أن يجيبه، ولقد رأى رأس رسول الله صلى الله عليه وآله يذهب ويجيء في حجره، ثم أعاد

 


(1) البداية والنهاية 3/ 40

عليه فقال له علي عليه السلام: نعم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال: يا بلال، ائت بدرع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتى بها، ثم قال: يا بلال، ائت براية رسول الله صلى الله عليه وآله فأتى بها، ثم قال: يا بلال، ائت ببغلة رسول الله بسرجها ولجامها فأتى بها، ثم قال: يا علي، قم فاقبض هذا بشهادة من في البيت من المهاجرين والأنصار، كي لا ينازعك فيه أحد من بعدي، قال: فقام علي عليه السلام حتى استودع جميع ذلك في منزله، ثم رجع) (1).

وفي رواية الإمام جعفر الصادق عن أبيه عن جده أنه قال: لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال للعباس: يا عمّ محمد، تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟ فردّ عليه وقال: يا رسول الله، أنا شيخ كبير، كثير العيال، قليل المال، من يطيقك وأنت تباري الريح؟ قال: فأطرق عليه السلام هنيئة ثم قال: يا عباس، أتأخذ تراث رسول الله وتنجز عداته، وتؤدّي دينه؟ فقال: بأبي أنت وأمي، أنا شيخ كبير، كثير العيال، قليل المال، من يطيقك وأنت تباري الريح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما أنا سأعطيها من يأخذ بحقها، ثم قال: يا علي يا أخا محمد، أتنجز عداة محمد وتقضي دينه وتأخذ تراثه؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي) إلى آخر الرواية (2).

فمن الواضح– على فرض صحة حديث الدار- أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعنِ بقضاء الدين وإنجاز العدة وأخذ تراثه عليه الصلاة والسلام الخلافة أو الإمامة من بعده


(1) بحار الأنوار 22/ 459 (باب وصيته صلى الله عليه وآله عند قرب وفاته) – حديث رقم (5)
(2) المصدر نفسه – حديث رقم (3).

وإنما أراد بذلك المعنى الحرفي لتلك الكلمات، ولهذا أمر بلالاً كما في الروايتين أن يُعطي علياً رضي الله عنه الراية والدرع والمغفر والدواب وما أشبهها.

وكل هذا منصوص عليه في الروايتين.

كما أنّ الإمامة لو كانت من الله تعالى فهل يُعقل أن يعرضها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على غير من نصّ الله تعالى عليه؟!

فيعرضها على العباس في حديث الدار مرة وقُبيل وفاته عليه الصلاة والسلام مرة أخرى!

هذا إذا أعرضنا عن رواية خطيرة جداً ذكرها الشيخ الرضي في "خصائص الأئمة ص78" عن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام قال: حدثني أمير المؤمنين عليه السلام قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله، ودعا الناس في مرضه، فقال: من يقضي عني ديني وعداتي ويخلفني في أهلي وأمتي من بعدي؟ (1) فكف الناس عنه، وانتدبت له، فضمنت ذلك فدعا لي بناقته العضباء، وبفرسه المرتجز، وببغلته، وحماره، وسيفه، وذي الفقار، وبدرعه ذات الفضول، وجميع ما كان يحتاج إليه في الحرب) إلى آخر الرواية.

فهذه الرواية - رغم التحفظ على مضمونها – تثبت أنّ الخلافة والإمامة من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليست بالنص بدليل عرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم إياها على الناس إلى جانب قضاء دينه والاستخلاف على الأهل.

والإمام علي كما في الرواية يقول وبكل صراحة: (فكف الناس عنه، وانتدبت له، فضمنت ذلك)، ولسائل أن يسأل: لو أنّ العباس أو غيره من الصحابة انتدب وضمن ذلك، أيتصور حينها الشيعة الإثني عشرية أنّ الإمامة ستنتقل إليه؟


(1) زيادة (وأمتي من بعدي) منكرة، تخالفها كل الروايات الواردة في هذا الباب.

8 - لم يصح في شأن الدار حديث كما بيّنتُ لكن أقوى ما ورد من الروايات في هذا الباب روايتان:

الأولى: ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبّاد بن عبد الله الأسدي عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه الآية {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين} قال: جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل بيته، فاجتمع ثلاثون، فأكلوا وشربوا، قال: فقال لهم: (من يضمن عني ديني ومواعيدي، ويكون معي في الجنة، ويكون خليفتي في أهلي؟) فقال رجل – لم يسمِّه شريك: يا رسول الله، أنت كنت بحراً، من يقوم بهذا؟! قال: ثم قال لآخر، قال: فعرض ذلك على أهل بيته، فقال علي: أنا) (1).

والحديث ضعيف كما هو معلوم لضعف شريك بن عبد الله النخعي وعبّاد بن عبد الله الأسدي، لكنه أقوى سنداً بل متناً من الحديث الذي يستدل به علماء الشيعة الإثني عشرية عادة.

والثانية: رواها الإمام أحمد في مسنده عن ربيعة بن ناجذ عن علي رضي الله عنه أنه قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأخذ الجذعة ويشرب الفرق، قال: فصنع لهم مُداً من طعام فأكلوا حتى شبعوا، قال: وبقي الطعام كما هو كأنه لم يُمس ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يُمس أو لم يُشرب، فقال: يا بني عبد المطلب، إني بُعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟ قال: فلم يقم إليه أحد، قال: فقمت وكنت أصغر القوم، قال: فقال: اجلس، ثم


(1) رواه أحمد في المسند – حديث رقم (883).

قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه، فيقول لي: اجلس، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي) (1).

والروايتان على ضعفهما توضحان أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد عرض على قرابته أمراً لا دخل له بالخلافة أو الإمامة بمفهومها الشيعي الإثني عشري، فقد عرض على من يبايعه ويسانده أن يكون معه في الجنة وأن يكون خليفته على أهله عند موته عليه الصلاة والسلام أو خروجه خارج أرضه، وكان عليه الصلاة والسلام مستعداً لقبول أي شخص من بني عبد المطلب لا علي بن أبي طالب تحديداً كما يريد الشيعة الإثنا عشرية تصوير الأمر ولذلك ردّه ثلاث مرات لأنه يريد غيره، فلما أن رأى منهم الخذلان، ضرب بيده على يد علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، فهل يرضى الشيعة الإثنا عشرية بما تشير إليه الروايات؟


(1) رواه أحمد في المسند – حديث رقم (1371) وفضائل الصحابة 2/ 887 – حديث رقم (1220) وربيعة ابن ناجذ الأزدي أو الأسدي الكوفي مُختلف فيه: قال عنه الذهبي: لا يكاد يُعرف، ووثقه العجلي وابن حبان (على ما عرف عنهما من توثيق المجاهيل كما نص على ذلك العلماء كالعلامة عبد الرحمن المعلمي في كتابيه "التنكيل" و"الأنوار الكاشفة"، والحديث عند الشيخ شعيب الأرنؤوط ضعيف وهو كما قال.

  • الاثنين AM 01:49
    2022-05-23
  • 891
Powered by: GateGold