المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412651
يتصفح الموقع حاليا : 341

البحث

البحث

عرض المادة

حديث الاستخلاف على المدينة

واستدل الشيعة الإثنا عشرية بما أخرجه النسائي في خصائص عليّ عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (لما غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة تبوك خلّف علياً كرم الله وجهه في المدينة، قالوا فيه: ملّه وكره صحبته، فتبع عليّ رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى لحقه في الطريق، قال: يا رسول الله خلفتني بالمدينة مع الذراري والنساء، حتى قالوا: ملّه وكره صحبته؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا عليّ إنما خلّفتك على أهلي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي) (1).

قال عبد الحسين شرف الدين في "المراجعات": (ولا يخفى ما فيه من الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، على أنّ علياً ولي عهده، وخليفته من بعده، ألا ترى كيف جعله صلى الله عليه وآله وسلم وليه في الدنيا والآخرة؟ آثره بذلك على سائر أرحامه، وكيف أنزله منه منزلة هارون من موسى؟ ولم يستثن من جميع المنازل إلا النبوة، واستثناؤها دليل على العموم) (2).

المناقشة: أقول: إن جاز أن يُستدل بهذا الحديث على الخلافة فلتعلم أيها القارئ أنّ في هذا الحديث عجباً .. فالحديث إن أُريد أن يُستدل به على الإمامة والخلافة فسيكون من أبرز الأدلة على أحقية أبي بكر الصدّيق بالخلافة!!

ستقول لي: كيف ... وستتعجب من قولي، ومن حقك ذلك، فالحديث في الظاهر لا دخل له في أبي بكر من قريب ولا بعيد، لكن التأمل فيه بدقة سيأتيك بما لم يخطر على بالك من قبل.


(1) رواه النسائي في (خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) بسند صحيح.
(2) المراجعات ص214 - المراجعة رقم (26).

إن سألتك مجرد سؤال: من كان الخليفة بعد موسى عليه السلام؟ فستجيبني قائلاً: يوشع عليه السلام.

لكن من هو يوشع عليه السلام؟

هو صاحب موسى عليه السلام ورفيق هجرته (1) الذي ذهب معه للقاء الخضر عليه السلام كما بينت ذلك سورة الكهف وحكى ذلك المفسرون من أهل السنة ومن الشيعة الإثني عشرية.

وأبو بكر الصديق كان كذلك (صاحب رسول الله ورفيق هجرته)، والخلافة لم تحصل لهارون عليه السلام الذي تربطه بموسى عليه السلام رابطة النسب وإنما حصلت ليوشع عليه السلام صاحب موسى عليه السلام ورفيق دربه.

فاستخلاف هارون عليه السلام كان مؤقتاً لفترة ذهاب موسى عليه السلام لمناجاة ربه في الطور، بينما كانت الخلافة من بعد موسى عليه السلام تامة ليوشع عليه السلام.

وكذلك الحال في أبي بكر وعلي.

قال الإمام القرطبي: (لا خلاف أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرِد بمنزلة هارون من موسى الخلافة بعده، ولا خلاف أنّ هارون مات قبل موسى عليهما السلام، وما كان خليفة بعده، وإنما كان الخليفة يوشع بن نون، فلو أراد بقوله: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" الخلافة، لقال: أنت مني بمنزلة يوشع من موسى، فلما لم يَقُل هذا دل على أنه لم يُرِد


(1) لقد نص الحديث على استثناء النبوة ولذلك لن نشير للنبوة في المقارنة بلا شك، فيوشع عليه السلام عند أهل السنة نبي وعند الشيعة الإثنى عشرية وصي موسى عليه السلام وأبو بكر ليس بنبي، وهارون عليه السلام نبي وعلي ليس بنبي.

هذا، وإنما أراد أني استخلفتك على أهلي في حياتي وغيبوبتي عن أهلي كما كان هارون خليفة موسى على قومه لما خرج إلى مناجاة ربه) (1).

فهارون عليه السلام قد مات قبل موسى عليه السلام فلا يصح في الأذهان أن يشبّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً رضي الله عنه بهارون عليه السلام إذ ما أراد النص على خلافته من بعده لأنّ هارون عليه السلام لم يخلف موسى عليه السلام سوى زمناً يسيراً عند ذهاب موسى عليه السلام إلى الطور وهو ما يتوافق بشكل واضح مع استخلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإمام علي على أهله في المدينة للذهاب إلى تبوك، فمن أين أتت فكرة الاستخلاف العام؟!

وللمفيد (2) كلام جميل في الرد على فرقة (الفطحية) (3) الشيعية من المهم أن نسلّط عليه الضوء.


(1) الجامع لأحكام القرآن – تفسير قول الله تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة}.
(2) محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بابن المعلّم ثم اشتهر بالمفيد، ترجم له ابن شهرآشوب في "معالم العلماء ص148" بقوله: (ولقّبه بالشيخ المفيد صاحب الزمان صلوات الله عليه وقد ذكرت سبب ذلك في مناقب آل أبي طالب، له قريب مائتي مصنف كبار وصغار).
وترجم له الحلي في "خلاصة الأقوال ص248" بقوله: (من أجل مشايخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم، وكل من تأخر عنه استفاد منه، وفضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية، أوثق أهل زمانه وأعلمهم، انتهت رئاسة الإمامية في وقته إليه، وكان حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب له قريب من مائتي مصنف كبار وصغار).
(3) وهم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر الصادق، وسمّوا بذلك لأنّ عبد الله كان أفطح القدمين أي عريضهما، وقيل: كان أفطح الرأس، والأول أظهر وأشهر.

يقول المفيد: (أما الفطحية فالحجة عليها أوضح من أن تخفى لأنّ اسماعيل مات قبل أبي عبد الله عليه السلام، والميت لا يكون خليفة الحي وإنما يكون الحي خليفة الميت، ولكن القوم عملوا على تقليد الرؤساء وأعرضوا عن الحجة وما في بابها، وهذا أمر لا يحتاج فيه إكثار لأنه ظاهر الفساد، بيّن الانتقاد) (1).

أقول: والكلام ذاته يُقال للشيعة الإثني عشرية، فهارون عليه السلام قد مات قبل موسى عليه السلام، والميت لا يكون خليفة للحي وإنما يكون الحي خليفة الميت، فكيف جاز للشيعة أن يستدلوا بهذا الحديث على كون علي بن أبي طالب خليفة لرسول الله؟! لكن القوم عملوا على تقليد الرؤساء وأعرضوا عن الحجة وما في بابها.

ثانياً: الحديث المذكور له سبب هام لا ينبغي أن يُغفل وأن يُفهم الحديث دونه، وقد ورد السبب الذي من أجله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحديث النبوي الشريف عند الفريقين السنة والشيعة.

وحسبي هاهنا أن أكتفي بروايات شيعية ذكرت السبب لئلا يظن ظان أنّ روايات أهل السنة قد جاءت بما لم تأت به روايات الشيعة.

يقول المفيد في كتابه "الإرشاد": (فلما بلغ أمير المؤمنين (ع) إرجاف المنافقين به أراد تكذيبهم وإظهار فضيحتهم فلحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إنّ المنافقين يزعمون أنك إنما خلفتني استثقالاً ومقتاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله:


(1) كمال الدين وتمام النعمة ص105

ارجع يا أخي إلى مكانك، فإنّ المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) (1).

وقد روى الطوسي روايات كثيرة في هذا المعنى منها ما رواه أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب (ع) في غزوة تبوك اخلفني في أهلي. فقال علي: يا رسول الله، إني أكره أن يقول العرب خذل ابن عمه، وتخلف عنه، فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، قال: بلى، قال فاخلفني) (2).

ورويت كذلك الحادثة بهذا النص (وغزونا تبوك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فودع علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ثنية الوداع وبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يبكيك، فقال: كيف لا أبكي ولم أتخلف عنك في غزاة منذ بعثك الله، فما بالك تخلفني في هذه الغزاة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فقال علي (ع) بل رضيت) (3).

وفي "الأمالي ص307" كذلك من حديث عامر بن سعد عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي (ع) ثلاثاً، فلأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي، وخلفه في بعض مغازيه فقال: يا رسول الله، تخلفني مع النساء والصبيان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).


(1) الإرشاد 1/ 156
(2) الأمالي للطوسي ص261 وبحار الأنوار 21/ 232
(3) الأمالي للطوسي ص171

وروى محمد بن سليمان الكوفي في "مناقب الإمام أمير المؤمنين (ع) " عن أسماء أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا جاء ثنية الوداع وهو يريد تبوك وعلي يبكي ويقول: يا رسول الله، أتجعلني مع الخوالف؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي؟) (1).

وقد أشار لذلك الطبرسي في "إعلام الورى" فقال: (فلما انتهى إلى الجرف لحقه علي وأخذ بغرز رحله وقال: يا رسول الله، زعمت قريش أنك خلفتني استثقالاً مني، فقال طالما آذت الأمم أنبياءها، أما أن ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، فقال: قد رضيت فرجع إلى المدينة، وقدم رسول الله تبوك في شعبان يوم الثلاثاء) (2).

فكل هذه الروايات والمصادر الشيعية تؤكد وتقرر حقيقة أنّ قول النبي عليه الصلاة والسلام (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) إنما هو ترضية للإمام علي لما طعن واستخف به المنافقون.

ثالثاً: لقد استخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة غير الإمام علي بن أبي طالب (3) فليس مجرد الاستخلاف على المدينة يجعل المستخلف خليفة على المسلمين من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


(1) مناقب الإمام أمير المؤمنين (ع) 1/ 535 - 536
(2) إعلام الورى ص122
(3) لا بد من الإشارة إلى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف علياً على المدينة يوم تبوك وإنما استخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصارى واستخلف علياً على أمهات المؤمنين وأهل علي، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام له (فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك) انظر "السيرة" لابن هشام.

فقد (سافر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة قريباً من ثلاثين سفرة وهو يستخلف فيها من يستخلفه كما استخلف في غزوة الأبواء (سعد بن عبادة) واستخلف في غزوة بواط (سعد بن معاذ) ثم لما رجع وخرج في طلب كرز بن جابر الفهري استخلف (زيد بن حارثة). واستخلف في غزوة العشيرة (أبا سلمة بن عبد الأشهل) وفي غزوة بدر استخلف (ابن أم مكتوم) واستخلف (أبا لبابة) في غزوة بني قينقاع وغزوة السويق واستخلف (عثمان بن عفان) في غزوة غطفان التي يُقال لها غزوة أنمار، واستخلفه في غزوة ذات الرقاع، واستخلف (ابن رواحة) في غزوة بدر الموعد واستخلف (سباع بن عرفطة الغفاري) في غزوة دومة الجندل وفي غزوة خيبر، واستخلف (زيد بن حارثة) في غزوة المريسيع، واستخلف (أبا رهم) في عمرة القضية) (1).

أضف إلى ذلك أنّ استخلاف عليّ على المدينة لم يكن الأخير فقد استخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة في حجة الوداع غير عليّ، بينما نجد في المقابل أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمّر أبا بكر على الحج، واختصه أيضاً بإمامة الصلاة وحده، ولم يكن اختصاصه بسبب قرابة أو لأجل استرضائه، كما كان مع عليّ، بل اختصاص مطلق من أجل الفضيلة والاستحقاق فحسب.

رابعاً: ورد عند السنة والشيعة تشبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فإن كان في تشبيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهارون عليه السلام ما يفيد المعنى الذي


(1) منهاج السنة النبوية 5/ 67 - 69

يريده الشيعة فماذا يقولون في تشبيه أبي بكر وعمر بأولي العزم من الرسل الذين هم بلا شك أفضل من هارون عليه السلام؟

روى شيخ الطائفة الطوسي في كتابه "الأمالي" عن ابن مسعود قوله: لما كان يوم بدر وأُسرت الأسرى، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما ترون في هؤلاء القوم؟ فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله هم الذين كذّبوك وأخرجوك فاقتلهم، ثم قال أبو بكر: يا رسول الله هم قومك وعشيرتك ولعلّ الله يستنقذهم بك من النار، ثم قال عبد الله بن رواحة: أنت بواد كثير الحطب، فاجمع حطباً فالهب فيه ناراً وألقهم فيه، فقال العباس بن عبد المطلب: قطعك رحمك، قال: ثم إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام فدخل وأكثر الناس في قول أبي بكر وعمر، فقال بعضهم: القول ما قال أبو بكر، وقال بعضهم: القول ما قال عمر، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ما اختلافكم يا أيها الناس في قول هذين الرجلين: إنما مثلهما مثل إخوة لهما ممن كان قبلهما: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، قال نوح {رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} (1) وقال ابراهيم {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيم} (2) وقال موسى {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيم} (3) وقال عيسى {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} (4) (5).

ويُلاحظ في صيغة تشبيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبي بكر وعمر بالأنبياء أنها أقوى من صيغة تشبيه علي بهارون عليه السلام، فالتشبيه في قوله عليه السلام (بمنزلة) أقل درجة في التشبيه من كلمة (مثل) التي هي أساس التمثيل والتشبيه في اللغة العربية.

 


(1) سورة نوح آية 26
(2) سورة إبراهيم آية 36
(3) سورة يونس آية 88
(4) سورة المائدة آية 118
(5) أمالي الطوسي ص267 وبحار الأنوار 19/ 271

  • الاحد PM 05:35
    2022-05-22
  • 2025
Powered by: GateGold