المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412338
يتصفح الموقع حاليا : 312

البحث

البحث

عرض المادة

حديث غدير خم

يعتبر حديث الغدير أهم أدلة الشيعة على خلافة الإمام علي على الإطلاق، ولا يرتاب أحد في أنّ هذا الحديث من أبرز مناقب الإمام علي، فيكفيه فضلاً وشرفاً رضوان الله عليه أن تُقال في مثله هذه الكلمات العظيمة، ولسنا نناقش هل الحديث من مناقب وفضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أم لا، لأنّ هذا أمر مفروغ منه، ومحسوم من الطرفين (السنة والشيعة)، لكن نقاشنا يدور حول دلالة الحديث على الإمامة بالمعنى الذي تذهب إليه الشيعة الإثنا عشرية.

وحديث غدير خم رواه ابن ماجة في "السنن" بسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجته التي حج، فنزل في بعض الطريق فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيدِ علي رضي الله عنه، فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟، قالوا: بلى، قال: فهذا وليُّ من أنا مَوْلاهُ اللهم والِ من والاهُ، اللهم عادِ من عاداهُ) (1).

المناقشة: سُمّي الحديث باسم حديث الغدير لوقوع مكانه عند غدير خم. وهو غدير يبعد عن الجحفة ميلان (2) أو (ثلاثة أميال من الجحفة يسرة عن الطريق وهذا الغدير فيه عين وحوله شجر كثير ملتف وهي الغيضة التي تسمى خم) (3).


(1) سنن ابن ماجة - كتاب السنة - باب (في فضائل أصحاب رسول الله) - حديث رقم (116).
(2) معجم البلدان 2/ 111
(3) معجم ما استعجم 2/ 368

وقد حدد آية الله لطف الله الصافي الكلبايكاني المسافة بين مكة وبين الجحفة في رسالته العملية "مناسك الحجّ" بـ «مائتين وعشرين كيلو متراً تقريباً» (1).

والمتأمل لحديث الغدير ولملابساته يعلم علم اليقين أنه ليس في الحديث دلالة على معنى الخلافة بل المعنى المراد هو النصرة والمحبة، وإليك بيان ذلك:

أولاً: حديث الغدير باعتراف عالمين من علماء الشيعة الإثني عشرية ليس دليلاً صريحاً أو نصاً جلياً على إمامة علي بن أبي طالب بل هو دليل ظني محتمل للتأويل، تأولته الطائفة الإثنا عشرية على ما أرادته من إثبات النص على الإمام علي بينما تأوله جمهور المسلمين على اختلاف طوائفهم ومشاربهم الفكرية على خلاف ذلك!

فقد صرّح الإمام المرتضى (2) في "رسائله" بهذه الحقيقة قائلاً: (إنّ النص على ضربين: موسوم بالجلي، وموصوف بالخفي. وأما الجلي: فهو الذي يستفاد من ظاهر لفظه النص بالإمامة كقوله عليه السلام (هذا خليفتي من بعدي) و (سلّموا على علي عليه السلام بأمرة المؤمنين). وليس معنى الجلي أنّ المراد منه معلوم ضرورة، بل ما فسّرناه. وهذا الذي سمّيناه


(1) مناسك الحج ص61
(2) علي بن الحسين بن موسى بن محمد المعروف باسم "الشريف المرتضى" و"علم الهدى"، وُلِد ببغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وترجم له الشيخ حسن الصدر في كتابه "تأسيس الشيعة ص391" قائلاً: (انتهت إليه رئاسة الإمامية في الدين والدنيا، ولم يتفق لأحد ما اتفق له من بسط اليد، وطول الباع في إحياء دوارس المذهب، كان يدرس في كل العلوم الإسلامية، لا سيما الكلام والفقه والأدب والحديث، ويجري على تلامذته رزقاً، وتخرج عليه أعلام علماء الإسلام وأئمة الفقه والكلام. وصنف أصولاً وتأسيسات غير مسبوق بمثلها، وأكثر في التصنيف في المعقولات لنصرة الدين في تلك الطبقات بتلك المصنفات فكانت له آيات بينات وكرامات كالمعجزات)!

(الجلي) يمكن دخول الشبهة في المراد منه وإن بعدت، فيعتقد معتقد أنه أراد بخليفتي من بعدي بعد عثمان، ولم يرد بعد الوفاة بلا فصل ... وأما النص الخفي: فهو الذي ليس في صريحة لفظه النص بالإمامة، وإنما ذلك في فحواه ومعناه، كخبر الغدير، وخبر تبوك) (1).

فعدّ خبر الغدير وخبر تبوك من النصوص التي لا تدل ألفاظها بشكل صريح على معنى الإمامة.

وفي هذا يقول الشيخ أحمد القبانجي–وهو أحد شيوخ الشيعة المعاصرين– في كتابه "خلافة الإمام علي بن أبي طالب (ع) بالنص أم بالنّصب؟ " ما نصه: (وقد رأيت في بعض كتابات الأصحاب أنّ المرتضى مع كونه من أساطين الإمامية ومتكلميهم إلا أنه لا يرى في كتابه (الشافي) أنّ حديث الغدير نص جلي على نصب الإمام علي بل عدّه من النص الخفي) (2).

وقد ذكر العلامة الشيعي أبو المجد الحلبي (3) في كتابه "إشارة السبق إلى معرفة الحق" أنّ حديث غدير خم من الأحاديث المحتملة للتأويل فقال: (ومنها: الخفية المحتملة للتأويل أولها: نص يوم الغدير، قوله صلى الله عليه وآله (من كنت مولاه فعلي مولاه)) (4).

ثانياً: غدير خم يبعد عن مكة ما يقارب المائتين وعشرين كيلو متراً أو أكثر أو أقل بقليل فإن كان مراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنصيب علي بن أبي طالب إماماً من بعده فلِمَ لم يعلن ذلك في حجة الوداع أو يوم عرفة إذ فيهما من اجتماع المسلمين والفضيلة ما لا يتأتى في غيرهما؟

والقول بأنّ الجحفة أو غدير خم مفترق طرق الحجيج جهل أو بالأحرى محض كذب على الشرع، لأنّ مجتمع الحجيج هو مكة ومفترقهم هو مكة أيضاً، وكيف يجوز لعاقل أن يتصور أن يكون مفترق الحجيج بعيداً عن مكة أكثر من مائتين وعشرين كيلو متراً؟

ولذلك لم يكن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طريق عودته إلى المدينة إلا أهل المدينة ومن كان على طريق المدينة فقط، ولو أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يوصي بالإمامة من بعده فإنه لا يعقل أن ينتظر تفرق الناس من بعد الحج بين ماكث في مكة وعائد إلى اليمن أو الطائف، ثم يعلن بعد ذلك عن هذه القضية الهامة في منطقة تبعد عن مكة المكرمة كل هذا البعد، فلا ينصت إلى خطبته إلا أهل المدينة ومن كان على دربهم فقط؟!!

ثالثاً: حديث الغدير لم يأت من فراغ بل لسبب وعلة لا ينبغي إغفالها.

فقد أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه خلف خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى اليمن ليخمّس الغنائم ويقبض الخُمس.

لكن قسمة الخمس كانت سبباً في إثارة الجيش على الإمام علي بن أبي طالب.

روى الإمام أحمد في مسنده عن بريدة بن الحصيب قال: أبغضت علياً بغضاً لم يبغضه أحد قط، قال: وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا على بغضه علياً، قال: فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه علياً، قال: فأصبنا سبياً، قال: فكتب إلى رسول الله

 


(1) رسائل المرتضى 1/ 338 - 339
(2) خلافة الإمام علي (ع) بالنص أم بالنصب ص56
(3) علاء الدين أبو الحسن علي بن بن الحسن بن أبي المجد الحلبي، من أعلام القرن السادس الهجري، ترجم له المحقق أسد الله التستري صاحب "المقابس" فقال: (الشيخ الفقيه المتكلم النبيه علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي الفضل بن الحسن بن أبي المجد الحلبي -نور الله مرقده- وهو صاحب كتاب "إشارة السبق إلى معرفة الحق" في أصول الدين وفروعه إلى الأمر بالمعروف).
(4) إشارة السبق ص52

صلى الله عليه وآله وسلم ابعث إلينا من يخمّسه، قال: فبعث إلينا علياً، وفي السبي وصيفة هي أفضل من السبي فخمّس، وقسم فخرج رأسه مغطى، فقلنا: يا أبا الحسن ما هذا؟ قال: ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي، فإني قسّمت وخمّست، فصارت في الخمس ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم صارت في آل علي ووقعت بها، قال: فكتب الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: ابعثني فبعثني مصدقاً، قال: فجعلت أقرأ الكتاب وأقول: صدق، قال: فأمسك يدي والكتاب، وقال: أتبغض علياً؟ قال: قلت: نعم، قال: فلا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حباً، فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة، قال: فما كان من الناس أحد بعد قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب إليّ من علي) (1).

وفي رواية عن بريدة أيضاً أنه مرّ على مجلس وهم يتناولون من علي، فوقف عليهم فقال: إنه قد كان في نفسي على عليّ شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني في سرِيّة عليها علي فأصبنا سبياً، قال: فأخذ علي جارية من الخُمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك، قال: فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعلت أحدثه بما كان، ثم قُلت: إنّ علياً أخذ جارية من الخُمس، قال: وكنت رجلاً مِكباباً قال: فرفعت رأسي، فإذا وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تغيّر، فقال: من كنت وليه فعلي وليه) (2).


(1) مسند أحمد - حديث رقم (23017) بسند حسن
(2) مسند أحمد – حديث رقم (23078) وفضائل الصحابة 2/ 857 - حديث رقم (1177)، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وفي رواية عن بريدة أيضاً أنه قال: غزوتُ مع علي اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكرت علياً فتنقصته فرأيتُ وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتغير فقال: يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه) (1).

ولم يكن هذا الأمر هو الأمر الوحيد الذي أثار الناس على الإمام علي بن أبي طالب آنذاك.

فلما كانت حجة الوداع، رجع علي من اليمن ليدرك الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم وساق معه الهدي (2) واستخلف على الجند رجلاً من أصحابه، فكسا ذلك الرجل كل رجل حلة البزّ دون أذن علي بن أبي طالب، فلما قدم عليهم علي انتزعها منهم فسخط الناس عليه.

قال ابن إسحاق في السيرة: (لما أقبل علي رضي الله عنه من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستخلف علي جنده الذين معه رجلاً من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي رضي الله عنه، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل، قال: ويلك ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك، انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فانتزع الحلل من الناس فردها في البز، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم) (3).


(1) مسند أحمد - حديث رقم (22995)، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(2) ذكر مسلم في صحيحه في كتاب الحج –باب (حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم) – حديث (1218).
(3) السيرة لابن هشام 4/ 603

قال الواقدي: قال أبو سعيد الخدري – وكان معه في تلك الغزوة –: وكان علي عليه السلام ينهانا أن نركب إبل الصدقة، فسأل أصحاب علي عليه السلام أبا رافع أن يكسوهم ثياباً فكساهم ثوبين ثوبين، فلما كانوا بالسدرة داخلين مكة، خرج علي عليه السلام يتلقاهم ليقدم بهم فيّنزلهم، فرأى علي أصحابنا ثوبين ثوبين على كل رجل، فعرف الثياب فقال لأبي رافع: ما هذا؟ قال: كلموني ففرقت من شكايتهم، وظننت أنّ هذا يسهل عليك، وقد كان من كان قبلك يفعل هذا بهم، فقال: رأيت إبائي عليهم ذلك وقد أعطيتهم!، وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلّفت، فتعطيهم!، قال: فأبى علي عليه السلام أن يفعل ذلك حتى جرّد بعضهم من ثوبيه، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شكوا، فدعا علياً فقال: ما لأصحابك يشكونك؟ فقال: ما اشتكيتهم، قسمت عليهم ما غنموا وحبست الخمس حتى يقدم عليك وترى رأيك فيه، وقد كانت الأمراء يفعلون أموراً، فيُنفّلون من أرادوا من الخمس، فرأيت أن أحمله إليك لترى فيه رأيك، فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1).

ومما أثار الجيش أيضاً ما ذكره الواقدي في المغازي عن عمر بن علي أنه قال: (وجمع علي عليه السلام ما أصاب من تلك الغنائم فجزأها خمسة أجزاء فأقرع عليها، فكتب في سهم منها (لله)، فخرج أول السهام سهم الخمس ولم ينفل أحداً من الناس شيئاً، فكان من قبله يعطون أصحابهم – الحاضر دون غيرهم– من الخمس، ثم يخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يرده عليهم، فطلبوا ذلك من علي عليه السلام فأبى، وقال: الخمس أحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيرى فيه رأيه، وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله


(1) مغازي الواقدي 3/ 1080

وسلم يوافي الموسم ونلقاه ويصنع فيها ما أراه الله، فانصرف راجعاً، وحمل الخمس وساق معه ما كان ساق فلما كان بالفتق تعجل) (1).

وقد تجلى سخط الجيش على علي بن أبي طالب فيما رواه الترمذي في جامعه عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدءوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه ثم قام الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والغضب يعرف في وجهه، فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ علياً مني وأنا منه، وهو وليُّ كل مؤمن من بعدي) (2).

قال المؤرخ ابن كثير: (إنّ علياً رضي الله عنه لمّا كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه لذلك


(1) المصدر السابق
(2) جامع الترمذي – كتاب المناقب – باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه – حديث رقم (3712) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، وجعفر بن سليمان شيعي مُختلف في روايته، فبعضهم أخذ بروايته هذه دون ملاحظة انفراده بزيادة (من بعدي) وبعضهم لحظها وعدّ الزيادة من مناكيره.

لما رجع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من حجته وتفرغ من مناسكه، وفي طريقه إلى المدينة مرّ بغدير خم فقام في الناس خطيباً فبرأ ساحة علي، ورفع قدره ونبّه على فضله ليزيل ما وقر في قلوب كثير من الناس) (1).

ولذلك أخّر رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام إلى أنّ رجع إلى المدينة ولم يتكلم وهو في مكة أو يوم عرفة حيث اجتمع المسلمون وإنما أرجأ الأمر إلى طريق العودة لأنّ الأمر متعلق بأهل المدينة الذين تكلموا في علي والذين كانوا مع علي في الغزو.

رابعاً: (وهو الأهم): لفظ (مولى) لا يخدم النظرية الإمامية، والاستشهاد بلفظ (مولى) على معنى الوصاية والوزارة جهل باللغة العربية، فإنّ الولاية بالفتح هي ضد العداوة والاسم منها (مولى، ووليّ)، والولاية بكسر الواو هي الإمارة، والاسم منها (والي ومتولي) والموالاة ضد المعاداة، كقوله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} (2) وقال {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض} (3) والآيات في هذا المعنى كثيرة (4).

ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصيح بليغ ولو أراد من الحديث معنى الإمامة كما يفهمها الشيعة الإثنا عشرية لصرّح بذلك بأنسب عبارة وأوضح تعبير دون استخدام لفظ بعيد عن معنى الإمامة والولاية ويحتمل أكثر من معنى، كل معنى من تلك المعاني أبعد ما يكون عن مدلول الإمامة.

ولمّا كان مقصود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الشهادة لعلي بن أبي طالب بأنه يستحق الموالاة والنصرة ظاهراً وباطناً استخدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفظ (مولى) في مكانه للدلالة على ذلك.

فلو كان ما ذكره صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خم بلاغاً للناس كافة لذكره في حجة الوداع التي اجتمع فيها المسلمون كافة تقريباً، ولو أنه ذكره في حجة الوداع لكان من اللازم أن يصرّح بأنّ علياً هو الإمام من بعده بكل بوضوح، فليست تلك الكلمات صعبة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كي يتفوه بها بدلاً من عبارة (من كنت مولاه فعلي مولاه).

ولعله مما يؤكد ذلك هو تتمة حديث الغدير وهي بحد ذاتها تفسير لما أُشكل في الحديث ففي تتمة الحديث قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه) فبيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه العبارة أنّ المراد بالتولي هنا ولاء المحبة والنصرة.

خامساً: فهم صحابة رسول الله للنص:

فالصحابة لم يفهموا من حديث الغدير المعنى الذي يذهب إليه الشيعة الإثنا عشرية بل إنّ أقرب الناس إلى الإمام علي كأبي أيوب الأنصاري ومن معه من الأنصار قد فهموا أنّ المراد بالمولى أو الولي هو (الحب والولاء والطاعة) ولذلك عبّروا عن طاعتهم وإجلالهم لسيد أهل البيت علي بن أبي طالب بمناداته (يا مولانا).

فعن رياح الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا، فقال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم (من كنت مولاه فهذا مولاه)، قال رياح: فلما مضوا اتبعتهم فسألت من

 


(1) البداية والنهاية 5/ 95
(2) سورة محمد آية 11
(3) سورة التوبة آية 71
(4) الفيروز أبادي في القاموس – مادة (ولي).

هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري (1).

إنّ أهم ما يُستفاد من هذا الحديث هو أنّ علي بن أبي طالب نفسه لم يكن يفهم من لفظ (مولى) معنى الإمامة والإمارة!

فمن الملاحظ أنّ الإمام علياً قد استنكر منهم مناداته بـ (يا مولانا) ظناً منه أنهم يريدون بهذا النداء أنه سيدهم وهم عبيده كنحو مناداة العبد الأعجمي لسيده، فسألهم متعجباً: (كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟) فأخبروه بمرادهم من هذه العبارة.

ومن الواضح في كلام الإمام علي أنه كان بعيداً عن ربط كلمة (المولى) بالإمارة، فهو عربي فصيح يدرك أنّ لفظ (مولى) لا يمكن بحال من الأحوال أن يراد به الإمارة.

أما الأنصار فالأمر بالنسبة لهم طبيعي، فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الرجل الذي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحبه ونصرته، ولذلك عبّروا عن حبهم ونصرتهم وولائهم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذه الكلمات.

ولقد رأينا الأنصار الذين رووا حديث الغدير وعملوا بمضمونه فنادوا الإمام بـ (يا مولانا) تطبيقاً لمعنى الحديث الشريف، هم الذين وقفوا جنباً إلى جنب مع الإمام علي في حربه ضد أهل الشام، في حين أنهم لم يجدوا أدنى حرج في تنصيب أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه خليفة على المسلمين.

ولو كانوا قد فهموا من الحديث معنى الإمامة لكانوا هم أول من سلّم الإمامة لعلي فالإمامة ستخرج من أيديهم لا محالة إما لأبي بكر وإما لعلي، ولا مصلحة لهم تقتضي أن ينكروا حق علي وهم يعلمونه من رسول الله.


(1) إسناده صحيح، رواه أحمد في المسند 5/ 419 وفي فضائل الصحابة 2/ 707 حديث رقم 967

سادساً: روت كتب الفريقين (السنة والشيعة) أقوالاً لبعض أئمة وعلماء أهل البيت ينفون فيها أن يكون المراد بحديث الغدير النص على إمامة علي من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقد روى الإمام محمد بن عاصم الأصبهاني عن الفضيل بن مرزوق قوله: (سألت عمر ابن علي وحسين بن علي عمّي جعفر (1) فقلت: هل فيكم إنسان من أهل البيت أحد مفترض طاعته تعرفون له ذلك؟ ومن لم يعرف له ذلك فمات، مات ميتة جاهلية؟

فقال: لا والله، ما هذا فينا، من قال هذا فينا فهو كذّاب.

قال: فقلت لعمر بن علي: رحمك الله، إنّ هذه منزلة، إنهم يزعمون أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى إلى علي وأنّ علياً أوصى إلى الحسن، وأنّ الحسن أوصى إلى الحسين وأنّ الحسين أوصى إلى ابنه علي بن الحسين، وأنّ علي بن الحسين أوصى إلى ابنه محمد بن علي.

قال: والله لقد مات أبي (2) فما أوصاني بحرفين، مالهم قاتلهم الله!، إنّ هؤلاء متأكلين بنا هذا خُنيس، وهذا خُنيس الحُرّ، وما خُنيس الحُرّ.

قال: قلت له: هذا المعلّى بن خُنيس؟ قال: نعم، المعلّى بن خُنيس، والله لقد أفْكرت على فراشي طويلاً أتعجب من قومٍ لبس الله عز وجل عقولهم حتى أضلهم المعلّى بن خُنيس (3).


(1) المراد بجعفر هنا هو الإمام جعفر الصادق، والإمامان عمر وحسين هما عمّا الإمام جعفر.
(2) أي الإمام زين العابدين (علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).
(3) المعلى بن خنيس هو أحد رواة الشيعة الإثنى عشرية المعدودين عندهم من جملة أصحاب الإمام جعفر الصادق، وفي الرواية تصريح من الإمامين (عمر بن علي) و (حسين بن علي) عمّي الإمام جعفر الصادق بأنّ ما يُذكر عن آل البيت من أنّ فيهم أئمة مفترضي الطاعة إنما هو محض افتراء عليهم، وقد أشار الإمام عمر ابن علي إلى أحد الذين تولوا كِبَر هذه المقالة وهو (المعلّى بن خُنيس).

وقد قيل للإمام الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الذي كان كبير الطالبيين في عهده وكان وصي أبيه وولي صدقة جده: ألم يقل رسول الله: (من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: بلى، والله لو يعني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمارة والسلطان لأفصح لهم بذلك، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أنصح للمسلمين، لقال: (يا أيها الناس هذا ولي أمركم، والقائم عليكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا)، والله لئن كان الله ورسوله اختار علياً لهذا الأمر وجعله القائم للمسلمين من بعده ثم ترك علي أمر الله ورسوله لكان علي أول من ترك أمر الله وأمر رسوله) (1).

وفي رواية: (أما والله إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يعني بذلك الإمرة والسلطان، والقيام على الناس بعده لأفصح لهم بذلك، كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت، ولقال لهم: إنّ هذا ولي أمركم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا فما كان من وراء هذا شيء، فإنّ أنصح الناس كان للمسلمين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (2).

وكان ابنه الإمام عبد الله يقول: (من هذا الذي يزعم أنّ علياً كان مقهوراً؟ وأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره بأمور لم ينفذها؟ فكفى بهذا إزراء على عليّ ومنقصة بأن يزعم قومٌ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره بأمر فلم يُنفذه) (3).


(1) تاريخ ابن عساكر 15/ 60 ترجمة (الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب) رقم (1605).
(2) المصدر نفسه
(3) تاريخ ابن عساكر 29/ 256 (ترجمة عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب) رقم (3323).

وكان يقول: (ما لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا) (1) نافياً أن تكون الإمامة حقاً لأهل البيت أو لبعضهم دون سائر الناس فضلاً عن كونها من الله تعالى.

فإذا كان هذا كلام أهل البيت وهم أبناء علي والناصرون له، فما ترى غيرهم يقولون؟

سابعاً: قرأت كلاماً نفيساً للباقلاني رحمه الله في شأن هذا الحديث يقول فيه: (إنّ ما أثبته لنفسه صلى الله عليه وآله وسلم من كونه أولى بهم ليس هو من معنى ما أوجبه لعلي بسبيل لأنه قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه)، فأوجب الموالاة لنفسه ولعلي وأوجب لنفسه كونه أولى بهم من أنفسهم وليس معنى أولى من معنى (مولى) في شيء، لأنّ قوله (مولى) يحتمل في اللغة وجوهاً ليس فيها معنى (أولى) فلا يجب إذا عُقّب كلام بكلام ليس من معناه أن يكون معناهما واحداً.

ألا ترون أنه لو قال: ألست نبيكم والمخبر لكم بالوحي عن ربكم وناسخ شرائع من كان قبلكم؟ ثم قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، لم يوجب ذلك أن يكون قد أثبت لعلي من النبوة وتلقي الوحي ونسخ الشرائع على لسانه ما أوجبه في أول الكلام لنفسه ولا أمر باعتقاد ذلك فيه من حيث ثبت أنه ليس معنى نبي معنى مولى فكذلك إذا ثبت أنه ليس معنى أولى معنى مولى لم يجب أن يكون قد أثبت لعلي ما أثبته لنفسه وإنما دخلت عليهم الشبهة من حيث ظنوا أنّ معنى مولى معنى أولى وأحق، وليس الأمر كذلك.

وعلى أنه لو ثبت أنّ معنى (مولاه) معنى (أولى) وإن كان محتملاً لوجوه أُخر، لم يجب أن يكون المراد بقوله (فمن كنت مولاه فعلي مولاه): من كنت أولى به، وإن نُسق بعض الكلام


(1) بحار الأنوار 47/ 271 - باب أحوال أقربائه وعشائره وما جرى بينه وبينهم - حديث رقم (3).

على بعض وكان ظاهره يقتضي ذلك لدليل صرفه عما يقتضيه وهو أنّ الأمة مجمعة على أنّ النبي صلوات الله وسلامه عليه أوجب ما أوجبه بقوله (ما كنت مولاه فعليّ مولاه) في وقت وقوع هذا القول في طول أيام حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلو كان إنما أثبت له الولاية عليهم وجعله أولى بهم وألزمهم طاعته والانقياد لأوامره لوجب أن يكون قد أثبته إماماً وأوجب الطاعة له آمراً وناهياً فيهم مع وجوده سائر مدته صلى الله عليه وآله وسلم فلما أجمعت الأمة على فساد ذلك وإخراج قائله من الدين، ثبت أنه لم يرد به (فمن كنت مولاه): من كنت أولى به، ولم يرد بقوله (فعلي مولاه) أنه أولى به.

ويدل على ذلك أيضاً ويؤكده ما يروونه من قول عمر: (أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن) (1) فأخبر أنه قد ثبت كونه مولى له ولكل مؤمن فلم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدلّ على أنه قد أثبت له في ذلك الوقت ما أثبته لنفسه وليس هو الولاية عليهم ولزوم طاعتهم له فهذه دلالة تصرف الكلام عن مقتضاه لو كان معنى (مولى) معنى (أولى) وكان نسق الكلام يقتضي ذلك، فسقط ما تعلقوا به (2).


(1) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 8/ 284 وهو ضعيف، ففي سنده (شهر بن حوشب) وقد تقدّم الحديث عنه في بداية مناقشة الاستدلال بحديث الكساء، وفيه أيضاً: (علي بن سعيد الرملي) قال عنه ابن حجر في (لسان الميزان): يُتثبت في أمره كأنه صدوق!، وفيه أيضاً: (مطر طهمان الوراق) قال عنه ابن سعد: كان فيه ضعف بالحديث، وقال أبو داود: ليس هو عندي بحجة ولا يُقطع به في حديث إذا اختلف.
(2) يقول الشيخ أحمد القبانجي في كتابه "خلافة علي (ع) بالنص أم بالنصب؟ ص56" ما نصه: (ومما يؤيد أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الغدير لم يقصد بالخلافة من كلمة (المولى) هو أنّ الأخبار على كثرتها لم تذكر أمر البيعة للإمام علي عليه السلام، وغاية ما ورد هو تهنئة بعض الصحابة للإمام علي بهذا المقام بقولهم (بخ بخ لك يا علي)، ومعلوم أنّ مثل هذه العبارات لا تعد بيعة، ولو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقصد تنصيبه لمقام الخلافة من بعده، فلماذا لم يأخذ من المسلمين البيعة للإمام واكتفى = ... = بالإعلان المذكور؟ ألم يكن الأولى أخذ البيعة منهم لإحكام الأمر وتقوية الحجة ولكيلا يختلف المسلمون بعده في مراده من كلمة (المولى)؟).

فإن قالوا: فما معنى مولى عندكم؟ وما الذي أثبته النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الكلام لعليّ وقصد به؟ قيل لهم: أما معنى (مولى) فإنه يتصرف على وجوه: فمنها المولى بمعنى الناصر، ومنها المولى بمعنى ابن العم، ومنها المولى بمعنى الموالي المحب، ومنها المولى بمعنى المكان والقرار، ومنها المولى بمعنى المعتق المالك للولاء، ومنها المولى بمعنى المعتق ومنها المولى بمعنى الجار، ومنها المولى بمعنى الصهر، ومنها المولى بمعنى الحليف، فهذا جميع ما يحتمله قوله (مولى)، وليس من معنى هذه اللفظة أنّ المولى إمام واجب الطاعة، قال تعالى في المولى بمعنى الناصر {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِين} (1) يعني ناصره.

وقال الأخطل:

فأصبحت مولاها من الناس كلهم ... وأحرى قريش أن تُهاب وتُحمدا

أي فأصبحت ناصرها وحامي ذمارها.

وأما المولى بمعنى ابن العم فمشهور، قال الله تعالى {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَاءِي} (2) يعني بني العم، قال الفضيل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب يخاطب بني أمية:

مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا ... لا تُنبتوا بيننا ما كان مدفونا

لا تحسبوا أن تُهينونا ونُكرمكم ... وأن نكف الأذى عنكم وتُؤذونا


(1) سورة التحريم آية 4
(2) سورة مريم آية 5

الله يعلم أنا لا نُحبكم ... ولا نلومكم ألا تحبونا

وأما المولى بمعنى المُعتق والمُعتق، فأظهر من أن يُكشف، يُقال: فلان مولى فلان يعني مُعتقه ومالك ولائه، وفلان مولى فلان يراد به مُعتق له، وأما المولى بمعنى الموالى المُحب فظاهر في اللغة، يُقال فلان مولى فلان أي محب له وولي له، وقد روي في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (مُزينة وجُهينة وأسلم وغِفارُ وأشجع موالٍ، ليس لهم مولى دون الله ورسوله) (1) أي مُحبون موالون لهما.

وأما المولى بمعنى الجار فمعروف في اللغة، قال مربع بن دعدعة، وكان جاور كُليب بن يربوع فأحسنوا جواره:

جزى الله خيراً والجزاء بكفّه ... كُليب بن يربوع وزادهم حمدا

هم خلطونا بالنفوس وألجموا ... إلى نصر مولاهم مسومة جُردا

أي إلى نصر جارهم.

وأما المولى بمعنى الصهر فمعروف أيضاً، قال أبو المختار يزيد بن قيس الكلابي في ظلامته إلى عمر في أمرائه:

فلا تنسينّ النافعين كليهما ... وهذا الذي في السوق مولى بني بدر

وكان الرجل صهراً لبني بدر.

وأما المولى بمعنى الحليف فمذكور أيضاً، قال بعض الشعراء:

موالي حلف لا موالي قرابة ... ولكن قطيناً يعصرون الصنوبرا


(1) رواه مسلم –كتاب فضائل الصحابة– باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيء – حديث رقم (2520).

فأما ما قصد به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (من كنت مولاه، فعلي مولاه)، فإنه يحتمل أمرين: أحدهما: من كنت ناصره على دينه وحامياً عنه بظاهري وباطني وسري وعلانيتي فعلي ناصره في نصره الدين والمؤمنين سواء والقطع على سريرته وعلو رتبته، وليس يُعتقد ذلك في كل ناصر للمؤمنين بظاهره، لأنه قد ينصر الناصر بظاهره طلب النفاق والسمعة وابتغاء الرفد ومتاع الدنيا، فإذا أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّ نُصرة بعض المؤمنين في الدين والمسلمين كنصرته هو صلى الله عليه وآله وسلم قُطع على طهارة سريرته وسلامة باطنه وهذه فضيلة عظيمة) (1).

ثامناً: وردت في روايتين عبارة (وهو وليكم من بعدي) بزيادة (بعدي) عن سائر الروايات، وفي سندي هاتين الروايتين كلٌّ من (جعفر بن سليمان) و (أجلح الكندى)، فأما (أجلح الكندي) فقد قال فيه الإمام أحمد: أجلح ومجالد متقاربان في الحديث وقد روى الأجلح غير حديث منكر، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي يُكتب حديثه ولا يُحتج به، وقال النسائي: ضعيف ليس بذاك وكان له رأي سوء، وقال أبو داود: ضعيف، وقال ابن سعد: كان ضعيفاً جداً، وقال العقيلي: روى عن الشعبي أحاديث مضطربة لا يُتابع عليها، وقال ابن حبان: كان لا يدري ما يقول جعل أبا سفيان أبا الزبير (2).

وأما (جعفر بن سليمان) فقد اختلف فيه علماء الجرح والتعديل إلا أنّ للحافظ الذهبي عبارة أراها والله أعلم أوسط الأقوال في جعفر حيث يقول (فإنّ جعفراً قد روى أحاديث من


(1) تمهيد الأوائل ص450 - 457
(2) تهذيب التهذيب 1/ 183

مناقب الشيخين رضي الله عنهما، وهو صدوق في نفسه، وينفرد بأحاديث عُدّت مما يُنكر واختُلف في الاحتجاج بها، منها:

حديث أنس: إنّ رجلاً أراد سفراً فقال: زوّدوني.

ومنها حديث: لينتهينّ أقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء في الصلاة .. الخ) (1).

فجعفر بن سليمان قد أخذ عليه انفراده بأحاديث مُنكرة، فلا عجب أن تكون زيادة (من بعدي) من مناكيره.

ومما يؤيد ذلك أنّ زيادة (بعدي) لم تذكر في كل طرق الحديث سوى طريق هذين الراويين (جعفر بن سليمان والأجلح الكندي).

ولو فرضنا صحة الزيادة المذكورة فإنها تخالف التفسير الشيعي لقوله تعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون} لأنّ الآية – وفقاً للمفهوم الشيعي الإثني عشرية – قد أثبتت إمامة علي بن أبي طالب في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما فائدة النص على إمامته من بعد الرسول وقد نُص عليها في حياته؟!


(1) ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 410

  • الاحد PM 05:32
    2022-05-22
  • 1542
Powered by: GateGold