المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413245
يتصفح الموقع حاليا : 258

البحث

البحث

عرض المادة

آية {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد}

واستدل الشيعة الإثنا عشرية بما رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره 13/ 72" وابن عساكر في "تاريخه 12/ 154" عن ابن عباس قال: لما نزلت {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد} قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا المنذر وعلي الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون بعدي) على أنّ الإمام علياً هو وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإمام من بعده.

ولمعرفة المراد بالآية الكريمة ومدى صحة استدلال الشيعة الإثنى عشرية بهذا النص، فلا بد لنا في ذلك من طريقين:

أولهما: يكون بالنظر إلى ألفاظ الآية الكريمة ومدى دلالتها على الإمام علي أو على غيره.

وثانيهما: يكون بالنظر في سنة النبي عليه الصلاة والسلام الثابتة الصحيحة، فإن ثبت فيها أنّ المراد بالآية علي بن أبي طالب أو غيره أخذنا بذلك دون تردد.

فأما الطريق الأول، فمن الجلي أنّ الآية لا تدل بألفاظها على أنّ المراد بالهادي هو علي بن أبي طالب أو غيره من الصحابة كأبي بكر أو عمر أو عمار أو أبي ذر أو غيرهم.

وأما الطريق الثاني فبالنظر إلى الرواية السابقة نلاحظ التالي في سند الحديث:

1 - أنّ أحد رواة السند وهو (معاذ بن مسلم) مجهول

2 - أنّ في السند (الحسن بن الحسين الأنصاري العرني الكوفي) وهو متهم.

قال عنه ابن عدي: (لا يشبه حديثه حديث الثقات)

وقال ابن حبان: (يأتي عن الأثبات بالمُلزقات، ويروي المقلوبات)!

3 - اختلاط عطاء بن السائب.

4 - في رواية الحاكم في "المستدرك 3/ 129 - 130" وابن عساكر في "تاريخه 12/ 154" جاء النص باللفظ التالي: (قال علي: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنذر، وأنا الهادي) وفي الرواية: (حسين الأشقر) وهو متروك الحديث.

ومما يُنتقد في هاتين الروايتين (الأولى والثانية) أمور منها:

أولاً: أنّ قوله (بك يهتدي المهتدون بعدي) يعني أنّ كل من اهتدى من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبِالإمام علي بن أبي طالب، وفي هذا إجحاف بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو قدوة وهداية للناس في حياته وبعد وفاته، فهو القائل عليه الصلاة والسلام (قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها. لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك) (1) فكيف لا يكون الرسول عليه الصلاة والسلام مصدر هداية بعد وفاته، بينما يكون علياً مصدر هداية للأمة في حياته ومن بعد وفاته!

فكأنّ الرسول عليه الصلاة والسلام عند هؤلاء منذر فقط وليس بهادٍ، وإنما الهادي هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه!

وكون رسول الله هادياً مما لا يحتاج إلى إثبات أو تدليل أصلاً لكني أشير بهذا إلى قول الله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم} (2).

ولذلك يُقال لهؤلاء المجادلون: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد آمن به خلق كثير واهتدوا به ودخلوا الجنة بذلك، وأغلبهم لم يسمعوا من علي كلمة واحدة يهتدون بها أو من أبي بكر أو غيرهما، وكذلك لما فُتحت الأمصار ودخل الناس في دين الله أفواجاً واهتدوا بهذا الدين وبما علموه من كلام الله وكلام رسوله لم يكن هؤلاء قد سمعوا من الإمام علي بن أبي طالب بلاغاً خاصاً يهتدون به بل اهتدوا بما علموه من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

فهل يُقال عنهم مهتدون أم ضالون؟ فإن قيل (مهتدون) كان ذلك كافياً في إبطال الرواية، وإن قيل (ضالون) كان هذا خلاف ما دل عليه كتاب الله وسنة نبيه وإجماع المسلمين.

كما أنّ في الرواية إجحافاً واضحاً بحق باقي الصحابة الذين اهتدى على أيديهم خلق لا يُحصون عدداً، فالرواية يُكذبها الواقع بلا ريب، فقد فتح الصحابة البلدان وانتشر العلم على يدي جماعة منهم كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن عباس وغيرهم فاهتدى الناس لسنة نبيهم وعرفوا تعاليم دينهم من خلال هؤلاء الصحابة، فما الذي جعل الهداية حكراً على الإمام علي رضي الله عنه دون هؤلاء؟!

ثانياً: قوله تعالى {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد} نكرة في سياق الإثبات، وهذا لا يدل على شخص معين دون غيره، فدعوى دلالة هذه الآية على علي بن أبي طالب أو أبي بكر أو عمر أو غيرهم باطلة ما دام النص القرآني لا يدل على ذلك، وما دامت الرواية المذكورة في هذا الشأن لا تصح سنداً ولا متناً.

ثالثاً: قال الشيخ محمد بن الحسن الحلي (الملقب بابن العلامة) في كتابه "إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد 1/ 4" ما نصه: (نسبة الإرشاد إلى الأنبياء ونسبة التكميل إلى الأوصياء إشارة إلى قوله تعالى {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد} وجعل النبي للتبليغ والوصي للتكميل!).

وأقول: أي قلة حياء هذه في أن يُنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه ترك مهمة إكمال الدين لغيره؟!


(1) سنن ابن ماجة – كتاب السنة – باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين – حديث رقم (43).
(2) سورة الشورى آية 52

ثم أين ابن العلامة وأمثاله من المتجاسرين على مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}؟! (1) فقد تم الدين وأُكمل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنكار كمال الدين على يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنكار لما عُلِم من الدين بالضرورة، وتكذيب صارخ لكتاب الله تعالى الذي نص على ذلك، والقائل بذلك كافر بإجماع المسلمين.

رابعاً: استدل بعضهم بما أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند 1/ 126" عن السدي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في تفسير الآية (المنذر والهادي: رجل من بني هاشم) على أنه دليل واضح على أنّ المراد بالهادي في الآية هو الإمام علي بن أبي طالب، وهو استدلال غريب عجيب ينبئ عن قلة فهم للآية والحديث معاً!

فالله تعالى في الآية الكريمة يصف رسوله الكريم بأنه منذر فيقول {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِر} و (أنت) هنا لا تخاطب علياً أو أبا بكر أو غيرهما وإنما تخاطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والرواية تجعل (المنذر والهادي) شخصاً واحداً هو رجل من بني هاشم، وهل يختلف إثنان في أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو المنذر؟ بلا شك لا، وهل يختلف إثنان أنّ رسول الله من بني هاشم؟ بلا شك لا، إذن من هو الهادي؟ هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا شك.

ويكون حينئذ قول الرواية (رجل من بني هاشم) كنحو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن نفسه قبل وفاته بفترة (إنّ الله سبحانه خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما


(1) سورة المائدة آية 3

عند الله) (1) وقد كان عليه الصلاة والسلام يعني بذلك نفسه الشريفة لكنه لم يصرّح بذلك لحكمة يعلمها هو صلى الله عليه وآله وسلم.

هذا على فرض قبول الرواية، وإلا فالسدي المذكور في الرواية وإن كان هو (السدي الكبير) إلا أنه يُتحفظ على رواياته كثيراً.

قال عنه أبو زرعة: لين الحديث، وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه لكن لا يُحتج به، وقال عبد الرحمن مهدي: ضعيف، وقال يحيى بن معين: ضعيف، وهو متهم بالتفسير عند الشعبي وإبراهيم النخعي.

خامساً: اختلفت أقوال المفسرين في المراد بقوله تعالى {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد} على قولين:

فذهب ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وعكرمة والنخعي إلى أنّ المراد بالهادي هو (الله تعالى).

وذهب الحسن وعطاء وقتادة وأبو الضحى إلى أنّ المراد بالهادي هو (النبي صلى الله عليه وآله وسلم).

وكلا القولين صحيح باعتبار ما يُراد من الآية، فإن أُريد بالهداية هنا (هداية السداد والتوفيق) فهذه لا تكون إلا لله عز وجل.

فيكون معنى الآية: (إنما عليك الإنذار، وعلينا الهداية).

وإن أُريد بالآية (هداية الإرشاد والتبليغ) فهذه واقعة في حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون غيره.


(1) صحيح البخاري – كتاب الصلاة – باب الخوخة والممر في المسجد – حديث رقم (466).

ولعله مما يُقوي قول القائلين بأنّ الهادي هو الله تعالى، التشابه الكبير بين قوله تعالى {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لولا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} (1) وهي الآية التي نتكلم عنها، وبين قوله تعالى في السورة نفسها {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لولا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَاب} (2) فكأنّ الآية هذه مفسرة للأخرى والله تعالى أعلى وأعلم.


(1) سورة الرعد آية 7
(2) سورة الرعد آية 27

 

  • الاحد PM 05:24
    2022-05-22
  • 1041
Powered by: GateGold