المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409164
يتصفح الموقع حاليا : 342

البحث

البحث

عرض المادة

آية المباهلة

آية المباهلة (1)

تعتبر آية المباهلة التي نزلت في وفد نجران وهي قول الله عز وجل {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِين} (2) إحدى أهم أدلة الشيعة الإثنى عشرية على الإمامة ويرى الإثنا عشرية أنّ وجه دلالة الآية على إمامة علي بن أبي طالب أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعله مثل نفسه بقوله {أَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ} لأنه أراد بقوله {أَبْنَاءنَا} الحسن والحسين عليهما السلام وبقوله {نِسَاءنَا} فاطمة وبقوله {أَنفُسَنَا} نفسه ونفس علي عليهما السلام ... وإذا جعله مثل نفسه وجب أن لا يدانيه ولا يقاربه في الفضل أحد).

وقبل مناقشة هذه الدعوى:

لي مع هذه الآية الكريمة حادثة لا تُنسى ..

فقد اتصل بي أحد الأصدقاء يدعوني لحضور حوار سيتم بين شابين أحدهما سني والآخر شيعي في إحدى الديوانيات حول الخلاف بين السنة والشيعة الإثنى عشرية، فرحّبت بذلك وذهبت على أمل أن يكون النقاش علمياً وأن لا تعكره أجواء التعصب.

وقد كان المحاور السني قريباً من الديوانية فحضر قبل المحاور الشيعي الذي كنا ننتظره فعرّفني المحاور السني على أحد الجالسين وأخبرني بأنه مؤذن في أحد المساجد وذكر لي اسم عائلة شيعية عريقة في التشيع هي عائلة هذا الشاب، وقد كان صاحبنا هذا ممن يقوم بتمثيل دور الشبيه في الحسينية قبل أن يتحول إلى أهل السنة.

فانتقلت مباشرة إلى الأخ ورحّبت به وسألته عن سبب انتقاله إلى أهل السنة ودار بيننا حديث عن الصعوبات التي واجهها بسبب تسننه.

لكن الشاهد من هذا كله، حوار دار بينه وبين أحد علماء الشيعة حول هذه الآية بالذات.

قال الأخ: ذكرت لابن عمي يوماً أنّ من عقائد الشيعة الإثني عشرية تفضيل الإمام علي على الأنبياء، فاستنكر هذا وقال لي: أنا شيعي ولا أعرف هذا الكلام، فقلت له: لأنك عامي ولا تعرف كل العقائد أما أنا فمطّلع على هذه الأمور.

يقول: فاتفقنا على أن يحسم الأمر بيننا أحد علماء الشيعة الإثني عشرية على أن أخاطبه بصفتي شيعي اثني عشري كما كنت في السابق حتى لا يتوجس من قصدي من السؤال.

يقول: فسألت الشيخ (من أفضل الإمام علي عليه السلام أم الأنبياء عليهم السلام؟).

فأجاب الشيخ: الإمام علي عليه السلام أفضل من الأنبياء جميعاً سوى محمد صلوات الله وسلامه عليه.

فنظرت إلى ابن عمي وهو بجانبي وقلت: أرأيت؟ كلامي كان صحيحاً.

ثم قلت للشيخ: ما الذي جعل الإمام علياً أفضل من الأنبياء سوى محمد عليه الصلاة والسلام؟

فقال: آية المباهلة، لأنّ الله عز وجل قد جعله نفس محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقوله {وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُم}.


(1) سُميت آية المباهلة بهذا الاسم كما يقول الحافظ ابن كثير في "تفسيره 1/ 180": (لأنّ كل محق يود لو أهلك الله المبطل المناظر له، ولا سيما إذا كان في ذلك حجة له في بيان حقه وظهوره، وكانت المباهلة بالموت، لأنّ الحياة عندهم عزيزة عظيمة لما يعلمون من سوء مآلهم بعد الموت).
(2) سورة آل عمران آية 61

يقول: فوقع في قلبي أن أقول للشيخ: لكنّ الله عز وجل قد قال في كتابه المجيد مخاطباً الكفار {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم} (1) فهل يُقال بأنّ كفار مكة هم نفس رسول الله، لأنّ الله قد قال {رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ}.

يقول: فصمت الشيخ.

ثم ذكر لي بعد ذلك ما دار بينه وبين الشيخ حول النظرة إلى أبي بكر وعمر وحوادث أخر.

ثم قدم المحاور الذي كنا ننتظره فأنهينا حديثنا الجانبي ورحّبنا بالضيف وابتدأ النقاش.

إنّ آية المباهلة لا مستند فيها على ما يدّعيه الشيعة الإثني عشرية في موضوع الإمامة لعدة أسباب:

أولاً: أنه على كثرة المعاني والمرادفات لكلمة (نفس) التي تستدل بها الإمامية على دلالة النص في خلافة علي بن أبي طالب لا يوجد معنى حقيقي أو مجازي يدل على الخلافة.

قال الزَّبيدي: (قال ابن خالويه: النفس الأخ، قال ابن برّي: وشاهده قوله تعالى {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ} (2) وفسر ابن عرفة قوله تعالى {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً} (3) أي بأهل الإيمان وأهل شريعتهم) (4).

قال الدهلوي: (معنى (ندع أنفسنا) نحضر أنفسنا، وأيضاً لو قررنا الأمير – أي الإمام علياً– من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمصداق (أنفسنا)، فمن نقرره من قبل الكفار


(1) سورة التوبة آية 128
(2) سورة النور آية 61
(3) سورة النور آية 12
(4) تاج العروس 16/ 570

لمصداق (أنفسكم) في أنفس الكفار مع أنهم مشتركون في صيغة (ندع) ولا معنى لدعوة النبي إياهم وأبناءهم بعد قوله (تعالوا)) (1).

وقوله تعالى {وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ} مثل قوله تعالى {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً} (2) نزلت في أم المؤمنين عائشة في حادثة الإفك، فإنّ الواحد من المؤمنين من أنفُس المؤمنين والمؤمنات.

وكذلك قوله تعالى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ} (3) أي لا يُخرج بعضكم بعضاً، فالمراد بالأنفس الإخوان: إما في النسب وإما في الدين (4).

قلت: وقد قال الله عز وجل عن رسوله الكريم {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم} (5) والحجة في هذه الآية على الإمامية ظاهرة في قوله تعالى {أَنفُسَنَا} على معنى المماثلة والتطابق، فهذه الآية تتكلم عن رسول الله وعن كفار مكة، وتقول {مِّنْ أَنفُسِكُم} فمن ذا الذي يقول بأنّ نفس رسول الله كـ (أنفس) كفار مكة – عياذاً بالله -؟!!


(1) مختصر التحفة الإثنى عشرية ص156
(2) سورة النور آية 12
(3) سورة البقرة آية 84
(4) مختصر منهاج السنة 1/ 167 - 168 بتصرف
(5) سورة التوبة آية 128

وهنا تظهر المزاجية في تفسير آية المباهلة حين يتجاهل علماء الشيعة كل هذه النصوص ثم يأتون إلى هذه الآية الكريمة فيبالغون في معناها إلى حد قولهم بأنّ علياً هو نفس محمد صلى الله عليه وآله وسلم سوى النبوة!

ولعلي أشير هنا إلى رواية شيعية تبين أنّ إطلاق لفظ أنفسنا على الأخ أو القريب أو أرباب الفئة الواحدة شيء متعارف عليه عند الناطقين بالعربية.

روى الكليني عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: بعث أمير المؤمنين (ع) عبد الله بن العباس إلى ابن الكواء وأصحابه وعليه قميص رقيق وحُلّة، فلما نظروا إليه قالوا: يا ابن عباس، أنت خيرنا في أنفسنا وأنت تلبس هذا اللباس، فقال: وهذا أول ما أخاصمكم فيه {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْق} وقال {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد} (1).

فهل بعد هذه الدلائل القرآنية وبعد هذه الرواية الشيعية من كلمة يقولها المغالي؟

ثانياً: اعترف أحد أقطاب الشيعة وهو الشيخ الرضّي أنّ قوله تعالى {أَنفُسَنَا} لا يعني أنّ علياً رضي الله عنه هو نفس رسول الله كما يقول الشيعة.

يقول الشيخ الرضيّ في كتابه "حقائق التأويل في متشابه التنزيل ص113" في تفسير الآية الكريمة: (قال بعض العلماء: إنّ للعرب في لسانها أن تخبر عن ابن العم اللاصق والقريب المقارب بأنه نفس ابن عمه، وأنّ الحميم نفس حميمه، ومن الشاهد على ذلك قول الله تعالى


(1) الكافي 6/ 441 - كتاب الزي والتجمل - باب اللباس – حديث رقم (6).

{وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَاب} (1) أراد تعالى: ولا تعيبوا إخوانكم المؤمنين فأجرى الأخوة بالديانة مجرى الأخوة في القرابة، وإذا وقعت النفس عندهم على البعيد النسب كانت أخلق أن تقع على القريب السبب، وقال الشاعر: كأنا يوم قُرّى إنما نقتل إيانا.

أراد: كأنما نقتل أنفسنا بقتلنا إخواننا، فأجرى نفوس أقاربه مجرى نفسه، لشوابك العصم ونوائط اللحم وأطيط الرحم، ولما يخلج من القربى القريبة، ويتحرك من الأعراق الوشيجة فأما قول الله تعالى في النور {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ} فيمكن أن يجرى هذا المجرى، لأنه جاء في التفسير: أنّ معنى ذلك فليسلّم بعضكم على بعض لاستحالة أن يسلم الإنسان على نفسه، وإنما ساغ هذا القول، لأنّ نفوس المؤمنين تجري مجرى النفس الواحدة للاجتماع في عقد الديانة، والخطاب بلسان الشريعة، فإذا سلّم الواحد منهم على أخيه كان كالمسلم على نفسه، لارتفاع الفروق واختلاط النفوس) انتهى كلامه.

وبهذا يتضح أنه لا حجة لدى الشيعة في دعواهم أنّ في هذه الآية ما ينص على المساواة بين رسول الله وعلي رضي الله عنه وأرضاه، فلفظ (النفس) يُطلق في لغة العرب على البعيد النسب كما يُطلق على القريب، وليس في ذلك دلالة على الإمامة من قريب ولا بعيد!

ثالثاً: أنّ دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة والحسنين جاءت من جهة القرابة لا لإظهار الإمامة أو النص عليها، إذ إنّ المباهلة إنما تحصل الرغبة والرهبة والشعور بصدق الداعي بجمعه نفسه وأهله الذين تحن إليهم النفوس بطبيعة الحال ما لا تحن إلى غيرهم من الأبعدين في الهلاك (2).


(1) سورة الحجرات آية 11
(2) منهاج السنة 7/ 125 - 126

ففيها مجال التضحية أكثر وضوحاً من مجال إضفاء الفضائل أو الإمامة، ففي التضحية تُقدّم الأنفس والأبناء والنساء ولكن لا يُقدّمون للخلافة! (1)

رابعاً: قول الشيعة الإمامية إنّ الآية تدل على المساواة بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا النبوة، كلام لا يُسلّم له أبداً، إذ أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يساويه أحد في أمور الدين لا علي ولا غيره، فأين مقام رسول الله وكماله البشري من سائر الناس؟

إنّ الإمام علياً نفسه لا يرتضي ما يقول الشيعة الإمامية عنه، والمنصف العاقل يدرك هذه القضية بكل وضوح.

روى الكليني في الكافي أنّ أمير المؤمنين علياً (ع) سئل (يا أمير المؤمنين، أفنبي أنت؟ فقال: ويلك، إنما عبد من عبيد محمد صلى الله عليه وآله وسلم) (2) يريد بذلك عبد الطاعة والخدمة لا عبد الخضوع والذل.

فإذا كان هذا هو مقام الإمام علي من صريح كلامه الذي يرويه عنه الشيعة الإثنا عشرية وهو ما ينص العقل عليه وعلى كل أحد أنه تابع لرسول الله إن أطاع سنته وهديه دخل الجنة وإن عصاه دخل النار، فكيف يجرؤ أهل الغلو على مقولتهم الآثمة أنّ علياً هو نفس محمدٍ عليه الصلاة والسلام سوى النبوة فقط!

وهل كمال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البشري ككمال علي البشري في نبوته صلوات الله وسلامه عليه أو حتى قبل نبوته؟!


(1) أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله ص49 بتصرف.
(2) الكافي – كتاب التوحيد – (باب الكون والمكان) – رواية رقم (5).

هل يدّعي هؤلاء أنه لا فرق بين رسول الله قبل النبوة وبين علي بن أبي طالب، وأنّ النبوة حينما جاءت لم تجد فرقاً بين محمد عليه الصلاة والسلام وبين علي بن أبي طالب، لكن الاختيار وقع على محمد عليه الصلاة والسلام هكذا لحكمة ربانية لا نعلمها لا لكونه أكمل وأفضل وأشرف مقاماً وأعظم خُلقاً واستحقاقاً من علي بن أبي طالب؟!

إنّ الشيعة الإثني عشرية اليوم يغضبون من متعصبة أهل السنة الذين ينسبون إليهم القول بأنّ جبريل أخطأ في إنزال النبوة على محمد وأنها كانت ستنزل على عليّ! وهذا باطل والشيعة الاثنا عشرية بريئون من هذا القول (1)، لكنهم في الوقت ذاته يساوون بين نفس رسول الله ونفس علي بن أبي طالب، ويستثنون النبوة، وكأنهم يقولون من حيث لا يشعرون أنّ الله عز وجل لم يصطفِ محمداً عليه الصلاة والسلام لتميزه عن سائر الخلق إذ إنّ علياً نفسه بالضبط لكن جاءت المشيئة الإلهية بأن يكون هو النبي وأن يكون عليٌّ وصياً له!

وقد قال المجلسي تعليقاً على حديث (إنّ الله اتخذ محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عبداً قبل أن يتخذه نبياً، وإنّ علياً (ع) كان عبداً ناصحاً لله عز وجل) ما نصه: (والغرض أنّ هذا الكمال الذي كان حاصلاً لنبينا قبل بعثته ونبوته، قد كان لعلي (ع) وكان في جميع الكمالات مشاركاً مع الرسول صلى الله عليه وسلم سوى النبوة فقد أخذتم بولاية من هو هكذا) (2).

رحماك ربي ... إلى أي ضلالة يقودنا الغلو من حيث لا نشعر ...


(1) إنّ الفرقة التي ادّعت ذلك في الإمام علي بن أبي طالب هي فرقة (الغرابية) وهي فرقة شيعية قديمة يغلب على الظن أنها انقرضت منذ زمن بعيد، لكن حدثني بعض الثقات عن معرفتهم لأشخاص يتبنون هذا الفكر فلعلهم من بقايا هذه الفرقة البائدة.
(2) مرآة العقول 25/ 355

  • السبت PM 08:25
    2022-05-21
  • 1301
Powered by: GateGold