المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413776
يتصفح الموقع حاليا : 241

البحث

البحث

عرض المادة

تصور العهد القديم عن اليوم الآخر

عقيدة الإيمان باليوم الآخر من العقائد الثابتة التي جاء بها الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فقد دعا إليها موسى - عليه السلام - فقال تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} (1).

وقف علماء المسلمين وقفة نقدية مع العهد القديم حول هذه القضية وبينوا فيها عدم ذكر الجزاء الأخروي فيه وأن الوارد فيه الجزاء الدنيوي فقط وبالتالى كان الاهتمام بالدنيا يحتل المقام الأول في التصور اليهودي ولذلك يقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} (2) أي حياة كانت بصرف النظر عن نوعية هذه الحياة وشرعيتها ولذلك يجتهد اليهودي في إفناء حياته في المتع والشهوات ولو على حساب الآخرين فإذا جاء الموت فلا حياة بعد ذلك كما يدَّعون.

ويمكن حصر جهود علماء المسلمين حول نقد عقيدة اليوم الآخر في العهد القديم تحت العناصر التالية:

(1) غلبه ذكر الجزاء الدنيوي على الأخروي فى نصوص العهد القديم.

(2) خلو العهد القديم من ذكر اليوم اللآخر باستثناء بعض الآيات.

(3) الأسباب وراء خلو العهد القديم من ذكر اليوم الآخر.

(4) بدايه ظهور عقيدة البعت واليوم الآخر وتطورها.

[(1) تغليب ذكر الجزاء الدنيوي على الأخروي فى العهد القديم]

عند التأمل في هذا العنصر واستزجاع المراحل التاريخية التى مر بها بنو إسرائيل يلاحظ تغليب الناحية المادية على الجانب الروحي عندهم ولذلك يري د/ أحمد غلوش:

أن هذه الفكرة المادية - غلبة الجزاء الدنيوي على الأخروي - هى التى أوحت للفكر اليهودي أن يأتى اليهود إلى فلسطين على أساس أنها جنة اليهودي ومتعته، وبقى اليهود على هذا الاتجاه حتى صار جزءًا من معتقدهم العام يعيشون له وبه والسعيد فيهم من تمكن من العيش في فلسطين وكل من لم يتمكن من ذلك يعيش متعلقًا بها مشتاقًا إليها وفي عزمه أن يأتى إليها يومًا من الأيام (3).


(1) سورة طه الآيات: (13 - 15).
(2) سورة البقرة الآية: (96).
(3) انظر: دراسات في الأديان د/ أحمد غلوش ص 116 بتصرف يسير.

وبتحليل هذه الرؤية النقدية يتبين للباحث أن د/ غلوش قد غاص داخل النفسية اليهودية وحلل ميولها من خلال قرائته للواقع اليهودي المعاصر قراءة متأنية وبناءً على ذلك أسس رأيه السابق في هذا الموضوع.

ويري د/ صفوت مبارك:

أنه لا يوجد في التوراة التي بين أيدينا اليوم ذكر لليوم الآخر وما فيه بل إن الذي يقرأها يتبين له أن الجزاء فيها دنيوي بحت فمن آمن وعمل صالحًا فإنه يثاب على ذلك وثوابه إنما يكون في هذه الحياة الدنيا؛ ومن كفر وعصى فإنه يعاقب على ذلك وعقابه إنما يكون في هذه الحياة الدنيا، أما الآخرة فلا توجد إشارة إليها من قريب أو بعيد، أما فيما يتعلق بالثواب على الإيمان والعمل الصالح فهو أيضًا دنيوي (1).

وذكر د/ صفوت أدلة كثيرة تدل على ذلك منها ما يلي: "وإن سمعت سمعًا لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه التي أنا أوصيك بها اليوم يجعلك الرب إلهك مستعليًا على جميع قبائل الأرض ... مباركًا تكون في المدينة ومباركًا تكون فى الحقل .. ومباركًا تكون فى دخولك ومباركًا تكون في خروجك" (2).

وما جاء في سفر اللاويين "إذ سلكتم في فرائضي وحفظتم وصاياي وعملتم بها أعطى مطركم في حينه وتعطى الأرض كلتها وتعطى أشجار الحقل أثمارها .. فتأكلون خبزكم للشبع وتكونون في أرضكم آمنين ... وأسير بينكم وأكون لكم إلها وأنتم تكونون لي شعبا" (3).

وأما فيما يتعلق بالعقوبة التي يعاقب الرب بها العصاة الذين يخالفون أوامره ووصاياه، فيلاحظ أنها كلها كوارث ومصائب ونوازل دنيوية وليس من بينها أي عقاب أخروي (4) ذكر أدلة كثيرة تدل على ذلك منها:

(1) "ولكن إن لم تسمع لصوت الرب إلهك ... تأتي عليلث جميع هذه اللعنات وتدركك ملعونًا تكون في المدينة وملعونًا تكون في الحقل ملعونة تكون سلتك ومعجنك ملعونة تكون ثمرة بطنك وثمرة أرضك ... ملعونًا تكون في دخولك وملعونًا تكون في خروجك" (5).

(2) "لكن إن لم تسمعوا لي ولم تعملوا كل هذه الوصايا ... فإني أسلط عليكم رعبًا وسلاً وحمىً تفني العينين وتتلف النفس وتزرعون باطلاً زرعكم فيأكله أعداؤكم ... أطلق عليكم وحوش البرية ... وأصير مدنكم خبر به" (6).


(1) انظر: مدخل لدراسة الأديان ص 138، 139 بتصرف يسير.
(2) تثنية: (28/ 1 - 17) بركات الطاعة.
(3) الإصحاح: (26/ 3 - 12) مكافأة الطاعة.
(4) مدخل لدراسة الأديان ص 138، 139.
(5) تثنية: (28/ 15 - 19) لعنات العصيان.
(6) لاويين: (26/ 14 - 31) عقوبة العصيان.

[(2) خلو العهد القديم من ذكر اليوم الآخر]

يقرر الإمام ابن تيميه خلو العهد القديم من ذكر اليوم الآخر وما فيه فيقول:

(إن التوراة - التي بأيدي اليهود - ليس فيها تصريح بذكر المعاد وعامة ما فيها من الوعد والوعيد فهو في الدنيا كالوعد بالرزق والنصر والعافية والوعيد بالقحط والأمراض والأعداء) (1).

وفي طرح د/ مشرح على، لهذه القضية يبين ما طرأ على التصور اليهودي من فكر خاطئ وفهم معوج حول اليوم الآخر والبعث بعد أن كان سليمًا في بدايته فيقول:

(كان اليهود في أول نشأتهم يعتقدون كما يعتقد غيرهم من أهل الأديان بالبعث وبالجنة والنار والحساب والعقاب على ما يقدم الإنسان في الدنيا من خير أو شر غير أن هذه العقيدة سرعان ما تلاشت عندهم واضطربت وماتت وصار اعتقادهم أن الموت خاتمة كل شىء) (2).

ويبين د/ فرج الله عبد الباري، مدى ما وصلت إليه العقيدة اليهودية من تعقيد وغموض لخلوها من ذكر اليوم الآخر وتفصيلاته فيقول:

(إن عقيدة اليوم الآخر عند اليهود من الأمور البالغة التعقيد وقد خلت التوراة الحالية من الحديث عن اليوم الآخر، وأن الإشارات إليه تأتي عابرة مختلفًا حولها منها:

1 - ما ورد في سفر أشعياء: "تحيا أمواتك تقوم الجثث، استيقظوا ترنموا بإسكان التراب لأن طلَّك طل أعشاب والأرض تسقط الأخيلة" (3).

2 - ما ورد في سفر حزقيال: "أيتها العظام اليابسة اسمعى كلمة الرب هكذا قال السيد الرب لهذه العظام هاأنذا أدخل فيكم روحًا فتحيون وأضع عليكم عصبًا وأكسيكم لحمًا وأبسط عليكم جلدًا وأجعل فيكم روحًا فتحيون وتعلمون أني أنا الرب (4) " (5).


(1) الجواب الصحيح: 1/ 300.
(2) اليهودية دراسة مقارنة د/ مشرح على (الأستاذ بجامعة الأزهر فرع المنصورة)، ص 229. ط/ بدون
(3) الإصحاح: 26/ 19، أنشودة حمد.
(4) حزقيال: (37/ 4 - 6) وادي العظام اليابسة.
(5) اليوم الآخر بين اليهودية والمسيحية والإسلام د/ فرج الله عبد الباري (الأستاذ بجامعة الأزهر فرع طنطا)، ص 54، 332.
ط/ دار الوفاء بالمنصورة، ط/ 1422هـ - 1992م.

وفي تعليق د/ فرج الله على هذين النصين يقول:

(إنهما يشيران إلى البعث الجسدي والروحى معًا لليهود في الآخرة ويلاحظ على ذلك ما يلي:

1 - أن الإشارات عن الآخرة غير وافية ولا تعطى تفصيلاً لكثير من الجوانب عن اليوم الآخر.

2 - أن أسفار موسى الخمسة تخلو تمامًا من أي إشارة إلى اليوم الآخر وما فيها) (1).

ويؤكد ذلك د/ مصطفي حلمي فيقول:

(إن هناك اضطرابًا وغموضًا في عقيدة اليهود في اليوم الآخر فهي أقرب إلى الإنكار منها إلى الإقرار والإيمان ويرجع ذلك إلى اختلاف النصوص الواردة عن الآخرة في التوراة) (2).

أما د/ عابد توفيق الهاشمي في كتابه "التربية في التوراة" في نقده لهذه العقيدة وبيان وجودها من عدمه في نصوص العهد القديم تناول مناقشتها تحت أمرين هما:

1 - عدم وضوح معنى الآخرة فى نصوص التوراة.

3 - احتمال الإشارة إلى الآخرة فى بعض النصوص.

[أما عن الأمر الأول فيقول]

إن النصوص القليلة في التوراة التي ذكرت فيها كلمة الآخرة، غير واضحة المعني ولا تدل على الآخرة بمعناها الاصطلاحي المعروف، بل ربما أشار المعنى إلى نهايات الأعمال وتتبع بدقة لفظة الآخرة في التوراة الحالية فوجدها في نصوص لا صلة لها بالدار الآخرة من هذه النصوص:

1 - "فرأي الرب ورذل من الغيظ بنيه وبناته، وقال احجب وجهي عنهم، وانظر ماذا تكون آخرتهم، إنهم جيل متقلب أولاد لا أمانة فيهم (3) أي ما نتيجة أعمالهم في الدنيا.

2 - "إنهم أمة عديمة الرأي ولا بصيرة فيهم، لو عقلوا لفطنوا بهذه وتأملوا آخرتهم" (4). أي آخرة أعمالهم في الدنيا كذلك.

3 - "صار في الأرض دهش وقشعريرة، الأنبياء يتنبئون بالكذب والكهنة تحكم على أيديهم وشعبي هكذا أحب، وما تعملون في آخرتها" (5) أي في نهاية هذه الأعمال.

وأكد بعد سرده لهذه النصوص أن مدلول كلمة الآخرة يعني آخرة أعمالهم ونتائجها في هذه الحياة الدنيا وأكد أيضًا خلو التوراة الحالية من ذكر الآخرة بمدلولها الاصطلاحى بل وردت نصوص تنكرها من هذه النصوص الصريحة في الإنكار:


(1) اليوم الآخر د/ فرج الله 332.
(2) الإسلام والأديان دراسة مقارنة د/ مصطفى حلمى ص 177 ط - دار الدعوة 1990 م.
(3) تثنية: (32/ 20 - 21) نشيد موسى.
(4) تثنية: (32/ 28 - 29) السابق.
(5) أرميا: (5/ 30) لا يوجد بار.

4 - "لأن الأحياء يعلمون أنهم سيموتون، أما الموتى فلا يعلمون شيئًا وليس لهم أجر بعد لأن ذكرهم قد نسي" (1) فهذا إنكار صريح للآخرة، بأن الميت لا جزاء له ولا عقاب، ولا حساب! (2).

[أما عن الأمر الثاني]

ها هو العالم الجليل الشيخ رحمة الله الهندي يقول عن عقيدة الآخرة في التوراة والتي كُتبت بعد سبعة قرون من وفاة موسى سيدنا - عليه السلام -: (فلا ذكر للآخرة فيها, ولكن الأسفار الخمسة فيها مواعيد دنيوية للمطيعين وتهديدات دنيوية للعاصيين وهكذا توجد في مواضع كثيرة) (3).

ويؤكد أن خلو التوراة من ذكر عقيدة اليوم الآخر دليل من الأدلة القاطعة على التحريف الذي طرأ على التوراة ذلك أن الله تعالى جعل عقيدة اليوم الآخر جزءًا أساسًا في الدين الحق الذي أنزله على الناس من لدن آدم - عليه السلام - إلى خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (4).

وذكر الهاشمي أن هناك نصوصًا يُفهم منها الإشارة إلى يوم القيامة من هذه النصوص:

1 - "قريب يوم الرب العظيم ... ذلك اليوم يوم سخط، يوم ضيق وشدة يوم خراب ودمار يوم ظلام وقتام ... لأنه يصنع فناءً باغتًا لكل سكان الأرض" (5).

2 - فلنسمع ختام الأمر كله: اتق الله واحفظ وصاياه ... لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة على كل خفى إن كان خيرًا أو شرًا" (6). وهذا النص ربما كان أوضح النصوص التي تشير إلى يوم القيامة لأن الدينونة تعني الحساب حيث يدين الله كل إنسان على عمله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر (7).

وفي نظرة د/ الهاشمي التقويمية لما سبق من عرض نقدي لإغفال الإيمان بالآخرة في التوراة يقول: (إن ما ذكر من نصوص يبين عدم تأكيد التوراة لعقيدة الآخرة وإن هذا الإغفال أمر يعرفه كل من درس التوراة دراسة دقيقة وعرف حياة اليهود عبر تاريخهم (8).


(1) الجامعة: (9/ 5) الوقوف بهيبة أمام الرب.
(2) انظر: التربية في التوراة د/ الهاشمي، ص 79 - 80.
(3) إظهار الحق: 2/ 78.
(4) سورة النساء الآية: (136).
(5) صفنيا: (1/ 14) النهاية، يوم الرب العظيم.
(6) الجامعة: (12/ 13 - 14) ختام الأمر.
(7) انظر: التربية في التوراة، ص 81.
(8) التربية في التوراة، ص 82.

الباحثة / سميرة عبد الله عرضت ما يتعلق بتصور اليوم الآخر في التوراة وباقى أسفار العهد القديم في نقاط مجملة ثم فصلت ذلك الإجمال وناقشته وأضافت إلى ما ذكره د/ الهاشمي من أدلة - نصوصًا أخرى بينت سيطرة المادة على قلوب اليهود ولذلك فلا مكان للروحانيات عندهم واقتصرت التوراة على ذكر الموت في هذه الدنيا بصورة مادية بحتة، تاركة ذكر مصير الإنسان بعد الموت بدون بيان جلي صريح فنهاية آدم - عليه السلام - تختم بالموت ولا شىء بعد الموت ونص ذلك: "لأنك تراب وإلى التراب تعود" (1) ... أما الحديث عن الحياة الأخرى والجنة والنار بعد البعث فالتوراة خالية من ذلك تمامًا وجعلت مناط الطاعة والمعصية هو الإثابة والعقوبة في الدنيا المتمثل في البركات واللعنات المادية التي تصيب الإنسان (2).

[3. الأسباب وراء خلو العهد القديم من ذكر اليوم الآخر]

ولقد أَرْجع بعض العلماء خلو العهد القديم من ذكر اليوم الآخر (3) للأسباب التالية:

1 - (لعل السبب في ذلك وجودهم بين المصريين مدة 430 سنة كما جاء في سفر الخروج "وأما إقامة بنى إسرائيل التي أقاموها في مصر فكانت أربع مائة وثلاثين سنة" (4) واقتباسهم منهم هذه العقيدة التى كانت عالقة كثيرًا بأذهان المصريين فانتقلت منهم إلى بنى إسرائيل وأصبحت عندهم من الأمور التي لا يترددون في قبولها فلذا لم يحتاجوا للتذكير بها كثيرًا فاكتفت كتبهم بالإشارة إليها أحيانًا) (5).

2 - أو كان السبب في قلة ذكر كتبهم لها أن الناس كانوا في تلك الأزمنة قصيري الإدراك متبلدي الشعور وخصوصًا اليهود ذوي الرقاب الصلبة كما جاء في سفر الخروج "وقال الرب لموسى رأيت هذا الشعب وإذا هو شعب صُلْبُ الرقبة (6) " فلذا ما كانوا يتأثرون ولا تنفعل نفوسهم بالمواعيد الآجلة انفعالها بالمواعيد العاجلة التي أكثرت كتبهم من ذكرها لهم لغلظ قلوبهم وقسوتها فلما كثر بين الناس الشك في هذه العقيدة وارتقى إدراكهم ورق شعورهم عن ذي قبل جاء سيدنا عيسى - عليه السلام - لتبيين هذه العقيدة العظمى واشتهر بالتصريح بها أكثر من جميع من سبقه من أنبياء بنى إسرائيل) (7).


(1) تكوين: (3/ 19) وجهود الإمامين، ص 514.
(2) انظر: تثنية: (28/ 1 - 16)، تثنية: (28/ 16 - 46) وانظر: جهود الإمامين، ص 516 - 517.
(3) اللهم إلا بعض إشارات طفيفة كما في سفر التثنية: (32/ 39)، دانيال: (12/ 2 - 3) وغير ذلك.
(4) الإصحاح: (12/ 40) الخروج.
(5) نظرة في كتب العهد الجديد د/ محمد توفيق صدقي، ص 164، 165 مطبعة المنار بمصر 1331 هـ.
(6) الإصحاح: (32/ 9) العجل الذهبي.
(7) نظرة في كتب العهد الجديد ص 165 مرجع سابق.

ويضيف د/ كامل سعفان أكثر من بُعد توضيحي لهذه القضية فيقول:

1 - من خلال دراسة العهد القديم نجد أنه لم يمس العالم الآخر من قريب أو بعيد وكأنه اكتفى بالعقوبات الشديدة التي تنزل بالمجرمين أو لعله تأسي بديانة أخناتون دون ما سبقها من الديانات المصرية التي كانت تؤمن بالحياة بعد الموت، حيث يحتل إلى الأبدية (أوزوريس) مكانًا رئيسًا بين الآلهة ... فإذا كان موسى (العهد القديم) من رجال أخناتون أو أحد دعاته، وإذا كان (الخروج) تم فى عهد أعداء أخناتون فقد كان على كتَّاب العهد القديم أن يراعوا هذه العلاقات السياسية (1).

2 - ويقول أيضًا: ولكنا نجد في سفر الجامعة - الإصحاح الثالث: "إن ما يحدث لبنى البشر يحدث للبهيمة ... كلاهما من التراب وإلى التراب يعود كلاهما من يعلم روح بنى البشر هل هى تصعد إلى فوق وروح البهيمة هل هي تنزل إلى أسفل، إلى الأرض ... إنه لا شىء خير من أن يفرح الإنسان بأعماله, لأن ذلك نصيبه" (2) وهذا قول لا يفيد شيئًا عن البعث والحساب.

3 - أما أول إشارة إلى البعث فلا نكاد نجدها قبل (سفر دانيال 12) (3) مما يفيد تحولًا في العلاقات السياسية والثقافية، أو هو دليل على ما أصاب (التوراة) من تحريف وتزييف، إذ أنه أثر الاتصال بالديانة الزرادشتية زمن الأسر الطويل، وإبّان الاتصال بدولة الفرس في عهد قورش (المخلّص) ... وجاء عصر السيد المسيح وما يزال الخلاف بين الطوائف الإسرائيلية حول الحياة الآخرة وفقًا للإيمان ببعض الأسفار دون الآخرى) (4).

[4. بدايه ظهور عقيدة اليوم الآخر وتطورها فى الفكر اليهودي]

وضع علماء المسلمين أيديهم على سبب ظهور عقيدة اليوم الآخر عند بنى إسرائيل وأرجعوا ذلك إلى ما حدث لهم في فترة التيه والتشريد التي عاشوها وكذلك إلى فترة السبي البابلى وما ذاقوه من ويلات في هذه الفترة التاريخية كل ذلك كان له أكبر الأثر في وقوف اليهود مع أنفسهم مما جعلهم يعيدوا التفكير فيما وراء هذه الحياة الدنيا من أمور غيبية.


(1) اليهود تاريخا وعقيدة: د/ كامل سعفان، ص 223، ط/ دار الاعتصام 1988 م.
(2) الإصحاح: (3/ 19 - 22) لكل شيء زمان.
(3) والنص يقول: "كثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي" (دانيال: 12/ 2 - 3) أزمنة النهاية.
(4) اليهود تاريخا وعقيدة: د/ كامل سعفان, ص 223 - 224.

ولذلك يري "حسن ظاظا فى كتابه: "الفكر اليهودي":

(أن اليهود لم يفكروا في الغيبيات إلا بعد أن تعرضوا للسبي البابلى ثم التشتت في الأرض على أيدي الرومان) (1).

ويحدد في موضع آخر من كتابه مفهوم الغيبيات الذي اتجه تفكير اليهود إليه فيذكر: (أن التفكير في الغيبيات كان يتخذ اتجاهين محددين هما: نهاية العالم والخلاص على يد المسيح المنتظر) (2).

ويؤكد د/ صفوت مبارك على ذلك بقوله:

(بعد الأسر البابلي، وحلول الكوارث ببنى إسرائيل - بدأ بنو إسرائيل يتذكرون الحياة الآخرة؛ لأن الحياة الدنيا لم تعد تسير على هواهم، فظهرت أسفار تتحدث عن الجزاء الأخروي منها "سفر دانيال" الذي يتحدث عن البعث والحياة الأبدية فيقول: "وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي والفاهمون يضيئون، والذين ردوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد الدهور، أما أنت فاذهب إلى النهاية فتستريح وتقوم لقرعتك في نهاية الأيام (3) ") (4).

ويقول د/ أحمد شلبي من خلال اطلاعه الواسع على تاريخ اليهود وتفحص طباعهم ونوعياتهم - يقول: إن يهود الماضي ليسوا كيهود الحاضر ولذلك يري أن اليهود يرون أنفسهم قسمين: قسم تمتع بحياته الدنيا وطيباتها ولم يتعرض للأسر والتشرد، وهؤلاء قد استوفوا حظهم من الثواب الإلهي د/ يعد هناك داع لأن يحيوا حياة أخرى وهذا هو القسم الذي تناولته التوراة التي لم تتحدث عن الجزاء الأخروي حيث اعتبرت بنى إسرائيل الذين عاشوا مع سيدنا موسى - عليه السلام - قد استوفوا ثوابهم في هذه الحياة الدنيا) (5).

(أما القسم الثاني: فهم الذين عاشوا تحت سلطان الشعوب الأخرى أسرى أو مشردين، فهؤلاء يرى اليهود أنهم لم يستوفوا جزاءهم، ولم يثابوا على أعمالهم الصالحة، ولذا فإنهم يبعثون بعد موتهم ليوفوا جزاءهم وينالوا حظهم من النعيم) (6).


(1) الفكر اليهودي أطواره ومذاهبه د/ حسن ظاظا ص 109.
(2) المرجع السابق: ص 109 - 110.
(3) الإصحاح: (12/ 2 - 3، 13) أزمنة النهاية.
(4) مدخل لدراسة الأديان: ص 142.
(5) اليهودية د/ أحمد شلبي ص 203 - 204.
(6) المرجع السابق نفس الصفحة.

ولعل هذه الفكرة كانت وراء الدعوة إلى الإيمان بالبعث والدار الآخرة التي ظهرت بعد الأسر البابلي وتناولتها أسفار العهد القديم التي ظهرت آنذاك ومما يؤكد هذه الفكرة أن العبارة التي وردت في سفر "دانيال" والتي تقول "كثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون" ولم يقل: "إن جميع الراقدين يستيقظون" ولكن بقى أن هذا النص لا يتحدث فقط عن ثواب أخروي بل يتحدث أيضًا عن عقاب أبدى في الدار الآخرة في حين أن رأى هؤلاء ينحصر في الحديث عن الثواب الأخروي (1).

وأيا ما كان الأمر فقد ظهرت "فرقة الفريسيين" (2) وهي إحدى الفرق اليهودية التي ظهرت بعد الأسر البابلي ومن مبادئها الإيمان بالبعث والدار الآخرة ورغم جهاد هذه الفرقة في محاولة نشر هذه الفكرة بين اليهود منتهزة فرصة الصدمة التي أصابتهم بعد زوال ملكهم من فلسطين غير أن هذه الفكرة لم تجد أي صدىً لها عند اليهود وأنكرتها الفرق الأخرى (3).

ويضيف د/ صفوت بُعدًا توضيحيًا لمبادئ الفريسيين فيقول:

(إنهم يعتقدون أن الصالحين من الأموات فقط هم الذين سيبعثون وأن بعثهم يكون على هذه الأرض وثوابهم يتحقق بالحياة في مملكة "المسيح المنتظر" وهو من نسل داود ويأتي في آخر الزمان ليدخل الناس في دين موسى - عليه السلام - ويملأ الأرض سلامًا وعدلًا كما يدعون فالجزاء الأخروي عندهم يكون على هذه الأرض وهو للصالحين فقط أما - الكفار والعصاة فلا يبعثون بل يموتون موتًا أبديًا - وهذا عقابهم على كفرهم وفسقهم وتمردهم) (4).

إضافة إلى ما سبق ومن خلال استقراء وتتبع الباحثة / سميرة عبد الله لهذا الموضوع رصدت نصوصًا من باقي أسفار العهد القديم تدل دلالة واضحة - على الاعتراف باليوم الآخر، ووصفه وما يتم فيه من حساب الخلائق والقضاء بينهم ومجازاتهم بأعمالهم إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر ولكنها لم تذكر التوقيت الذي ظهرت فيه هذه النصوص مثلما حددها أغلب النقاد .. ومن القضايا التي ذكرتها وعضدتها بالأدلة قضية البعث (5) والحشر (6) والعرض (7) والحساب والقضاء بين الناس والجزاء (8) والجنة (9) والنار (10).


(1) مدخل لدراسة الأديان: ص 142.
(2) هم: الذين ألفوا أسفار التلمود ويعتقدون بصحة البعث بعد الموت، وأن الصالحين من الأموات سينشرون في هذه الحياه الدنيا ليشاركوا في ملك المسيح المنتظر (انظر: تاريخ الدعوة إلى الله - الآلورى ص 74).
(3) مدخل لدراسة الأديان ص 143.
(4) المرجع السابق: نفس الصفحة.
(5) مزامير: (17/ 15)، أشعياء: (26/ 19) أنشودة حمد.
(6) أشعياء: (24/ 21 - 24) الرب يدمر الأرض.
(7) جامعة: (12/ 13 - 14) ختام الأمر.
(8) أمثال: (23/ 17 - 18) بدون.
(9) تكوين: (2/ 10)، (13/ 10) انفصال إبراهيم عن لوط.
(10) انظر: عدد: (16/ 20 - 23)، خروج: (31/ 14 - 17)، عاموس: (9/ 2)، مزامير: (6/ 5)، تكوين: (37/ 35).

وبناءً على ما سبق من آراء علماء المسلمين حول عقيدة اليوم الآخر في العهد القديم يلاحظ الباحث ما يلي:

1 - يكاد يتفق العلماء على أنه لم يكن هناك تصور واضح عن اليوم الآخر في العهد القديم لخلو أسفاره من ذكر البعث والجزاء خاصة أسفار موسى الخمسة باستثناء بعض الآيات التى تحتوى على إشارات طفيفة له.

2 - تحول اليهودية بعد الأسر البابلى تحولًا عقائديًا وسياسيًا خطيرًا ترتب عليه التفكير في الغيبيات وما بعد هذه الحياة الدنيا.

3 - سيطرة الروح المادية على نصوص العهد القديم.

4 - يعتقد اليهودي أن جزاءه على أعماله يستوفيه في الدنيا ومن ثم يفني حياته في التمتع بالملذات والشهوات ويحرص على ذلك حرصًا شديدًا.

 

  • الثلاثاء PM 04:17
    2022-05-17
  • 1265
Powered by: GateGold