المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413781
يتصفح الموقع حاليا : 253

البحث

البحث

عرض المادة

نقد أنواع التوحيد في العهد القديم

من المعلوم أن كل نبي من الأنبياء جاء ليرشد قومه ويدعوهم إلى عبادة الله وحده ونبذ عبادة الأصنام والأوثان، وتعاقب الأنبياء والمرسلون يحملون هذه المهمة ويصححون العقيدة لأقوامهم إذا انحرفوا ويقِّومون ما اعوج من سلوكهم فقال تعالى:

{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} (1).

وعندما جاء الإِسلام أصر اليهود والنصارى البقاء على دينهم استكبارًا منهم وحقدًا على المسلمين- باستثناء من آمن منهم - بل انحرفوا عن الطريق وغيروا وبدلوا في التوراة والإنجيل وحاربوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقومه وناصبوهم العداء.

وفي عقائدهم أمورٌ كثيرة تخالف العقل السليم والفطرة النقية من هذه الأمور عقيدتهم في الإله فانحرافهم فيها ظاهر، اليهود يشبهون الخالق بالمخلوق في صفات النقص المختصة بالمخلوق إلى يجب تنزيه الرب سبحانه وتعالى عنها كقول من قال منهم: إن الله فقير، وإنه بخيل وإنه تعب لما خلق السموات والأرض (2).

وذلك يخالف ما جاء به موسى عليه السلام بالعقيدة الطاهرة النقية التى تشتمل على توحيد الله توحيدًا خالصًا فيقول سبحانه مخاطبًا موسى عليه السلام {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} (3).

(كما أن التوراة تشير إلى أن عقيدة التوحيد هى الركيزة الأساسية للدين الذي دعا إليه موسى عليه السلام، فالوصية الأولى من الوصايا العشر التي أوحيت إلى موسى عليه السلام تدعو إلى توحيد الله توحيدًا خالصًا من الند والشريك وهذا هو نص الوصية:-

"لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض، ولا تسجد لهن ولا تعبدهن" (4). غير أن بني إسرائيل لم يحافظوا على عقيدة التوحيد بل انحرفوا عنها وغيروا وبدلوا ولم تبق هذه العقيدة على صفائها ونقائها كما كانت حين دعا إليها موسى عليه السلام) (5).

ويؤكد ذلك الدكتور على عبد الواحد، في كتابه: "الأسفار المقدسة" مبينًا عدم ثبات هذه العقيدة في العهد القديم ولكنها متقلبة ومنحرفة في ذات الوقت عن الطريق المستقيم؛ بل وقد مرت بمراحل متعددة في تطورها.


(1) سورة النحل الآية: (36).
(2) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيميه: 2/ 52 بتصرف يسير، ط/ دار ابن خلدون للتراث. الإسكندرية. بدون.
(3) سورة طه الآية: (14).
(4) خروج: (20/ 3 - 5) الوصايا العشر.
(5) (5) مدخل لدراسة الأديان د/ صفوت حامد مبارك 1/ 107 طبعة. بدون.

فقد أخبر القرآن الكريم أنهم لم يفهموا الذات العلية الفهم الصحيح، وظنوا أنه من الممكن رؤيتها؛ بل علقوا

إيمانهم بموسى ورسالته على رؤيتهم لله تعالى وفي هذا يقول القرآن الكريم: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1).

وأخبر أيضًا عنهم أنهم لم تطمئن نفوسهم إلى عبادة إله لا يستطيعون رؤيته ... وأنهم ارتدوا عن عبادة إلههم أكثر من مرة، فعبدوا العجل تارة والأصنام تارة أخرى ثم اتجهوا بعد ذلك إلى الاعتقاد بأن لهم إلهًا خاصًا بهم وهم أولاده وأحباؤه (2).

والمتتبع لتاريخ بني إسرائيل يلاحظ: (اتجاههم إلى التجسيم والتعدد والتشبيه وحاولوا إدخال مواريثهم وتقاليدهم الوثنية في تصورهم للإله الواحد الذي دعاهم إليه موسى عليه السلام وتقرر التوراة قصة العجل الذي صنعوه وعبدوه بعد أن تأخر موسى عليه السلام في العودة إليهم، وكيف خلعوا ملابسهم وأخذوا يرقصون أمام هذا الرب عراة، وقد أعدم موسى ثلاثة آلاف منهم عقابًا لهم على عبادة هذا الوثن (3)، فالإله عند اليهود من صنع أنفسهم، وصور هذا الإله تختلف من حالة إلى أخرى عندهم، ومن سفر من أسفار التوراة إلى آخر، وما دام هذا الإله من صنعهم فإنهم عادة يحبون أن يروه محسوسًا يكلمهم ويكلمونه ويرونه مثلما يراهم، ولم يكن غريبا أن يوصف في التوراة بأنه رب الجنود فقد جاء في سفر أشعياء" ولذلك يقول السيد رب الجنود عزيز إسرائيل: آه إني أستريح من خصمائى وأنتقم من أعدائى" (4)) (5).

إلى غير ذلك من الصفات التي ألصقوها بالله سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا ولذلك أثبت علماء المسلمين في- فترة البحث - مدى التناقض والاختلاف بين نصوص العهد القديم والعهد الجديد في قضية الألوهية والربوبية والأسماء والصفات وقد اجتهد النقاد المسلمون بتعرية باطلهم والانقضاض عليه بالحجة تلو الحجة والأدلة القاطعة على افتراءاتهم من وصف الله عَزَّ وَجَلَّ بأمور لا تليق بذاته العليه وتتنافى مع جلاله وعظمته، وتنوعت جهود العلماء في بيان ما وقع في العهد القديم من أمور مخالفة لما يجب في حقه سبحانه وتعالى ويمكن حصر ما قام به العلماء من نقد هذه العقيدة وذلك ببيان ما فيها من انحراف ظاهر في العهد القديم تحت الأصول الثلاثة التالية:-

- الأول: "توحيد الربوبية" (6).


(1) الآيتان من سورة البقرة رقم (55، 56)
(2) يراجع الأسفار المقدسة ص 10، 11 باختصار.
(3) يشير الكاتب إلى سفر الخروج: (32/ 1 - 19) العجل الذهبي.
(4) اشعياء: (1/ 24) أمة متمردة.
(5) اليهود واليهودية والإسلام د/ عبد الغني عبود ص 39 ط دار الفكر العربي 1982م.
(6) هو: الإقرار بأن الله تعالى رب كل شىء ومالكه وخالقه ورازقه، وأنه المحيي المميت النافع الضار المتفرد بإجابة الدعاء عند الاضطرار الذي له الأمر كله وبيده الخير كله القادر على ما يشاء ليس له في ذلك شريك ويدخل في ذلك الإيمان بالقضاء والقدر وهذا التوحيد لا يكفي العبد في الحصول علئ الإِسلام بل لا بد أن يأتي مع ذلك بلازمه من توحيد الألوهية والمشركون مقرون بهذا التوحيد لقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (الزخرف الآية: 87) (تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد. للشيخ / سليمان بن محمَّد بن عبد الوهاب ص 20، 21 ط دار الفكر 1412 هـ -1992 م.

- الثاني: "توحيد الألوهية" (1).

- الثالث: "توحيد الأسماء والصفات" (2).

هذا ولم يغفل علماء المسلمين أثناء نقدهم لتلك المخالفات التي تقدح في مقام الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات - لم يغفلوا عن بيان الجانب الحسن في العهد القديم وأشاروا إلى الآيات التي تدل على الوحدانية من أسفاره وفي هذا من الحيدة والإنصاف ما فيه من هؤلاء العلماء العلامة الهندي والإمام الألوسي وشيخ الإِسلام ابن تيميه ومن الكتاب المعاصرين د/ أحمد شلبي، د/ علي عبد الواحد وافي ود/ عبد الغني عبود. وغيرهم وإيراد هؤلاء العلماء لتلك الآيات يدل على النظرة النقدية الواعية إلى تلتقط الدرر الثمينة من بين الأشياء الأخرى التي لا قيمة لها متخذين في ذلك منهجًا قويما قد أشرت إليه في بداية الرسالة وهو أنه لا نرفض الكتاب المقدس على وجه الإطلاق ولا نقبله على وجه الإطلاق ولكن ما أقره القرآن والسنة النبوية أقررناه وما أنكره أنكرناهُ ررفضناهُ وما ورد منه يوافق العقل والمنطق ولا يتعارض مع الفطرة السليمة قبلناه ونقف منه أيضًا موقف المنصفين لا مصدقين ولا مكذبين.

وقبل مناقشة الأصول الثلاثة السابقة من خلال الرؤى النقدية المتعددة لعلمائنا الأجلاء حول كل منها يجدر الإشارة إلى بعض الاتجاهات النقدية للكتاب المقدس -فترة البحث- في هذا الموضوع.

[1 - الاتجاه نحو التكاملية والموسوعية في التأليف]

يتبنى هذا الاتجاه بعض قدامى العلماء الذين جاء نقدهم موسوعيًا شاملًا مدعومًا بالأدلة العقلية والنقلية ويغلب عليه التحليل المنطقى المستقى من وجهة النظر الإِسلامية فأتت ردودهم على ما يدعيه العهد القديم ردودًا شافية كافية تحيط بالموضوع من تفريعات متشعبة وتتصل بموضوع الدراسة والمناقشة وهذه طبيعة التأليف في عصرهم وهي ميزة وليست عيبًا. من هؤلاء شيخ الإِسلام ابن تيميه والإمام الألوسي.


(1) وهو: المبني على إخلاص التأله لله تعالى من المحبة والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والدعاء لله وحده وينبني علي ذلك إخلاص العبادات كلها ظاهرها وباطنها لله وحده لا شريك له، لا يجعل منها شيئًا لغيره لا لملك مقرب ولا لنبى مرسل فضلًا عن غيرهما وهذا التوحيد هو الذي تضمنه قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} وهذا النوع هو الفارق بين الكفر والإيمان. المرجع السابق ص 22.
(2) هو: الإقرار بأن الله بكل شىء عليم وعلى كل شىء قدير وأنه الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم له المشيئة النافذة والحكمة البالغة وأنه السميع البصير الرؤوف الرحيم على العرش استوى إلى غير ذلك من الأسماء الحسنى والصفات العلى وهذا النوع أيضًا لا يكفي في دخول الإسلام.
المرجع السابق ص 21، 22.

[2 - الاتجاه نحو التخصصية والموضوعية في مناقشة القضايا]

يتبنى هذا الاتجاه بعض العلماء في العصر الحديث والحاضر أولئك الذين تغلب التخصصية على مؤلفاتهم فتصبغها بصبغة علمية منهجية وتلك هي طبيعة الدراسات الأكاديمية إلى تتميز بالموضوعية التامة في معالجة القضايا وهذه ميزة البحث العلمي الذي يعتني بتقسيم الموضوع - محل الدراسة والنقد - وترتيبه بحيث إذا أراد الباحث أن يتعرف على محتويات كتاب نقدي ما يكون ذلك سهلًا وميسورًا في الوصول إلى ما يريد من هؤلاء العلامة الهندي، د/ المطعني، د/ المسيري، د/ مزروعة، د/ صفوت مبارك وغيرهم.

والملاحظ أن الناقد عندما تتوفر لديه المؤهلات العلمية لنقد موضوع معين في الكتاب المقدس ثم يوظف هذه المؤهلات توظيفًا علميًا دقيقًا قائمًا على أصول منهجية حينئذ يأتي إنتاجه علامة متميزة في المجال الذي يكتب فيه ويسهم إلى حد كبير في إثراء الجانب الثقافي للباحثين عن الحق أين ما كانوا وهذا ما فعله بعض المتخصصين في مجال دراسة الأديان والمهتمين بدراسة الكتاب المقدس.

وعند الوقوف أمام هذا الجهد الرائع في تجلية الحقائق ومعالجة أخطر القضايا في العهد القديم يبرز في المقدمة جهد شيخ الإِسلام ابن تيميه حيث يضع يده على نصوص تقدح في مقام الذات العلية يليه في بيان ذلك كل من العلامة الهندي والإمام الألوسي حيث أكدا على وجود التناقض في نصوص العهد القديم حول هذه القضية ببيان ما يدل على التجسيم في مواضع منه وبيان ما يدل على نفى التجسيم في مواضع أخرى.

وفي العصر الحديث تلمع بين الكتاب المعاصرين جهود قيمة لباحثة أجادت في ترتيب المحاولات النقدية لهذه الأصول الثلاثة ببيان مواطن الحق في العهد القديم وبيان ما يقدح في مقام أيٍ منها تلك هي الباحثة / سميرة عبد الله بناني. في أطروحتها المطبوعة: "جهود الإمامين ابن تيميه وابن قيم الجوزية في دحض مفتريات اليهود" وفي الصفحات التالية أتناول الأصول الثلاثة بالمناقشة والتحليل من خلال جهود العلماء إن شاء الله تعالى.

[الأصل الأول: نقد توحيد الربوبية في العهد القديم]

من أقوى صور النقد عند علماء المسلمين أن يعرض الكاتب لوجهتين أحدهما إقرار والثانية نفى وبالتالى عند التعارض يكون التوقف ورد تلك القضايا المتنازع فيها بين النفي والإثبات هذا ما فعلته أ/ سميرة عبد الله بناني إذ بينت أن هناك نصوصًا في العهد القديم تثبت توحيد الربوبية وفي الوقت نفسه عرضت لنصوص أخرى تقدح في خصائص الربوبية وهذا كله يناقض توحيد الروبية.

[فمن النصوص التي ذكرتها]

1 - " في البدء خلق الله السماوات والأرض وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه القمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه، وقال الله ليكن نور فكان نور" (1)

2 - "أما عرفت أم لم تسمع إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض، لا يكل ولا يعيا ليس عن فهمه فحص، يعطى المعيي قدرة، ولعديم القدرة يكثر شدة" (2)

3 - أنت هو الرب وحدك أنت صنعت السماوات وسماء السماوات وكل جنودها والأرض وكل ما عليها والبحار وكل ما فيها (3) وغير ذلك من الشواهد إلى تدل على ثبوت توحيد الربوبية في العهد القديم.

ثم تذكر الباحثة تعليقًا على ما سبق تقول فيه:

على الرغم من تلك النصوص التي تؤكد صحة توحيد الربوبية في أسفار العهد القديم ... إلا أنها امتلأت بنصوص مناقضة لما أثبتوه سابقًا من إقرارهم ذلك صرحت بعضها وتضمنت البعض الآخر القدح والنقص في مقام الربوبية وهي كما يلي:

أولًا: الإشراك في التدبر (أفعال الرب):

اعتقدت اليهود بأن للقمر ضررًا وتأثيرًا على الناس إذ يهيج بعض الأمراض العصبية كالجنون والصداع (4) فسجدت له اليهود وعبدته واستدلت على قولها ذلك بما جاء في سفر أرمياء:

" ... ويبسطونها للشمس وللقمر ولكل جنود السموات إلى أحبوها والتي عبدوها والتى ساروا وراءها والتي استشاروها والتي سجدوا لها" (5).

وهذا الاعتقاد بتأثير القمر على الناس شرك في الأمر والتدبير الذي هو من مستلزمات خصائص توحيد الربوبية الحقة وهو كفر بالله تعالى إذ كيف يصح إفراد الرب بالتوحيد الخالص إذا أشرك معه في الأمر والتدبير خلق من خلقه والله عَزَّ وَجَلَّ رب كل شىء وخالقه ومليكه وهو الغني عما سواه وكل ما سواه فقير" (6).

ثانيًا: النقص والضعف في مقام الربوبية:

ومن العلماء الذين أسهموا في إبراز ما طرحه العهد القديم من رؤى خاطئة في تصوره للإله كل من العلامة رحمة الله والإمام الألوسي ود/ عبد العظيم المطعني ود/ صفوت مبارك ود/ بدران محمَّد بدران وغيرهم. وذكر هؤلاء تلك النصوص التى وردت في العهد القديم والتي تصف الإله بما لا يليق في مقام الربوبية فيقول كل من العلامة الهندي والألوسى: إن التوراة تصف الإله بالعجز والضعف كما ورد في قصة صراع يعقوب مع الإله.


(1) تكوين: (1/ 1 - 3) البدء.
(2) أشعياء: (40/ 28 - 29) الله لا شبه له.
(3) نحميا: (9/ 6) الإسرائيليون يعترفون بخطاياهم.
(4) انظر: قاموس الكتاب المقدس ص 743.
(5) الإصحاح: (8/ 2) بدون. وانظر: الملوك الثاني: (23/ 5) يوشيا يجدد العهد.
(6) انظر: جهود الإمامين ابن تيميه وابن القيم الجوزية أ/ سميرة عبد الله بناني ص 91 ط معهد البحوث العلمية مكة المكرمة 1418 هـ / 1997 م

[وملخص القصة]

يذكر سفر التكوين أن الرب قد ظهر ليعقوب في صورة إنسان صارعه حتى الفجر ولم يتمكن الرب من هزيمة يعقوب إلا بعد أن كسر حق فخذه ... (1). ثم يعقب العلامة الهندي على هذا النص تعقيبًا مختصرًا جاء فيه:

وهذا المصارع كان ملكًا لما عرفت، وإذا لم نقل ذلك يلزم أن يكون إله بني إسرائيل في غاية العجز والضعف حيث صارع يعقوب الذي هو مخلوقه إلى الفجر ولم يغلبه إلا بالحيلة (2).

ومثله قال الإمام الألوسي وأكد أن الذي ظهر ليعقوب عليه السلام ملك من الملائكة وليس غير ذلك (3) ثالثًا: يفعل الشيء ثم يرجع عنه "البداء":

يقول د/ صفوت مبارك:

يشير العهد القديم إلى أن الرب يريد فعل الشىء ثم يرجع عنه ويغير إرادته وهو ما يسمى بالبداء ففى سفر الخروج حديث عن غضب الرب على بني إسرائيل بسبب عبادتهم للعجل وأنه أراد أن يفنيهم ثم رجع عن ذلك وندم لما تضرع له موسى:

"قال الرب لموسى: رأيت هذا الشعب وإذا هو شعب صلب الرقبة فاللآن اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم فأصيرك شعبًا عظيمًا ... ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر بشعبك ... فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه (4) " (5).

رابعًا: يفعل الشيء ثم يندم على فعله:

وضع علماء المسلمين أيديهم على نصوص في العهد القديم تنسب للرب سبحانه الندم على خلقه للإنسان حين كثر فساد بني آدم في عهد نوح واستدلوا بالنصوص التالية:-

1 - "فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه" (6).

2 - "فندم الرب على الشر الذي قال أنه يفعله بشعبه" (7).

وغير ذلك من النصوص وما أكثر ما يتندم الرب في اعتقاد اليهود (8).

وقد تنوعت تعليقات النقاد من علمائنا الأجلاء على هذه النصوص يقول د/ المطعني. بعد ما استدل بالنص الأول: "لم تتورع نصوص التوراة المقدسة في زعمهم أن تنسب الندم والتحسر إلى "الرب" والندم والتحسر المنسوبان إلى "الرب" في التوراة هما الندم والتحسر المعروفان للناس في الحياة. فالرب يندم ويتحسر على خلق شيء من خلقه ثم تكون عاقبة الخلق على غير ما يريد (9).


(1) انظر: القصة كاملة في: تكوين: (32/ 24 - 31) يعقوب يصارع مع الله.
(2) إظهار الحق (1/ 321).
(3) الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح - الألوسى (1/ 175).
(4) انظر: خروج: (32/ 9 - 14) العجل الذهبي.
(5) مدخل لدراسة الأديان د/ صفوت مبارك ص 117.
(6) تكوين: (6/ 5 - 7) الطوفان.
(7) خروج: (32/ 14) العجل الذهبى.
(8) يراجع صموئيل الأول: (15/ 10 - 11 - 35)، حزقيال: (32/ 12 - 14، مزامير: (106/ 40 - 44).
(9) الإسلام في مواجهة الاستشراق د/ المطعني ص 191.

وينتقد صاحب كتاب انزعوا قناع بولس: هذا النص قائلًا:

إن نسبة الحزن والتأسف إلى الله تعالى؛ لأن شر الإنسان قد كثر هو قول جاهل مخرف لا يعرف الله؛ لأنه يصفه بالجهل في عدم معرفته لما سيكون عليه حال الإنسان بعد خلقه، وهذا في حق الله تعالى محال وهو من الكفر المحض ولذا جاء القرآن الكريم مدويًا بأن الله خلق الإنسان والكون بعد أن قدر كل شىء أزلًا فقال تعالى:

{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} (1) (2).

ويعلق د/ بدران على هذه القضية خلق الله للإنسان وندمه عليها بقوله:

بعد ما ندم إله إسرائيل على خلقه للإنسان عاد وندم من جديد لأنه فكر مثل هذا التفكير لأنه ظهر له أن الإنسان طيب وليس شريرًا، ندم الرب لأن نوحًا ذبح له الذبائح وحرقها وصعدت رائحة الشواء للسماء فتنسمها الرب وفي هذا يقول سفر التكوين:

"وبني نوح مذبحًا للرب وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح فتنسم الرب رائحة الرضا وقال الرب في قلبه لا أعود ألعن الأرض أيضًا من أجل الإنسان" (3).

ثم ينتقد هذا النص متعجبا مما تقول التوراة:

هكذا صورك كتبة التوراة يا إله إسرائيل تندم لأنك خلقت الإنسان ثم تعود فتندم لأنك ندمت أنك خلقت الإنسان، صوروك بصورة الإله المرتشي لمجرد أن نوحًا أحرق لك بعض البهائم والطيور وصعدت رائحة الشواء لك في السماء .. ندمت .. لأنك عرفت أن الإنسان طيب وليس شريرًا كما تصورت وظهر ندمك في أنك جعلت الأرض خصبة له طول العام ونوعت الجو خلقت البرد والحر والصيف والشتاء فعل كل هذا من أجل رائحة الشواء إلى تنسمها .. ألهذا السبب يكثر الإسرائيليون من حرق الذبائح (4).


(1) سورة الأنعام الآية: (59)
(2) أ/ أحمد زكى ص 14.
(3) تكوين: (8/ 20 - 22) بدون. وانظر: التوراة د/ بدران ص 46.
(4) المرجع السابق نفس الصفحة

وتقول الباحثة سميرة عبد الله بعد أن استدلت بالنصوص السابقة:

(وهذا كله يتنافى مع التقدير الحكيم لما يشاء ويتعارض مع العلم السابق لأفعاله وإرادته لما يريد ويقدح في ربوبيته إذ كيف يكون ربا من كان جاهلاً والله عَزَّ وَجَلَّ يقرر أنه العليم الحكيم فيقول تعالى: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (1) (2).

ويرى الدكتور/ عبد الوهاب المسيرى. من خلال تحليله لنصوص التوراة أن التصور اليهودى للإله تصور مردود لايقبلهُ عقلٌ ولادين لأنهُ تصورٌ خاطئى ينافى جلال الربوبية والألوهية على حد سواء.

وبعد أن استدل بنص من سفر الخروج: يقول "فالآن اتركني ليحمى غصبى عليهم وأُفنيهم" (3) قال:

إن العهد القديم يطرح رؤىً متناقضة للإله تتضمن درجات مختلفة من الحلول بعضها أبعد ما يكون عن التوحيد، وتتبدى الحلولية في الإشارات العديدة إلى الإله التي تصفه ككائن يتصف بصفات البشر فهو يأكل ويشرب ويتعب ويستريح ويضحك ويبكى غضوب متعطش للدماء يحب وببغض متقلب الأطوار يلحق العذاب بكل من ارتكب ذنبًا سواء ارتكبه عن قصد أو غير قصد ويأخذ الأبناء والأحفاد بذنوب الآباء بل يحس بالندم ووخز الضمير (4).

وعلى ضوء ما سبق فإن ما نسبه اليهود للرب من الندم والجهل وغير ذلك يقدح في مقام الربوبية، ويتنافى مع خصائصها المشار إليها في تعريفها في بداية المبحث، كما يدل على بدائية تلك العقول التي تفكر بهذه الطريقة وتصور الخالق سبحانه هذه الصور البشرية المحضة.

ومن خلال تلك الرؤى النقدية المتنوعة لعلماء المسلمين حول نظرة العهد القديم للربوبية يتضح ما يلي:

1 - اجتهاد علماء المسلمين في بيان التناقض والتعارض بين نصوص العهد القديم في هذه الخاصية.

2 - التزامهم بالموضوعية التامة في مناقشتهم لتوحيد الربوبية.

3 - والاعتقاد الصحيح في هذا الجانب من جوانب التوحيد، أن يعتقد الإنسان بأن الله عز وجل هو الفاعل الحقيقي لكل شيء في هذا الوجود، فهو سبحانه الخالق الرازق المحيى المميت الذي بيده القدرة على النفع والضر إلى غير ذلك من أفعال، والخروج على هذا الاعتقاد انحراف وشرك نهى الله عَزَّ وَجَلَّ عنه في كثير من الآيات منها قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (5)، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (6)


(1) سورة يوسف جزء من الآية: (100).
(2) جهود الإمامين ابن تيميه وابن القيم ص 93 - 94.
(3) خروج: (32/ 10 - 13) العجل الذهبى.
(4) موسوعة اليهود واليهودية: د/ المسيرى 5/ 65 بتصرف.
(5) سورة البينة، الآية: (5).
(6) سورة النحل، الآية: (36).

[الأصل الثاني: توحيد الألوهية في العهد القديم]

لعلماء المسلمين جهود قيمة في تجلية هذه القضية من خلال نصوص العهد القديم تلك الجهود التى تبين أن رأى العهد القديم في هذه القضية يثير الغرابة ويطرح بدل السؤال الواحد أسئلة متعددة حول اعتقاد العهد القديم في الإله وفي الصفحات التالية أبين آراء علماء المسلمين ونظرتهم النقدية لتوحيد الألوهية في نظر اليهود مبينًا مدى الانحراف الذي وقعوا فيه.

ومن الملاحظ أن هناك ارتباطًا وثيقا بين ما يلصقه اليهود بالله وبين صفاتهم التى يتصفون بها وبالتالي فإن هذا الارتباط له علاقة وثيقة بعملية التحريف التي قاموا بها وأنهم عند تحريفهم للتوراة حرفوها لتخدم أهواءهم ولتلبية رغباتهم في تحقيق السيطرة والهيمنة على الشعوب.

وقد تنوعت نظرات النقاد للصورة التي ترسمها التوراة للإله فالدكتور/ أحمد شلبي في نظرته النقدية لهذا الموضوع يبرز مواطن التناقض في العهد القديم ويؤكد أن التصور الذي يقدمه عن الإله تصور مشوه فهو بين التنزيه تارة والتشبيه تارة أخرى فيقول:

هناك تناقض واضح في أسفار العهد القديم فيما يتعلق بالصورة التى ترسمها عن الإله فبينما تدعو الوصايا العشر إلى التنزيه المطلق لله والتوحيد التام له (1) حيث تقول:

"لا يكن لك آلهة أخرى أمامى، لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض لا تسجد لهن ولا تعبدهن" (2): إلا أن هناك نصوصا أخرى تناقض ذلك ورغم هذه الصورة الواضحة من التنزيه المطلق للإله - نجد مواطن أخرى تصف الإله بالتجسد وتقدمه في صورة بشرية وتنعته بالجهل والقسوة والتردد والندم على ما يفعل (3).

ويرى د/ أحمد شلبي، د/ عبد الراضي محمَّد أن التطرف اليهودي في الألوهية قد مر بمرحلتين:

الأولى: ما قبل بناء بيت الرب

الثانية: ما بعد بناء بيت الرب

ففي الأولى: عبد اليهود العجل والحية المقدسة واختلفت فيها بدائيتهم ما بين عبادة الأرواح والأحجار وبين عدم الاستقرار على عبادة إله واحد أما حين بنى البيت وتمت الوحدة السياسية لليهود أيام داود وسليمان عليهما السلام فقد تمركزت العبادة فيه، وأصبح "يهوه" هو الإله الأوحد الذي يفوق في المكانة كل آلهة البشر (4)


(1) اليهودية د/ أحمد شلبي ص 177 بتصرف.
(2) خروج: (20/ 3 - 5) الوصايا العشر.
(3) اليهودية د/ أحمد شلبيى ص 178 - 190 بتصرف. من هذه النصوص يراجع: ص (98 - 99) من هذه الدراسة.
(4) اليهودية: د/ أحمد شلبي ص 183، وانظر: قضاة: (10/ 6) يفتاح، والتطرف اليهودي تاريخه- أسبابه- علاماته د/ عبد الراضي محمَّد ص 16،17 ط/ مكتبة التوعية الإِسلامية ط- 1 - 1423 هـ - 1993 م.

وتمثل المرحلة الأولى مرحلة الردة الكاملة من عقيدة التوحيد وعبادة الإله الخالق الذي أمر موسى وهارون- عليهما السلام - بعبادته، وهذه الردة عنيفة لأنها أعادت اليهود إلى الوثنية والشرك المحض وعبادة الأصنام والحيوانات وتمثل المرحلة الثانية مرحلة التجسيم والتشبيه في تاريخ اليهود الديني لما خلعوه على الإله "يهوه" من صفات جسدية (1).

وقد ذكرت الباحثة/ سميرة عبد الله. ما سجله العهد القديم من نصوص تحمل تناقضا جليًا بين الإثبات والنفي بين الأمر بإخلاص العبادة والتوجه بها إلى الله وحده لا شريك له ووقوعهم في الشرك بعبادة معبودات عديدة غيره وجاءت جهودها حول قضية الألوهية على النحو التالي:

[إقرار توحيد الألوهية العهد القديم]

وهنا أوردت أ/ سميرة عبد الله. بعض النصوص التى تدل على توحيد الألوهية مبينة من خلالها أن عقيدة الألوهية هى الفيصل بين الموحدين والمشركين من هذه النصوص:

أ. "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد" (2).

ب. "أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض" (3).

ج. ويقول الإله عن نفسه: "أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري" (4).

د. كما قال:" أنا أنا هو، وليس إله معي أنا أُميت وأُحى" (5). وغير ذلك من النصوص (6).

ثم بينت بعد ذلك أن اليهود قد أشركوا في توحيد الألوهية وأهملوا النصوص السابقة التى تتفق مع دعوة سيدنا موسى -عليه السلام- في توحيد الألوهية وانساقوا وراء أهوائهم للتعصب والعنصرية تارة والتعدد والنفعية تارة أخرى إذ لم يستقروا في أي فترة من فترات حياتهم على عبادة الله الواحد وذكرت أن الشرك عندهم قد اتخذ مظاهر متعددة منها:

[المظهر الأول: تخصيص الإله باليهود]

فتقول: تعتقد اليهود بأن الله عَزَّ وَجَلَّ إله محلي خاص بهم دون سائر الشعوب فلم تعرفه إلها للخلق أجمعين وكثيرًا ما تتردد عبارات في العهد القديم تدل على تخصيص الإله بهم مثل: إله العبرانيين، إله بني إسرائيل إله إسرائيل، إله يعقوب (7).


(1) التطرف اليهودي: ص 17 ولمزيد من التفصيل ينظر نفس المرجع ص 17 - 29، واليهودية د/ أحمد شلبي ص 184.
(2) تثنية: (6/ 4) أحب الرب إلهك.
(3) أشعياء: (37/ 16) صلاة حزقيا.
(4) أشعياء: (44/ 6) بركات الرب لشعبه.
(5) تثنية: (32/ 39) بدون.
(6) مثل: تثنية: (6/ 13)، (6/ 14)، (3/ 15 - 18). وانظر: جهود الإمامين ص 94 - 96.
(7) انظر: (خروج 3/ 15، 18)، (5/ 1 - 5)، (11/ 21)، (24/ 9، 10)، (34/ 23)، عدد: (16/ 8، 9)، يشوع: (22/ 16)، صموئيل الأول: (1/ 17)، (5/ 7)، الملوك الأول: (8/ 22 - 26)، أخبار الأيام الأول: (29/ 10)، حزقيال: (3/ 2).

ويتضح من مدلول استخدامها في كل موضع من مواضعها أن المقصود بها هو إله اليهود وحدهم دون سائر الشعوب وهم شعبه المختار (1).

وفي تعليق د/ المطعني على هذا التخصيص يقول:

هذد النصوص تدل على "الإله القبلي" لبني إسرائيل باعتبارهم الشعب المختار- في زعمهم- لا لأنهم أتقياء مستقيمون ولكن لأنهم أبناء يعقوب، أما عدواته للأمم الأخرى من غير اليهود فلا لأنهم أشقياء ولكن لأنهم أعداء للشعب المختار وإن أقاموا الشريعة ولم يفعلوا إثمًا فالتفرقة هنا أساسها الجنس والمولد والعنصرية وليس الإيمان والتقوى والطاعة (2).

وقد سار الدكتور المطعني، في نقده للنصوص بطريقة علمية فيطرح أسئلة استفهامية حول الادعاء التوراتى ويسلم للتوراة فيما تزعم ثم يناقش القضية مناقشة عقلية تستدرج ما يشتمل عليه النص من أكاذيب وبذلك يتسنى له إبطاها عن طريق إحاطته للدعوى بعلامات استفهام لا يستطيع الخصم الإجابة عليها، فيحاصره من كل اتجاه فلا يجد لنفسه ملاذا إلا التسليم للحق والذي يؤكد هذه الرؤية نقده لفكرة الإله القبلى.

فيتسائل مستنكرًا ومتعجبًا للعهد القديم فيما يدعيه من ذلك التخصيص ليصل بهم إلى كذب ما يدَّعون وإبطال ذلك التخصيص فيقول متسائلًا بعد أن استدل بالنص الذي يقول: "لأنك شعب مقدس للرب إلهك، إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعبًا أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض" (3).

يقول: (لماذا خلق "الرب" الذي تصفه التوراة بتلك الأوصاف، لماذا خلق الأمم الأخرى؟ ولم يكتف ببني إسرائيل شعبه المختار؟! ولو صح هذا الزعم فإن الأمم الأخرى من غير بني إسرائيل لم يطلب منهم الرب أن يعبدوه أو يقدسوه؛ لأنهم إما غلفٌ أو أنجاسُ كما تقول التوراة نفسها فلماذا خلقهم إذن؟! ومع كل هذه التصورات الواهمة التي تزخر بها التوراة، هل ترى على الأمم من غير بني إسرائيل واجبًا لذلك "الرب" الذي لم تصوره التوراة إلا في صورة بغيضة لكل الأمم) (4).

[المظهر الثاني: تعدد معبودات اليهود]

لم يعرف اليهود الاستقرار على عبادة الله الواحد طوال تاريخهم ... بل تنوعت وكثرت حتى شملت أغلب مظاهر الكون في سفله وعلوه كالأحجار والمعادن والنباتات (5) والحيوانات (6)، ومظاهر الطبيعة كالشمس والقمر (7) ونجوم السماء وغير ذلك،


(1) جهود الإمامين أ/ سميرة عبد الله ص 97.
(2) الإِسلام في مواجهة الاستشراق ص 170، 171.
(3) تثنية: (7/ 1 - 6) طرد الأمم.
(4) الإسلام في مواجهة الاستشراق ص 174.
(5) أشعياء: (44/ 6 - 20) بركات الرب لشعبه.
(6) خروج: (32/ 1 - 5) العجل الذهبي.
(7) الملوك الثاني: (21/ 3، 5) كرم نابوت اليزرعيلي، حزقيال: (8/ 1، 3، 16، 17) عبادة الأوثان في الهيكل.

هكذا ظلوا حيثما كانوا يعبدون آلهة القوم الذين يحلون لديهم فعبدوا آلهة الشعوب الوثنية المخالطة لهم أو المحيطة بهم أو المسيطرة عليهم كآلهة الآشوريين والبابليين والكلدانيين والمصريين وغير ذلك من الأمم من هذه الآلهة: الإله آشور وعشتاروت (1) ملكة السموات وزوجة الإله تموز وإله الشمس بعل والإله داجون (2) وغير ذلك من الآلهة (3).

ويؤكد د/ أحمد شلبي:

على أنه لم يستطع بنو إسرائيل في أي فترة من فترات تاريخهم أن يستقروا على عبادة الله الواحد الذي دعا له الأنبياء وكان اتجاههم إلى التجسيم والتعدد والنفعية واضحًا في جميع مراحل تاريخهم وعلى الرغم من ارتباط وجودهم بإبراهيم إلا أن البدائية الدينية كانت طابعهم، وتُعدُّ كثرة أنبيائهم دليلًا على تجدد الشرك فيهم، وبالتالي تجدد الحاجة إلى أنبياء يجددون الدعوة إلى التوحيد وكانت هذه الدعوات قليلة الجدوى على أي حال فظهروا بالتاريخ بدائيين يعبدون الأرواح والأحجار، وأحيانا مقلدين يعبدون معبودات الأمم المجاورة التي كانت لها حضارة وفكر قلدهما اليهود (4).

[وعلى ضوء ما سبق يتضح]

الانحراف الواضح في عقيدة الألوهية عند اليهود على مر العصور وقد ظهر جليًا أن السبب وراء ذلك تأثرهم بالأمم الأخرى ودياناتهم وفلسفاتهم فجاءت عقيدتهم مزيجًا من الاعتقادات المختلفة بين عبادة الأصنام والأوثان من الأشخاص والنباتات والحيوانات والجمادات والأفكار الخاطئة.


(1) هي الآلهة الرئيسية في كل عن دولتي بابل وآشور الذين سموها عشتار وفي مدن الفينيقيين على سواحل فلسطين ولبنان وسورية وهي آلهة واحدة في كل هذه المناطق قاموس (الكتاب المقدس ص 628).
(2) هو: اسم صنم عند الفلسطنيين وكان يعبد في فينيقية (قاموس الكتاب المقدس ص 355).
(3) انظر: جهود الإمامين ص 99، 100، أرميا: (2/ 4) شعب إسرائيل يترك الرب، قضاة: (3/ 5 - 8) عثنئيل.
(4) اليهودية د/ أحمد شلبي ص 173.

[الأصل الثالث: توحيد الأسماء والصفات في العهد القديم]

ذكرت أ/ سميرة عبد الله، أنه قد امتلأت النصوص التوراتية بأسماء وصفات عديدة لله سبحانه وتعالى يختلف إطلاقها باختلاف مواضعها، بعضها يدل على إثبات توحيدهم لله عَزَّ وَجَلَّ بأسمائه وصفاته الحسنى، والبعض الآخر يشير إلى انحراف عقيدتهم في الأسماء والصفات بالتجسيم والتشبيه، إذ توحده اليهود وتثبت معه آلهة متعددة، تنزهه عن مماثلة المخلوقين وتجسمه وتشبهه بهم، تصفه بالقدرة والعلم والكمال وترميه بالضعف والجهل والنقص (1) كمايلى:

[1. إثبات توحيد الأسماء]

أ. الأول والآخر: "منذ الأزل إلى الأبد أنت الله" (2). أعلن الله هذه الحقيقة فقال: "أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري" (3).

ب. القدوس: "من يقدر أن يقف أمام الرب الإله القدوس" (4).

ج. الرقيب: "ماذا أفعل لك يا رقيب الناس" (5).

د. الغفور: "يقول نحميا النبي: "وأنت إله غفور وحنان ورحيم" (6). وغير ذلك من الأسماء التى أثبتها العهد القديم لله عَزَّ وَجَلَّ (7).

[2. إثبات توحيد صفات الإله عند اليهود]

صرحت بعض النصوص من أسفار العهد القديم بصفات عليا لله تعالى كما يليق بجلاله حيث تصفه بما يلي:

أ. الوحدانية: "أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض" (8).

ب. الحياة: "إني أرفع إلى السماء يدي وأقول حي أنا إلى الأبد" (9).

ء. لا تدركه الأبصار: لا تظهر له صورة: "فكلمكم الرب من وسط النار وأنتم سامعين صوت كلام

لكن لم ترو صورة بل صوتا" (10)


(1) جهود الإمامين ص 110.
(2) مزامير: (90/ 2).
(3) أشعياء: (44/ 6) بركات الرب لشعبه.
(4) صموئيل الأول: (6/ 20)، التابوت يعود إلي إسرائيل.
(5) أيوب: (7/ 20) بدون.
(6) نحميا: (9/ 16) الإسرائيليون يعترفرن بخطاياهم. أخبار الأيام الخوالي: (16/ 25) بدون.
(7) جهود الإمامين ص 111.
(8) الملوك الثاني: (19/ 6)، أشعيا (37/ 16) صلاة حزقيال ..
(9) تثنية: (32/ 40) نشيد موسى.
(10) تثنية: (4/ 10 - 12)، أيوب: (9/ 11)، أشعيا (45/ 15).

وغير ذلك من الصفات التي استدلت بها الباحثة سميرة عبد الله من نصوص العهد القديم (1) ثم ذكرت التحريف الذي وقع في الأسماء والصفات على حدة.

[انحراف اليهود في عقيدة توحيد الأسماء]

لقد حرف اليهود أسماء الإله وأطلقوا عليه ألفاظًا لا تليق في حقه سبحانه كما يلي:-

1 - ألوهيم أو إيلوهيم: بين د/ المسيري التصور اليهودي لأسماء الإله وذكر عدة أسماء منها إلوهيه وقال: إنها كلمة من أصل كنعاني وهي حسب التصور اليهودي أحد أسماء الإله وهي صيغة الجمع من كلمة "إيلوَّه" أو و"إله" أو"إيل" وهو ما يدل على أن العبرانيين كانوا في مراحل تطورهم الأولى يؤمنون بالتعددية ولم ترد كلمة "إلَّوه" إلا في سفر أيوب أما "إلوهم" فترد ما يزيد على ألفى مرة في العهد القديم، وبأداة التعريف "ها إلوهيم" وللكلمة معنيان:

أولًا: فهي تدل على الجمع فتكون بمعنى الآلهة (الوثنية) ككل.

ثانيًا: أو تدل على المفرد فتعد اسما من أسماء الإله. ويعامل الاسم أحيانا باعتباره صيغة جمع وأحيانا أخرى باعتباره صيغة مفرد وإلوهيم إله رحيم يراعى في أعماله القواعد الأخلاقية (2).

2 - يهوه (3) "يهوفاه": بين د/ المسيري أصل هذه الكلمة وكيف حرف اليهود في هذا الاسم فيقول: "يهوفاه" كلمة عبرية وهي سامية قديمة ويقال أنها مشتقة من مصدر الكينونة في العبرية "أهييه آشر أهييه" (خروج 30/ 14) أي أكون الذي أكون، وقد تكون الكلمة من أصل عربي، ويذهب البعض إلى أن الاسم مشتق من الفعل "هوى" بمعنى سقط أي يهوه هو مسقط المطر والصواعق ويتم الربط بين معني هذا الاشتقاق وبين الصفات التي عرفت عن يهوه كإله للعواصف والبرق والقوى الطبيعية أي هوى بمعني وقع أو حدث وما يحدث يكون (4).


(1) جهود الإمامين ص 112، 113.
(2) موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية د/ عبد الوهاب المسيري (5/ 70).
(3) يهود فعل مضارع هيه أو هوه ومعناه كان أو حدث أو وجد وبعبارة أخرى هو الذي كان والذي أعلن ذاتة وصفاته ومنذ عهد الله مع موسى على جبل حوريب يطلق عليه يهوه ويطلقون هذا الاسم على الله (قاموس الكتاب المقدس ص (1096، 1097)).
(4) موسوعة اليهود (5/ 70).

وأما عن بداية استعمالها علمًا على الذات الإلهية يقول د/ محمود مزروعة:

هي لفظة قديمة مهملة قبل موسى عليه السلام فأحياها سيدنا موسى عليه السلام وتمسك بها علمًا على الذات الإلهية وأهمل ما عداها وسبب هذه التسمية:

ذهب البعض إلى أن اسم "يهوا" لا يعرف اشتقاقه على التحقيق فيصح أنه من مادة الحياة ويصح أنه نداء لضمير غائب أي "يا هو" لأن موسى- عليه السلام - علم بني إسرائيل أن يتقوا الرب توقيرًا له وأن يكتفوا بالاشارة إليه.

والبعض الآخر يرى أن هناك احتمالًا لاتجاه آخر هو أنه الكلمة المماثلة لكلمة لورد أي: سيد هى: "يهوا" وكانت اللغة العبرية تُكتب بدون حروف علة حتى سنة 500 م ثم دخلت هذه الحروف فأصبحت كلمة "يهوا" "يا هوفا" ومعناها "سيد أو إله" (1). ويقول د/ المسيري عن استخدام هذا الاسم:

(ولا يرد اسم يهوه في المصدرين الإلوهيمي أو الكهنوتي إلى أن يسفر الإله لموسى عن نفسه فتقول التوراة: هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه إله ابائكم، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلني إليكم (2) ولكن المصدر اليهوى يستخدم الاسم في سفر التكوين: (2/ 4) مفترضًا بذلك أنه يعود إلى أيام إبراهيم ولكن يبدو أن هذا إسقاط من محررى العهد القديم لمصطلحات مرحلة لاحقة على مرحلة سابقة وقد جاء في سفر الخروج: أن الرب كلم موسى وقال: أنا الرب وأنا ظهرت لإبراهيم واسحق ويعقوب يأتي الإله القادر على كل شىء وأما باسمي يهوه فلم أعرف عندهم (3). (4)

ثم يقول: يأتى ذكر "يهوه" أكثر من ستة آلاف مرة في العهد القديم وهو أكثر أسماء الإله شيوعًا وقداسة وكان يتفوه به الكاهن الأعظم فقط داخل قدس الأقداس في يوم الغفران ... وقد نسب إليه العهد القديم صورًا عديدة من القسوة والوحشية (5).

3 - "إيل": اسم من أسماء الله في العبرية فقد كان اليهود يسمون الله بـ (إيل) وكثيرًا ما تستعمل التوراة اسم "إيل" مع صيغة صفات الله مثل "إيل عليون" كما جاء في الأصل العبري أي "الله العلى" إيل شداي أي "الله القدير" (6)


(1) دراسات في اليهودية أ. د/ محمود مزروعة ص 164 ط - دار الطباعة المحمدية- القاهرة ط 1/ 1407 هـ/ 1987م.
(2) خروج (3/ 15) موسى والعليقة المشتعلة
(3) الاصحاح: (6/ 2 - 3) بدون.
(4) موسوعة اليهودية واليهود ص (5/ 70).
(5) المرجع السابق ص (5/ 70).
(6) تكوين: (35/ 11) عودة يعقوب إلى بيت "إيل"، جهود الإمامين ص (114، 115).

وإيل الاسم السامي للإله وهي مفرد كلمة "إيليم" الكنعانية يُراد بها الجمع والتعداد (1).

ويقول د/ محمود مزروعة. عن بداية استعمال لفظة "إيل" وإطلاقه على الذات الإلهية أنه:

ورد استعمالها قبل بعثة سيدنا موسى -عليه السلام- فكان "إيل" هو اسم الإله في فترة ما قبل سيدنا موسى -عليه السلام- وإليه ينسب كثير من أسمائهم الشخصية والمكانية ومن الأسماء الشخصية عندهم المنسوبون إلى هذا الاسم: إسماعيل، إسرائيل، بتوئيل وفي سفر التكوين توضيح لهذه التسمية فحين هربت هاجر من وجه سارة وهي حُبلى في إسماعيل قابلها "ملاك الرب" وقال لها "ملاك الرب": ها أنت حُبلي فتلدين ابنًا وتدعين اسمه إسماعيل لأن الرب قد سمع لمذلتك" (2) وحينئذ تنسب هاجر اسم المكان إلى اسم الله فتسمى المكان باسم "إيل رئى" لأنها رأت الرب في هذا المكان (3) " (4)

4 - "بعل": وهو في اللغة السامية يعني "الرب" أو "السيد" وهو إله كان يعبده الكنعانيون وكان اليهود أحيانا يعتبرون اسم البعل مرادفًا لاسم "الله" أو"الرب" فكان بعل بريث إلهًا أي "رب العهد" وهو الاسم الذي يتعبد به اليهود في شكيم في زمن القضاة ويستدل من هذين الاسمين على تعلق اليهود بآلهة الوثنيين في إطلاق هذه المفردات لاسم الله وهي أسماء لا تليق بجلاله وعظمته (5).

وعلى ضوء العرض التقويمى السابق يتبين انحراف اليهود في إطلاق أسماء من وحى بيئتهم على الله عَزَّ وَجَلَّ ولا تليق في حقه سبحانه وتعالى مما يدل على تأثرهم الكبير بما مروا به في تاريخ تنقلهم بين البلاد المختلفة.


(1) موسوعة اليهود واليهودية ص (5/ 66).
(2) تكوين: (16/ 11) هاجر وإسماعيل.
(3) تكوين: (16/ 3) السابق.
(4) دراسات في اليهودية ص 163.
(5) قاموس الكتاب المقدس ص 142، قضاة: (8/ 33) موت جدعون، (9/ 4) أبيمالك.

ثانيًا: الانحراف في توحيد الصفات عند اليهود وافتراءاتهم فيها:

وقد قسم علماء المسلمين الصفات إلى صفات ذات وصفات أفعال:

أما صفات الذات فانحرافهم فيها ظاهر فقد ذكر شيخ الإِسلام ابن تيميه فصلًا في الموهم التشبيه من آيات الكتب النبوية منها ما ورد في سفر حبقوق "النبي" أن الله في الأرض يترآي ويختلط مع الناس ويمشى" (1). وقال أرمياء النبي: الله بعد هذا في الأرض يظهر وينقلب مع البشر فيقول: "أنا الله رب الأرباب" (2).

وأخذ يؤكد جوابه عن هذا بالأدلة العقلية على بطلان نبوة حبقوق وأرمياء فقال: إن هذا يحتاج إلى تثبيت نبوة هذين النبيين وإلى ثبوت النقل عنهما وبثبوت الترجمة الصحيحة المطابقة، وبعد هذا يكون حكم هذا الكلام حكم نظائره ففي التوراة ما هو من هذا الجنس ولم يدل ذلك باتفاق المسلمين واليهود والنصارى على أن الله حل في موسى ولا في غيره من أنبياء بني إسرائيل بل قوله "يترآي" هو بمنزلة يتجلى ويظهر (3).

1 - إثبات التجسيم للذات العلية -سبحانه عما يصفون: استدل العلامة الهندي والإمام الألوسي. على ما يفيد إثبات التجسيم في العهد القديم. وأنه توجد آيات متعددة من نصوص العهد القديم تدل على التجسيم والشكل والأعضاء (4) لله سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا.

من هذه النصوص ما يلي:

- "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (5).

- " إن يد الرب لم تقصر عن أن تخلص ولم تثقل أذنه عن أن تسمع" (6).

- "لأن الله على صورته عمل الإنسان" (7).

وغير ذلك مما يدل على التجسيم وكذلك أستدلت أ/ سميرة. بآياتٌ تدُل على نسبة الحواس والأعضاء للإله كالفم (8) والشفتان واللسان (9) والعينان (10) والأنف (11) والأذنان (12) والرأس (13) وغير ذلك (14) -كما يزعمون-.


(1، 2) لم أعثر على هذين النصين في النسخة الحالية ولربما كانا في نسخة قديمة على زمن المؤلف ولكن هناك نصًا يدل على هذا المعنى وهو "وكان الرب يسير أمامهم في عمود سحاب ... وليلا في عمود نار" (خروج 13/ 20 - 22).
(3) الجواب الصحيح لابن تيميه: (2/ 237).
(4) الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح للإمام الألوسي (1/ 171، 172) ط دار البيان العربي ط 1 - 1408 هـ - 1987م.
(5) تكوين: (1/ 26) البدء.
(6) أشعيا: (59/ 1) الخطية والاعتراف والفدا.
(7) تكوين: (9/ 6) عهد الله مع نوح وانظر: إظهار الحق (2/ 317).
(8) أرميا: (9/ 12) والنص يقول: "والذى كلمه فم الرب".
(9) أشعيا: (30/ 27) والنص يقول: "شفتاه ممتلئتان سخطًا "
(10) أشعيا: (37/ 17) والنص يقول: "افتح يا رب عينيك وانظر".
(11) حزقيال: (38/ 18) والنص يقول "غضبى يصعد في أنفي".
(12) مزامير: (86/ 1) والنص يقول "امل يا رب أُذنك"
(13) أرميا: (9/ 1) والنص يقول: "ياليت رأسى ماءُ وعيني ينبوع دموع".
(14) انظر: جهود الإمامين ص 118 - 121.

وقد ذكر العلامة الهندي، ما يناقض ما استدلوا به على التجسيم وأن هناك آياتٍ في العهد القديم مضمونها ينفى التجسيم والتشبيه فيقول:

(وللتنزيه في التوراة آيتان هما: "فكلمكم الرب من جوف النار فسمعتم صوت كلامه ولم تروا الشبه البتة" (1) وقوله: "فاحتفظوا بأنفسكم بحرص فإنكم لم تروا شبيها يوم كلمكم الرب في حوريب من جوف النار" (2) ولما كان مضمون هاتين الآيتين مطابقًا للبرهان العقلى في تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الجسمية والتشبيه بخلقه وجب تأويل الآيات الغير محصورة والإمساك عن القول بظواهرها الدالة على الجسم والشبه لا تأويلها وأهل الكتاب ها هنا أيضًا يوافقوننا على أنه ليس المراد ظواهرها البينة البطلان؛ لأن الجسمية محالة في حقه تعالى ولا يرجحون تلك الآيات الكثيرة على هاتين الآيتين) (3) ووافقه على ذلك الألوسي (*).

[وهنا لا بد من وقفة نقدية حول هذا الموضوع]

فقد استدل علماؤنا الأفاضل على إثبات الجسمية لله تعالى من التوراة، واستدل البعض الآخر على نفيها وتنزيه الله سبحانه وتعالي عنها ولذلك يقول الألوسي: (إذا تعارض القولان فلابد من إسقاطهما إن لم يمكن التأويل، أو من تأويلهما إن أمكن، ولابد أن يكون التأويل بحيث لا يستلزم المحال أو الكذب مثلا: الآيات الدالة على الشكل والجسمية تعارضت ببعض الآيات الدالة على التنزيه فيجب تأويلها ... لكن لا بد ألا يكون التأويل بأن الله متصف بصفتين أعني الجسمية والتنزيه، وإن لم تدرك عقولنا هذا الأمر، فإن هذا التأويل باطل محض، كما قالوا لا يرفع التناقض) (4). وبناءً على ما تقدم من وجود التناقض في العهد القديم، ففيه ما يدل على إثبات التجسيم في حقه تعالى وفيه ما ينفي التجسيم والتشبيه وفي هذا ما فيه من بطلان ما تدعيه التوراة في حقه سبحانه إذ كيف تستقيم القضية وبعض الآيات تثبتها وبعض الآيات تنفيها، وفي هذا من التناقض مالا يخفى على ذي عقل.

[2 - إثبات المكان للذات العلية -سبحانه عما يصفون]

تتبع العلامة رحمة الله الهندي والألوسي النصوص التي تثبت التحيز والمكانية لله -سبحانه وتعالى- وبينا أنه توجد في العهد القديم آيات كثيرة تدل على إثبات المكان لله تعالى من هذه الآيات، الآية التي تقول: "الله معروف في يهوذا واسمه عظيم في إسرائيل كانت في ساليم مظلته ومسكنه في صهيون" (5)، والآية التي تقول:"فيصنعون لي مقدسًا لأسكن في وسطهم" (6) وغير ذلك من الآيات كثير (7).


(1) تثنية (4/ 12) الأمر بالطاعة.
(2) تثنية (4/ 15) السابق.
(3) إظهار الحق: (2/ 317، 318).
(*) الجواب الفسيح: (1/ 172).
(4) الجواب الفسيح: (1/ 185) (وقد يقول البعض: إن في القرآن آيات متشابهات فهل تؤل أم تحمل على ظاهرها وللجواب على هذا التساؤل يقول الإمام الألوسي: "إن ما ورد في القرآن الكريم من الآيات المتشابهات لا يراد بها ظاهرها من الجسمية والمكان بل تؤل تأويلًا مناسبا أو تفوض الكيفية إلي عالمها الباري سبحانه ويؤمن المؤمن بها من غير تشبيه ولا تجسيم ولا تكييف ولا تعطيل كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] فأول الآية رد على الشبه وآخرها رد على المعطله (انظر: الجواب الفسيح 1/ 185).
(5) مزامير: (76/ 1 - 2) لإمام المغنيين على "ذوات الأوتار" مزمور لآِساف. تسبيحةُ.
(6) خروج: (25/ 8) التقدمات لخيمة الاجتماع.
(7) لمزيد من التفصيل انظر: إظهار الحق: (1/ 318)، الجواب الفسيح: (1/ 172، 173) بتصرف.

ثم يعقبا ذلك بذكر النصوص التي تتعارض مع ما سبق ذكره من نصوص تثبت المكان له سبحانه فيقول العلامة الهندي: ولا توجد في العهد العتيق والجديد آيات دالة على تنزيه الله عن المكان إلا آيات قليلة مثل قول أشعياء: "هكذا قال الرب: السموات كرسيي والأرض موطئ قدمى أين البيت الذي تبنون لي؟ وأين مكان راحتي وكل هذه صنعتها يدي فكانت كل هذه (1).

وعلق على ذلك بنفس التعليق السابق على إثبات الجسمية له سبحانه وتعالي وزاد عليه قائلًا:

"قد ظهر أن الكثير إذا كان مخالفًا للبرهان العقلي والنقلى يجب إرجاعه إلى القليل الموافق للعقل ولا يعتد بكثرة المخالف فكيف إذا كان الكثير موافقًا لصحيح المعقول وصريح المنقول والقليل مخالفًا لهما فإن التأويل فيه ضروري ببداهة العقل ووافقة على ذلك الألوسى رحمه الله (2).

[3 - ظهور الإله في صورة مرئية- في زعمهم-]

يقول د/ صفوت مبارك:

في سفر الخروج أن موسى قد اختار مجموعة من كبار بني إسرائيل صعد بهم إلى الرب وأنهم قد رأوه وله رجلان ويدان وإليكم هذا النص: (وقال لموسى: اصعد إلى الرب أنت وهارون وناداب وأبيهو (ابنا هارون) - وسبعون من شيوخ إسرائيل واسجدوا من بعيد ويقترب موسى وحده إلى الرب وهم لا يقتربون، وأما الشعب فلا يصعد معه ... ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل، ورأوا إله إسرائيل، وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف وكذات السماء في النقاوة. ولكنه لم يمد يده إلى أشراف بني إسرائيل، فرأوا الله وأكلوا وشربوا) (3).

وينتقد د/ بدران. في كتابه التوراة هذا النص قائلًا:

(لقد تجرأ كتبة التوراة ولعب الشيطان برؤوسهم وتصوروا أن الله نزل من عليائه ووقف على شىء يشبه العقيق الأزرق الشفاف نقي نقاوة السماء ورآه موسى وهارون عليهما السلام مع اثنين وسبعين شيخًا من شيوخ إسرائيل بل شطح خيال كتبة التوراة وقالوا: إن هذا الجمع أكل وشرب عند قدمى الله) (4).

يقول صاحب كتاب الجوهر الفريد:

يدعي كثير من مفسري الكتاب المقدس أن الله إذا أراد أن يظهر بهيئة منظورة فلا يستحيل عليه وأنه ظهر لبعض شعبه بهيئة منظورة كما ورد في سفر التكوين: وظهر له الرب ..... وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه ... إلى آخر ما جاء في هذه القصة (5).


(1) الاصحاح: (66/ 1 - 2) القضاء والرجاء.
(2) إظهار الحق: (1/ 318) والألوسي في الجواب الفسيح: (1/ 173).
(3) خروج: (24/ 1 - 11) تأكيد العهد - وهذا يتناقض مع ما ورد في القرآن الكريم من أن بني إسرائيل طلبوا من موسى -عليه السلام- أن يروا الله جهرة ولكن أخذتهم الصاعقة ولم يتمكنوا من رؤية الله حتى موسى -عليه السلام- نفسه حين قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} ولم ير ربه. انظر: مدخل لدراسة الأديان ص 115.
(4) التوراة: د/ بدران ص 66.
(5) التكوين: (18/ 1 - 8)، وانظر: الجوهر الفريد في رد التثليث وإثبات التوحيد أيوب صبرى ص 122 ط المطبعة العامرة الشرقية ط/1 - 1319هـ

وقد نقد المؤلف هذه القصة نقدًا موضوعيًا وردها بنصوص صريحة من الكتاب المقدس تؤكد أن الله -عز وجل- لم يره أحد وعدم إمكانية رؤية الله تعالى في الدنيا فقال:

إن نصوص الكتاب المقدس تدل على عدم إمكانية رؤية الله تعالى في الدنيا منها: "فكلمكم الرب من جوف النار فسمعتم صوتا ولم تروا الشبه البتة فاحفظوا أنفسكم بحرص فإنكم لم تروا شبها يوم كلمكم الله" (1). وقول الرب لموسى "لا تقدر أن ترى وجهى ... وأما وجهى فلا يُرى" (2) وقول المسيح "الله لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراهم (3) ويقول: هذا صريح بعدم إمكان رؤية الله تعالى في الدنيا قطعًا ومثل هذه النصوص الصريحة لا يجوز ترك اعتقاد حكمها والتمسك بما يخالفها. بمجرد التأويل (4).

ثم ذكر بعد ذلك عدة أدلة عقلية ترد هذه الدعوى منها ما يلى:

1 - (أن الظهور بالهيئات مهما كان نوعه ووصف هيئته هو شبه ومثل ممكن تصوره وحده بالتصور وذلك من صفات الحوادث والله تعالى مغاير لصفات الحوادث ولا شبيه ولا مثيل له.

2 - أن تشكل الملائكة والجن والشياطين بما شاءوا بقدرة الله الذي اتخذه المؤلف (5) قرينه على اقتدار الله تعالى على الظهور في الأجسام والهيئات هو وحده كاف لتأييد حكم النصوص الآنفة بعدم جواز اعتقاد تشكله أو ظهوره تعالى في الهيئات الجسمانية بالمعنى الحقيقي للقطع بأنه سبحانه لا يجارى خلقه ولا يتشبه بأعمال عبيده في الشكل والظهور.

3 - إن عبارة سفر التكوين التي استدل بها بعض مفسري الكتاب المقدس على أن الله ظهر بهيئة منظورة فضلا عن أن ظاهرها لا يؤيد مقصوده بل غاية ما يفيده هو أن إبراهيم عليه السلام نظر ثلاثة رجال ودعاهم إلى الأكل عنده ... وأجابوا دعوته وذبح لهم عجلا بقرا وقدم لهم لحمه مع خبز وزبد ولبن ... وبعد أن أكلوا بشروه ..... الخ القصة، وذلك وحده كاف للعلم بأن أولئك الرجال لم يكونوا الله الواحد الأحد الذي لا يرى ولا تدركه الأبصار ولا تحده الجهات ولا يفتقر إلى الأكل والشرب ولا يصح في الأذهان أن يكون سبحانه مركبا من الأجسام والأعضاء) (6)

[وأما صفات الأفعال]

كان لكل من د/ المسيري ود/ صفوت مبارك، د/ المطعني، د/ محمود مزروعة، أ/ سميرة عبد الله. جهد واضح في بيان ما نسبه العهد القديم لله عز وجل من صفات تُماثل صفات البشر من هذه الأوصاف أنه يمشي ويتحرك (7) بين الناس ويأخذ أشكالًا حسية (8) ووصفوه بالقسوة المفرطة (9) وأنه يخاف من الناس (10)


(1) تثنية: (4/ 12) الأمر بالطاعة
(2) خروج: (33/ 18 - 20) موسى ومجد الرب.
(3) تيموثاوس الأولى: (6/ 16) الجهاد الحسن.
(4) الجوهر الفريد ص 123.
(5) القس بطرس ديناسيوس "صاحب كتاب القول الصريح في تثليث الأقانيم وتجسيد المسيح" الذي رد عليه أيوب بك في كتابه الجوهر الفريد.
(6) الجوهر الفريد: أيوب بك صبري ص 123.
(7) خروج: (13/ 20 - 22) الارتحال.
(8) خروج: (25/ 22) غطاء التابوت.
(9) تثنية: (7/ 16 - 17) الخروج للحرب، أقصد بالذين وصفوه: كتبة العهد القديم
(10) تكوين: (11/ 6 - 8) برج بابل.

[الله يخاف من الناس- في زعمهم-]

وغير ذلك من الصفات التى لا تليق بجلال الله عز وجل (1) وبشىء من التوضيح أذكر بعض النماذج من هذه الصفات وتعليقات العلماء عليها:

فيقول أ/ أحمد زكي منتقدًا لقولهم أن الله يخاف الناس ولذلك فهو يبلبل ألسنتهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض كما في سفر التكوين: (11/ 6 - 8) يقول: إنهم يصورون الله بحسب عقولهم البدائية كأنه بشر وأنه يخشى الناس تعالى الله عما يصفون إن الإله الذي يخشى البشر حتما هو ليس الله خالق البشر إنما هو إله خرافات وأساطير (2)

ويعلق د/ المطعني على هذا النص قائلًا:

إن التوراة كما تصفُ الرب هنا بالخوف من الناس تصفه كذلك بالجهل؛ لأن الناس حسب رواية التوراة لم يقصدوا الإضرار بالرب وإنما قصدوا مجرد السكنى. وأن يعرف بعضهم بعضا فظن الرب أن ذلك العمل موجه ضده فلجأ إلى حيلة تفرق الألسن حتى لا يصبح الناس متحدين أو ليس في هذا نسبة الجهل إلى الرب كما فيه نسبة الخوف إليه أفليست هذه نصوص مقدسة ذات دلالات وضعية (3).

[وصف الإله بالجهل- في زعمهم-]

وهذه جريمة أخرى تلك التي تطلقها التوراة في جانب الإله وحاشا لله أن يكون جاهلًا فهو سبحانه عالم بكل شئ فيقول سبحانه: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} (4).

ويقول د/ صفوت مبارك:

في قصة خروج بني إسرائيل من مصر يتحدث العهد القديم فيذكر أن الرب أمر موسى أن يضع بني إسرائيل على أبواب بيوتهم علامات الدم لأن الرب سيمر هذه الليلة ليضرب كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم ولكنه يستثني من ذلك بني إسرائيل لذا فهو يأمرهم بوضع هذه العلامات على بيوتهم، حتى إذا مر عرف أن هذا بيت من بيوت بني إسرائيل فيتجاوزه ولا يهلك أحدًا ممن فيه، وهذا يعني وصف الإله بالجهل وأنه في حاجه إلى علامات ترشده (5) واستدل بالنص الآتي:

"فإني أجتاز في أرض مصر هذه الليلة وأضرب كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم وأصنع أحكامًا بكل آلهة المصريين أنا الرب ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها فأرى الدم وأعبر عنكم فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب مصر" (6).

ويعلق د/ عبد الوهاب المسيري على هذا النص قائلًا: (العهد القديم هنا يصف الإله بأنه ليس عالمًا بكل شيء) (7).


(1) انظر: موسوعة اليهود واليهودية (5/ 65) والتطرف اليهودي ص 23 ومدخل دراسة الأديان ص 16 والإسلام في مواجهة الاستشراق ص 180 ودراسات في اليهودية د/ مزروعة ص 165، 166.
(2) انزعوا قناع بولس ص 15.
(3) الإسلام د/ المطعني ص 180.
(4) سورة الطلاق: جزء من الآية (12).
(5) مدخل لدراسة الأديان ص 119.
(6) خروج (12/ 12 - 13) الفصح.
(7) موسوعة اليهود واليهودية (5/ 65).

ويذكر د/المطعني. نصًا آخر يصف الرب بالجهل "حاشا لله":تروى التوراة ما دار بين الرب الإله وبين آدم بعد واقعة الأكل من الشجرة المحرمة فتقول: "وسمعا -أي آدم وحواء- صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة! فنادي الرب الإله آدم وقال: أين أنت يا آدم؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأنى عريان؛ فاختبأت؛ فقال من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التى أوصيتك أن لا تأكل منها؟ " (1).

وقد نقد د/ المطعني. هذا النص وقال مستفسرًا ومتعجبًا وهو يلقى نظرة تحليلية عليه (ما معنى هذا الكلام؟ معناه أن آدم اختبأ من الرب الإله هو وامرأته وسط شجر الجنة فلم يبصره الرب الإله فنادي أين أنت يا آدم، ولم يعرف مكان آدم إلا بدلالة صوت آدم يرد عليه ويخبره بسبب اختفائه فيرد الرب الإله سائلًا عما لا يعلم؟! مرة أخرى: ومن أعلمك أنك عريان؟! هل أكلت من الشجرة؟! (2).

(إن نسبة الجهل للرب الإله في هذه النصوص المقدسة لا تحتمل جدلًا قط بدلالة:

أن آدم نفسه كان يعلم بذلك الجهل من الرب الإله وإلا لما كان اختبأ؟! وأن الرب نفسه حين لم يبصر آدم وزوجه نادى قائلًا أين أنت يا آدم ولو كان يعلم مكانه لما نادي عليه ولما سأل مرة أخرى هل أكلت؟ والجهل ببعض الأشياء ليس من صفات "الله" الحق هكذا تقول تصورات العقل الواعى وبهذا تقضى حقائق الإيمان الصحيح، والفرق بين أحكام العقل وحقائق الإيمان الصحيح وبين الواقع المعلوم لنصوص الكتاب المقدس كالفرق بين النور والظلمات) (3).

ويقرر أ. د / محمود مزروعة:

أن حقيقة الذات الإلهية عند اليهود لا ترتفع كثيرًا على مستوى البشرية في شكلها ومضمونها ... فهم يعتقدون في الإله المجسد، ولم يستطيعوا أبدًا أن يهضموا عقيدة الإله المجرد ... وإنما ارتبطت فكرة الإله عندهم بصورة الإنسان بكل ما تحويه هذه الصورة من نقائص وأخطاء، وبسبب نزعة التجسد هذه لم يقنع اليهود بعبادة الله الواحد المجرد عن المادة ولذا فقد طلبوا من سيدنا موسى عليه السلام أن يجعل لهم أصنامًا آلهة ثم صنعوا لأنفسهم عجلًا عبدوه (4).


(1) تكوين: (3/ 8 - 11) سقوط الإنسان.
(2) الإِسلام د /المطعني ص 177، 178.
(3) المرجع السابق ص 178.
(4) دراسات في اليهودية د /مزروعة ص 165، 167.

[وصف الإله بأنه يستريح من التعب]

وقد استدل صاحب كتاب "انزعوا قناع بولس" على هذا بالنص الذي يقول: "فرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل" (1) وقد علق عليه مفندًا هذا الوصف الذي تدعيه التوراة فيقول:

(لقد شبه كاتبو التوراة الله بالإنسان العامل الذي يكد ويتعب طيلة أيام الأسبوع الستة وفي اليوم السابع يستريح، ولقد دحض الله هذه الفرية في آيات كثيرة من القرآن إذ قال تعالى: ({وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} (2). وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (3) وقال تعالى: ({أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} (4). فالله ينزه نفسه في القرآن عن التعب الذي وصفوه به وهم في هذا إنما يناقضون أنفسهم فقد ورد في سفر أشعياء قوله: "أما عرفت أم لم تسمع إله الدهر خالق أطراف الأرض لا يكل ولا يعيا" (5) مما يكذب قولهم في أن الله استراح من التعب) (6).

فهذا قليل من كثير ورد في العهد القديم يصف الله عزوجل بما لا يليق بذاته المقدسة مما يدل على مدى الانحراف الذي وقع فيه كتبة التوراة من ناحية ومن ناحيه أخرى يدل دلالة واضحة من خلال ما تقدم من شواهد على التناقض الواضح بين نصوص العهد القديم تلك التى تصفه بالجهل تارة وبالعلم تارة أخرى أو تصفه بالتعب تارة وبعدم التعب تارة أخرى فلو كانت كتبهم صحيحة ما وقع فيها هذا التناقض.

والتصور الصحيح في الأسماء والصفات أن نعبده سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، دون تشبيهه بأحد من خلقه، وتمثيله بشيء من مخلوقاته، ودون أن نؤلها تأويلًا يخرجها عن حقيقته فهو سبحانه "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" (7)، وما يلصقه كتبة العهد القديم لله تعالى من أسماء وصفات لا تليق بذاته المقدسة، لهو خروج عن هذا التصور الصحيح وإلحاد، كما أخبر سبحانه وتعالي "ولله الأسماء الحسني فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون" (8).


(1) تكوين 2/ 2.
(2) سورة ق الآية 38.
(3) سورة الأحقاف الآية 33.
(4) سورة ق الآية 15.
(5) الإصحاح (40/ 28) الله لا شبه له.
(6) انزعوا قناع بولس عن وجه المسيح ص 14.
(7) سورة الشورى، الآية: (11).
(8) سورة الأعراف، الآية: (180).

 

  • الثلاثاء AM 10:55
    2022-05-17
  • 1555
Powered by: GateGold