المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409059
يتصفح الموقع حاليا : 391

البحث

البحث

عرض المادة

تعريف لفظ (الصحابة)

لزاماً علينا قبل أن نشرع في بيان الأدلة الدالة على عدالة الصحابة، أن نبين مفهوم كلمة (الصحابة)؛ لأن جلاء المعنى لهذه الكلمة، وبيان حدود إطلاقها، ومن يتصف بها، ومن هو المعني بهذه الكلمة المباركة - فيه التوفيق لما بعده من علم ودراسة.

وهذا البيان لا يكون إلا من جهتي اللغة والاصطلاح.

أولاً: تعريف لفظ (الصحابي) لغة:

الصحابي: نسبة إلى صاحب، وله معانٍ عدة تدور في جملتها حول الملازمة والانقياد([1]).

وقبل بيان بعض استخدامات الصحبة في اللغة، ينبغي التنبه إلى أن بعض هذه الاستخدامات لا تندرج ضمن التعريفات الاصطلاحية، إذ هي وفق التعريف اللغوي غير مقيدة بقيود منضبطة وفق ما سنعرفه، لذا وجب أن أسوق جملة من معاني الصحبة اللغوية للاحتراز عند إطلاق هذه الكلمة، ومنها:

1- الصحبة المجازية: وهي التي تطلق على اثنين بينهما وصف مشترك، وقد يكون بينهما أمد بعيد، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أزواجه: (إنكن صواحب يوسف)([2]).

2- الصحبة الإضافية: وهي التي تضاف للشيء لوجود متعلق به، كما يقال: (صاحب مال، صاحب علم... إلخ).

3- صحبة القائم بالمسئولية: وهذا كما في قوله تعالى: ((وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً)) [المدثر:31].

4- صحبة اللقيا: تطلق الصحبة على التلاقي الذي يقع بين اثنين، ولو لمرة واحدة لسبب ما، ثم ينقطع.

وهذا كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر...)([3]) الحديث، فسمى المشتري (صاحباً) مع أن اللقيا وقعت مرة واحدة مع البائع حين يشتري منه السلع.

5- صحبة المجاورة: وهي التي تطلق على المؤمن والكافر والعكس، وهو مصداق ما جاء في قوله تعالى: ((قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً)) [الكهف:37].

وكما في قوله تعالى: ((فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً)) [الكهف:34].

ويجوز أن تطلق الصحبة على من لا يعرف صاحبه ولم يلتق به يومـاً، كما قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه للغلامين من الأنصار اللذين كانا يبحثان عن أبي جهل في غزوة بدر يريدان قتله بسبب سبه للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهما: (هذا صاحبكما الذي تسألان عنه)([4]).

ووفق ما سبق ذكره فاستخدام مدلول الصحبة اللغوية لا يعمم، إذ لو كان (الصحابي) يُعرّف بالصحبة اللغوية وفق الاستخدامات التي مرت، لكنّا نحن جميعـاً في عداد الصحابة, ولكان اليهود والمنافقون والنصارى والمشركون الذين لقوا النبي صلى الله عليه وسلم كذلك من باب أولى، إذ لا يشترط في اللغة للفظ المصاحبة اللقاء المستمر أو الإيمان بالله والموت على ذلك.

 

 

تنبيـه:

في قصة تطاول المنافق عبد الله بن أبي بن سلول على النبي صلى الله عليه وسلم، طلب عمر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن له بضرب عنقه، فقال له: (دعه؛ لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)([5]).

فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصحبة للمنافق في هذا الحديث، لكنه قصد الاستعمال اللغوي لا الاصطلاحي، وهذا من بلاغته صلى الله عليه وسلم وحكمته، ووفق ما تعارف عليه العرب في لغتهم، ولم يكن هناك من محذور في فهم الإطلاق اللغوي، وذلك لأمرين:

الأول: أن الإطلاق اللغوي لا يقصد منه التفريق بين الإيمان والنفاق؛ لأنه ليس له ضابط.

الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن سبب منع عمر رضي الله عنه عن قتله للمنافق: (حتى لا يتحدث الناس)، والناس المشار إليهم هنا هم فئة مقابلة للصحابة؛ لأن القرآن حينما خاطب أهل الإيمان كان يخاطبهم بقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) [البقرة:153] وحينما كان يوجه الكلام للكفار أو لعموم الناس مؤمنهم وكافرهم كان خطابه: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)) [البقرة:21].

ومن المعلوم بداهة أن الكفار هم أكثر الناس عداوة وحرصاً على الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، ولذلك حينما يقتل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بن سلول، فلن يقول الكفار بأنه قد قتل منافقـاً يستحق القتل، بل سيقال: (إن محمداً يقتل أصحابه)، وسينتشر الخبر بين العرب ويتحقق ما يرمي إليه الكفار، وهو صد الناس عن قبول هذه الدعوة والالتفاف حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن هذا التحديد اللغوي في فهم معنى الصحابي عسيراً أو مشكلاً عند الكفار أو المنافقين، فضلاً عن سائر المسلمين الأوائل؛ لأنهم كانوا أهل اللغة وفرسانها والبارعين في دروبها وميادينها، فمن اقتدى بفهمهم وسار على دربهم، وفقه الله لفهم سديد ورأي رشيد لكثير من المعضلات والمبهمات.


ثانياً: تعريف الصحابي اصطلاحاً:

تعددت العبارات الموضحة لتعريف الصحابي اصطلاحاً، وكان من أدقها وأوضحها وأشملها بياناً هو: (من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام).

قال الشهيد الثاني([6]): (الصحابي: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنـاً به، ومات على الإسلام، وإن تخللت ردته بين لقيّه مؤمنا به، وبين موته مسلماً على الأظهر، والمراد باللقاء ما هو أعم من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر, وإن لم يكالمه ولم يره)([7]).

ولتوضيح التعريف السابق أقول:

* (من لقي النبي صلى الله عليه وسلم) أي: في حياته، سواء نظر إليه، أو من لم يستطع النظر إليه كعبد الله بن أم مكتوم؛ فإنه كان أعمى ولقي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره.

وأما من أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ورآه قبل دفنه فلا يعد صحابياً.

* (مؤمناً به) أي: يشترط الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به، فمن لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الكفر من أهل الكتاب والمنافقين وغيرهم، سواء أسلم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أو لم يسلم فلا صحبة له.

* (مات على الإسلام) أي: أن من مات على الردة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقال عنه: إنه صحابي، ولا كرامة له.

الخلاصة:

مما سبق يتضح لنا جلياً أهمية التعامل مع اللغة والاصطلاح في بيان المصطلحات الشرعية وفق فهم العلماء المتخصصين، بعيداً عن التفسير بالرأي أو الهوى، ولأهمية هذا الجانب المؤسس للفهم الصحيح لما سيأتي أحببت أن أبينه كمدخل في المسألة، وذلك قبل الولوج في صلب الموضوع، وهو ثناء الثقلين (القرآن والعترة) على أولياء الرحمن (الصحابة رضي الله عنهم).

 

([1]) لسان العرب: (1/519).

([2]) بحار الأنوار: (28/137).

([3]) مستدرك الوسائل: (13/299).

([4]) بحار الأنوار: (19/327).

([5]) شرح أصول الكافي/ مولى محمد سالم المازندراني: (12/487). وانظر: الصحيح من السيرة/ السيد جعفر مرتضى: (6/163).

([6]) العلامة/ زين الدين بن نور الدين العاملي الجبعي (ت:965هـ).

([7]) الرعاية: (ص:339).

  • الاثنين PM 10:52
    2022-04-11
  • 831
Powered by: GateGold