المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412290
يتصفح الموقع حاليا : 350

البحث

البحث

عرض المادة

عدم الاكتراث اليهودي بالصهيونية - بريــرا

عدم الاكتراث اليهودي بالصهيونية
Jewish Indifference to Zionism
عبارة «عدم الاكتراث بالصهيونية» هي ترجمتنا لعبارة «نان زايونيزم Non-Zionism»، والتي تعني حرفياً «اللا صهيونية» (مقابل «التعاطف مع الصهيونية»، و«رفض الصهيونية»). وقد اخترنا هذه العبارة لأن اليهودي إن لم يكن منتمياً إلى الصهيونية ولا متعاطفاً معها، ولا رافضاً لها ولا متملصاً منها، فإن هذا يعني في واقع الأمر أنه يعتقد أن الصهيونية لا تعنيه أصـلاً، شـأنه شـأن أي مواطن غير يهودي في بلده. وحيث إن الأمر لا يعنيه، فهو غير مُطالَب بتحديد موقف منها. والواقع أن كثيراً من كبار المفكرين والأدباء اليهود غير مكترثين بالصهيونية (ولا باليهودية). ويمكن اعتبار عدم الاكتراث بالصهيونية أحد أشكال التملص منها.


الناطوري كارتا (نواطير المدينة(
Naturei Karta
«نواطير المدينة» أو «حُرَّاس المدينة» ترجمة للعبارة الآرامية «ناطوري كارتا»، وهي منظمة يهودية دولية معادية للصهيونية، وقد جاء في التلمود أن حاخامين من حاخامات اليهود ذهبا إلى فلسطين للتأكد من أن كل مدينة من مدنها تضم مدرسة وبيت عبادة حيث يتعلم الأطفال الشريعة، وسألا أهل إحدى المدن عن حراس المدينة (ناطوري كارتا) فأتى سكان المدينة بالشرطة، فقال الحاخامان: "هذان ليسا حرس المدينة، هذان مخربا المدينة (بالآرامية: ماخريفي كارتا)، فحراس ونواطير المدينة الحقيقيون هم الذين يُصلُّون في بيوت العبادة ويدرسون التوراة ويعلمونها للأطفال". ونواطير المدينة جماعة دينية يهودية أرثوذكسية من أكثر الجماعات عداءً للدولة الصهيونية، وقد ارتبطت كلمة «أرثوذكسية» في الخطاب الصحفي والإعلامي الشائع بتأييد التوسع والاستيطان والعنصرية الصهيونية، وهذا يدل على مدى سطوة الإعلام الصهيوني الذي يحدِّد معنى الكلمات ويفرض الدلالات. فاليهودية الحاخامية الأرثوذكسية ظلت ترفض الصهيونية حتى عهد قريب، وهو رفض ينطلق من عدة أفكار (أو عقائد) جوهرية في العقيدة اليهودية. وما حدث هو أن العقيدة اليهودية تمت صهينتها من الداخل، بينما ظل أعضاء جماعة نواطير المدينة متمسكين بمبادئهم الدينية، والعقيدة الدينــية (على عكس العقيدة العلمانية) لا تتغيَّر ولا تخضع لموافقة أو رفض الأغلبية، ولذا إن انضمت الأغلبية الساحقة من الأرثوذكس للصهيونية ذات الديباجة الأرثوذكسية وذات المضمــون العلماني، فهذا لا يغيِّر من الأمور شيئاً.


ولكن الإعلام الغربي الصهيوني (العلماني) يصر على أن يستخدم كلمة «أرثوذكسي» بمعنى «متشدد» أو «متعصب» للإشارة إلى هؤلاء اليهود الأرثوذكس الذين تخلوا عن أرثوذكسيتهم وانسحبوا من المعارضة الدينية وانضموا للمعسكر الصهيوني العلماني.

ويرى أعضاء نواطير المدينة أن الصهيونية لا تمثل استمراراً للتراث الديني اليهودي أو تنفيذاً للتعاليم اليهودية وإنما رفضاً لها وانسلاخاً عن التراث الديني، بل إن الصهيونية من منظور الناطوري كارتا هي أخطر المؤامرات شيطانية ضد اليهودية. ولعل الفكرة الأساسية التي يرتكز إليها الرفض الأرثوذكسي للصهيونية هي فكرة الشعب اليهودي بالمفهوم الديني، فالشعب اليهودي بالنسبة لأعضاء هذه الجمعية ليس شعباً بالمعنى المُتعارَف عليه، وإنما هو أساساً جماعة دينية ظهرت إلى الوجود منذ ثلاثة آلاف عام. ويستمد هذا الشعب وجوده من ميثاقـه مع الخالق وهـو ميثاق دائم لا يمكن فهـمه. وحسـب هذا الميثاق، يلتزم كل اليهود بالتوراة وتعاليمها التي يقوم الحاخامات بتفسيرها كلٌّ في جيله. ورغم أن عقائد اليهود تشير إلى أنهم "شعب الله المختار"، إلا أن الهدف من هذا الاختيار ـ حسب أحد التفسيرات الدينية ـ ليس تمكين اليهود من السيطرة على العالم وإنما العكس، فقد اصطفى الإله اليهود ليقوموا على خدمته في الدنيا، وهم بهـذه الطـريقة يقومـون على خـدمة الجـنس البشري بأسره. وقد تم اختيار اليهود لا لأنهم شعب متعجرف أو جماعة منتصرة، وإنما لأنهم أكثر الناس تواضعاً وسلاماً. بل إن الاختيار يفرض على اليهود واجبات أكثر مما يمنحهم من حقوق. فترى الشريعة اليهودية أن هناك سبعة قوانين أساسية ملزمة لكل البشر كي يصبحوا بشراً (شريعة نوح)، وهناك عشرة قوانين (الوصايا العشر) ملزمة لأتباع الديانات التوحيدية (الإسلام والمسيحية)، ولكن اليهودي وحده عليه الالتزام بالأوامر والنواهي (متسفوت)، وهذه القوانين ملزمة لكل منْ وُلد لأم يهودية أو اعتنق اليهودية.

انطلاقاً من هذا الإيمان بإنسانية مشتركة وخصوصية دينية مستقلة يؤكد أعضاء جمعية نواطير المدينة أن اليهودية تبغض سفك الدماء بل تنادي بتحاشي ذلك بأي ثمن. بل يؤكدون أن العقيدة اليهودية تحض اليهودي على عدم المشاركة في السلطة الدنيوية وعلى رَفْض حمل السلاح. فعلى اليهود أن يتركوا مثل هذه الأمور للدولة التي يعيشون في كنفها. وهم يشيرون إلى واقعة يوحنان بن زكاي، الحاخام اليهودي مؤسس حلقة يفنه التلمودية الذي آثر أن يستسلم للرومان أثناء حصارهم للقـدس على أن يقـاومهم. وكان بذلك يهـدف إلى إنقاذ اليهودية، ولم يكترث من قريب أو بعيد بالدولة اليهودية. وحسب رأي أعضاء جماعة الناطوري كارتا، يعود الاستمرار اليهودي إلى الإصرار على أن اليهودية عقيدة دينية وليست حركة قومية. وتشير أدبيات الجماعة إلى الصراع الذي نشب بين الأنبياء والدولة العبرية، وخصوصاً أثناء حصار البابليين للقدس، إذ كان النبي إرميا يحرض على الاستسلام والتخلي عن السلطة السياسية حتى يمكن إنقاذ الهيكل من الخراب، فألقته السلطة السياسية في السجن. وبعد السبي إلى بابل طلـب إرميا من اليهود أن يعـبِّروا عن ولائهم للدولة التي يعيـشون في كنفها.

على العكس من هذا يرى الصهاينة أن اليهود إن هم إلا شعب مثل كل الشعوب يجب أن يحملوا السلاح ويلجأوا للعنف حتى يستعيدوا احترامهم لأنفسهم واعتزازهم بها، وأن يكون عندهم جيوش وبحرية وطيران وعلم خاص بهم، كما يؤمن الصهاينة بأن اليهود يجب ألا يخضعوا إلا للقانون العلماني، أما القانون الديني فيجب أن يطويه النسيان. بل إن الصهاينة ينكرون الطبيعة المقدَّسة للتوراة وينظرون إليها (وإلى الكتب الدينية اليهودية الأخرى) باعتبارها نوعاً من أنواع الفولكلور الذي يجب الحفاظ عليه باعتباره فلكلوراً وحسب.

وتتحول فكرة الاختيار الديني عند الصهانية إلى أفكار عنصرية سياسية، فيصير العنصر اليهودي عنصراً متفوقاً، ويمنح هذا التفوق اليهود حقوقاً معينة تَجبُّ حقوق الآخرين، ولذا يصبح من حقهم الاستيلاء على فلسطين وطرد العرب. وبدلاً من أن يخضع اليهودي لقوانين ديانته، فإن عليه أن يخضع للقوانين العلمانية السائدة بغض النظر عن اتفاقها مع القوانين الأخلاقية أو عدم اتفاقها.

وإذا كان نواطير المدينة يرون أن اليهودي يكتسب هويته من خلال أداء الشعائر الدينية، فإن الصهاينة يرون أن الإنسان من الممكن أن يبقى يهودياً بشكل عام حتى لو لم يمارس أياً من هذه الشعائر مثل الامتناع عن العمل يوم السبت أو الالتزام بقوانين الطعام (مثل عدم أكل لحم الخنزير) أو اتباع التشريعات الخاصة بالزواج، بل حتى إن أنكر وجود الإله. واليهودي الخيِّر لم يَعُد هو اليهودي التَقي الذي يتبع تعاليم دينه وينفذها وإنما هو اليهودي الذي يدفع بسخاء للدولة الصهيونية. وليس هناك ما يبعث على الدهشة من هذا الوضع فمؤسسو الحركة الصهيونية رفضوا الدين اليهودي ولم يلتزموا قط بتعاليمه أو قيمه الأخلاقية. وإذا كان المتدينون ينظرون إلى اللغة العبرية باعتبارها لغة دينية يَحرُم استخدامها في الشئون الدنيوية، فإن الصهاينة جعلوها لغة الحديث اليومية في المُستوطَن الصهيوني ثم جعلوها اللغة الرسمية للدولة.

وفيما يخص علاقة اليهودي بأرض الميعاد، يؤكد نواطير المدينة أن اليهـودي المتدين يتجـه بعواطفه وقلبه لهـذه الأرض (صهيون، أو إرتس يسرائيل، أو أرض الميعاد المقدَّسة) وخصوصاً مدينة القدس، فهم يذكرونها في صلواتهم عدة مرات كل يوم. ولقد تلا اليهود هذه الصلوات آلاف السنين، ولكن هذه الصلوات لا علاقة لها بالصهيونية أو بفكرة العودة الصهيونية. فنفي اليهودي من أرض الميعاد هو من الأوامر الربانية التي لا يمكن مخالفتها أو التمرد عليها، ولذا لا يملك اليهودي المتدين إلا أن يستمر في صلواته إلى أن يستجيب الإله لدعائه ويأمر بعودة اليهود.

فالماشيَّح المُنتظَر هو وحده القادر على إقامة الدولة، وحين يعود سيؤسس مملكة الكهنة والقديسين. أما الصهاينة فهم يحاولون التعجيل بالنهاية (دوحيكات هاكتس) ويدعون إلى العودة بقوة السلاح دون انتظار مشيئة الإله. ولذا، فدولة إسرائيل في نظر نواطير المدينة ثمرة الغطرسة الآثمة لأنها قامت على يد نفر من الكافرين الذين تمردوا على مشيئة الإله، وهي خيانة للشعب اليهودي الذي تأسَّس كجماعة دينية في سيناء (لا في أرض الميعاد). لكل هذه الأسباب يرفض نواطير المدينة دولة إسرائيل وكل مؤسساتها، بل يرفضون زيارة الحائط الغربي (حائط المبكى) لأن القدس تم فتحها بالقوة.

وتدَّعي الصهيونية أنها تحمي أمن اليهود بعد أن تعرَّضوا للإرهاب في الشتات آلاف السنين، وأنها بعثت الروح العسكرية في اليهود مرة أخرى لهذا السبب. وتبين أدبيات الناطوري كارتا أن عدد اليهود الذين قُتلوا في الأعوام القليلة الماضية ـ في حروب إسرائيل ـ يفوق كثيراً عدد اليهود الذين قُتلوا في أي مكان آخر. إن أمن اليهود يكمن في إمكانية تَصالُحهم مع الدول التي يعيشون بين ظهرانيها (كما قال النبي إرميا منذ أكثر من 2500 سنة)، ولهذا فإن تصوُّر أن الدولة الصهيونية ذات الجيوش الصهيونية يمكنها أن تحمي اليهود هو تصوُّر خاطئ من أساسه. بل إن الجيتو الصهيوني الكبير يحتاج إلى دعم يهود المنفى لحماية أمنه أكثر من احتياج يهود المنفى إليه.

وتذهب أدبيات نواطير المدينة إلى أكثر من هذا، إذ يوجهون الاتهام للحركة الصهيونية بأنها حركة معادية لليهود، فالدولة الصهيونية تدَّعي أنها دولة كل اليهود، وأن اليهودي يتوجه بولائه للدولة اليهـودية وحـدها وليس للدولة التي يعيش فيها، وبالتالي فهي تخلق لليهود مشكلة ازدواج الولاء وتدعم الاتهامات المعادية لليهود. ولأن الصهيونية تزدهر بازدهار معاداة اليهود، فهي تُروِّج لها. بل إن الصهيونية تحاول أن تُقوِّض وضع اليهود أينما وُجدوا حتى تضطرهم للهجرة إلى إسرائيل. ومن الحقائق غير المعروفة التي يحاول نواطير المدينة تعريف الناس بها أن الصهاينة تعاونوا مع النازيين حتى يقضوا على يهود شرق أوربا باعتبار أن جماهير شرق أوربا اليهودية كانت القاعدة العريضة التي يستند إليها الرفض الديني للصهيونية، ووجود مثل هذا الرفض على مستوى جماهيري واسع كان سيسحب من الصهيونية أية شرعية.

وقد نجحت جماعة نواطير المدينة في الإفلات من براثن الصهيونية لأنها غلَّبت الطبقة التوحيدية داخل العقيدة اليهودية على الطبقة الحلولية التخصيصية الوثنية التي تجعل اليهود وحدهم مركز اهتمام الإله، وتمسكت بالحل الحاخامي لمشكلة الحلول.

1 ـ فعلى سبيل المثال، فصلت اليهودية الحاخامية العقيدة اليهودية عن الأرض المقدَّسـة، وهو ما يعني عـدم حـلول الإله في أرض بعينها، فهو مفارق للعالم.

2 ـ تمسكت اليهودية الحاخامية بمسألة أن اختيار اليهود أمر منوط بتنفيذهم الشريعة، وهو ما يعني أن الذات اليهودية لم تَعُد مقدَّسة من خلال الوراثة (وهو أمر مألوف في الأنساق الحلولية). وإنما تُكتَسب القداسة من خلال ما يقوم به اليهودي من أفعال أخلاقية.

3 ـ جعلت اليهودية الحاخامية العودة (وتأسيس الدولة) مسألة منوطة بالأمر الإلهي ولا دخل للبشر فيها.

وقد أصر نواطير المدينة على هذه العناصر كلها، وهو ما يعني أنهم يؤمنون بفصل الخالق عن المخلوق، كما أكدوا عنصر الإنسانية المشتركة بين اليهود والأغيار، وهو عنصر موجود في التلمود وإن كانت بعض التفسيرات تتعمد إغفاله. وتمسُّك نواطير المدينة بالطبقة التوحيـدية هو الذي عصمهم من السـقوط في الوثنية الصهـيونية العلمانية، أي الترجمة الحديثة للطبقة الحلولية التقليدية.

وجماعة نواطير المدينة جماعة دولية تضم اليهود المتدينين في الولايات المتحدة وفي كل أنحاء العالم الذين يعارضون الصهيونية ودولتها. وكانت الجماعة جزءاً من حركة أجودات إسرائيل الأرثوذكسية التي قامت عام 1912 في شرق أوربا محاولةً تجميع اليهود الأرثوذكس من أجل معارضة الاتجاهات العلمانية خصوصاً الصهيونية. وبعد صدور وعد بلفور قدمت أجودات إسرائيل احتجاجاً إلى عصبة الأمم ضد الهيمنة الصهيونية على اليهود في فلسطين، كما أنهم رفضوا الانضمام إلى الفاعد ليومي أو اللجنة القومية (الكيان السياسي الصهيوني الذي كان من المفترض أن يمثل كل يهود فلسطين). وقد حاربت جماعة أجودات إسرائيل الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية بكل ضراوة. وفي عام 1927، طلبت بشكل رسمي من عصبة الأمم أن تبلغ سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين أن يكون لليهود المتدينين الحق في ألا ينضموا لهذه اللجنة وأن يكون لهم كيانهم السياسي المستقل. وقد قُبل طلبهم بشأن عدم الانضمام ورفض الشق الخاص بالاستقلال.

ولكن موقف الأجودات تحـوَّل بالتـدريج إلى المصـالحة مع الصهيونية، وانتهى بهم الأمر إلى مناصرتها والاندماج فيها. وقد تم هذا عن طريق تعديل متتالية الخلاص، فالمتتالية التقليدية هي: نفي ـ انتظار الماشيَّح ـ عودة الماشيَّح إلى فلسطين في آخر الأيام ـ عودة الشعب تحت قيادته. وقد عُدِّلت المتتالية لتصبح كما يلي: نفي ـ انتظار الماشيَّح ـ عودة مجموعة من اليهود للاستيطان في فلسطين للإعداد لعودة الماشيَّح ـ عودة الماشيَّح في آخر الأيام ـ عودة الشعب تحت قيادته.

وبدأت أجودات إسرائيل تتحدث عن وعد بلفور (بل عن الانتداب البريطاني) باعتبار أنه من وحي الوعد الإلهي لليهود ثم اعترفت بشرعية العمل الصهيوني وقامت بجمع التبرعات لصالح المنظمات العسكرية الاستيطانية الصهيونية مثل الهاجاناه (وفيما بعد شارك ممثلو أجودات إسرائيل في أولى حكومات المُستوطَن الصهيوني).

وبسبب هذه المواقف الموالية للصهيونية، انشق عن حركة أجودات إسرائيل بعض الأعضاء الذين قَدموا إلى فلسطين عام 1935 وافدين من ألمانيا وبولندا، وشكَّلوا تَكتُّل حيفرات حاييم الذي أصبح فيما بعد يُدعَى «ناطوري كارتا». ومن المعضلات الجوهرية التي يواجهها نواطير المدينة أنهم يعارضون فكرة التنظيم نفسها، فهم يرون أنفسهم جماعة دينية، وبالتالي فهم ينظرون إلى فكرة التنظيم السياسي باعتبارها فكرة غريبة بل معادية لهم (على عكس الصهاينة الذين قاموا من البداية بتنظيم أنفسهم تنظيماً دقيقاً واستغلوا الضغوط الدولية والمناورات السياسية خير استغلال). ومع هذا، بدأت الجماعة في نهاية الأمر نشاطها فاتهمت حركة أجودات إسرائيل بأنها، مثل حركة المزراحي (الصهيونية الدينية)، تمالئ الصهيونية. وأصدرت (منذ عام 1944) صحيفتها الخاصة وأخذت تشكل مجتمعها الخاص المستقل عن الكيان الصهيوني والقائم على التدين والزهد من جهة، والقطيعة مع المُستوطَن الصهيوني من جهة أخرى.

ولنواطير المدينة نمط حياتهم الاجتماعي والاقتصادي الخاص. ونسـاء نواطير المدينـة زاهـدات في الملبـس والمظهر الخارجي والمساحيق، وهن لا يتبرجن ويلبسن الملابس البسيطة (فهن يكتفين بالطهارة الروحية، على حد قول الحاخام هيرش ـ سكرتير عام الجمعية) كما يكرسن حياتهن لأسرهن. أما الرجل، فإنه يدرس التوراة والتلمود ويرعى أسرته ويمارس الحرف المتاحة له. ويرتدي رجال نواطير المدينة القمصان البيضاء بدون أربطة العنق والمعاطف السوداء والقبعات ذات الحواف العريضة (التي كانت شائعة في شرق أوربا) ولا يشذبون لحاهم أو سوالفهم الطويلة. وتتقيد الجماعة ككل بأسلوب الحياة بين يهود اليديشية في بولندا وروسيا. والحي الذي يقطنون فيه في القدس هو حي مائة شعاريم (المائة بوابة). أما في تل أبيب، فهم يوجدون في حي بناي براك، وفي نيويورك يتركزون في بروكلين في حي وليامز برج. وغداة إعـلان قـيام إســرائيل عام 1948، قامت الجمعية بإرسال رفضها قيام الدولة إلى الأمم المتحدة. وخلال معركة القدس، دعت الجمعية إلى هدنة وإلى تدويل القدس حتى يتم فصلها عن الكيان الصهيوني. وبلغ الأمر ببعض أعضائها أن أعلنوا صراحةً رغبتهم في العيش تحت الحكم الأردني. وقد أرسل الحاخام هيرش برقية إلى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة يطلب بموجبها أن تعلن الأمم المتحدة أن حي المائة شعاريم إمارة مستقلة على غرار إمارة موناكو.

ولا تعترف جماعة نواطير المدينة بالدولة الصهيونية حتى الوقت الحاضر، ويقوم أعضاؤها بتنكيس الأعلام والصيام في يوم إعلان تأسيس الدولة الصهيونية. وهم ينظمون المظاهرات والاحتجاجات السياسية ضدها. وتتبنَّى جماعة ناطوري كارتا موقفاً إيجابياً من منظمة التحرير الفلسطينية ومن حقوق العرب في فلسطين وتعلن أن أعضاءها على استعداد لأن يعيشوا كأقلية دينية تحت حكم حكومة فلسطينية تضمن حقوقهم السياسية. وتتعرض الجماعة ـ كما هو متوقع ـ لمضايقات كثيرة ومتواصلة من السلطات الصهيونية حيث تقوم الشرطة الإسرائيلية بين الفينة والأخرى بمداهمة حي المائة شعاريم (بكلابها وهراواتها) لاعتقال بعض أعضاء الجماعة وخرق حرمات منازلهم، هذا بالإضافة إلى أن الحكومة الصهيونية تحاول تقليص حدود الحي بقصد خَنْقه وحَصْر خطره.

وقد بدأت جماعة الناطوري كارتا في الآونة الأخيرة في إعادة تنظيم نفسها وزيادة نشاطها وتكثيفه، كما بدأت تتعامل مع وسائل الإعلام والمنظمات الدولية المختلفة بشكل أكثر كفاءة، فأصبح لها مراقب في هيئة الأمم المتحدة. وقد قامت بدور فعال أثناء مناقشة قرار هيئة الأمم الخاص باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، كما أنها تقوم الآن بدور تربوي واسع في صفوف اليهود وغير اليهود. وهي تدعو لإسقاط دولة إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية في كل الأراضي الفلسطينية وتدويل القدس. ولجمعية نواطير المدينة مجلس إداري يتكون من سبعة رجال لهم القرار في إدارة شئون الجماعة في الحياة الدنيوية والدينية. ويبلغ عدد أعضاء الجمعية حوالي 60 ألفاً، وأكبر تَجمُّع لهم في بروكلين في نيويورك، كما توجد جماعات صغيرة في لندن وأنتويرب ومونتريال وفي القدس.

بريــرا
Breira
«بريرا» كلمة عبرية تعني «الاختيار»، و«بريرا» جماعة يهودية أمريكية تحاول التملص من الصهيونية، أطلقت على نفسها هذا الاسم للرد على الشعار الإسرائيلي «إين بريرا ein briera» (أي «لا اختيار»). وقد ازدهرت هذه الجمعية في منتصف السبعينيات. وكانت تضم في صفوفها تحالفاً بين اليهود المتدينين (محافظين وإصلاحيين وأرثوذكس) واليهود غير المتدينين. ورغم أن أعضاء بريرا كانوا يسمون أنفسهم صهاينة، ويتبنون كثيراً من المواقف الصهيونية، ويؤكدون حق إسرائيل في البقاء، إلا أن الصهيونية التي كانوا يؤمنون بها كانت صهيونية توطينية مخففة (صهيونية الإحسان والإنقاذ والحفاظ على الهوية اليهودية أينما وُجدت) تؤمن بمركزية الدياسبورا (الجماعات اليهودية في العالم) في الولايات المتحدة وغيرها من الدول. وهم، لهذا السبب، كانوا يحاولون الحفاظ على مسافة بينهم وبين الدولة الصهيونية ليضمنوا استقلالهم الثقافي. كما أنها كانت صهيونية دخلت عليها قيم دينية وأخلاقية جعلت من المستحيل على أعضاء بريرا تَقبُّل سياسات إسرائيل دون تساؤل. وقد كان أعضاء هذه الجمعية يشجعون الاتجاهات المعتدلة داخل إسرائيل وينشئون علاقات مع من يُطلَق عليهم «الحمائم»، كما أنهم كانوا يؤيدون حق تقرير المصير للفلسطينين. ولكل هذا، لم تكن المؤسسة الصهيونية سعيدة بوجود هذه المنظمة، بل قضت عليها في نهاية الأمر.

 

  • الاثنين AM 12:57
    2021-05-10
  • 1176
Powered by: GateGold