المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412665
يتصفح الموقع حاليا : 319

البحث

البحث

عرض المادة

العداء الصهيوني لليهود

العداء الصهيوني لليهود
Zionist Anti-Semitism
الصهيونية، شأنها شأن العداء لليهودية، هي إحدى تجليات الرؤية المعرفية العلمانية الشاملة، وقد تبلورت الأفكار الصهيونية والمعادية لليهود في أوربا في القرن التاسع عشر، وهي الحقبة التاريخية التي تبلورت فيها النظرية العرْقية الغربية الخاصة بالتفاوت بين الناس بسبب الاختلاف بينهم في خصائصهم التشريحية والعرْقية والإثنية ومن ثم نجد أن الرؤية الكامنة في كل من الصهيونية ومعاداة اليهود واحدة. وأن كثيراً من مقولات الصهيونية هي مقولات عرْقية معادية لليهود.


ويرى الصهاينة أن معاداة اليهود ظاهرة طبيعية ورد فعل طبيعي وحتمي لوجود اليهود كجسم غريب في المجتمعات المضيفة. وقد نشأت صداقة عميقة بين حاييم وايزمان وريتشارد كروسمان (الزعيم العمالي البريطاني) حين اعترف هذا الأخير بأنه "معاد لليهود بالطبع". وقد كان تعليق وايزمان على ذلك: لو قال كروسمان غير ذلك فإنه يكون إما كاذباً على نفسه أو كاذباً على الآخرين. وقد وصف المفكر الصهيوني جيكوب كلاتزكين العداء لليهود بأنه دفاع مشروع عن الذات. وقد ميَّز هرتزل بين العداء الحديث لليهود وبين التعصب الديني القديم، ووصف هذا العداء الحديث بأنه "حركة بين الشعوب المتحضرة" تحاول من خلالها التخلص من شبح يطاردها من ماضيها. بل يرى الصهاينة أن هذه المعاداة هي أحد ثوابت النفس البشرية، فهي تشبه المطلق الأفلاطوني أو المرض المستعصي. وقد عبَّر شامير عن معاداة البولنديين لليهود، فأشار إلى أنهم يرضعونها مع لبن أمهاتهم. ويعادل شامير بذلك بين الفعل الأخلاقي والفعل الغريزي البـيولوجي، وهـو ما يبين أنه يدور في إطار الحلولية بدون إله، وهذا ما يفعله أيضاً نوردو ووايزمان وهتلر. فقد وصف وايزمان معاداة اليهود بأنها مثل البكتيريا التي قد تكون ساكنة أحياناً، ولكنها حينما تسنح لها الفرصة فإنها تعود إليها الحياة، وهكذا لا يميِّز الصهاينة بين الأشكال المختلفة لمعادة اليهود وإنما يرونها كلاًّ عضوياً واحداً يتكرر في كل زمان ومكان، كما يرون عدم جدوى الحرب ضد هـذه الظاهـرة باعتبارها أحـد الثوابت وإحدى الحتميات.

والموقف الصهيوني من اليهود، كما أسلفنا، لا يختلف في أساسياته عن موقف المعادين لليهود:

1 ـ فكلا الموقفين يَصدُر عن الإيمان بأن اليهود شعب عضوي له عبقريته الخاصة وأن ثمة جوهراً يهودياً هو الذي يميز اليهودي عن غيره من البشر، وأن هذا الجوهر لا يتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان، فاليهود دائماً يهود. ومن هنا، فإن تَصرُّف اليهودي كالأغيار هو تَصرُّف مصطنع لا يعبِّر عن اندماجه في مجتمعه وتمثُّـله قيمه وإنما يعبِّر عن ازدواجية في الذات. ومهما يكن ما يبديه اليهودي من ولاء لوطنه، فهو ولاء مشكوك فيه. ومن هنا يحارب الصهاينة وأعداء اليهود ضد اندماج أعضاء الجماعات اليهودية في مجتمعاتهم. وقد نادى الصهاينة بضرورة رفض "سم الاندماج" أو "الهولوكوست الصامت". وكذلك، فإن المعادين لليهود يرون أن اليهودي المندمج يقلد الأغيار كالببغاء، فهو شخصية خطرة غير أصيلة تهدد نسيج المجتمع، وهو خطر حتى دون أن يدري. ولهذا كان النازيون يتعاملون مع الصهاينة فقط لإصرارهم على هويتهم اليهودية.

2 ـ يرى الفريقان أن اليهود شعب عضوي لا يمكن أن يهدأ له بال إلا بأن يستـقر في الأرض التـي يرتبط بـها بربـاط أزلي عضوي. ومن هنا، يرفض المعادون لليهود، وكذلك الصهاينة، الكفاح من أجل إعطاء اليهود حقوقـهم السياسـية والمدنية الكاملـة في أوطانهـم، وبالتــالي فلابد من "هجـرة" اليهود إلى فلسـطين أو "طـردهم" إليها. ومهما كان المصطلح أو المسوغ، فإن الحركة المثلى المقترحة واحدة، وهي نقل اليهود من أوطانهم الفعلية إلى وطنهم القومي العضوي الوهمي. والواقع أن فكرة «الشعب العضوي» تحوي أيضاً فكرة «الشعب العضوي المنبوذ»، وهي أساس تحالف الصهاينة والمعادين لليهود فكلاهما يهدف إلى إخلاء أوربا منهم.

3 ـ إذا كان اليهود يشكلون في رأي الصهاينة، كلاًّ عضوياً يعبَّر عنه في الإنجليزية بكلمة «جوري Jewry»، فإنهم مترابطون ترابطاً عضوياً لا فرق فيه بين الكل والجزء. ولذا، يتحدث الصهاينة عن «العبقرية اليهودية» باعتبارها تعبير الجزء عن الكل. وهم أيضاً يرون أن الهجوم على أية جماعة يهودية هو هجوم على الشعب اليهودي بأسره، بغض النظر عن الظروف التاريخية. ويتبنى أعداء اليهود النظرة نفسها، فهم يرون تماثل الجزء والكل، وحينما يرتكب مجموعة من اليهود جرماً معيناً أو ينتشر بينهم الفسـاد، فإن هذا يَصلُح أساسـاً للتعمـيم على كل اليهود. وفي الواقع، فإن الحديث عن جرائم اليهود يشبه تماماً الحديث عن عبقريتهم.

4 ـ تبنَّى الصهاينة كثيراً من مقولات المعادين لليهود في الغرب، وكثيراً من صورهم الإدراكية النمطية، وتزخر الكتابات الصهيونية بالحديث عن الشخصية اليهودية المريضة غير الطبيعية والهامشية وغير المنتجة التي لا تجيد إلا العمل في التجارة. بل إن ماكس نوردو، ومن بعده هتلر، طبَّق الصورة المجازية العضوية لا على معاداة اليهود بل على اليهود أنفسهم، فقد شبههم بالكائنات العضوية الدقيقـة التي تظـل غير مؤذية على الإطـلاق طـالما أنها في الهواء الطلق، لكنها تُسبِّب أفظع الأمراض إذا حُرمت من الأكسجين، ثم يستطرد هذا العالم العنصري ليحذر الحكومات والشعوب من أن اليهود يمكن أن يصبحوا مصدراً لمثل هذا الخطر. وقد ذكر يهودا جوردون أن تفوُّق اليهودي المستنير يكمن في أنه يعترف بالحقيقة، أي يَقْبل اتهامات المعادين لليهود. وقد قال برنر: " إن مهمتنا الآن هي أن نعترف بوضاعتنا منذ بدء التاريخ حتى يومنا هذا " فاليهود شعب نصف ميت يعيش بقيم السوق، لا يمانع في حياة كحياة النمل أو الكلاب، مصاب بطاعون التجول " ـ ويمكن أن نجد عبارات مماثلة أو أكثر قسوة في الأدبيات الصهيونية. ومن هنا، يؤمن الصهاينة بضرورة تطبيع الشخصية اليهودية حتى تتفق مع نمط الشخصية غير اليهودية الطبيعية السوية.

5 ـ لا يقل عداء الصهاينة لليهودية عن عدائهم لليهود، فقد رفضوا العقيدة اليهودية وحاولوا علمنتها من الداخل (انظر: «الرفض الصهيوني لليهودية»)

ومع هذا، يرى بعض الصهاينة أن معاداة اليهود بين الأغيار هي وحدها التي أدَّت إلى بقاء الشعب اليهودي، أي أن عضوية الشعب أو مصدر تماسكه العضوي ليس شيئاً جوانياً (الهوية اليهودية ـ التراث اليهودي) وإنما شيء براني: عداء اليهود. ولكل هذا، فإن الصهاينة يعتبرون أعداء اليهود حلفاء طبيعيين لهم وقوة إيجابية في نضالهم «القومي» لتهجير اليهود من أوطانهم. ولذا، كان تيودور هرتزل على استعداد للتعاون مع فون بليفيه وزير الداخلية الروسي، كما تحالف فلاديمير جابوتنسكي مع الزعيم الأوكراني بتليورا الذي ذبحت قواته آلاف اليهود بين عامي 1918 و1921، وتعاون الصهاينة مع النازيين داخل ألمانيا وخارجها. ويتحالف الصهاينة في الوقت الحالي مع الجماعات الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة والمعروفة بعدائها العميق لليهود. بل إن المؤسسة الصهيونية تستخدم أحياناً وسائل المعادين لليهود لحَمْل اليهود على الهجرة، كما حدث في العراق عام 1951 حين ألقـى العمـلاء الصهاينة بالقنابل على المعـبد اليهـودي في بغداد. وعلى كلٍّ، فقد صرح كلاتزكين بقوله: "إنه بدلاً من إقامة جمعيات لمناهضة المعادين لليهود الذين يريدون الانتقاص من حقوقنا، يجدر بنا أن نقيم جمعيات لمناهضة أصدقائنا الراغبين في الدفاع عن حقوقنا".

وقد استمرت ظاهرة معاداة الصهيونية لليهود بعد تأسيس الدولة الصهيونية، بل يُلاحَظ أنها ازدادت حدةً وتبلوراً بين أعضاء جيل الصابرا (أي أبناء المستوطنين الصهاينة المولودين في فلسطين). فهؤلاء ينظرون إلى «يهود المنفى» (أي يهود العالم) من خلال مقولات معاداة اليهودية وصورها النمطية. ويزخر الأدب الإسرائيلي بأعمال أدبية تَصدُر عن رفض ثقافي وأخلاقي بل وعرْقي عميق ليهود الخارج.

ومع هذا، يمكن القول بأن الصهاينة، بجميع اتجاهاتهم، قد أساءوا تقدير مقدار قوة معاداة اليهود ومدى استمرارها. إذ تصوُّروا أن عداء اليهود سيستمر في التفاقم حتى يضطر كل يهود العالم أو معظمـهم للهجرة إلى فلسـطين. وغني عن القـول أن هـذه النبوءة لم تتحقق، ولا يوجد احتمال لتحقُّقها في المستقبل القريب. فالأغلبية العظمى من يهود العالم هاجرت إلى الولايات المتحدة ولا تزال متجهة إلى هناك. ولم يتجه اليهود إلى فلسطين إلا في الفترة بين عامي 1930 و1940 حينما كانت كل الأبواب الأخرى موصدة دونهم. أما في الفترة من عام 1950 إلى عام 1960، فقد هاجر يهود البلاد العربية في ظل ظروف خاصة لا علاقة لها بعداء اليهود ولكنها ناجمة بالدرجة الأولى عن التوتر مع الدولة الصهيونية. كما أن هجرتهم إلى الدولة الصهيونية لم تكن بالضرورة نتيجة حركة طرد من المجتمعات العربية بقدر ما كانت حركة جذب من مجتمع آخر يتاح لهم فيه تحقيق قدر أكبر من الحراك الاجتماعي. والواقع أن عداء اليهود ظاهرة آخذة في الاختفاء برغم ادعاءات الصهاينة، وبرغم أوهام بعض أعضاء الجماعات اليهودية. وقد لاحظ أحد المراقبين أنه على الرغم من أن المناصب المهمة كافة متاحة أمام يهود الولايات المتحدة، فإن ما يُقدَّر بنحو ثلث عددهم يجهل هذه الحقيقة وينكرها. وقد علق برنارد أفيشاي على هذا الوضع فذكر أن سارتر قال إنه حينما لا يكـون هـناك يهود فإن أعـداء اليهود يخترعونهم كضرورة ملحة. أما بالنسبة ليهود أمريكا، فقد انقلبت الآية، فحينما لا يوجد أعداء لليهود، فإن اليهود يخترعونهم كضرورة ملحة أيضاً. ولعل أكبر دليل على ضمور ظاهرة معاداة اليهود، ارتفاع معدلات الزواج المُختلَط والاندماج بين أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة وروسيا السوفيتية وأمريكا اللاتينية وكندا وجنوب أفريقيا وإنجلترا وفرنسا، أي في أية بقعة من العالم يوجد فيها يهود.

أما بوروخوف، مؤسس الصهيونية العمالية، فقد تنبأ بأن المهاجرين اليهود إلى الولايات المتحدة سيمرون بالتجربة نفسها التي مروا بها في المجتمعات الأوربية إذ سيتركزون على قمة الهرم الإنتاجي، وبالتالي سيصبحون مرة أخرى محط كراهية الجماهير وقد يتم طردهم. ورغم أن اليهود تركزوا في الولايات المتحدة، في قمة الهرم الإنتاجي، فلم ينجم عن ذلك أية معاداة لليهود وذلك بسبب الطبيعة الطبقية والسياسية للمجتمع الأمريكي الذي يَتقبَّل بناؤه أية عناصر بشرية جديدة طالما ثبت نفعها وقدرتها على الإسهام في الإنتاج. وقد تغيَّرت طبيعة الهرم الإنتاجي نفسه في الولايات المتحدة بحيث لا توجد سوى نسبة ضئيلة من العمالة في الزراعة، كما أن الصناعة نفسها قد تحولت بحيث أصبحت تتطلب مهارات هندسية عالية وتجعل العاملين فيها مختلفين تماماً عن أعضاء الطبقة العاملة التي تتركز في قاعدة الهرم التقليدي. ويُلاحَظ كذلك أن حجم الخدمات الاقتصادية أصبح ضخماً، الأمر الذي يعني أن قاعدة الهرم ليست بالضرورة أكثر أهمية من قمته أو أكثر ضخامة منها.

أما آحاد هعام، مؤسس الصهيونية الثقافية، فقد تنبأ بأن الدولة الصهيونية ستشكل مركزاً يساعد اليهود على الاحتفاظ بهويتهم أمام هجمات أعداء اليهود وإغراء الاندماج. ولكن ها هو ذا المركز قد تأسَّس وليست له علاقة كبيرة بيهود العالم. فيهود الولايات المتحدة يصوغون هويتهم ويتمتعون بحياتهم الاستهلاكية العلمانية دون الرجوع إلى الدولة الصهيونية العبرية. وقد ادعت الصهيونية ككل أنها ستؤسس دولة تحمي أعضاء الجماعات اليهودية ضد هجمات أعداء اليهود، ولكن ثبت أنها عاجزة عن ذلك تماماً. وحينما اقتربت قوات روميل من الإسكندرية، لم يفكر أعضاء المُستوطَن الصهيوني آنذاك في كيفية حماية يهود الإسكندرية، وإنما فكروا في الانتحار. والدولة الصهيونية لا يمكنها في الوقت الحاضر حماية يهود كومنولث الدول المستقلة (الاتحاد السوفيتي سابقاً). وفي 8 سبتمبر 1988، صرح شامير بأن إسرائيل لا يمكنها أن تحارب العالم بأسره، وقارن بين الشيوعية العالمية والصهيونية العالمية قائلاً: إن الاتحاد السوفيتي ركز جل قواه على بناء الدولة الاشتراكية، ولم يهتم ببناء الاشتراكية في العالم بالدرجة نفسها، وقد كان يفضل دائماً مصلحة الدولة السوفيتية على مستقبل الحركة الشيوعية في العالم. وهـو يرى أن الدولة الصهـيونية ستـحارب ضـد مـعاداة اليهود، ولكنها لن تصبح القوة العظمى في تلك الحرب التي ستقوم بهـا المنظمات اليــهودية "فنحن بلد صغير" على حد قوله. ومع ذلك، فإن من الضروري أن نضيف أن الدولة الصهيونية تزيد من حدة ظاهرة عداء اليهود بسبب لجوئها إلى العنف والإرهاب في تصفية حساباتها. ولا شك في أن مشاعر الاستياء نحو اليهود ستتزايد بعد الانتفاضة، وبعد عمليات القمع الرهيبة التي تقوم بها الدولة التي تُسمِّي نفسها «يهودية»، وخصوصاً أن أعداداً كبيرة منهم قد قرنوا أنفسهم بهذه الدولة وتوحدوا بها منذ عام 1967.

  • الاثنين AM 12:42
    2021-05-10
  • 909
Powered by: GateGold