المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413154
يتصفح الموقع حاليا : 277

البحث

البحث

عرض المادة

الصهيونية العمالية

الصهيونية الاشتراكية
Socialist Zionism
«الصهيونية الاشتراكية» اصطلاح مرادف لاصطلاح «الصهيونية العمالية». وقد أخذنا بالمصطلح الثاني لأنه أكثر حياداً. وقد أثبتت ممارسات الصهاينة العماليين أن انتماءهم الاشتراكي مجرد وهم، فقد قاموا باحتلال الأرض الفلسطينية وطردوا بعض أهلها بالتعاون مع قوى الاستعمار، ويُشكِّلون الآن الصفوة الحاكمة في إسرائيل، قاعدة الاستعمار الغربي في المنطقة العربية.


أما اصطلاح «الصهيونية العمالية» فهو على الأقل يصف الانتماء الطبقي الفعلي لبعض قطاعات المستوطنين الصهاينة، كما أن كلمة «عمالي» لا تزال تُستخدَم للإشارة إلى مجموعة من الأحزاب الإسرائيلية.

الصهيونية العمالية
Labour Zionism
«الصهيونية العمالية» تيار صهيوني يَقْبل الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة بعد تهويدها وإدخال ديباجات اشتراكية عليها، وهو تيار استيطاني بالدرجة الأولى. وقد نشأت الصهيونية العمالية في صفوف المثقفين اليهود في شرق أوربا ممن سقطوا ضحية تعثُّر التحديث في روسيا. ويتلخص إنجاز الصهيونية العمالية فيما يأتي:


أولاً: نجاحها في التوصُّل إلى صيغة صهيونية مقبولة لدى الشباب اليهودي الثوري في أواخر القرن التاسع عشر. فقد شهد الشتتل ومنطقة الاستيطان اليهودي صراعاً طبقياً حاداً بين العمال والفقراء اليهود من جهة وأصحاب العمل (اليهود أساساً) من جهة أخرى. وكان 30% من جملة المقبوض عليهم لجرائم سياسية عام 1900 من اليهود. وكتب وايزمان في خطاب له يشكو من أن شباب اليهود ينخرطون في سلك الاشتراكية وكأن الحمى قد أصابتهم، ولعله كان يشير إلى أخيه الذي انخرط في صفوف الثوريين آنذاك. وقد نظمت اتحادات نقابات العمال اليهودية في الفترة 1895 ـ 1904 ما لا يقل عن 2276 إضراباً ضد أصحاب العمل، وانضم إليهم عمال غير يهود. ومن هنا كانت شعبية البوند وانتشاره.

وقد تَأسَّس البوند في العام نفسه الذي أُسِّست فيه المنظمة الصهيونية (1897). ومع هذا، نجحت الصهيونية العمالية في خداع بعض هؤلاء وأقنعتهم بإمكان تحسين مستواهم المعيشي في فلسطين. وساعد على ذلك وجود إحساس عام بين المستوطنين بأنهم سيصبحون ملاكاً للأرض لا مجرد أُجراء زراعيين أو عمال صناعيين، أي أن الاسـتيطان كان يشـكل صعوداً أكـيداً في السلم الطبقي وليس هبوطاً فيه. بل يمكننا أن نقول إنه لولا الصهيونية العمالية لما قُدِّر للمشروع الصهيوني أي نجاح، فهي التي نقلت جزءاً من الكتلة البشرية اليهودية اليديشية إلى فلسطين.

ثانياً: نجحت الصهيونية العمالية (صهيونية ساحة القتال الاستيطانية) في التوصل إلى صيغة تَحُل إشكالية خصوصية الاستيطان الصهيوني وإحلاليته. وقد اكتشف الصهاينة العماليون أن الصيغة الجماعية (ذات الديباجة الاشتراكية) هي الصيغة المُثلى الكفيلة بتحقيق الاستعمار الصهيوني بجانبيه الاستيطاني والإحلالي. فالدولة الراعية لم يكن لديها استعداد لمد المشروع الصهيوني بما يحتاج إليه من تخطيط شامل وجهد بشري وتمويل كثيف لتوطين المهاجرين من أوربا وتهويد فلسطين سكانياً. والمادة البشرية المهاجرة من شرق أوربا لم تكن تملك رأس المال اللازم. ومن هنا، كان الشكل الجماعي (التعاوني الاشتراكي) حيث تقوم المنظمة الصهيونية والصهاينة التوطينيون في الخارج بجمع رأس المال القومي اللازم من أعضاء الجماعات اليهودية (ولا سيما الأثرياء) في الغرب، ثم تقوم بإعطائه للوكالة اليهودية في الداخل، التي تقوم بتوظيفه بشكل تعاوني على أرض مملوكة ملكية جماعية. ويقوم العنصر البشري الدخيل بتنظيم نفسه على هيئة وحدات جماعية تمارس الزراعة والقتال لأن المجهود الفردي لا يمكن أن يُكتَب له النجاح (وهو أمر اكتشفه المستوطنون البيض الأوائل في الولايات المتحدة أثناء حرب الإبادة ضد الهنود بدون مساعدة من أي فكر اشتراكي).

أما الشق الإحلالي من الاستعمار الصهيوني، فقد تكفلت به المفاهيم الاشتراكية الخاصة بنُبل العمل اليدوي. وقد نادت الصهيونية العمالية بأن يذهب يهودي المنفى إلى فلسطين ليعمل بنفسه ويزرع أرضها بيديه، فيزيل ما علق بذاته في الشتات، ويكون آخر اليهود وأول العبرانيين (كما قال جوردون). وهكذا، فإن اليهودي إذا استأجر عاملاً عربياً فقد هدم الفكرة الصهيونية من أساسها. ومن هنا طرح جوردون فكرة اقتحام العمل، أي أن يعمل اليهودي بنفسه، ثم اقتحام الأرض، أي أن يزرعها بنفسه، وأخيراً اقتحام الحراسة، أي أن يحرسها بنفسه (وهذا ما نسميه «الزراعة المسلحة»). ورغم أن الديباجات المُستخدَمة ديباجات ثورية شعبوية تتسم بشيء من الجمال والجاذبية، فإنها في واقع الأمر تترجم نفسها إلى إحلالية. فهذه المفاهيم تعني في واقع الأمر تغييب العربي، والاستيلاء على الأرض بعد إخلائها من سكانها العرب مصدر العمالة الرخيصة التي كانت تتهدد المشروع الصهيوني من أساسه، وإحلال المستوطن الصهيوني محله. وبذلك تكون الصهيونية العمالية قد نجحت في التوصل إلى الصيغة التي تسمح بترجمة أهم عناصر الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة (أي توطين الفائض اليهودي في فلسطين بعد التخلص من العرب) إلى برنامج عملي وممارسة فعلية.

ويبدو أن أعضاء البورجوازية اليهودية المندمجة أو شبه المندمجة في الغرب ووسط أوربا (والتي جاء من صفوفها كثير من زعماء الصهيونية السياسية مثل هرتزل ونوردو) كانوا واعين بحقائق الموقف وبصعوبات الاستيطان. كما أنهم لم يكن يعنيهم، من قريب أو بعيد، شكل الدولة الصهيونية ما دامت تؤدي الأغراض المطلوبة منها مثل إبعاد يهود شرق أوربا عنهم والقيام بدور المدافع عن المصالح الإمبريالية. ولذلك، لم تمانع هذه القيادات البورجوازية في اتخاذ قرارات «اشتراكية» ثورية عديدة. فالنقطة الأولى في برنامج بازل تدعو إلى توطين اليهود في فلسطين بالوسائل اللازمة دون تأكيد أي محتوى طبقي أو نمط إنتاجي معيَّن. وبمرور الزمن، اكتشف جميع الصهاينة بشكل برجماتي أن الاستيطان الجماعي والعمالي هو أهم أشكال الاستيطان، فعملية تمويل المشروع الصهيوني كان لابد أن تتم بشكل جماعي أو قومي، كما أن المستوطنين اضطروا إلى التجمع على هيئة جزر متماسكة في وجه الرفض العربي. لكل هذا، نجد أن المؤتمرات الصهيونية الأولى (التي سيطرت علىها الطبقات الوسطى والحاخامات) وافقت على مبدأ تأميم الأرض باعتباره أهم أُسس الدولة الصهيونية في المستقبل، كما اتخذت هذه المؤتمرات كثيراً من القرارات الثورية الأخرى. وكان وايزمان (الصهيوني العملي البورجوازي) يعطف كثيراً على النشاط الصهيوني العمالي ولم يكن يأبه باعتراضات المموِّلين اليهود اعتقاداً منه أن الصهيونية العمالية ستَخدم، في نهاية الأمر، المشروع الصهيوني.

وتجدُر ملاحظة أن الصهيونية العمالية الاستيطانية لا ترفض اليهودية الحاخامية وحسب وإنما تقدم نقداً عميقاً للشخصية اليهودية في المنفى باعتبار أنها تود أن تُسبغ مركزية على المُستوطَن الصهيوني فتزيد من شرعيته وتضمن تَدفُّق الدعم المالي والسياسي عليه. وكان التصور أنه كلما زاد هذا النقد عمقاً زادت الشرعية وزاد الدعم، بل إن النقد العمالي الاستيطاني وصل إلى درجة رفض ما يُسمَّى «الهوية اليهودية» تماماً واعتبارها من مخلفات الماضي، ومن ثم نشأت الدعوة إلى أن يكون المستوطنون آخر اليهود وأول العبرانيين، وأصبحت الدعوة للهوية اليهودية من أمراض المنفى.

وتؤمن الصهيونية العمالية بأزلية معاداة اليهود وإن كانت تعطي تفسيراً اجتماعياً مادياً لهذه الظاهرة. وتتلخص المشكلة، حسب التصور الصهيوني العمالي، في أن التركيب الاجتماعي والحضاري لليهود يختلف عن التركيب الاجتماعي والحضاري للشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها، فاليهود الذين يُحرَّم عليهم ممارسة مهنة الزراعة كانوا يعيشون أساساً في المدن، أما العمال منهم فهم لا يشكلون بروليتاريا صناعية وإنما ينتمون إلى قطاع البروليتاريا الرثة ومُحرَّم عليهم ممارسة كثير من الحرف والأعمال، أما أثرياء اليهود فإنهم يشتغلون بالتجارة والربا أو ببعض الصناعات الاستهلاكية. وهذا كله دليل على تَشوُّه البناء الطبقي عند اليهود وعلى هامشيتهم. وقد عبَّر بوروخوف عن هذه الفكرة بصورة الهرم المقلوب: فكل شعب يتكون من فئات اجتماعية تأخذ شكل الهرم الذي يتكون من قاعدة عريضة تُسهم في العمليات الإنتاجية الأساسية، وكلما بَعُدت العمليات الاقتصادية عن هذه العمليات الأساسية قلَّ عدد العاملين حتى نصل إلى قمة الهرم. ويجد بوروخوف أن هذا الهرم مُشوَّه تماماً عند اليهود ففي صفوفهم عدد كبير، من المحامين والأطباء والمفكرين وغيرهم، يشاركون في العمليات الإنتاجية الهامشية وينتمون إلى الطبقة الوسطى وإلى قمة الهرم، مع قلة قليلة من الفلاحين، إن وُجدت، وبروليتاريا صغيرة الحجم نسبياً ممن ينتمون إلى قاعدته.

وقد نتج عن هذا الوضع المتميز شيئان:

أولاً: أن كل الطبقات اليهودية في المجتمع ـ رأسماليين كانوا أو عمالاً ـ كانت تشكل وحدة متميزة مرفوضة من بقية المجتمع بسبب هامشيتها (وبسبب تراثها الفكري الديني القومي). وهذا يعني أن معاداة اليهود شيء موجه ضد كل اليهود بجميع طبقاتهم، وهي تكاد تكون مرضاً أزلياً لأن المجتمعات الاشتراكية اللا طبقية غير قادرة على حل هذه القضية لعدم إدراكها خصوصية وضع اليهود.

ثانياً: أُصيبت الشخصية اليهودية بالذبول والطفيلية لأنها فقدت علاقتها بالأرض الزراعية وبأي عمل منتج. وقد ازداد هذا الوضع حدَّة وتفاقماً، بسبب ظهور طبقة رأسمالية محلية (في روسيا وبولندا) تُنافس الرأسماليين اليهود وترفض استئجار العمال اليهود وذلك بسبب التعصب الديني ولأن العامل اليهودي في معظم الأحيان كان لا يمتلك الخبرات. ولقد راحت هذه الرأسمالية المحلية الجديدة تؤلب الجماهير المسيحية المُستغَلة ضد كل من الرأسماليين والعمال اليهود، حتى لا تعرف هذه الجماهير مستغليها الحقيقيين، وتحليل أوضاع اليهود بعد سقوط الجيتو على هذا النحو فيه كثير من الجدة والصدق. ويشترك الصهاينة العماليون في الإيمان بأن اليهود فقدوا كثيراً من الصفات القومية وإن كانوا مع هذا يشكلون أمة مستقلة أو أمة لها سمات الطبقة، وبأنها منبوذة في الغرب للأسباب التي ذُكرت آنفاً.

وبالتالي، فإن الحل الذي يطرح نفسه هو إخلاء أوربا من يهودها وتصفية الجماعات اليهودية (وإن كان بوروخوف يرى إمكان استثمار مثل هذه الجماعات وبالتالي وجوب الدفاع عن حقوقها السياسية). وتتم عملية التصفية من خلال نقل الكتلة البشرية اليهودية إلى فلسطين، أي تحويل الهجرة التلقائية (إلى الولايات المتحدة وغيرها من البلدان) إلى استعمار استيطاني في فلسطين حيث ستُؤسَّس دولة صهيونية تُجسِّد القيم القومية اليهودية وتساهم في تطبيع الشخصية اليهودية وتُطهِّرها من أدران المنفى من خلال العمل اليدوي.

وقد طالب العماليون بأن تُجسِّد هذه الدولة القيم الاشتراكية والثورية وكل القيم التقدمية المطروحة آنذاك في أوربا، ولا يخلو أي برنامج صهيوني عمالي من الحديث عن وحدة الطبقة العاملة. وفي الماضي، كان العماليون يتحدثون كذلك عن الأممية والتضامن البروليتاري العالمي وما شابه من شعارات. ولكن، داخل هذه الوحدة البنيوية الأساسية، توجد بنَى فرعية مختلفة. ولعل أهم هذه البنَى تيار بوروخوف الذي حاول توظيف المنهج الماركسي في خدمة رؤيته الصهيونية، فأكد الأساس الطبقي والاقتصادي للصهيونية، وخَلُص من تحليله إلى حتمية الحل الصهيوني كوسيلة لتزويد كل الطبقات اليهودية الهامشية بقاعدة للإنتاج. أما تيار سيركين، فقد ركز على العنصر الأخلاقي ووحدة الرؤية بين اليهود، ولذلك فهو يؤكد التعاون والأخوة ويُقلِّل أهمية الصراع الطبقي. وقد انصرف جل اهتمام جوردون إلى الجانب النفسي، ولذلك فقد ركز على فكرة اقتحام الأرض والعمل كوسيلة للتخلص من آفات المنفى وكوسيلة للولادة الجديدة وتحويل اليهود إلى قطاع اقتصادي منتج. وقد كُتب لأفكار جوردون وسيركين الشيوع في الأوساط العمالية الصهيونية.

ويعود ظهور الاتجاه العمالي إلى المؤتمر الصهيوني الثاني عام 1898، لكنه قوبل برفض شديد من أغلبية المشاركين بزعامة هرتزل وكان الرافضون يقدِّمون الصهيونية آنذاك على أنها طريقة لتحويل الشباب اليهودي عن طريق الثورة. وبعد ذلك، عُقد مؤتمر في لاهاي عام 1907 لجماعات عمال صهيون بقيادة بوروخوف، ثم انضمت لهم جماعات أخرى، مثل العامل الفتي (هابوعيل هاتسعير) والفتي الحارس (هاشومير هاتسعير) واتحاد العمل (أحدوت هعفودا(

ويمكن القول بأن الموجة الثانية من الهجرة اليهودية (1905 ـ 1914) هي التي أتت بالمادة البشرية الاستيطانية العمالية. فالمهاجرون اليهود في الموجة الأولى من الهجرة كانوا في معظمهم من أبناء الطبقة الوسطى، ولذا فقد استقروا في المدن الفلسطينية، ولم يعمل منهم في الزراعة سوى 5% فقط. أما مهاجرو الموجة الثانية فكانوا ـ لاعتبارات تتعلق بانتماءاتهم الطبقية والأيديولوجية على حدٍّ سواء ـ مصرين على العمل الزراعي الذي رأوه مفتاحاً لحل المسأة اليهودية وإصلاح الهرم الاجتماعي المقلوب عند اليهود.

لقد تمت هذه الموجة " الثانية " من الهجرة في سنوات الهجرة اليهودية الكبرى من روسيا وأوربا الشرقية إلى أمريكا، وحدثت نتيجة فشل ثورة 1905وازدياد معاداة اليهود في روسيا القيصرية نتيجة تعثُّر التحديث. ولقد كانت الأقلية العقائدية هي التي هاجرت إلى فلسطين بدلاً من أمريكا. كانت هذه الأقلية في معظمها من الشبان (77% كانوا في سن دون 25 عاماً)، ولا يملكون أية مدخرات، ومتشبعون بالأفكار الشعبوية الروسية (المعادية للصناعة) وبالأفكار الثورية الاشتراكية. ولذا استخدموا هذه الديباجات في تبرير الاستيلاء على الأرض العربية وطَرْد سكانها، ولذا بدلاً من المنطق الاستعماري التقليدي الذي يقوم بطرد السكان الأصليين وإبادتهم لأنهم من أجناس مُلوَّثة لجأ هؤلاء المهاجرون إلى تبرير عمليات الطرد والإبادة من خلال ديباجات اشتراكية ملتهبة. فاستولوا على الأرض بحجة أن الأرض لمن يزرعها، وطردوا أصحابها منها بحجة أن إنتاجيتهم ضعيفة.

وقد تحوَّلت الصهيونية العمالية في المؤتمر الصهيوني الثاني عشر (1933) إلى أكبر أجنحة المنظمة الصهيونية العالمية وأكثرها تأثيراً على الصعيدين السياسي والعملي. ويعود هذا إلى نجاحها في مجالين أساسيين:

أولاً: نجحت الصهيونية العمالية فيما فشلت فيه كل الاتجاهات الصهيونية الأخرى، أي تجنيد المادة البشرية الأساسية للعملية الاستيطانية.

ثانياً: نجحت الصهيونية العمالية في تنفيذ القسم الأكبر والأهم من عمليات الاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة من خلال صيغ وأشكال مختلفة.

والبناء الاقتصادي السياسي في المُستوطَن الصهيوني نتاج نشاطات الصهيونية العمالية بالدرجة الأولى. فالهستدروت والكيبوتس والهاجاناه والبالماخ هي الأدوات التي استخدمها الصهاينة لتحويل جزء من فلسطين إلى مُستوطَن صهيوني تحكمه دولة صهيونية وظيفية، وهي مؤسسات أوجدتها وسيطرت عليها الصهيونية العمالية التي لا تزال لها اليد الطولى في إسرائيل.

إن الصندوق القومي اليهودي الذي أسسه الممولون من أعضاء الجماعات اليهودية كان سيصبح مؤسسة بلا هدف بدون المادة البشرية وبدون المؤسسات العمالية التي حققت لها البقاء والاستمرار. ولذا ليس من الغريب أن تعرف أن أموال الصندوق القومي اليهودي ما بين سنة 1921 وسنة 1945 كانت تذهب، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى الاقتصاد العمالي. فالبند الوحيد الذي كان لا يخضع لسيطرة شبكة الأحزاب والمؤسسات العمالية هو بند الإسكان في المدن البالغ 6.8% فقط من مجموع الإنفاق. أما باقي المصاريف، فكان يذهب مباشرةً إلى العمال، كمصاريف المستعمرات الزراعية والهجرة والتدريب والإسكان، كما كان يذهب بصورة غير مباشرة إلى مؤسسات يُشرف العمالي عليها، كالمصاريف المتعلقة بالثقافة والأمن والصحة.

وقد تحوَّلت «الصهيونية العمالية» في المؤتمر الصهيوني الثاني عشر (1933) إلى أكبر أجنحة المنظمة الصهيونية العالمية وأكثرها تأثيراً على الصعيـدين السـياسي والعملي الخاصين بالمشروع الصهيوني. ويُلاحَظ أنه مع تزايد اعتـماد الدولة الصـهيونية على يهود العالم، ومع تزايد خفوت النبرة الاشتراكية في صفوف الصهاينة العماليين، اختفى النقد الراديكالي للهوية اليهودية، بل استوعبت الصهيونية العمالية ديباجات الصهيونية الإثنية العلمانية وأصبحت الهوية اليهودية الرقعة المشتركة بين يهود الدولة الصهيونية ويهود العالم.

  • الاحد PM 03:56
    2021-05-09
  • 1007
Powered by: GateGold