المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409037
يتصفح الموقع حاليا : 256

البحث

البحث

عرض المادة

حاييـــم وايزمــــان (1864-1952)

حاييـــم وايزمــــان (1864-1952)

Hayyim Weizmann
زعيم صهيوني، عالم كيميائي، وأول رئيس لدولة إسرائيل. وُلد في روسيا في منطقة الاستيطان، وكان أبوه تاجر أخشاب من مؤيدي حركة الاستنارة اليهودية. ومع هذا، فقد تلقَّى وايزمان تعليماً دينياً تقليدياً حتى سن الحادية عشرة، فدرس العهد القديم والنحو العبري وما يُسمَّى «التاريخ اليهودي»، ولكنه تلقَّى بعد ذلك تعليماً علمانياً. ولكن العنصر الأساسي في طفولة وايزمان هو الشتتل الذي نشأ فيه، وبناء الشتتل العاطفي والاقتصادي يستبعد الأغيار من وعي اليهود، إن لم يكن من واقعهم أيضاً (على حد قول وايزمان نفسه).


بعد حصوله على الدكتوراه من ألمانيا عام 1899، قام وايزمان بالتدريس في سويسرا (1901) ثم ألمانيا (1904). وقد كان من المطالبين بإدخال الديباجة الإثنية على الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة، كما كان من المعجبين بآحاد هعام وتأثر بأفكاره، وكان من الداعين لاستخدام العبرية في التخنيون (ضد دعاة الألمانية). ساهم في تأسيس الجامعة العبرية، كما ساهم في تأسيس أحد أهم المعاهد العلمية في فلسطين الذي أصبح بعد ذلك معهد وايزمان للعلوم. وانطلاقاً من موقفه الإثني العلماني، وقف وايزمان ضد مشروع شرقي أفريقيا.

كان من أوائل المفكرين والزعماء الصهاينة الذين أدركوا عبث الجهود الصهيونية الذاتية التسللية وحتمية الاعتماد على الدعم الإمبريالي لوضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ. وكان وايزمان مدركاً تماماً علمانية الحضارة الغربية ونفعيتها، فالمسألة ليست مسألة تلاق بين الأحلام اليهودية والأحلام المسيحية وإنما هو تلاقي مصالح الإمبريالية والصهيونية، فالدولة الصهيونية تحتاج إلى الدعم الإمبريالي وإنجلترا تحتاج إلى قاعدة، وبما أن الدولة اليهودية قاعدة رخيصة (على حد قول وايزمان) فلا تستطيع إنجلترا أن تجد صفقة أفضل من هذا (أي أنه أدرك أن الدولة الصهيونية دولة وظيفية(

غادر وايزمان سويسرا إلى إنجلترا عام 1904 وعُيِّن في جامعة مانشستر، وقد جمع حوله مجموعة من الصهاينة اليهود الذين كانوا قد بدأوا في تكثيف النشاط الصهيوني وكوَّنوا نواة الحركة الصهيونية في إنجلترا. وفي عام 1907، في المؤتمر الثامن، ألقى خطبته التي اقترح فيها تبنِّي ما سماه «الصهيونية التوفيقية» التي تجمع بين التوجه الدبلوماسي التوطيني (التفاوض مع الدول الاستعمارية من أجل الحصول على براءة الاستيطان في فلسطين) والجهد الاستيطاني وتطوير الإثنية اليهودية. وقد أصبحت الصهيونية التوفيقية منذ ذلك الوقت الإطار الذي تحركت من خلاله الحركة الصهيونية. وبعد نهاية المؤتمر قام وايزمان بأول زيارة لفلسطين.

اندلعت الحرب العالمية الأولى بعد وصول وايزمان إلى سويسرا بيوم، فقطع رحلته وعاد إلى إنجلترا حيث قدمه س. ب. سكوت محرر المانشستر جارديان لبعض الشخصيات الإنجليزية المهمة من بينهم لويد جورج وهربرت صمويل الذي كان قد أعد مذكرة بمبادرة منه لإقامة دولة يهودية في فلسطين بعد تقسيم تركيا. وكان إسكويث (رئيس الوزراء) قد رفض المذكرة الأمر الذي وضع حداً لكل الجهود الصهيونية. ولكن تغييراً حدث في الوزارة، فأصبح لويد جورج رئيساً للوزراء، وكان من قبل زيراً للإمدادات (وكان وايزمان قد ترك انطباعاً جيداً عنده باكتشافه الأسيتون) وكان بلفور وزير الخارجية، كما أن عدداً كبيراً من المشاركين في الوزارة (مثل سير مارك سايكس) كانوا مؤيدين متحمسين للمشروع الصهيوني كمحاولة لتقليص النفوذ الفرنسي في الشام، أي أن الجو كان مهيئاً لصدور وعد بلفور قبل صول وايزمان وبدون أن يبذل أي جهد. ولكن معارضة اليهود الإنجليز، وخصوصاً معارضة إدوين مونتاجو وكلود مونتفيوري، جعلته يشعر بالإحباط لدرجة أنه فكر في الاستقالة من اتحاد الصهاينة الإنجليز، ولكن آحاد هعام نصحه بألا يفعل ذلك وذكَّره بأنه لم يعيَّن من قبَل أحد، ولذا فلا يمكنه أن يقدِّم استقالته لأحد. وكان وايزمان قد قطع علاقته بالمكتب المركزي للمنظمة الصهيونية العالمية في برلين التي كانت وثيقة الصلة بالألمان والأتراك وبمكتب الاتـصال التابـع لها في كوبنهـاجن، ثم صدر وعد بلفور.

كان وايزمان يتوقع أن يُقوِّي صدور وعد بلفور مركزه ومركز الصهيونية أمام اليهود، ويفرض المؤسسة الصهيونية عليهم من أعلى. وهذا ما حدث بالفعل، فقد عُيِّن عام 1918 رئيساً للبعثة الصهيونية التي أُرسلت إلى فلسطين لتحديد الطرق الممكن اتباعها لتطوير فلسطين بما يتفق مع ما جاء في وعد بلفور. وذهب وايزمان إلى القاهرة وقابل فيصل ابن الشريف حسين محاولاً الوصول معه إلى تفاهم. ثم رأس وايزمان الوفد الصهيوني لمؤتمر السلام في فرساي عام 1919 ليطالب بالموافقة الدولية على وعد بلفور وبأن يوكل لبريطانيا الانتداب على فلسطين. انتُخب وايزمان رئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية عام 1921 في المؤتمر الصهيوني الثاني عشر، ونشب خلاف بينه وبين برانديز بشأن طريقة إدارة المُستوطَن الصهيوني وتمويل المستوطنات حيث طالب برانديز (الذي كان لا يعرف شيئاً عن طبيعة الاستعمار الاستيطاني وعن الظروف في فلسطين) بإدارتها على أُسس نظام الاقتصاد الحر، ورفض وايزمان الرضوخ لذلك لأن مثل هذا الإجراء كان يمكن أن يودي بالمشروع الصهيوني تماماًَ. ولذا، وقف وايزمان وراء أشكال الاستيطان العمالية مثل الموشاف والكيبوتس. وقد نجح وايزمان في عقد تحالف بين الصهاينة العموميين ومعظمهم من التوطينيين، والعماليين الاستيطانيين، وانضم لهم حزب مزراحي ممثل الصهيونية الإثنية الدينية. وهذا الائتلاف الثلاثي هو الذي قاد الحركة الصهيونية وأشرف على نشاطها خلال فترة الانتداب البريطاني.

كان وايزمان على خلاف مع جابوتنسكي الذي كان يتبنى خط الحد الأقصى ويصر على الإفصاح عن الهدف الصهيوني النهائي، وهو الأمر الذي وجده وايزمان غير مجد أو مثمر. وكان جابوتنسكي يطرح تصورات مثل خطة نوردو لتغيير الواقع السكاني في فلسطين بين عشية وضحاها، كما كان يلجأ إلى إصدار تصريحات من شـأنها إثـارة قلـق السـكان الأصليـين. وحينما وسَّـع وايزمـان الوكالة اليهودية، حتى تضم يهوداً غير صهاينة كجزء من السياسة الصهيونية لغزو الجماعات اليهودية، وعُقد أول اجتماع للوكالة الموسعة عام 1929، عارض جابوتنسكي هذا الإجراء.

وكان قد تم تعيين السير هربرت صمويل مندوباً سامياً لبريطانيا في فلسطين (وكان يهودياً نشأ وترعرع داخل تقاليد صهيونية غير اليهود ذات الديباجات المسيحية والعلمانية) وكان من المتوقع أن يتعاون مع وايزمان، ولكن طبيعة علاقة الدولة الإمبريالية (بمصالحها العالمية) مع السكان الأصليين تختلف عادةً عن طبيعة علاقة المستوطنين بهم، ومن هنا نشأ الاختلاف في الرؤية وتولَّدت التوترات. وكان وايزمان يحاول حل هذه المشكلة عن طريق إطلاق التصريحات الأخلاقية عن حقوق العرب وضرورة ألا تُمس شعرة في رأسهم، وفي الوقت نفسه كان يضع الخطط التي تهدف إلى تغييبهم وإخلاء فلسطين منهم لوعيه التام بخطورة العنصر العربي على الدولة الصهيونية الاستيطانية الإحلالية، وكان يرى أن أي سلام مع العرب هو سلام القبور. وحينما عرف بطرد العرب من فلسطين عام 1948، تحدَّث عن هذه العملية على أنها معجزة أدَّت إلى تطهير أرض إسرائيل! ومن الواضح أنه يتحرك داخل إطار حلولي عضوي (حلولية بدون إله) في موقفه من الشـعب اليهـودي وعلاقته بالأرض. فحينما عُرض عليه أن يَقْبل اليهود وضع الأقلية في فلسطين وأن يتعايشـوا مع العـرب، انفجر متمـتماً بكلمات ذات طابع حلولي واضح: "الرب سيضع يده مرة ثانية ليستعيد بقية شعبه ويرفع راية لكل الأمم، وسيجمع المشردين من إسرائيل وسيجمع المشتتين من يهودا من أركان الأرض الأربعة"! وهكذا.

وكانت إدارة الانتداب والحكومة البريطانية تضطر من آونة لأخرى لإعادة تفسير وعد بلفور، كما حدث عام 1930 حيث أصدر سكرتير المستعمرات في وزارة العمال البريطانية كتاب باسفيلد الأبيض الذي اعتبره الصهاينة قضاء على المشروع الصهيوني بأكمله، فاستقال وايزمان من رئاسة المنظمة عام 1930 وتراجعت الحكومة البريطانية وأرسل رئيس الوزراء خطاباً لوايزمان يعبر له فيه عن تأكيده استمرار التزام حكومته بالمشروع الصهيوني.

وتتبدَّى مرونة وايزمان العلنية ومقدرته على استخدام الخطاب الصهيوني المراوغ في تصريحه عام 1931 بأن وجود أغلبية يهودية في فلسطين ليست مسألة ضرورية، وقد صرح بهذا من قبيل تهدئة الخواطر ولكنه كان يؤمن بأنه ستكون هناك أغلبية يهودية في نهاية الأمر من خلال الجهد البطيء الذي يخلق حقائق جديدة، من خلال بناء منزل وراء منزل ودونم وراء دونم، ومستوطنة بعد مستوطنة. والواقع أن خلق الحقائق الجديدة أصبحت الإستراتيجية المستقرة للصهيونية، ولكن يبدو أن ذلك كان يتم هذه المرة عَبْر الخط الأحمر دون أن يدري، وأن حجم المراوغة كان أكبر مما يتحمل الصهاينة، ولذا فقد كلَّفه هذا التصريح رئاسة المنظمة. ولكن، مع هذا، تم اختيار صديقه الحميم سوكولوف خلفـاً له، فالخـلاف لم يكن جوهرياً وإنما كان خطأ خاصاً بطريقة التعبير.

ومع صعود هتلر للسلطة، زاد عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين وزاد حجم رأس المال اليهودي فيها. وأعيد انتخاب وايزمان للرئاسة عام 1935. وكان وايزمان من المؤمنين بضرورة ترك يهود أوربا لمصيرهم على أن يتركز الجهد الصهيوني على تهجير بعض العناصر اليهودية التي ستساهم في بناء المُستوطَن الصهيوني. وتظهر مرونة وايزمان مرة أخرى عام 1937 حينما طُرحت فكرة تقسيم فلسطين إذ قبله رغم صغر حجم الجزء الممنوح للدولة اليهودية لأن قبول الحد الأدنى علنياً لا يعني عدم المقدرة على العمل في الخفاء للحصول على الحد الأقصى "وصحراء النقب" التي لم تكن جزءاً من الدولة اليهودية حسـب خطـة التقسيم "لن تفر"، حسب قوله، بل هي باقية يمكن الاستيلاء عليها فيما بعد.

وظلت العلاقة بين الصهاينة والحكومة البريطانية متعثرة، إلى أن نشبت الحرب العالمية الثانية. وقد حاول وايزمان تجديد جهوده العلمية حتى يزداد نفوذه أمام الحكومة البريطانية، ولكن عرضه رُفض وتم تأييد طلب جابوتنسكي بالسماح بتشكيل اللواء اليهودي للاشتراك كقوة صهيونية مستقلة (إلى جانب الحلفاء) ولتدعيم مركز المستوطنين، لكنَّ هذا لم يَعُقه عن مقابلة موسوليني شخصياً عدة مرات ليحصل منه على تأييده للمشروع الصهيوني.

وظلت علاقة الصهاينة ببريطانيا متعثرة حتى ظهور الولايات المتحدة كمركز للثقل الإمبريالي، فبدأوا في تحويل ولائهم. وقضى وايزمان وقتاً طويلاً (1941 ـ  1942) ورك حتى يمكنه تجنيد القيادة الأمريكية إلى جانب المشروع الصهيوني.

وعُقد مؤتمر صهيوني في بلتيمور عام 1942 وأصدر برنامج بلتيمور الذي تنبع أهميته من أنه أفصح عن الهدف الصهيوني النهائي في إنشاء دولة. ومع نهاية الحرب، كان وضع وايزمان داخل المنظمة مخلخلاً. فقد كان ممثلاً للمرحلة البريطانية في تاريخ الصهيونية والاستيطان الصهيوني. كما أن مجال حركته كان في الساحة الدولية خارج ساحة الاستيطان. ومع ازدياد قوة المستوطنين وظهور الولايات المتحدة، لم يَعُد الشخص المناسب للمرحلة الجديدة، وخصوصاً أن حكومة العمال البريطانية رفضت السماح بالهجرة اليهودية غير المقيدة، وكانت القيادة الجديدة تفضل تبنِّي سياسة نشطة نوعاً ما ضد البريطانيين، لذا بدأ بن جوريون يتحدى قيادته، وخصوصاً أنه كان قد بلغ السبعين وبدأ تصحته تعتل. ولم يَجر انتخابه رئيساً للمنظمة عام 1946 لوجود إحساس عام بأنه فَقَد صلته بالواقع. ومع هذا، استمر وايزمان في جهوده وسافر إلى الولايات المتحدة للاتصال بالرئيس ترومان وغيره حتى تقف الولايات المتحدة وراء قرار التقسيم. وكان وايزمان من أنصار أن يُعلَن قيام الدولة الصهيونية فور انسحاب البريطانيين، بغض النظر عن قرار هيـئة الأمم المتحـدة، وأن تُعدُّ الدولة نفسها للحرب مع العرب. وبعد إعلان الدولة، قابل ايزمان الرئيس ترومان وحصل منه على وعد بأن تقوم الولايات المتحدة بتمويل مشاريع التنمية في إسرائيل.

وحينما قامت الدولة وعُرضت عليه رئاستها هنأه القاضي فلكس فرانكفورتر وقال له إنه بإمكانه أن يقول ما لم يتمكن موسى من قوله (لأن هذا النبي الأخير قد مات قبل أن يصل إلى أرض الميعاد أما وايزمان فقد وصل بالفعل). ولكنه، مع هذا، لم يضع اسمه ضمن الموقعين على قرار إعلان إسرائيل، كما أنه كان يضيق ذرعاً بوظيفة رئيس الدولة لأنها وظيفة شكلية شرفية محضة، ولم تكن تُرسَل له حتى محاضر مجلس الوزراء، وذلك بناءً على أوامر بن جوريون. ومن أهم مؤلفات وايزمان كتاب التجربة والخطأ (1949)، كما أن رسائله قد جُمعت ونشرت تباعاً في سلسلة من المجلدات.

  • الاحد PM 03:42
    2021-05-09
  • 1401
Powered by: GateGold