المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413207
يتصفح الموقع حاليا : 255

البحث

البحث

عرض المادة

جيكوب كلاتزكين (1882-1948)

جيكوب كلاتزكين (1882-1948(

Jacob Klatzkin
كاتب روسي صهيوني وابن حاخام وعالم تلمودي. وُلد في بولندا وحصل على الثقافة الدينية التقليدية، ثم تلقَّى تعليماً علمانياً في كلٍّ من سويسرا وألمانيا حيث درس الفلسفة على يد هيرمان كوهين، وحصل على الدكتوراه من جامعة برن. كان كلاتزكين نشيطاً ككاتب في الدوريات العبرية. وقد ترأس تحرير دي فيلت بين عامي 1909 و1911، واشترك مع ناحوم جولدمان في تأسيس دار إشكول لنشر الكتب العبرية، وساهم في تحرير الموسوعة اليهودية، كما عمل مديراً للمكتب الرئيسي للصندوق القومي اليهودي بين عامي 1915 و1919، ثم استقر في سويسرا بعد عام 1933. وبعد أن تسلَّم النازيون الحكم في ألمانيا، سافر إلى أمريكا (عام1941 (بعد نهاية الحرب) عاد إلى سويسرا حيث وافته المنية.


ولعل كتابات كلاتزكين من أهم وثائق الفكر الصهيوني نظراً لوضوحها النسبي، وتظهر فيها معظم مقولات الصهيونية الدبلوماسية الاستعمارية بشكل واضح. وينطلق كلاتزكين من أسس بيولوجية مادية علمانية لا تَقْبل أي تجاوز للمادة أو التاريخ كظاهرة مادية، كما ينطلق من رفض عميق لليهود واليهودية يقترب من الكره. وهو يرى أن الجماعات اليهودية ليست جديرة بالبقاء، فهي مشوهة تشويهاً مرعباً جسداً وروحاً، فالمنفى يُفسد شخصية الإنسان وكرامته ويُحوِّل اليهود إلى كائنات بشرية مُمزَّقة ومُحطَّمة.

ولعل الجماعات اليهودية كانت تستطيع التماسك قبل حركة التنوير نظراً لوجود الدين الذي كان بالنسبة إليهم بمنزلة «هيكل المنفى»، ولكن هذا الهـيكل المتـنقل تَحـطَّم مثلما تَحطَّم الهيكل الأول، ولذا فلابد من بدء تاريخ جديد. ويُلاحظ كلاتزكين أن ثمة حلولاً مطروحة لإعادة تعريف الهوية اليهودية ويبدأ برفض مقاييس الصهيونية الإثنية (الدينية والعلمانية). فالمقــياس الديني ـ فـي تصوُّره ـ عرَّف اليهودي بأنه المؤمن بالدين اليهودي، أما العلماني (الذي يُقال له الروحي) فقد عرَّف اليهودي بأنه من يتبنى القيم اليهودية، وكلا المقياسين ذاتي يستند إلى إيمان الفرد وليس إلى صفة موضوعية (أي مادية) فيه. والواقع أن هذا النوع من التعريف يذهب إلى أن تَحقُّق الهوية اليهودية يكمن في تحقيق المثل اليهودية المطلقة أو الأخلاق اليهودية أو الجوهر اليهودي من خلال مركز روحي في فلسطين أو في أي مكان في العالم. ولذا، فإن الدولة اليهودية ليست شيئاً جوهرياً أو أساسياً من منظور الصهيونية الإثنية. ويطرح كلاتزكين، بدلاً من ذلك، صيغته الهرتزلية التي يُسميها «التعريف العلماني»، وهي أن اليهودي هو المشارك في التاريخ اليهودي (بالمعنى المادي) والذي يملك الرغبة في الاستمرار في ذلك التاريخ.

وهو بذلك يكون قد طرح مقياساً موضوعياً وذاتياً. ثم إنه يضيف إلى ذلك عنصرين موضوعيين آخرين في طريقهما إلى التحقق: الأرض القومية واللغة القومية، فبدونهما لا معنى للقومية، وهذه القومية لا تحقق نفسها إلا من خلال الدولة اليهودية. ويؤكد كلاتزكين أن العنصر المهم هو إقامة الدولة أو الشكل أو الإطار، فهذا الإطار هو الذي سيضفي لوناً قومياً على المضامين الأخرى كافة. لكن مضمون حياة اليهود سيصبح قومياً عندما تصبح أشكالها قومية، ولذا فإن استعادة الأرض غاية في حد ذاتها وعن طريقها تتحقق الحياة القومية الحرة، ويصبح اليهود بذلك شعباً طبيعياً لا ينغمس بشكل متطرف في الفكر والروحانية وإنما يستمر في حياته القومية على أرضه، فما يحدد حياة الأمة هو الأرض واللغة وليس الأفكار الدينية أو الثقـافيـة، فالاهتـمام بهذه الأمور علامة من علامات المرض. ويتنبأ كلاتزكين بأن الانتماء اليهودي سيصبح في نهاية الأمر انتماءً عادياً طبيعياً قومياً صرفاً، وسيموت اليهود في سبيل الأرض واللغة على طريقة أعضاء القوميات العضوية التي ظهرت داخل التشكيل الحضاري والسياسي الغربي، وليس في سبيل المضمون الديني أو الأخلاقي لليهودية، أي على طريقة "أسلافنا" اليهود.

ويري كلاتزكين أن الصهيونية ذات الديباجات الإثنية تُشكِّل عائقاً مؤثراً، إن شخصية النبي التي يمثلها آحاد هعام لا تزال تحجب النور القومي الذي يمثله هرتزل.

إذن، ما مصير الجماعات اليهودية في العالم؟ هنا نجد أن كلاتزكين، مثل هرتزل (ونوردو وجابوتنسكي)، كان يرى ضرورة إخلاء أوربا من يهودها وضرورة تصفية الدياسبورا (يهود العالم) تماماً، فحياة يهود المنفى مؤقتة وتستمد أهميتها بمقدار ما تخدم الحياة الدائمة في فلسطين. لكن حياة المنفى ليست جديرة بالبقاء كغاية في ذاتها وتستحق البقاء فقط إن كانت واسطة انتقال. والواقع أن الجهد القومي من أجل يهود المنفى يجب أن يركز على استخدامهم، وبالتالي فيجب إنشاء الحواجز بينهم وبين الشعوب الأخرى حتى يمكن الاستفادة منهم. ولكن هذه المرحلة مجرد مرحلة انتقالية مؤقتة يتم فيها بَعْث الحياة القومية من خلال الدولة الصهيونية، وسيَضعُف الوجود اليهودي في العالم بالتدريج ويظهر نمط يهودي جديد كل الجدة يختلف تماماً عن نمط يهود العالم، وهو ما سـيؤدي إلى تقسـيم اليهـود إلى قسمين: داخلي وخارجي. بل إن كلاتزكين يذهب إلى أن يهود العالم سيختفون بعد انتهاء هذه المرحلة المؤقتة. وقد لاحَظ كلاتزكين أن عملية الاندماج في المجتمعات الغربية كانت قد بدأت وأخذت وتيرتها تتصاعد، كما أن عدوى الاندماج كانت قد بدأت تصيب قطاعات كبيرة وبدا تأثيرها أكثر عمقاً، وسوف تتكفل هذه العملية بتصفية يهود العالم (وهو ما يُطلق عليه الآن «موت الشعب اليهودي»).

وقد بيَّن كلاتزكين بذلك، وبصورة دقيقة، علاقة المستوطنين الصهاينة في فلسطين بالجماعات اليهودية في العالم، وحدَّد ليهود العالم دورهم كأتباع للدولة الصهيونية، يمدونها بالعون ولا ينتظرون منها سوى التصفية النهائية.

وقد أدرك كلاتزكين وجود صهيونيتين (توطينية غربية واستيطانية شـرقية). وفي نهاية إحدى المقالات في مجموعة الحدود (1914)، يقـول: "إن هرتزل لم يظهر نتيجة وعي قومي يهودي وإنما ظهر نتيجة وعي إنساني عالمي" (عبارة "إنساني عالمي" تعني في النصـوص الصهيـونية عادةً "غربي"). وقد عــاد هرتزل إلى شعبه، ولكن الذي عاد ـ في رأي كلاتزين ـ لم يكن هرتزل اليهودي وإنما هـرتزل الإنسـان (فكأن ثمة تناقضاً بين إنسانية اليهودي ويهوديته). فالصهيونية بين اليهود الغربيين تتغذى بعدد من العوامل الإنسانية العلمانية غير القومية، ولا تعتمد في غذائها على اليهودية وإنما على الحضارة بشكل عام. هذه هي صهيونية الغرب الخارجية (التوطينية)، أما صهيونية يهود الشرق فهي ليست كذلك، فالصهيونية بالنسبة ليهود اليديشية ليست حركة عالمية مُدمِّرة من جهة ومُعمِّرة من جهة أخرى (مدمرة لليهودية التقليدية ومعمرة للانتماء القومي اليهودي) وإنما هي تعبير عن رغبتهم في الاستمرار فيما هم عليه، فقد جاءوا من وسط ثقافي منحط وبالتالي فإنهم لا يقدمون أياً من تلك القيم الأخلاقية أو الجمالية (الغربية) التي مهدت الطريق للنهضة في الغرب. إن صهيونية الغرب جاءت لتُخلِّص الإنسان داخل اليهود (وليس اليهود) وتعلق آمالها على التقدم العام للحضارة (وليس على تطوير الذات اليهودية)، فإيمانها القومي ليس إيماناً باليهودية وإنما إيمان بالإنسان بشكل عام، إيمان بقوة الخير والجمال (أي بالقيم العلمانية التي لا علاقة لليهودية بها)

وهنا، يصل تقسيم العمل إلى ذروته، فالصهيونية بالنسبة للغرب تعني مزيداً من التغريب والانتماء العام للحضارة الإنسانية (أي الغربية). أما بالنسبة للشرق، فهي استمرار لما كان، ولذا فإن صهيونيتهم مرفوضة. ولعله، لهذا السـبب، رغم كل حديثه عن تصفية المنفى ومرضه، مكث خارج فلسطين (في سويسرا والولايات المتحدة وألمانيا) ومات في سـويسرا، عالم القيم العالمية (أي الغربية) التي كان يطمح إليها، وبعيداً عن القيم اليهودية التي كان يرفضها تماماً.

وقد كتب كلاتزكين دراسة في أعمال هيرمان كوهين وإسبينوزا وترجم كتابه الأخلاق إلى العبرية. وجُمعت أهم كتاباته في كتــابه تخـوم، ومـن أهـم أعماله أيضاً معجم للمصطلحات الفلسفية العبرية، ومختارات من الفلاسفة الذين يكتبون بالعبرية والفلاسفة العرب في العصر الوسيط.

  • الاحد PM 03:22
    2021-05-09
  • 885
Powered by: GateGold