ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
القرن الثالث وتفسير الطبري
القرن الثالث الهجرى يعتبر العصر الذهبى بالنسبة لتدوين السنة ؛ فقد شهد ميلاد مسند الإمام أحمد والصحيحين : صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وسنن أبى داود ، والترمذى ، وابن ماجه ، والنسائى ، وغيرها من كتب السنة .
ومع أننا رأينا التفسير علماً قائماً بذاته ، إلا أن رجال الحديث كانوا يدونون الأخبار المتصلة بالتفسير مع غيرها من الأخبار ، فكان هذا خيراً عظيماً بالنسبة للتفسير .
وإلى جانب هذا فإن أعظم كتاب في التفسير ظهر في هذا القرن ، وهو تفسير أبى جعفر محمد بن جرير الطبري ، المسمى " جامع البيان عن تأويل أي القرآن ".
الطبري هو : محمد بن جرير بن يزيد بن كثير . وهو ـ كما قال الذهبى ـ الإمام العالم المجتهد ، عالم العصر ، صاحب التصانيف البديعة ، من أهل آمل طبرستان . مولده سنة أربع وعشرين ومئتين ، وطلب العلم بعد الأربعين ومئتين ، وأكثر الترحال ، ولقى نبلاء الرجال ، وكان من أفراد الدهر علماً ، وذكاء ، وكثرة تصانيف ، قل أن ترى العيون مثله ([1][60]) .
كان ثقة ، صادقاً ، حافظاً ، رأساً في التفسير ، إماماً في الفقه والإجماع والاختلاف ، علامة في التاريخ وأيام الناس ، عارفاً بالقراءات وباللغة ، وغير ذلك ([2][61]) .
ونقل الذهبى وابن كثير وابن حجر قول الخطيب في تاريخه عن الطبري: كان أحد أئمة العلماء ، يحكم بقوله ، ويرجع إلى رأيه بمعرفته وفضله . وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره : فكان حافظاً لكتاب الله ، عارفاً بالقراءات ، بصيراً بالمعانى ، فقيهاً في أحكام القرآن ، عالماً بالسنن وطرقها ، صحيحها وسقيمها ، ناسخها ومنسوخها ، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين ، عارفاً بأيام الناس وأخبارهم ، وله الكتاب المشهور في " أخبار الأمم وتاريخهم " ، وله كتاب : " التفسير " لم يصنف مثله … إلخ ([3][62]) .
وقال ابن كثير : روى الكثير عن الجم الغفير ، ورحل إلى الآفاق في طلب الحديث ، وصنف التاريخ الحافل ، وله التفسير الكامل الذي لا يوجد له نظير ، وغيرهما من المصنفات النافعة في الأصول والفروع ، ومن أحسن ذلك تهذيب الآثار … إلخ ([4][63]) .
وقال السيوطي : رأس المفسرين على الإطلاق ، أحد الأئمة ، جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره …
ثم قال : وله التصانيف العظيمة ، منها : " تفسير القرآن " ، وهو أجل التفاسير ، لم يؤلف مثله كما ذكره العلماء قاطبة ، منهم النووى في تهذيبه ، وذلك لأنه جمع فيه بين الرواية والدراية ، ولم يشاركه في ذلك أحد لا قبله ولا بعده .. إلخ ([5][64]) .
والطبرى ـ رأس المفسرين والمؤرخين ـ نجد في ترجمته ([6][65]) الحديث عن كتبه ، ما تم منها وما لم يتم . وأهم كتبه التي مات قبل تمامها كتابه " تهذيب الآثار"، وهو مطبوع ميسر الرجوع إليه والحمد لله تعالى ([7][66]) .
عقيدة الطبري :
الحديث عن الطبري وعن كتبه يطول كثيراً ، والذى يعنينا أساساً هو تفسيره، ولكن ونحن في مجال التفسير المقارن بين الشيعة وأهل السنة نرى من اللازم بيان عقيدة هذا الإمام التي وقع ضجاج كبير حولها ، حيث رماه بعضهم بأنه من الشيعة الإمامية ، غير أن كتبه تثبت براءته .
لما بلغه أن أبا بكر بن أبى داود تكلم في حديث غدير خم ، عمل كتاب : " الفضائل " ، فبدأ بفضل أبى بكر ، ثم عمر ، وتكلم على تصحيح حديث غدير خم ، واحتج لتصحيحه ، ولم يتم الكتاب .
وفى الباب السابق ذكرت الروايات المختلفة لهذا الحديث ، وبينت ما هو صحيح منها ، وما هو مختلف فيه ، وما هو ضعيف أو موضوع مصنوع في دار الضرب بالكوفة . ولا أدرى ما الذي صح عند الطبري ؟ وربما صحح ما بينت ضعفه أو وضعه . وعندما رجعت لتهذيب الآثار رأيت عدم استبعاد هذا الاحتمال :
ففى مسند على رضي الله عنه ـ يذكر حديث " أنا دار الحكمة وعلى بابها "، ويقول : " وهذا خبر عندنا صحيح سنده " ولكنه يضيف قوله " وقد يكون على مذهب الآخرين سقيماً غير صحيح لعلتين " ثم يذكر تأييداً له حديثاً عن ابن عباس : " أنا مدينة العلم وعلى بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها "([8][67]).
وتصحيح مثل هذه الآحاديث لا يعنى أنه من الإمامية وإلا لما تحدث عن فضل أبى بكر وعمر ، فضلاً عن أن يبدأ بهما . ونراه في مسند على يروى أن قاتل الزبير استأذن على على فقال : ليدخل النار ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لكل نبي حوارى وإن حوارى الزبير بن العوام " ([9][68]) ونحن نعرف تكفير الشيعة لمن قاتل علياً ، وما رواه الطبري ينقض قولهم . وكان الطبري يكلم ابن صالح الأعلم، وجرى ذكر على رضي الله عنه ، ثم قال الطبري : من قال إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامى هدى ، أيش هو ؟ قال : مبتدع . فقال ابن جرير إنكاراً عليه : مبتدع ! مبتدع ! هذا يقتل ، من قال إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامى هدى يقتل يقتل ([10][69]) .
وقال الذهبى في ميزان الاعتدال " 3 / 498 " في ترجمة الطبري : . " ثقة صادق ، فيه تشيع يسير ، وموالاة لا تضر .
أقذع أحمد بن على السليمانى الحافظ ، فقال : كان يضع للروافض ، كذا قال السليمانى : وهذا رجم بالظن الكاذب ، بل ابن جرير من كبار أئمة الإسلام المعتمدين ، وما ندعى عصمته من الخطأ ، ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل والهوى، فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغى أن يتأنى فيه ، ولا سيما في مثل إمام كبير ، فلعل السليمانى أراد الآتى :
محمد بن جرير بن رستم ، أبو جعفر الطبري . رافضى … " .
وعقب ابن حجر فقال : " ولو حلفت أن السليمانى ما أراد إلا الآتى لبررت ، والسليمانى حافظ متقن ، كان يدرى ما يخرج من رأسه ، فلا أعتقد أنه يطعن في مثل هذا الإمام بهذا الباطل ، والله أعلم . وإنما رمى بالتشيع لأنه صحح حديث غدير خم ، وقد اغتر شيخ شيوخنا أبو حيان بكلام السليمانى …" ([11][70]) .
هذه كلمة موجزة عن الطبري ، وبعد حياة بارك الله تعالى فيها توفى سنة عشر وثلاثمائة ، ودفن ببغداد .
([1][60]) سير أعلام النبلاء 14 / 267 .
([2][61]) المرجع السابق 14 / 270 .
([3][62]) انظر المرجع السابق 14 / 269 ، والبداية والنهاية 11 / 145 ، ولسان الميزان 5 / 100 .
([4][63]) انظر البداية والنهاية 11 / 145 .
([5][64]) انظر طبقات المفسرين للسيوطي : ص 95 ، 96 .
([6][65]) انظر ترجمته في المراجع السابقه ، وأخص سير أعلام النبلاء ، وفى غيرها من المراجع مثل : تاريخ بغداد 2 / 162 ، وطبقات المفسرين للداودى 2 / 106 .
([7][66]) طبع بتحقيق الدكتور ناصر الرشيد وآخر ، ثم حققه شيخنا العلامة محمود محمد شاكر ، محقق تفسير الطبري ، جزاه الله خيراً .
([8][67]) انظر تهذيب الآثار 1 / 89 ـ 90 ـ والحديث الأول رواه الترمذى في الباب الخامس من مناقب على بن أبى طالب ، وقال : " هذا حديث غريب منكر " والثاني قال عنه البخاري : " منكر " وقال بوضعه ابن معين وابن الجوزى والذهبى وغيرهم ، وصححه الحاكم !! وافتى بحسنه ابن حجر ـ انظر فيض القدير 3 / 46 ـ 47 ، والمقاصد الحسنة 97 ، وكشف الخفاء 1 / 235 .
([9][68]) تهذيب الآثار 1 / 140 .
([10][69]) انظر سير أعلام النبلاء 14 / 275 ، ولسان الميزان 5 / 101 ، وفيه زياده العبارة الأخيرة : " من قال إن … " .
-
الاثنين AM 01:08
2021-04-26 - 1490