المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416035
يتصفح الموقع حاليا : 303

البحث

البحث

عرض المادة

الكاهن الأعظم

High Priest
«الكاهن الأعظم» هو المقابل العربي للكلمة العبرية «كوهنْ هاجدول» وهو كبير موظفي الهيكل. وقد كانت وظيفة الكاهن الأعظم في الأصل مقصورة على أسرة صادوق من ذرية هارون. وهو الذي كان يدخل قدس الأقداس في يوم الغفران ليتفوه بالاسم المقدَّس، وكان هو أيضاً رئيس السنهدرين. ومع أن وظيفة كبير الكهنة كانت دينية، فقد كانت لها أبعادها الدنيوية، فالكاهن الأعظم كان يُعَدُّ من رجالات المملكة العبرانية وجزءاً من الأرستقراطية الحاكمة. ولعل هذا هو السبب في أن الصراع كان ينشب دائماً بينه وبين الأنبياء الذين كانوا يمثلون القوى الشعبية في كثير من الأحوال.


وكان الملك يضطلع أحياناً بوظيفة كبير الكهنة كما فعل داود (1004 ـ 965 ق.م) (صموئيل ثاني 6/12ـ 19). وفي الترتيب الهرمي للمجتمع العبراني، كان الملك يسبق الكاهن الأعظم في المنزلة، ولذلك خلع سليمان كبير الكهنة ونفاه. وفي حفل تكريس الهيكل، كان سليمان الموظف الأساسي، أما بقية الكهنة فكانوا يقومون بالأعمال الوضيعة. وقد جاء وَصْف الكاهن الأعظم وردائه في سفر اللاويين (16/11 ـ 17). وكان الرداء يُسمَّى «إفود»، وهو ثوب يشبه الصُّدرة، كان يلبسه رئيس الكهنة العبراني أثناء خدمة الكهنوت، وكان هذا الثوب يُصنع من كتان دقيق ومبروم بلون الذهب واللون الأزرق والأرجواني والقرمزي. وكان يُثبَّت على الجسم بواسطة شريطين للكتفين من فوق، وحزام من أسفل، وعلى كلٍّ من شريطي الكتف كان يوجد حجر جَزْع منقوشة عليه أسماء قبائل يسرائيل الاثنتي عشرة. وكان الثوب يتصل بالصدرة بواسطة سلاسل ذهب. وكانت الصدرة تحتوي على اثني عشر حجراً كريماً موضوعة في أربعة صفوف وفيها وسائل القرعة المقدَّسة: الأوريم والتُميِّم والتي كانت تُستخدَم في تَبيُّن إرادة الإله. وكان الكاهن يلبس تحت الإفود ثوب الإفود الأزرق الذي كان يمتد إلى قدمي الكاهن. وكانت الأحجار الاثنا عشر تحمل أسماء قبائل يسرائيل الاثنتي عشرة وتشير إلى أن الكاهن يمثل كل الشعب وأنه يُقدّم العبادة عنهم وباسمهم (خروج 28/31 ـ 35 و 39/22 ـ 26).

وحيث إن الهيكل لم تكن تتبعه أية أراض زراعية، كان اليهود يرسـلون إليه التبرعات (نصـف شيكل) وهـو ما كان يُدر عليه مالاً وفيراً. كما أن بعض أثرياء اليهود، على عادة الأثرياء في الشرق الأدنى القديم، كانوا يودعون أموالهم فيه. وقد أدَّى هذا إلى تعميق البُعد الدنيوي لوظيفة الكاهن الأعظم لأن دخله كان يُعَدُّ أهم مصدر ليهود فلسطين.

ومع دخول العبرانيين، ابتداءً من القرن السادس قبل الميلاد، في إطار الإمبراطوريات الكبرى (البابلية والفارسية واليونانية والرومانية) التي كانت تحتفظ لنفسها بسلطة القرار في الشئون العسكرية والخارجية وتترك للشعوب المحكومة شيئاً من الاستقلال الذاتي لإدارة شئونها الدينية والداخلية، بدأت وظيفة الكاهن الأعظم تكتسب أهمية متزايدة، وخصوصاً أن الفُرس كانوا يفضلون التعاون مع طبقة كهنوتية مأمونة الجانب على التعاون مع أرستقراطية عسكرية أو مع أعضاء أسرة داود المالكة. وبالفعل، تم تقسيم السلطة في فلسطين، فكان المرزبان (مندوب الإمبراطورية) يُمسك بالسلطة الدنيوية ويترك السلطة الروحية والشئون الداخلية في يد كبير الكهنة. وتَحوَّل اليهود إلى جماعة يرأسها الكاهـن الأعظـم حيث ورث شارة الملكية وأصبح يمسح بالزيت بدلاً من الملك. ولا يعني هذا أنه أصبح ملكاً وإنما يعني أنه أصبح يرأس نخبة حاكمة تضم اللاويين والكهنة وأثرياء اليهود الذين كانوا يقودون الشعب ويديرون شئونه الداخلية من خلال إطار تنظيمي هرمي لحساب الإمبراطورية الحاكمة. وقد اعترف البطالمة بهذا المنصب وبالمجمع الكبير، واعتبروهما ممثلين للشعب اليهودي وأعفوهما من الضرائب، واعترفوا بحرية اليهود في ممارسة شعائر أسلافهم.

ولكن، ورغم قوة مركز الكاهن الأعظم، ظهرت مراكز قوة أخرى تعاون معها السلوقيون وهي طبقة أثرياء اليهود ملتزمي الضرائب والتجار وغيرهم ممن أصبح همهم السيطرة على منصب الكاهن الأعظم، ولذا كان يتم التعيين في هذا المنصب عن طريق الرشوة. وقد أصبح الكاهن الأعظم لا يعيَّن مدى الحياة، الأمر الذي زاد ضعفه. كما أن المنصب لم يَعُد مقصوراً على أسرة صادوق.

وكانت الأسرة الحشمونية أسرة من الملوك الكهنة إذ كان الملك هو نفسه كبير الكهنة. فقد انتخب يوناثان شقيق يهودا المكابي قائداً وكاهناً أعظم (160 ـ 142 ق.م).

شهدت هذه الفترة ظهور فرقة الصدوقيين، وهم من كبار الكهنة ويمثلون مصالح فئتهم، حيث التفوا حول النخبة الحاكمة وتحالفوا معها. وفي مقابل ذلك، ظهر الفريسيون الذين كانوا يضمون في صفوفهم كثيراً من الكتبة شراح الشريعة الذين دافعوا عن الشريعة الشفوية. كما كانوا يضمون في صفوفهم فقراء الكهنة ومتوسطي الحال منهم. وقد عارض الفريسيون قيام ملوك الحشمونيين بحمل لقب كبير الكهنة. وانفصلت الوظيفتان بالفعل عام 63 ق.م في عهد هيركانوس الثاني.

ومع احتدام الصراع الطبقي داخل المجتمع العبراني اليهودي في فلسطين، واحتدام الصراع بين القوى الدولية (السلوقيين ضد البطالمة والرومان ضد الجميع)، احتدم الصراع حول منصب كبير الكهنة. ففرَّ الكاهن الأعظم أونياس الرابع إلى مصر وأسس بإيعاز من البطالمة هيكلاً (145 ق.م) وعبادة قربانية يهودية كان هو كاهنها الأعظم. وحينما تولى هيرود الحكم (37 ق.م ـ 4م)، ولم يكن بوسعه أن يشغل هذا المنصب لأنه كان من أصل أدومي، حرص على السيطرة على كبير الكهنة فكان يعيِّن ويَعْزل كما يشاء. وحينما أصبحت فلسطين مقاطعة رومانية، أصبح الكاهن الأعظم مجرد موظف روماني، بل إن رداءه الكهنوتي كان عهدة عند الحاكم الروماني لا يعطيه للكاهن الأعظم إلا قبل الاحتفال بعيد الغفران على أن يستردها منه بعد ذلك مباشرة. وأصبح الكاهن الأعظم محطّ سخرية اليهود، فكانوا يُطلقون عليه النكات. وحينما نشب التمرد اليهودي الأول ضد الرومان (66 ـ 70م)، قام الغيورون بطرد الأرستقراطية الكهنوتية التي كانت تقيم في القدس، وذبحوا بعض أعضائها، واختاروا كبير الكهنة من صفوف الفقراء وبالقرعة. وكان هؤلاء الكهنة آخر من شغل هذا المنصب فبعد دخول تيتوس إلى القدس، وبعد تحطيمه الهيكل (70م)، اختفت العبادة القربانية تماماً واختفى الصدوقيون وظهر الحاخامات باعتبارهم قوة ذات طابع ديني قوي واضح وطابع دنيوي خافت.

  • الاحد AM 12:12
    2021-04-18
  • 1436
Powered by: GateGold