المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416031
يتصفح الموقع حاليا : 318

البحث

البحث

عرض المادة

أثر الرأسمالية الرشيدة فى الجماعات اليهودية

The Impact of Rational Capitalism on the Jewish Communities
بعد تناول الدور الذي لعبه أعضاء الجماعات اليهودية في تكوين الرأسمالية والاقتصاد التجاري، يمكننا الآن أن نترك المرحلة التكوينية لنرى أثر ظهور الرأسمالية (الرشيدة) عليهم ومقدار إسهامهم في الاقتصاد الرأسمالي ذاته. وسنلاحظ أن دور يهود غرب أوربا يختلف عن الدور الذي لعبه يهود وسط أوربا وشرقها. ويعود هذا إلى معدلات النمو الرأسمالي في هذه البلاد وإلى علاقة أعضاء الجماعات اليهودية بالمجتمع ككل ووضعهم فيه. ففي فرنسا وإنجلترا وهولندا لعب اليهود دوراً ثانوياً، أو لنقل دور الجزء في الكل الاقتصادي الأكبر الذي كان قد اكتسب كثيراً من ملامحه الرأسمالية الحديثة في غيبة أعضاء الجماعات اليهودية، وكان لهذه الدول مشاريعها الاستعمارية الضخمة، ولذا لم يلعب أعضاء الجماعات اليهودية في هذه البلاد سوى دور جزئي منشط.

أما في شرق أوربا، فلم تكن المجتمعات الأوربية هناك متطورة بما فيه الكفاية ولم يُقدَّر للرأسمالية الرشيدة التي نشأت في مرحلة متأخرة أن تتطور، كما لم يكن لديها مشروع استعماري مهم. وانتهى الأمر بأن حل النمط الاشتراكي في الإنتاج محل النمط الرأسمالي. ولهذا، انخرط أعضاء الجماعات اليهودية هناك إما في الطبقة العاملة وإما في الطبقة البورجوازية الصغيرة. وكان من بينهم كذلك رأسماليون ولكنهم كانوا نسبة صغيرة.

وفي وسط أوربا، وبخاصة في ألمانيا، ظهر النظام الرأسمالي الذي أخذ يتطور بسرعة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وتبلور لألمانيا مشروعها الاستعماري الخاص، وكان أعضاء الجماعة اليهودية يشكلون عنصراً مهماً في عملية التطور الرأسمالي هذه. ولكن الرأسمالية الألمانية تم ضربها وتم كذلك ضرب مشروعها الاستعماري ثم تحوَّلت ألمانيا نفسها إلى ما يشبه المستعمرة بعد اتفاقية فرسـاي (1919). وحينـما عاودت ألمانيا محاولة التصنيع مرة أخرى، لم يتم ذلك حسب النمط الرأسمالي الحر وإنما تم بتدخل الدولة، وقد راح رأس المال الذي يملكه بعض أعضاء الجماعات اليهودية ضحية هذه العملية.

ويتضح تباين معدلات إسهام أعضاء الجماعة في نمو الرأسمالية من بلد إلى آخر من خلال علاقتهم بالمدن ومدى تركُّزهم فيها. فظهور المدن وازدياد أهميتها كان يعني أن الوظائف المالية والتجارية الهامشية القديمة أصبحت تحتل المركز. وقد صاحب ذلك تحوُّل في وَضْع أعضاء الجماعات اليهودية، فبدلاً من كونهم عنصراً بشرياً متحركاً يحمل رأس مال متحركاً ويتحرك على أطراف المجتمع، تحوَّلوا إلى عنصر بشري يقطن المدينة في داخل المجتمع وليس على هامشه، أي أنهم أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الوطني. وأتاح ظهور الرأسمالية فرصة أمام رأس المال الذي يمتلكه يهود (ومن ثم فإنه قد اتسم بدرجة عالية من الحركية) لدخول الاقتصاد الجديد بنسبة أعلى من رأس المال المحلي (غير اليهودي) الثابت المُستثمَر في العقارات والمزارع، وهو الأمر الذي تم إنجازه في إنجلترا وفرنسا ثم ألمانيا. أما في شرق أوربا، فرغم أن تركُّز أعضاء الجماعة اليهودية في المدن قد ازداد، فإن السياق الطبقي لهذه العملية كان مختلفاً، فقد ساهم وجودهم في المدن في تحويل أعداد منهم إلى طبقة عاملة.

أما فيما يتصل بعلاقة الصهيونية بالرأسمالية، فيمكن القول بأنها ليست مباشرة. فالصهيونية ليست جزءاً من التشكيل القومي الغربي، وإنما هي جزء من التشكيل الإمبريالي الغربي يخدم مصالحه الإستراتيجية تحت ظروف خاصة هي ظروف الاستيطان في فلسطين. ولذا، لم تصر الإمبريالية الغربية، أو البورجوازيون من أعضاء الجماعة اليهودية في الغرب، على أن يأخذ المشروع الصهيوني شكلاً رأسمالياً محدَّداً، بل سمحت له وللدولة الصهيونية الوظيفية من بعده باتخاذ الشكل الاقتصادي المناسب الذي يضمن بقاءه حتى يستمر في خدمتها. وقد توصَّل الصهاينة إلى أن الأشكال الجماعية في الإنتاج التي تستخدم ديباجات اشتراكية هي أنسب الطرق لتنفيذ المشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي. ولذا، فعلى حين كانت الولايات المتحدة (المكارثية) تحارب الشيوعية في الولايات المتحدة، كان الصهاينة في الخمسينيات يرفعون لواء الاشتراكية، ويحتفلون بعيد العمال في مايو، وينتسبون إلى الدولية الاشتراكية ويتلقون المعونات بسخاء من الحكومات ومن أعضاء الجماعات اليهودية في العالم الرأسمالي، ويقومون على خدمة الإمبريالية.

  • الجمعة PM 10:18
    2021-04-02
  • 927
Powered by: GateGold