المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412644
يتصفح الموقع حاليا : 340

البحث

البحث

عرض المادة

التشكيك في صحة حديث "ماء الكمأة شفاء للعين"

التشكيك في صحة حديث "ماء الكمأة شفاء للعين"(*)

مضمون الشبهة:

يطعن بعض المغرضين في صحة الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الكمأة([1]) من المن، وماؤها شفاء للعين». ويستدلون على ذلك بأن العلم لم يثبت شفاء الكمأة لأمراض العيون، وإنما الذي حدث لا يتعدى أن أبا هريرة -رضي الله عنه- هو الذي أجرى هذه التجربة بعد سماعه الحديث، فقال: «أخذت ثلاثة أكمؤ، أو خمسا، أو سبعا فعصرتهن في قارورة وكحلت به جارية لي عمشاء فبرأت». وهذا لا يقوم دليلا على إثبات صحة الحديث؛ إذ لو صح ذلك لتعددت التجارب المثبتة لذلك، ولما تخلف أحد من مرضى العيون عنه، ولما عانى كثير من البشر من كثرة أمراض العيون في هذا العصر. وهم يقصدون من وراء ذلك إلى التشكيك فيما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أحاديث.

وجه إبطال الشبهة:

  • إنحديث "الكمأة" حديثصحيح،بلهوفيأعلىدرجاتالصحةسنداومتنا،وقدبينتالتجاربالعلمية قديما وحديثا صحة ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أثبت د. المرزوقي أن بماء الكمأة مادة تقاوم تكون الندب أو التليف المسبب لمرض "التراكوما"، وهو الرمد الربيعي، وبالتالي فهو خير علاج لهذا المرض، وأثبتت دراسة سعودية أنها تؤدي إلى توسيع شرايين العين مما يرفع من كفاءة الأنسجة في مقاومة المرض والعدوى، وهذا ما توصل إليه كذلك بعض الباحثين الروس.

التفصيل:

إن حديث "الكمأة" حديث صحيح روي في أصح كتب السنة وأوثقها، وهما الصحيحان، وقد أجمعت الأمة على صحة كل ما فيهما من أحاديث، وقد بوب البخاري بابا في صحيحه بعنوان "المن شفاء للعين"، روى فيه عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين»([2]).

وبوب النووي أيضا بابا في صحيح مسلم بعنوان "باب فضل الكمأة، ومداواة العين بها"، وروى فيه عن سعيد بن زيد قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين»([3])، وروى أيضا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الكمأة من المن الذي أنزل الله تبارك وتعالى على بني إسرائيل، وماؤها شفاء للعين»([4]).

ورواه الترمذي في سننه عن أبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العجوة من الجنة، وفيها شفاء من السم، والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين»([5])، وقد رواه كذلك كثير من أصحاب السنن والمسانيد بأسانيد قوية صحيحة.

إذن الحديث بهذه الروايات صحيح في أعلى درجات الصحة، ولا شك أنه صادر من النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو وحي من عند الله تعالى، وليس في سنده ما يدعو إلى التشكيك في صحته.

أما من ناحية متنه فقد أثبت العلم قديما وحديثا، وكذلك التجربة صحة شفاء العين بماء الكمأة.

يقول الإمام النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: «وماؤها شفاء للعين»، قيل: هي نفس الماء مجردا، وقيل: معناه: أن يخلط ماؤها بدواء ويعالج به العين، وقيل: إن كان لبرودة ما في العين من حرارة، فماؤها - مجردا - شفاء، وإن كان لغير ذلك، فمركب مع غيره، والصحيح، بل الصواب أن ماءها - مجردا - شفاء للعين مطلقا، فيعصر ماؤها ويجعل في العين منه، وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان قد عمي، وذهب بصره حقيقة، فكحل عينه بماء الكمأة مجردا فشفي، وعاد إليه بصره، وهو الشيخ العدل الأيمن الكمال بن عبد الله الدمشقي صاحب صلاح ورواية للحديث، وكان استعماله لماء الكمأة اعتقادا في الحديث وتبركا به"([6]).

ويقول ابن القيم - رحمه الله - في فضل الكمأة: والاكتحال بها نافع من ظلمة البصر والرمد الحار، وقد اعترف فضلاء الأطباء بأن ماءها يجلو العين، وممن ذكره المسيحي، وصاحب القانون (ابن سينا) وغيرهما.

وقال الغافقي: ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الأثمد واكتحل به، ويقوي أجفانها، ويزيد الروح الباصرة قوة وحدة، ويدفع عنها نزول النوازل.

ويرى بعض العلماء أن ماءها يخلط في الأدوية التي يعالج بها العين، لأنه يستعمل وحده، وقيل: أنه يستعمل بحتا بعد شيها، واستقطار مائها؛ لأن النار تلطفه وتنضجه، وتذيب فضلاته، ورطوبته المؤذية، وتبقي المنافع([7]).

وفي هذا دليل على أن المسلمين استطاعوا أن يثبتوا صحة الحديث على قدر ما أتيح لهم من الوسائل في هذه العصور الأولى، ولم يقصروا في إجراء التجربة قدر استطاعتهم.

الدراسات الطبية الحديثة تؤيد صحة الحديث:

جاء العلم الحديث بوسائله المتعددة شاهدا على صحة ما جاء به الحديث الشريف، فقد كشفت الدراسات العلمية التي قام بها مجموعة من الباحثين الروس، عن أن الكمأة تقوي بالفعل أنسجة العين وتنشطها وخاصة الشبكية ratine، وهي الغشاء الذي يغطي العين من الخلف، وتوجد به الخلايا الحساسة للضوء، والذي تتكون الصورة عليه.

وقد استطاع العلماء الروس استخلاص دواء من الكمأة لعلاج حالات قصر البصر، وهو دواء (نورفورتnorfort)، وما سبق كان من خلال استخدام الكمأة كغذاء.

أما من حيث استخدام ماء الكمأة ككحل للعين، فقد وجد أن ماءها يجلي البصر ويقويه، كما أنه يقوي الجفون، ويقاوم تهيج وتدميع العين إذا ما تم خلطه مع الإثمد (الكحل).

الكمأة وعلاج الرمد الربيعي (التراكوما):

التراكوما: هو مرض يصيب الملتحمة بحبوب أو تحبب، ولذا يسمى: التهاب الملتحمة التحببي Granular conjunctivitis، ومن تأثيراته أيضا حدوث زيادة غير طبيعية بالأوعية الدموية بالقرنية corneal vascularization، وهو مرض مزمن يتميز بمرور فترات من الخمود، وأخرى من النشاط والتزايد.

ومضاعفات هذا المرض وخيمة شديدة إذا لم يعالج بحسم وفي الوقت المناسب، وأخطرها حدوث ندب scars، أو تليف بالأنسجة المصابة، وهو ما يؤدي إلى أضرار مختلفة قد تصل إلى حد فقد البصر، وحدوث انسداد بالقنوات الدمعية، وعتامة بالقرنية.

الدور العلاجي للكمأة في مرض التراكوما:

لقد أثبتت إحدى الدراسات الحديثة والتي قام بها د. المرزوقي الأستاذ بجامعة القاهرة، والتي استغرقت نحو عشر سنوات أن استخدام مادة الكمأة كعلاج موضعي لبعض متاعب العيون، وخاصة مرض التراكوما يسبب تحسنا ملحوظا.

وقد بينت الدراسة أن تقديم هذا العلاج قد قاوم من فرصة تكون الندب أو التليف، وهو ما يمثل أخطر مضاعفات التراكوما، والتي تهدد بفقد البصر، حيث اتضح أن المواد الفعالة بالكمأة تعوق تكون الخلايا المكونة للألياف، أو تعوق حدوث نمو غير طبيعي للخلايا الطلائية الملتحمة، بل تعمل كذلك على زيادة تغذية الملتحمة، وبالتالي على زيادة قدرتها على التصدي للمرض بتوسيع الأوعية الدموية المغذية لها.

دراسة سعودية تؤكد النتائج السابقة:

دفعت تجارب د. المرزوقي بعض الباحثين في جامعة الملك سعود بإجراء تجارب مماثلة على أرانب تجارب، وقد وجدوا تأثيرا إيجابيا موسعا للشرايين المغذية لشبكة العين عند الأرانب، مما قد يحسن بالتالي من وظيفتها في استقبال الصورة، كما أن هذا التأثير الإيجابي يرفع من كفاءة الأنسجة في مقاومة المرض والعدوى([8]).

ومن هذه الأبحاث العلمية الواقعية يتبين أن الكمأة علاج لأمراض العين كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أثبت الطب أن لها عدة فوائد أخرى غير شفاء العين، ومن ذلك:

  • هناكاعتقادبوجودموادفعالةبالكمأةتقاومالإصابةالسرطانية،وهو ما حفز الباحثين على محاولة تحديد هذه المواد واستخلاصها، وصنع عقاقير منها.
  • وهناكاعتقادأيضاباحتواءالكمأةعلىموادفعالةتعملعلىخفضمستوىالكوليسترولبالدم،حيثأثبتتالملاحظةأنمتناوليالكمأةتقلبينهمنسبةارتفاعمستوىالكوليسترولعنغيرهم،والأمل قائم عند الباحثين في تحديد هذه المواد الفعالة.
  • كماتبينأنالكمأةتستخدمكغذاءمقوفيفتراتالنقاهةمنالمرض،فهيتساعدعلىاكتسابالحيويةمنجديد؛لاحتوائهاعلىالعديدمنالعناصرالغذائيةالهامة،وخاصةالأحماضالأمينيةالتيتتواجدبهاصورةكاملةتقريبا، علاوة على فيتامين (ج).
  • ومنالطريفكذلكأنالدراساتالحديثةالتيأجريتحولالكمأةأظهرتأنهاتحتويعلىموادمعينةغيرمعروفةبالتحديدتحفزعلىتكوينالهرموناتالجنسيةالأنثويةوالذكورية،وقدوجدأنتقديمهاللزوجاتينبهالرغبةالجنسيةلديهن،ويختصر مرحلة الوصول إلى الشبق، وبهذا فهي تعد علاجا فعالا لمقاومة مشكلة البرود الجنسي.
  • كماثبتأنالكمأةمفيدةجدافيعلاجالأظافرالهشة،وتشققالشفاه،ودهنيةالبشرة،كماتعالجضعفالأوردةوبروزها (الدوالي)،ومشكلةفقرالدم،وتعويضفقدالدمالشهري.
  • ومنالطريف أيضا أن صناع العطور الباريسية - غالية الثمن - استطاعوا الاستفادة بالرائحة الذكية للكمأة الأوربية وصنعوا منها بعض المنتجات التي تلقى الآن رواجا بين النساء([9]).

وبعد ذكر ما أثبته الطب الحديث يبرز سؤال منطقي: من غير الله تعالى يمكن أن يكون قد علم المصطفى -صلى الله عليه وسلم- هذه الحقائق العلمية: «أن الكمأة من وأن ماءها شفاء للعين»، فينطق بها من قبل ألف وأربعمائة سنة؟!

أليس فيما ذكرناه دليل كاف على صحة هذا الحديث، وصدق نبوة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم؟!

الخلاصة:

  • إنقولهصلىاللهعليهوسلم: «الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين» حديث متفق على صحته سندا، بل هو في أعلى درجات الصحة؛ لوروده في الصحيحين، وغيرهما من كتب السنة بأسانيد قوية صحيحة.
  • لقدتعددتالتجاربقديماعلىنباتالكمأة،فأثبتتأنماءهاشفاءللعينحقا،منذلكماأخبربهالإمامالنوويأنه شاهد رجلا عالج عينه بمائها فشفي.
  • جاءالطبالحديثبمخترعاتهالحديثةفأثبتصحةماجاءبهالحديثالنبوي؛فهذاد. المعتزالمرزوقيقدأجرىبحثاجيداعلىالكمأةأثبتمنخلالهأنماءهايمنعحدوثالتليففيحالاتأمراضالعيونالمعروفةباسمالتراكوماأوالرمدالحبيبي، وذلك عن طريق التدخل للحد من تكوين الخلايا المكونة للألياف في مكان الإصابة.
  • أجريتدراسةسعوديةعلىأرانبتجارب،فوجدأنللكمأةتأثيراإيجابيالتوسيعالشرايينالمغذيةلشبكةالعين،وهذاالتأثيريرفعمنكفاءةالأنسجةفيمقاومةالمرضوالعدوى.
  • إن للكمأة فوائد عديدة أخرى، فهي تقاوم السرطان، وتعمل على تخفيض الكوليسترول في الدم، وتزيد الهرمونات الجنسية الأنثوية والذكورية، وتعالج الأظافر الهشة وتشقق الشفاه، وهي تستخدم أيضا في صناعة أفضل العطور.

 

 

 

(*) ضحى الإسلام، أحمد أمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2002م. السنة النبوية وعلومها، د. أحمد عمر هاشم، مكتبة غريب، القاهرة، ط2.

[1]. الكمأة: نوع من الفطريات، تنمو تحت الأرض تلقائيا، وتوصف أحيانا بأنها نبات، ولثمارها أشكال كروية غير منظمة، مشابهة لحجم البطاطس من صغيرها إلى كبيرها، وتتميز ثمار الكمأة بملمس طري رخو لحمي، وسطحها قد يكون أملس إلى حد ما، أو خشنا، أو درنيا، كما يختلف لون ثمارها؛ فمنها ما هو مائل للبياض، وآخر مائل للاحمرار، ومنها ما يتدرج من البيج إلى الأسود، وتنمو الكمأة تحت التربة على أعماق تتراوح ما بين 20: 50 سم، ولا تظهر منها أجزاء فوق التربة، وليس لها ورق أو سيقان أو جذور، وتوجد عادة في صورة تجمعات أو مستعمرات يتراوح أعداد الثمار بها ما بين 10: 20 ثمرة. انظر: موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، مصر، ط1، 2007م، ص698: 700.

[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: المن شفاء للعين، (10/ 172)، رقم (5708).

[3]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: فضل الكمأة ومداوة العين بها، (7/ 3155)، رقم (5244).

[4]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: فضل الكمأة ومداوة العين بها، (7/ 3155)، رقم (5247).

[5]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الطب، باب: ما جاء في الكمأة والعجوة، (6/ 195)، رقم (2146). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2066).

[6]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (7/3158).

[7]. الطب النبوي، ابن القيم، دار المنار، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص235: 237 بتصرف.

[8]. انظر: عجائب العلاج بالكمأة، أيمن الحسيني، نقلا عن: موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، مصر، ط1، 2007م، ص703: 706.

[9] . موسوعة الإعجاز العلمي، حمدي الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، مصر، ط1، 2007م، ص706.

 

  • الاثنين AM 01:07
    2020-10-19
  • 1836
Powered by: GateGold