المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411862
يتصفح الموقع حاليا : 277

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى خطأ القرآن العلمي في وصفه الشمس بالضياء والقمر بالنور

                دعوى خطأ القرآن العلمي في وصفه الشمس بالضياء والقمر بالنور (*)                  

مضمون الشبهة:

 

يدعي بعض المغالطين أن القرآن قد أخطأ من الناحية العلمية في وصف الشمس والقمر الوارد في قوله تعالى: )هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا((يونس: 5)؛ إذ إن وصف الشمس بالضياء يعد وصفًا ساذجًا من الناحية العلمية، كما أن الآية قد وصفت القمر بالنور، وهذا يتنافى مع حقائق العلم التي أثبتت أن القمر كوكب معتم غير ملتهب، فلا يجوز وصفه بالنور.

 

وجه إبطال الشبهة:

أثبتت حقائق العلم الحديث أن الشمس جسم ملتهب يصدر الضوء والحرارة؛ فهي ضياء، أما القمر فهو جسم بارد لا يصدر الضوء بل يعكسه على شكل نور، وحتى عهد قريب لم يكن العلماء يميزون بين ضوء الشمس ونور القمر؛ ولقد فرَّق العزيز الحكيم في الآية الكريمة: )هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا(بين أشعة الشمس والقمر، فسمَّى الأولى "ضياءً" والثانية "نورًا".

التفصيل:

1) الحقائق العلمية:

 

أ‌.     ضوء الشمس:

 

الضوء "الضياء": هو الجزء المرئي من الطاقة الكهرومغناطيسية (الكهربية/ المغناطيسية) التي تتكوَّن من سلسلة متصلة من موجات الفوتونات([1]) التي لا تختلف عن بعضها بعضًا إلا في طول موجة كل منها، وفي معدل تردُّدها.

وتتفاوت موجات الطيف الكهرومغناطيسي في أطوالها بين جزء من مليون مليون جزء من المتر بالنسبة إلى أقصرها وهي أشعة "جاما"، وبين عدة كيلو مترات بالنسبة إلى أطولها وهي موجات الراديو (المذياع أو الموجات اللاسلكية)، ويأتي بين هذين الحدَّين عدد من الموجات التي تترتَّب حسب تزايد طول الموجة من أقصرها إلى أطولها: الأشعة السينية، والأشعة فوق البنفسجية، والضوء المرئي، والأشعة تحت الحمراء.

وعين الإنسان لا تستطيع أن تلتقط من هذه الموجات سوى الضوء المرئي، ولا تلتقط منه إلا أطوالاً تتراوح بين7000 و4000 أنجستروم([2])؛ وطول الموجة يتناسب تناسبًا عكسيًّا مع تردُّدها (أي عدد مرات ارتفاع الموجة وانخفاضها في الثانية الواحدة)، وحاصل ضرب هاتين الكميتين يساوي سرعة الضوء (نحو 300,000 كيلو متر في الثانية)، وموجات الضوء المرئي أسرع من موجات الراديو بنحو بليون مرة. ومن ثم؛ فإن أطوال موجاتها أقصر ببليون مرة من أطوال موجات الراديو.

  • الضوء الأبيض والأطياف:

والضوء الأبيض هو عبارة عن خليط من موجات ذات أطوال محدَّدة عديدة متراكبة على بعضها بعضًا، ويمكن تحليلها بإمرارها في منشور زجاجي أو غير ذلك من أجهزة التحليل الطيفي، وقد أمكن التعرف على سبع من تلك الموجات، أقصرها هو الطيف البنفسجي (ويقترب طول موجته من 4000 أنجستروم)، وأطولها هو الطيف الأحمر (ويقترب طول موجته من 7000 أنجستروم)، وبينهما البرتقالي، والأصفر، والأخضر، والأزرق، وغير ذلك من الألوان المتدرِّجة في التغيُّر فيما بين تلك الألوان السبع، وإن كانت عين الإنسان لا تستطيع أن تميِّز منها سوى هذه الألوان السبعة.

  • الضياء وتركيبة الشمس:

وتنتج طاقة الشمس من عملية الاندماج النووي، التي يتم فيها اتحاد أربعة من نوى ذرات الهيدروجين لتنتج نواة واحدة من نوى ذرات الهيليوم، وينطلق الفرق بين مجموع كتلة الأربع نوى لذرات الإيدروجين وكتلة نواة الهيليوم على هيئة طاقة (تساوي 0,0282 وحدة ذرية لكل تفاعل)، وهذه الطاقة الناتجة عن تلك العملية يكون أغلبها على هيئة أشعة جاما (نحو 96%)، وجزء قليل على هيئة النيوترينوات (Neutrinos)(في حدود 4%)، وسرعان ما تتحول أشعة جاما إلى حرارة، بينما تهرب النيوترينوات في الحال وتفقد.

وتشير الدراسات الشمسية إلى أن هذا النجم المتواضع قد بدأ بتركيب كيميائي يغلب عليه عنصرا الإيدروجين (نحو 90%)، والهيليوم (نحو 9%) مع آثار طفيفة من عناصر أخرى مثل الكربون والنيتروجين والأكسجين (في حدود 1%).

وبالتركيز التجاذبي لتلك الكتلة الغازية بدأت درجة حرارتها في الارتفاع، وعند وصول الحرارة إلى المليون درجة مئوية بدأت عملية الاندماج النووي في التفاعل، وانطلقت الطاقة النووية للشمس التي رفعت درجة حرارة لُبِّها إلى أكثر من 15 مليون درجة مئوية، ورفعت درجة حرارة سطحها إلى 6000 درجة مئوية.

وعملية الاندماج النووي في داخل الشمس عملية معقَّدة للغاية، ولا داعي للدخول في تفاصيلها هنا حتى لا يغيب عنا الهدف في غمرة الحديث، ولكن محصلة هذه العملية هي الارتفاع بنسبة الهيليوم في قلب الشمس من 9% إلى نحو 30%، وإنتاج طاقة الشمس المتمثِّلة في الطيف الكهرومغناطيسي، الذي زود الأرض وغيرها من أجرام المجموعة الشمسية بأغلب الطاقة التي تحتاجها.

والطيف المرئي من مجموعة أطياف الطاقة الكهرومغناطيسية المنطلقة من الشمس هو المعروف باسم ضوء الشمس، وعلى ذلك فالضوء عبارة عن تيار من الفوتونات المنطلقة من جسم مشتعل ملتهب متوقِّد بذاته، سواء كان ذلك بفعل عملية الاندماج النووي كما هو حادث في داخل الشمس وفي داخل غيرها من نجوم السماء، أو من جسم مادي تستثار فيه الإلكترونات بعملية التسخين الكهربائي أو الحراري، فيقفز الإلكترون من مستوى عالٍ في الطاقة إلى مستوى أقل، والفارق بين المستويين هو كمية الطاقة المنبعثة (Quantum Energy) على هيئة ضوء وحرارة، وتكون سرعة تردُّد موجات الضوء الناشئ مساوية لسرعة تحرك الشحنات المتذبذبة بين مستويات الذرة المختلفة من مثل الإلكترونات.

وعلى ذلك؛ فإن مصادر الضوء هي أجسام مادية لها حشد هائل من الجسيمات الأولية المستثارة بواسطة رفع درجة الحرارة من مثل الإلكترونات وغيرها من اللبنات الأولية للمادة. وأهم مصادر الضوء بالنسبة لنا -أهل الأرض- هي الشمس ووقودها هو عملية الاندماج النووي.

والمصابيح الكهربائية تنتج الضوء عن طريق تسخين سلك من معادن الإشعاع، وكلما ارتفعت درجة الحرارة زادت كمية الضوء المشع وارتفعت معدلات تردُّد موجاته، وبالطريقة نفسها يحترق فتيل السراج بإشعاله بواسطة احتراق الزيت (من مثل زيت الزيتون) أو النفط (الكيروسين) أو الكحول، فيشع بواسطة الترددات التي يمتصها، وكلما ارتفعت درجة حرارته زادت قدرته على إشعاع الضوء، وذلك بزيادة كمية الضوء الصادر منه، وارتفاع معدلات تردده.

وعلى ذلك؛ فإن الجسم المادي عندما يسخن فإنه يشع بمقدار الطاقة التي يمتصها برفع درجة حرارته بأي واسطة متاحة.

وتختلف الصفات البصرية للمواد في درجات الحرارة الفائقة؛ وذلك لأن ذبذبة أي من الفوتونات أو الإلكترونات تتم بعنف شديد، فتتداخل موجات الطيف الكهرومغناطيسي - ومنها موجات الضوء المرئي- مع بعضها بعضًا تداخلاً كبيرًا، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث كثير من الظواهر غير المتوقعة، وذلك لأن الموجات الكهرومغناطيسية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمصادرها وكواشفها.

وضوء الشمس عند مروره في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض يتعرَّض لعديد من عمليات الامتصاص والتشتُّت والانعكاس على كل من هباءات الغبار، وقطيرات الماء وبخاره، وجزيئات الهواء الموجودة بتركيز عالٍ نسبيًّا في هذا الجزء من الغلاف الغازي للأرض، فيظهر بهذا اللون الأبيض المبهج الذي يميز وقت النهار.

 

 

 

 

 

صورة للشمس في وقت توهجها

ب‌.نور القمر:

 

يتعرَّض ضوء الشمس لعديد من عمليات التشتُّت والانعكاس عندما يسقط على سطح القمر المكسو بعديد من الطبقات الزجاجية الرقيقة الناتجة عن ارتطام النيازك بهذا السطح، والانصهار الجزئي للصخور على سطح القمر بفعل ذلك الارتطام، فالقمر -وغيره من أجرام مجموعتنا الشمسية- جسم معتم بارد لا ضوء له، ولكنه يمكن أن يُرى لقدرته على عكس أشعة الشمس فيبدو منيرًا، وهذا هو الفرق بين ضوء الشمس ونور القمر؛ فنور القمر ناتج عن تشتيت ضوء الشمس على سطحه بواسطة القوى التي يبذلها الحقل الكهرومغناطيسي على الشحنات الكهربية التي تحتويها كل صور المادة، فالحقل الكهرومغناطيسي المتذبذب لضوء الشمس الساقط يحدث قوة دورية ضاغطة على كل شحنة إلكترونية الأمر الذي يجعلها تقوم بحركة متناسقة مع تردد موجات الطيف الأبيض.

ومن الثابت علميًّا أن الشحنة المتذبذبة تشعُّ في جميع الاتجاهات - فيما عدا اتجاه حركتها- الأمر الذي يبرر عمليات تشتت الضوء، وهي عمليات تعتمد على عدد وحجم وبنية وهيئة واتجاهات وتفاعل كل من الجسيمات القائمة بمثل هذه العمليات من التشتت مع بعضها بعضًا، والصفات الحرارية/ الديناميكية للوسط الذي تتشتت فيه. ومن المعروف أن تردُّد الضوء الساقط يتفق تمامًا مع تردد الشعاع الساقط مع تباعد قليل بين خطوط الأطياف المختلفة بسبب حركة الجسم المشتت للضوء الساقط عليه؛ ولذلك تأتي خطوط أطياف الشعاع المشتت بشكل أضعف من خطوط أطياف الشعاع الساقط من أشعة الشمس([3]).

 

 

صورة توضح الفرق بين ضوء الشمس ونور القمر

 

  • تراب القمر يتميَّز بخاصية الإنارة وتحويل ضوء الشمس إلى كهرباء:

يقول رائد الفضاء يوجين الذي صعد إلى القمر ومشى على سطحه عام 1972م: إن سطح القمر وجوَّه مغطًّى بشكل كبير بغبار يشبه الدخان، وهو يؤذي بدلة رائد الفضاء، وهو شبيه بحبيبات الزجاج.

وعندما عاد إلى الأرض اكتشف أن لديه حُمَّى غبار القمر، وهذا الغبار لا يشبه الغبار الذي نعرفه أبدًا، ولكنه يشبه الدخان تمامًا، هذا الغبار جاء إلى القمر منذ بلايين السنين، وبما أن القمر ليس له غلاف جوي فلذلك تضربه النيازك والأحجار الفضائية؛ ولذلك نجد صخور القمر أشبه ببلورات الزجاج المنيرة. ويقول العلماء: إن غبار القمر له خصائص حديدية ويمكن التقاطه بواسطة المغناطيس، وهذه الخصائص تعطي لتربة القمر وصخوره وغباره مميزات خاصة تجعلها فريدة من نوعها.

  • ما هذه المميزات؟

عندما صعد الإنسان لأول مرة إلى القمر أحضر معه عينات من ترابه وصخوره، وقام بفحصها بالمجاهر الإلكترونية وتحليل مادتها بالأجهزة الكيميائية، وكانت النتيجة أن تراب القمر المأخوذ من على سطحه (أي الطبقة الظاهرة لنا) يتألف من 50% من مادة ثاني أكسيد السيليكون (silicondioxide)وأكاسيد معدنية أخرى مثل أكسيد الألومنيوم وأكسيد الحديد.

فالسر إذًا يكمن في ثاني أكسيد السيليكون الذي تم استخدامه في العقود الماضية لصناعة العناصر الإلكترونية، وعنصر السيليكون هو من العناصر شبه -أو نصف- الناقلة للكهرباء.

إن هذا الاكتشاف العلمي يؤكد أن سطح القمر لا يعكس النور فحسب، بل هنالك خصائص في ترابه تجعله يكتسب خاصية الإنارة وتحويل النور لتيار كهربائي، وقد يحتوي هذا التراب على خاصية تحويل الكهرباء إلى نور؛ فالعمليتان متعاكستان، وملخَّص هاتين العمليتين كما نراهما في التجارب الحديثة ما يأتي:

عندما يسقط الشعاع الضوئي على التربة القمرية؛ فإن الفوتونات الضوئية الآتية من خلال هذا الشعاع تصطدم بذرات التراب وتؤدي إلى حركة منظمة في الإلكترونات، وانتقال هذه الإلكترونات عبر المادة نصف الناقلة (السيليكون)؛ الأمر الذي ينتج تيارًا كهربائيًّا يمكن الاستفادة منه.

أما العملية المعاكسة فتتلخَّص في أننا إذا مرَّرنا تيارًا كهربائيًّا في ذرات هذا التراب، فإنه سيحرك الإلكترونات ويجعلها تقفز في مداراتها حول الذرات؛ الأمر الذي ينتج الفوتونات الضوئية، وهذه العملية قد يتمكَّن العلماء من تحقيقها مستقبلاً([4]).

2) التطابق بين الحقائق العلمية وبين ما أشارت إليه الآية الكريمة:

لقد أشار القرآن الكريم في قوله تعالى: )هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا( (يونس: ٥)، وأيضًا في قوله تعالى: )وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا (16)((نوح) إلى حقيقة كل من الشمس والقمر والخصائص والسمات التي ينطوي عليها كل منهما؛ فقد وصفت الآية الكريمة الشمس بأنها جسم ملتهب، وكرة نارية تصدر عنها الحرارة والضوء، وهذا ما يبدو جليًّا من وصفها بالسراج، بخلاف القمر الذي وصف بأنه نور؛ أي إنه ليس مصدرًا للضوء مثل الشمس ولكنه بارد ينير كالمرآة يعكس جزءًا من ضوء الشمس الساقط عليه، وهذه الحقائق عن الشمس والقمر لم يعرفها علماء الفلك إلا حديثًا بعد تطور العلم، وهذا يؤكد أنه لا تعارض بين القرآن الكريم وحقائق العلم.

انطلاقًا من هذه الحقائق العلمية التي تمايز بين الضوء الصادر من جسم مشتعل ملتهب مضيء بذاته، في درجات حرارة عالية -قد تصل إلى ملايين الدرجات المئوية كما هو الحال في قلب الشمس- وبين الشعاع المنعكس من جسم بارد يتلقى شعاع الضوء فيعكسه نورًا ـ ركَّز القرآن الكريم على التمييز الدقيق بين ضياء الشمس ونور القمر، وبين كون الشمس سراجًا وكون القمر نورًا، فقال عزَّ من قائل: )هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون (5)((يونس)، وقال تبارك اسمه: )ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا (15) وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا (16)((نوح)، وقال عز وجل: )تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا (61)((الفرقان).

وقابل الظلمات بالنور وليس بالضياء في آيات كثيرة من مثل قوله سبحانه وتعالى:)الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون (1)((الأنعام).

ووصف الشمس بأنها "سراج"، وبأنها "سرّاج وهّاج"، فقال سبحانه وتعالى: )وجعلنا سراجا وهاجا (13)((النبأ).

وحينما وصف خاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم بأنه سراج (بمعنى أنه مضيء بذاته) أضاف إلى وصف السراج أنه منير، فقال عز سلطانه: )يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (45) وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا (46)((الأحزاب).

وحينما وصف النار وصفها بالضياء، ووصف أشعتها الساقطة على من حولها بالنور، فقال عزَّ من قائل:)مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون (17)((البقرة).

ووصف أشعة البرق بأنها ضوء فقال -وهوأصدق القائلين-: )يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا((البقرة: 20)، ووصف سبحانه وتعالى الزيت بأنه يضيء، ووصف سقوط ضوئه على ما حوله بالنور، فقال تعالى:)الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم (35)((النور)، وقال عن غيبة الشمس: )قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون (71)((القصص).

هذه الدقة البالغة في التفريق بين الضوء المنبعث من جسم ملتهب مشتعل مضيء بذاته، وبين سقوط هذا الضوء على جسم مظلم بارد وانعكاسه نورًا من سطحه ـ لا يمكن أن يكون لها مصدر من قبل ألف وأربع مئة سنة إلا الله الخالق، فهذا الفرق الدقيق لم يدركه العلماء إلا في القرنين الماضيين، ولا يزال في زماننا كثير من الناس لا يدركونه.

فسبحان الذي أنزل القرآن الكريم، أنزله بعلمه، على خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم، وتعهَّد بحفظه، فحفظ على مدى أربعة عشر قرنًا أو يزيد بلغة الوحي نفسها (اللغة العربية) دون زيادة حرف واحد، أو نقص حرف واحد، وأبقى فيه تلك الومضات النورانية من حقائق الكون، وسنن الله فيه شاهدة على صدقه، وحجة على أهل عصرنا وأهل كل عصر يأتي من بعده إلى قيام الساعة. فاعتبروا يا أولي الألباب([5])!

  • الوصف القرآني للشمس بالسرّاج دقيق جدًّا من الناحية العلمية:

إن المتأمِّل في الوصف القرآني للشمس بالسراج الوارد في قوله تعالى: )وجعل الشمس سراجا (16)( (نوح) يجده وصفًا دقيقًا جدًّا من الناحية العلمية؛ إذ إن السراج في قواميس اللغة هو الوعاء الذي يوضع فيه الوقود ليحترق ويعطي الحرارة والضوء، وبالرجوع إلى أحدث ما اكتشفته الأبحاث العلمية حول آلية عمل الشمس والتفاعلات النووية الحاصلة في داخلها، نجد أن تركيب الشمس ونظام عملها هو عبارة عن وعاء مليء بالهيدروجين الذي يحترق باستمرار بطريقة الاندماج، ويبثُّ الحرارة والضوء، فالشمس إذًا عبارة عن فرن نووي ضخم، وقوده الهيدروجين الذي يتفاعل باستمرار تفاعلاً اندماجيًّا وينتج عنصر الهيليوم الأثقل منه؛ الأمر الذي يؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من الحرارة والضوء([6]).

والسؤال الذي نطرحه الآن على هؤلاء المشكِّكين: ألا يعد وصف القرآن للشمس بالسراج سبقًا علميًّا بكل المقاييس؟

  • أقوال المفسرين في التفريق بين ضوء الشمس ونور القمر:

يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: )هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا((يونس:5): يخبر تعالى عما خلق من الآيات الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه، وأنه جعل الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياء وشعاع القمر نورا، هذا فن وهذا فن آخر، ففاوت بينهما لئلا يشتبها، وجعل سلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل([7]). ويقول في موضع آخر: فجعل الشمس لها ضوء يخصُّها، والقمر له نور يخصه([8]).

ويقول الألوسي في الحكمة من وصف الشمس بالضياء والقمر بالنور: هما متباينان، فما كان بالذات فهو ضياء، وما كان بالعرض فهو نور، ولكون الشمس نيرة بنفسها نسب إليها الضياء، ولكون نور القمر مستفادًا منها نسب إليه النور([9]).

ويقول صاحب تفسير البحر المديد: يقول الحق جل جلاله: )هو الذي جعل الشمس ضياء((يونس:5)؛ أي: ذات ضوء وإشراق أصلي، )والقمر نورا((يونس:5)؛ أي: ذا نور عارض، مقتبس من نور الشمس عند مقابلته إياها، ولذلك يزيد نوره وينقص، فقد نبَّه سبحانه وتعالى بذلك على أنه خلق الشمس نيرة بذاتها، والقمر نورًا بعرض مقابلة الشمس والاكتساب منها، فالنور أعم من الضياء، والضياء أعظم من النور([10]).

ويقول أبو السعود: )والقمر نورا((يونس:5)، الكلام فيه كالكلام في الشمس، والضياء أقوى من النور، وقيل: ما بالذات ضوء وما بالعرض نور، ففيه إشعار بأن نوره مستفاد من الشمس([11])؛ وعليه فلا حجة لمن يزعم أن القرآن لم يكن دقيقًا حينما وصف الشمس بالضياء والقمر بالنور.

3) وجه الإعجاز:

لم يكن العلماء قديمًا يعرفون شيئًا عن آلية عمل الشمس أو عن ماهية الشمس وحقيقة الضوء المنبعث منها، ولقد اكتشف العلماء في العصر الحالي أن الشمس عبارة عن فرن نووي هائل مليء بالهيدروجين الذي يحترق باستمرار بطريقة الاندماج، ويبث الحرارة والضوء، وهذه الحقيقة العلمية قد أشار إليها القرآن منذ أكثر من ألف وأربع مئة سنة؛ إذ وصف القرآن الشمس بالضياء تارة وبالسراج تارة، والسراج عبارة عن وعاء يوضع فيه الوقود ليحترق كي يبث حرارة وضوءًا.

وكذلك لم يفرق الناس قديمًا بين ضوء الشمس ونور القمر، والعرب في عصر نزول القرآن لم يفرقوا بين النجم والكوكب، ولا بين الضوء والنور، فكان كلاهما ينير ويبدِّد الظلمات، لكن العلم الحديث أخبرنا أن الجسم المضيء هو الذي يشع ضوءًا، فهو يضيء بذاته كالشمس والمصباح والنار والبرق، أما الجسم المنير فهو الذي تسقط عليه أشعة الضوء فينعكس عنها نورًا.

 

 

(*) منتدى: المسيحيين المغاربة www.movemegod.com. نقض النظريات الكونية، محمد بن عبد الله الإمام، مرجع سابق.

 

[1]. الفوتون: هو الطاقة التي تشعها الذرة عندما يقفز إلكترون من مدار خارجي إلى مدار داخلي، وكمية الطاقة ليست شيئًا ملموسًا، ومع ذلك فهي موجودة، وتقول نظرية "الكم" التي تفسر طبيعة الضوء: إن المصدر الضوئي يرسل سيلًا من الفوتونات، مثل تلك الطلقات التي يطلقها مدفع سريع الطلقات.

 

[2]. الأنجستروم يساوي جزءًا من عشرة بلايين جزء من المتر.

 

[3]. ضوء الشمس ونور القمر، بحث منشور بمنتدى: الفيزياء الكونية www.phys4arab.net.

 

[4]. القمر نور، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.

 

[5]. من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص505- 507 بتصرف.

 

[6]. السراج الوهاج، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.

 

[7]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج2، ص407.

 

[8]. المرجع السابق، ج3، ص572.

 

[9]. روح المعاني، الألوسي، مرجع سابق، عند تفسير هذه الآية.

 

[10]. البحر المديد، ابن عجيبة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1423هـ/ 2002م، عند تفسير هذه الآية.

 

[11]. تفسير أبو السعود، أبو السعود، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج4، ص120.

 

  • الخميس PM 01:37
    2020-09-03
  • 1191
Powered by: GateGold