المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415231
يتصفح الموقع حاليا : 268

البحث

البحث

عرض المادة

"إن الذبن يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون "، وبعد هذه الآية بأزيد من عشرة آيات: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به

قوله تعالى: "إن الذبن يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون "، وبعد هذه الآية بأزيد من عشرة آيات: "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون فى بطونهم الا النار ولا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب عظيم "، وفى سورة آل عمران: "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم فى الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ".
للسائل أن يسأل عن تخصيص آيتى البقرة بذكر الكتم بقوله فى الآيتين: "ان الذين يكتمون " وهؤلاء بالسابق من ظاهر الآية هم المذكورون فى آية آل عمران ولم يذكر من الآى الثلاث من الوعيد مع البادى من اتحاد مرتكبهم وعن تخصيص كل موضع من هذه بما ورد فيه مرتكبا وجزاء فهذه ثلاثة أسئلة.
والجواب عن الآيتين الأوليين والله أعلم أنه لما تقدم قبلهما فى السورة نفسها قوله تعالى: "ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ".
فنهاهم الله سبحانه ولم يجر مع هذا النهى ذكر جزاء فى هذه الآية بل تذكير ودعاء إلى ما به نجاتهم واستلطف فى الدعاء ألا ترى أنه تعالى أمرهم بسلوك طريق المتقين قال تعالى: "وأقيموا الصلاة ...
" إلى مابعدها فتضمن من التلطف فى الدعاء مع الايماء إلى مرتكباتهم والاضراب عما يستوجب فاعل ذلك ما يوضح للمعتبر عظيم رفقه سبحانه وجليل حلمه فلما لم يجد ذلك عليهم وكتموا بعد أن حذروا عن الكتم وردت الآية بعد معرفة بجزاء من كتم بعد أن حذر فقال تعالى: "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب ....
الآية "، فذكر حال الكاتمين وجزاءهم المترتب على فعلهم من استحقاق اللعن من الله سبحانه وممن ذكر من عباده واللعن الطرد والابعاد ثم إنه سبحانه تدارك من تاب منهم وأصلح وبين بعد أن كان كتم فلما بين فى هذه الآية أمر هؤلاء أعقب فى الأخرى بعد ذكر حال المتمادين على مرتكبهم من الكتم وما زادوا إلى ذلك من اشترائهم به ثمنا قليلا وحظا من دنياهم لا خطر له وذكر ما زيدوا فى الجزاء من العقاب موازنة لزيادة المرتكب فقيل: " أولئك ما يأكلون فى بطونهم الا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم "، ولم يذكر لهؤلاء حال توبة إن تابوا لسوء المرتكب، وليس المراد أنهم لا توبة لهم ولكن عدم ذكرها أوقع فى الاغلاظ لما ذكر من سوء مرتكبهم ليجرى مع قوله تعالى: "ولا يزكيهم "، فإن التزكية تطهير من الاثم ومحوله وذلك هو الذى تثمره التوبة النصوح فلم يكن ليلائم هنا ذكر التوبة وليناسب بذلك أيضا ما عرفت به الآية بعد من حالهم الاخراوى فى قوله تعالى: "أولئك الذين استروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار "، فلما عرف بهذه الغاية من جزائهم لم يكن ليناسب
ذلك ذكر التوبة.
ووجه المراد فى هذه الآية من قوله: "أولئك ما يأكلون فى بطونهم الا النار " وتخصيصها بهذا إنما هو لما تقدم من قوله تعالى قبل هذه الآية: "يأيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالا طيبا " وقوله: "يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم "، ذكر تعالى لهؤلاء ما أحل لهم أكله وما حرم عليهم، فلما تقدم هذا أتبعه بإعلام هؤلاء الآكلين بالتحريف والتبديل بخبث مأكلهم وشنيع مشتراهم، وأنه لو كشف عن أبصارهم لرأوا أنهم إنما يأكلون نارا.
وقيل: "وفى بطونهم " لأن الأكل كأنه ضمن معنى الجعل إذ النار فى المعهود المعلوم لا تؤكل فكأن قد قيل:"انما يجعلون بذلك المأكل الخبيث فى بطونهم نارا كما ورد فى قوله تعالى: "إن الذين يأكلون مال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا "، فالأكل المقصود ملفوظ به ودل عليه السياق.
وقوله: "فى بطونهم " على الجعل وكأنه من باب التضمين فدل اللفظ على ما وضع له من المعنى وعلى ما يعطيه من حيث ما يتم به المعنى ويعضده السياق.
ومن هذا النحو من دلالة اللفظ على ما تحته من المعنى وعلى غيره من معناه مما يتم المعنى ويحصل المقصود قوله تعالى: "وما نقموت منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ".
المعنى والله أعلم: وما فعلوا ذلك وما يفعلونه الا لإيمانهم ألا ترى أن "أن " فى قوله "أن يؤمنوا " من حيث أن مقتضاها الاستقبال لابد من تعلقها بفعل مناسب ولا يتعلق بالماضى فلابد من تقدير فعل مستقبل يدل عليه الماضى الملفوظ به فكأن قد قيل: ولا ينقمون الا لأجل أيمانهم، وعلى هذا هو المعنى لأن المراد تماديهم على ذلك الفعل وبذلك يحصل ذمهم على مرتكبهم ومن نحو هذا قول الشاعر [برج بن مسهر الطائى]:
وندمان يزيد الكأس طيبا سقيت إذا تغورت النجوم
إنما يريد سقيت وأسقيه لأن إذا من حيث هى ظرف زمان مستقبل لا يعمل فيها الا فعل مستقبل وبذلك يتم المعنى إذ لم يرد أنه فعل ذلك مرة إذ لا يمتدح بذلك وانما يريد أن ذلك دأبه وعادته وقد شهد المعنى للمقدر من اللفظ ومن هذا قول الكندى:
تجاوزت أحراسا وأهوال معشر علي حراصا لو يشرون مقتلى
ثم قال:
إذا ما الثريا فى السماء تعرضت [تعرض أثناء الوشاح المفصل]
ولا يعمل تجاوزت فى إذا لما تقدم فالتقدير تجاوزت وأتجاوز حتى يعلم أن تلك عادته ودأبه وبه يحصل ما أراد وهذا كثير بديع، وفى القرآن منه كثير، وقد خرج من الكلام وحصل الجواب عن السؤالين.
والجواب عن السؤال الثالث: أن آية عمران إنما وردت فى مرتكب مخصوص غير الكتم وقد يكون من غير الكاتمين وإن كان أنسب لحالهم وجرى مع مرتكبهم فهو يقع منهم ومن غيرهم انفرد هذا المرتكب الشنيع بما توعدوا عليه، ولكونه أجرى فى مرتكبات من قدم فى آيتى البقرة اشتد فيه الوعيد، واتبعت الآية بما يشعر أتهم الأهلون لهذا المرتكب فقال تعالى: "وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ....
الآية "، فليهم أسنتهم من ضرب الكتم وبالجملة فالآية مرتبطة بما يفصلها عن آيتى البقرة ومناسبتها موضعها بين لما تقدمها من قوله: "ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومن من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك الا ما دمت عليه قائما "الى ما يتلو هذا فخصوص هذه الآية بموضعها أوضح شئ وكل من هذه الآيات جار على أوضح مناسبة والله أعلم.

  • الاربعاء PM 01:50
    2018-05-09
  • 2448
Powered by: GateGold