المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412558
يتصفح الموقع حاليا : 312

البحث

البحث

عرض المادة

الرد على الشبهات 2

الشبهة السابعة: أثران ضعيفان:1 - أثر الاستسقاء بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته:قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) (2/ 397) ما نصه: «وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار ـ وكان خازن عمر ـ قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: يا رسول الله! استسق لأمتك، فإنهم قد هلكوا، فأُتِيَ الرجلُ في المنام، فقيل له: ائت عمر .. الحديث. وقد روى سيف في (الفتوح) أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة».قال الشيخ الألباني: والجواب من وجوه:الأول: عدم التسليم بصحة هذه القصة، لأن مالك الدار غير معروف العدالة والضبط، وهذان شرطان أساسيان في كل سند صحيح كما تقرر في علم المصطلح، وقد أورده ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) ولم يذكر راويًا عنه غير أبي صالح هذا، ففيه إشعار بأنه مجهول، ويؤيده أن ابن أبي حاتم نفسه ـ مع سعة حفظه واطلاعه ـ لم يَحْكِ فيه توثيقًا فبقي على الجهالة.* ولا ينافي هذا قول الحافظ: ( ... بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان ... ) لأننا نقول: إنه ليس نصًا في تصحيح جميع السند بل إلى أبي صالح فقط، ولولا ذلك لما ابتدأ هو الإسنادَ من عند أبي صالح، ولقال رأسًا: (عن مالك الدار ... وإسناده صحيح) ولكنه تعمد ذلك؛ ليلفت النظر إلى أن ها هنا شيئًا ينبغي النظر فيه، والعلماء إنما يفعلون ذلك لأسباب منها: أنهم قد لا يحضرهم ترجمة بعض الرواة، فلا يستجيزون لأنفسهم حذف السند كله، لما فيه من إيهام صحته لاسيما عند الاستدلال به، بل يوردون منه ما فيه موضع للنظر فيه، وهذا هو الذي صنعه الحافظ - رحمه الله - هنا، وكأنه يشير إلى تفرد أبي صالح السمان عن مالك الدار كما سبق نقله عن ابن أبي حاتم، وهو يحيل بذلك إلى وجوب التثبت من حال مالك هذا أو يشير إلى جهالته. والله أعلم.ويؤيد ما ذهبت اليه أن الحافظ المنذري أورد في (الترغيب) قصة أخرى من رواية مالك الدار عن عمر ثم قال: «رواه الطبراني في (الكبير)، ورواته إلى مالك الدار ثقات مشهورون، ومالك الدار لا أعرفه». وكذا قال الهيثمي في (مجمع الزوائد).الثاني: أنها مخالفة لما ثبت في الشرع من استحباب إقامة صلاة الاستسقاء لاستنزال الغيث من السماء، كما ورد ذلك في أحاديث كثيرة، وأخذ به جماهير الأئمة، بل هي مخالفة لما أفادته الآية من الدعاء والاستغفار، وهي قوله تعالى في سورة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا} (نوح:10 - 11) وهذا ما فعله عمر بن الخطاب حين استسقى وتوسل بدعاء العباس - رضي الله عنهما -، وهكذا كانت عادة السلف الصالح كلما أصابهم القحط أن يصلوا ويدعوا، ولم ينقل عن أحد منهم مطلقًا أنه التجأ إلى قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وطلب منه الدعاء للسقيا، ولو كان ذلك مشروعًا لفعلوه ولو مرة واحدة، فإذا لم يفعلوه دل ذلك على عدم مشروعية ما جاء في القصة.الثالث: هب أن القصة صحيحة، فلا حجة فيها، لأن مدارها على رجل لم يُسَمَّ، فهو مجهول أيضًا، وتسميته بلالًا في رواية سيف لا يساوي شيئًا، لأن سيفًا هذا ـ وهو ابن عمر التميمي ـ متفق على ضعفه عند المحدثين، بل قال ابن حبان فيه: «يروي الموضوعات عن الأثبات، وقالوا: إنه كان يضع الحديث». فمن كان هذا شأنه لا تقبل روايته ولا كرامة، لا سيما عند المخالفة.تنبيه: سيف هذا يَرِدُ ذِكْره كثيرًا في تاريخ ابن جرير وابن كثير وغيرهما، فينبغي على المشتغلين بعلم التاريخ أن لا يغفلوا عن حقيقة أمره حتى لا يعطوا الروايات ما لا تستحق من المنزلة.الفرق بين التوسل بذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبين طلب الدعاء منه:هذا الأثر ليس فيه التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، بل فيه طلب الدعاء منه بأن يستسقي الله تعالى أمته، وهذه مسألة أخرى لا تشملها الأحاديث المتقدمة، ولم يقل بجوازها أحد من علماء السلف الصالح - رضي الله عنهم -، أعني الطلب منه - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته.* قياس بعض المتأخرين حياة الأنبياء في البرزخ على حياتهم في الدنيا قياس باطل مخالف للكتاب والسنة والواقع، وحسبنا الآن مثالًا على ذلك أن أحدًا من المسلمين لا يجيز الصلاة وراء قبورهم، ولا يستطيع أحد مكالمتهم، ولا التحدث اليهم، وغير ذلك من الفوارق التي لا تخفى على عاقل.الاستغاثة بغير الله تعالى: ونتج من هذا القياس الفاسد والرأي الكاسد تلك الضلالة الكبرى، والمصيبة العظمى التي وقع فيها كثير من عامة المسلمين وبعض خاصتهم، ألا وهي الاستغاثة بالأنبياء الصالحين من دون الله تعالى في الشدائد والمصائب حتى إنك لتسمع جماعات متعددة عند بعض القبور يستغيثون بأصحابها في أمور مختلفة، كأن هؤلاء الأموات يسمعون ما يقال لهم، ويطلب منهم من الحاجات المختلفة بلغات متباينة، فهم عند المستغيثين بهم يعلمون مختلف لغات الدنيا، ويميزون كل لغة عن الأخرى، ولو كان الكلام بها في آن واحد! وهذا هو الشرك في صفات الله تعالى الذي جهله كثير من الناس، فوقعوا بسببه في هذه الضلالة الكبرى.ويبطل هذا ويرد عليه آيات كثيرة. منها قوله تعالى: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلًا} (الإسراء: الآية 56). والآيات في هذا الصدد كثيرة.2 - أثر فتح الكوى فوق قبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى السماء:روى الدارمي في (سننه):حدثنا أبو النعمان ثنا سعيد ابن زيد ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: قحَط أهل المدينة قحطًا شديدًا، فشكوا إلى عائشة، فقالت: انظروا قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فاجعلوا منه كوى إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، قال: ففعلوا، فمطرنا مطرًا حتى نبت العشب، وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق.قال الشيخ الألباني: وهذا سند ضعيف لا تقوم به حجة لأمور ثلاثة:أولها: أن سعيد بن زيد فيه ضعف. قال فيه الحافظ في (التقريب): «صدوق له أوهام». وقال الذهبي في (الميزان): «قال يحيى بن سعيد: ضعيف، وقال السعدي: ليس بحجة، يضعفون حديثه، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي».وثانيهما: أنه موقوف على عائشة وليس بمرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولو صح لم تكن فيه حجة، لأنه يحتمل أن يكون من قبيل الآراء الاجتهادية لبعض الصحابة، مما يخطئون فيه ويصيبون، ولسنا ملزمين بالعمل بها.وثالثها: أن أبا النعمان هذا هو محمد بن الفضل، يعرف بعارم، وهو وإن كان ثقة فقد اختلط في آخر عمره. وقد أورده الحافظ برهان الدين الحلبي حيث أورده في (المختلطين) من كتابه (المقدمة) وقال (ص391): «والحكم فيهم أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط ولا يقبل حديث من أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده».وهذا الأثر لا يدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أو بعده، فهو إذن غير مقبول، فلا يحتج به، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الرد على البكري) (ص68 - 74): «وما رُوي عن عائشة - رضي الله عنها - من فتح الكوة من قبره إلى السماء، لينزل المطر فليس بصحيح، ولا يثبت إسناده، ومما يبين كذب هذا أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة، بل كان باقيًا كما كان على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، بعضه مسقوف وبعضه مكشوف، وكانت الشمس تنزل فيه، كما ثبت في (الصحيحين) عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يصلي العصر والشمس في حجرتها، لم يظهر الفيء بعد، ولم تزل الحجرة النبوية كذلك في مسجد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. ومن حينئذ دخلت الحجرة النبوية في المسجد، ثم إنه ُبنِي حول حجرة عائشة التي فيها القبر جدار عال، وبعد ذلك جعلت الكوة لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك لأجل كنس أو تنظيف. وأما وجود الكوة في حياة عائشة فكذبٌ بيِّن.
الشبهة الثامنة: قياس الخالق على المخلوقين:يقول المخالفون، إن التوسل بذوات الصالحين وأقدارهم أمر مطلوب وجائز، لأنه مبني على منطق الواقع ومتطلباته، ذلك أن أحدنا إذا كانت له حاجة عند ملك أو وزير أو مسؤول كبير فهو لا يذهب إليه مباشرة، لأنه يشعر أنه ربما لا يلتفت إليه، هذا إذا لم يرده أصلًا، ولذلك كان من الطبيعي إذا أردنا حاجة من كبير فإننا نبحث عمن يعرفه، ويكون مقربًا إليه أثيرًا عنده، ونجعله واسطة بيننا وبينه، فإذا فعلنا ذلك استجاب لنا، وقضيت حاجتنا، وهكذا الأمر نفسه في علاقتنا بالله سبحانه ـ بزعمهم ـ فالله - عز وجل - عظيم العظماء، وكبير الكبراء، ونحن مذنبون عصاة، وبعيدون لذلك عن جناب الله، ليس من اللائق بنا أن ندعوه مباشرة، لأننا إن فعلنا ذلك خفنا أن يردنا على أعقابنا خائبين، أو لا يلتفت إلينا فنرجع بخُفّيْ حنين، وهناك ناس صالحون كالأنبياء والرسل والشهداء قريبون إليه سبحانه، يستجيب لهم إذا دعوه، ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا لديه، أفلا يكون الأولى بنا والأحرى أن نتوسل إليه بجاههم، ونقدم بين يدي دعائنا ذكرهم، عسى أن ينظر الله تعالى إلينا إكرامًا لهم، ويجيب دعاءنا مراعاة لخاطرهم، فلماذا تمنعون هذا النوع من التوسل، والبشر يستعملونه فيما بينهم، فلِمَ لا يستعملونه مع ربهم ومعبودهم؟الجواب على هذه الشبهة: هؤلاء يقيسون الخالق على المخلوق، ويشبهون قيوم السماوات والأرض، أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، الرؤوف الرحيم بأولئك الحكام الظالمين، والمتسلطين المتجبرين الذين لا يأبهون لمصالح الرعية، ويجعلون بينهم وبين الرعية حجبًا وأستارًا، فلا يمكنها أن تصل إليهم إلا بوسائط ووسائل، ترضي هذه الوسائط بالرشاوي والهبات، وتخضع لها وتتذلل، وتترضاها وتقرب إليها، فهل خطر ببالهم أنهم حين يفعلون ذلك يذمون ربهم، ويطعنون به، ويؤذونه، ويصفونه بما يمقته وما يكرهه؟ترى لو كان يمكن لأحد الناس أن يخاطب الحاكم وجهًا لوجه، ويكلمه دون واسطة أو حجاب أيكون ذلك أكمل وأمدح له، أم حين لا يتمكن من مخاطبته إلا من خلال وسائط قد تطول وقد تقصر؟
الشبهة التاسعة: هل هناك مانع من التوسل المبتدع على وجه الإباحة لا الاستحباب؟ يقولون: ما المانع منه إذا فعلناه على طريق الإباحة؛ لأنه لم يأتِ نهْي عنه؟والجواب: يجب أن لا ننسى في هذا المقام معنى الوسيلة إذ هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود كما تقدم بيانه. ولا يخفى أن الذي يراد التوصل إليه إما أن يكون دينيًا، أو دنيويًا، وعلى الأول لا يمكن معرفة الوسيلة التي توصل إلى الأمر الديني إلا من طريق شرعي، فلو ادعى رجل أن توسله إلى الله تعالى بآية من آياته الكونية العظيمة كالليل والنهار مثلًا سبب لاستجابة الدعاء لَرُدَّ عليه ذلك إلا أن يأتي بدليل، ولا يمكن أن يقال حينئذ بإباحة هذا التوسل؛ لأنه كلام ينقض بعضه بعضًا، إذ أنك تسميه توسلًا، وهذا لم يثبت شرعًا، وليس له طريق آخر في إثباته، وهذا بخلاف القسم الثاني من القسمين المذكورين وهو الدنيوي، فإن أسبابه يمكن أن تعرف بالعقل أو بالعلم أو بالتجربة ونحو ذلك، مثل الرجل يتاجر ببيع الخمر، فهذا سبب معروف للحصول على المال، فهو وسيلة لتحقيق المقصود وهو المال، ولكن هذه الوسيلة نهى الله عنها، فلا يجوز اتباعها بخلاف ما لو تاجر بسبب لم يحرمه الله - عز وجل -، فهو مباح، أما السبب المدَّعَى أنه يقرب إلى الله وأنه أرجى في قبوله الدعاء، فهذا سبب لا يُعرف إلا بطريق الشرع، فحين يقال: بأن الشرع لم يرد بذلك، لم يجز تسميته وسيلة حتى يمكن أن يقال إنه مباح التوسل به.وشيء ثان: وهو أن التوسل الذي سلمنا بعدم وروده قد جاء في الشرع ما يغني عنه، وهو التوسلات الثلاثة التي سبق ذكرها في أول البحث، فما الذي يحمل المسلم على اختيار هذا التوسل الذي لم يَرِد، والإعراض عن التوسل الذي ورد؟ وقد اتفق العلماء على أن البدعة إذا صادمت سنة فهي بدعة ضلالة اتفاقًا، وهذا التوسل من هذا القبيل، فلم يجز التوسل به، ولو على طريق الإباحة دون الاستحباب!وأمر ثالث: وهو أن هذا التوسل بالذوات يشبه توسل الناس ببعض المقربين إلى الملوك والحكام، والله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء باعتراف المتوسلين بذلك، فإذا توسل المسلم إليه تعالى بالأشخاص فقد شبهه عملًا بأولئك الملوك والحكام، وهذا غير جائز.
الشبهة العاشرة: قياس التوسل بالذات على التوسل بالعمل الصالح:حيث يقولون: إن من التوسل المشروع اتفاقًا التوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح، فإذا كان التوسل بهذا جائزًا فالتوسل بالرجل الصالح الذي صدر منه هذا العمل أولى بالجواز، وأحرى بالمشروعية، فلا ينبغي إنكاره.والجواب من وجهين:الوجه الأول: أن هذا قياس، والقياس في العبادات باطل.الوجه الثاني: أن هذه مغالطة مكشوفة، لأننا لم نقل ـ كما لم يقل أحد من السلف قبلناـ إنه يجوز للمسلم أن يتوسل بعمل غيره الصالح، وإنما التوسل المشار إليه إنما هو التوسل بعمل المتوسل الصالح نفسه، فإذا تبين هذا قلَبْنا عليهم كلامهم السابق، فقلنا: إذا كان لا يجوز التوسل بالعمل الصالح الذي صدر من غير الداعي فأولى ثم أولى ألا يجوز التوسل بذاته.
الشبهة الحادية عشرة: قياس التوسل بذات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على التبرك بآثاره:إن التبرك هو التماس من حاز أثرًا من آثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حصول خير به خصوصية له - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأما التوسل فهو إرفاق دعاء الله تعالى بشيء من الوسائل التي شرعها الله تعالى لعباده، كأن يقول: اللهم إني أسألك بحبي لنبيك - صلى الله عليه وآله وسلم - أن تغفر لي، ونحو ذلك. ويتبدى هذا الفرق في أمرين:أولهما: أن التبرك يرجى به شيء من الخير الدنيوي فحسب، بخلاف التوسل الذي يرجى به أي شيء من الخير الدنيوي والأخروي.ثانيهما: أن التبرك هو التماس الخير العاجل، بخلاف التوسل الذي هو مصاحب للدعاء ولا يستعمل إلا معه.وبيانًا لذلك نقول: يشرع للمسلم أن يتوسل في دعائه باسم من أسماء الله تبارك وتعالى الحسنى مثلًا، ويطلب بها تحقيق ما شاء من قضاء حاجة دنيوية كالتوسعة في الرزق، أو أخروية كالنجاة من النار، فيقول مثلًا: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بأنك أنت الله الأحد، الصمد، أن تشفيني أو تدخلني الجنة ... ، ولا أحد يستطيع أن ينكر عليه شيئًا من ذلك، بينما لا يجوز لهذا المسلم أن يفعل ذلك حينما يتبرك بأثر من آثاره - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهو لا يستطيع ولا يجوز له أن يقول مثلًا: «اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بثوب نبيك - صلى الله عليه وآله وسلم - أو بصاقه أن تغفر لي وترحمني .. ومن يفعل ذلك فإنه يعرّض نفسه لشك الناس في عقله وفهمه فضلًا عن عقيدته ودينه.* آثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يُتَوسل بها إلى الله تعالى وإنما يُتَبَرَّك بها فحسب، أي يرجى بحيازتها حصول بعض الخير الدنيوي.إن التوسل بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غير مشروع البتة، وإن من الافتراء على الصحابة - رضي الله عنهم - الادعاء بأنهم كانوا يتوسلون بتلك الآثار، ومن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل، بأن يثبت أن الصحابة كانوا يقولون في دعائهم مثلًا: اللهم ببصاق نبيك اشفِ مرضانا، إن أحدًا من العقلاء لا يستسيغ رواية ذلك مجرد رواية فكيف باستعماله.* لابد من الإشارة إلى أننا نؤمن بجواز التبرك بآثاره - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا ننكره، ولكن لهذا التبرك شروطًا منها الإيمان الشرعي المقبول عند الله، فمن لم يكن مسلمًا صادق الإسلام فلن يحقق الله له أي خير بتبركه هذا، كما يشترط للراغب في التبرك أن يكون حاصلًا على أثر من آثاره - صلى الله عليه وآله وسلم - ويستعمله، ونحن نعلم أن آثاره - صلى الله عليه وآله وسلم - من ثياب أو شعر أو فضلات قد فقدت، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين، وإذا كان الأمر كذلك فإن التبرك بهذه الآثار يصبح في زماننا هذا أمرًا نظريًا محضًا، فلا ينبغي إطالة القول فيه.* أمر يجب تبيانه: وهو أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وإن أقر الصحابة في غزوة الحديبية وغيرها على التبرك بآثاره والتمسح بها، وذلك لغرض مهم وخاصة في تلك المناسبة، وذلك الغرض هو إرهاب كفار قريش وإظهار مدى تعلق المسلمين بنبيهم، وحبهم له، وتفانيهم في خدمته وتعظيم شأنه، إلا أن الذي لا يجوز التغافل عنه ولا كتمانه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد تلك الغزوة رغّب المسلمين بأسلوب حكيم وطريقة لطيفة عن هذا التبرك، وصرفهم عنه، وأرشدهم إلى أعمال صالحة خير لهم منه عند الله - عز وجل -، وأجدى، وهذا ما يدل عليه الحديث الآتي:عن عبد الرحمن بن أبي قراد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - توضأ يومًا، فجعل أصحابه يتمسحون بوضوئه، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما يحملكم على هذا؟» قالوا: حب الله ورسوله. فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من سره أن يحب الله ورسوله، أو يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدث، وليؤد أمانته إذا اؤتمن، وليحسن جوار من جاوره» [قال الألباني: وهو حديث ثابت، له طرق وشواهد في معجمي الطبراني وغيرهما وقد أشار المنذري في (الترغيب) إلى تحسينه، وقد خرجته في (الصحيحة) برقم (2998)].

  • الثلاثاء AM 12:34
    2016-03-15
  • 2886
Powered by: GateGold