المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412348
يتصفح الموقع حاليا : 297

البحث

البحث

عرض المادة

آثار العلمانية في الغرب

وعلى الرغم من أن الحضارة العلمانية الغربية قد قدمت للإنسان كل وسائل الراحة وكل أسباب التقدم المادي، إلا أنها فشلت في أن تقدم له شيئاً واحداً وهو السعادة والطمأنينة والسكينة، بل العكس قدمت للإنسان هناك مزيداً من التعاسة والقلق والبؤس والتمزق والاكتئاب، وذلك لأن السعادة والسكينة أمور تتعلق بالروح، والروح لا يشبعها إلا الإيمان بخالقها، والالتزام بأوامره واجتناب نواهيه؛ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} 1 أي جعل الطمأنينة والوقار في قلوب المؤمنين الذين استجابوا لله ولرسوله، وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلما أطمأنت قلوبهم بذلك واستقرت، زادهم إيماناً مع إيمانهم2.
وكيف تنزل السكينة في قلوب أناس أقاموا حضارتهم على غير أساس من الإيمان بالله تعالى وشرعه؟
بل الذي يحصل لهم هو مزيد من القلق والتعاسة والضيق والخوف يقول الله تبارك وتعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام": يقول تعالى: "يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به" 1.
في قوله: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} .
قال الإمام الطبري - رحمه الله -: "ومن أراد الله إضلاله عن سبيل الهدى لشغله بكفره، وصده عن سبيله، يجعل صدره بخذلانه وغلبة الكفر عليه حرجاً، والحرج: أشد الضيق. وهو ههنا الصدر الذي لا تصل إليه الموعظة، ولا يدخله نور الإيمان لرين الشرك عليه".. وقوله: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} قال: وهذا مثل ضربه لله لقلب هذا الكافر في شدة ضيقه عن وصول الإيمان إليه يقول: فمثله في امتناعه عن قبول الإيمان وضيقه عن وصوله إليه مثل امتناعه عن الصعود إلى السماء وعجزه عنه.
وقوله: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} يقول تعالى ذكره: وهذا الذي بينا لك يا محمد في هذه السورة وغيرها من سور القرآن، هو صراط ربك، يقول: طريق ربك ودينه الذي ارتضاه لنفسه ديناً، وجعله مستقيماً لا اعوجاج فيه فاثبت عليه وحرّم ما حرمته عليك، وأحلل ما أحللته لك، فقد بينا الآيات والحجج على حقيقة ذلك وصحته لقوم يذّكرون.. وخصَّ بها الذين يتذكرون؛ لأنهم هم أهل التمييز والفهم، وأولو الحجا والفضل".أ. هـ2
وبهذا يتبين لنا حالة القلق الرهيب التي تعيشها المجتمعات التي تسير على غير هدى الله وشرعه، على الرغم من تقدمها المادي، ووصولها إلى أرقى أساليب التقنية الحديثة.
وهذا ما أيده الواقع الملموس في البلاد التي ابتعدت عن شرع الله، فالإنسان إنما يكون في حالة طيبة نفسياً وبدنياً عندما تقوى صلته بالله تعالى، ويلتزم بأوامره ويجتنب نواهيه.
ولذلك يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "في القلب شعث - أي تمزق وتفرق - لا يلمهُ إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه، وفيه نيران حسرات لا يُطفئها إلا الرضى بأمره ونهيه وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبداً"1.
إن إبعاد الدين عن مجالات الحياة في المجتمعات الغربية كان - ولا يزال - من أهم الأسباب التي أدت إلى الإفلاس والحيرة والضياع.
وإن مما نتج عن ذلك مما هو مشاهد وملموس ما يلي:
1- الولوغ والانغماس في المشروبات الروحية والإدمان على المخدرات.
2- الأمراض العصبية والنفسية.
3- الجرائم البشعة بمختلف أنواعها كالسرقات، والاغتصاب، والشذوذ الجنسي، والقتل وغيرها.
4- تأجيج الغرائز الجنسية بين الجنسين.
5 - انتشار الأمراض المخيفة كالزهري، والسيلان، وأخيراً يبتلي الله تلك المجتمعات بالطاعون الجديد وهو مرض "الإيدز".
6 - الانتحار1.
إن الغرب يعيش حياة الضنك والقلق، فلا طمأنينة له ولا راحة، ولا انشراح لصدور أهله، بل صدورهم في ضيق وقلق وحيرة، وما ذلك إلا لضلالهم وبعدهم عن الله، وإن تنعموا ظاهراً في الحياة الدنيا.
قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} 2
قال ابن كثير رحمه الله: "أي أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها، وهم غافلون في أمور الدين وما ينفعهم في الدار الآخرة"3.
وقال تعالى: { ... فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} 4.
أما الزواج فقد قل في المجتمعات الغربية - إن لم يكن قد ندر - وفترات الاختيار التي تسبقه قد تمتد سنين، وفي هذه الفترة يمارس فيها الزنا والفحش، وغالباً ما تنتهي فترات الاختيار بالاكتفاء بما حصل فيها، ثم الانتقال إلى اختيار آخر أو العدول عن فكرة الزواج إلى فكرة المعاشرة الحرة الاختيارية بينهما دون أعباء الزواج.
وحتى إذا اختاروا الزواج فهم ينفرون من الأطفال، وقد بلغ الأمر أن أكثرهم إذا رزق باطفال فإنهم غالباً لا يصحبونهم في فترات الفسح في نهاية الأسابيع حتى يستمتعوا وحدهم بالفسحة دون ضجيج الأولاد.
أما المجتمع فهو يعاني من التفكك والانحلال، وانعدام العلاقات بين الجيران حتى إن الواحد إذا مات لا يُعرف إلا من رائحته النتنة التي تتصاعد بعد أيام من موته1.
وإن العلاج الناجع لتلك الأمراض التي تعاني منها المجتمعات الغربية وغيرها، إنما يوجد في تطبيق الإسلام، عقيدة وشريعة ومنهاج حياة، على جميع الأفراد والجماعات؛ إذ هو الدين الذي ارتضاه الله، واصطفاه وحده للناس جميعاً في كل زمان ومكان وهو – سبحانه - أعلم بما يصلح أمور خلقه في دنياهم وآخرتهم.

  • الخميس AM 09:57
    2015-10-01
  • 4428
Powered by: GateGold