خرافات الهيكل - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 442576
يتصفح الموقع حاليا : 106

البحث

البحث

عرض المادة

خرافات الهيكل

ما هو الهيكل؟  

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الهيكل، هيكل داود - هيكل سليمان - هيكل هيرود - الهيكل الثالث - بناء الهيكل - نهب الهيكل، وعن مساعي بعض المنظمات الصهيونية للبحث عن موقع الهيكل القديم وإعادة بنائه، وهو الأمر الذي يستدعي إلقاء الضوء على جذور المسألة.  

«الهيكل» كلمة كنعانية يقابلها في العبرية «بيت همقداش »، أي «بيت المقدس »، أو «هيخال»، وهي كلمة تعني «البيت الكبير» في كثير من اللغات السامية (الأكادية والكنعانية وغيرهما). والبيت الكبير أو العظيم هو الطريقة التي كان يُشار بها إلى مسكن الإله، فكلمة «فرعون» تعني «البيت الكبير» وهي تشبه إلى حدٍّ ما عبارة «الباب العالي».

ومن أهم أسماء الهيكل «بيت يهوه»، لأنه أساساً مسكن للإله وليس مكاناً للعبادة (على عكس الكعبة مثلاً). ومن هنا، ورغم أنه كان مصرَّحاً للكهنة بل ولعبيد الهيكل بالدخول فيه، فلم يكن يُسمَح لهم بالتحرك فيه بحرية كاملة. ولم يكن يُسمَح لأحد على الإطلاق بدخول قدس الأقداس إلا الكاهن الأعظم في يوم الغفران.  

ومن المعروف أن العقيدة اليهودية لم تتبلور إلا في مرحلة متأخرة (ربما في القرن الخامس الميلادي). ولهذا لا يمثل الهيكل جزءاً من العقيدة اليهودية، وإنما هو جزء مما أسميه «العبادة القربانية المركزية»، وهي النمط الديني الذي ساد في فلسطين ابتداءً من حكم سليمان التوراتي (وهو حسب العقيدة اليهودية ليس نبياً وإنما مَلِك) واستمر هذا النمط بعض الوقت إلى أن هدم الرومان الهيكل في عام ٧٠ ميلادية، ولم يحل محله مبنى مركزي مماثل.  

ويشغل الهيكل مكانة خاصة في الوجدان اليهودي، فكان التصور أنه يقع في مركز العالم، فقد بُنيَ في وسط القدس التي تقع في وسط الدنيا (فقدس الأقداس الذي يقع في وسط الهيكل هو بمثابة سُرَّة العالم، ويُوجَد أمامه حجر الأساس: النقطة التي عندها خلق الإله العالم). والهيكل كنز الإله مثل جماعة يسرائيل، وهو عنده أثمن من السماوات بل ومن الأرض التي خلقها بيد واحدة بينما خلق الهيكل بيديه كلتيهما. بل إن الإله قرَّر بناء الهيكل قبل خلق الكون نفسه، فكأن الهيكل مثل اللوجوس (أو الكلمة المقدَّسة)، أو ابن الإله في اللاهوت المسيحي.  

ويبدو أن الحاخامات اليهود أخضعوا الهيكل، منذ البداية، لكثير من التأملات الكونيةويذهب أحد العلماء إلى أن هذه التأملات هي وحدها التي تفسر معمار الهيكل وتصميمه. وقد أورد يوسيفوس بعض هذه التأملات، فذكر أن الفناء الذي يحيط بالهيكل بمنزلة البحر، وأن المقدَّس هو الأرض، وأن قدس الأقداس هو السماء، بل إن رداء الكاهن الأعظم كان له أيضاً المغزى الكوني نفسه.  

ويشير التراث اليهودي إلى ثلاث هياكل: أما الهيكل الأول فهو هيكل سليمان. وحسب التصور اليهودي، قام سليمان ببناء الهيكل فوق جبل موريا، وهو جبل بيت المقدس أو هضبة الحرم التي يُوجَد فوقها المسجد الأقصى وقبة الصخرة. ويُشار إلى هذا الجبل في الكتابات الإنجليزية باسم «جبل الهيكل» أو «تمبل ماونت Mount Temple ،«وهو بالعبرية «هر هبايت »، أي «جبل البيت» (بيت الإله).  

ومن الصعب الوصول إلى وصف دقيق لهيكل سليمان، فالمصدران الأساسيان لمثل هذا الوصف هما كتاب الملوك الأول (٦/٨ ،(والأخبار الثاني (٢/٤ (في العهد القديم، وهما مختلفان في عديد من التفاصيل المهمة. كما أن المصادر الأخرى تعطي تفاصيل تناقض أحياناً تلك التي وردت في هذين المصدرين الأساسيين.  

وهيكل سليمان جزء من مُركَّب معماري ملكي يضم قصر الملك ومباني أخرى، مثلبناء للصناع، وقاعة للاجتماعات، وبهو للعرش، وبـهو للمحكمــة العليا، وبناء كبير للحريم، وبيت لابنة فرعون زوجة سليمان. وكان هذا المركب المعماري ملحقاً به المذبح الصغير الذي يضم تابوت العهد. وكان يحيط بكل هذه المباني فناء واسع. وكان مثل هذه المركبات المعمارية أمراً شائعاً في الشرق الأدنى القديم. وقد أُقيم هيكل سليمان مكان المذبح الصغير، يحيط به فناء مقصور عليه أعلى من الفناء الخارجي، ومن ثم فهو يفصله عن المركب المعماري الأكبر.  

ولا يختلف هيكل سليمان في معماره عن الهياكل الكنعانية التي يبدو أنها تأثرت بالطراز الفرعوني الذي أخذه الفينيقيون من مصر وأضافوا إليه ما أخذوه من الآشوريين والبابليين من ضروب التزيين. ولذلك، فإن الطراز الذي بُني عليه الهيكل يُسمَّى «الطراز الفرعوني الآشوري». وقد هدم نبوختنصر البابلي هيكل سليمان عام ٥٨٦ ق .م، وحمل كل أوانيه المقدَّسة إلى بابل. وبعد هدم هيكل سليمان، قام زرو بابل (أحد كبار الكهنة الذين سمح لهم الإمبراطور الفارسي قورش بالعودة إلى فلسطين) بإعادة بناء الهيكل في الفترة ٥٢٠٥١٥ ق.م، ويُسمَّى هذا الهيكل «هيكل زروبابل». ويذكر العهد القديم أن هيكل زرو بابل بُني بأمر من إله يسرائيل وبأمر أباطرة الفرس: قورش ودارا الأول وأرتحشتا (عزرا ٦/١٤،.

ولذا فقد كانت تُقدَّم فيه قرابين يومية لصالح حامي صهيون الوثني، وعلى مدخله خريطة لمدينة سوسة عاصمة الإمبراطورية الفارسية. ولم يكن هيكل زروبابل في عظمة هيكل سليمان. ولا تُوجَد إشارات كثيرة إلى شكله المعماري ولا إلى تقسيمه، ولكن معظم الباحثين يميلون إلى القول بأنه لم يكن يختلف ً كثيرا عن الهيكل الأول في بنيته، ويعود هذا إلى أنه حينما هاجم نبوختنصر هذا الهيكل، فإنه لم يهدمه وإنما نهبه وحرقه، فلم يحترق سوى الأجزاء الخشبية كالسقف والبوابات الخشبية وكسوة الحوائط الخشبية. وبقي الهيكل المعماري كما هو فاستخدمه العائدون من بابل دون تغيير. أما فيما يتصل بمحتويات الهيكل، فنحن نعرف أن قدس الأقداس كان فارغاً تماماً وأن سفينة العهد كانت قد اختفت، فلم تكن توجد سوى صخرة عالية يضع الكاهن الأعظم عليها المبخرة. وكان هيكل زرو بابل يضم أيضاً أواني هيكل سليمان الأخرى كالشمعدانات الذهبية ومائدة قربان الوجه ومذبح البخور.  

والهيكل الآخر هو «هيكل هيرود» الذي بناه الملك هيرود (٢٧ ق .م - م٤ ( الذي عيَّنه الرومان ملكاً، أي حاكماً رومانياً يحمل لقب «ملك». ويشار إلى هذا الهيكل بأنه «الهيكل الثاني». ويقال إنه حينما اعتلى هيرود العرش، وجد هيكل زروبابل متواضعاً للغاية، فقرر بناء هيكل آخر لإرضاء اليهود، ولكنه قرر أن يبني في الوقت نفسه معبداً لآلهة مدينة روما حتى ينال رضا الإمبراطور أوغسطس ويثبت ولاءه له. ويبدو أن هذا المعبد الروماني الوثني كان لا يختلف ً كثيرا في بنيته المعمارية عن الهيكل اليهودي.  

ويحتوي البهو المقدَّس في هيكل هيرود على شمعدانات المينوراه، ومائدة خبز الوجه ومذبح البخور. وكان سقفه من خشب الأرز المطعم بالذهب. وكان مزوَّداً بنوافذ، على عكس قدس الأقداس الذي كان مظلماً وخاوياً. ولم يكن الحائط الغربي أو حائط المبكى جزءاً من الهيكل نفسه وإنما كان جزءاً من سوره الخارجي الذي أشرنا إليه. والوصف السابق لهيكل هيرود هو الذي ورد عند يوسيفوس. وهو مختلف عن الأوصاف التي وردت في كتب المدراش. وقد هدم تيتوس الهيكل الثاني عام ٧٠ ميلادية.  

وكان الهيكل مقسَّماً إلى ثلاثة أقسام: المدخل والهيكل أو البهو المقدس، ثم قدس الأقداس وهو أهم الأماكن. ومصطلح «قدس الأقداس» تقابله في العبرية كلمة «دبير »، ويبدو أنها من أصل عبري بمعنى «تكلم»، أي أن الإله تكلم وأعطى المشورة والوحي. وهو أقدس الأماكن في هيكل القدس. وقدس الأقداس عبارة عن مكعب حجري مصمت (بدون نوافذ) أقيم على مستوى أعلى من الجزء المسمَّى «الهيكل» في هيكل سليمان، وهو يميل نحو التجريد كما هو الحال في الحضارات السامية.  

وكان يفصل قدس الأقداس عن بقية الهيكل ستارة وسلسلة من الذهب أو باب. ولم يكن يدخله سوى كبير الكهنة في يوم الغفران ليتفوَّه باسم الإله (يهوه) الذي لا يستطيع أحد أن يتفوه به في أي مكان أو زمان (ولعل التأثير المصري واضح في هذه العادة).  

ويُعتبَر قدس الأقداس، في التأملات الكونية التي تخص الهيكل، السماء السابعة. وكان يوجد في قدس الأقداس ما يسمَّى حجر الأساس (بالعبرية: إيفن هيسود)، وهي نفس العبارة التي يستخدمها المهووسون من الصهاينة الذين كانوا يحاولون وضع حجر أساس الهيكل. وهذه العبارة، شأنها شأن عبارات أخرى كثيرة في التراث الديني اليهودي، حمالة أوجه، فكلمة «تسور» العبرية تعني صخرة، ولكنها تعني أيضاً «الإله». وعند إعلان استقلال إسرائيل أصر المتدينون أن ترد عبارة "تحت رعاية الإله" فرفضها العلمانيون واستخدمت كلمة «تسور» ليفهمها كلُّ من يشاء بطريقته.  

وقد استخدم هرتزل هذه الطريقة المراوغة في المؤتمر الصهيوني الأول. فقد قامت معركة بين بعض الصهاينة الذين كانوا يطالبون بأن الهدف الصهيوني هو تأسيس دولة يهودية في فلسطين وبين المعتدلين الذين رأوا أن هذا سيكشف الهدف الحقيقي للصهيونية مما قد يؤلب سكان فلسطين والعرب والدولة العثمانية ضد المشروع الصهيوني، ولذا فقد طالبوا بالاكتفاء بعبارة «وطن قومي». وحينما احتدم الخلاف قال هرتزل اكتبوا «وطن قومي» وسيفهم الجميع أنه «دولة يهودية .» وقد تم ذلك بالفعل.  

وعبارة «حجر الأساس» عبارة مراوغة قد يفهم منها المرء أنه «حجر أساس» عادي مثل أي حجر أساس آخر. ولكن إن تعمقنا قليلاً في التراث اليهودي لوجدنا أن الأجاداه (الجزء القصصي في التلمود) تذهب إلى أن فلسطين توجد في مركز الدنيا وأن القدس في وسط فلسطين وأن الهيكل في وسط القدس، وأن قدس الأقداس يقع في وسط الهيكل، أي أن قدس الأقداس يقع في وسط الدنيا تماماً وأمامه حجر الأساس "إيفن هيسود" (ويزعم بعض الحاخامات أن حجر الأساس هو الصخرة الشريفة).

ولكن كلمة «هيسود »، أي «الأساس»، لها إيحاءات دينية كثيرة. ففي التراث الصوفي الحلولي اليهودي يأخذ الإله شكل عشر تجليات نورانية هي بمثابة مراحل الفيض المختلفة والتجلي التاسع هو يسود عولام أي أساس العالم، ويشار إليه أحياناً بلفظ «يسود» وحسب، أي «الأساس»، وهو الركيزة الأساسية لكل التجليات النورانية الأخرى، وهو أساس كل القوى النشيطة في الإله. وأحد معاني كلمة «يسود »هي «شعب إسرائيل». فحجر الأساس هنا ليس مجرد حجر أساس وإنما هو رمز عميق تستخدمه الصهيونية الدينية. فاليهود هم حجر الأساس، وهم جزء عضوي من التجلي الإلهي، فهم آلهة أو شبه آلهة لهم حقوق مطلقة، فهم إذن مركز العالم وأساسها. وهذه صياغة لا يعارضها العلمانيون.  

ومصطلح «حجر الأساس» لا يختلف كثيراً عن مصطلح شائع مثل «الكنيست »، فالكنيست هو البرلمان الإسرائيلي، ولكنه في التراث الديني هو التجلي العاشر والأخير للإله، وهو أيضاً جماعة إسرائيل، وهو الشخيناه أي التجلي الأنثوي للإله، أي أن اليهود جزء لا يتجزأ من الإله، حقوقهم مطلقة وأفعالهم مقدسة تعلو على العالمين.  

ومن الطريف أن الفيض الإلهي يصل إلى كنيست يسرائيل عبر يسود عولامويستخدم التراث الحلولي الصوفي صورة مجازية جنسية، فيأخذ اليسود عولام شكل عضو التذكير أما كنيست يسرائيل فتأخذ شكل عضو التأنيث.  

أما مراسم العبادة في الهيكل، فقد اختلفت من فترة إلى أخرى، ولكن ملامحها الأساسية ظلت ثابتة. ففي كل صباح، كان أحد الكهنة ينظف ضريح القرابين من الرماد ثم يُذكي النيران. وبعد ذلك، كانت تُقدَّم قرابين اليوم (الجديدة). وكان الكاهن الأعظم (أو من ينوب عنه) يدخل البهو المقدَّس، وينظف الشـمعدانات، ويحرق البخور على مذبــح البخور، ويُقدِّم قربان خبز الوجه. وعند الغروب، كانت معظم الشعائر تُعاد من جديد. كان هذا هو النمط السائد للعبادة والقرابين في الأعياد وفي يوم السبت. وكان الكاهن الأعظم يدخل قدس الأقداس في يوم الغفران. وكان التفوه باسم يهوه يمثل ذروة هذه العبادة حيث كانت هذه اللحظة تشكل نقطة التماس بين الإله والشـعب والأرض، فهي النقـطة التي يتجســد فيها الحلول الكامل.  

وكان تركيز العبادة القربانية تركيزاً لموارد الدولة أيضاً، وكانت القرابين من أهم هذه الموارد، إلى جانب الضرائب وجزية الرؤوس التي فرضها سليمان على جميع رعاياه، فقد كان على كل ذكر يهودي أن يدفع نصف شيقل كل عام (وهو الشيقل المقدَّس). لهذا، لم يسمح بتقديم أية قرابين خارج الهيكل بعد تأسيسه. وكان الهيكل، شأنه شأن كثير من الهياكل في الشرق الأدنى القديم، مصرفاً يضع فيه الأثرياء نقودهم ويرسلون إليه النذور والقرابين، كما كانت تُحفَظ فيه رموز الدولة وطنافسها.  

وقد استمر هذا الوضع مع هيكل هيرود الذي أشار إليه ول ديورانت بأنه "المصرف القومي"، وأشار إليـه يهودا مينوهين بأنه "الهيكل/السوق"، حيث كان يُوجَد الباعة وتجار الماشية والصيارفة، الأمر الذي أثار غضب السيد المسيح عند زيارته للهيكل.  

ولما كان الهيكل هو الخزانة القومية أو المصرف القومي للدولة العبرانية المتحدة (ثم المملكة الجنوبية)، فإننا نجد أن القوات الغازية كانت تحاول نهبه أثناء الحروب كجزء من الحرب الاقتصادية وكجزء من محاولة ضرب الشرعية السياسية.  

وكان الكهنة اللاويون يقومون على خدمة الهيكل، يترأسهم الكاهن الأعظم، وهو ما جعل فئة الكهنة من أكثر الفئات نفوذاً. وكانت فرقة الصدوقيين تعبِّر عـن مصالح هــذه الفئة وتدافع عن عبادة الهيكل القربانية. أما فرقة الفريسيين، فكانت تمثل المعارضة. ولذا، فقد كانت هذه الفرقة تؤيد إنشاء المعابد اليهودية المستقلة لأنها تحقق انفصال اليهودية عن الهيكل والكهنة.  

  

هدم الهيكل وإعادة بنائه

  

من المصطلحات المتواترة في المعجم اليهودي الصهيوني مصطلح «هدم الهيكل» الذي يشير عادةً إلى عملية هدم الهيكل على يد تيتوس عام ٧٠ ميلادية. وقد هُدم الهيكل، حسب الكتابات الفقهية اليهودية، في التاسع من آب. ويشكل هدم الهيكل صورة أساسية في الوجدان الديني اليهودي، فهو يُذكَر عند الميلاد والموت. وعند الزواج، يُحطَّم أمام العروسين كوب فارغ لتذكيرهم بهدم الهيكل (وقد يُنثَر بعض الرماد على جبهة العريس). وفي الماضي، حينما كان اليهودي يطلي منزله، كان الحاخامات يوصـونه بأن يترك مربعاً صـغيراً دون طــلاء حتى يتذكر واقعة هدم الهيكل. وفي كل عام، يُحتفَل بذكرى هدم الهيكل بالصيام في التاسع من آب. وعند كل وجبة، ومع كل صلاة في الصباح، يتذكر اليهود الهيكل، ويصلون من أجل أن تتاح لهم فرصة العودة إلى الأرض المقدَّسة والاشتراك في بناء الهيكل. كما تُتلَى صلاة خاصة في منتصف الليل حتى يُعجِّل الإله بإعادة بناء الهيكل. ويذهب الشرع اليهودي إلى أن اليهودي يتعيَّن عليه أن يمزِّق ثيابه حينما يرى الهيكل لأول مرة بعد مرور ثلاثين يوماً من آخر مرة رآه فيها.  

ويرى بعض حاخامات اليهود أن هدم الهيكل كان عقاباً لهم على ما اقترفوه من ذنوب. ويأخذ المسيحيون بهذا الرأي، حيث يرون أن ذنب اليهود الأكبر هو إنكارهم أن المسيح عيسى بن مريم هو الماشيَّح. وفي الكتابات العبرية، يُشار إلى تخريب الهيكل بكلمة «حوربان» التي تُستخدَم للإشارة إلى أي دمار يلحق باليهود، ومن ذلك الإبادة النازية ليهود أوربا. وتذهب الكتابات الصهيونية، والمتأثرة بها، إلى أن هدم الهيكل على يد الرومان هو الذي تَسبَّب في تشتت اليهود في المنفى على هيئة أقليات، مع أن انتشار اليهود في بقاع الأرض كافة كان قد بدأ قبل ذلك بزمن طويل وبدون قسر. والواقع أن مجموع اليهود خارج فلسطين كان يفوق بكثير عددهم داخلها قبل هدم الهيكل.  

وبذلك يعود ظهور الصهيونية إلى اللحظة التي هدم فيها تيتوس الهيكل وأنهى الوجود "القومي" اليهودي في فلسطين. وبهذا التصور يعلمن الصهاينة الصورة الأساسية في الوجدان اليهودي، ويتبنونها كصورة أساسية في فكرهم السياسي، فيعمقون تَزاوُج الديني والدنيوي، وتصبح العودة (أي الاستيطان بالقوة في فلسطين) فعلاً دينياً. ويقوم الصهاينة بالتأريخ لوقائع تاريخ العبرانيين، وتواريخ أعضاء الجماعات اليهـودية في فلسـطين، بمصطلحات مثـل  «الهــيكل الأول» و«الهــيكل الثاني». ويشير بن جوريون وكثير من العلماء الإسرائيليين إلى دولة إسرائيل باعتبارها «الهيكل الثالث

ويذهب الفقه اليهودي إلى أن الهيكل لابد أن يُعاد بناؤه وتُقام شعائر العبادة القربانية فيه مرة أخرى حينما يعود اليهود إلى صهيون (أي فلسطين) بقيادة الماشيّح في آخر الأيام، أي أن إعادة بناء الهيكل مرتبط بالرؤى الأخروية لا بالتاريخ الإنساني. ولهذا، فقد تم تدوين هذه الشعائر في التلمود مع وصف دقيق للهيكل. ويتلو اليهود في صلواتهم أدعية من أجل إعادة بناء الهيكل. ولكن الآراء تتضارب، مع هذا، حول مسألة موعد وكيفية بناء الهيكل في المستقبل. والرأي الفقهي الغالب هو أن اليهود يتعيَّن عليهم أن ينتظروا إلى أن يحل العصر المشيحاني بمشيئة الإله، وحينئذ يمكنهم أن يشرعوا في بنائه، ومن ثم يجب ألا يتعجل اليهود الأمور ويقوموا بإعادة بنائه، فمثل هذا الفعل من قبيل الهرطقة والتعجيل بالنهاية (دحيكات هاكتس). ويذهب موسى بن ميمون إلى أن الهيكل لن يُبنَى بأيد بشرية، كما يذهب راشي إلى أن الهيكل الثالث سينزل كاملاً من السماء. ويرى فقهاء اليهود أن جميع اليهود مدنسون الآن بسبب ملامستهم الموتى أو المقابر، ولابد أن يتم تطهيرهم برماد البقرة الصغيرة الحمراءولما كان اليهود (جميعاً) غير طاهرين، بل ويستحيل تطهيرهم (بسبب عدم وجود الرماد المطلوب لهذه العملية)، نتيجة لأن أرض الهيكل (جبل موريا أو هضبة الحرم) لا تزال طاهرة، فإن دخول أي يهودي إليها يُعدُّ خطيئة. ويضاف إلى هذا أن جميع اليهود، حتى الطاهر منهم، يَحرُم عليه دخول قدس الأقداس. ولما كان مكانه غير معروف لأحد على وجه الدقة، فإن من المحتمل أن تطأ قدما أحدهم هذه البقعة. ولهذا، فإن دخول اليهود إلى هذه المنطقة محرَّم تماماً. وفي الفقه اليهودي كذلك أن تقديم القرابين أمر محرم لأن استعادة العبادة القربانية لابد أن يتم بعد عودة الماشيَّح التي ستتم بمشيئة الإله.  

ولكن هناك رأياً فقهياً يذهب إلى نقيض ذلك، حيث يرى أن اليهود يتعيَّن عليهم إقامة بناء مؤقت قبل العصر المشيحاني، وأنه يحل لليهود دخول منطقة جبل موريا، لكن هذا هو رأي الأقلية ولم يصبح جزءاً من أحكام الشرع اليهودي. ولكن هذا الرأي ظل مدوَّناً مطروحاً بسبب طبيعة اليهودية كتركيب جيولوجي. وقد اسـتفاد الصهاينة من هـذا التناقـض داخل التركيبة الجيولوجية، فوصفوا الرؤية الحاخامية الأرثوذكسية بالسلبية، وقرروا أخذ زمام الأمور في أيديهم. وقد أعلن الحاخام شلومو جورين أنه حدد مكان قدس الأقداس وبالتالى يستطيع اليهود بالتالي زيارة جبل موريا.  

ويمكننا الآن أن نعرض لرأي الفرق اليهودية المختلفة في العصر الحديث في مسألة إعادة بناء الهيكل. يمكننا منذ البداية أن نقسمهم إلى صهاينة وغير صهاينة. أما غير الصهاينة، فيعارضون العودة الفعلية ومن ثم إعادة بناء الهيكل. وقد حذف الإصلاحيون الأدعية الخاصة بإعادة بناء الهيكل، ويستعملون منذ عام ١٨١٨ كلمة «تمبل Temple « الإنجليزية، أي «المعبد»، للإشارة إلى الهياكل اليهودية. وهم، في الواقع، يقصدون أن المعبد، أينما وُجد، حلّ محل الهيكل، وأن الهيكل لن يتم استرجاعه أبداً. أما الأرثوذكس، فيفضلون استخدام الكلمة اليونانية «سيناجوج» للإشارة إلى المعبد اليهودي، على أن تظل كلمة «هيكل»  محدَّدة الدلالة لا تشير إلا إلى هيكل القدس. وقد احتفظ الأرثوذكـس بالأدعية الخاصـة بالعـودة، وتبعــهم المحافظون. وتظل العودة، بالنسبة إلى الأرثوذكس، مسألة مرتبطة بعودة الماشيَّح. أما بالنسبة إلى المحافظين، فهي تشبه المجاز والتطلع الطوباوي المثالي.  

أما الصهاينة، فينقسمون في موقفهم من قضية إعادة بناء الهيكل إلى قسمين: صهاينة لادينيون وصهاينة دينيون. وفي الواقع، فإن الفريق الأول لا يكترث كثيراً بالعبادة القربانية، ولا بإعادة بناء الهيكل. ولذا، فهم ينظرون إلى القضية من منظور عملي، ويرون أن محاولة الصهاينة المتدينين إعادة بناء الهيكل نوع من الهَوَس الديني يهدد المُستوطَن الصهيوني بالخطر دون عائد مادي ملموس. ومن ثم، نجد أن مسألة إعادة بناء الهيكل لا تتمتع بشعبية كبيرة داخل إسرائيل التي تتمتع بـ - أو تعاني من - واحد من أعلى مستويات العلمنة في العالم. وقد أشار تيدي كوليك (عمدة القدس) إلى المهووسين الذين قاموا بوضع حجر أساس بناء الهيكل، وبيَّن أنهم يسيرون في خط شبتاي تسفي؛ ذلك الماشيَّح الدجال الذي ألهب حماس معظم اليهود في القرن السابع عشر، ووعدهم بالعودة إلى فلسطين، وعيَّن بعض أتباعه حكاماً للأرض، ثم انتهت الحركة بالفشل، الأمر الذي رجّ اليهودية رجاً من أساسها وألقى بها في أزمة لم تُفق منها قط.  

ويرى الصهاينة المتدينون (المتطرفون) المسألة من منظور مختلف، فمسألة إعادة بناء الهيكل مسألة ذات أهمية مركزية بالنسبة إليهم، ولذا فإنهم يركزون جُلَّ اهتمامهم على هذه العملية، والقضية بالنسبة إليهم مسألة عقائدية وليست علمية. والواقع أن كثيراً من المنظمات الإرهابية الصهيونية الجديدة قد جعلت إعادة بناء الهيكل، وهدم الآثار الإسلامية الموجودة في هذا الموقع، من أهم أهدافها.  

وهناك منظمة يهودية تُسمَّى "أمناء جبل الهيكل"، يرأسها ضابط سابق هو جيرشون سالومون ويموِّلها المليونير الأمريكي (المسيحي الأصولي) تري رايزنهوفر، جعلت بناء الهيكل الثالث هدفها الأساسي. ويقود المتطرفون الصهاينة حملة لتأكيد أن المنطقة التي يُوجَد عليها الآن كلٌ من المسجد الأقصى ومسجد الصخرة هي المنطقة التي كان يُوجَد عليها الهيكل، ومن ثم فلليهود حقوق مطلقة فيها. وقد أُسِّست مدرستان تلموديتان عاليتان بالقرب من حائط المبكى لتدريب مائتي طالب على شعائر العبادة القربانية، ليقوموا بها عند بناء الهيكل الثالث. وإحدى هذه المدارس، معهد الهيكل (بالعبرية: يشيفات هَبايت)، وظيفتها الأساسية محاولة التعجيل بإعادة بناء الهيكل. وقد بدأت هذه المدرسة في إعداد أدوات العبادة القربانية، وانتهت من ثمان وثلاثين منها تم وضعها في متحـف، وهي في سـبيلها إلى إعداد الخمـس والســتين الباقية. وتُوجَد جماعات أخرى تدرس شجرات العائلات الخاصة بالكهنة حتى تمكن الإجـابة عن سـؤال نصه: مَن منهم المُؤهَل لتقديم القرابين؟ وقد عُقد عام ١٩٩٠ مؤتمر يضم اليهود الذين يعتقدون أنهم من نسل الكهنة. وهناك، في فندق الهيكل في القدس، مجسَّم مصغَّر للهيكل، وهم ينوون أن يبنوا مجسماً آخر أكبر حجماً يتكلف مليون دولار يتم جمعها من يهود العالم دون سواهم.  

وقد قامت جماعة "أمناء جبل الهيكل " بوضع حجر الأساس للهيكل الثالث في احتفال تحت إشراف رئيس الجماعة المدعو جرشوم سالمون. وحضر الاحتفال، الذي جرى في منتصف شهر أكتوبر عام ١٩٨٩ ،كاهن يرتدي ملابس كهنوتية خاصة مصنوعة من الكتان المغزول باليد من ستة خيوط مجدولة تم إعدادها في معهد الهيكل. وقد استخدمت الجماعة في الاحتفال بعض الأواني الشعائرية، وبوق الشوفار، وأدوات موسيقية مثل الأكورديون. أما حجر الأساس نفسه، فحجمه متر مكعب وقام بإعداده حفاران يهوديان من القدس بدون استخدام أي أدوات حديدية (كما تتطلب الشعائر). وحاولت الجماعة الوصول بالحجر إلى ساحة حائط البراق عند حائط المبكى، ولكن الشرطة الإسرائيلية تصدت لهم فحُمل الحجر إلى مخزن الحفارين وأُودع فيه، وتتجه النية إلى زراعة حديقة حوله. ويساند أمناء جبل الهيكل بعض أعضاء المؤسسة الدينية في إسرائيل.  

ورغم هذا الانقسام، بشأن إعادة بناء الهيكل، فالملاحظ أن بعض الأطروحات التي صُنِّفت في الماضي باعتبارها دينية مهووسة ومتطرفة، صارت مقبولة بل وأصبحت جزءاً من الخطاب السياسي الصهيوني، أو من برامج الأحزاب المعتدلة! ففي أغسطس عام ١٩٩٥، سمحت المحكمة العليا الإسرائيلية لأعضاء "جماعة أمناء جبل الهيكل " بزيارة المسجد الأقصى والقيام بطقوسهم الدينية في حرمه. وفي أواخر يوليو ٢٠٠١ ،أصدر بعض الحاخامات فتوى سمحت بالصلاة داخل باحة الحرم لمجموعة أمناء الهيكل، فطلبوا السماح لهم بوضع حجر الأساس للهيكل (كخطوة أولى لإعادة بنائه). وحينما رفضت الشرطة الطلب، اتجهوا إلى المحكمة العليا التي حكمت لهم بوضع حجر الأساس في مكان قريب على بُعد ٣٠ متراً من باب المغاربة. وسيأتي الوقت قريباً حينما تصبح قضية إعادة بناء الهيكل قضية غير خاضعة للتفاوض من منظور ديني علماني مثل القدس والمستوطنات.  

  • الخميس PM 04:03
    2022-08-18
  • 1088
Powered by: GateGold