هوية الدولة اليهودية - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 442564
يتصفح الموقع حاليا : 110

البحث

البحث

عرض المادة

هوية الدولة اليهودية

يطرح أعضاء الجماعات اليهودية في العالم الكثير من الأسئلة بشأن هوية الدولـة اليهوديـة، ومدى عمق أو حتى حقيقة انتمائها لليهودية، سواء بالمعنى الـديني أو الإثنـي. فالمتـدينون يتساءلون: كيف يمكن أن تصنف الدولة الصهيونية على أنها دولة يهودية وهي من أكثر الدول إباحية في العالم ولا يقيم سكانها الشعائر الدينية اليهودية؟ ويتساءل اليهود المهتمون بـإثنيتهم وموروثهم اليهودي السؤال نفسه: كيف يمكن أن نسمي الدولة الصهيونية التي تتزايـد فيهـا معدلات الأمركة والعولمة بخطى متسارعة دولة يهودية؟ فبدلاً من أن تكون إسـرائيل هـي صهيون الجديدة أصبحت «ماك إسرائيل» الجديدة (نسبة إلى ماكدونالد). ويتساءل اليهود مـن ذوي الاتجاهات الثورية: إنها دولة تقوم بالتجسس لحساب الولايات المتحدة، وبتزويـد الـنظم الفاشية في أمريكا اللاتينية بالأسلحة، وكانت تتعاون مع نظام الأبارتهايد (التفرقة اللونية) فـي جنوب أفريقيا، وحاولت قمع الانتفاضة بكل أنواع الإرهاب المتاحة ولا تـزال تنكـر علـى الفلسطينيين حق تقرير المصير وتستعمر أرضهم، فكيف يمكن أن نصف مثل هذه الدولة بكلمة «يهودية»؟  

وقد طُرحت القضية نفسها داخل إسرائيل ولكن على مستوى آخر وبشـكل مختلـففمن المعروف أن الاستعمار الصهيوني قد مر بثلاث مراحل: المرحلة الأولى هـي المرحلـة الإحلالية التي وصلت إلى ذروتها عام ١٩٤٨ مع إعلان الدولة وطرد الفلسطينيين ووصـول آلاف المهاجرين للاستيطان في أرض فلسطين، ثم انتهت هذه المرحلة عام ١٩٦٧ حين قامت إسرائيل بضم الضفة الغربية والقطاع وهي مناطق مأهولة بالسكان العرب الذين لـم يـتمكن الاستعمار الصهيوني من طردهم، فتحول الاستعمار الاستيطاني الإحلالي (على طريقة أمريكا الشمالية حيث يُباد السكان الأصليون أو يُطردون) إلى استعمار استيطاني مبني على التفرقـة اللونية (على طريقة جنوب أفريقيا حيث يتم الاحتفاظ بالأرض بمن عليها مـن سـكان يـتم تحويلهم إلى مصدر للعمالة الرخيصة). وقد أتاح النظام العالمي الجديد فرصاً جديـدة للنظـام الاستيطاني الصهيوني بحيث أصبح بوسعه أن يتجاوز نطاق فلسطين المحتلة ليتغلغل في البلاد العربية وليحول السوق العربية إلى سوق شرق أوسطية يلعب هو فيها دور الوسيط الأساسـي بين العرب والغرب، بل وبين كل دولة عربية وأخرى، ويصبح هو القناة التـي تـوزع مـن خلالها رؤوس الأموال الخارجية على المنطقة، والهدف النهائي هو أن يقوم التجمع الصهيوني بتحديد شكل المنطقة وإدارتها بما يتناسب مع مصلحته والمصالح الغربية.  

وتكمن المفارقة الكبرى في أن توسـع الجيـب الاسـتيطاني يتطلـب المزيـد مـن المستوطنين، أي المادة البشرية المطلوبة للاستيطان والقتال، حتى يمكنه الاضطلاع بوظيفتـه التي تشكل أساس كيانه. ولكن المصادر البشرية للهجرة اليهودية قد جفت إلى حدٍّ كبير (بسبب تناقص أعداد اليهود في العالم لانخفاض نسبة الخصوبة بينهم. وقد أفرغت الهجرة اليهوديـة السوفيتية الأخيرة المصدر الأخير للمادة البشرية الاستيطانية في شرق أوربا، فيهود الولايـات المتحدة وغرب أوربا هم صهاينة توطينيون ويحركون دائماً من أجل المستوطن الصـهيوني ولا يهاجرون إليه قط). وتشاهد الدولة الصهيونية عدداً ً كبيرا من النازحين، أي المسـتوطنين الصهاينة، ممن يهاجرون من فلسطين المحتلة إلى الولايات المتحدة أو إلى أي بلد آخر. ومما يفاقم الأزمة تزايد السكان العرب.  

وكل هذا يجعل التوسع الاستيطاني والاقتصادي أمراً عسيراً. وقد ظهر في إسـرائيل صراع بين ما يسمَّى «الصهيونية الديموجرافيـة» أو«الصـهيونية السـكانية» و «صـهيونية الأراضى». ويرى الاتجاه الأول (الديموجرافي) أن الاحتفاظ بالأراضي المأهولـة بالسـكان العرب ليس من الحكمة في شيء، فهم بتكاثرهم سيفوقون الصهاينة ً عددا ويهـددون الطـابع اليهودي للدولة الصهيونية، بل ويرى هؤلاء أن تزايد عدد العرب يهدد الديمقراطية الإسرائيلية ذاتها، إذ من الصعب على دولة ديمقراطية أن تضم أقلية كبيرة (قد تصبح أغلبية) وتنكر عليها حق الاشتراك في صنع القرار. ولهذا، يطالب دعاة هذا الاتجاه بتسـليم المنـاطق المأهولـة للعرب (كما حدث مع قطاع غزة) والاحتفاظ فقـط بالنقـاط الإسـتراتيجية لضـمان الأمـن الإسرائيلي، الأمر الذي سيوفر لإسرائيل الجو الملائم لتطوير اقتصادها بطريقة تسـمح لهـا بقيادة منطقة الشرق الأوسط. أما الاتجاه الثاني (صهيونية الأراضي) فيذهب إلى أنه لا يمكـن الانسحاب من أي من الأراضي التي احتلها الصهاينة (فهي أرض الميعاد المقدسة) وأنه يمكن الاحتفاظ بها بمن عليها من السكان دون التخلي بالضرورة عن الطابع اليهودي للدولة (فالقمع المستمر للعرب سيضمن هدوءهم وهدوء «المناطق» كما تسمَّى الأراضي المحتلة في الخطاب الصهيوني). ومما يجدر ملاحظته أن الاتجاه الأول يوصف بأنه «معتدل» بينما يوصف الثاني بأنه «متطرف». وحقيقة الأمر أنه لا يوجد فارق جوهري بينهما، فكلاهما يصدر عن الإجماع الصهيوني، وهما لا يختلفان إلا فيما يتصل بطريقة التطبيق ونطاق التوسع. وترى الولايـات المتحدة (رائدة النظام العالمي الجديد) أن مدرسة الصهيونية السكانية هي الأقـرب لأهـدافها، فالنظام العالمي الجديد يفضل عدم المواجهة المباشرة مع الشعوب المسـتغلة علـى حـين أن صهيونية الأراضي تؤدي إلى مثل هذه المواجهة.  

 

الدولة اليهودية أم دولة اليهود؟

  

ثمة خلل في طريقة تصنيف الدولة الصهيونية في كثيرٍ من الكتابات العربية، إذ تصنفها على أنها دولة يهودية، متبعةً في ذلك الكتاب الغربيين بل والصهاينة أنفسهم. ولكن هذه الكتابات لم تكلف نفسها عناء النظر في الأسباب التي دعت العالم الغربي لتصنيف الدولة الصهيونية على هذا النحو، ولا عناء اكتشاف بعض التناقضات الكامنة في التصنيف الصهيوني الغربي للدولة الصهيونية.  

فقد كانت القوى الاستعمارية الغربية منذ منتصف القرن التاسع عشر تريد إنشاء جيبٍ استيطاني في فلسطين يضم بعض أعضاء الجماعات اليهودية، حتى يتسنى لها التخلص مما كان يُسمى "الفائض البشرى اليهودي" surplus Jewish ،وحتى تؤسس قاعدة للاستعمار الغربي تخدم المصالح الغربية. ولتغطية هذه الدوافع ادعت القوى الغربية أن هذه القاعدة المنشودة ستكون "دولة يهودية" يحقق اليهود فيها هويتهم وينفذون تعاليم شريعتهم، وتمكنت بذلك من تجنيد بعض العناصر البشرية اليهودية ونقلها إلى فلسطين، كما أمكنها توظيف هذه العناصر في خدمة الاستعمار الغربي الذي يدعمها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ويصب فيها بلايين الدولارات. وهى تبرر هذا الدعم السخي أمام جماهيرها بأن تخبرها أن هذه دولة يهودية، وأنها جزء من التراث اليهودي المسيحي.  

وتصنيف الدولة الصهيونية باعتبارها دولة يهودية يجعل من طردها للفلسطينيين واحتلال أراضيهم مسألة تحرير للوطن القومي، ويجعل من الاستمرار في قتل الفلسطينيين وتشريدهم عملية دفاع مشروع عن النفس، ويجعل من مقاومة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني عملاً "إرهابياً". فالخطأ في التصنيف هنا ليس مسألة أكاديمية، بل مسألة تحدد كثيراً من المفاهيم والمواقف. وهذا ما أكده مناحم بيجين، رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق، في خطابٍ أمام بعض أعضاء كيبوتس عين حرود في الستينات، إذ قال: "لو كانت هذه الأرض فلسطين وليست أرتس يسرائيل [أي لو كانت هذه الأرض هي وطن الفلسطينيين وليست أرض الميعاد التي ورد ذكرها في التوراة] فأنتم مجرد غزاة ولصوص"، لأن تصنيف الدولة الصهيونية باعتبارها دولة يهودية تستند إلى العهد القديم هو الذي يسبغ عليها الشرعية ويكفل لها تأييد الرأي العام في الغرب.  

والجدير بالذكر أن مؤسس الحركة الصهيونية، ثيودور هرتزل، لم يكن يكترث بالعقيدة اليهودية وكان يتعمد خرق تعاليمها، شأنه في هذا شأن معظم الزعماء الصهاينة الأوائل. وكان عنوان الكتاب الذي عرض فيه رؤيته لحل المسألة اليهودية هو "دولة اليهودوليس "الدولة اليهودية"، وشتان ما بين الاثنين. فإذا كانت دولة يهودية تستند شرعيتها إلى ما جاء في العهد القديم، وجب عليها تنفيذ التعاليم اليهودية في كل مجالات الحياة، لتكون متسقة مع نفسها. أما إذا كانت دولة اليهود، فهذا يعنى أنها لا تكترث بالشرعية اليهودية ولا بالحياة الدينية اليهودية، وإنما تهتم بأعضاء الجماعات اليهودية، فتحاول إنقاذ اليهود أينما كانوا والحفاظ على هويتهم اليهودية وتراثهم اليهودي وعلى الأشكال الثقافية اليهودية المختلفة.  

وقد انقسمت الحركة الصهيونية حول هذه المسألة منذ البداية، فكان هناك منْ يصر على أن الصهيونية حركة دينية وأن الدولة الصهيونية دولة يهودية، وهؤلاء هم دعاة "الصهيونية الدينية"، وفي المقابل كان هناك دعاة ما يسمى "الصهيونية الثقافية ممنْ يرون أن الصهيونية حركة علمانية لا تدافع عن الدين اليهودي وإنما تدافع عن اليهود وعن هويتهم.  

ورغم التناقض الظاهري بين الاتجاهين الصهيونيين، فكلاهما يدور حول مفهوم "الشعب اليهودي" الواحد وينطلق منه، وكلاهما يضفى القداسة على هذا الشعب ويفترض وجود حقوق مطلقة له في أرض فلسطين. إلا إن أتباع الاتجاه الأول يرون أن مصدر القداسة هو الإله، بينما يرى أتباع الاتجاه الثاني أن مصدر القداسة هو الشعب نفسه.  

ولم يمنع هذا الاتفاق المنهجي من ظهور الخلافات بين الفريقين في مجال الممارسة في الدولة الصهيونية. فدعاة الصهيونية الدينية يرون أنه إذا لم تكن الدولة الصهيونية يهودية حقاً ومحكومة بالشريعة اليهودية وبأوامرها ونواهيها، سواء في المسائل العامة أو الشخصية، فإنها تفقد شرعيتها ولا يحق لها المطالبة بأرض فلسطين. ولكن الأوامر والنواهي الدينية اليهودية كثيرة ومعقدة إلى درجة يصعب تصورها، ويضيق بها المواطنون الإسرائيليون العاديون والمهاجرون الجدد، ويتزايد ضيقهم مع تصاعد معدلات العلمنة في إسرائيل.  

وقد ظهر الصراع بين التيارين لدى إعلان الدولة الصهيونية، حيث أصر المتدينون على أن ترد عبارة أن الدولة تؤسس "تحت رعاية الإله" وهذا ما رفضه العلمانيون بطبيعة الحال. وحُلت المشكلة مؤقتاً باستخدام العبارة العبرية "تسور يسرائيل" أي "صخرة إسرائيلوهى عبارة مبهمة، فهي أحد أسماء الإله في العقيدة اليهودية، ولكن يمكن للصهيوني العلماني أن يفسرها على أنها تعنى "الأساس القوى" الراسخ أو "الهوية القومية" الثابتة.  

ولكن هذا التوافق المؤقت لم يحل المشكلة بل أجَّلها لبعض الوقت ليس إلا، كما بينت تطورات الأحداث فيما بعد. فهناك المهاجرون الجدد والعمال الأجانب الذين لا يؤمنون بالعقيدة اليهودية، ولكنهم لا يمانعون في الاندماج في المجتمع الصهيوني كيهود إثنيين، شأنهم في هذا شأن الإسرائيليين العلمانيين. وهناك المطالبة بإقرار شرعية الشذوذ الجنسي والزواج بين شخصين من نفس الجنس وهو ما يرفضه المتدينون. بل وأصبح الدفن يثير مشكلةً، فالمؤسسة الدينية ترفض دفن غير اليهود في مدافن اليهود، وهنا تُثار قضية "من هو اليهودي؟"  

وقد تنبه الكاتب المسرحي (الأمريكي اليهودي الشهير) آرثر ميللر لهذا التناقض الذي وقع هو نفسه فيه. ففي مقال له في مجلة "التايمز" اللندنية (٣ يوليو /تموز ٢٠٠٣ (يقول إنه عند إعلان الدولة الصهيونية عام ١٩٤٨ ،تصور أن ذلك الحدث السياسي يشبه أحداث العهد القديم، واهتزت مشاعره بعنف، ولكنه تنبه بعد ذلك إلى أن أبطال هذا الحدث بشر عاديون، تجد من بينهم "سائقي الحافلات ورجال الشرطة والكناسين والقضاة والمجرمين والعاهرات ونجمات السينما والنجارين ووزراء الخارجية". واعترف بأنه نسي في غمرة فرحه أنه إذا أصبحت الدولة اليهودية مثل كل الدول فإنها ستتصرف كأي دولة تدافع عن بقائها بكل الوسائل المتاحة، شرعية كانت أم غير شرعية، بل وستحاول أن تتوسع على حساب الآخرين.  

وبعبارةٍ أخرى، فإن ميللر يعترف بأنه أخطأ في تصنيف الدولة الصهيونية ولم يستطع التمييز بين الدولة اليهودية ودولة اليهود. فالدولة اليهودية، كما تصورها، لا تنتمي إلى التاريخ لأنها خرجت من صفحات الكتب المقدسة، أما دولة اليهود فتخضع للقوانين التاريخية التي تنطبق على الظواهر المماثلة. وحينما استرد ميللر وعيه، صنف الدولة الصهيونية التصنيف الصحيح، فرأى عنفها وبطشها، وسجل احتجاجه عليها.  

  • الخميس PM 03:37
    2022-08-18
  • 988
Powered by: GateGold