المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409061
يتصفح الموقع حاليا : 354

البحث

البحث

عرض المادة

الرد على المودودي والطنطاوي

وقد كان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما, وهما من أعلم هذه الأمة بكتاب الله تعالى يهابان القول في القرآن بغير علم. كما روي شعبة عن سليمان وهو الأعمش عن عبد الله بن مرة عن أبي معمر قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم).

ووري أبو عبيد القاسم بن سلام عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سئل عن قول الله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا اعلم).

وروي أبو عبيد أيضا ومحمد بن سعد وابن جرير بأسانيد صحيحة عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ على المنبر: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها, فما الأب ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر. وزاد ابن سعد في روايته: فما عليك أن لا تدريه.

وإذا علم هذا فقد روي الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» قال الترمذي: هذا حديث حسن, وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي وللترمذي أيضا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه.

ومن أخطائه أيضا قوله: وأن الله تعالى لم يجعل إيماننا وعقيدتنا مربوطا بعلم عصر من العصور بحيث إذا تغير هذا العلم وتبدل اضطر الإنسان إلى أمرين إما أن يؤمن بالله تعالى وينكر صحة العلم. أو يكفر بالله تعالى ويؤمن بصحة العلم.

والجواب أن يقال: هذه إحدى الكبر من المودودي حيث قرر ما يهذو به جهلة العصريين من حرية الفكر حتى فيما يتعلق بالإيمان والعقيدة. وهذا القول من أبطل الباطل.

والحق أن الإيمان والعقيدة مربوطان بعلم العصر النبوي, وهو علم الكتاب والسنة. وهذا العلم لا يتغير ولا يتبدل إلى يوم القيامة. قال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}.

وما جاء في الكتاب والسنة من الأدلة على ثبات الأرض واستقرارها وأجمع المسلمون عليه لا يتغير ولا يتبدل إلى يوم القيامة. ومن قال بخلاف ذلك: فقوله باطل مردود عليه لمخالفته للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين.

وكذلك ما جاء في الكتاب والسنة من النصوص على جريان الشمس ودؤوبها في ذلك وأن الله سخرها لخلقه تأتي من المشرق كل يوم وتغرب في المغرب كل ذلك لا يتغير ولا يتبدل إلى يوم القيامة. ومن قال بخلاف ذلك فقوله باطل مردود عليه لمخالفته لنصوص الكتاب والسنة وما كان عليه المسلمون في قديم الدهر وحديثه سوى من شذ عنهم في هذه الأزمان الأخيرة من أتباع أهل الهيئة الجديدة.

وكذلك ما جاء في القرآن من النص على أن الله تعالى زين السماء الدنيا بالمصابيح, وهي النجوم. وفي الآية من سورة الصافات: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} فهذه النصوص لا تتغير ولا تتبدل إلى يوم القيامة. ومن قال بخلاف ذلك من فلاسفة الإفرنج وأتباعهم من العصريين الذين يزعمون في أبعاد الكواكب ومقادير أجرامها ما يزعمون فأقوالهم باطلة مردودة عليهم لمخالفتها لنصوص القرآن.

وكذلك ما جاء في الكتاب والسنة من النصوص الكثيرة على إثبات السموات السبع وأن السماء بناء وسقف محفوظ مرفوع وأنهن شداد وأن لهن أبوابا وحجابا. كل ذلك لا يتغير ولا يتبدل إلى يوم القيامة. ومن قال بخلاف ذلك من فلاسفة الإفرنج وأتباعهم من العصريين الذين يزعمون أن السماء ليست بناء وإنما هي فضاء وجو سعته غير متناهية فأقوالهم باطلة مردودة عليهم لمخالفتها لنصوص الكتاب والسنة.

وكذلك ما جاء في الكتاب والسنة من النصوص على اتحاد كل من الشمس والقمر, فهي لا تتغير ولا تتبدل إلى يوم القيامة. ومن قال بخلاف ذلك وزعم أن هناك شموسا وأقمارا متعددة فقوله باطل مردود عليه لمخالفته لنصوص الكتاب والسنة.

إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة مما قامت عليه الأدلة من الكتاب والسنة وقال أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم بخلاف ذلك وقد ذكرت جملة منها في الصواعق الشديدة. ومنها كثير مفرق في هذا الكتاب.

والمقصود ههنا بيان أن الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع لا تتغير ولا تتبدل إلى يوم القيامة. وإنما التي تتغير وتتبدل في كل زمان هي الآراء والتخرصات والظنون الكاذبة. قال الله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} قال البغوي معناه لكن من رحم ربك فهداهم إلى الحق؛ فهم لا يختلفون. قال ومحصول الآية أن أهل الباطل مختلفون وأهل الحق متفقون, فخلق الله أهل الحق للاتفاق وأهل الباطل للاختلاف. انتهى.

وإذا علم هذا, فالواجب على المسلمين اعتقاد ما جاء في الكتاب والسنة, وما أجمع عليه المسلمون ونبذ ما خالف ذلك من أقوال الناس وآرائهم وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة وراء الظهر.

وقد سمى المودودي تخرصات أهل الهيئة الجديدة وظنونهم الكاذبة في السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم علما, وهذا من أكبر الخطأ ومن قبل الحقيقة فليست التخرصات والظنون الكاذبة بعلم, وإنما هي جهل وضلال, وقد قال الله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} وقال: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} وقال تعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}.

وأما قوله أن الإنسان يضطر إلى أمرين هما أن يؤمن بالله تعالى, وينكر صحة العلم أو يفكر بالله تعالى ويؤمن بصحة العلم.

فجوابه أن يقال: قد ذكرنا أن تخرصات أهل الهيئة الجديدة وظنونهم الكاذبة في السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم ليست بعلم, وإنما هي جهل وضلال. ولا بد إذا من أحد أمرين: إما الإيمان بما جاء عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ورد ما جاء عن أهل الهيئة الجديدة من الجهل والضلال. وأما الإيمان بالجهل والضلال ورد ما جاء عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. فليختر المرء ما يناسبه من إحدى الخطتين. فأما الجمع بينهما فغير ممكن.

وأما قوله: فإذا كان الإنسان القديم مسلما صحيح الإسلام على رغم قوله بثبوت الأرض كذلك لا شك في صحة إسلام الإنسان الحاضر على اعتقاده بدوران الأرض.

فجوابه أن يقال: إذا كنت لا تشك في إسلام من يقول بدوران الأرض, فغيرك قد يشك في إسلامه ولاسيما إذا قامت عليه الحجة بأن بلغته الأدلة الدالة على سكون الأرض واستقرارها وبلغه إجماع المسلمين على القول بوقوف الأرض وسكونها مقصورة على المخالفة والعناد, فهذا قد يشك في إسلامه لقول الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

وقد صرح بعض المحقين بتكفير من يقول بحركة الأرض ودورانها. وقد ذكرت ذلك في الصواعق الشديدة بعد ذكر الأدلة العقلية على ثبات الأرض واستقرارها, فليراجع هناك.

وأما قوله: ولذلك أنا أوافق رأي أخي محمد محمود الصواف

فجوابه أن يقال: بئس ما اخترت لنفسك من الموافقة على التخرصات والظنون الكاذبة التي تخالف مدلول الكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وإنما يعود وبال هذه الموافقة عليك قال الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}.

وأما علي الطنطاوي فقال في تقريظه لكتاب الصواف ما نصه:

أخي الأستاذ الصواف, رحبت بما سمعت عن عزمك على طبع ما كتبته في موضوع دوران الأرض. لا لأن فيه ردا على مقال الشيخ الجليل ابن باز. بل لأن أعداء الإسلام استغلوا ذلك المقال, وعلقوا عليه تعليقات ملأت الصحف الأوربية والأميركية. نالوا فيها من الإسلام بالباطل, فوجب الدفاع عن الإسلام بالحق, وبيان أن الذي كتبه الشيخ ابن باز رأي له قد يكون له قبول عند بعض العلماء, ولكنه ليس حكم الإسلام القطعي في هذه المسألة. وجمهور علماء المسلمين في جميع أقطار الإسلام على خلافه.

والجواب أن يقال: أما استغلال الأوربيين والأمريكيين لمقال الشيخ ابن باز وتعليقهم عليه في صحفهم ونيلهم من الإسلام بالباطل فغير مستنكر منهم؛ لأنهم الأعداء الألداء للإسلام وأهله. وأبغض المسلمين إليهم من يتكلم بالحق ويتصدى لنصره والذب عنه, ولذلك قامت قيامتهم من أجل مخالفة مقال الشيخ ابن باز لتخرصاتهم وتخرصات أسلافهم من أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم. وقد وافقهم هذا المسكين وأخواه الصواف والمودودي, فقاموا في صف أعداء الله يناضلون عن تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة. وهذا مما يحبه أعداء الله ويرضون به. فليهنك أيها الطنطاوي وليهن أخويك رضوان أعداء الله عنكم.

وهؤلاء الثلاثة أعني الصواف والمودودي والطنطاوي قد التبس عليهم الحق بالباطل, فهم لذلك يرون أنهم ينصرون الحق ويذبون عنه وهم في الحقيقة إنما ينصرون الباطل ويذبون عنه.

اللهم إنا نعوذ بك من عمى القلوب وانتكاسها. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطل باطلا وارزقنا اجتنابه. ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل.

وأما قوله: إن الذي كتبه الشيخ ابن باز رأي له.

فجوابه أن يقال: إن الشيخ ابن باز قد أيد ما كتبه بالأدلة الواضحة من الكتاب والسنة والإجماع. وما كان مؤيدا بالأدلة الواضحة من الكتاب والسنة والإجماع, فليس من قبيل الرأي. وإنما الرأي المحض ما لم يدل عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع وذلك ما كتب فيه الصواف ووافقه عليه المودودي والطنطاوي. بل إن الذي كتب فيه الصواف شر من الرأي المحض؛ لأن غالبه مبني على اتباع الظنون الكاذبة والرجم بالغيب وتصديق من يتعاطى علم المغيبات, كما قد أوضحت ذلك في مواضعه من هذا الكتاب وفي الصواعق الشديدة.

وأما قوله: ولكنه ليس حكم الإسلام القطعي في هذه المسألة.

فجوابه أن يقال: بل هو حكم الإسلام القطعي فيها لقيام الأدلة عليه من الكتاب والسنة والإجماع. وما قام عليه الدليل, فهو الذي عليه التعويل.

وأما قوله وجمهرة علماء المسلمين في جميع أقطار الإسلام على خلافه.

فجوابه أن يقال: ليس علم الغيب عندك يا طنطاوي حتى تخبر الناس عما يعتقده جمهور علماء المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية, وأنهم على خلاف ما كتبه الشيخ ابن باز. وما الذي يدريك عن معتقدهم في هذه المسألة, وأنت لم تجتمع بهم كلهم ولا يمكنك ذلك ولا تقدر عليه. وعلى تقدير أنك قد اجتمعت بأشخاص معدودين من بعض الأقطار الإسلامية, وأخبروك أنهم مخالفون للشيخ ابن باز, فلا يسوغ لك أن تحكم على جمهور العلماء في جميع الأقطار الإسلامية بأنهم يعتقدون معتقدك الباطل الذي ورثته عن فيثاغورس اليوناني وكوبرنيك البولوني وهرشل الإنجليزي, وأتباعهم من فلاسفة الإفرنج المتأخرين ومن يتعلق بأذيالهم من جهلة المسلمين.

إنك يا طنطاوي قد قفوت ما ليس لك به علم وحكمت على كثير من علماء المسلمين بمجرد اتباعك للظن الكاذب وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} وقال تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}.

والذي نعرفه عن أكابر العلماء عندنا في المملكة العربية السعودية أنهم ينكرون القول بحركة الأرض ودورانها وثبات الشمس وسكونها. وهم ولله الحمد متمسكون بالكتاب والسنة بعيدون عن الميل إلى الخرافات والتخرصات والظنون الكاذبة التي قد افتتن بها كثير من المنتسبين إلى العلم في بعض الأقطار الإسلامية, كما قد رأيت ذلك فيما اطلعت عليه من كتبهم.

وأما قوله: ثم إن المسألة أكبر من المجاملة وأجل من أن تدخل في تقدير الأمور الشخصية.

فجوابه أن يقال: وهل ظننت يا طنطاوي أن الشيخ ابن باز قد جاء شيئا إداً لما خالف رأي فيثاغورس وأتباعه من فلاسفة الإفرنج المتأخرين حتى تقول في حقه ما قلت. وإذا كنت ترى أن مخالفة رأي فيثاغورث وأتباعه أمرا كبيرا لا تنبغي المجاملة فيه ولا التقدير لمن خالفهم, فغيرك يرون أن مخالفتهم في تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة من أوجب الواجبات وأهم المهمات. ويرون أن الأمر المنكر على الحقيقة هو مخالفة مدلول الكتاب والسنة والإجماع والاعتياض عن ذلك بآراء أعداء الله وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة والتجرد لنصرتها والذب عنها, كما فعلت ذلك يا طنطاوي أنت وأخواك الصوف والمودودي, فهذا هو الشيء الإد الذي لا يجوز إقراره ولا مجاملة أصحابه وتقديرهم.

وأما قوله: وبعد, فالذي أعرفه أن الإسلام ليس فيه نص قطعي من كتاب أو سنة ولا دليل من إجماع أو قياس على دوران الأرض ولا على سكونها.

فجوابه أن يقال: قد وردت الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة على سكون الأرض وثباتها وأجمع المسلمون على ذلك ودلت على ذلك الأدلة العقلية الصحيحة, وقد ذكرت ذلك مستوفى في أول الصواعق الشديدة, فليراجع هناك.

وإذا كان الطنطاوي لا يعرف مثل هذه الأدلة التي أشرت إليها, فالأولى له السكوت وعدم الخوص فيما لا علم له به فقد قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.

وأما قوله, ودوران الأرض أمر مشاهد مقطوع به. كان معلوما علما نظريا بالأدلة العقلية فصار معلوما علما ضروريا بالحس ومشاهدة الأرض من المركبات الفضائية وعرض الصور التي التقطت في الرائي أي: التلفزيون وفي الخيالة أي: السينما. وصار القول بدوران الأرض من البديهيات التي لا ينازع فيها اليوم أحد.

فجوابه أن يقال: أما زعمه أن دوران الأرض أمر مشاهد ومحسوس, فهذا باطل قطعا. ولا يدعي هذه الدعوى من له أدنى مسكة من عقل.

وأما ما يزعمه أهل المركبات الفضائية أنهم شاهدوا دوران الأرض من مركباتهم فذلك إنما يخيل إليهم من سرعة سير المركبات لا من سير الأرض كما أن راكب المراكب السريعة في الأرض يخيل إليه أن ما حوله من الأشجار والأحجار يسير وهو في الحقيقة ثابت في موضعه فذلك راكب المركبات الفضائية يخيل إليه أن الأرض تسير وإنما ذلك من سرعة سير المركبة التي هو فيها.

وأما تصويرهم لسير الأرض وعرض ذلك في التليفزيون والسينما, فذلك من مخرقتهم وتدجيلهم على ضعفاء البصيرة. ولا يغتر بذلك ويصدق به إلا جاهل لا عقل له.

وأما قوله: إن دوران الأرض مقطوع به, وأنه صار معلوما علما ضروريا.

فجوابه أن يقال: بل الأمر في الحقيقة بخلاف ما زعمه الطنطاوي, فإن سكون الأرض وثباتها هو المقطوع به عند المتمسكين بالكتاب والسنة لما قام على ذلك من الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول الصحيح. وقد ذكرت ذلك مستوفى في أول الصواعق الشديدة, فليراجع هناك.

وزعم الطنطاوي أن دوران الأرض قد صار معلوما علما ضروريا, إنما هو مبني على ما زعمه أهل المركبات الفضائية أنهم شاهدوا ذلك, فهذا هو عمدته فيما زعمه من العلم الضروري. ولما كان هذا مبلغ علمه وأن اعتماده إنما كان على ما يخيل إليه في التليفزيون والسينما من مخرقة أعداء الله وتدجيلهم تبين أنه ليس عنده علم يميز به بين ما يسمى علما وبين المخرقة والتخييلات الكاذبة فضلا عن التمييز بين العلم الضروري وغير الضروري.

وأما قوله: صار القول بدوران الأرض من البديهيات التي لا ينازع فيها اليوم أحد.

فجوابه أن يقال: أما قوله إن دوران الأرض من البديهيات فذلك خطأ ظاهر. والصحيح المطابق للواقع أن يقال: إنه من التخرصات والظنون الكاذبة.

وأما زعمه أنه لا ينازع في ذلك اليوم أحد فهو خطأ ظاهر, لأن كل متمسك بالكتاب والسنة ينازع في ذلك وهم أسعد بالدليل من منازعيهم.

وأكابر العلماء عندنا في المملكة العربية السعودية كلهم على إنكار القول بدوران الأرض.

وقد حكى الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي - وكان في آخر القرن الرابع من الهجرة وأول القرن الخامس - في كتابه "الفرق بين الفِرق" إجماع أهل السنة على وقوف الأرض وسكونها.

وحكى القرطبي في تفسير سورة الرعد إجماع المسلمين وأهل الكتاب على ذلك. ولا عبرة بمن خالف الإجماع من العصريين المفتونين بتخرصات الإفرنج وظنونهم الكاذبة.

وأما قوله: أما الآيات التي يرى فيها منكر والدوران دليلا لهم كقوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} فليس فيها دليل, لأن (ماد) عند العرب بمعنى (مال) وهو باب معروف. والميلان حركة اضطرابية. والسير حركة انتقالية. فإذا نفى الله عنها الميلان فلا يفهم منه نفي الحركة الانتقالية بل ربما كان في الآية إشارة إلى مسيرها, لأن الآية دلت على أن الجبال مثل الثقل للأرض؛ لئلا تميد أي: تضرب في سيرها كالزورق إذا كان فارغا وضعوا فيه الحجارة أو أكياس الرمل؛ لئلا يضربه الموج فيضطرب. أقول في الآية إشارة فقط وإلا فالصحيح ما قلته أولا عن الإسلام إذ ليس فيه دليل قطعي لا على حركة الأرض ولا على نفي الحركة عنها وعلى مدعي عكس هذا أن يأتي بالدليل.

والجواب عن هذا من وجوه أحدها: أن يقال: إن الميد في لغة العرب يطلق على معان منها الحركة والدوران. قال القرطبي في تفسيره عند قول الله تعالى في سورة الأنبياء {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ}: أي: جبالا ثوابت {أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} أي: لئلا تميد بهم ولا تتحرك ليتم القرار عليها. قال: والميد التحرك والدوران.

وقال الشوكاني في تفسير هذه الآية {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ}: الميد التحرك والدوران أي لئلا تتحرك وتدور بهم. انتهى.

وإذا انتفى التحرك والدوران عن الأرض, فإنه يثبت لها نقيض ذلك وهو الوقوف والسكون.

فهذه الآية وما في معناها من الآيات الكثيرة من أوضح الأدلة على ثبات الأرض واستقرارا, وقد استدل بها الراسخون في العلم على ذلك. وقد ذكرت ذلك مستوفى في أول الصواعق الشديدة, فليراجع هناك.

وليس في الآية ما يشير إلى سير الأرض بوجه من الوجوه, كما زعمه الطنطاوي.

وأما تشبيه الأرض بالزورق الفارغ وتشبيه وضع الجبال عليها بوضع الحجارة أو أكياس الرمل في الزورق, لئلا يضربه الموج فيضطرب في حال سيره, فهو تشبيه غير مطابق؛ لأن الأرض قد أرسيت بالجبال من جميع نواحيها والجبال متوجهة بثقلها نحو المركز الذي هو وسط الأرض, فصارت الجبال للأرض, كالأوتاد التي تمنعها من الحركة. ولهذا قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا}.

قال ابن منظور في لسان العرب: وأوتاد الأرض؛ لأنها تثبتها. انتهى.

وإذا كانت الجبال أوتادا للأرض فالتشبيه المطابق هو تشبيه الأرض بالسفينة التي قد وضع فيها ما يثقلها وأودت بالأوتاد في مرساها, فوقفت فيه ولم تتحرك.

الوجه الثاني: أن الطنطاوي ذكر الآية التي فيها نفي الميد عن الأرض وتأولها على غير تأويلها حيث شبه الأرض بالزورق الفارغ إذا وضعت فيه الحجارة أو أكياس الرمل وأعراض عن الآية الصريحة في تثبيت الأرض بالجبال وجعلها أوتادا للأرض كالأوتاد التي تثبت الخيام في مواضعها والسفن في مرساها, وهي قول الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا}.

قال ابن كثير عند هذه الآية: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} أي: ممهدة للخلائق ذلولا لهم قارة ساكنة ثابتة {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} أي: جعلها لها أوتادا أرساها بها وثبتها وقررها حتى سكنت, ولم تضطرب بمن عليها.

وقال القرطبي على قوله {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} أي: لتسكن ولا تتكفأ ولا تميل بأهلها.

وقال أبو حيان في تفسيره {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} أي: ثبتنا الأرض بالجبال, كما ثبت البيت بالأوتاد. قال الأفوه:

والبيت لا يبتنى إلا له عمد ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

وتقدم قول ابن منظور في لسان العرب. وأوتاد الأرض الجبال؛ لأنها تثبتها.

وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة ومن منافعها - أي الجبال - ما ذكره الله تعالى في كتابه أن جعلها للأرض أوتادا تثبتها ورواسي بمنزلة مراسي السفن. وأعظم بها من منفعة وحكمة. انتهى.

وقد روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لما خلق الله الأرض جعلت تميد, فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت».

وروى أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إن الجبال لتفخر على الأرض بأنها أثبتت بها).

وإنما أعرض الطنطاوي عن هذه الآية التي ذكرنا؛ لأنها لا تحمل التأويل. فلو قال هو أو غيره إن الأرض تشبه السفينة إذا وضع فيها ما يثقلها وربطت بالأوتاد, وهي مع ذلك تسير في الماء لكان كل عاقل يضحك منه؛ لأنه قد رام الجمع بين النقيضين والجمع بينهما غير ممكن.

وكما أنه لا يقول عاقل أن السفينة وهي مربوطة بالأوتاد فكذلك لا يقول عاقل إن الأرض تسير وهي موتدة بالجبال لأن تثبيتها بالجبال ينافي سيرها, فلا يجتمعان.

الوجه الثالث: أن الله تعالى قال في سورة المؤمنين: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} الآية. وقال تعالى في سورة النمل: {مَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} الآية.

وفي هاتين الآيتين أوضح دليل على ثبات الأرض واستقرارها. قال في القاموس وشرحه: قر بالمكان يقر بالكسر والفتح قرارا وقرورا وقرا وتقرة ثبت وسكن, فهو قار كاستقر وتقار وهو مستقر. انتهى.

الوجه الرابع أن الله تعالى قال: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} وفي هذه الآية الكريمة أوضح دلل على ثبات الأرض واستقرارها ولو كانت تسير وتدور على الشمس كما زعمه أعداء الله تعالى لكانت تزول من مكان إلى مكان, وهذا خلاف نص الآية الكريمة.

وقد روى ابن جرير بإسناد صحيح عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: من أين جئت؟ قال: من الشام قال: من لقيت؟ قال: لقيت كعبا قال: ما حدثك؟ قال: حدثني أن السموات تدور على منكب ملك قال: أفصدقته أو كذبته؟ قال: ما صدقته ولا كذبته قال: لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه براحلتك ورحلها كذب كعب إن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا}.

وقال ابن جرير أيضا حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: ذهب جندب البجلي إلى كعب الأحبار, فقدم عليه ثم رجع فقال له عبد الله: حدثنا ما حدثك فقال: حدثني أن السماء فق قطب كقطب الرحا والقطب عمود على منكب ملك قال عبد الله: لوددت أنك افتديت رحلتك بمثل راحلتك ثم قال: ما تنكب اليهودية في قلب عبد فكادت أن تفارقه ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} كفى بها زوالا أن تدور.

وروى ابن أبي خيثمة عن قتادة قال: بلغ حذيفة رضي الله عنه أن كعبا يقول: إن السماء تدور على قطب كالرحى فقال: كذب كعب إن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: إسناده حسن.

وقال ابن جرير: حدثنا بشير قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتادة. قوله {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} من مكانها.

فهذه أقوال السلف في معنى الآية الكريمة وردهم بها على من زعم أن السماء تدور. وبما قالوه في معنى الآية الكريمة يرد على من زعم أن الأرض تدور؛ لأن سياق الآية في السموات والأرض واحد. فإذا كانت الآية الكريمة دالة على ثبات السموات وعدم دورانها كما صرح به حبر الأمة ابن مسعود رضي الله عنه وصرح به أيضا حذيفة رضي الله عنه, فكذلك هي دالة على ثبات الأرض وعدم دورانها.

وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: والذي لا إله غيره ما من كتاب الله سورة إلا أنا أعلم حيث نزلت وما من آية إلا أنا أعلم فيما أنزلت. ورواه ابن جرير ولفظه قال عبد الله: والذي لا إله غيره ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت وأين أنزلت.

والأدلة من القرآن على ثبات الأرض واستقرارها قد بلغت خمسة وعشرين وقد ذكرتها في أول الصواعق الشديدة, فلتراجع هناك.

الوجه الخامس: ما رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لما خلق الله الأرض جعلت تميد, فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت».

وهذا نص في استقرار الأرض وسكونها.

والأدلة على ذلك من السنة قد بلغت ستة عشر حديثا. وقد ذكرتها في أول الصواعق الشديدة, فلتراجع هناك.

الوجه السادس: ذكر الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي في آخر كتابه "الفرق بين الفرق" جملة مما أجمع عليه أهل السنة قال فيها. وأجمعوا على وقوف الأرض وسكونها وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها.

وقال القرطبي في أول تفسير سورة الرعد: والذي عليه المسلمون وأهل الكتاب القول بوقوف الأرض وسكونها ومدها وأن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها. انتهى.

وهذا صريح في حكاية الإجماع من المسلمين وأهل الكتاب على القول بثبات الأرض واستقرارها.

وإجماع المسلمين دليل قطعي على ثبات الأرض واستقرارها. وفيه مع ما تقدم من الآيات والأحاديث لما زعمه الطنطاوي عن الإسلام أنه ليس فيه دليل قطعي على ثبات الأرض ونفي الحركة عنها.

وأما تقسيمه الأجور بين الشيخ ابن باز ومن وافقه وبين الصواف ومن وافقه وجعله للفريق الأول أجرا واحدا وللفريق الثاني أجرين.

فجوابه أن يقال هذه قسمة ضيزى {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} وليس الصواف وأشباهه ممن يرجى لهم الأجر فضلا عن مضاعفته إلى ضعفين. وإنما هم جديرون بمضاعفة الأوزار؛ لقول الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}.

وأما قوله ولست أوزع الأجور ولكن أشير إلى الحديث.

فجوابه أن يقال: بلى, قد وزع الطنطاوي الأجور على حسب رغبته ثم تتصل من ذلك وزعم أنه يشير إلى الحديث. وليس في الحديث إشارة إلى دعاة الهدى ودعاة الضلالة كما قد توهم ذلك. وإنما هو وارد في الحكام وهم القضاة كما في الصحيحين والمسند وسنني أبي داود وابن ماجة عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» قال فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن عمرو بن حزم فقال: هكذا حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. قال وفي الباب عن عمرو بن العاص وعقبة بن عامر رضي الله عنهما. وترجم الترمذي على هذا الحديث بقوله: (باب ما جاء في القاضي يصيب ويخطئ). وترجم عليه أبو داود بقوله: (باب في القاضي يخطئ).

والقائل فحدثت أبا بكر هو يزيد بن عبد الله بن الهاد أحد رواته كما صرح بذلك الإمام أحمد ومسلم وابن ماجة في روايتهم لهذا الحديث.

وإذا علم أن هذا الحديث وارد في القضاة وأن الطنطاوي قد أخطأ في إشارته إليه فليعلم أيضا أن المطابق لحال الشيخ ابن باز ومن وافقه وحال الصواف ومن وافقه هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» رواه الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

قال النووي: سواء كان ذلك الهدى أو الضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقا إليه. انتهى.

فالشيخ ابن باز قد دعا إلى اعتقاد ما قامت عليه الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع من جريان الشمس في الفلك ودؤوبها في ذلك وثبات الأرض واستقرارها فيرجى أن يكون له من الأجر مثل أجور من اهتدى بسببه.

وأما الصواف فإنه قد دعا إلى اعتقاد ما يخالف الكتاب والسنة والإجماع من ضلالات فيثاغورس اليوناني وأتباعه أهل الهيئة الجديدة, وهم كوبرنيك البولوني وهرشل الإنجليزي وأتباعهم من فلاسفة الإفرنج وجهال المسلمين. فيخشى على الصواف أن يكون عليه من الوزر مثل أوزار من ضل بسببه إلى يوم القيامة قال الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}.

وأما قوله وجزاك الله خيرا على قصدك الحسن في الدفاع عن الإسلام.

فجوابه أن يقال: أما قصده فالله أعلم به هل هو حسن أو سيئ. ولكن الذي يظهر من حاله أنه مفتون بحب الشهرة, فلهذا نصب نفسه لمعارضة الحق ومخالفة من هو أعلم منه فكان الأمر فيه كما قيل:

خلافا لقولي من فيالة رأيه ... كما قبل اليوم خالف لتذكرا

وأما زعمه أن ذلك من الدفاع عن الإسلام.

فجوابه أن يقال: كلا؛ فليس ما جمعه الصواف في رسالته في علم الفلك دفاعا عن الإسلام, وإنما هو دفاع عن ضلالات فيثاغورس وأتباعه من فلاسفة الإفرنج المتأخرين ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من جهال المسلمين. ولكن الطنطاوي قد التبست عليه الحقائق, فصار يرى الباطل في صورة الحق, ويرى أن الدفاع عن ضلالات أعداء الإسلام دفاع عن الإسلام. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وهذا من مصداق ما رواه رزين وغيره عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا» قالوا: وإن ذلك لكائن قال: «نعم».

وأما ما ذكره عن أعداء الإسلام أنهم اتخذوا من مقال الشيخ ابن باز طعنا على الإسلام وأهله.

فقد تقدم الجواب عنه في أول الرد على الطنطاوي.

وأما قوله: ليروا أن في علماء المسلمين من لا ينكر الأمور الحسية والمسلمات البديهية.

فجوابه أن يقال: ليس فيما ذكره الصواف في رسالته من الأمور الحسية والمسلمات البديهية شيء سوى القول بكروية الأرض واستدارة الأفلاك. وأما ما سوى ذلك فكلها تخرصات وظنون كاذبة لا يقبلها إلا من هو من أجهل الناس. وعلى هذا فالمطابق للحقيقة أن يقال ليرى أعداء الله أن في المسلمين من يسعى سعيا حثيثا خلف نعيقهم ويسارع إلى تحصيل رضاهم بقبول تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة وتأييدها والذب عنها والمجادلة بها؛ لادحاض الحق.

وأما قوله: ومن قبل قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنه ليس في الدين أمر ثابت يناقض أو يتناقض أو ينافي أمرا ثابتا في العقل أو الحس. وما قاله هو الحق.

فجوابه من وجهين: أحدهما: أن يقال: إن الطنطاوي إنما نقل كلام شيخ الإسلام بالمعنى فزاد فيه وغير أسلوبه. والمعروف من كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى قوله أن المعقول الصريح لا يمكن أن يخالف المنقول الصحيح. وتقرير قوله هذا أن نصوص الكتاب والسنة هي الأصل الذي يجب الرجوع إليه, وأن المعقولات تعرض على نصوص الكتاب والسنة, فما وافقها فهو معقول صريح معتبر, وما خالفها فهو فاسد يجب إطراحه.

الوجه الثاني: أن الطنطاوي قد استشهد بهذا الكلام في غير محله؛ لأنه قد توهم أن ما ذكره الصواف في رسالته فهو من الأمور الحسية والمسلمات البديهية التي يثبتها العقل. وليس الأمر على ما توهمه, بل إن الذي ذكره الصواف كله تخرصات وظنون كاذبة تنافي الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع سوى القول بكروية الأرض واستدارة الأفلاك. وقد نبهت على ما فيه من التخرصات والظنون الكاذبة في مواضعها من هذا الكتاب ولله الحمد والمنة.

وقد نشر الصواف في أول رسالته كلاما لوزير المعارف الشيخ بن عبدالله بن حسن آل الشيخ. ولمدير التعليم بمكة مصطفى عطار. وحيث إنه ليس في كلامهما تصريح بموافقة الصواف على ما قرره في كتابه من دوران الأرض وثبات الشمس وغير ذلك مما حشده فيه من تخرصات الإفرنج وظنونهم الكاذبة. وإنما كتبا إليه ما كتبا؛ لمناسبة خاصة, لا لتدعيم كتابه وتقريظه فضم كتابتهما إلى كتابه؛ ليتكثر بذلك ويجعله تأييدا لأقواله الباطلة وهو غير مصيب في فعله هذا. فلهذا أعرضت عن الكتابة على كلامهما. ولو أنهما نشرا تعقيبا عليه بعدم الموافقة على ما أودعه في رسالته من الضلالات والجهالات لكان خيرا لهما من السكوت الذي قد يظن بسببه أنهما قد وافقاه.

وفي كلام مصطفى العطار كلمة يجب التنبيه عليها. وهي قوله والشهر الكريم قد أظلنا ببركاته وفيوضه.

والجواب أن يقال: ليست البركات والفيوض من الأشهر, ولا من غيرها من المخلوقات, وإنما هي من الله وحده لا شريك له. قال تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} وقال تعالى: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} وقال تعالى: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} وقال تعالى مخبرا عن عيسى عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} وقال تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} الآية. وقال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} وقال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} وقال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} الآية. وقال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}. وفي الحديث الصحيح «وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا.

ومن أضاف البركات والفيوض إلى غير الله تعالى, فقد جعل ذلك الغير شريكا لله تعالى فيما هو من خصائص ربوبيته. وحيث إن هذا قد خفي على العطار أحببنا أن ننبهه عليه.

وهذا آخر ما تيسر إيراده والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وسلم تسليما كثيرا.

وقد وقع الفراغ من تسويد هذه النبذة في يوم الاثنين الموافق لخمس وعشرين مضت من شوال سنة 1388 هـ على يد جامعها الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله التويجري غفر الله له ولوالديه, ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات, والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

  • الاربعاء PM 10:48
    2022-05-25
  • 1218
Powered by: GateGold