المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413533
يتصفح الموقع حاليا : 225

البحث

البحث

عرض المادة

التحذير من هذيان الإفرنج في الشمس

وقد ذكر الصواف في صفحة 58 - 59 - 60 إعلانات لبعض الإفرنج المعاصرين عن انفجارات حدثت في الشمس في سنة 1956 - 1957 ميلادية، منها ما يعادل القوة الناجمة عن تفجير مليون قنبلة هيدروجينية، وأنه حدث في منطقة أكبر بكثير من مساحة الكرة الأرضية، ومنها ما يعادل انفجار مائة مليون قنبلة هيدروجينية دفعة واحدة.

وهذه كلها تخرصات وهذيانات لا تروج إلى على من لا عقل له، وقد أدخلها الصواف في علم الفلك الذي نسبه إلى المسلمين، وذلك من أكبر الخطأ وأعظم الفرية على المسلمين، وقد قال الله تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}.

ومن هذا القبيل ما نشر في جريدة الرياض في عدد1009 في يوم الخميس خامس جمادى الثانية سنة 1388 هجرية تحت هذا العنوان:

(انفجار في الشمس يهدد الأرض)

وهذا نص المنشور: -

داندي - اسكتلندة - 28 أغسطس - 1 ب: سيأتي ذلك اليوم المشرق الذي ستنفجر فيه الشمس، وعندما يقرب ذلك اليوم فإن الطريق الوحيدة لإنقاذ الأرض هي إبعادها بعيدا عن الشمس، هذا هو رأي الفلكي أيان روكسبرغ الذي تكهن بهذا الانفجار أمام المؤسسة البريطانية للتقدم العلمي أمس، ويقول أنه عندما يقترب موعد الانفجار فإنه سيكون يوما عظيما للذين يعشقون أن تلفح الشمس جلودهم بالسمرة، وقبيل الانفجار النائي ستحترق الشمس بسطوع أكثر بعشرة آلاف مرة مما تبدو عليه الآن، وستمدد أربعمائة مرة أكثر من حجمها الحالي، وبعدها ستنفجر ويندفع ثلثها إلى الفضاء وستكون سرعة الاندفاع عشرين ميلا في الثانية أي (72) ألف ميل في الساعة، وسيخر كل شيء في طريقه بما في ذلك هذا الكوكب الذي نحن فيه، ولكن متى ينتظر أن يأتي ذلك اليوم الرهيب، يقول روكسبرغ أنه بعد خمسة ملايين عام.

انتهى ما نشر في الجريدة من التخرص والهذيان الذي يشبه هذيان المجانين، ولا يروج هذا الهذيان إلا على من أضله الله وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة.

وقد قال الله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}، وقال تعالى {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ}، وقال تعالى {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}، وقال تعالى {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} الآية.

ومن مفاتيح الغيب التي استأثر الله بعلمها علم ما يكون في المستقبل. فلا يعلم ما يكون في المستقبل إلا الله أو من أظهره الله على ذلك من المرسلين؛ كما قال تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الآية.

وروى الإمام أحمد والبخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله؛ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

وروى الإمام أحمد أيضا بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه.

وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة مجيء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسؤاله عن الإيمان والإسلام والإحسان وعن الساعة نحوه أيضا.

وفي المسند من حديث ابن عباس رضي الله عنهما نحو ذلك أيضا.

وروى الإمام أحمد والبخاري وأهل السنن إلا النسائي عن خالد بن ذكوان قال: قالت الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها: جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل حين بُنِيَ عليَّ فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن مَن قُتل مِن آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن - وفينا نبي يعلم ما في غد - فقال: «دعي هذه وقولي بالذي تقولين» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وزاد ابن ماجة في آخره «ما يعلم ما في غد إلا الله» وإسناده صحيح على شرط مسلم.

وروى الإمام أحمد والبخاري أيضا عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها يا أم المؤمنين هل رأى محمد - صلى الله عليه وسلم - ربه فقالت: لقد وقف شعري مما قلت أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب؟ من حدثك أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه فقد كذب, ثم قرأت {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب, ثم قرأت {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} ومن حدثك أنه كتم فقد كذب, ثم قرأت {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} الآية ولكنه رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين.

ورواه مسلم ولفظه مسروق قال كنت متكئا عند عائشة رضي الله عنها فقالت يا أبا عائشة ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية - فذكر الحديث وفيه - قالت ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية والله يقول: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}.

وفي الآيات والأحاديث التي ذكرنا أبلغ رد على من زعم أنه يعلم ما يكون في المستقبل.

وإذا كان أشرف المرسلين صلوات الله وسلامه عليه لا يعلم ما يكون في غد فغيره من الناس أولى أن لا يعلموا ذلك.

وعلى هذا فمن زعم أنه يعلم ما يكون في المستقبل فهو من رءوس الطواغيت لكونه قد نازع الله فيما استأثر به من علم الغيب ومن نازع الله في خصائصه فهو طاغوت شاء أم أبى. ومن صدقه فيما يقول فهو ممن آمن بالطاغوت شاء أم أبى.

ومن زعم أنه يعلم ما يكون بعد ملايين السنين فهو شر ممن زعم أنه يعلم ما يكون في غد القريب.

وقد قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وقال تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} أي: يجرون فيه ويسيرون بسرعة.

وقال تعالى في أربعة مواضع من القرآن {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} قال البغوي وغيره أي: إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا.

فالشمس لا تزال جارية سابحة في فلكها الذي جعلها الله فيه ما دامت الدنيا فإذا كان يوم القيامة أدنيت من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل وزيد في حرها كما جاءت بذلك الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم بعد ذلك تكور في النار كما قال تعالى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}.

وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث الله ريحًا دبورًا فيضرمها نارًا).

وكذا ذكر البغوي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن كثير: وكذا قال عامر الشعبي.

قلت ويشهد لهذا الأثر ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة».

ورواه البزار بإسناد صحيح على شرط مسلم ولفظه: «إن الشمس والقمر ثوران عقيران يوم القيامة».

وروى الحافظ أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله.

وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} وجهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه وتكور فيه الشمس والقمر ثم يوقد فيكون هو جهنم.

فهذه نهاية الشمس يوم القيامة لا ما تخرصه عدو الله «أيان روكسبرغ» من انفجارها وزيادة سطوعها وتمدد حجمها واندفاع بعضها إلى الفضاء وسرعة اندفاع المندفع منها، وأنه سيخر كل شيء في طريق ذلك المندفع منها ومن ذلك الأرض، فهذا كله من زخرف القول الذي أوحاه إليه شيطانه كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ}.

وفي هذه الأكذوبة التي افتراها «أيان روكسبرغ» التصريح بأنه قد تكهن بما زعمه من انفجار الشمس، والكهانة من أمور الجاهلية التي قد أبطلها الإسلام، والكهان هم الذين تنزل عليهم الشيطان كما قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} قال قتادة هم الكهنة، وقال ابن كثير على قوله تعالى {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} أي: كذوب في قوله وهو الأفاك. أثيم: وهو الفاجر في أفعاله فهذا هو الذي تنزل عليه الشياطين من الكهان وما جرى مجراهم من الكذبة الفسقة. انتهى.

ومن أعظم المصائب التي أصيب بها كثير من المسلمين تلقيهم لأكاذيب أعداء الله تعالى وتخرصاتهم بالقبول ومقابلتها بالرضا والتسليم، ونشرها في كتبهم وجرائدهم وتمسكهم بها أعظم مما يتمسكون بنصوص الكتاب والسنة وزعمهم أن ذلك من تقدم العلم، وهذا من تلاعب الشيطان بهم فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقد ورد التشديد في إتيان الكهان وتصديقهم وأن ذلك من الإيمان بالجبت والطاغوت، وقد ذكرت ذلك مستوفيًا في أول الكتاب فليراجع.

وأما زعمهم أن التكهن بانفجار الشمس من التقدم العلمي فهو من قلب الحقيقة، والصواب المطابق للحقيقة أن ذلك من تقدم الجهل وظهوره كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل» متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

وأما قوله: "وعندما يقرب ذلك اليوم فإن الطريق الوحيدة لإنقاذ الأرض هي أبعادها بعيدا عن الشمس".

فجوابه أن يقال هذا من أسمج الهذيان والهوس ولا يتفوه بمثل هذا الهذيان عاقل أبدا.

ومن هو الذي يقدر على زحزحة الأرض من موضعها سوى الله تعالى، ولو اجتمع الأولون والآخرون من الجن والإنس لما قدروا على زحزحة أكمة من الآكام عن موضعها فضلا عن الجبل العظيم فكيف بالأرض.

وقد جاء في عدة أحاديث صحيحة أن الشمس تدنى يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، وفي بعضها التصريح بأنها تدنى من الأرض فتصهر الناس، ويتضررون منها ولا يضر ذلك الأرض شيئا.

وكذلك قد جاء في الأحاديث والآثار التي تقدم ذكرها قريبا أن الشمس والقمر يكوَّران يوم القيامة في البحر، وتنتثر الكواكب فيه ولا يؤثر ذلك في الأرض ولا تتزحزح من موضعها فضلا عن أن تخر منه.

وأما تسميته الأرض كوكبا فهو خطأ وضلال. وقد استوفيت الرد على هذا القول الباطل في الصواعق الشديدة فليراجع هناك.

وأما قوله أن ما هذى به من الانفجار يكون بعد خمسة ملايين عام، فهو مردود بقول الله تعالى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} وقوله تعالى {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} وقوله تعالى {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}.

وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عدة أوجه أنه قال «بعثت أنا والساعة كهاتين» وضم السبابة والوسطى. وفي رواية «مثلي ومثل الساعة كمثل فرسي رهان» وفي رواية «بعثت أنا في نَفَس الساعة فسبقتها كما سبقتْ هذه هذه» لإصبعيه السبابة والوسطى.

قال الحافظ ابن حجر قوله في نَفَس بفتح الفاء وهو كناية عن القرب أي بعثت عند نفسها. انتهى.

وفي رواية «بعثت أنا والساعة جميعا إن كادت لتسبقني».

وفي هذه الأحاديث إشارة إلى قلة المدة التي بين بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبين قيام الساعة، ولهذا قال الحسن البصري: "بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة". ذكره ابن كثير في تفسيره، وقال: هو كما قال.

وقال البغوي في تفسيره: "وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة" وكذا قال ابن كثير: "بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة.

وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن الضحاك أنه قال أول أشراطها بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -.

وإذا علم قرب زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - من قيام الساعة وأنها كادت أن تسبقه علم بطلان ما هذى به روكسبرغ من الانفجار الذي يكون في الشمس بعد خمسة ملايين عام، ولا يخفى أن قوله هذا يعارض قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «بعثت أنا والساعة كهاتين» وقوله أيضا «مثلي ومثل الساعة كمثل فرسي رهان» وقوله أيضا «بعثت في نفَس الساعة» وقوله أيضا «أنا والساعة جميعا إن كادت لتسبقني».

وإذا تعارض قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقول غيره من الناس، فقول الغير مطروح مردود على قائله كائنا من كان.

وفي الأحاديث التي ذكرنا أبلغ رد على تخرص روكسبرغ وهذيانه لما دلت عليه من قرب قيام الساعة.

وإذا كان يوم القيامة لم تبق الشمس على حالها في الدنيا بل تكور ويذهب ضوؤها كما دل على ذلك الكتاب والسنة.

وقال الصواف في صفحة 60 - 61 - 62 - 63 ما نصه.

(سكون الشمس وجريانها) والقول بجريانها وسيرها أو ثبوتها وقرارها قد سبق إليه العلماء الأعلام ممن اشتغل بهذا العلم من المسلمين في القديم والحديث وغيرهم، أما القول بثبوتها وقرارها كما يثبت الجبل في محله والسهل في مكانه فلم يقل به أحد فيما نعلم، والذين قالوا بقرارها قالوا هي ثابتة ومتحركة في آن واحدة، ثابتة على محورها الذي أرساه الله لها، ومتحركة حول هذا المحور أي هي دائرة حول نفسها، ومثلها مثل المروحة السقفية الكهربائية فهي ثابتة في سقفها، وهي متحركة حول نفسها وبحركتها ينطلق الهواء المطلوب، وهؤلاء استدلوا بقوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} وفسروا المستقر بالمحور، وقد قال بمثل هذا القول رجال من سلف هذه الأمة الخيار، وهم من خير العصور، بل هم من العصر الأول الذي هو خير العصور، فقد ورد عن التابعي المشهور مجاهد رحمه الله أنه قال في تفسير قوله تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}: "إنه كحسبان الرحى" وتبعه على ذلك بعض العلماء، وهذا يوافق قول من قال أنها تجري حول نفسها، وهل يجد القارئ الكريم فرقا بين المثل الذي ضربته وهو المروحة حيث تتحرك وهي ثابتة وبين ما قاله مجاهد ومثله بالرحا، حيث تتحرك كذلك حول نفسها وهي ثابتة بمكانها، وقد ذكر قول مجاهد هذا الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب بدأ الخلق حيث قال: "باب صفة الشمس والقمر، بحسبان: قال مجاهد: كحسبان الرحا، وقال غيره: بحسبان ومنازل لا يعدوانها، وحسبان جمع حساب مثل شهاب وشهبان، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند هذه الترجمة ما نصه: "قوله قال مجاهد: كحسبان الرحى، وصله

الفريابي في تفسيره من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، ومراده أنهما يجريان على حساب الحركة الرحوية الدورية وعلى وضعها. قال وقال غيره حساب ومنازل لا يعدوانا. ووقع في نسخة الصغاني عن ابن عباس. وقد وصله عبد بن حميد من طريق أبي مالك وهو الغفاري مثله. وروى الحربي والطبري عن ابن عباس نحوه بإسناد صحيح وبه جزم الفراء. انتهى.

ونقل هذا المعنى عن مجاهد جماعة من المفسرين الكبار الأئمة منهم الإمام أبو جعفر بن جرير والإمام أبو عبد الله القرطبي وغيرهما، كما نقل عن مجاهد رحمه الله وجه آخر يخالف هذا الوجه، وذلك فيما رواه عنه الإمام أبو جعفر ابن جرير في تفسيره حيث قال عند تفسير قوله جل وعلا في سورة الأنعام {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا}: "حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} قال هو مثل قوله {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ومثل قوله {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} " انتهى.

وقال ابن حبان في تفسيره البحر المحيط: "قال مجاهد: الحسبان الفلك المستدير شبهه بحسبان الرحى، وهو العود المستدير الذي باستدارته تستدير المطحنة"

ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن أبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي وأبي محمد بن حزم وأبي الفرج بن الجوزي أنهم حكوا الإجماع على أن الأفلاك مستديرة، كما ذكرنا ذلك سابقا.

والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال إن العلماء الأعلام من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى زمننا كلهم مجمعون على القول بجريان الشمس في الفلك تصديقا لما أخبر الله به في كتابه، وما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة، ولم يقل أحد منهم بثبات الشمس واستقرارها لا في القديم ولا في الحديث، والعبرة بهم لا بغيرهم.

ومن حاد عن منهاج الصحابة والتابعين من الفلكيين وغيرهم، فهو من الجهال لا من العلماء ولا عبرة به.

الوجه الثاني أن يقال إن الذين سبقوا إلى القول بثبات الشمس واستقرارها هم فيثاغورس اليوناني وأتباعه في القديم، وكوبرنيك البولوني وهرشل الإنجليزي وأتباعهما من فلاسفة الإفرنج في الحديث، وهؤلاء ليسوا من المسلمين فضلا عن أن يكونوا من العلماء الأعلام.

وزَعْمُ الصواف أنهم من المسلمين، ومن العلماء الأعلام لا أساس له من الصحة، وإنما هو تمويه وتلبيس على الجهلة الأغبياء.

الوجه الثالث أن الصواف قد جمع في كلامه بين النقيضين فقال في الترجمة ما نصه (سكون الشمس وجريانها) وهذا تناقض لا يصدر من عاقل لأن السكون ينافي الجريان.

الوجه الرابع أن كلام الصواف يوهم أن الفلكيين المنتسبين إلى الإسلام في القديم كانوا يقولون بثبات الشمس واستقرارها، وهذا كذب عليهم لأن الفلكيين قبل ظهور أهل الهيئة الجديدة كانوا على القول بثبات الأرض واستقرارها وجريان الشمس وسيرها، وأول من قال بخلاف ذلك هو كوبرنيك البولوني في أثناء القرن العاشر من الهجرة وتبعه على ذلك من كان بعده من فلاسفة الإفرنج، ولما كان في القرن الرابع عشر من الهجرة كثر المقلدون لأهل الهيئة الجديدة من العصريين المنتسبين إلى العلم، فخالفوا ما جاء في كتاب الله وما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أجمع عليه المسلمون، ولا عبرة بهؤلاء العصريين المفتونين بآراء الإفرنج وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة، وكما أنه لا يعتد بأقوال أعداء الله في شيء من المسائل العلمية فكذلك لا يعتد بأقوال أتباعهم ومقلديهم بطريق الأولى ولو كانوا من المسلمين.

الوجه الخامس ذكر الألوسي في صفحة 29 من كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) أن أصحاب الزيج الجديد ذهبوا إلى أن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلا، وأنها مركز العالم وأن الأرض وكذا سائر السيارات والثوابت تتحرك عليها، وهذا يرد قول الصواف أن القول بثبات الشمس واستقرارها كما يثبت الجبل في محله لم يقل به أحد.

الوجه السادس أنه لم يجئ في كتاب الله تعالى ولا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قط أن للشمس محورًا تدور عليه، ومن أثبت أن للشمس أو غيرها من الأجرام العلوية ما لم يخبر الله به ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو متخرص متبع للظن. وقد قال الله تعالى {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}.

والعلم ما جاء في كتاب الله تعالى، وما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} وقال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقال تعالى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.

الوجه السابع أن القول بثبات الشمس على محورها، ودورانها حول نفسها وتمثيلها بالمروحة السقفية الكهربائية ينافي ما أخبر الله به من جريانها وسبحها في الفلك ودؤوبها في ذلك، وما أخبر به من طلوعها وغروبها ودلوكها وأنه يأتي بها من المشرق، وما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جريانها وذهابها إلى مستقرها تحت العرش إذا غربت، ورجوعها إلى مطلعها وطلوعها وارتفاعها واستوائها وزوالها ودنوها للغروب وغروبها، وحبسها ليوشع بن نون حين حاصر القرية حتى فتحها الله عليه، وقد ذكرت الآيات والأحاديث الدالة على جريان الشمس في أول الصواعق الشديدة فلتراجع هناك.

وقد وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر رضي الله عنه حين غربت الشمس «تدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد، فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}» رواه الشيخان والإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وفي رواية لمسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوما «أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها ارجعي ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها».

وهذا الحديث الصحيح صريح في بيان المراد من قول الله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} وفيه الرد على من تأول الآية على غير تأويلها.

الوجه الثامن قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله، ملحد في آيات الله، محرف للكلم عن مواضعه". انتهى.

ومن الافتراء على الله والإلحاد في آياته وتحريف الكلم عن مواضعه تفسير المستقر بالمحور الذي تدور عليه الشمس على حد زعمهم الباطل. ومخالفة ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تفسير قول الله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} الآية. وقد تقدم حديث أبي ذر رضي الله عنه في ذلك وفيه كفاية في الرد على من فسر المستقر بالمحور.

الوجه التاسع أن تفسير المستقر بالمحور الذي تدور عليه الشمس وهي ثابتة في موضعها كما تدور المروحة السقفية الكهربائية خطأ مردود من وجهين.

أحدهما أن الذي يجري لا يثبت في موضعه بل يفارقه بالانتقال إلى غيره كما قال الله تعالى مخبرا عن سفينة نوح عليه السلام {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} الآيات إلى قوله تعالى {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} الآية ففرق تبارك وتعالى بين جري السفينة في الماء وبين رسوها واستوائها على جبل الجودي.

وقال تعالى {وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَا يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} ففرق سبحانه وتعالى بين جري السفن في الماء وبين ركودها على ظهر البحر وهو وقوفها وسكونها عليه.

وقال تعالى {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} الآية. والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.

ثانيهما أن الذي يدور على محوره مع ثباته في موضعه لا يوصف بالجريان وإنما يوصف بالدوران فقط. والله تبارك وتعالى قد وصف الشمس بصفات لا تنطبق على ما هو ثابت في موضعه ودائر على محوره فوصفها بالجريان والدؤوب في ذلك والسبح في الفلك والطلوع والغروب والدلوك والتزاور. وأخبر أنه يأتي بها من المشرق. وكذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد وصفها بالجريان والطلوع والارتفاع والاستواء والزوال والدنو من المغرب والغروب والذهاب إلى مستقرها تحت العرش إذا غربت ورجوعها بعد ذلك إلى مطلعها، وأخبر أنها حبست ليوشع بن نون حين حاصر القرية حتى فتحها الله عليه، وهذه الصفات لا تنطبق على ما هو ثابت في موضعه ودائر على محوره كالمروحة السقفية الكهربائية وإنما تنطبق على ما هو سائر على الدوام.

وبما ذكرنا يتضح بطلان ما حاوله المقلدون لأهل الهيئة الجديدة من حمل الآية الكريمة على زعمهم الباطل.

وههنا أمران ينبغي التنبيه عليهما. أحدهما أن لفظ الدوران لفظ مشترك لأنه يطلق على ما يدور على نفسه وهو ثابت في موضعه كالمراوح الكهربائية. ويطلق على ما يجري ويدور في شيء متسع جدا كالشمس والقمر والنجوم التي تجري في الفلك وتدور على الأرض، فمن جعل جريانها في الفلك ودورانها على الأرض مثل دوران المراوح الكهربائية فقد غلط غلطا فاحشا، ومن فرق بينها وبين ما يدور على نفسه وهو ثابت في موضعه فقد أصاب.

الأمر الثاني أن المواصفات بالجريان أو الدوران على ثلاثة اضرب.

الأول ما يوصف بالجريان فقط كالرياح والسفن والخيل والأنهار والعيون وغيرها ممن يجري في جهة أو جهات غير مستديرة.

الثاني ما يوصف بالدوران فقط كالمراوح الكهربائية التي تدور وهي ثابتة في مواضعها.

الثالث ما يجري في شيء مستدير فهو بهذا يجمع بين الجريان والدوران كالشمس والقمر والنجوم فإنها تجري في الفلك - والفلك مستدير بالإجماع - وتدور على الأرض فمن أجل كونها تجري في الفلك توصف بالجريان كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة من القرآن ومن السنة أيضا في جريان الشمس، ومن أجل كونها تدور على الأرض في فلك مستدير تقطعه في كل يوم وليلة توصف بالدوران كما قال ذلك من قاله من السلف كمجاهد وغيره.

ونظير ذلك الطائف بالكعبة فإنه يجمع بين المشي والدوران على الكعبة، وكما لا يقول عاقل إن الطائف بالكعبة إنما يوصف بالدوران على نفسه، فكذلك لا يقول عاقل إن الشمس والقمر والنجوم إنما توصف بالدوران فقط كما تدور المراوح الكهربائية.

الوجه العاشر أن الصواف أخطأ خطأ كبيرا على مجاهد وغيره من الرجال الذين أشار إليهم بقوله (وقد قال بمثل هذا القول رجال من سلف هذه الأمة الخيار وهم من خير العصور بل هم من العصر الأول الذي هو خير العصور).

وهذا كذب على مجاهد وغيره ممن أشار إليهم في كلامه هذا، فلم يقل أحد من الصحابة الذين هم خير العصور ولا التابعين ولا تابعيهم بإحسان ولا أئمة العلم والهدى من بعدهم أن الشمس ثابتة، وأنها تدور حول نفسها كما تدور المروحة السقفية الكهربائية، وأن مستقرها هو محورها الذي تدور عليه، ومن زعم أن أحدا منهم قال بهذا القول الباطل فهو مفتر أثيم. وقد قال الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} قال أبو قلابة: هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة.

وقد سبق للصواف أن أورد آيات من القرآن وألحد فيها، حيث تأولها على غير تأويلها، وحملها على ما هو مفتون به من آراء الإفرنج وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة، ومن كان جريئا على الإلحاد في آيات الله وتحريف الكلم عن مواضعه فغير مستبعد منه أن يفتري على مجاهد وغيره من السلف الصالح ويقول عليهم ما لم يقولوه ولا يحتمله كلامهم.

الوجه الحادي عشر أن مجاهدًا إنما أراد بالحسبان الفلك الذي تجري فيه الشمس والقمر والنجوم ولم يرد به المحور الذي زعمه الصواف تبعا لأئمته أهل الهيئة الجديدة، فروى ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدًا يقول {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} قال النجوم والشمس والقمر فلك كفلكة المغزل، وقال مثل ذلك الحسبان يعني حسبان الرحى وهو سفودها القائم الذي تدور عليه، وكان مجاهد يفسر قوله تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} بهذا. قال مجاهد: "ولا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل، ولا يدور الحسبان إلا بالرحى، ولا تدور الرحى إلى بالحسبان". قال: فكذلك النجوم والشمس والقمر هي في فلك لا يَدُمْنَ إلا به، ولا يدوم إلا بهن، قال فنقر لي بإصبعه، قال: فقال مجاهد: "يدمن كذلك كما نقر" قال: "فالحسبان والفلك يصيران إلى شيء واحد غير أن الحسبان في الرحى والفلك في المغزل".

قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى بعد ما ذكر هذا الأثر عن مجاهد: "قوله: لا تدوم إلا به، أي لا تدور إلا به، ومنه الدُّوامة بالضم والتشديد، وهي فلكة يرميها الصبي بخيط، فتدوم على الأرض أي تدور، ومنه تدويم الطير وهو تحليقه ودورانه في طيرانه ليرتفع إلى السماء، وقوله فنقر بإصبعه يعني نقر بها في الأرض، وأدارها ليشبه بذلك دوران الفلك". انتهى.

وروى ابن جرير عن مجاهد {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} قال هو مثل قوله {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ومثل قوله {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}.

وقال ابن كثير عند قوله تعالى في سورة الأنبياء {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}: أي يدورون، قال ابن عباس رضي الله عنهما يدورون كما يدور المغزل في الفلكة، قال مجاهد فلا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا الفلكة إلا بالمغزل، كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به ولا يدور إلا بهن كما قال تعالى {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.

وقال ابن كثير أيضا في تفسير سورة يس: "وقوله تبارك وتعالى {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يعني الليل والنهار والشمس والقمر كلهم يسبحون أي يدورن في فلك السماء، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة وعطاء الخراساني، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد من السلف في فلكة كفلكة المغزل، وقال مجاهد: الفلك كحديد الرحى أو كفلكة المغزل لا يدور المغزل إلا بها ولا تدور إلا به".

وقال أبو حيان في تفسيره: "قال مجاهد: الحسبان الفلك المستدير شبهه بحسبان الرحى، وهو العود المستدير الذي باستدارته تستدير المطحنة". انتهى.

ومما ذكرنا يعلم أن البخاري قد اختصر قول مجاهد ولم يورده بتمامه.

ويعلم أيضا أن مجاهد إنما أراد بالحسبان الفلك الذي تدور فيه النجوم والشمس والقمر، ولم يرد به المحور الذي توهمه الصواف وأئمته من فلاسفة الإفرنج.

وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "فأما قوله تعالى {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} وقوله {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} فقد قيل هو من الحساب وقيل بحسبان كحسبان الرحى وهو دوران الفلك فإن هذا مما لا خلاف فيه، بل قد دل الكتاب والسنة وأجمع علماء الأمة على مثل ما عليه أهل المعرفة من أهل الحساب من أن الأفلاك مستديرة لا مسطحة". انتهى.

الوجه الثاني عشر أن القمر قرين الشمس في الحسبان كما أنه قرينها في الجريان والسبح في الفلك والدؤوب في السير والبزوغ والأفول. قال الله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} وقال تعالى {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} وقال تعالى في أربعة مواضع من القرآن: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} وقال تعالى في موضعين {وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وقال تعالى {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} وقال تعالى {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}.

وإذا كان القمر قرين الشمس في كتاب الله تعالى فإنه يلزم أن يقال فيه مثل ما قيل في الشمس، فمن قال أن للشمس محورًا تدور عليه وهي ثابتة في مكانها كما تدور المروحة السقفية على محورها، وأن ذلك المحور هو الحسبان الذي ذكره الله في كتابه، فلازم قوله أن يكون للقمر محور يدور عليه، وهو ثابت في مكانه، كما تدور المروحة السقفية على محورها، وهذا ما لا محيد للصواف عنه، وهو من أبطل الباطل كما أن التفريق بين الشمس والقمر فيما جمع الله بينهما فيه من أبطل الباطل أيضا.

والتفريق بينهما هو الذي عليه أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج وأتباعهم من العصريين المفتونين بآرائهم وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة.

ومثل هؤلاء الذين يفرقون بين ما جمع الله بينه كمثل اليهود يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.

الوجه الثالث عشر أن يقال قد تبين لمن له أدنى علم وفهم أن الصواف قد افترى على مجاهد وعلى العلماء الذين زعم أنهم قالوا إن الشمس ثابتة وأنها تدور حول نفسها، كما تدور المروحة السقفية على محورها، وأن مستقرها هو محورها الذي تدور عليه.

وحينئذ فقوله (وهل يجد القارئ الكريم فرقا بين المثل الذي ضربته وهو المروحة حيث تتحرك وهي ثابتة، وبين ما قاله مجاهد ومثَّله بالرحا حيث تتحرك كذلك حول نفسها وهي ثابتة بمكانها).

جوابه أن يقال الفرق بينهما واضح جلي، أما مجاهد فإنه شبه الفلك الذي تجري فيه الشمس والقمر والنجوم ويدرن فيه على الأرض بفلكة المغزل وحسبان الرحى؛ لأن كلا من الفلك والفلكة والحسبان يدار عليه، فهذا وجه تشبيه مجاهد وغيره من السلف للفلك بفلكة المغزل وحسبان الرحى.

وأما الصواف فإنه زعم أن الحسبان هو المحور الذي تدور عليه الشمس وهي ثابتة في مكانها كما تتحرك المروحة السقفية على محورها، وهذا القول الذي ذهب إليه الصواف لا أصل له من كتاب ولا سنة، ولا قاله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة العلم من بعدهم، وإنما قاله أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من العصريين المفتونين بآرائهم وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة.

ومجاهد رحمه الله تعالى أجل قدرا من أن يقول بهذا القول الباطل المخالف لكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -.

الوجه الرابع عشر قد تقدم أن مجاهدًا قال في قوله تعالى {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}: للنجوم والشمس والقمر فلك كفلكة المغزل، وقال: مثل ذلك الحسبان يعني حسبان الرحى، وهو سفودها القائم الذي تدور عليه، قال: ولا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل ولا يدور الحسبان إلا بالرحى ولا تدور الرحى إلى بالحسبان، قال: فكذلك النجوم والشمس والقمر هي في فلك لا يدمن إلا به ولا يدوم إلا بهن.

وإذا كان مجاهد قد جمع بين الشمس والقمر والنجوم في تفسير الفلك والحسبان ولم يفرق بينها، فإنه يلزم على قول الصواف أن يكون مجاهد يرى أن كلاً من الشمس والقمر والنجوم له محور يدور عليه وهو ثابت في مكانه، كما تدور المروحة السقفية الكهربائية على محورها وهي ثابتة في سقفها، وهذا ما لا محيد للصواف عنه، وحينئذ فلا بد للصواف ومن قال بقوله من أحد أمرين: أحدهما أن يلزموا مجاهدا بهذا القول الباطل الذي لم يقل به أحد من المسلمين فضلا عن مجاهد، وإما أن يرجعوا عما افتروه على مجاهد في تخصيص الشمس بالثبات في مكانها دون القمر والنجوم.

الوجه الخامس عشر أن قول مجاهد في الحسبان والسبح في الفلك متفق.

وما جاء في بعض الروايات عنه من ذكر الدوران فالمراد به دوران الشمس والقمر والنجوم على الأرض وهي في فلكها الذي تسبح فيه أي تجري فيه بسرعة كما تقدم إيضاح ذلك. وليس هو بدوران فقط كما تدور المراوح الكهربائية.

ويدل على ذلك ما رواه ابن جرير عنه أنه قال في قوله تعالى {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} قال: "هو مثل قوله {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} والسبح هو الجري بسرعة".

قال الراغب الأصفهاني: "السبح المرُّ السريع في الماء وفي الهواء يقال سبح سبحا وسباحة، واستعير لمر النجوم في الفلك نحو {وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، ولجري الفرس نحو {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} ولسرعة الذهاب في العمل نحو {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} ".

وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "السباحة تتضمن الجري بسرعة كما ذكر ذلك أهل اللغة". انتهى.

وإذا علم هذا فكلام مجاهد صريح في كونه يرى أن الشمس والقمر والنجوم سابحة في الفلك أي جارية فيه بسرعة، وإن الفلك لهن مثل الحسبان للرحى والفلكة للمغزل، يعني أنهن يدرن حول الأرض في فلك مستدير، وفي هذا رد على من تقول عليه وزعم أنه يقول إن الشمس ثابتة ودائرة على نفسها مثل المروحة السقفية الكهربائية، وأما زعم الصواف أن قول مجاهد يخالف بعضه بعضا فهو خطأ مردود.

الوجه السادس عشر لو فرضنا أن مجاهدا قال إن الشمس ثابتة، وأنها تدور على نفسها مثل المروحة السقفية الكهربائية، فقوله ليس بحجة وإنما الحجة فيما أخبر الله به من جريان الشمس وسبحها في الفلك ودؤوبها في ذلك وطلوعها وغروبها ودلوكها وتزاورها، وأنه يأتي بها من المشرق فهذا يدل دلالة واضحة على دوران الشمس على الأرض لا على نفسها، وكذلك ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من جريان الشمس وطلوعها وارتفاعها واستوائها وزوالها ودنوها من الغروب وغروبها وذهابها بعد الغروب إلى مستقرها تحت العرش، وأنها حسبت ليوشع بن نون حين حاصر القرية حتى فتحها الله عليه.

وما أشرت إليه ههنا من الآيات المحكمات والأحاديث الصحيحة فهو الحجة، وما خالفها فهو باطل مردود على قائله كائنا من كان.

وقد ثبت عن مجاهد أنه قال: "ليس أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - "رواه البخاري في جزء رفع اليدين بإسناد صحيح.

الوجه السابع عشر أن الصواف قد قرر في صفحة 99 وصفحة 100 أن الشمس تسير في كل برج شهرًا، وأنها تقطع البروج كلها مرة في السنة، وهذا يناقض ما قرره ههنا من كون الشمس ثابتة على محورها ومتحركة حول هذا المحور مثل المروحة السقفية الكهربائية، وما قرره ههنا فهو باطل مردود بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة وقد تقدم ذكر بعضها والإشارة إلى الباقي في الوجه السابع.

وما قرره في 99 - 100 فهو الحق الثابت بالنصوص الكثيرة من الكتاب والسنة. وقد ذكرت الأدلة على ذلك مستوفاة في أول الصواعق الشديدة فلتراجع هناك ..

وأما قوله: "وقال ابن حبان في تفسيره البحر المحيط". فجوابه أن يقال إن مصنف البحر المحيط في التفسير هو أبو حيَّان بالياء المثناة التحتية، لا بالباء الموحدة وهو من أعيان المائة الثامنة من الهجرة، وأما ابن حبان بالباء الموحدة فهو صاحب الصحيح المسمى بالأنواع والتقاسيم، وهو من أعيان المائة الرابعة من الهجرة والقول بأن البحر المحيط من تصنيفه وهم وغلط.

ونقل الصواف في صفحة 63 عن قطب أنه قال في تفسيره (في ظلال القرآن) عند قوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} ما نصه:

والشمس تدور حول نفسها وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها، ولكن عرف أخيرا أنها ليست مستقرة في مكانها إنما هي تجري، تجري فعلا في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل بسرعة حسبها الفلكيون بإثني عشر ميلا في الثانية، والله ربها الخبير بها وبجريانها وبمصيرها يقول أنها تجري لمستقر لها، هذا المستقر الذي ستنتهي إليه لا يعلمه إلا هو سبحانه ولا يعلم موعده سواه، وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف حجم أرضنا هذه، وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء لا يسندها شيء ندرك طرفا من صفة القدرة التي تصرف هذا الوجود عن قوة وعن علم". إلى أن قال عند قوله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}: "وحركة هذه الأجرام في الفضاء الهائل أشبه بحركة السفينة في الخضم الفسيح فهي مع ضخامتها لا تزيد على أن تكون نقطا سابحة في ذلك الفضاء المرهوب، وأن الإنسان ليتضاءل ويتضاءل وهو ينظر إلى هذه الملايين التي لا تحصى من النجوم الدوارة والكواكب السيارة متناثرة في ذلك الفضاء سابحة في ذلك الخضم والفضاء من حولها فسيح فسيح وأحجامها الضخمة تائهة في ذلك الفضاء الفسيح".

والجواب أن يقال: أما قوله إن الشمس تدور حول نفسها فهو ما قرره الصواف في صفحة 61 وتقدم رده قريبا في الوجه السابع والثامن والتاسع من الفصل الذي قبل هذا الفصل فليراجع.

وأما قوله: وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها.

فجوابه أن يقال: كل أقوال أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم في الشمس وغيرها من الأجرام العلوية مبناها على التخرصات والظنون الكاذبة وقد قال الله تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}.

وأما قوله: ولكن عرف أخيرا أنها ليست مستقرة في مكانها إنما هي تجري، تجري فعلا في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثني عشر ميلا في الثانية.

فجوابه أن يقال: من أين عرف جريان الشمس على الوجه الذي توهمه الفلكيون من فلاسفة الإفرنج بعقولهم الفاسدة، والوحي قد انقطع عن الأرض بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبق إلى وحي الشياطين إلى أوليائهم من فلاسفة الإفرنج وأتباعهم بالأكاذيب والتخرصات والظنون التي لا حاصل لها في نفس الأمر، فهذا الوحي الشيطاني الكاذب هو الذي يعتمد عليه أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم في الأجرام العلوية.

والذي قرره قطب ههنا هو ما نقله الصواف في صفحة 38 عن الفلكيين، أنهم قالوا إن النظام الشمسي ينهب الفضاء نهبا بسرعة لا تقل عن 20 ألف ميل في الساعة أي أكثر من 300 ميل في الدقيقة متجهة نحو برج هركيوليس.

وذكر الصواف أيضا في صفحة 42 في الكلام على قول الله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} الآية - أن المجموعة الشمسية وما حولها تتحرك في الفلك، وأن الشمس تجري إلى بعيد فيه وليس إلى قريب.

وذكر الصواف أيضا في صفحة 43 عن "سيمون" أن الشمس والكواكب السيارة وأقمارها تجري في الفضاء نحو برج النسر بسرعة غير معهودة لنا على الأرض.

وذكر الصواف أيضا في صفحة 103 أن الشمس تجري بسرعة هائلة تبلغ اثني عشر ميلا في ثانية نحو الجانب الخارجي لمجرته، وتقود كل ما يتبع النظام الشمسي.

قلت وقد تقدم رد هذه الأباطيل بما أغنى عن إعادته ههنا فليراجع.

وأما قوله والله يقول أنها تجري لمستقر لها، هذا المستقر الذي ستنتهي إليه لا يعلمه إلا هو ولا يعلم موعده سواه.

فجوابه أن يقال الظاهر أن مراد قطب بهذا المستقر برج هركيوليس الذي توهمه الفلكيون من فلاسفة الإفرنج بعقولهم الفاسدة؛ لأن كلامه من أوله إلى آخره في تقرير قولهم، ويدل على ذلك قوله في الشمس أنها تجري في اتجاه واحد في الفضاء، وهذا خلاف ما أخبر الله به عنها أنها تسبح في الفلك، والفلك مستدير بالإجماع، وفي هذا رد لما زعموه من كونها تجري في اتجاه واحد.

وأيضا فقد روى الإمام أحمد والشيخان عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} قال «مستقرها تحت العرش».

وروى الإمام أحمد والشيخان أيضا وأبو داود الطيالسي والترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر رضي الله عنه حين غربت الشمس «تدري أين تذهب؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}» هذا لفظ البخاري. وفي رواية مسلم قال ثم قرأ في قراءة عبد الله (وذلك مستقر لها). وللترمذي نحوه وقال هذا حديث حسن صحيح.

وفي رواية لمسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوما «أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي، ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها».

وهذا الحديث الصحيح يدل على أن الشمس تنتهي إلى مستقرها تحت العرش كل ليلة فتسجد حينئذ وتستأذن في الطلوع.

وفي هذا الحديث رد على قطب وعلى غيره ممن تأول الآية على غير تأويلها الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأما قوله وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف حجم أرضنا هذه.

فجوابه أن يقال هذا من الرجم بالغيب والقول بغير علم، وقد استوفيت الرد عليه في (الصواعق الشديدة) في المثال الخامس من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة، فليراجع هناك.

وأما قوله وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء.

فجوابه أن يقال قد ذكر الله في كتابه أن الشمس تسبح في الفلك ولم يقل في الفضاء، فيجب إثبات ما أثبته الله ورد ما سوى ذلك من الأقوال التي لا مستند لها سوى التخرصات والظنون الكاذبة.

وأما قوله وحركة هذه الأجرام في الفضاء الهائل أشبه بحركة السفينة في الخضم الفسيح إلى آخر كلامه.

فجوابه أن يقال قد أخبر الله تعالى أنه جعل الكواكب زينة للسماء الدنيا فقال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} وقال تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} وقال تعالى {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} وقال تعالى {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} وقال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} والبروج هي الكواكب العظام قاله مجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح والحسن وقتادة.

وفي هذه الآيات رد على قطب وعلى غيره ممن زعم أن الكواكب متناثرة في الفضاء وسابحة فيه.

 

  • الثلاثاء AM 07:04
    2022-05-24
  • 900
Powered by: GateGold