المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412591
يتصفح الموقع حاليا : 296

البحث

البحث

عرض المادة

upload/upload1628686145623.jpg

غاية التصوف

في النصوص السابقة، أكثر بكثير من الكفاية، ولكننا أمام مخادعات ومراوغات لا تعرف حدوداً، ولا تعرف منطقاً، ولا تستحيي، وأمام مسلمين غافلين عن واقعهم خدعوا بالكلمات المنمقة.

لذلك، وسداً للذرائع، ومنعاً للمراوغات والمخادعات، وإسكاتاً لمقولتهم: لعل ولعل ولعل..، نقدم براهين أخرى من أقوالهم، على أن غاية التصوف هي استشعار وحدة الوجود، وأنه لا غاية للتصوف غير هذه الغاية (وسنحاول الاختصار كثيراً):

- والشائع بين أهل الشريعة أن غاية التصوف هي الزهد والتوكل والصبر...إلخ.

وقد سَرَت هذه الأغلوطة في الغافلين من أهل الشريعة (أهل الأوراق)، مما يردده عليهم أهل الحقيقة (أهل الأذواق).

لكن لو رجعنا إلى عباراتهم المخصصة لأبناء طائفتهم، وللمريدين الذين قطعوا الشوط المطلوب في السلوك، لرأينا -وبوضوح- أن غاية التصوف هي التحقق بالألوهية، وهو ما يسمونه المعرفة، ولا غاية غيرها.

يقول عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور (لجنة نشر الأصول الصوفية):

طرق التصوف متعددة مختلفة، وبعضها أوفق من بعض، وبعضها أسرع من غيرها، ولكنها على اختلافها وتعددها، تؤدي إلى هدف واحد وغاية واحدة!([1]).

- فما هي هذه الغاية؟

يقول أبو الحسن الشاذلي:

كنتُ يوماً جالساً بين يديه (أي: بين يدي ابن مشيش)، وفي حجره ابن له صغير يلاعبه، فخطر ببالي أن أسأله عن اسم الله الأعظم، قال: فقام إلي الولد ورمى بيده في طَوْقي، وهزني وقال:

يا أبا الحسن، أنت أردت أن تسأل الشيخ عن اسم الله الأعظم، ليس الشأن أن تسأل عن اسم الله الأعظم! إنما الشأن أن تكون أنت هو اسم الله الأعظم!؟!

...قال: فتبسم الشيخ وقال لي: جاوبك فلان عني..([2]).

- إذن فالشأن أن تكون أنت هو اسم الله الأعظم!!

- ورغم وضوح العبارة، فلا بأس من أن نزيدها وضوحاً.

- اسم الله الأعظم عند القوم هو (الله).

يقول ابن عطاء الله السكندري:

إن هذا الاسم...أعني (الله) عز ذكره هو اسم الذات العلية...وهو أعظم الأسماء([3]).

ويقول: ((قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ)) [الأنعام:91] وهو الاسم الأعظم([4]).

والآن لنبدل العبارة (اسم الله الأعظم) بالاسم نفسه (الله)، فتكون الجملة: (إنما الشأن أن تكون أنت هو الله).

- هذا حكم واضح المدلول، يقرره، حسب المرجع الذي أخذ منه، أربعة أقطاب:

عبد السلام بن مشيش، وأبو الحسن الشاذلي، وابن الصباغ (مؤلف درة الأسرار) وعبد الحليم محمود.

ويقول الغزالي:

...ولمثل هذا قالت الصوفية: إن العلم حجاب، وأرادوا بالعلم: العقائد التي استمر عليها أكثر الناس بمجرد التقليد، أو بمجرد كلمات جدلية حررها المتعصبون وألقوها إليهم، فأما العلم الحقيقي، الذي هو الكشف والمشاهدة بنور البصيرة، فكيف يكون حجاباً وهو منتهى المطلب([5])؟!

ويقول: ...وفرقةٌ أخرى اشتغلوا بالمجاهدة وتهذيب الأخلاق، وتطهير النفس من عيوبها، وصاروا يتعمقون فيها، فاتخذوا البحث عن عيوب النفس ومعرفة خُدَعها علماً وحرفة، فهم في جميع أحوالهم مشغولون بالفحص عن عيوب النفس، واستنباط دقيق الكلام في آفاتها...

وفرقة أخرى جاوزوا هذه الرتبة، وابتدءوا سلوك الطريق، وانفتح لهم أبواب المعرفة، فكلما تشمموا من مبادئ المعرفة رائحة تعجبوا منها وفرحوا بها، وأعجبتهم غرابتها، فتقيدت قلوبهم بالالتفات إليها، والتفكر فيها، وفي كيفية انفتاح بابها عليهم وانسداده على غيرهم، وكل ذلك غرور، لأن عجائب طريق الله ليس لها نهاية، فلو وقف مع كل أعجوبة وتقيد بها قَصُرتْ خطاه وحُرِم الوصول إلى المقصد...

وفرقة أخرى جاوزوا هؤلاء، ولم يلتفتوا إلى ما يفيض عليهم من الأنوار في الطريق، ولا إلى ما يتيسر لهم من العطايا الجزيلة، ولم يعرجوا على الفرح بها والالتفات إليها، جادين في السير، حتى قاربوا فوصلوا إلى حد القُربة من الله، فظنوا أنهم قد وصلوا إلى الله، فوقفوا، وغلطوا...سر القلب الذى تتجلى فيه حقيقة الحق كله...وتنجلي فيه صورة الكل، وعند ذلك يشرق نوره إشراقاً عظيماً، إذ يظهر فيه الوجود كله على ما هو عليه...فإذا تجلى نوره، وانكشف جمال القلب بعد إشراق نور الله عليه، ربما التفت صاحب القلب إلى القلب فيرى من جماله الفائق ما يدهشه، وربما يسبق لسانه في هذه الدهشة، فيقول: (أنا الحق)([6]).

- الرجاء من القارئ أن ينتبه إلى الجملة الأخيرة.

ويقول الغزالي أيضاً:

...فغاية المعاملة المكاشفة، وغاية المكاشفة معرفة الله تعالى، ولست أعني به الاعتقاد الذي يتلقفه العامي وراثة أو تلقفاً، ولا طريق تحرير الكلام والمجادلة في تحصين الكلام عن مرواغات الخصوم كما هو غاية المتكلم، بل ذلك نوع يقين، هو ثمرة نور يقذفه الله تعالى في قلب عبد طهر بالمجاهدة باطنه عن الخبائث...فكن حريصاً على معرفة ذلك السر الخارج عن بضاعة الفقهاء والمتكلمين([7]).

- علينا مع هذا النص، أن نتساءل: ماذا يعني بقوله: ...الاعتقاد الذي يتلقفه العامي وراثة أو تلقفاً؟ (أترك تحليلها للقارئ). والجملة: (.. السر الخارج عن بضاعة الفقهاء) تسهل التحليل وتوضحه، كما يجب أن ننتبه جيداً إلى قوله:.. عبد طهر بالمجاهدة باطنه عن الخبائث التي تعني بوضوح أن تطهير الباطن عند الغزالي يكون بالمجاهدة، أي: بالرياضة الصوفية، لا بالعبادة! فنسأل: ما هو الكفر؟ لننتبه أن كلمة (العامي) تعني عندهم: عالم الشريعة.

ويقول: ...فالقسم الأول علم المكاشفة، وهو علم الباطن، وذلك غاية العلوم...فهو عبارة عن نور يظهر في القلب...وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل أسماءها فيتوهم لها معاني مجملة غير متضحة، فتتضح إذ ذاك حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه وبصفاته الباقيات التامات([8])...

ويقول أبو عثمان الهجويري([9]).

فاعلم أن أساس التصوف والمعرفة قائم على الولاية، وقد أكد هذه الحقيقة كل الشيوخ وإن اختلفت عباراتهم في ذلك. وكان محمد بن علي الحكيم هو أول من طبق هذا الاصطلاح. وقد ألف الشيوخ كتباً في هذا الموضوع ولكنها نادرة...فمِن هذا نرى أن الله تعالى اختار له أولياء اختصهم بصحبته، واختارهم حُكاماً لمملكته، ومنحهم أنواع الكرامات...وجمع أفكارهم فيه ومعرفتهم به، كانوا فيما مضى، وهم الآن كذلك، وإلى ما شاء الله إلى يوم القيامة([10])...

- هذا النص، يبين لنا غاية التصوف، وبين إلى جانبها حقيقةً تاريخيةً هي: أن محمد بن علي الترمذي الحكيم هو أول من أطلق صفة الولاية على الصوفية، وهو غير الترمذي المحدث صاحب السنن، والفرق بينهما كالفرق بين خداع الشيطان وهدى الرحمن.

ويقول أبو حيان التوحيدي:

...لأن غاية المجهود ان يسلو عن الموجود، ويغمض عن المشهود، ويقصى عن المعهود، ليجد من يغنيه عن هذا كله بعطاء ممدود، ورفد مرفود، وركن موطود، وحد غير محدود([11]). ويقول أبو مدين الغوث:

من أقرب رحلة تكون للمريد إلى حضرة الحق الخاصة، دوام الذكر، فقد أجمعوا على أن من دامت أذكاره صفت أسراره، ومن صفت أسراره كان في حضرة الله قراره([12])...

ويقول أيضاً:

ليس للقلوب إلا وجهة واحدة، متى توجه إليها حجب عن غيرها، فإن توجه للدنيا حجب عن الآخرة، وإن توجّه للآخرة حجب عن الدنيا، وإن توجه إلى حضرة الله حجب عن الدارين([13]).

- إذن، فالآخرة ليست غايتهم!

ويقول الشطيبي([14]) (ومعه ابن عجيبة):

...ومن الناس من تحجبه المجاهدة عن المشاهدة، فتسطو عليه الأحوال، فتحول بينه وبين الغاية القصوى([15]).

- إذن، فالغاية القصوى هي المشاهدة. ونعرف الآن ما معنى (المشاهدة) عندهم. ويقول، ومعه ابن عجيبة أيضاً:

...إن الإنسان إذا جال مع النفس في ميدانها، فجاهدها حتى هذبها وطهرها من الأوصاف الحاجبة لها، رجعت نفسه حينئذ إلى أصلها، وهي الحضرة التي كانت فيها، إذ لم تكن بينها وبين الحضرة إلا الحجب الظلمانية، فلما تخلصت منها، رجعت إلى أصلها([16])....

ويقول عبد الله اليافعي:

إن الحقيقة هي مشاهدة أسرار الربوبية، ولها طريقة هي عزائم الشريعة، فمن سلك الطريقة وصل إلى الحقيقة([17])...

- أقول: في كلام الشيخ هنا مغالطة جريئة، فهو يجعل الطريقة (الخلوة والجوع والسهر والذكر والشيخ) يجعلها عزائم الشريعة، فنسأله: متى؟ وفي أي موضع عزمت الشريعة هذه العزائم؟ ويُنْسَب لعبد القادر الجيلاني (أتباع الطريقة القادرية يؤمنون أنها له):

قطعتُ جميعَ الحجب لله صاعداً            فما زلت أرقى سائراً في المحبة

تجلى لي الساقي وقال إلي قم              فهذا شراب الوصل في حان حضرتي

وشاهدتُ معنى لو بدا كشف سره                   بصم الجبال الراسيات لدكت([18])

- ما زال يسير حتى وصل إلى الغاية التي بينها، وطبعاً هذا هو عقيدة كل أهل الطريقة القادرية.

ويقول عمر بن الفارض في نظم السلوك:

وما زلت إياها وإياي لم تزل                   ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت

إلى أن يقول:

فغاية مجذوبي إليها ومنتهى                  مرادي ما أسلفته قبل توبتي

أي إن غاية مجذوبه هو ما سلف من قوله: فما زلت إياها وإياي لم تزل.

وكان الشيخ داوُد بن باخلا يقول:

احذر أيها المريد أن يكون قصدك مِن ذكرك وعبادتك الأجر والثواب، فإن ذلك حاصل لا محالة، وإنما ينبغي أن تكون همتك في التلذذ بمناجاته..([19]).

وكان يقول:

المريد أولاً يسمع، وثانياً يفهم، وثالثاً يعلم، ورابعاً يشهد، وخامساً يعرف([20]).

ويقول ابن خلدون في المقدمة، فصل (علم التصوف):

...ولا يزال المريد يترقى من مقام إلى مقام، إلى أن ينتهي إلى التوحيد والمعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة...ثم إن هذه المجاهدة والخلوة والذكر يتبعها غالباً كشف حجاب الحس والاطلاع على عوالم من أمر الله، ليس لصاحب الحس إدراك الشيء منها.

- ويقول ابن البنا السرقسطي في (المباحث الأصلية):

وإنما القوم مسافرون                  لحضرة الحق وظاعنون

فعندما مالت إلى الزوال              أدخل في خلوة الاعتزال

وقيل قل على الدوام (الله)                    واحذر كطرف العين أن تنساه

حتى إذا جاء بطور القلب            خوطب إذ ذاك بكل خطب

فقال لو عرفتني بكوني               قيل، إذن، فاخلع نعال الكون

ثم فني عن رؤية العوالم              ولم ير في الكون غير العالِم

ثم انتهى لفلك الحقيقة               فقيل هذا غاية الطريقة

ثم امتحى في غيبة الشهود           فأطلق القول: (أنا معبودي)

حتى إذا رد عليه منه                  أثبت فرقاً حيث لم يكنه

ويقول عبد الوهاب الشعراني:

...ومعلوم أن مقصود القوم القرب من حضرة الله الخاصة، ومجالسته فيها من غير حجاب. وأما الثواب فحُكمه حُكم علف الدواب، قال تعالى: {أنا جليس من ذكرني}...والمراد بالمجالسة انكشاف الحجب للعبد([21])...

- لننتبه إلى قوله: وأما الثواب فحكمه حكم علف الدواب!! ولنسأل: ما هو سبب فساد الأمة؟

ويقول ابن عجيبة:

...والأعمال عند أهل الفن ثلاثة أقسام: عمل الشريعة، وعمل الطريقة، وعمل الحقيقة...أو تقول: عمل أهل البداية، وعمل أهل الوسط، وعمل أهل النهاية. فالشريعة أن تعبده، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أن تشهده...فإذا تطهر من أوصاف البشرية تجلى بأوصاف الربوبية([22])...

ويقول أيضاً:

...وأما موضوعه (أي: التصوف) فهو الذات العلية، لأنه يبحث عنها باعتبار معرفتها، إما بالبرهان، وإما بالشهود والعيان([23]).

وبقول ابن عربي:

سَجَدَ الملائكة الكرام لديهم                دون اعتقاد وجود رب ثان

للذات كان مسيرهم فحباهم                بشهودها عيناً بلا أكوان

وصلوا إليه وعاينوا ما عاينوا                  من غيب سر السركالإعلان([24])

ويقول علي نور الدين اليشرطي:

يصل الفقير إلى مقامٍ يقول فيه للشيء كن فيكون...والبعض عند الخاطر([25]).

- أي: يحصل الشيء عندما يمر بخاطر الفقير فقط، دون أن يتعب لسانه يقول: (كن). وطبعاً يحصل له هذا بالكشف لا بالواقع.

ويقول: ما زال العبد يذكر الله حتى يستولي عليه الاسم، ومتى استولى عليه الاسم انطوت العبدية بالربية، وظهرت عليه صفات الرب، ولذة الرب تغيب العبد عن وجوده حساً ومعنى([26]).

- أقول: كل من رأينا، ومن قرأنا له، ممن انطوت فيهم العبدية بالربية وظهرت عليهم صفات الرب، كلهم إما بلهاء، أو تنقصهم المقدرة على التفكير السليم، فهل هذه هي صفات الرب؟!

ويقول محمود أبو الفيض المنوفي:

...إن الوجود وحدة ظاهِرها الكائنات المتعددة، وباطنها الحقائق المتوحدة المقومة للكل...ولذا نرى أن أخص خصائص الكون، النزوع للترقي: فباطنه ينزع طالباً للظهور، وظواهره تتحول طلباً للاستبطان والخفاء. فالكائنات كلها تمثل على التحقيق دائرة واحدة، مركزها فعال في محيطها، ومحيطها آيل إلى مركزها. تلك الحقيقة العليا هي غرض الدين، وأمنية الفلسفة، وموضع دهشة العلم، وهي نفسها غاية الإنسان الكامل من الوجود، وهي هي بالذات موضوع بحث التصوف الحق([27]).

- نسأل هذا العارف: ما هو دليله من الكتاب والسنة على أن وحدة الوجود هي غرض الدين؟؟ ولنتذكر أن مركزها الفعال في محيطها هو محمد صلى الله عليه وسلم.

ومر معنا قول حسن رضوان:

وحسبه من ذلك المقصود            إشراق نور وحدة الوجود

ويقول أحمد الصاوي (المالكي الخلوتي):

...وأما الحقيقة فهي ثمرة الطريقة، من فهم حقائق الأشياء، كشهود الأسماء والصفات وشهود الذات([28])...

ومن الأوراد الخلوتية التي مرت في فصل سابق:

وجُد لي بجمع الجمع فضلاً ومنةً             وداوِ بوصل الوصل روحي من الضنا

ومن علينا يا ودود بجذبة             بها نلحق الأقوام من كان قبلنا

ويقول محمد بن سليمان البغدادي النقشبندي:

...تحقق بالتجربة والعيان لدى أساطين العلم والكشف والشهود والعرفان، من أن الطريقة النقشبندية أقرب وأسهل على المريد للوصول إلى درجات التوحيد، لأن مبناها على التصرف وآلقاء الجذبة المقدمة على السلوك([29])...

- هذه هي غاية التصوف، إنها التحقق بالذات والصفات، إنها وحدة الوجود، التي تشرق بالغيبة عن الحس الطبيعي (الجذبة).

ولو أردنا استقصاء أقوال القوم في غاية التصوف وهدفه، الذي هو الوصول ومعرفة وحدة الوجود، لاحتجنا إلى مئات الصفحات، وقد نحتاج إلى ألوفها. ولكن في هذا القدر كفاية، بالإضافة لما نراه في فصلي (المدخل إلى فهم النصوص الصوفية)، و(وحدة الوجود)، بل وفي شتى فصول الكتاب.

وهذا يعني، أننا عندما نسمع أحد الأولياء الأوفياء، الأتقياء الأنقياء، الصادقين الصديقين، المقربين العالِمين، العارفين المحققين، الأغواث الأقطاب، الأشراف الأسياد، الأشياخ الصالحين، الخاشعين المتعبدين، الذاكرين المتضرعين، المحبين المحبوبين، المطمئنين الموقنين، الواصلين الموصولين، المكاشفين المشاهدين، الطاهرين المطهرين، المحظيين الموحدين، المؤمنين المستنيرين، الراضين المرضيين، الزاهدين المتوكلين، العاشقين المعتصمين، المتقين الدالين على الله، الداعين إليه، الذين يمسون في حضرة الحق ويصبحون، المتحكمين في الكون، القائلين للشيء: كن فيكون، المتحققين بأسماء الله الحسنى حتى الاسم الأعظم (الله)، ذوي الأسرار العجيبة، والعلوم الجليلة...إلى آخر هذه الأوصاف التي يصفون بها أنفسهم والتي تجاوزت كل حدود رسمتها الشرائع، حتى الوثنية، وتجاوزت كل حدود الذوق والمنطق والعقل والحياء والخجل والأخلاق والضمير، بل وتجاوزت حدود الهزء بالإنسان وعقله وقلبه ونفسه وسره وسمعه وبصره، بل وتجاوزت حدود السخرية بوجود الإنسان ووجود الدين الإسلامي، والوحي الذي نزل بالدين الإسلامي.

أقول: عندما نسمع أحد هؤلاء الموصوفين بهذه الصفات يقول: إن غاية التصوف هي الزهد والعبادة والاستقامة...فيجب أن نعلم أنه يستعمل التقية، وما أدراك ما التقية، ثم ما أدراك ما التقية، ثم ما أدراك ما التقية؟!

ولنتذكر حكمة الغزالي:

إذا كان قد صح الخلاف فواجب             على كل ذي عقل لزوم التقية

وقبل الانتقال إلى الفصل التالي أنبه إلى أن هذه الأوصاف التي أوردتها هي جزء مما يصفون به أنفسهم، وكلها من كتبهم وأقوالهم وأشعارهم وحكمهم.

وجواباً عليها نذكرهم ونذكر من يغتر بهم وبأقوالهم بقوله سبحانه: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)) [النساء:49، 50]، وقوله: ((فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)) [النجم:32].

والآن، أرجو من القارئ أن يتسلى بتحليل بيت ورد سابقاً مأخوذاً عن مجدد الألف الثاني، وهو:

إن كنت لم تقطعْ بـ(لا) عنق السوى                    في قصر (إلا الله) لست بواصل([30])

ولتسهيل التحليل: (لا) و(إلا الله) مأخوذتان من (لا إله إلا الله) و(قصر) من قصر يقصر.

وفي هذا البيت ثلاث فوائد:

1- أسلوب من أساليب العبارة الصوفية الملغزة المشيرة إلى وحدة الوجود.

2- كيف يفسرون (لا إله إلا الله).

3- من هو الواصل في اصطلاحاتهم، وبالتالي ما هي غاية التصوف.

وأخيراً.. وحدة الوجود هي الصوفية، وهي الصوفية الحقة، وهي غاية التصوف، ولا غاية للتصوف غيرها، وواهم من ظن أو يظن خلاف ذلك، واهم واهم.

يقول عبد القادر الجيلاني: الزهد عمل ساعة، والورع عمل ساعتين، والمعرفة عمل الأبد([31]).

وهذا كلام واضح صريح أن الزهد والورع ليسا من الغاية في شيء، وأن المعرفة هي الغاية ولا غاية غيرها! فما هي المعرفة؟! ومن هو العارف؟!

 

 

 

([1]) التعرف لمذهب أهل التصوف، (ص:13).

([2]) أبو الحسن الشاذلي لعبد الحليم محمود، (ص:25).

([3]) القصد المجرد، (ص:13).

([4]) القصد المجرد، (ص:29).

([5]) الإحياء: (1/255)، وفي هذا النص إنكار صريح للعقيدة الإسلامية (العقائد التي استمر عليها أكثر الناس لمجرد التقليد..)، وهي جملة تصفع وجوه الذين يسمون الغزالي (حجة الإسلام)، ويدرسون (إحياء علوم الدين).

([6]) الإحياء: (3/349، 350).

([7]) الإحياء: (1/46).

([8]) الإحياء: (1/18).

([9]) أبو عثمان الجلالي الهجويري الفارسي، من شيوخ الطريقة الحكيمية، مات عام (465 أو (469هـ)).

([10]) كتاب الرياضة وأدب النفس، (ص:22).

([11]) الإشارات الإلهية، رسالة (يا)، (ص:115).

([12]) الأنوار القدسية (1/144)، (في قواعد الصوفية).

([13]) الأنوار القدسية: (1/142).

([14]) لم أقف على ترجمته.

([15]) إيقاظ الهمم، (ص:348).

([16]) إيقاظ الهمم، (ص:349).

([17]) نشر المحاسن الغالية، (ص:77).

([18]) فتوح الغيب، (ص:236).

([19]) الأنوار القدسية (1/129)، (في قواعد الصوفية).

([20]) الأنوار القدسية: (1/130).

([21]) الأنوار القدسية (1/34).

([22]) إيقاظ الهمم، (ص:10).

([23]) إيقاظ الهمم، (ص:5).

([24]) كتاب الإسرا، فصل (مناجاة قاب قوسين)، (ص:22).

([25]) نفحات الحق، (ص:99).

([26]) نفحات الحق، (ص:110).

([27]) معالم الطريق إلى الله، (ص:116).

([28]) الأسرار الربانية والفيوضات الرحمانية، (ص:69).

([29]) الحديقة الندية، (ص:12). وكلمة آلقاء لم أجدها فيما بين يدي من معاجم، ولعلها تصحيف من أَلَقات، بمعنى لمعات.

([30]) المنتخبات من المكتوبات، (ص:17).

([31]) فتوح الغيب، (ص:171).

  • الاربعاء PM 03:49
    2021-08-11
  • 1744
Powered by: GateGold