المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416015
يتصفح الموقع حاليا : 183

البحث

البحث

عرض المادة

الاستدلال بالقرآن والسنة بين علي والشيعة :

الاستدلال بالقرآن والسنة بين علي والشيعة:

وارى من الضروري ، طالما نحن بصدد الحديث عن القرآن، أن نتحدث قليلا عن طريقة استدلال كل من سيدنا علي t والشيعة بالقرآن والسنة فنقول:

ان اهم ما يثير الانتباه هو ان الآيات التي يستدل بها الشيعة على الامامة بشكل عام وامامة علي بشكل خاص لم يستدل بها سيدنا علي نفسه ولم يحتج بها على امامته مما يدل على انها من تأويلات علماء ومتكلمي الشيعة لاسيما المتاخرين منهم ، وكذلك الحال بالنسبة لاغلب الاحاديث التي يستدلون بها فان عليا t لم يستدل بها ولم يشر اليها لامن قريب ولا من بعيد! وهي اما من وضع رواتهم او من التاويلات المتعسفة لعلمائهم . وانك لاتكاد تجد تفسيرا منسوبا الى ائمة اهل البيت يثبت هذه القضية وانما هناك روايات منسوبة اليهم وهي ليست تفسيرا في الواقع وانما اقرار بوقوع التحريف في القرآن الكريم كآية:"كنتم خير امة اخرجت للناس " ينسبون الى جعفر الصادق انه قال : ما هكذا نزلت وانما نزلت"كنتم خير ائمة اخرجت للناس"! و  كذلك آية: "يا ايها الرسول بلغ ما اُنزل اليك من ربك" ينسبون رواية الى ابي عبد الله انه قال: انها نزلت هكذا: " يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك في علي"! وهكذا دواليك .

اما الآيات التي يستدل بها الشيعة اليوم فهي كلها لم تكن معروفة لأئمة اهل البيت على كونها دليلا على امامتهم بدليل انهم لم يستشهدوا بها لاثبات امامتهم لا أمام اتباعهم ولا مع خصومهم! وانك ترى ازديادا مطّردا في عدد الآيات التي يستدل بها الشيعة على امامة علي ، وكل يوم يأتون بآيات جديدة و يؤولونها على امامة علي وذريته ولا أستبعد ان يأتي يوم يدعي فيه الشيعة أن القرآن كله نزل في علي وفي اثبات امامته!

خذ على سبيل المثال كتابين كتبا في فترتين مختلفتين للبحث في موضوع امامة علي ، اولهما "منهاج الكرامة في اثبات الامامة" لابن المطهر الحلي والذي كتبه في القرن السابع الهجري ، والثاني كتاب" المراجعات " لعبدالحسين شرف الدين الموسوي والذي كتبه في القرن الرابع عشر الهجري ، تجد ان الآيات التي استدل بها شرف الدين الموسوي تزيد على ضعف الآيات التي استدل بها الحلي ثم ختم ذلك الفصل بروايتين احداها عن ابن عباس تقول : نزل في علي ثلاثمائة آية، ثم يقول ومنهم من يقول  ثلث القرآن نزل في علي !.

فلنأت ولنوجه الى الشيعة بعض الاسئلة:

أأنتم أعلم بالقرآن أم علي ؟

ان قالوا علي أعلم به ، قلنا : فلمَ لم ْيحتج هو بهذه الآيات ولم َ لم ْيستدل بها على امامته امام خصومه وكان هو احوج اليها منكم؟! ذلك أنكم اذا أثبتم امامة علي بهذه الآيات لم يغير ذلك من الامر شيئا ولن تُفيدوا لا عليا ولا الامة الاسلامية بل لن تزيدوا المسلمين الاّ تنازعا واختلافا. اما هو لو احتج بها في حينها وأثبت بها الامامة لنفسه لاستفاد هو منها اولاَ وأفاد الامة الاسلامية بها ثانيا ولغيّر وجه التاريخ كما يتوهم الشيعة ولما انقسمت الامة الى شيعة وسنة ولما قتل الحسين واهل بيته في كربلاء ولما اختفى المهدي في سامراء ولا حكم الامويون ولا العباسيون ولا سالت دماء على الخلافة ولا قُطعت ارحام ولا ثُكلت امهات ولا رُملت نساء ولا يُتِّم اطفال، و لسارت الامور على أليـن من السمن على العسل كما يقول المثل.

ان قضية بهذه الاهمية تنزل فيها عشرات الآيات وعلي ، أعلم الناس بالقرآن ، لا يستدل بها امام خصومه ولا يذكّر الناس بها ولا يحتج بها ؟  هذه مسألة فيها الف نظر ! فلا الامامة فهمها علي كما يفهمها الشيعة ولا القرآن فهمه كما يفهمه الشيعة!  فأي الفهمين هو الصواب؟  نترك الجواب للشيعة !.

ان الذي يثير عجبـي هو قول الشيعة بأنه لابد للقرآن من قيم ولابد ان يكون هذا القيم معصوما، اذ بغيره لايمكن فهم القرآن ، وهذا القيم هو علي (t) وأبناؤه من بعده!. ويستدلون بحديث الثقلين والذين لا يفترقان حتى يردا الحوض على رسول الله! هذا من الناحية النظرية ، اما عمليا فإنهم اكثر الناس انطلاقا وتفلتا في تأويل القرآن دون الرجوع الى علي  او ابنائه ، وان ما يستدلون به من الآيات ان لم نقل كلها فأغلبها من تأويلاتهم هم لا من تفسير ائمتهم! فأين إذن  تطبيق هذا المبدأ  ، لاسيما في هذا العصر الذي الذي لايوجد فيه لا إمام ولا من يتصل به؟.

انك لو قرأت تفاسير الشيعة ورأيت طريقة  فهمهم للقرآن لأخذتك الدهشة  وكأن  الله سبحانه لم يكن له هدف من ارسال الرسول الاّ رفع شأن عائلة النبـي ، وأن النبـي لم يرسل الاّ للتمكين لأهل بيته ، وأن القرآن لم ينزل الاّ لتثبيت امامة علي وابنائه من بعده ولبيان فضلهم ومكانتهم. أهذا الدين  هو دين  سماوي ، وهذا النبـي هو نبـي البشرية جمعاء ، و خاتم الانبـياء والمرسلين ؟!. أم أنه ملكية عائلية ؟

بهذا التفسير الشيعي للقرآن اول ما نستنتجه هو أن الاسلام دين ارستقراطي لم يأت الاّ لرفع مكانة عائلة النبـي !

وامر آخر يثير دهشتك  وانت تقرأ تفاسير الشيعة  : هذا التكلف والتعسف في تأويل آيات القرآن وهذا الاستدلال الغريب بالقرآن على امامة علي! اقرأ مثلا كتاب المراجعات ، في المراجعة التي تشير الى الآيات الدالة على فضل علي وامامته  يسرد الموسوي عشرات الآيات بصورة وكأنها مسلمات عند جميع المسلمين وكأن دلالاتها على فضل علي و امامته لا خلاف فيها بين المسلمين . ومن الآيات التي يستدل بها على فضل وامامة علي هذه الآية: " واسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا" ثم يقف هنا ولا يكمل الآية كأنه يريد أن يوحي للقاريء بأن الآية نزلت في فضل علي وامامته وهي في القرآن كالآتي: " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" الزخرف/45 هكذا بدون خوف من الله يستقطع جزءاً من الآية القرآنية التي تتحدث عن وحدانية الله واستحقاقه وحده للعبادة لينزلها على علي ويستدل بها على استحقاقه هو للامامة  دون غيره !  اني لا أجد لهذا العمل تفسيرا سوى ان يكون الموسوي يرى عليا انه الله او يسوي بينه وبين الله  والاّ ما معنى الاستشهاد بهذه الآية  على امامة علي ؟!

ان مما يلفت النظر في تفاسير الفرق من غير اهل السنة هو انهم لا يعرفون مع كلام من يتعاملون  ، فانهم لا يستحضرون عظمة الله وقدرته حين يتناولون كلامه بالتفسير والتأويل، فلو استشعروا عظمة الله وهم يتناولون كلامه لما أوّلُوه بهذا الشكل ، فان أحدهم لا يجرؤ على تأويل كلام رجال القانون بهذه الطريقة  فضلا عن الزعماء السياسيين خوفا من الوقوع تحت طائلة القانون ! فلو كان في قلوبهم خشية من الله او تقدير له وتوقير لما تناولوا كلامه بهذه الطريقة ولما صرفوه عن ظاهره بهذه الصيغة ،والله سبحانه وتعالى يقول عن مثل هؤلاء : "فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79) "البقرة.[1]

وليت شعري كيف سيكون حالهم حين يقفون امام الله وماذا سيكون جوابهم عندما يسألهم عن هذا التلاعب المشين بكلامه؟ !

 

والآن الى الآيات القرآنية التي تثني على الصحابة:

والآن، وبعد ان بينا منهج الشيعة في التعامل مع القرآن ،اليك بعض الايات التي تدل دلالة صريحة وقاطعة على صلاح الصحابة وقوة ايمانهم وحسن بلائهم ورضى الله عنهم :

1-"محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، سيماهم في وجوههم من اثر السجود ، ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات مغفرة واجرا عظيما"الفتح/29

دلالات الآية:

أ. اثبتت الآية  ان الذين مع رسول الله اشداء على الكفار رحماء بينهم ، فهل نصدق الله ام نصدق الذين يقولون ان الصحابة كانوا متباغضين ؟.

ب.  آثار السجود بادية على وجوههم من كثرة العبادة .

ج. يطلبون بأعمالهم وجه الله تعالى ولا يفعلونها رياء او نفاقا او طلبا للدنيا ، أي انهم مخلصون غير مرائين ولا منافقين.

د. وردت اوصافهم في التوراة والانجيل ، اي ان الله قد بشر بهم في التوراة والانجيل.

هـ .يفرح بهم المؤمنون ويغيظ بهم الكفار .[2]

و.  خصهم الله بوعده بأنه غفر لهم وأثابهم أجرا عظيما. وكلمة "منكم " بيانية وليست تبعيضية ، اما ذكر شرط الايمان والعمل الصالح ففيه اسرار كثيرة منها : ان التكليف لا يسقط عن احد مهما بلغ شأنه حتى ولو وعده الله الجنة ، فلو انتبه المسلمون الى هذا السر لما ظهر بينهم من يظن ان التكليف يسقط عمن بلغ مرتبة اليقين كما هو الحال مع بعض  جهلة الصوفية ، ولما ظهر الارجاء في الفكر الاسلامي ، وذكر هذا القيد دليل على حكمة الله سبحانه وتعالى لقطع الطريق على كل من يريد فصل العمل او ارجاءه عن الاعتقاد ، ويتكرر هذا في كل مناسبة ومع كل مرة يذكر الايمان يقرن معه العمل الصالح .

2-" كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ، ولو آمن اهل الكتاب لكان خيرا لهم ، منهم المؤمنون واكثرهم الفاسقون" آل عمران/110

دلالة الاية: أخبر الله تعالى ان هذه الامة هي خير امة اخرجت للناس ، وبما انها جاءت على صيغة المخاطبة فبدهي أن تشمل الذين خوطبوا بها ابتداء ، فهي تعنيهم قبل غيرهم ، فإن لم يكن الجيل الذي خوطب  بهذه الآية والذي رباه رسول الله r بيده معنيا بها فمنذا يكون؟.

3-" وان يريدوا ان يخدعوك فان حسبك الله هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين. والف بين قلوبهم ، لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم ، انه عزيز حكيم. يا ايها النبـي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين "الانفال/64-62

دلالات الآية:

  • اخبر الله تعالى بأنه أيد رسوله بنصره وبالمؤمنين فقرن بين نصره والمؤمنين ، فليس المقصود بالمؤمنين الاّ المهاجرين والانصار .
  • اخبر سبحانه وتعالى بانه قد ألف بين المؤمنين ، وهذه شهادة من الله بأن الصحابة كانوا متحابين فيما بينهم وان تلك المودة قد أوجدها الله بينهم بإرادته التكوينية وليس بجهود النبـي وحده ، فهل نصدق الله أم نصدق الشيعة الذين يتهمون الصحابة بالتنازع والشقاق؟
  • الفقرة الاخيرة لها معنيان كلاهما فيه مدح للصحابة ، المعنى الاول : يا أيها النبـي يكفيكم ، أنت ومن معك، تأييد الله ونصره ، فقرن بين الرسول والصحابة ، والثانى: يا أيها النبـي يكفيك الله والمؤمنون الذين معك ، فقرن الله سبحانه بينه وبين صحابة رسوله ، وهذا يؤيده مطلع الآية .

4-ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا اولئك بعضهم اولياء بعض.."الانفال/72

دلالة الآية: الآية صريحة بان المهاجرين والانصار بعضهم اولياء بعض ، اي بعضهم يحب بعضا وينصر بعضا ، فأين العداء والتحاسد والبغضاء كما يقول الشيعة؟

5- والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا اولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم. والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فاولئك منكم" الانفال/74-75

دلالة الآية:  هذه شهادة من الله بأن المهاجرين والانصار هم مؤمنون حقيقيون وصادقون وان الله وعدهم الرزق الكريم ، هم والذين آمنوا وهاجروا بعدهم . فمن نصدق : الله ام الشيعة الذين يتهمون الصحابة بالنفاق؟

6-"الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم وانفسهم اعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون .يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم. خالدين فيها ابدا ، ان الله عنده اجر عظيم."التوبة/20-22

الآية لا تحتاج الى تفسير او تعليق فدلالتها واضحة ولا تحتاج الى مزيد بيان:

"الذين آمنوا ، وهاجروا، وجاهدوا" هناك اناس آمنوا وهاجروا وجاهدوا.

" في سبيل الله " لا في سبيل الجاه والمنصب .

 ليس باموالهم فحسب بل "باموالهم وانفسهم" !

انهم اعظم درجةً ، ممن؟ واضح انه من كل الذين جاؤوا من بعدهم .عند من؟ عند الله سبحانه وتعالى!

 ولم يكتف الله سبحانه بالقول: "اولئك هم الفائزون" بل زاد عليه : "يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات" ثم قال : "لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها ابدا"

فهل كان الله يجهل (حاشاه وسبحانه وتعالى عما ينسبه اليه الجاهلون) ان هؤلاء سينقلبون على اعقابهم حتى يشهد لهم هذه الشهادة ويعدهم هذا الوعد؟

7-"فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه أُولئك هم المفلحون." الاعراف/157

وهذه الاية ايضا لاتحتاج الى تفسير وتعليق ، فهي شهادة من الله للصحابة على انهم آمنوا برسالة محمد وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه والذي هو القرآن وشهد لهم بانهم هم المفلحون والضمير هم هنا يفيد التخصيص! فهل بعد هذه الشهادة من شهادة؟

8- لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين. ثم انزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين."التوبة/25-26

هنا يقر القرآن بانهم انهزموا اول الامر فهل عاقبهم الله ام اعانهم؟ الآية صريحة في ان الله اعانهم وايدهم وثبتهم وانزل معهم جنودا يقاتلون معهم ويثبتونهم.وحصل هذا في أواخر العهد المدني ، بعد غزوة حنين.

9-لقد تاب الله على النبـي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم انه رؤوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى اذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم انفسهم وظنوا ان لاملجأ من الله الاّ اليه ثم تاب عليهم ليتوبوا ان الله هو التواب الرحيم"التوبة/117-118

هنا يقر الله بان بعض الصحابة تلكئوا اول الامر ولكن هل عاقبهم الله؟ لا ، بل تاب عليهم ! ولم تشمل التوبة الذين تلكئوا وانما عممها الله سبحانه وتعالى على كل من خرج في تلك الغزوة بمن فيهم رسول الله r.

10-في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال . رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار . ليجزيهم الله احسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ، والله يرزق من يشاء بغير حساب"النور /36-38

شهادة من الله للصحابة بانهم رجال ، وهذا مديح لهم وثناء عليهم ، يسبحون الله على الدوام ولا تلهيهم لا تجارة ، أي تجارة ، ولا بيع ولا متاع الدنيا.

11-"هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ، ولله جنود السموات والارض وكان الله عليما حكيما.ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ، ويكفر عنهم سيآتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما"الفتح/5

شهادة من الله ان الذين بايعوا رسول الله r تحت الشجرة مؤمنون ، وان الله انزل عليهم السكينة ليزدادوا ايمانا ، وزيادة الايمان قد حصلت لهم لان شرطها قد تحقق وهو انزال السكينة.فهل بعد هذه الشهادة من شهادة؟

12-"لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم واثابهم فتحا قريبا.ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما. وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف ايدي الناس عنكم  ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما".الفتح/18-20

مرة اخرى شهد الله للذين بايعوا النبـي تحت الشجرة انهم مؤمنون، ثم اعلن سبحانه رضاه عنهم مؤكدا ثلاث مرات: مرة باستعمال صيغة الماضي ثم بادخال( قد) عليه ثم بادخال اللام على قد ، ثم شهد لهم بالاخلاص فقال : فعلم ما في قلوبهم ، أي من الاخلاص والصدق والتقوى ، لذلك انزل سكينته عليهم واثابهم فتحا قريبا . وهذا كله بعد كل ما بدر من بعض الصحابة من اعتراضات على الاتفاقية التي ابرمها الرسول r مع قريش في الحديبية.

13-"لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا باموالهم وانفسهم، اولئك لهم الخيرات واولئك هم المفلحون .اعد الله لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم" التوبة/88-89

وهذه شهادة اخرى : "لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا باموالهم وانفسهم". فهل بعد هذه الشهادة من شهادة ؟ الله سبحانه وتعالى بنفسه يشهد لهم بانهم مؤمنون وانهم جاهدوا باموالهم وانفسهم، فمن اصدق من الله قيلا ومن اصدق من الله حديثا ؟ وهذه كأنها شهادة ختامية لأنها مما نزلت في اواخر العهد المدني.

فمن هؤلاء بالله عليك؟ اليسوا الذين عاشروا محمداr  الى اواخر ايامه ، حيث لم يحدث قتال يذكر بعده بين المسلمين والمشركين فهل يشهد الله لقوم سبق في علمه انهم سينقلبون على اعقابهم بعد مدة وجيزة ، وكيف يعدهم الجنة والخيرات ويصفهم بالفلاح؟

14-"والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم" التوبة/100

هنا لم يقتصر الرضا عن السابقين الاولين من المهاجرين والانصار بل شمل الذين اتبعوهم باحسان ممن اسلم بعد الفتح ، وليس هذا فحسب بل هم ايضا رضوا عن الله ، وهذا تكريم ما بعده تكريم، وقد اعد الله لهم الجنات وقضي الامر. ولا يخلف الله الميعاد .

ومن هم السابقون الاولون ان لم يكونوا الخلفاء الاربعة والانصار وبقية المهاجرين؟

15-للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله واولئك هم الصادقون.والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون .والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم"الحشر/8-10

شهادة من الله لهذا الجيل الفريد بالاخلاص والجهاد والصدق والايثار ، وقرار منه سبحانه بحقهم انهم مفلحون.

ملاحظة : لماذا ذكر القران الذين يأتون من بعدهم؟

أ.ليعرف المسلمون فضل من سبقوهم وأوصلوا اليهم هذا الدين فيدعوا لهم ويستغفروا لهم ، ولربط مستقبل الامة بماضيها.

ب. لقد سبق في علم الله انه سيأتي اناس يلعنون هؤلاء الصحابة لذلك اراد سبحانه ان يبين ان هذا العمل مخالف لأمر الله ومناف لشروط الايمان  .[3]

16-"فاستجاب لهم ربهم اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم واُوذوا في سبيلي وقاتلوا وقُتلوا لاكفرن عنهم سيآتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب"آل عمران/195

هذه الآية ترد على الذين يكفرون الصحابة الذين قاتلوا عليا لأن الله اخبر بانه لا يضيع عمل عامل منهم صالحا ، وانه سيكفر عنهم سيآتهم ،ويدخلهم الجنات . والخروج على الامام ليس محبطا للاعمال وليس شركا ولا كفرا لاسيما اذا كان عن اجتهاد وخير دليل على ذلك موقف علي t عن الخارجين عليه ومبايعة الحسن لمعاوية الذي قاتل اباه عندما كان خليفة.

17-"والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولاجر الآخرة اكبر لو كانوا يعلمون"النحل/41

18-"ثم ان ربك للذين هاجروا من بعد ما فُتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم"النحل110

19- "اجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ؟ لايستوون عند الله والله لايهدي القوم الظالمين . الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم وانفسهم اعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون . يبشرهم ربهم  برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها ابدا ان الله عنده اجر عظيم" التوبة19-22.

20-"لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل ، اولئك اعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا، وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير " الحديد/11

  دلت الآية على ان جميع الصحابة يدخلون الجنة، ليس هذا فقط، بل صرحت الآية بأن الجميع –سواء من أنفق وقاتل قبل الفتح أو بعده- لا يدخلون النار ولا يسمعون حسيسها،لأن الله وعدهم بالحسنى، والحسنى تفسرها هذه الآيات من سورة الأنبـياء :إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103))

 

21-"وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا......"البقرة/143

22-"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون"المجادلة/22

23-"اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا احق بها واهلها ، وكان الله بكل شيء عليما" الفتح /26

24-"فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وان تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم"البقرة/137.

25-" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" التوبة/105

26-"ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون" المنافقون/8

27-" بل ظننتم ان لن ينقلب الرسول والمؤمنون الى اهليهم أبداً".الفتح /12.

28-"إلاّ تنصروه فقد نصره الله ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا ، فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم"التوبة /40

هذه الآية واضحة الدلالة على فضل ابي بكر ولا ينكره الا مكابر فالمعية هنا معية تأييد وتوفيق لا فقط معية العلم والاحاطة ، واختيار ابي بكر t في هذه الرحلة فيه اكثر من مغزى ، فاضافة الى دلالته على حب الرسول   rله وثقته به فانه فيه اشارة وافهام للناس بأن ابا بكر  وزيره وخليفته من بعده وانه موضع ثقته . وهذه هي اقرب دلالات هذه الحادثة ، فلو اضفنا اليها انتدابه للصلاة بالناس في مرض موته r وانتدابه  للحج بالناس نيابة عنه لما خرجنا بغير هذه النتيجة.

فهذه ثمان و عشرون آية ، كلها محكمة، وتدل دلالة قاطعة على ان الذين كانوا مع النبـي (r) كانوا مؤمنين بحق ومخلصين لهذا الدين، وأنهم قد ضحوا في سبيله بكل غالٍ ونفيس، وانهم آثروا دينهم على أهليهم وأنهم ماكانوا يرجون من ورائها سوى رضى الله ، وبهذا لايجوز معارضة هذه الآيات بآيات متشابهة أو آيات عتابية كان الهدف منها تربيتهم وتنشئتهم تنشئة ربانية. [4]

ثانيا : اقوال علي في الصحابة:

1.قوله في الصحابة بصفة عامة في خطبة اشتكى فيها اصحابه ثم ذكر في مقابلهم الصحابة ليعرفوا اين هم من هؤلاء فيقتدوا بهم:

" اريد أن اُداوي بكم وانتم دائي ، كناقش الشوكة بالشوكة وهو يعلم ان ضَلْعَها معها . اللهم قد ملّت اطباء هذا الداءِ الدويِّ، وكلّت النزعة بأشطان الركيِّ. أين القوم الذين دُعوا الى الاسلام فقبلوه ، وقرأُوا القرآن فأحكموه . وهِيجوا الى القتال فَوَلِهُوا وَلَهَ اللِّقاح الى اولادها وسلبوا السيوف اغمادها. واخذوا باطراف الارض زحفا زحفا وصفا صفا . بعضٌ هلك وبعض نجا . لايبشرون بالاحياء، ولا يعزون عن الموتى. مُرْه ُ العيون من البكاء . وخمص البطون من الصيام. ذُبْلُ الشفاه من الدعاء. صفر الالوان من السهر . على وجوههم غبرة الخاشعين . اولئك اخوانى الذاهبون . فحق لنا ان نظمأ اليهم ونعض الايدي على فراقهم.[5]

2." ان الله بعث محمدا وليس احد من العرب يقرأ كتابا ولا يدعي نبوة. فساقَ الناسَ حتى بوّأهم محلتهم وبلغهم منجاتهم فاستقامت قَناتُهُم واطمأنت صَفاتُهُم."[6]

3." ولقد كنا مع رسول اللهr نقتل آباءنا وابناءنا واخواننا واعمامنا . وما يزيدنا ذلك الاّ ايمانا وتسليما ومُضِيّا على اللَّقم وصبرا على مضض الالم وجدّا في جهاد العدو. ولقد كان الرجل منا والآخر يتصاولان تصاول الفحلين . يتخالسان انفسهما ايهما يسقي صاحبه كأس المنون. فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا. فلما رآى الله صدقنا انزل بعدونا الكَبْت وانزل علينا النصرَ حتى استقر الاسلام مُلقيا جِرانَه ومتبوئا أوطانَه. ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ، ولا اخضر للايمان عود. وأيم الله لتحتلبُنها دما ولتتبعُنها ندما ."[7]

انظر الى الفارق بين اصحابه واصحاب النبـي  في نظرهt. فهل بعد هذه الشهادة شهادة؟

4.ويقول في خطبة اخرى بعد ذم اصحابه :" لقد رأيت اصحاب محمد r فما أرى أحدا يشبههم ، كانوا يصبحون شُعثا غُبرا ، وقد باتوا سُجدا وقياما يُراوحون بين جِباههم وخُدودهم ويقفون على مثل الجَمر من ذكر مَعادهم ، كأن بين اعينهم رُكب المعزى من طول سجودهم . إذا ذُكر اللهُ هَملت اعينهم حتى تبُل جُيوبُهم . ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء الثواب".[8]

  1. " كانوا قوما من اهل الدنيا وليسوا من اهلها فكانوا فيها كمن ليس منها . عملوا فيها بما يبصرون ، وبادروا فيها ما يحذرون . تقلب ابدانهم بين ظهرانَي أهل الآخرة ، يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم وهم أشد إعظاما لموت قلوب أحيائهم".[9]

6.يقول في مدح عمر بن الخطابt: " لله بلاء فلان لقد قوّم الاود وداوى العمد . خلف الفتنة وأقام السنة. ذهب نقي الثوب ، قليل العيب . أصاب خيرها وسبق شرها، أدى الى الله طاعته واتقاه بحقه . رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدى فيها الضال ولا يستيقن المهتدى."[10]

  1. قوله لعمر بن الخطاب t حين شاوره في الخروج بنفسه الى قتال الروم: "انك متى تسر الى هذا العدو بنفسك فتلقهم بشخصك فتُنكب لا تكن للمسلمين كانفة دون اقصى بلادهم . ليس بعدك مرجع يرجعون اليه . فابعث اليهم رجلا مِحْرَبا، واحفز معه اهل البلاء والنصيحة ، فان اظهر اللهُ فذاك ما تحب ، وان تكن الاخرى كنت ردءا للناس ومثابة للمسلمين".[11]
  2. وايضا قوله لعمر حين استشاره في الشخوص لقتال الفرس بنفسه:" ان هذا الامر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة وهو دين الله الذي أظهره ، وجُنده الذي اعدَّه وامدَّه . حتى بلغ ما بلغ وطلع حيث طلع . ونحن على موعود من الله . والله منجز وعده وناصر جنده ومكان القيم بالامر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه . فان انقطع النظام تفرق وذهب ، ثم لم يجتمع بحذافيره ابدا والعرب اليوم وان كانوا قليلا فهم كثيرون بالاسلام وعزيزون بالاجتماع . فكن قطبا ، واستدر الرحى بالعرب . وأَصلِهم دونك نار الحرب ، فانك ان شخصت من هذه الارض انتقضت عليك العرب من اطرافها واقطارها ، حتى يكون ما تدع من وراءك من العورات اهم اليك مما بين يديك. وان الاعاجم ان ينظروا اليك غدا يقولوا هذا اصل العرب فاذا قطعتموه استرحتم ، فيكون ذلك اشد لكَلَبِهم عليك وطمعهم فيك."[12]

فانظر هداك الله وايانا هل هذه نصيحة من غُصب حقُّه وضُربت زوجتُه واُسقط جنينه لمن ظلمه وارتكب في حقه وحق الاسلام تلك الجرائم التي ينسبها الشيعة اليه؟!

9.ومن كلام له t لما اجتمع الناس عليه وشكوا ما نقموه على عثمان وسألوه مخاطبته عنهم واستعتابه لهم ، فدخل عليه فقال: " ان الناس ورائي وقد استسفروني بينك وبينهم ووالله ما أدري ما أقول لك؟ ما أعرف شيئا تجهله ، ولا أدُلُّك على أمر لا تعرفه. إنك لتعلم ما نعلم . ما سبقناك الى شيء فنخبرك عنه ، ولا خلونا بشيء فنُبلِغَكَهُ . وقد رأيت كما رأينا ، وسمعت كما سمعنا ، وصحبت رسول الله rكما صحبنا. وما ابن ابي قحافة ولا ابن الخطاب أولى بعمل الحق منك ، وأنت أقرب الى رسول الله r وشيجة رحم منهما، وقد نلت من صِهره ما لم ينالا. فاللهَ اللهَ في نفسك، فانك والله ما تُبَصَّر من عَمى ولا تُعَلَّم من جهل ، وان الطرق لواضحة ٌ ، وان أعلام الدين لقائمة. " [13]

 هنا نلاحظ عدة امور:

1ا. علي t ينفي عن نفسه ان يكون عنده علم خاص به  وأن يكون الرسول قد خصه بشيء.

  1. ان سيرة ابي بكر وعمر وحكمهما كان مرضيا عند المسلمين بمن فيهم علي وانهما كانا يعملان بالحق.

3.ان عثمان هو صهر النبـي على الحقيقة لا كما يدعي بعض الشيعة بأن رقية وام كلثوم لم تكونا من بنات الرسول وانما كانتا بنات هالة اخت خديجة !

نكتفي بهذا القدر من اقوال علي t تجنبا للاطالة.

ثالثا :الادلة العقلية:

اما الادلة العقلية على ايمان واخلاص الصحابة فهي كثيرة جدا ولا تخفى الا على من اغمض عينيه ازاءها وتعمد عدم رؤيتها.وهذه بعضها:

  • نشر الصحابة للاسلام:

 لو لم يكن الصحابة متقين ومؤمنين حقيقيين هل كانوا ينشرون الاسلام ؟

من المعلوم ان اغلب الفتوحات تمت في عهد الخلفاء الراشدين الثلاثة : ابوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، ثم في عهد الامويين ثم العباسيين ثم اخيرا العثمانيين . فلو لم يكن الصحابة مخلصين لانقضّوا على الاسلام بعد وفاة الرسول ولأعادوا العرب الى ما كانوا عليه قبل الاسلام من الشرك والجاهلية لا أن يثبتوه وينشروه ويعيدوا الى حظيرته كل من ارتد عنه  ويبذلوا في سبيل ذلك مهجهم  واموالهم ويخاطروا بحياتهم .

2-جمعهم للقرآن:

  كيف جمع الصحابة القرآن ونقلوه الى الاجيال القادمة لو لم يكونوا مؤمنين بهذا الكتاب ومخلصين لدين الله؟

 لو كان الصحابة كما يزعم الشيعة منافقين ومرتدين عن الاسلام لعمدوا الى طمس هذا الكتاب واخفاء تعاليمه أو تبديله. ومن الجدير بالذكر ان احدا من اهل البيت لم يكن ضمن اللجنة التي كلفت  بجمع القران ،  ولعل هذا هو احد الاسباب التي دفعت الشيعة الى القول بان الصحابة حرفوا القران وان القران الحقيقي لم يكتبه ولم يجمعه الاّ علي  .

3-  هذا الالتزام الشديد لاهل السنة بالاسلام وبسنة الرسول (r)   وهذا الحب الشديد للرسولr والحرص على تقصي آثاره و اتباع سنته من اين انتقل الى اهل السنة ؟ اليس عن طريق الصحابة الذين فتحوا البلدان ونشروا الاسلام؟ هل يشك احد في حب اهل السنة للرسول وحرصهم على اتباع سنته واقتفاء آثاره وحفظ احاديثه ودراسة سيرته؟

4-  هذا الاجلال الذي نراه عند اهل السنة لكل من ينتسب الى اهل بيت  النبوة قديما وحديثا وكل هذه الاحاديث التي رووها في فضائل اهل البيت ووجوب محبتهم وتوقيرهم من اين جاءتنا؟ الم تأتنا كلها عن طريق الصحابة ؟ الا يدل هذا على صدق واخلاص الصحابة وانصافهم ؟ .

افتح اي كتاب للحديث سترى فيه ابوابا مستقلة عن وجوب محبة اهل البيت وتوقيرهم ، وهذا الحب والتقدير هو الذي حدا بالكثيرين الى ادعاء الانتساب الى هذا البيت الكريم!.

5-  هذا الاهتمام البالغ لاهل السنة بالعلوم الاسلامية ، من علوم القران وعلوم الحديث والحرص الشديد على جمع وتدوين السنة وتنقية الاحاديث النبوية وبذل اعظم الجهود في هذا السبيل وكذلك السيرة النبوية المطهرة ووضع علم اصول الفقه لضبط الفتاوى لكي لا يتقول الناس على الدين باهوائهم ما يشاؤون ، الم ياخذها اهل السنة من الصحابة؟ ألا يدل على اخلاص الصحابة وصدق ايمانهم ؟

 انك اذا راجعت المكتبة الاسلامية ورأيت هذا الكم الهائل من الكتب لعلمت مدى اهتمام اهل السنة بالاسلام وعلومه وتاريخه وكتابه .

انظر الى السيرة النبوية وقارن بين ما كتبه السنة عن حياة الرسول (r) وما كتبه الشيعة : سترى الفرق شاسعا جدا فاهل السنة كتبوا في سيرة الرسول مئات الكتب قديما وحديثا بينما ما كتبه الشيعة عن سيرة الرسول -لاسيما الشيعة المتاخرون -  قليل جدا مما يدل على شدة اهتمام اهل السنة بحياة الرسول وسيرته وكل هذه الامور مروية عن صحابة رسول الله وعرفها الناس عن طريقهم . فلولم يكن الصحابة مؤمنين حقيقيين ومخلصين هل كانوا يروُون كل هذه الامور في فضائل الرسول وشمائله؟ الا يدل هذا على اخلاص الصحابة وصدقهم وحبهم للاسلام ورسول الاسلام؟

وكذلك اهتمام اهل السنة بعلوم القران لاسيما اعجاز القران الذي لم يكتب فيه الشيعة شيئا يذكر ويكاد يكون اسهامهم فيه صفرا وكان جل اهتمامهم من بين علوم القران بالتفسير وذلك لتأويله والاستدلال به على صحة مذهبهم.

وكذلك السنة النبوية المطهرة فنادراً ما ترى الشيعة يرفعون احاديثهم الى رسول الله (r) بل يقصرونها على ائمة اهل البيت ولا تجد عندهم ذلك الاهتمام بتنقية الاحاديث المنسوبة الى الرسول او الى اهل بيته ولا يعرف لهم جهد يُذكر في هذا المجال على عكس اهل السنة الذين بذلوا جهودا عظيمة في جمع احاديث الرسول وتمييز صحيحها من ضعيفها وماوضع على لسان رسول الله (r) وفي معرفة الرجال ومدى وثاقتهم وعدالتهم  الخ.

6- ومن الادلة الصريحة والواضحة على اخلاص الصحابة وصدقهم وتقواهم متابعة علي لهم  وصلاته خلفهم والجهاد معهم والتزاوج معهم وتسمية ابنائه باسمائهم ثم اخلاصه في نصحهم ومشورتهم واخيرا مدحه لهم في خطبه ، فانهم لو لم يكونوا كذلك  لما ساغ لعلي ان يؤيدهم او يصاهرهم او يناصرهم او يمتدحهم .

رابعا: الادلة التاريخية:

يمكن تقسيم هذه الادلة الى قسمين :

اولا: حب الصحابة للرسول وطاعتهم له وتوقيرهم اياه في حياته .

ثانيا: حبهم وطاعتهم له وتوقيرهم اياه بعد موته.

نماذج من حب الصحابة وطاعتهم للرسول a:

- قصة زيد بن الدثنة في مكة :

 قال ابن إسحاق عند حديثه عن حادثة الرجيع : وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف وبعث به صفوان بن أمية مع مولى له يقال له نسطاس إلى التنعيم وأخرجوه من الحرم ليقتلوه واجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل: أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي قال: قال أبو سفيان: ما رأيت في الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً، ثم قتله نسطاس يرحمه الله.[14]

-امتثال أمره عليه السلام في الخروج إلى بني قريظة :

وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "لا يصلينَّ أحد العصر إلاَّ في بني قُريظة. فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلِّي العصر حتى نأتيها. وقال بعضهم: بلى نصلِّي لم يرد منا ذلك. فذُكر ذلك للنبـي صلى الله عليه وسلم فلم يعنِّف واحداً منهم. وهكذا رواه مسلم.

قال مسلم : حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي ، ثنا جويرية بن أسماء ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر قال : ' نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم انصرف عن الأحزاب : أن لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة ، فتخوف ناس فوات الوقت فصلوا دون بني قريظة ، وقال آخرون : لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن فاتنا الوقت . قال : فما عنف واحدا من الفريقين ' . وقال البخاري بإسناد مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ' لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة . فأدرك بعضهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم : لا نصلي حتى نأتيها . وقال بعضهم : بل نصلي لم يرد منا ذلك . فذكر ذلك للنبـي [ r ] ، فلم يعنف واحداً منهم ' . [15]

-  قصة ابي لبابة (ربطه نفسه بسارية المسجد لكشفه سر رسول الله):

يقول ابن هشام: "ثُمّ إنّهُمْ(اي بني قريظة) بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ ابْعَثْ إلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَكَانُوا حُلَفَاء الْأَوْسِ ، لِنَسْتَشِيرَهُ فِي أَمْرِنَا ، فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللّهِ r إلَيْهِمْ فَلَمّا رَأَوْهُ قَامَ إلَيْهِ الرّجَالُ وَجَهَشَ إلَيْهِ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ فَرَقّ لَهُمْ وَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا لُبَابَةَ أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمّدٍ ؟ قَالَ نَعَمْ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى حَلْقِهِ إنّهُ الذّبْحُ . قَالَ أَبُو لُبَابَةَ فَوَاَللّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتّى عَرَفْت أَنّي قَدْ خُنْت اللّهَ وَرَسُولَهُ r ثُمّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللّهِ r حَتّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ وَقَالَ لَا أَبْرَحُ مِنْ عُمُدِهِ وَقَالَ لَا أَبْرَحُ مَكَانِي هَذَا حَتّى يَتُوبَ اللّهُ عَلَيّ مِمّا صَنَعْت ، وَعَاهَدَ اللّهَ أَنْ لَا أَطَأَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا ، وَلَا أُرَى فِي بَلَدٍ خُنْت اللّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا. [ ص 440 ]

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي أَبِي لُبَابَةَ فِيمَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللّهَ وَالرّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الْأَنْفَالَ 27 ] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ r  خَبَرُهُ وَكَانَ قَدْ اسْتَبْطَأَهُ قَالَ أَمَا إنّهُ لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْت لَهُ فَأَمّا إذْ قَدْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَمَا أَنَا بِاَلّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتّى يَتُوبَ اللّهُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : [ ص 441 ] قُسَيْطٍ إنّ تَوْبَةَ أَبِي لُبَابَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ r مِنْ السّحَرِ وَهُوَ فِي بَيْتِ أُمّ سَلَمَةَ . ( فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ ) : فَسَمِعْت رَسُولَ اللّهِ r مِنْ السّحَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ . قَالَتْ فَقُلْت : مِمّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ أَضْحَكَ اللّهُ سِنّك ؟ قَالَ تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ ، قَالَتْ قُلْت : أَفَلَا أُبَشّرُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ بَلَى ، إنْ شِئْت . قَالَ فَقَامَتْ عَلَى بَابِ حُجْرَتِهَا ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنّ الْحِجَابُ فَقَالَتْ يَا أَبَا لُبَابَةَ أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَيْك . قَالَتْ فَثَارَ النّاسُ إلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ لَا وَاَللّهِ حَتّى يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ r هُوَ الّذِي يُطْلِقُنِي بِيَدِهِ فَلَمّا مَرّ رَسُولُ اللّهِ r خَارِجًا إلَى صَلَاةِ الصّبْحِ أَطْلَقَهُ .

 قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ مُرْتَبِطًا بِالْجِذْعِ سِتّ لَيَالٍ تَأْتِيهِ امْرَأَتُهُ فِي كُلّ وَقْتِ صَلَاةٍ فَتَحُلّهُ لِلصّلَاةِ ثُمّ يَعُودُ فَيَرْتَبِطُ بِالْجِذْعِ فِيمَا حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْآيَةُ الّتِي نَزَلَتْ فِي تَوْبَتِهِ قَوْلُ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيّئًا عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }.[16]

- موقف الصحابة بعد نزول " يا ايها الذين آمنوا لاترفعوا أصواتكم فوق صوت النبـي" :

- حكاية ثابت بن قيس:

 أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: لما نزلت هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبـي" الآية، جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: أنا من أهل النار واحتبس عن النبـي صلى الله عليه وسلم، فسأل النبـي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو ما شأن ثابت أشتكى؟ فقال سعد: إنه لجاري وما علمت له شكوى، قال: فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبـي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل هو من أهل الجنة"  [17]

 - حكاية المشادة الكلامية بين ابي بكر وعمر ورفع صوتهما في حضرته وموقفهما بعد نزول سورة الحجرات:

قال البخاري : حدثنا بسرة بن صفوان اللخمي ، حدثنا نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة . قال : كاد الخيران أن يهلكا . . أبو بكر وعمر y . . رفعا أصواتهما عند النبـي r حين قدم عليه ركب بني تميم ( في السنة التاسعة من الهجرة ) فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس  t  أخي بني مجاشع ( أي ليؤمره عليهم ) وأشار الآخر برجل آخر . قال نافع : لا أحفظ اسمه ( في رواية أخرى أن اسمه القعقاع بن معبد ) فقال : أبو بكر لعمر y ما أردت إلا خلافي . قال : ما أردت خلافك . فارتفعت أصواتهما في ذلك . فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبـي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ، أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } . قال ابن الزبير  t  : فما كان عمر يسمع رسول الله  r بعد هذه الآية حتى يستفهمه! . . وروي عن أبي بكر  t أنه قال لما نزلت هذه الآية : قلت : يا رسول الله ، والله لا أكلمك إلا كأخي السرار ( يعني كالهمس![18]) .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك t قال : « لما نزلت هذه الآية : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبـي - إلى قوله : وأنتم لا تشعرون } وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت . فقال : أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله  r أنا من أهل النار . حبط عملي . وجلس في أهله حزيناً . ففقده رسول الله r فانطلق بعض القوم إليه ، فقالوا له : تفقدك رسول الله r مالك؟ قال أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبـي r فأخبروه بما قال . قال النبـي r : لا . بل هو من أهل الجنة » قال أنس t : فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة .

يقول الاستاذ الشهيد سيد قطب في تفسيره " في ظلال القرآن" في تفسير سورة الحجرات :" فهكذا ارتعشت قلوبهم وارتجفت تحت وقع ذلك النداء الحبيب ، وذلك التحذير الرعيب؛ وهكذا تأدبوا في حضرة رسول الله r خشية أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون . ولو كانوا يشعرون لتداركوا أمرهم! ولكن هذا المنزلق الخافي عليهم كان أخوف عليهم ، فخافوه واتقوه!

ونوه الله بتقواهم ، وغضهم أصواتهم عند رسول الله r في تعبير عجيب :

{ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى . لهم مغفرة وأجر عظيم } . .

فالتقوى هبة عظيمة ، يختار الله لها القلوب ، بعد امتحان واختبار ، وبعد تخليص وتمحيص ، فلا يضعها في قلب إلا وقد تهيأ لها ، وقد ثبت أنه يستحقها . والذين يغضون أصواتهم عند رسول الله قد اختبر الله قلوبهم وهيأها لتلقي تلك الهبة . هبة التقوى . وقد كتب لهم معها وبها المغفرة والأجر العظيم .

إنه الترغيب العميق ، بعد التحذير المخيف .

بها يربي الله قلوب عباده المختارين ، ويعدها للأمر العظيم . الذي نهض به الصدر الأول على هدى من هذه التربية ونور.

وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبـي r قد ارتفعت أصواتهما ، فجاء فقال : أتدريان أين أنتما؟ ثم قال : من أين أنتما؟ قالا : من أهل الطائف . فقال : لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً!

وعرف علماء هذه الأمة وقالوا : إنه يكره رفع الصوت عند قبره r كما كان يكره في حياته r احتراماً له في كل حال" .

ثم أشار إلى حادث وقع من وفد بني تميم حين قدموا على رسول الله r في العام التاسع الذي سمي « عام الوفود » . . لمجيء وفود العرب من كل مكان بعد فتح مكة ، ودخولهم في الإسلام ، وكانوا أعراباً جفاة ، فنادوا من وراء حجرات أزواج النبـي r  المطلة على المسجد النبوي الشريف : يا محمد . اخرج لنا . فكره النبـي r هذه الجفوة وهذا الإزعاج . فنزل قوله تعالى :

{ إن الذين ينادونك من ورآء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ، ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم ، والله غفور رحيم } . .

فوصفهم الله بأن أكثرهم لا يعقلون . وكرّه إليهم النداء على هذه الصفة المنافية للأدب والتوقير اللائق بشخص النبـي  r وحرمة رسول الله القائد والمربي . وبيّن لهم الأولى والأفضل وهو الصبر والانتظار حتى يخرج إليهم . وحبب إليهم التوبة والإنابة ، ورغبهم في المغفرة والرحمة .

وقد وعى المسلمون هذا الأدب الرفيع ، وتجاوزوا به شخص رسول الله r إلى كل أستاذ وعالم . لا يزعجونه حتى يخرج إليهم؛ ولا يقتحمون عليه حتى يدعوهم . . يحكى عن أبي عبيد - العالم الزاهد الراوية الثقة - أنه قال : « ما دققت باباً على عالم قط حتى يخرج في وقت خروجه » . .

قال أبو هريرة وابن عباس: لما نزلت هذه الآية كان أبو بكر لا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار"[19]

- اقتراحهم عليه في بدر بعدم البروز للقتال بنفسه وبناء عريش له :

عن ابن هشام قال: قال ابن اسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث أن سعد بن معاذ قال يا نبـي الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبـي الله ما نحن بأشد لك حبا منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش فكان فيه .

- دفاعهم عنه وقتالهم دونه في احد:

  عن ابن هشام  قال: قال ابن اسحاق (عن غزوة احد): وانكشف المسلمون فأصاب فيهم العدو وكان يوم بلاء وتمحيص اكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة حتى خلص العدو الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدث بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته وشج في وجهه وكلمت شفته وكان الذي اصابه عتبة بن أبي وقاص .

 قال ابن اسحاق فحدثني حميد الطويل عن انس بن مالك قال : كسرت رباعية النبـي صلى الله عليه وسلم يوم احد وشج في وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه وجعل يمسح الدم وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبـيهم وهو يدعوهم الى ربهم فأنزل الله عز وجل في ذلك " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون "

 قال ابن هشام وذكر ربيح بن عبد الرحمن بن ابي سعيد الخدري عن ابيه عن ابي سعيد الخدري ان عتبة بن ابي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فكسر رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى وان عبد الله بن شهاب الزهري شجه في جبهته وأن ابن قمئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته ووقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عمل ابو عامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون فأخذ على بن ابي طالب بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما ومص مالك ابن سنان ابو ابي سعيد الخدري الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مس دمي دمه لم تصبه النار.

 قال ابن هشام وذكر عبد العزيز بن محمد الدراوردي أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال من أحب أن ينظر الى شهيد يمشى على وجه الارض فلينظر الى طلحة بن عبيد الله .

 وذكر يعني عبد العزيز الدراوردي عن اسحاق بن يحيى بن طلحة عن عيسى بن طلحة عن عائشة عن أبي بكر الصديق أن أبا عبيدة  ابن الجراح نزع احدى الحلقتين من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت ثنيته ثم نزع الاخرى فسقطت ثنيته الاخرى فكان ساقط الثنيتين .

قال ابن اسحاق وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم: من رجل يشري لنا نفسه فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الانصار وبعض الناس يقول إنما هو عمارة بن يزيد بن السكن فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ثم رجلا يقتلون دونه حتى كان آخرهم زياد أو عمارة فقاتل حتى أثبتته الجراحة ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدنوه مني فأدنوه منه فوسده قدمه فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- موقف نسيبة بنت كعب:

 قال ابن هشام وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد فذكر سعيد بن أبي زيد الانصاري أن ام سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول دخلت على ام عمارة فقلت لها يا خالة أخبريني خبرك فقالت خرجت أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في اصحابه والدولة والريح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت اباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح الى قالت فرأيت على عاتقها جرحا اجوف له غور فقلت من اصابك بهذا قالت ابن قمئة أقمأه الله لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني هذه الضربة ولكن فلقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان.

  - ابو دجانة وسعد بن أبي وقاص:

 قال ابن اسحاق وترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو دجانة بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه حتى كثر فيه النبل ورمي سعد بن أبي وقاص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سعد فلقد رأيته يناولني النبل وهو يقول ارم فداك أبي وأمي حتى انه ليناولني السهم ما له نصل فيقول ارم به .

  - قتادة بن النعمان :

قال ابن اسحاق وحدثني عاصم ابن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته ، قال ابن اسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ان رسول الله صلى الله عيله وسلم ردها بيده فكانت احسن عينيه وأحدّهما.

-  مقولة سعد بن الربيع في احد: لا عذر لكم عند الله اذا اصيب رسول الله (r) وفيكم عين تطرف:

 "قال رسول الله r من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء هو أم في الأموات فقال رجل من الأنصار أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق قال فقلت له إن رسول الله r أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات قال أنا في الأموات فأبلغ رسول الله r عني السلام وقل له إن سعد بن الربيع يقول جزاك الله عنا خير ما جزى نبـيا عن أمته وأبلغ قومك السلام عني وقل لهم إن سعد بن الربيع يقول لكم أنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبـيكم وفيكم عين تطرف .قال ثم لم أبرح حتى مات فجئت رسول الله r فأخبرته خبره.

وفي رواية: قال زيد بن ثابت : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعد بن الربيع . فقال لي : رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له : يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف تجدك ؟  قال : فجعلت أطوف بين القتلى، فأتيته وهو بآخر رمق، فيه سبعون ضربة ؛ ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم، فقلت : يا سعد، إن رسول الله يقرأ عليك السلام، ويقول لك : أخبرني كيف تجدك ؟ فقال : وعلى رسول الله  rالسلام، قل له، يا رسول الله، أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار : لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله r وفيكم عين تطرف، وفاضت نفسه من وقته[20] .

فانظر هذا الحب للرسول r والحرص عليه، انه في الرمق الاخير وقلبه عند رسول الله ويوصي قومه الاّ يَدَعوا العدو يخلص اليه!!.

- موقف المرأة الانصارية التي قُتل ولداهافي اُحد:

يقول ابن هشام والواقدي واهل السير :  خَرَجَتْ السّمَيْرَاءُ بِنْتُ قَيْسٍ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي دِينَارٍ ، وَقَدْ أُصِيبَ ابْنَاهَا مَعَ النبـي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُحُدٍ النّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو ، وَسُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ فَلَمّا نُعِيَا لَهَا قَالَتْ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالُوا : خَيْرًا ، هُوَ بِحَمْدِ اللّهِ صَالِحٌ عَلَى مَا تُحِبّينَ . قَالَتْ أَرُونِيهِ أَنْظُرُ إلَيْهِ فَأَشَارُوا لَهَا إلَيْهِ فَقَالَتْ كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك يَا رَسُولَ اللّهِ جَلَلٌ . وَخَرَجَتْ تَسُوقُ بِابْنَيْهَا بَعِيرًا تَرُدّهُمَا إلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَقِيَتْهَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ مَا وَرَاءَك ؟ قَالَتْ أَمّا رَسُولُ اللّهِ بِحَمْدِ اللّهِ فَبِخَيْرٍ لَمْ يَمُتْ وَاِتّخَذَ اللّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ شُهَدَاءَ وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ . قَالَتْ مَنْ هَؤُلَاءِ مَعَك ؟ قَالَتْ ابْنَايَ . .. حَلْ حَلْ[21]

- مواقف طلحة بن عبيد الله:

وَكَانَ طَلْحَةُ قَدْ أَصَابَتْهُ فِي رَأْسِهِ الْمُصَلّبَةِ ضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ضَرْبَتَيْنِ ضَرْبَةً وَهُوَ مُقْبِلٌ وَالْأُخْرَى وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ وَكَانَ قَدْ نَزَفَ مِنْهَا الدّمُ .

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ جِئْت إلَى النبـي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ عَلَيْك بِابْنِ عَمّك فَأَتَى طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ وَقَدْ نَزَفَ الدّمُ فَجَعَلْت أَنْضَحُ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ وَهُوَ مَغْشِيّ عَلَيْهِ ثُمّ أَفَاقَ فَقَالَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ؟ فَقُلْت : خَيْرًا ، هُوَ أَرْسَلَنِي إلَيْك . قَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَهُ جَلَلٌ!.

وَكَانَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ يَقُولُ نَظَرْت إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ ، قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ فِي عُمْرَةٍ فَنَظَرْت إلَى الْمُصَلّبَةِ فِي رَأْسِهِ . فَقَالَ ضِرَارٌ : أَنَا وَاَللّهِ ضَرَبْته هَذِهِ اسْتَقْبَلَنِي فَضَرَبْته ثُمّ أَكِرّ عَلَيْهِ وَقَدْ أَعْرَضَ فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى .

- شهادة علي لطلحة:

يقول الواقدي في مغازيه ص 256: وَقَالُوا : لَمّا كَانَ يَوْمُ الْجَمَلِ وَقَتَلَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَام مَنْ قَتَلَ مِنْ النّاسِ وَدَخَلَ الْبَصْرَةَ ، جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ فَتَكَلّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنَالَ مِنْ طَلْحَةَ فَزَبَرَهُ عَلِيّ وَقَالَ إنّك لَمْ تَشْهَدْ يَوْمَ أُحُدٍ وَعِظَمَ غِنَائِهِ فِي الْإِسْلَامِ مَعَ مَكَانِهِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَانْكَسَرَ الرّجُلُ وَسَكَتَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : وَمَا كَانَ غِنَاؤُهُ وَبَلَاؤُهُ يَوْمَ أُحُدٍ يَرْحَمُهُ اللّهُ ؟ فَقَالَ عَلِيّ : نَعَمْ يَرْحَمُهُ اللّهُ فَلَقَدْ رَأَيْته وَإِنّهُ لَيُتَرّسُ بِنَفْسِهِ دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّ السّيُوفَ لَتَغْشَاهُ وَالنّبْلَ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ وَإِنْ هُوَ إلّا جُنّةٌ بِنَفْسِهِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ قَائِلٌ إنْ كَانَ يَوْمًا قَدْ قُتِلَ فِيهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصَابَ رَسُولَ اللّهِ فِيهِ الْجِرَاحَةُ . فَقَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ أَشْهَدُ لَسَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَيْتَ أَنّي غُودِرْت مَعَ أَصْحَابِ نُحْصِ الْجَبَل.قَالَ ابْنُ أَبِي الزّنَادِ نُحْصِ الْجَبَلِ أَسْفَلَهُ .

- موقف علي:

 ثُمّ قَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ لَقَدْ رَأَيْتنِي يَوْمَئِذٍ وَإِنّي لَأَذُبّهُمْ فِي نَاحِيَةٍ وَإِنّ أَبَا دُجَانَةَ لَفِي نَاحِيَةٍ يَذُبّ طَائِفَةً مِنْهُمْ وَإِنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ يَذُبّ طَائِفَةً مِنْهُمْ حَتّى فَرّجَ اللّهُ ذَلِكَ كُلّهُ . وَلَقَدْ رَأَيْتنِي وَانْفَرَدْت مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ فِرْقَةٌ خَشْنَاءُ فِيهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، فَدَخَلْت وَسَطَهَا بِالسّيْفِ فَضَرَبْت بِهِ وَاشْتَمَلُوا عَلَيّ حَتّى أَفْضَيْت إلَى آخِرِهِمْ ثُمّ كَرَرْت فِيهِمْ الثّانِيَةَ حَتّى رَجَعْت مِنْ حَيْثُ جِئْت ، وَلَكِنّ الْأَجَلَ اسْتَأْخَرَ وَيَقْضِي اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا .[22]

- امتناع بلال عن الاذان بعد وفاة الرسول وحكاية اذانه في عهد عمر وبكاء الناس :

أخبرنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي إجازة أخبرنا عمي أخبرنا أبو طالب بن يوسف أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا محمد بن العباس أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحسين بن الفهم أخبرنا محمد بن سعد أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس أخبرنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد المؤذن حدثني عبد الله بن محمد بن عمار بن سعد وعمار بن حفص بن سعد وعمر بن حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم أنهم أخبروهم قالوا : لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم جاء بلال إلى أبي بكر رضي الله عنهما فقال : يا خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " أفضل أعمال المؤمن الجهاد في سبيل الله " وقد أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت فقال أبو بكر : أنشدك الله يا بلال وحرمتي وحقي فقد كبرت واقترب أجلي فأقام بلال مع أبي بكر حتى توفي أبو بكر فلما توفي جاء بلال إلى عمر رضي الله عنه فقال له كما قال لأبي بكر فرد عليه كما رد أبو بكر فأبى وقيل إنه لما قال له عمر ليقيم عنده فأبى عليه : ما يمنعك أن تؤذن فقال : إني أذنت لرسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قبض ثم أذنت لأبي بكر حتى قبض ؛ لأنه كان ولي نعمتي وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " يا بلال ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله فخرج إلى الشام مجاهدا وإنه أذن لعمر بن الخطاب لما دخل الشام مرة واحدة فلم ير باكيا أكثر من ذلك اليوم .

ثم إن بلالا رأى النبـي صلى الله عليه و سلم في منامه وهو يقول : " ما هذه الجفوة يا بلال ما آن لك أن تزورنا " فانتبه حزينا فركب إلى المدينة فأتى قبر النبـي صلى الله عليه و سلم وجعل يبكي عنده ويتمرغ عليه فأقبل الحسن والحسين فجعل يقبلهما ويضمهما فقالا له : نشتهي أن تؤذن في السحر فعلا سطح المسجد فلما قال : " الله أكبر الله أكبر " ارتجت المدينة فلما قال : " أشهد أن لا إله إلا الله " زادت رجتها فلما قال : " أشهد أن محمدا رسول الله " خرج النساء من خدورهن فما رئي يوم أكثر باكيا وباكية من ذلك اليوم[23]

وذكر ابن أبي شيبة عن حسين بن علي عن شيخ يقال له الحفصي عن أبيه عن جده قال أذن بلال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أذن لأبي بكر رضي الله عنه حياته ولم يؤذن في زمن عمر فقال له عمر ما منعك أن تؤذن قال إني أذنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض واذنت لأبي بكر لأنه كان ولي نعمتي وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا بلال ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله " . فخرج مجاهداً. ويقال إنه أذن لعمر إذ دخل الشام مرة فبكى عمر وغيره من المسلمين.[24]

- مَا حَدَثَ لِلصّحَابَةِ عَقِبَ وَفَاتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وبعض ما قيل في رثائه :

ان ما قيل في وفاته وما انشد من شعر في رثائه  صلى الله عليه وسلم دليل على حب الصحابة للرسول وتأثرهم بموته ، فقد رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَغَيْرِهَا مِنْ الصّحَابَةِ أَنّ النبـي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا مات دُهِشَ النّاسُ وَطَاشَتْ عُقُولُهُمْ وَأُقْحِمُوا ، وَاخْتَلَطُوا ، فَمِنْهُمْ مَنْ خُبِلَ وَمِنْهُمْ مَنْ أُصْمِتَ وَمِنْهُمْ مَنْ أُقْعِدَ إلَى أَرْضٍ فَكَانَ عُمَرُ مِمّنْ خُبِلَ وَجَعَلَ يَصِيحُ وَيَحْلِفُ مَا مَاتَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَانَ مِمّنْ أُخْرِسَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ حَتّى جَعَلَ يُذْهَبُ بِهِ وَيُجَاءُ وَلَا يَسْتَطِيعُ كَلَامًا ، وَكَانَ مِمّنْ أُقْعِدَ عَلِيّ ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَرَاكًا ، وَأَمّا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، فَأُضْنِيَ حَتّى مَاتَ كَمَدًا ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ بِالسّنْحِ فَجَاءَ وَعَيْنَاهُ تهْمُلَانَ وَزَفَرَاتُهُ تَتَرَدّدُ فِي صَدْرِهِ وَغُصَصُهُ تَرْتَفِعُ كَقِطَعِ الْجِرّةِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ جَلْدُ الْعَقْلِ وَالْمَقَالَةِ حَتّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَكَبّ عَلَيْهِ وَكَشَفَ وَجْهَهُ وَمَسَحَهُ وَقَبّلَ جَبِينَهُ وَجَعَلَ يَبْكِي ، وَيَقُولُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي طِبْت حَيّا وَمَيّتًا ، وَانْقَطَعَ لِمَوْتِك مَا لَمْ يَنْقَطِعْ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ الْأَنبـياءِ مِنْ النّبُوّةِ فَعَظُمْت عَنْ الصّفّةِ وَجَلَلْت عَنْ الْبُكَاءِ وَخَصَصْت حَتّى صِرْت مَسْلَاةً وَعَمَمْت حَتّى صِرْنَا فِيك سَوَاءً وَلَوْ أَنّ مَوْتَك كَانَ اخْتِيَارًا لَجُدْنَا لِمَوْتِك بِالنّفُوسِ وَلَوْلَا أَنّك نَهَيْت عَنْ الْبُكَاءِ لَأَنْفَدْنَا عَلَيْك مَاءَ الشّؤُونِ فَأَمّا مَا لَا نَسْتَطِيعُ نَفِيَهُ فَكَمَدٌ وَإِدْنَافٌ يَتَحَالَفَانِ لَا يَبْرَحَانِ اللّهُمّ أَبْلِغْهُ عَنّا ، اُذْكُرْنَا يَا مُحَمّدُ عِنْدَ رَبّك ، وَلْنَكُنْ مِنْ بَالِك ، فَلَوْلَا مَا خَلّفْت مِنْ السّكِينَةِ لَمْ نَقُمْ لِمَا خَلّفْت مِنْ الْوَحْشَةِ اللّهُمّ أَبْلِغْ نبـيك عَنّا ، وَاحْفَظْهُ فِينَا ، ثُمّ خَرَجَ لَمّا قَضَى النّاسُ غَمَرَاتِهِمْ وَقَامَ خَطِيبًا فِيهِمْ بِخُطْبَةِ جُلّهَا الصّلَاةُ عَلَى النبـي مُحَمّدٍ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَالَ فِيهَا : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَاتَمُ أَنبـيائِهِ وَأَشْهَدُ أَنّ الْكِتَابَ كَمَا نَزَلَ وَأَنّ الدّينَ كَمَا شُرِعَ وَأَنّ الْحَدِيثَ كَمَا حُدّثَ وَأَنّ الْقَوْلَ كَمَا قَالَ وَأَنّ اللّهَ هُوَ الْحَقّ الْمُبِينُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا ، فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللّهَ فَإِنّ اللّهَ حَيّ لَمْ يَمُتْ وَأَنّ اللّهَ قَدْ تَقَدّمَ أَمْرِهِ فَلَا تَدْعُوهُ جَزَعًا ، وَأَنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ اخْتَارَ لِنبـيهِ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا عِنْدَهُ عَلَى مَا عِنْدَكُمْ وَقَبَضَهُ إلَى ثَوَابِهِ وَخَلّفَ فِيكُمْ كِتَابَهُ وَسُنّةَ نبـيهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهِمَا عَرَفَ وَمَنْ فَرّقَ بَيْنَهُمَا أَنْكَرَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ } [ النّسَاءُ 135 ] وَلَا يَشْغَلَنّكُمْ الشّيْطَانُ بِمَوْتِ نبـيكُمْ وَلَا يَلْفِتَنّكُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَعَاجِلُوا الشّيْطَانَ بِالْخِزْيِ تُعْجِزُوهُ وَلَا تَسْتَنْظِرُوهُ فَيَلْحَقَ بِكَمْ . فَلَمّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ قَالَ يَا عُمَرُ أَأَنْتَ الّذِي بَلَغَنِي عَنْك أَنّك تَقُولُ عَلَى بَابِ نبـي اللّهِ وَاَلّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ مَا مَاتَ نبـي اللّهِ أَمّا عَلِمْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ يَوْمَ كَذَا : كَذَا ، وَكَذَا ، وَقَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي كِتَابِهِ { إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مَيّتُونَ } [ الزّمَرُ 30 ] فَقَالَ عُمَرُ وَاَللّهِ لَكَأَنّي لَمْ أَسْمَعْ بِهَا فِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى قَبْلَ الْآنَ لَمَا نَزَلَ بِنَا ، أَشْهَدُ أَنّ الْكِتَابَ كَمَا نَزَلَ وَأَنّ الْحَدِيثَ كَمَا حُدّثَ وَأَنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيّ لَا يَمُوتُ إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَى رَسُولِهِ وَعِنْدَ اللّهِ نَحْتَسِبُ رَسُولَهُ[25]

وقال صاحب الروض الانف:

كَانَ مَوْتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ خَطْبًا كَالِحًا ، وَرُزْءًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَادِحًا ، كَادَتْ تُهَدّ لَهُ الْجِبَالُ وَتَرْجُفُ الْأَرْضُ وَتَكْسِفُ النّيّرَاتُ لِانْقِطَاعِ خَبَرِ السّمَاءِ وَفَقدَ مَنْ لَا عِوَضَ مِنْهُ مَعَ مَا آذَنَ بِهِ مَوْتُهُ - عَلَيْهِ السّلَامُ - مِنْ الْفِتَنِ السّحْمِ وَالْحَوَادِثِ الْوُهُمِ وَالْكُرَبِ الْمُدْلَهِمّةِ وَالْهَزَاهِزِ الْمُضْلِعَةِ فَلَوْلَا مَا أَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ السّكِينَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَسْرَجَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ نُورِ الْيَقِينِ وَشَرَحَ لَهُ صُدُورَهُمْ مِنْ فَهْمِ كِتَابِهِ الْمُبِينِ لَانْقَصَمَتْ الظّهُورُ وَضَاقَتْ عَنْ الْكُرَبِ الصّدُورُ وَلَعَاقَهُمْ الْجَزَعُ عَنْ تَدْبِيرِ الْأُمُورِ فَقَدْ كَانَ الشّيْطَانُ أَطْلَعَ إلَيْهِمْ رَأْسَهُ وَمَدّ إلَى إغْوَائِهِمْ مَطَامِعَهُ فَأَوْقَدَ نَارَ الشّنَآنِ وَنَصَبَ رَايَةَ الْخِلَافِ وَلَكِنْ أَبَى اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلّا أَنْ يُتِمّ نُورَهُ وَيُعْلِي كَلِمَتَهُ وَيُنْجِزَ مَوْعُودَهُ فَأَطْفَأَ نَارَ الرّدّةِ وَحَسَمَ قَادَةَ الْخِلَافِ وَالْفِتْنَةِ عَلَى يَدِ الصّدّيقِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : لَوْلَا أَبُو بَكْرٍ لَهَلَكَتْ أُمّةُ مُحَمّدٍ عَلَيْهِ السّلَامُ بَعْدَ نبـيهَا .

كَانَ منْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمئِذٍ مِنْ النّاسِ إذَا أَشْرَفُوا عَلَيْهَا سَمِعُوا لِأَهْلِهَا ضَجِيجًا ، وَلِلْبُكَاءِ فِي جَمِيعِ أَرْجَائِهَا عَجِيجًا ، حَتّى صَحِلَتْ الْحُلُوقُ وَنَزَفَتْ الدّمُوعُ وَحُقّ لَهُمْ ذَلِكَ وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ .

وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَبْكِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

أَرِقْت فَبَاتَ لَيْلِي لا يَزُولُ             دَلِيلُ أَخِي الْمُصِيبَةِ فِيهِ طُولُ

               وَأَسْعَدَنِي الْبُكَاءُ وَذَاكَ فِيمَا             أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ قَلِيلُ

لَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنَا وَجَلّتْ           عَشِيّةَ قِيلَ قَدْ قُبِضَ الرّسُولُ

وَأَضْحَتْ أَرْضُنَا مِمّا عَرَاهَا                 تَكَادُ بِنَا جَوَانِبُهَا تَمِيلُ

فَقَدْنَا الْوَحْيَ وَالتّنْزِيلَ فِينَا                  يَرُوحُ بِهِ وَيَغْدُو جَبْرَئِيلُ

              وَذَاكَ أَحَقّ مَا سَألتْ عَلَيْهِ             نَفُوسُ النّاسِ أَوْ كَرَبَتْ تَسِيلُ

نبـي كَانَ يَجْلُو الشّكّ عَنّا            بِمَا يُوحَى إلَيْهِ وَمَا يَقُولُ

وَيَهْدِينَا فَلَا نَخْشَى ضَلَالا             عَلَيْنَا وَالرّسُولُ لَنَا دَلِيلُ

أَفَاطِمُ إنْ جَزِعْت فَذَاكَ عُذْرٌ      وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي ، ذَاكَ السّبِيلُ

فَقَبْرُ أَبِيك سَيّدُ كُلّ قَبْرٍ               وَفِيهِ سَيّدُ النّاسِ الرّسُولُ

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا حَدّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ

بِطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلرّسُولِ وَمَعْهـــــــــدٌ       مُنِيرٌ وَقـــــَدْ تَعْفُو الرّسُومُ وَتَهْمُدُ

وَلا تَمْتَحِي الآيَاتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ        بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الّذِي كَانَ يَصْعَدُ

وَوَاضِحُ آثَارٍ وَبَاقِـي مَعَالِــــــــمِ         وَرَبْــعٌ لَهُ فِيــــهِ مُصَلّى وَمَسْـجِدُ

بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسَـطَــــهَا        مِنْ اللهِ نُـــورٌ يُسْــتَضَاءُ وَيُوقَــدُ

          مَعَارِفُ لَمْ تُطْمَسْ عَلَى الْعَهْدِ آيُهَا       أَتَــاهَا الْبِلَى فَالآيُ مِنْهَا تَجَـتدّدُ

          عَرَفْت بِهَا رَسْمَ الرّسُـــولِ وَعَهْــدَهُ        وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التّرْبِ مُلْحِــدُ

ظَلِلْتُ بِهَا أَبْكِي الرّسُولَ فَأَسْعَدَتْ       عُيـُونٌ وَمِثْلاهَا مِنْ الْجَفْنِ تُسْعَــدُ

يُذَكّرْنَ آلاءَ الرّسُــــولِ وَــا أَرَى        لَــهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِي تَبَلّــدُ

مُفَجّعَةً قَــدْ شَـفّـهَا فَقْدُ أَحْمَــدَ          فَـظَـلّـتْ لآلاءِ الرّسُـــولِ تـُعَــدّدُ

وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلّ أَمْرٍ عَشِـيرُهُ          وَلَكِنْ لِنَفْسِي بَعْــدَ مَا قَدْ تُوجَــدُ

أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْنَ جُهْدُهَا        عَــلَى طَلَلِ الّـذِي فِيــــهِ أَحْمَــدُ

فَبُورِكَتْ يَا قَبْرَ الرّسُــولِ وَبُورِكَتْ         بِلادٌ ثَوَى فِيـهَا الرّشِيــدُ الْمُسَدّدُ

وَبُورِكَ لَحْدٌ مِنْك ضُمّنَ طَيّبًا ... عَلَيْهِ بِنَاءٌ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضّدِ

تَهِيلُ عَلَيْهِ التّرْبَ أَيْدٍ وَأَعْيُنٍ ... عَلَيْهِ وَقَدْ غَارَتْ بِذَلِكَ أَسْعُدُ

لَقَدْ غَيّبُوا حُلْمًا وَعِلْمًا وَرَحْمَةً ... عَشِيّةَ عَلَوْهُ الثّرَى لَا يُوَسّدُ

وَرَاحُوا بِحُزْنِ لَيْسَ فِيهِمْ نبـيهُمْ ... وَقَدْ وَهَنَتْ مِنْهُمْ ظُهُورٌ وَأَعْضُدُ

تَبْكِي السّمَاوَاتُ يَوْمَهُ ... وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الْأَرْضُ فَالنّاسُ أَكْمَدُ

وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيّةُ هَالِكٍ ... رَزِيّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمّدُ

تَقَطّعَ فِيهِ مَنْزِلُ الْوَحْيِ عَنْهُمْ ... وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ وَيَنْجَدُ

يَدُلّ عَلَى الرّحْمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ ... وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الْخَزَايَا وَيُرْشَدُ

إمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمْ الْحَقّ جَاهِدًا ... مُعَلّمُ صِدْقٍ إنْ يُطِيعُوهُ يُسْعَدُوا

عَفُوّ عَنْ الزّلّاتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ ... وَإِنْ يُحْسِنُوا فَاَللّهُ بِالْخَيْرِ أَجْوَدُ

وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ ... فَمِنْ عِنْدَهُ تَيْسِيرُ مَا يَتَشَدّدُ

فَبَيْنَا هُمْ فِي نِعْمَةِ اللّهِ بَيْنَهُمْ ... دَلِيلٌ بِهِ نَهْجُ الطّرِيقَةِ يُقْصَدُ

عَزِيزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجُورُوا عَنْ الْهُدَى ... حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا

عُطُوفٌ عَلَيْهِمْ لَا يُثْنَى جَنَاحُهُ ... إلَى كَنَفٍ يَحْنُو عَلَيْهِمْ وَيَمْهَدُ

فَبَيْنَا هُمْ فِي ذَلِكَ النّورِ إذْ غَدَا ... إلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنْ الْمَوْتِ مُقْصِدُ

فَأَصْبَحَ مَحْمُودًا إلَى اللّهِ رَاجِعًا ... يَبْكِيهِ حَقّ الْمُرْسَلَاتِ وَيُحْمَدُ

وَأَمْسَتْ بِلَادُ الْحَرَمِ وَحْشًا بِقَاعِهَا ... لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنْ الْوَحْيِ تَعْهَدُ

قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللّحْدِ ضَافَهَا ... فَقِيدٌ يَبْكِيهِ بَلَاطٌ وَغَرْقَدُ

وَمَسْجِدُهُ فَالْمُوحِشَاتُ لِفَقْدِهِ ... خَلَاءٌ لَهُ فِيهِ مَقَامٌ وَمَقْعَدُ

وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى لَهُ ثُمّ أَوْحَشَتْ ... دِيَارٌ وَعَرْصَاتٌ وَرَبْعٌ وَمَوْلِدُ

فَبَكّى رَسُولَ اللّهِ يَا عَيْنُ عَبْرَةً ... وَلَا أَعْرِفَنّكِ الدّهْرَ دَمْعُك يَجْمُدُ

وَمَا لَك لَا تَبْكِينَ ذَا النّعْمَةِ الّتِي ... عَلَى النّاسِ مِنْهَا سَابِغٌ يَتَغَمّدُ

فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدّمُوعِ وَأَعْوِلِي ... لِفَقْدِ الّذِي لَا مِثْلَهُ الدّهْرُ يُوجَدُ

وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمّدٍ ... وَلَا مِثْلُهُ حَتّى الْقِيَامَةِ يُفْقَدُ

أَعَفّ وَأَوْفَى ذِمّةً ... بَعْدَ ذِمّةٍ وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلًا لَا يُنَكّدُ

وَأَبْذَلَ مِنْهُ لِلطّرِيفِ وَتَالِدٍ ... إذَا ضَنّ مِعْطَاءٌ بِمَا كَانَ يُتْلَدُ

وَأَكْرَمَ صِيتًا فِي الْبُيُوتِ إذَا انْتَمَى ... وَأَكْرَمَ جَدّا أَبْطَحِيّا يُسَوّدُ

وَأَمْنَعَ ذَرَوَاتٍ وَأَثْبَتَ فِي الْعُلَا ... دَعَائِمُ عِزّ شَاهِقَاتٌ تُشَيّدُ

وَأَثْبَتَ فَرْعًا فِي الْفُرُوعِ وَمَنْبَتًا ... وَعُودًا غَذّاهُ الْمُزْنُ فَالْعُودُ أَغْيَدُ

رَبّاهُ وَلَيَدًا فَاسْتَتَمّ تَمَامُهُ ... عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ رَبّ مُمَجّدُ

تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفّهِ ... فَلَا الْعِلْمُ مَحْبُوسٌ وَلَا الرّأْيُ يُفْنَدُ

أَقُولُ وَلَا يَلْقَى لِقَوْلِي عَائِبُ ... مِنْ النّاسِ إلّا عَازِبُ الْعَقْلِ مُبْعَدُ

وَلَيْسَ هَوَايَ نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ ... لَعَلّي بِهِ فِي جَنّةِ الْخُلْدِ أُخْلَدُ

مَعَ الْمُصْطَفَى أَرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ ... وَفِي نَيْلِ ذَاكَ الْيَوْمِ أَسْعَى وَأَجْهَدُ

        وَقَدْ رَثَاهُ كَثِيرٌ مِنْ الشّعَرَاءِ وَغَيْرُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ أَفْحَمَهُمْ الْمُصَابُ عَنْ الْقَوْلِ وَأَعْجَزَتْهُمْ الصّفَةُ عَنْ التّأْبِينِ وَلَنْ يَبْلُغَ بِالْإِطْنَابِ فِي مَدْحٍ وَلا رِثَاءٍ فِي كُنْهِ مَحَاسِنه عَلَيْهِ السّلَامُ وَلا قَدْرَ مُصِيبَةٍ فَقَدَهُ عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ فَصَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ صَلاةً تَتّصِلُ مَدَى اللّيَالِي وَالأَيّامِ وَأَحَلّهُ أَعَلَى مَرَاتِبِ الرّحْمَةِ وَالرّضْوَانِ وَالإِكْرَامِ وَجَزَاهُ عَنّا أَفْضَلَ مَا جَزَى بِهِ نبـيا عَنْ أُمّتِهِ وَلا خَالَفَ بِنَا عَنْ مِلّته ، إنّهُ وَلِيّ الطّولِ وَالْفَضْلِ وَالإِنْعَامِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَالْحَمْدُ للهِ رَبّ الْعَالَمِينَ .

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا ، يَبْكِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

مَا بَالُ عَيْنِك لَا تَنَامُ كَأَنّمَا ... كَحَلَتْ مَآقِيُهَا بِكُحْلِ الْأَرْمَدِ

جَزَعًا عَلَى الْمَهْدِيّ أَصْبَحَ ثَاوِيًا ... يَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى لَا تَبْعَدِ

وَجْهِي يَقِيك التّرْبَ لَهْفِي لَيْتَنِي ... غُيّبْت قَبْلَك فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ

بِأَبِي وَأُمّي مَنْ شَهِدْت وَفَاتَهُ ... فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ النبـي الْمُهْتَدِي

فَظَلِلْت بَعْدَ وَفَاتِهِ مُتَبَلّدًا ... مُتَلَدّدًا يَا لَيْتَنِي لَمْ أُولَدِ

أَأُقِيمُ بَعْدَك بِالْمَدِينَةِ بَيْنَهُمْ ... يَا لَيْتَنِي صُبّحْت سُمّ الْأَسْوَدِ

أَوْ حَلّ أَمْرُ اللّهِ فِينَا عَاجِلًا ... فِي رَوْحَةٍ مِنْ يَوْمِنَا أَوْ مِنْ غَدٍ

فَتَقُومُ سَاعَتَنَا فَنَلْقَى طَيّبًا ... مَحْضًا ضَرَائِبُهُ كَرِيمُ الْمَحْتِدِ

يَا بِكْرَ آمِنَةَ الْمُبَارَكَ بِكْرُهَا ... وَلَدَتْهُ مُحْصَنَةٌ بِسَعْدِ الْأَسْعَدِ

نُورًا أَضَاءَ عَلَى الْبَرّيّةِ كُلّهَا ... مَنْ يُهْدَ لِلنّورِ الْمُبَارَكِ يَهْتَدِي

يَا رَبّ فَاجْمَعْنَا مَعًا وَنبـينَا ... فِي جَنّةٍ تَثْنِنِي عُيُونَ الْحُسّدِ

فِي جَنّةِ الْفِرْدَوْسِ فَاكْتُبْهَا لَنَا ... يَا ذَا الْجَلَالِ وَذَا الْعُلَا وَالسّوْدُدِ

وَاَللّهِ أَسْمَع مَا بَقِيت بِهَالِك ... إلّا بِكَيْت عَلَى النبـي مُحَمّدِ

يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النبـي وَرَهْطِهِ ... بَعْدَ الْمُغَيّبِ فِي سَوَاءِ الْمَلْحَدِ

ضَاقَتْ بِالْأَنْصَارِ الْبِلَادُ فَأَصْبَحُوا ... سُودًا وُجُوهُهُمْ كَلَوْنِ الْإِثْمِدِ

وَلَقَدْ وَلَدْنَاهُ وَفِينَا قَبْرُهُ ... وَفُضُولَ نِعْمَتِهِ بِنَا لَمْ نَجْحَدْ

وَاَللّهُ أَكَرَمَنَا بِهِ وَهَدَى بِهِ ... أَنْصَارَهُ فِي كُلّ سَاعَةٍ مَشْهَدِ

صَلّى الْآلِهُ وَمَنْ يَحُفّ بِعَرْشِهِ ... وَالطّيّبُونَ عَلَى الْمُبَارَكِ أَحْمَدِ

وقالت صفية بنت عبدالمطلب تبكي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

ألا يارسول الله كنت رجاءنا ... ... ... وكنت بنا براً ولم تك جافيا

وكنت رحيما هادياً ومعلِّماً... ... ... ليبكِ عليك اليوم من كان باكيا

لعمرك ما أبكي النبـي لفقده... ... ... ولكن لما أخشى من الهرج آتيا

كأن على قلبـي لذكر محمد... ... ... وماخفت من بعد النبـي المكاويا

أفاطم صلى الله ربُّ محمد... ... ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا

فِدىً لرسول الله أمي وخالتي... ... ... وعمي وآبائي ونفسي وماليا

صدقتَ وبلّغتَ الرسالة صادقاً... ... ... ومتّ صليبَ العود أبلج صافيا

فلو أن ربَّ الناس أبقى نبـينا... ... ... سعدنا ولكن أمره كان صافيا

عليك من الله السلام تحيةً... ... ... وأُدخلت جناتٍ من العدن راضيا .[26]

- حكاية الثلاثة الذين خلفوا:

هذه الحادثة وحدها تكفي لنسف كل المزاعم التي تقول ان الصحابة كانوا يخالفون الرسول ولا يمتثلون اوامره r  . هنا تظهر هيمنة الرسولr  على اصحابه في سرهم وعلانيتهم وانها تعدت علاقتهم بالنبـي والمجتمع الى بيوتهم وازواجهم !

ثلاثة نفر من الصحابة تخلفوا عن غزوة تبوك لا لشيء الا لانهم تكاسلوا وآثروا الدعة وعندما رجع الرسول واصحابه دون أن يخوضوا حربا وكان بامكانهم ان يختلقوا اعذارا كما فعل المنافقون فيقبله الرسول r ويدعو لهم ويستغفر لهم وقد يكون دعاء الرسول واستغفاره لهم كافيا لان يغفر الله لهم لا سيما وان المسلمين لم يخوضوا حربا ورجعوا دون خسائر ، لكنهم آثروا الصدق فصارحوا رسول الله بحقيقة امرهم ، فلم يتصرف الرسول بشأنهم من تلقاء نفسه بل ردهم حتى يقضي الله في امرهم  ، ثم جاءت الاوامر بحقهم ليلقنهم وباقي الصحابة درسا لن ينسوه ابدا ويكونوا عبرة لغيرهم : جاءت الاوامر الى الصحابة ألاّ يكلمهم احد ولا يتعامل معهم احد فكانوا يجيئون ويذهبون لايسلم عليهم احد ولا يرد  سلامهم احد ، فلم يندموا على مصارحتهم رسول الله بحقيقة امرهم ولم يعترضوا على تلك الاجراءات ولم يستكثروا العقوبة على صنيعهم، ولم يقف الامر عند هذا الحد بل تخطاه الى ابعد من ذلك بكثير : جاءت الاوامر من الرسول الى زوجاتهم الا تكلموهم ولا تأذنوا لهم ان يضاجعنكن . فيلتزم الجميع ولا يرتفع صوت الاعتراض من احد لا منهم ولا من اقربائهم واصحابهم ، ولا يقول احد وما دخله بحياتنا الشخصية وعلاقاتنا بازواجنا ، ولم يقف الالتزام عند هذا الحد بل يصل الى الحد الذي يدفع احدهم وهو كعب بن مالك الشاب المتزوج حديثا ان يقول لامراته إلتحقي بأهلك خوفا من ان لا تطاوعه نفسه فيخالف امر رسول الله r ، وتأتي امراة احدهم فتقول يا رسول الله ان زوجي شيخ كبير ولا يقدر على خدمة نفسه وليس عنده من يخدمه فيأذن لها رسول الله ان تخدمه ولكن شريطة الاّ تكلمه ولا تمكنه من نفسها ثم يصل الخبر الى ملك الغساسنة فيبعث رسولا الى احدهم –وهو كعب بن مالك – يدعوه الى الشام ليعوضه عما لحق به من الهوان فبدلا من ان يفرح كعب بذلك وينبسط نراه يحزن حزنا كبيرا ويأسف على نفسه ان وصلت به الحال ان يطمع فيه الكفار فما كان منه الا ان عمد الى الكتاب والقاه في التنور ووبخ نفسه قائلا : أبلغ بك الامر مبلغا يطمع فيك الكفار ! وتدوم هذه الحالة خمسين يوما حتى استوحشوا وجوه الناس وضاقت عليهم الارض بما رحبت كما عبر القرآن وضاقت عليهم انفسهم وظنوا ألاّ ملجأ من الله الا اليه فتاب الله عليهم ليتوبوا ولا يعودوا الى مخالفة الرسولr بعده ! فهل بعد هذا الدرس القاسي يجرؤ احد على مخالفة امر الرسول ان كان يعلم ان ذلك من الامور التي لا يسعه فيها مخالفته ؟ وهل بعد هذا الاجراء يحق لاحد ان يشك في هيمنة الرسول على قلوب واجساد وارواح اتباعه؟ واليك تفاصيل القصة كما رواها البخاري:

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ قَالَ كَعْبٌ لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ يُرِيدُ الدِّيوَانَ قَالَ كَعْبٌ فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَّا ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتْ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَأَقُولُ فِي نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا فَقُلْتُ أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لِأَتَجَهَّزَ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ مَا فَعَلَ كَعْبٌ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلًا حَضَرَنِي هَمِّي وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِمًا وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَ فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدْ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ فَقُلْتُ بَلَى إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ قَالُوا نَعَمْ رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ فَقُلْتُ مَنْ هُمَا قَالُوا مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُسْوَةٌ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الْأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ قَالَ فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا وَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْبَلَاءِ فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنْ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ قَالَ لَا بَلْ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ قَالَ كَعْبٌ فَجَاءَتْ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ قَالَ لَا وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ قَالَتْ إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي لَوْ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ قَالَ كَعْبٌ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ قَالَ قُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

{ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النبـي وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلَى قَوْلِهِ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }

َوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى

{ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }

قَالَ كَعْبٌ وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَلَفُوا لَهُ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ{ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا }  َلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنْ الْغَزْوِ إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ[27]

- تجهيز جيش اسامة :

     سوف نتحدث عن هذه الغزوة بالتفصيل فيما بعد ولكننا نشير هنا الى مجموعة من الامور كلها تدل على شدة طاعة الصحابة للرسول والتزامهم بأوامره :

اولا وقبل كل شيء ، ان فكرة اختيار اسامة لقيادة الجيش تدل على هيمنة الرسول على اصحابه ، فلولا انه كان واثقا من ان الصحابة يمتثلون لامره لما اقدم على ذلك العمل ولما اوقع نفسه في ذلك الحرج ، فتأمير اسامة على ذلك الجيش على الرغم من صغر سنه وقلة خبرته ووجود من هو اسن وأكفأ وأخبر منه بالحرب يدل في آن واحد على هيمنة الرسول على اصحابه ، وعلى طاعة الصحابة للرسول وخضوعهم لأوامره. صحيح انه حصل اعتراض من قبل بعض الصحابة في البداية ولكن العبرة بالنتيجة وهي تنفيذ امره والخروج في ذلك الجيش تحت امرة اسامة.

ثانيا: رفض ابي بكر تأخير تلك الغزوة بالرغم من الظروف الصعبة التي كان المسلمون يمرون بها من وفاة الرسول وارتداد عدد كبير من العرب وتهيؤ البعض لغزو المدينة ، والحاح الصحابة عليه بمن فيهم اسامة على تأخير تلك الغزوة وقول ابي بكر المشهور : والله لا أحل راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثالثا:  رفض ابي بكر اقتراح الصحابة عليه تبديل قائد الجيش اسامة .

رابعا:  اكتفاء ابي بكر بوصية الرسول لاسامة وعدم تبديل شيء منها أو اضافة شيء عليها .

خامسا : رفض اسامة اقتراح بريدة عليه بالعمل بوصية الرسول لابيه زيد حين بعثه الى مؤتة والتي كان الرسول امره فيها بعرض الاسلام عليهم اولا وقول اسامة انما كانت تلك وصية رسول الله r لأبي أما أنا فقد أوصاني بأن أبدأهم بالقتال ولن افعل الا ما امرني به رسول الله  r .

      كل هذه الامور تدل دلالة واضحة وصريحة  على طاعة الصحابة للرسول وحبهم له  وخضوعهم له.

- قصة الانصار بعد غزوة حنين  :

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ قَالَ حَدّثَنَا ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ لَمّا أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا ، فِي قُرَيْشٍ وَفِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّى كَثُرَتْ مِنْهُمْ الْقَالَةُ حَتّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقَدْ لَقِيَ وَاَللّهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَوْمَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عِبَادَةَ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْك فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْت فِي هَذَا الْفَيْءِ الّذِي أَصَبْت ، قَسَمْت فِي قَوْمِك ، وَأَعْطَيْت عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، وَلَمْ يَكُ فِي هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ . قَالَ [ r] فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ ؟ " قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَنَا إلّا مِنْ قَوْمِي ، قَالَ " فَاجْمَعْ لِي قَوْمَك فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ " قَالَ فَخَرَجَ سَعْدٌ فَجَمَعَ الْأَنْصَارَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ قَالَ فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا ، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدّهُمْ فَلَمّا اجْتَمَعُوا لَهُ أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ قَدْ اجْتَمَعَ لَك هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ " يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ : مَا قَالَة بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجْدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا عَلَيّ فِي أَنْفُسِكُمْ ؟ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلّالًا فَهُدَاكُمْ اللّه ، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللّهُ وَأَعْدَاءَ فَأَلّفَ اللّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ " قَالُوا : بَلَى ، اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنّ وَأَفْضَلُ ثُمّ قَالَ " أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ؟ " قَالُوا : بِمَاذَا نُجِيبُك يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنّ وَالْفَضْلُ قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَمَا وَاَللّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَلَصُدّقْتُمْ أَتَيْتنَا مُكَذّبًا فَصَدّقْنَاك ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاك ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاك ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاك . أَوَجَدْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِكُمْ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدّنْيَا تَأَلّفْت بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا ، وَوَكَلْتُكُمْ إلَى إسْلَامِكُمْ أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، أَنْ يَذْهَبَ النّاسُ بِالشّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُوا بِرَسُولِ اللّهِ إلَى رِحَالِكُمْ ؟ فَوَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْت امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَلَوْ سَلَكَ النّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا ، لَسَلَكْت شِعْبَ الْأَنْصَارِ .

 اللّهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ " قَالَ فَبَكَى الْقَوْمُ حَتّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا : رَضِينَا بِرَسُولِ اللّهِ قَسْمًا وَحَظّا . ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَفَرّقُوا.[28]

- رفض عثمان بن عفان الطواف بالبيت عندما بعثه رسول الله (r) الى مكة مفاوضا قبل صلح الحديبية:

 قال ابن هشام: فدعا رسول الله r عثمان بن عفان فبعثه الى ابي سفيان واشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت للحرب ، وأنه إنما جاء زائرا لهذا البيت ومعظما لحرمته . فخرج عثمان الى مكة فلقيه ابن بن سعيد بن العاص حين دخل مكة ، أو قبل ان يدخلها ، فحمله بين يديه ، ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله r ، فانطلق عثمان حتى أتى ابا سفيان وعظماء قريش ، فبلغهم عن رسول الله r ما ارسله به، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول اللهr اليهم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف . فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول اللهr.[29]

 

[1] . انظر في سبيل المثال الى تفاسير القاديانية ، فانهم يفسرون القرآن تفسيرا لم يعرفه لا النبـي ولا الصحابة وكأنه لم ينزل عليهم ولم يعنهم بخطابه !

[2] .( قال القرطبـي في تفسير هذه الآية : قال أبو عروة الزبيري1: كنا عند مالك بن أنس فذكروا عنده رجلا ينتقص أصحاب رسول الله فقرأ مالك هذه الآية {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} إلى أن بلغ قوله {ليغيظ بهمُ الْكُفَّارَ} فقال مالك من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية. وقلت: رحم الله مالك بن أنس ورضي عنه ما أدق استنباطه.)

 

[3] . عن جعفر بن محمد ابن علي عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي الله عنه، أنه جاءه رجل فقال له: يا ابن بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما تقول في عثمان؟ فقال له: يا أخى أنت من قوم قال الله فيهم: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الآية. قال لا! قال: فوالله لئن لم تكن من أهل الآية «1» فأنت من قوم قال الله فيهم: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ الآية. قال لا قال: فوالله لئن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجن من الإسلام وهي قوله تعالى: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ الآية. وقد قيل: إن محمد ابن علي بن الحسين، رضي الله عنهم، روى عن أبيه: أن نفرا من أهل العراق جاءوا إليه، فسبوا أبا بكر وعمر- رضي الله عنهما- ثم عثمان- رضي الله عنه- فأكثروا، فقال لهم: أمن المهاجرين الأولين أنتم؟ قالوا لا. فقال: أفمن الذين تبوءوا الدار والايمان منقبلهم؟ فقالوا لا. فقال: قد تبرأتم من هذين الفريقين! أنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ قوموا، فعل الله بكم وفعل! تفسير القرطبـي

 

[4] . طريقة احتجاج الشيعة بالاحاديث النبوية :

واتماما للفائدة نقلت هذا الموضوع من كتاب احاديث يحتج بها الشيعة للشيخ عبد الرحمن دمشقية :

 وكانت شبهاتهم واحتجاجاتهم على النحو التالي:

1- أحاديث صحيحة السند ولكنهم يأتون فيها بفهم خاص بهم. مثال ذلك حديث (إني تارك فيكم الثقلين.. فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي). فيزعمون أن الرسول أمر في هذا الحديث بالتمسك بأهل البيت. بينما السياق يفرق بين التمسك بالثقل الأول وهو القرآن وبين اتقاء الله في أهل البيت وعدم اتخاذهم غرضا. وقد اتخذهم الشيعة وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل فيأمرون العوام بأداء خمس أموالهم باسم أهل البيت. وهددوهم وتوعدوهم بعدم قبول أعمالهم إن لم يؤدوا لهم الخمس. ولضمان استدامة ضخ هذا المصدر ولئلا تكون اجتماعاتهم علمية قد يواجهون فيها أسئلة المتسائلين جعلوا مواضيع مجالسهم تارة في البكاء على الظلم الذي تعرض له أهل البيت بزعمهم وتارة بإطرائهم والغلو فيهم حتى التأليه والتقديس.

والتزموا استعداء أصحاب النبـي وأزواجه: عائشة وحفصة رضي الله عنهما. وبهذا لا يعود لهم أي مستمسك في الحديث لأن الحديث يفيد التحذير من اتخاذ أهل البيت غرضا لتحقيق المكاسب والمآرب الدنيوية. وأما الطعن في البعض الآخر من أهل البيت فالمراد منه إثارة العامة وتثبيت الحقد عندهم بما يحقق تعصبهم للباطل ورد الحق.

2- أحاديث ضعيفة يوهمون الناس أنها حجة علينا وهي ليست كذلك حتى تكون على شرطنا. وإن صحة سند الحديث هو شرطنا لقبوله ولا نكتفي في قبوله بمجرد كونه في كتب الحديث، اللهم إلا البخاري ومسلم اللذين أجمعت الأمة على تلقيهما بالقبول والتسليم. وأكثر رواة هذه الأحاديث من الشيعة والشيعة، يكذب طائفة من الشيعة أحاديث ثم يأتي آخرون يحتج على وجودها عندنا وفي كتبنا. وقد تكون في كتب نقد الرواة أوردها النقاد كالذهبي وغيره ليجعلوها نموذجا على أكاذيب الرواة الكذابين، فيحتج بها الشيعة المعاصرون علينا وكأننا قد سلمنا بصحتها.

وتمادوا في ذلك حتى صاروا يأتون بالروايات من كتب الشعراء والمفكرين المعاصرين كمحمود عباس العقاد وأحمد شوقي ولم يكتفوا فقط بالرواية من كتب التاريخ .

وإننا نعلن أن كل حديث يأتوننا به ليحتجوا به علينا مما ليس على شرطنا في الصحة هذا فلا تقوم لهم به حجة علينا.

3- أحاديث يوهمون صحتها. مثل حديث « من أحب هذين - أي الحسن والحسين - وأباهما كان معي في درجتي في الجنة» رواه الترمذي وقال «حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث جعفر بن محمد إلا من هذا الوجه. في حين يكتفون بنقل كلمة واحدة من هذه العبارة (حديث حسن). ويقطعون بقية كلامه (غريب) بما يدل على الطعن في السند.

وقد أكد الحافظ أن الترمذي « إذا وصف حديثا بالحسن فلا يلزم عنده أن يحتج له، ودليل ذلك أنه أخرج حديثا من طريق خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن الحصين ثم قال بعده « هذا حديث حسن وليس إسناده بذاك» (سنن الترمذي2/128 وانظر النكت على ابن الصلاح1/402 توضيح الأفكار1/179). أضف إلى ذلك أنه قد يحسّن لبعض المعروفين بضعفهم مثل عطية العوفي. وقد يتساهل في التحسين. ولهذا صرح جمع من أهل العلم بأنه لا يعتمد على تصحيحه كما صرح به الذهبي. ونبه عليه المنذري في الترغيب.

4- أحاديث صحيحة ولكنها شاذة مخالفة لأحاديث أوثق منها سندا.

5- أحاديث ينكرونها علينا وعندهم مثلها تماما. كما في حديث طواف النبـي على أهله في ليلة واحدة بغسل واحد. وكما سوف ترى في أحاديث الصفات، فإنهم ينكرون علينا من الروايات ما قد امتلأت به كتبهم بل وصححها علماؤهم. كما في الحديث (وإن الأنبـياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ولكن ورثوا العلم). فإن الشيعة ينقمون على أبي بكر احتجاجه بهذا الحديث الذي بسببه لم يعط فاطمة أرض فدك. ومع ذلك فقد صححوا إسناده كما فعل المجلسي والنراقي والخميني وغيرهم. كذلك حديث التبول واقفا فقد شنعوا فيه علينا الشناعات العظيمة ومع ذلك فالحديث مروي عندهم في كتاب الكافي.

6- أحاديث مشتهرة ومتعددة الطرق لكنها لم تثبت كحديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها) ومنها ما صححه علماؤنا بتعدد طرقه وشواهده كحديث (من كنت مولاه فهذا علي هو مولاه) وهو صحيح ولكن يخرجه الشيعة عن سياقه المتعلق ببغض بعض الناس لعلي فنبه النبـي على محبته وموالاته موالاة الاسلام. والشيعة يحتجون بالحديث على أسبقية إمامته. وللحديث تفصيل يمكن الرجوع إليه.

7- أحاديث يحرفونها لفظا مثل (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي). وجعلها الشيعة بالمثنى (بهما) وهناك فرق بين قوله (بهما) وقوله (به). فإن التمسك ورد مفردا ويعود على القرآن فقط. ومثل (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية). وليس الحديث بهذا اللفظ. وإنما هكذا (من خلع يدا من طاعة).

8- كتب في التشيع والرفض ألفها أناس من الشيعة كانوا يتخفون بالانتماء إلى مذاهب سنية فصارت كتبهم مصدر الاحتجاج علينا من الشيعة المعاصرين. ومن هؤلاء الكنجي الشافعي (زعموا) والقندوزي الحنفي (زعموا). وابن الصباغ المالكي (زعموا). وابن أبي الحديد. وقد قمت بتتبع تراجمهم وسيرهم بدقة بما يفضح هذه اللعبة التي دأبوا عليها في أكثر كتبهم.

[5] .نهج البلاغة شرح الامام محمد عبده ج1 ص150/دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع –بيروت-لبنان.

[6] .نفس المصدرج1ص55.

[7] .نفس المصرج1ص69.

[8] . نفس المصدرج1 ص123.

[9] .نفس المصدرج2ص286.

[10] . نفس المصدرج2 ص 284.

[11] .نفس المصدر ج2 ص165.

[12] . نفس المصدر ج2 ص171-172.

[13] .نفس المصدر ج2 ص194

[14] . تهذيب سيرة ابن هشام ص279، السيرة النبوية لابن كثير ج3ص128.

[15] . البخاري ج1ص321ح904 باب أجر المجتهد أصاب أو أخطأ 

[16] . الروض الانف ج3/439 ، تهذيب سيرة ابن هشام /299

[17] . أخرجه البخاري في التفسير، باب: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبـي) الآية، 8 / 590 ومسلم في الإيمان، باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله برقم: (119): 1 / 110

[18] . أخرجه البخاري في التفسير، باب (لا ترفعوا أصواتكم...) 8 / 590.

[19] . أخرجه الحاكم: 2 / 462 وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" وعزاه السيوطي في الدر المنثور: 7 / 548 لعبد بن حميد والبيهقي في شعب الإيمان. وانظر: فتح الباري: 8 / 591، مجمع الزوائد: 7 / 108.

[20] .انظر غزوة احد في كتب السير فكلها تقريبا ذكرت هذه القصة .

[21] .مغازي الواقدى/ 292سيرة ابن كثير 3/93

[22] .مغازي الواقدي 1/256

[23] .اسد الغابة 1/129

[24] . الاستيعاب في معرفة الاصحاب1/55

[25] . الروض الانف 445-446

[26] . السيرة النبوية دروس وعبر علي بن محمد الصلابي 9/194

[27] .صحيح البخاري / كتاب المغازي باب حديث كعب بن مالك حديث رقم 4418.

[28] . سيرة ابن هشام / المجلد الرابع ص141- 143/ دار احياء التراث العربي

[29] . تهذيب سيرة ابن هشام ص255 / دار احياء التراث العربي.

  • الخميس PM 12:56
    2021-05-20
  • 1155
Powered by: GateGold