المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412606
يتصفح الموقع حاليا : 298

البحث

البحث

عرض المادة

المنظمات الإرهابية الصهيونية/الإسرائيلية في الثمانينيات

المنظمات الإرهابية الصهيونية/الإسرائيلية في الثمانينيات
Israeli-Zionist Terrorist Organizations in the Eighties
من السمات الأساسية للإرهاب الصهيوني في الثمانينيات، عودة المنظمات الإرهابية الصهيونية التي تتخذ طابعاً تنظيمياً مستقلاً عن جهاز الدولة وبخاصة التي تعمل في المناطق المحتلة بالضفة وغزة والجليل كذلك. وحوادث الإرهاب التي تُنسب إلى هذه الجماعات تتسم بالوفرة والتتابع: الإضرار بممتلكات المواطنين العرب ـ محاولات الاعتداء على المقدَّسات الدينية الإسلامية والمسيحية ـ قتل الأشخاص بصورة منتقاه أو بأساليب عشوائية مثل الهجوم على الحافلات الفلسطينية إلى تسميم الطالبات الفلسطينيات وتدبير مخططات لإفقادهن القدرة على الإنجاب مستقبلاً ـ أعمال الاختطاف.


وإذا كان الهدف الأساسي المُعلن لهذه الجماعات هو طرد السكان الفلسطينيين بالقوة، فإن جماعة السلام الآن الإسرائيلية لم تَسلْم في إحدى المرات من إرهاب هذه المنظمات حين أُلقيت قنبلة على مظاهرة لها في فبراير 1984 فأودت بحياة أحد أعضائها. إلا أن سلسلة الانفجارات التي استهدفت حياة مجموعة من رؤساء بلديات الضفة الفلسطينيين في عام 1980 هي التي ركَّزت الانتباه على أهمية تلك الظاهرة.

وإذا نظرنا إلى قائمة أسماء هذه المنظمات التي تقف وراء عمليات الإرهاب في الضفة الغربية بوجه خاص، وجدنا أن من بينها من أعلن مسئوليته عن حوادث بعينها، في حين آثر بعضها أن يلتزم سرية شملت حتى الحرص على إخفاء اسمه أو أهدافه ولو إلى حين. وتضم القائمة أسماء باتت شهيرة مثل: لفتا ورابطة سيوري تسيون والحشمونيون وأمانا ، فضلاً عن مجموعة مسميات أخرى تتضمن هدف بناء الهيكل الثالث على حساب الحرم الأقصى مثل: منظمة التاج الكهنوتي والمخلصون لجبل البيت. إلا أن أشهر الجماعات الإرهابية منهما جماعات الإرهاب ضد الإرهاب (ت. ن. ت) ومنظمة كاخ التي كان يتزعمها الحاخام مائير كاهانا.

وقد تكون هناك بعض الاختلافات حول تحديد توقيت بداية بروز هذه الجماعات الإرهابية الصهيونية الجديدة، من مطلع السبعينيات حتى نهايتها. إلا أن العديد من المصادر تقدِّم عدة أحداث باعتبارها نقاط انطلاق لتكوين هذه الجماعات مثل حرب أكتوبر 1973 وما صاحبها من إحباط وعدم ثقة في قدرة آلة الإرهاب الرسمية على الوفاء بمتطلبات المشروع الصهيوني بمفردها أو بالانسحاب الإسرائيلي من سيناء وبخاصة مستعمرة ياميت في مطلع الثمانينيات. وإذا كان من العبث تحديد حالة واحدة أو يوم أو شهر أو سنة للقول بأنها نقطة بدء موجة جديدة من نشاط الإرهاب الصهيوني المتواصل. فإن حَصْر الجهود بين هذين التاريخيين ليس بمنأى عن الدوافع والتبريرات الصهيونية التي تحاول أن تدَّعي وجود "قطيعة" فاصلة بين ممارسات الدولة الصهيونية من جانب وهذه الجماعات من جانب آخر.

وإذا أخذنا في اعتبارنا كل المعطيات التي تصب لصالح القول بأن تبلور المنظمات الصهيونية الإرهابية بين منتصف السبعينيات ومطلع الثمانينيات جاء ليلبي حاجات في جوهر المشروع الاستيطاني اليهودي فإن "الدولة" بدت ـ في نظر قطاع من الإسرائيليين ـ عاجزة عن الوفاء بها على النحو الأمثل والكافي. فإن الأساس الذي تستند إليه هذه المنظمات يظل هو "المستوطن اليهودي" القادم بقوة ودَعْم الدولة العبرية إلى الضفة وغزة ليحل محل سكانها "الفلسطينيين".

ولقد قامت هذه المنظمات على "المستوطن المسلح" بالأسلحة النارية الذي تلقَّى قدراً من التدريب في جيش إسرائيل النظامي. ومثلما منحته الدولة العبرية امتياز حمل السلاح في مواجهة الفلسطيني الأعزل فإنها في الوقت نفسه منحته حصانة قانونية لممارساته الإرهابية بينما يتعقب القانون العنصري التمييزي كل أنشطة الفلسطينيين وضمنها الأنشطة السلمية.

ولذا فإن تقرير لجنة التحقيق الإسرائيلية برئاسة السيدة يهوديت كارب قد انتهى في مايو 1982 إلى اتهام السلطات الإسرائيلية (جيشاً وشرطة) بالتواطؤ وتجاهُل جرائم المستوطنين. كما أشار التقرير نفسه إلى ازدواج نظام الضبط والمحاكمة في مواجهة الفلسطينيين من جانب والمستوطنين اليهود من جانب آخر. ولما كان ما ورد بهذا التقرير من تشخيص وتوصيات لم يلق استجابة الحكومة الإسرائيلية ـ وكل الحكومات اللاحقة وإلى حينه ـ فإن السيدة كارب اضطرت للاستقالة من منصبها (نائب المدعي العام الإسرائيلي).

وبصرف النظر عن تشكيل جماعات إرهابية صهيونية أو غياب هذه الجماعات فإن سلطات الاحتلال تحافظ على ما يمكن وصفه "الاتفاق الضمني المقدَّس" الذي يتحمل المستوطنون المسلحون بمقتضاه جانباً من مسئولية الأمن في الضفة وغزة. ولذا فإن تقارير الأمم المتحدة نفسها تذهب إلى الإقرار بأن "المستوطنين يشكلون الجناح العسكري الخفي لسلطات الاحتلال الإسرائيلي".

وقد تكون مصادر تمويل هذه الجماعات من الأمور التي لم يتم الكشف عنها نهائياً، إلا أن العديد من الدلائل والاعترافات تذهب إلى أن السلطات الإسرائيلية نفسها تسهم في عملية التمويل هذه بصورة مباشرة أو غير مباشرة حين تغدق الأموال على منظمات الاستيطان التي تُعَد المظلة الأساسـية التي تنمـو أسفلها العديد من هذه الجماعات الإرهابية، وحين تغدق الرواتب الحكومية على المستوطنين في الضفة. ويُعَد التمويل الخارجي عنصراً لا يجب تغافله في سياق طبيعة الكيان الصهيوني العامة. فكاهانا يقول بنفسه إن حركة كاخ تعتمد على تبرعات تصل من مؤيديه بالولايات المتحدة. بينما يذهب الاعتقاد بأن المخابرات المركزية الأمريكية تقوم بدور في تمويل هذه الجماعة امتداداً لتبنيها لرابطة الدفاع اليهودي من قبل. كما أن لبعض المنظمات ارتباطات واضحة مع كبار الرأسماليين الصهاينة في الولايات المتحدة.

ولم يُلحَظ حتى الآن طابع تنافسي أو عدائي في علاقة هذه المنظمات بعضها ببعض مثلما كان عليه الأمر في تاريخ إتسل وليحي والهاجاناه قبل 1948. ويمكن تصوُّر علاقة تعاون بين هذه المنظمات، مع الأخذ في الاعتبار أن العديد من تسميات هذه المنظمات وطبيعتها لا زالت محل غموض. فمن دلائل علاقات التعاون بين هذه المنظمات أن أكثر من تسمية قد تندرج تحت جماعة أم مثل حركة الاستيلاء على الحرم الإبراهيمي التي يندرج تحت مظلتها كل من رابطة «سيوري تسيون» و«حركة إعادة التاج لما كان عليه» و«جمعية صندوق جبل البيت». كما أن العديد من المنظمات قد تمارس الدعاية وتعلن استحسانها أفعال منظمات أخرى. كما يمكننا أن نلحظ شخصاً واحداً يندرج في عضوية أكثر من منظمة. هذا فضلاً عن المنابع والتأثيرات الأيديولوجية المشتركة.

أما عضوية هذه الجماعات فقد شهدت قدراً من التحول الذي تجب مراقبته مستقبلاً. فمن قبل جاء الاعتقاد بأن السفارد أكثر فئات التجمُّع الصهيوني استعداداً لممارسة الأعمال الإرهابية ضد العرب والفلسطينيين حيث يجري حثهم على ذلك لتفريغ ما يتولد لديهم من سخط ضد ظلم النظام الاجتماعي المتحيز ضدهم لصالح الإشكناز. إلا أن استقراء تركيب جماعات الإرهاب الجديدة يدعو إلى إعادة النظر إلى ما يبدو أنه حلف جديد بدأ يتشكل من المهاجر الأمريكي الذي جاء مؤخراً إلى الضفة الغربية والقدس يحمل معه أوهام "الوستيرن" و"الكاوبوي" وأخلاقياته وبين السفارد المضطهدين أو المغبونين. فضلاً عن أن جيل ما بعد 1967 من الصابرا يبرز استعداداً أكبر لممارسة التطرف العنصري والسلوك الإرهابي الدموي إزاء العرب والفلسطينيين.

والواقع أن هذه المنظمات قد أثارت العديد من التساؤلات المهمة داخل التجمُّع الصهيوني وخارجه. فمما يلفت النظر أن الكتابات الإسرائيلية تتهم هذه المنظمات بالخروج على شرعية الدولة. والشرعية هنا ذات معنى زائف، لأن ممارسات هذه الجماعات تصب في مجرى الشرعية العام للكيان الصهيوني الذي يقوم على الإرهاب.

ومحاولة فهم جماعات الإرهاب الصهيوني الجديدة بصورة صحيحة لا يمكن أن تتم دون وضع هذه الجماعات في سياق تراث الإرهاب الصهيوني السابق، وهو تراث تمتلك هذه الجماعات حساً عالياً تجاهه. وقد حملت أكثر من عملية إرهابية تسميات ذات دلالة تاريخية بالنسبة لتراث الإرهاب الصهيوني قبل عام 1948، مثل تسمية إحدى عمليات منظمة ت. ن. ت. بلقب شلومو بن يوسف (الإرهابي الصهيوني عضو إتسل الذي أعدمه البريطانيون لارتكاب حادث مماثل في الثلاثينيات). وقد قام كثير من إرهابيي الجماعات الجديدة، ممن جرى التحقيق معهم، بالتأكيد على أن ما يقومون به متصل تمام الاتصال مع تراث الإرهاب الصهيوني السابق. حيث كانت الإجابات تأتي على النحو التالي: "لقد عملنا كما عمل سابقاً في إتسل والهاجاناه وليحي كل من بن جوريون وبيجين وشامير".

ولقد تسـاءل الإرهابي الصهيوني أندي جرين، عضـو منظمة ت. ن. ت.، في مقابلة منشورة بالصحف الإسرائيلية قائلاً: "لا أستطيع أن أحصي عدد الشوارع التي تحمل اسم «ديفيد رازل» الذي زرع قنبلة في سوق عربي عام 1939 فقتل 20 شخصاً. وإذا كان ما فعله هو الصواب، فكيف يصبح ما أفعله أنا من قبيل الخطأ؟!".
ولا يمكن القول بأن هذه الجماعات "ظاهرة هامشية" أو "دخيلة" على الكيان الصهيوني، ولا جدوى من ادعاء الانزعاج أو الاندهاش أو حتى الجهل، أو عن التفتيش عن تبريرات نفسية خاصة أو أسباب اجتماعية شاذة لهؤلاء الإرهابيين. فهذه الجماعات مرتبطة تماماً بالاستيطان، ولذا تصاعَد نشاطها مع تصاعُد النشاط الاستيطاني. ولذا فليس غريباً أن نجد أن المستوطنات هي الأرضية الديموجرافية لمنظمات الإرهاب الجديدة ولعضويتها. ومما يجدر ذكره أن حركات الاستيطان النشيطة مثل جوش أيمونيم والأحزاب الأعلى صوتاً في الدعوة السياسية للاستيطان مثل هتحيا وتسوميت توفر الإطار السياسي لهذه المنظمات.

وتفسر طبيعة الوحدة الجدلية في علاقة إرهاب الدول بالجماعات الإرهابية الصهيونية في السبعينيات والثمانينيات ذلك الاختفاء الهادئ لغالبية هذه الجماعات. وهو اختفاء أقرب إلى "الذوبان" في إطار استمرار السمات العامة للإرهاب الصهيوني الإسرائيلي.

ويمكن أن نعزو هذا الاختفاء الهادئ أو "الذوبان" الذي يحدث لهذه الجماعات إلى أنها تلعب دور الحلقات الوسيطة المشتعلة بين إرهاب الدولة وبين إرهاب المستوطنين المسلحين.

ولا شك في أن "التعين العضوي" لقدرات الإرهاب الصهيوني في مواجهة الانتفاضة قد أسهم في "ذوبان" الحلقات الوسيطة والجماعات الإرهابية في السبعينيات والثمانينيات إذ باتت العلاقة بين دولة الإرهاب والمستوطنين المسلحين لا تحتمل وجود واستمرار منظمات وسيطة مستقرة تبدو في شبهة تنازع مع الحكومات الإسرائيلية.

  • الاثنين AM 11:12
    2021-05-17
  • 988
Powered by: GateGold