المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412550
يتصفح الموقع حاليا : 343

البحث

البحث

عرض المادة

الترانسفير (التهجـير) الغربي لبعض أعضـاء الجماعات اليهوديـة

الترانسفير (التهجـير) الغربي لبعض أعضـاء الجماعات اليهوديـة
Western Transfer of Some Members of Jewish Communities

إن انتقال (هجرة) إنسان من وطن إلى أي مكان آخر عملية بالغة القسوة، فعلى هذا الإنسان أن يقتلع نفسه من جذورها ويستقر في مكان آخر، ويغيِّر نمط حياته بل ومنظومته القيمية أحياناً. وعملية نَقْل الإنسان قسراً (تهجير أو ترانسفير) مسألة وحشية. ومع هذا، يمكن القول بأن الحضارة الغربية الحديثة حضارة توجد داخلها إمكانية كامنة للهجرة والتهجير، فهي حضارة الترانسفير المستمر: أن ينتقل الإنسان بنفسه دائماً، ويقوم بنقل الآخرين.

والحضارة الغربية الحديثة تنظر لأعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم مادة بشرية تُنقل وتُوظَّف، لا يختلفون عن أية مادة بشرية أخرى. ومع هذا، فإن ثمة عناصر خاصة بالجماعات اليهودية جعلتهم عُرضة للنقل (الترانسفير) أكثر من غيرهم من العناصر البشرية:

1 ـ حلت أوربا مشكلة أعضاء الجماعات اليهودية منذ العصور الوسطى عن طريق طرد اليهود من إنجلترا ثم فرنسا فإيطاليا فألمانيا إلى أن استقر بهم المقام في بولندا وروسيا. وقد كانت عملية الطرد تتم في إطار أنهم جماعة وظيفية حركية يمكن توظيفها في أي مكان، فالجماعة الوظيفية لا ترتبط بوطن وإنما بوظيفة. وحينما بدأت الحركة الاستعمارية الاستيطانية الغربية أصبح يهود أوربا جزءاً لا يتجزأ منها، وتوجهت حركة الهجرة اليهودية حيثما توجَّه الاستعمار الاستيطاني الغربي. وهذا يعود بطبيعة الحال إلى أن اليهود أعضاء في جماعة وظيفية تتسم بالحركية وينظر لها المجتمع نظرة محايدة، فهي جزء يُوظَّف وموضوع يُستخدَم. ولذا، حينما تعثَّر التحديث في روسيا وشرق أوربا، طُرحت فكرة تهجير اليهود ونقلهم كحل للمسألة اليهودية.

2 ـ ومما ساعد على جعل فكرة نَقْل اليهود مطروحة دائماً تصوُّر الغرب لهم وتصوُّرهم هم لأنفسهم أحياناً كجزء من تاريخ يهودي مستقل عن التاريخ الأوربي، وبالتالي فهم ليسوا جزءاً من أوربا، وإن تواجدوا فيها فهم متواجدون على الهامش وحسب وبشكل عرضي مؤقت، وهي فكرة دعمها وضعهم الهامشي في العصور الوسطى.

3 ـ ارتبط اليهود دائماً بفكرة الخروج من المنفى (مصر ـ بابل) والتغلغل في كنعان (فلسطين)، وهو ما يوحي بأنهم دائماً في حالة خروج من المنفى (أوربا) وفي حالة ارتباط عضوي دائمة بفلسطين.

4 ـ ولا شك في أن الرؤية الدينية المسيحية البروتستانتية الحلولية رؤية حرفية ترى اليهود كياناً مستقلاً له تاريخ مستقل هو في جوهره امتداد للتاريخ التوراتي، وهي رؤية ترى أن روايات العهد القديم وأساطيره لا تزال لها دلالتها الحرفية ومصداقيتها «الآن وهنا». ومن أهم هذه الأساطير أسطورة الخروج من مصر. بل إن التاريخ اليهودي يبدأ، حسب هذه الرؤية، بهذا الخروج ويصل ذروته بعد الاستقرار في فلسطين، ثم يأتي بعد ذلك التهجير إلى بابل والعودة منها، ثم الخروج من القدس بعد سقوط الهيكل والأمل في العودة. وداخل هذا الإطار الأسطوري أصبحت مسألة نَقْل اليهود مطروحة على مستوى الوجدان الديني (المسيحي واليهودي).

5 ـ خلقت صهيونية غير اليهود (بديباجاتها المختلفة) المناخ الملائم لعملية النقل هذه، وقد تسربت هذه الرؤية إلى اليهود بكل حرفيتها بحيث بدأت قطاعات من اليهود تنظر لأعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم شيئاً يمكن نَقْله.

6 ـ أدَّى تدهور الدولة العثمانية وبروز أهمية فلسطين الإستراتيجية إلى زيادة الاهتمام بنَقْل اليهود نظراً لارتباطهم بفلسطين في الوجدان الغربي.

7 ـ يبدو أنه كان ثمة وهم أن فلسطين يمكن شراؤها، وهو موضوع يتكرر في الكتابات الصهيونية. وقد ذكر أحد المؤرخين الصهاينة أنه، في تلك الفترة، قامت أمريكا بشراء فلوريدا من إسبانيا وألاسكا من روسيا ولويزيانا من فرنسا. وهذا تعبـير عن علمنة الحيز والمكان بشكل عام.

لكل هذا، يمكن القول بأن عملية نَقْل اليهود كانت مطروحة على الوجدان الغربي ولم تكن مسألة بعيدة عن الأذهان، وهو ما أدَّى إلى ظهور الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة. هذا لا يعني أن العوامل التي أسلفنا الإشارة إليها هي التي أدَّت إلى نَقْل اليهود وتهجيرهم، فمثل هذا القول بسيط ساذج ومخل يسقط في السببية البسيطة. وكل ما نقوله هو أن هذه العوامل خلقت المناخ العاطفي الذي يسمح بتقبُّل مثل هذه الفكرة الوحشية الهمجية. وقد طُرح مشروع نَقْل اليهود بشكل جماعي من رومانيا، وقد استحسنه القنصل الأمريكي في بوخارست وعارضه زعماء الجماعة اليهودية هناك.

ولكن الصهيونية بين اليهود قامت بتهويد الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة حتى أصبح من اليسير على أعضاء الجماعات اليهودية استبطانها وأصبح الترانسفير مسألة مطروحة داخل وجدانهم.

الترانسفير (التهجير) الصهيوني لبعض أعضاء الجماعات اليهودية
Zionist Transfer of Some Members of Jewish Communities
يعبِّر التهجير في العادة عن نَقْل جماعة سكانية من مكان إلى أخر بدون سعي منها أو بدون موافقتها، وذلك لأسباب تختلف باختلاف الزمان والمكان، وهو يختلف عن الهجرة التي تتم بإرادة المهاجر. ومن أهم الأمثلة على التهجير: تهجير اليهود إلى بابل والذي يُسمَّى «السبي البابلي» ونطلق عليه هنا «التهجير البابلي»، وتهجير الهنود الحمر (سكان أمريكا الأصليون) من المناطق التي كانوا يستقرون فيها إلى مناطق أخرى (وهو تهجير كان يؤدي في كثير من الأحيان إلى إبادة أعداد كبيرة منهم).


ويُشار إلى التهجير أحياناً بأنه «ترانسفير» أي «نَقْل». ويمكن القول بأن الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة هي في جوهرها عملية نقل (ترانسفير) لمجموعة من المصطلحات والمفاهيم الدينية من مستواها الديني والمجازي إلى المستوى الزمني المادي الحرفي (وهذه سمة أساسية في الخطاب الحلولي التجسيدي حيث تتحول الكلمة إلى مادة ويتحول الدال إلى مدلول ويتداخل المطلق والنسبي). فالشعب المختار، حسب المفهوم الديني اليهودي، جماعة دينية تلتزم بمجموعة من العقائد، فينقل هذا المفهوم من السياق الديني ليصبح شعباً بالمعنى العرْقي أو يصبح مادة بشرية فائضة. أما صهيون، وهي المكان الذي سيعود إليه الماشيَّح في آخر الأيام، فتصبح بقعة جغرافية في الشرق الأوسط ذات قيمة إستراتيجية واقتصادية يُصدَّر لها الفائض البشري ويُوطَّن ويُوظَّف فيها. والواقع أن عملية نَقْل المصطلحات هذه من مستواها الديني والمجازي إلى المستوى الزمني والحرفي ينجم عنها ظهور صيغة تنطوي على عمليتي نَقْل سكاني:
1 ـ نَقْل اليهود من المنفى إلى فلسطين.
2 ـ نَقْل الفلسطينيين من فلسطين إلى المنفى.

وقد بدأت عملية النقل السكاني الثانية، بشكل متقطع وغير منظم، في أواخر القرن التاسع عشر على يد الصهاينة التسلليين، ثم استمرت بطريقة منهجية بعد وعد بلفور تحت رعاية حكومة الانتداب في النصف الأول من القرن العشرين، ثم وصلت إلى ذروتها عام 1948. واستمرت العملية بشكل منظم من قبل الدولة الصهيونية لتصل إلى ذروة أخرى عام 1967 وهكذا. ولا يزال التهجير القسري للعرب مستمراً حتى الوقت الحاضر إما عن طريق "تشجيع" العرب على تَرْك فلسطين أو إرهابهم أو طردهم بموجب قرار من الحكومة الإسرائيلية.
ولكن ما لا يدركه الكثيرون هو أن الصهيونية كانت وما زالت حركة مبنية أيضاً على تهجير اليهود، فهي حركة توطينية استيطانية، كما أن تدفُّق المادة البشرية القتالية على المُستوطَن الصهيوني مسألة أساسية وحيوية بالنسبة له حتى يستمر في الاضطلاع بوظيفته القتالية. ولذا، نجد أن الحركة الصهيونية كثيراً ما تلجأ إلى عملية تهجير قسرية لبعض يهود العالم.

وتبدأ عملية التهجير القسري بمحاولة خَلْق ما يمكن تسميته «الصهيونية البنيوية» أي الصهيونية التي تتجاوز المشروع المعلن والشعارات المطروحة لتخلق وضعاً (بنيوياً) يجعل استمرار أعضاء الجماعات اليهودية في الحياة في أوطانهم صعباً ويجعل رفضهم الصهيونية شبه مستحيل. وأولى هذه المحاولات كانت وعد بلفور حيث سعى الصهاينة إلى استخدام عبارة «العرْق اليهودي» بدلاً من «الشعب اليهودي» حتى يجعلـوا كل يهودي، شـاء أم أبى، عضـواً في هذا الشـعب، إذ أن الانتماء العرْقي لا يترك مجالاً لاختيار، ومن ثم تسقُط صفة المواطنة عن يهود العالم فيضطرون إلى الهجرة.

وقد أخذ التهجير شكل التعاون مع القوى المعادية لليهود (فون بليفيه، وزير داخلية روسيا القيصرية، وبتليورا، الزعيم الأوكراني، وأخيراً النظام النازي نفسه) وتوقيع معاهدة الهعفراه (أي التهجير أو الترانسفير). وتأخذ محاولة التهجير أيضاً شكل إغلاق باب الهجرة في العالم أمام أعضاء الجماعات اليهودية بحيث يتجهون، شاءوا أم أبوا، إلى أرض الميعاد. وينطبق هذا على يهود روسيا السوفيتية حيث تحاول المنظمة الصهيونية تحويل الهجرة التلقائية إلى الولايات المتحدة إلى تهجير قسري إلى إسرائيل عن طريق إغلاق باب الولايات المتحدة أمامهم وفتح أبواب إسرائيل، ومنع المنظمات اليهودية من مساعدة اليهود السوفييت المهاجرين إلى الولايات المتحدة.

ويمكن أن نرى هجرة يهود العالم العربي، وخصوصاً يهود العراق، على أنها عملية تهجير قام بها الصهاينة بخلقهم الظروف الموضوعية والبنيوية التي أضطرت أعضاء الجماعة اليهودية إلى الهجرة، مثل وضع القنابل في المعبد اليهودي في العراق أو تجنيد بعض يهود مصر لوضع قنابل في السفارات الأجنبية، وهو ما أدَّى إلى تدهور وضع الجماعات اليهودية في مصر. وغني عن القول أن الخطاب الصهيوني، حينما يتحدث عن التهجير (الترانفسير)، يتحدث عن العرب وحسب. ولكن مع الهجرة السوفيتية الأخيرة ومع جفاف مصادر الهجرة البشرية للدولة الصهيونية ومع رفع شعارات مثل السوق الشرق أوسطية وعملية السلام فإن الدولة الصهيونية تلجأ إلى الإغواء أكثر من القسر.

  • الاثنين AM 12:36
    2021-05-17
  • 1087
Powered by: GateGold