ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
كتب التفسير بعد الطبري
لا يتسع المجال للحديث عن كتب التفسير المختلفة بعد الطبري ، فإن هذا يطول كثيراً . ويكفى أننا عرفنا ما يتصل بالتفسير منذ النشأة في عصر الرسالة لآخر القرن الثالث الهجرى ، ورأينا أحسن طرق التفسير وما يقبل وما يرفض من التفسير المأثور والتفسير العقلى .
وهذا الجزء إنما ألف أساساً في مجال التفسير المقارن بين الجمهور ، وهم أهل السنة والجماعة ، وبين الشيعة الجعفرية الاثنى عشرية .
وما سبق من دراسة يبين أصول التفسير ، والاتجاهات المختلفة إلى حد كبير. والتفسير بعد هذه القرون يمكن وضع الضوابط لقبوله أو رفضه في ضوء ما سبق من هذه الدراسة .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية : أي التفاسير أقرب إلى الكتاب والسنة ؟ الزمخشرى أم القرطبى ؟ أم البغوى ؟ أو غير هؤلاء ؟ فأجاب : الحمد لله …
أما التفاسير التي في أيدى الناس فأصحها " تفسير محمد بن جرير الطبري " فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة ، وليس فيه بدعة ، ولا ينقل عن المتهمين، كمقاتل بن بكير والكلبى .
والتفاسير غير المأثورة بالأسانيد كثيرة ، كتفسير عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، ووكيع ، وابن أبى قتيبة ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه .
وأما التفاسير الثلاثة المسئول عنها فاسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة " البغوى " لكنه مختصر من " تفسير الثعلبى " ، وحذف منه الأحاديث الموضوعة ، والبدع التي فيه ، وحذف أشياء غير ذلك .
وأما " الواحدى " فإنه تلميذ الثعلبى ، وهو أخبر منه بالعربية ، لكن الثعلبى فيه سلامة من البدع وإن ذكرها تقليداً لغيره . وتفسيرة و" تفسير الواحدى : البسيط والوسيط والوجيز " فيها فوائد جليلة ، وفيها غث كثير من المنقولات الباطلة وغيرها .
وأما " الزمخشرى " فتفسيرة محشو بالبدعة ، وعلى طريقة المعتزلة … وأصولهم خمسة … وهذه الأصول حشا بها كتابه بعبارة لا يهتدى أكثر الناس إليها ولا لمقاصده فيها ، مع ما فيه من الأحاديث الموضوعة ، ومن قلة النقل عن الصحابة والتابعين .
و " تفسير القرطبى " خير منه بكثير ، وأقرب إلى طريقة أهل الكتاب والسنة، وأبعد عن البدعة ، وإن كان كل من هذه الكتب لابد أن يشتمل على ما ينقد ، لكن يجب العدل بينها ، وإعطاء كل ذى حق حقه .
و " تفسير ابن عطية " . خير من تفسير الزمخشرى ، وأصح نقلاً وبحثاً ، وأبعد عن البدع ، وإن اشتمل على بعضها ، بل هو خير منه بكثير ، بل لعله أرجح هذه التفاسير ، لكن تفسير ابن جرير أصح من هذه كلها .
وثم تفاسير كثيرة جداً ، كتفسير ابن الجوزى ، والماوردى " ([1][102]) . ا . هـ.
من هذا نرى شيخ الإسلام وهو يعطى صورة مجملة للتفاسير ، يذكر في البداية ، ثم يؤكد في النهاية أن أصحها تفسير الطبري .
أما ابن عطية ، الذي اثنى ابن تيمية على تفسيرة ، فإنا نجده يشير إلى تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعدد من الصحابة والتابعين تحت " باب ما قيل في الكلام في تفسير القرآن ، والجرأة عليه ، ومراتب المفسرين " ، ثم يقول : " ثم حمل تفسير كتاب الله تعالى عدول كل خلف ، وألف الناس فيه : كعبد الرزاق ، والمفضل ، وعلى بن أبى طلحة ، والبخارى ، وغيرهم .
ثم إن محمد بن جرير الطبري رحمه الله جمع على الناس أشتات التفسير ، وقرب البعيد ، وشفا في الإسناد " ([2][103]) .
وابن الجوزى في تفسيره نقل عن مصادر " في طليعتها تفسير ابن جرير ، وكتب الحديث ، وكتابا ابن قتيبة : مشكل القرآن ، وغريب القرآن ، وكتب معاني القرآن ، ولا سيما كتابا الفراء والزجاج ، والحجة : لأبى على الفارسى ، ومجاز القرآن : لأبى عبيدة ، وكتب ابن الأنبارى في القرآن ، وأسماء الله الحسنى : للخطابى ، وغيرها " ([3][104]) .
ومعنى هذا أن ما صح من تفسير مأثور عند ابن الجوزى فهو مستمد من مصدرين رئيسين ، هما : تفسير الطبري ، وكتب الحديث .
ولم يخل تفسيره من الاستشهاد ببعض الأحاديث المنكرة التي لا تصح … إلخ " ([4][105]) .
والماوردى في تفسيره يذكر الأخبار دون ذكر الأسانيد ، ومثله ابن عطية وابن الجوزى ، ولذلك وجدت من حقق هذه التفاسير الثلاثة حاولواتخريج هذه الأخبار ([5][106]) .
والذين سبقوا هؤلاء ، كالسمرقندى والثعلبى ، الأخبار في تفسيرهم غير مسندة . والبغوى الذي اختصر تفسير الثعلبى لم يذكر الأسانيد أيضاً ([6][107]).والخبر إنما يكون حجة إذا كان مسنداً صحيحاً .
وأهم كتاب في التفسير بعد الطبري هو تفسير الحافظ ابن كثير ، ومنهجه في التفسير هو منهج شيخه ابن تيمية . وينقل عن شيخ المفسرين ابن جرير ، وعن كتب السنة ، غير أنه لا يكتفى بالنقل ، بل يبين الصحيح وغيره وما يقبل وما يرفض ويحذر من الإسرائيليات وينبه عليها . وهو من أكثر الكتب فائدة وانتشاراً .
والسيوطى في كتابه : الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، يكتفى بنقل الأخبار، ونسبتها لأصحابها ، دون تمييز بين غث وسمين . والتفسير النقلى الذي يعتبر حجة ، وحاكماً للتفسير العقلى ، يمكن القول بأنه بعد شيخ المفسرين إلى عصرنا يستمد من رافدين رئيسين ، هما : كتب السنة ، وتفسير الطبري . لذا رأيت أن أقف عنده لأنتقل للقسم الثاني من الكتاب ، وهو بيان التفسير عند الشيعة الجعفرية الاثنى عشرية ، والله المستعان ، وهو نعم المولى ونعم النصير. تحدثت في الجزء السابق عن عقيدة الإمامة عند الشيعة الاثنى عشرية ، رأيناهم يجعلون الإمام كالنبى صلى الله عليه وسلم في عصمته وصفاته وعلمه ، ويرون أن الإمامة كالنبوة في كل شئ باستثناء الوحى عند جمهورهم ؛ حيث يقولون بأن الأئمة لا يوحى إليهم كالنبى صلى الله عليه وسلم ، وإنما يقوم الإلهام مقام الوحى في عصمة الإمام وعدم خطئه ، وذهب بعضهم إلى أن أحد الملائكة كان يلازم الرسول صلى الله عليه وسلم ، ليسدده ويرشده ويعلمه ، فلما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ظل الملك بعده ، ولم يصعد ليؤدى الوظيفة نفسها مع الأئمة . ومع هذا الخلاف في القول بالوحى ، غير انهم لم يختلفوا في القول بعصمة الأئمة .
وبمراجعة التفسير عندهم ، أصوله وكتبه ، رأيت أن عقيدتهم في الإمامة كان لها أكبر الأثر في وضع الأصول ، وفى تناولهم لكتاب الله تعالى ، ولعل بيان هذا الأثر كاف شاف في مجال التفسير المقارن بين السنة والشيعة ، فحيث لا يوجد أثر لعقيدتهم في الإمامة يصبح تفسيرهم كتفسير غيرهم ، وبقدر وجود هذا الأثر بقدر افتراقهم عمن سواهم .
والشيعة الاثنا عشرية ليسوا سواء ، فمنهم من ينهج منهجا فيه شىء من الاعتدال والابتعاد عن الغلو ، وصيانة كتاب الله المجيد ، ومنهم الغالى المفترى الكذاب ، الذي حاول أن يؤيد عقيدته في الإمامة بتحريف كتاب الله تعالى نصاً ومعنى ، وجعل القرآن العظيم كأى كتاب من كتب الفرق الضالة المضلة .
وفى هذا القسم الثاني من الجزء الثاني ننتقل للحديث عن التفسير وأصوله عند الشيعة : فنبين أولاً أصول التفسير عندهم ببيان دور الإمام بالنسبة للقرآن المجيد ، ثم ننتقل للدراسة التطبيقية ، فننظر في كتب التفسير عندهم . وما دام الشيعة ليسوا سواء فإن الدراسة تشمل الكتب التي تمثل الاتجاهات المختلفة ، ونبدؤها بدراسة ثلاثة كتب ظهرت في القرن الثالث الهجرى تعتبر مصادرهم الرئيسة للتفسير المأثور ، وإن كانت كلها تمثل أقصى درجة في الغلو والتطرف ، والضلال والتضليل . ونتبع هذه الثلاثة نماذج من الكتب الأخرى التي تبين اتجاهات التفسير بعد القرن الثالث إلى العصر الحديث .
واستكمالاً للبيان والتوضيح رجعت إلى كتاب " الذريعة إلى تصانيف الشيعة "، فوجدت عشرات الكتب التي يدل العنوان نفسه على غلو المؤلف وضلاله ، وكتباً أخرى يظهر فيها هذا الأثر عندما يتحدث عنها صاحب كتاب الذريعة ، فرأيت أن أثبت شيئاً مما جاء في كتاب الذريعة هذا .
فالقسم الثاني إذن يبين أصول التفسير الشيعى ، ويقدم دراسة لبعض كتبهم، وهى ستة عشر كتاباً من القرن الثالث إلى العصر الحديث ، ثم نشير إلى عشرات الكتب التي تبين تأثر أصحابها بعقيدة الإمامة .
فإذا ضممنا هذا القسم إلى القسم الأول اتضحت الصورة في مجال التفسير المقارن ، والله عزوجل هو المستعان .
([1][102]) مجموع فتاوى ابن تيمية 13 / 385 ـ 388 .
([2][103]) تفسير ابن عطية 1 / 31 ، وابن عطية توفى سنة 541 هـ .
([3][104]) ، (3) زاد المسير في علم التفسير لأبى فرج عبد الرحمن بن الجوزى المتوفى سنة 596 ـ انظر مقدمة المحقق ص 4 ، 5 .
([5][106]) انظر التفاسير الثلاثة : النكت والعيون للماوردى المتوفى سنة 450 هـ نشرة وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت ، والمحرر الوجيز لابن عطية طبع في دولة قطر على نفقة أميرها ، وتفسير ابن الجوزى نشره المكتب الإسلامى .
([6][107]) السمرقندى توفى سنة 373 هـ ، والثعلبى سنة 427 ، أما البغوى فتوفى سنة 510 . انظر ما كتبه المرحوم الدكتور الذهبى عن هذه التفاسير في كتابه القيم التفسير والمفسرون ج 1 ص 224 ، 227 ، 234 .
-
الاثنين AM 01:20
2021-04-26 - 1340