المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415332
يتصفح الموقع حاليا : 267

البحث

البحث

عرض المادة

تفسير يحيى بن سلام

تفسير يحيى بن سلام

      المؤلف والكتاب : يحيى بن سلام بن أبى ثعلبة التميمى ـ مولى لهم ـ يكنى أبا ذكريا ، بصرى ، قدم مصر وصار إلى إفريقيا وسكنها ، وحج منها ، وتوفى بمصر بعد رجوعه من الحج في صفر سنة مائتين .

       قال ابن الجزرى في ترجمته ليحيى :

       صاحب التفسير . روى الحروف عن أصحاب الحسن البصرى عن الحسن ابن دينار وغيره .

       وله اختيار في القراءه من طريق الآثار .

      روى عن حماد بن سلمة ، وهمام بن يحيى ، وسعيد بن أبى عروبة .

      قال الدانى : ويقال أنه أدرك من التابعين نحواً من عشرين رجلاً وسمع    منهم ، وروى عنهم .

      نزل المغرب ، وسكن أفريقيا دهراً ، وسمع الناس بها كتابه في تفسير القرآن، وليس لأحد من المتقدمين مثله ، وكتابه الجامع .

      وكان ثقة  ثبتاً ، ذا علم بالكتاب والسنة ، ومعرفة اللغة العربية ، وكان صاحب سنة ، وسمع منه بمصر عبد الله بن وهب ، ومثله من الأئمة ([1][54]) .

      وفى ترجمته في لسان الميزان قال ابن حجر :    

      حدث بالمغرب عن سعيد بن أبى عروبة ومالك وجماعة .

      ضعفه الدارقطنى . وقال ابن عدى : يكتب حديثه مع ضعفه ، روى عنه بحر ابن نصر وغيره ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : ربما أخطأ . وقال سعيد بن عمرو البردعى : قلت لأبى زرعة في يحيى بن سلام المغربى : فقال : لا بأس به ، ربما وهم . وقال أبو حاتم الرازى : كان شيخا بصرياً وقع إلى  مصر ، وهو صدوق . وقال أبو العرب في طبقات القيروان : كان مفسراً ، وكان له قدر ومصنفات كثيرة في فنون العلم ، وكان من الحفاظ ، من خيار خلق الله ([2][55]) .

      نقرأ ما سبق عن يحيى وعن تفسيره ، ولكن أين هذا التفسير ؟ وما منهجه ؟ ولماذا قيل : ليس لأحد من المتقدمين مثله ؟

      ما كنت أدرى عن هذا التفسير شيئاً .

ونحن نعرف أن القرن الثاني شهد طائفة من الأئمة تكلموا في الجرح والتعديل ، وكان لهذا أثره في جمع الأخبار ، مع التصحيح والتضعيف والترجيح ، ولكن ما كنت أعرف أحداً سبق محمد بن جرير الطبري إلى هذا في مجال التفسير كعلم مستقل ، مع أن الطبري عاش في القرن الثالث وتوفى أوائل الرابع" 224 : 310 " غير إني عندما قرأت كتاب " التفسير ورجاله " لعالم تونس الشيخ محمد الفاضل بن عاشور وجدته يتحدث عن تفسير يحيى بن سلام . وأورد هنا ما كتبه ذلك العالم الفاضل ليستفيد القارئ كما استفدت ، وحتى تكون الحلقة متصلة عندما نأتى للحديث عن تفسير الطبري .

 

 منهج التفسير في النصف الثاني من القرن الثاني :

      تحدث الشيخ عن منهج التفسير في النصف الثاني من القرن الثاني الهجرى فقال :

      كانت أول التفاسير ظهوراً في النصف الثاني من القرن الثاني بعد كتاب عبد الملك بن جريج ـ التفاسير المتوخيه طريقة جمع الأقوال ـ بحسب ما انتهى إلى مؤلفيها من طرق الإسناد .

      وقد اقتضى ذلك لا محالة اشتمال الكتاب الواحد ، في الآية الواحدة على أخبار متخالفة ، وآثار متفاوتة الدرجات من حيث مظنة الثبوت لقوة الأسانيد وضعفها . فتطلب ذلك رجوعاً إلى تلك الأخبار بالنقض والتمحيص ، ليوضع منها ما يوضع على بساط الطرح والتزييف ، ويثبت منها ما يثبت على مدرجة الاعتماد والتحصيل .

      لا سيما وقد انتهى الكثير منها إلى المؤلفين متبعاً لتعاليق نقدية اتصلت بها وصارت ذيولا لها ، منذ أن كانت متناقلة بالطريق الشفهى ، قبل أن تدخل حيز التدوين .

      فأصبح موقف المؤلفين حيال تلك الأخبار ، مثل موقف مصنفى السنة من مختلف الحديث ، وموقف الفقهاء من متعارض فتاوى فقهاء الصحابة والتابعين ، موقفاً يستدعى إدخال عناصر جديدة من المعارف المتصلة بتوضيح البحث ، ثم إدخال عنصر شخصى من النقد والتقدير ، والإسقاط والتحصيل ، أو الجمع والتأويل ، ينتهى إلى حكم موضوعى فاصل بحسب اجتهاد المؤلف ، وتقديره ، تتخذ له تلك الأخبار المتخالفة أسانيد ومقومات للاستنتاج كما يتخذ مجموع البينات المتعارضة مع ما يتصل بها من وسائل الإثبات سنداً لقضاء القاضى .

      وكانت أهم العناصر المرجوع إليها ، بالإضافة إلى عنصر الروايات  الواردة، عنصرين يتصلان مباشرة باللفظ القرآنى : هما عنصر القراءة وعنصر الإعراب.

 

حلقة الاتصال بين القرنين الأول والثالث :

       وبعد أن تحدث عن العنصرين ، وصلة كل منهما بالتفسير، قال :

      " وإنه لمما يجدر التنبيه إليه في هذا المقام : أن الذين يشيرون إلى هذه الطريقة وخصائصها من الكاتبين حديثاً في تاريخ التفسير ، يبادرون إلى ضرب المثل بتفسير محمد بن جرير الطبري ، فيقطعون بذلك اتصال سلسلة التطور في الأوضاع التفسيرية بين القرن الأول والقرن الثالث بإضاعة الحلقة من تلك السلسلة التي تمثل منهج التفسير في القرن الثاني ، لأن تفسير ابن جرير الطبري ألف في أواخر القرن الثالث ، وصاحبه توفى أوائل القرن الرابع ، والحال أن الحلقه التي يتم بها اتصال السلسلة وضاعت عن الكاتبين المحدثين في تاريخ التفسير : من المستشرقين وغير المستشرقين ، هي حلقة أفريقية تونسية ، بالوقوف عليها يتضح كيف تطور فهم التفسير عما كان عليه في عهد ابن جريج، إلى ما أصبح عليه في تفسير الطبري ، ويتضح لمن كان الطبري مديناً له بذلك المنهج الأثرى النظرى الذي درج عليه في تفسيره العظيم .

      وإنما نعنى بهذا تفسيراً جليلاً من صميم آثار القرن الثاني ، وهو أقدم التفاسير الموجودة اليوم على الإطلاق ، ألف بالقيروان وروى فيها ، وبقيت نسخته الوحيده بين تونس والقيروان ، وهو الذي يعتبر مؤسس طريقة التفسير النقدى ، أو الأثرى النظرى التي سار عليها بعده ابن جرير الطبري واشتهر بهـا.

     ذلك هو تفسير يحيى بن سلام التميمى البصرى الأفريقى المتوفى سنة 200، وهو تفسير يقع في ثلاثين جزءاً من التجزئة القديمة ، أي في ثلاث مجلدات  ضخمة ، مبنى على إيراد الأخبار مسندة ، ثم تعقبها بالنقد والاختيار . فبعد أن يورد الأخبار المروية مفتتحاً إسنادها بقوله : " حدثنا " يأتى بحكمه الاختيارى مفتتحاً بقوله : " قال يحيى " ، ويجعل مبنى اختياره على المعنى   اللغوى ، والتخريج الإعرابى ، ويتدرج من اختيار المعنى إلى اختيار القراءة التي تتماشى وإياه ، مشيراً إلى اختياراته في القراءة بما يقتضى أن له رواية أو طريقاً لا يبعد أن تكون راجعة إلى قراءة أبى عمرو بن العلاء البصرى ، لأن يحيى بن سلام بصرى النشأة ، وإلى طريقه المختار في القراءة يشير في تفسيره بقوله : " والذى في مصحفنا " .

      وقد نص ابن الجزرى على أن هذا الكتاب سمع من مؤلفه بإفريقيا ، وشهد بأنه كتاب ليس لأحد من المتقدمين مثله ، وكذلك نقل عن إمام القراءات أبى عمرو الدانى أنه قال : " ليس لأحد من المتقدمين مثل تفسير ابن سلام " . وذلك ينطق بسبقه إلى طريقه ، وابتكاره منهجاً . وقد تلقى هذا التفسير عن مؤلفه فقيه أفريقى هو أبو داود العطار المتوفى سنة 244 .

      وتوجد من هذا التفسير لبلادنا التونسية نسخة عظيمة القدر موزعة الأجزاء ، نسخت منذ ألف عام تقريبا ، منها : مجلد يشتمل على سبعة أجزاء بالمكتبة العبدلية بجامع الزيتونة الأعظم ، وآخر يشتمل على عشرة أجزاء بمكتبة جامع القيروان ، ومن مجموعهما يتكون نحو الثلثين من جملة الكتاب . ويوجد جزء آخر لعله يتمم بعض نقص النسخة ، هو من المقتنيات الخاصة لبعض العلماء الأفاضل .

      ولعل فذاذة هذه النسخة التونسية هو الذي يعتذر به للذين أهملوا شأن ابن سلام في مراحل التفسير ، وإن كان التعريف بها حاصلاً منذ أكثر من خمسين سنة، في الجزء الأول من الفهرس التفصيلى للمكتبة العبدلية ، وقد أخذت عنها صور لمعهد المخطوطات العربية ، وكثير من دور الكتب في المشرق               والمغرب " ا . هـ.

      من كلام الشيخ محمد الفاضل بن عاشور نرى أن التفسير في النصف الثاني من القرن الثاني لم يختلف عن الحديث في الاستفادة من الجرح والتعديل ، وسلك منهج التصحيح والتضعيف والترجيح . ونسأل الله تعالى أن يهيئ لكتاب التفسير هذا من يحققه ويخرجه للمسلمين .

 

  ([1][54])  غاية النهاية في طبقات القراء لشمس الدين أبى الخير محمد بن محمد ابن الجزرى         2 / 373 ترجمة رقم 3848 . وانظر طبقات المفسرين للداودى 2 / 371 ترجمة رقم 685.

  ([2][55])  انظر ترجمته أيضاً في ميزان الاعتدال للذهبى .

  • الاثنين AM 12:53
    2021-04-26
  • 1440
Powered by: GateGold