المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414083
يتصفح الموقع حاليا : 206

البحث

البحث

عرض المادة

نهاية المرحلة اليديشية وظهور اليهـود الأمريكيين (1929-1945)

نهاية المرحلة اليديشية وظهور اليهـود الأمريكيين (1929-1945)
(The End of the Yiddish Era and the Emergence of American Jews (1929-1945
كانت الولايات المتحدة، حتى ذلك التاريخ، حبيسة وضعها الجغرافي منغلقة على نفسها (وإن كان نفوذها قد امتد إلى أمريكا اللاتينية والفلبين)، ولذا لم تكن قد أدركت بعد دورها كقائد للعالم الغربي وللتشكيل الإمبريالي الغربي. ولكنها كانت مرحلة حضانة أخيرة للرأسمـالية الأمريكيـة، خرجـت بعدها عملاقاً اكتسح الجميع.


بدأت هذه المرحلة بالكساد الأمريكي الذي غيَّر حياة كثير من الأمريكيين، وأثَّر في بنية المجتمع الأمريكي إذ تعطَّل كثير من العمال وأفلس ألوف من صغار رجال الأعمال. وقد تغيَّر الهيكل الوظيفي لأعضاء الجماعة اليهودية بشكل واضح، فلم يَعُد هناك أي يهود تقريباً يعملون في الزراعة أو الحرف اليدوية، ولم تكن تُوجَد سوى أعداد قليلة من اليهود في الصناعات الثقيلة سواء بين أصحاب العمل أو العمال. وتركَّز الأثرياء من أعضاء الجماعة اليهودية أساساً كسماسرة في البورصة والسينما، وفي أشكال الترفيه الأخرى، وفي بيع العقارات وتجارة التجزئة. أما الطبقة الوسطى اليهودية، فازداد تركُّزها في المهن والأعمال التجارية الصغيرة ووظائف الياقات البيضاء. ويذهب بعض الدارسين إلى أن هذا يعني أن الجماعة اليهودية بدأت تلعب مرة أخرى دور الجماعة الوظيفية الوسيطة، وإن كان السياق قد اختلف، وإلى أن اختلاف الشكل مجرد تعبير عن اختلاف السياق.

تزايد عدد الشباب من أعضاء الجماعة اليهودية الذي يذهب إلى الجامعات الحكومية أو الخاصة. ففي نيويورك، كان 49% من مجموع طلبة الجامعات يهوداً، وبلغ عدد الطلبة اليهود في مختلف الجامعات الأمريكية مائة وخمسة آلاف، أي 9% من عدد الطلبة. ويُعَدُّ توجُّه الطلبة عند تخرُّجهم نحو الأعمال التجارية والمهن مؤشراً جيداً على التحولات التي بدأت تحدث في هذه المرحلة والتي بدأت تصوغ الهيكل الوظيفي لليهود بما يتفق مع وضعهم في المجتمع الأمريكي. وتراجعت اللغة اليديشية حتى اختفت تقريباً فاختفت الصحافة اليديشية اليومية وبقيت ثلاث مجلات أسبوعية لا يزيد توزيعها على اثنين وعشرين ألف نسخة معظم قرائها من كبار السن. وبدلاً من كونها لغة الشارع اليهودي الأمريكي، أصبحت لغة الشارع في وليامزبرج وهو الحي اليهودي الأرثوذكسي، حيث كانت لغة ثانية إلى جانب الإنجليزية. واختفى الأدب اليديشي، بل إن بعض أدباء اليديشية بدأ يكتب بالإنجليزية ويترجم أعماله إليها.

وفي العشرينيات، كانت أبواب الهجرة موصدة دون اليهود وغيرهم من المهاجرين ثم أُقفل بابها تماماً عام 1924. ولذلك، لم يزد عدد المهاجرين، من عام 1933 حتى عام 1937، على ثلاثة وثلاثين ألفاً. ومع تدهور الموقف في ألمانيا، ارتفع العدد إلى 124 ألفاً في الفترة بين 1938 و1941. وكان مجمـوع المهـاجرين في الفترة من 1933 إلى 1945، أي مدة اثنى عشر عاماً، نحو 174.678 فقط معظمهم من ألمانيا والأراضي التي احتلتها. كان خُمس هؤلاء من المهاجرين المهنيين ونصفهم من الرأسماليين، وكان عدد كبير منهم من الشخصيات البارزة ثقافياً، مثل أينشتاين وحنا أرندت وأوبنهايمر، وقد لعبوا دوراً ملحوظاً في الحركات السياسية اليسارية والثورية وكذلك في البحوث العلمية.

وبدأ أعضاء الجماعة اليهودية في هذه المرحلة يفقدون كثيراً من تنوعهم، ويكتسبون شيئاً من التجانس، إذ أصبح أعضاء الجماعة اليهودية مواطنين أمريكيين اكتسبوا هوية أمريكية واضحة يتحدث معظمهم الإنجليزية ويذهب أولادهـم إلى معاهـد تعليم أمريكية يسـتوعبون فيهـا القيم الأمريكية. بل يبدو أن الجماعة اليهودية المهاجرة كانت أسرع الجماعات المهاجرة تخلياً عن تراثها الثقافي ومنه اللغة، وفي التأمرك، وفي تبنِّي لغة المجتمع الجديد. وكان المدرسون من أعضاء الجماعة اليهودية من أنشط دعاة تعليم الإنجليزية للمهاجرين. وبدأت تنظيمات المهاجرين تتحول إلى بقايا أثرية. ولهذا، نجد أن أعضاء الجماعة اليهودية بدأوا يلعبون دوراً في الحياة السياسية. وقد وجدوا أن الحزب الديموقراطي هو الإطار الأمثل للتعبير عن مصالحهم، شأنهم في هذا شأن معظم المهاجرين والأقليات، فانضموا إليه بأعداد كبيرة. وهذه سمة جديدة ظلت لصيقة بالسلوك السياسي لأعضاء الجماعة اليهودية حتى الوقت الحالي. فقد أعطى ما بين 85 و90% من اليهود أصواتهم لروزفلت في الفترة 1933 ـ 1945. وبدأ أعضاء الجماعة يحققون بروزاً في الحياة الأمريكية، فكان منهم أحد الوزراء وثلاثة قضاة في المحكمة العليا، وأربعة حكام ولايات ومئات من كبار الموظفين الموجودين على مقربة من صانع القرار.

ويُلاحَظ أيضاً أن عدداً كبيراً من أعضاء الجماعة اليهودية كان يوجد في صفوف الأحزاب الثورية. وكما قيل، فإن 50% من أعضاء الحزب الشيوعي كانوا من اليهود، كما أن كثيراً من أعضاء المؤسسة الثقافية اليسارية كانوا، في فترة الثلاثينيات، من اليهود. وهذه سمة استمرت أيضاً لصيقة باليهود حتى الستينيات، وأخذت بعدها في الاختفاء.

ومع تزايد معدلات الاندماج، زاد ابتعاد أعضاء الجماعة عن العقيدة اليهودية ومؤسساتها، فتناقص عدد اليهود الذين يذهبون إلى المعبد. وتزايد نفوذ اليهودية الإصلاحية والمحافظة، وتراجع نفوذ الأرثوذكس مع ضعف مؤسسات المهاجرين وانخراطهم في صفوف المجتمع الأمريكي. وشهدت هذه المرحلة ظهوراً متزايداً للمنظمات التي تقوم بجمع التبرعات من اليهود بشكل منتظم لصالح الجماعة اليهودية ثم لصالح إسرائيل. ومن أهم هذه التنظيمات جماعة النداء اليهودي الموحَّد عام 1939، وتأسَّس مجلس يهودي عام لمنظمات الدفاع اليهودية الذي أصبح اسمه (عام 1941) المجلس القومي الاستشاري لعلاقات الجماعة اليهودية (بالإنجليزية: ناشيونال كوميونتي ريلشنز أدفيسوري كاونسيل National Community Relations Advisory Council). وقد بلغ عدد أعضاء الجماعة اليهودية في هذه المرحلة خمسة ملايين حسب بعض التقديرات، المُبالغ فيها، من مجموع السكان البالغ مائة وأربعين مليوناً، وقد ترك الكساد أثره العميق في الأطر التنظيمية لليهود إذ أن الضائقة المالية تركت كثيراً من مؤسسات الرفاه الاجتماعي اليهودي دون ميزانيات كافية. وظهر عجز المنظمات أيضاً وفشلها في أن تقوم بدور فعال لمساعدة يهود ألمانيا أو حتى فتح باب الهجرة أمامهم.

ويمكن القول بأن حرب أعضاء الجماعة اليهودية في أمريكا ضد النازية لم تكن حرباً يهودية خاصة، فقد ظلوا بمعزل عن الأحداث ولم يساهموا كثيراً في مقاطعة البضائع الألمانية، بل إن أحد زعماء الجماعة، ستيفن وايز، ساهم في إفشال الجهود الرامية إلى تنظيم المقاطعة بإيعاز من الصهاينة. ولكن إسهام اليهود الأمريكيين (بوصفهم أمريكيين) في جهود الحرب كان كبيراً، فقد فَقَدَ 10.500 منهم حياتهم وجرح 24 ألفاً وحصل 36 ألفاً على نياشين، وهو ما يدل على أنه لا يوجد مصير يهودي مستقل، وأن مصير أعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة مرتبط تماماً بالمصير الأمريكي.

وقد احتدم الصراع بين الأقلية الصهيونية التي كانت تتزايد عدداً والأغلبية الاندماجية، وخصوصاً أن المنظمة الصهيونية قرَّرت أن تنقل مركز نشاطها من لندن إلى واشنطن مع انتقال مركز الإمبريالية الغربية. ولذا، فقد عُقد مؤتمر بلتيمور الذي اتخذ قرار بلتيمور عام 1942 في الولايات المتحدة. وفي مقابل هذا، تم تأسيس المجلس الأمريكي لليهودية الذي كان يضم كبار رجال الأعمال (من اليهود الإصلاحيين أساساً) الذين حققوا معدلات عالية من الاندماج، والذين كانوا معادين للصهيونية. وربما تكمن المفارقة الكبرى في أنهم اتخذوا موقفاً رافضاً للصهيونية باعتبارهم أمريكيين في الوقت الذي بدأت فيه المؤسسة الحاكمة الأمريكية نفسها تأخذ موقفاً ممالئاً تماماً للصهيونية وترى فيها تحقيقاً لإستراتيجيتها في العالم. ولذا، كان محكوماً على المجلس الأمريكي لليهودية بالإخفاق.

  • الاربعاء PM 02:43
    2021-04-21
  • 1182
Powered by: GateGold