ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
ابحث الأن .. بم تُفكر
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
يتصفح الموقع حالياً 95
تفاصيل المتواجدون
من هنا الطريق
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
المواد

لقد فُقدت الذاكرة الإنسانية، والذاكرة الإنسانية هي ما تجعل الإنسان إنسان. من خلال الذاكرة نتعلم ويصبح لنا تاريخ، من خلال الذاكرة نعرف الخير والشر، و نعرف الحق والباطل، وبالتالي نؤسس حياتنا على هذا اﻷساس ونختار بين الخير والشر. ولو نسينا جوهر الحياة.

عند البحث فيما وقع تحت يدي من مؤلفات نقدية لعلماء المسلمين - فترة البحث- عن نقد الأخلاق في العهد الجديد وجدت أن من كتب حول هذا الموضوع قلة من الكتاب .. من هؤلاء الكتاب د/ أحمد طاهر، ود/ عمر عبد العزيز ويمكن عرض جهودهما في نقد الجانب الأخلاقى في العهد الجديد

تبيّن فيما سبق فساد العقيدة النصرانية، وكيف اجتهد علماؤنا الأجلاء في إبطالها، وبينوا ضلال النصارى فيما يعتقدون، وقد وقفوا وقفات نقدية متنوعة أمام هذه الانحرافات العقائدية متبعين في ذلك المنهج العلمى في دراستهم لها.

ربما يدور تساؤل حول العقائد في العهد الجديد، ولماذا لم يتم تناولها مثلما تم دراستها في العهد القديم، فلم يذكر هنا الإيمان بالكتب المنزلة والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر.

يقول مرقس: "فمضوا بيسوع إلى رئيس الكهنة ... وكان بطرس قد تبعه من بعيد إلى داخل دار رئيس الكهنة وكان جالسًا بين الخدام يستدفئ عند النار، وكان رؤساء الكهنة والمجمع كله يطلبون شهادة على يسوع ليقتلوه فلم يجدوا؛ لأنّ كثيرين شهدوا عليه زورًا ولم تتفق شهادتهم

صلب المسيح للتكفير عن خطيئة البشر ركن أساسى من أركان العقيدة النصرانية وقد ذكر أكثر علماء -فترة البحث- الأساس الفكري لتلك العقيدة الباطلة فقالوا: (يعبر عن الصلب في لغة المسيحيين بظهور الله في الجسد، حيث جاء بالشكل المنسوب للمسيح، وأساسه عندهم

اختلف النصارى اختلافًا كبيرًا حول شخصية المسيح -عليه السلام- بين مؤمن معترف به كنبي ورسول وبين مغالٍ فيه فتارة يعتقدون بألوهيته وبنوته وتارة يقولون إنه إله تام وإنسان تام وتارة أخرى يقولون بحلول الله في جسد المسيح واتحاده به .. إلى غير ذلك من الشطط والانحراف.

تبيّن فيما سبق أن سيدنا عيسى -عليه السلام- دعا إلى التوحيد الخالص ولكن النصارى لم يحافظوا على هذه العقيدة الصحيحة وانحرفوا من الوحدانية إلى التثليث وتحولت النصرانية من الإيمان إلى الكفر ومن التوحيد إلى الشرك بعد رفع المسيح -عليه السلام-

الروح القدس في عرف المسيحيين هو الروح الذي حل على العذراء لدى البشارة لها، وعلى المسيح في العماد وعلى الرسل بعد صعود المسيح إلى السماء وفى نظر المسلمين فإن الذي أرسل إلى العذراء بالبشارة بولادة عيسى -عليه السلام- هو الملك جبريل -عليه السلام- (1).

يكاد يتفق معظم النقاد من علماء المسلمين -فترة البحث- في طريقة نقدهم لهذه العقيدة ولغيرها من العقائد. بعرض مقولة النصارى في المسيح -عليه السلام - كالبنوة أو التأليه ثم يذكرون النصوص التى يستندون عليها في تأييد مقولتهم الباطلة والتي أولوها تأويلًا فاسدًا

لقد غالى النصارى في المسيح -عليه السلام- فذهبوا فيه مذاهب شتي تتسم بالميل والشطط والانحراف عن الحق والنظرة المعتدلة لشخصيته -عليه السلام- كبشر رسول بعثه الله -عزّ وجلّ- لبني إسرائيل، وهذه العقيدة الباطلة يتم نقدها من خلال المحاور التالية:

د/ محمَّد سيد ندا، في كتابه "جنايات بني إسرائيل" يُعد الكذب من الخصال التي أصرت بدينهم وجنت على المجتمع وفي تعاملهم مع الآخرين أيضًا فهي تدفعهم إلى السرقة وغير ذلك من الأخلاق الرذيلة إذ أن: (الكذب رذيلة محضة تنبئ عن تغلغل الفساد في نفس صاحبها وعن سلوك ينشئ الشر إنشاءً

عند دراسة السلوكية اليهودية من خلال مؤلفات علمائنا الأفاضل يستطيع الباحث أن يتعرف بسهولة على تلك المواضع التي تفوح منها رائحة الغدر والخيانة فى الكتاب المقدس. ولقد كان للدكتور/ على خليل جهد مشكور في رصد تلك المواطن والتعليق عليها من خلال الأسفار التوراتية
تتبع علماء المسلمين- فترة البحث- أسفار العهد القديم وأخرجوا ما فيها من نصوص تدل على مدى ما وصل إليه اليهود من انحلال في الأخلاق وانحراف في السلوك، وبينوا أن هذه النصوص لا تفرق في هذه السلوكيات بين الأنبياء وغيرهم بل إن ما تنسبه التوراة زورًا وبهتانًا إلى الأنبياء

فى جولة نقدية تتسم بالموضوعية الفائقة قام بها د/ على خليل فى داخل نصوص العهد القديم واضعًا يده على المواطن التي تشعر بوجود الروح العدوانية فى السلوك والأفكار موجهًا سهام نقده إلى تلك المخالفات التي تزاحم بعضها بعضًا فى نصوص العهد القديم والتي كانت ولا تزال سببًا مباشرًا
من المعلوم الذي لا يقبل الشك أن المجتمع يكون متماسكًا إذا التزم أفراده بالأخلاق الكريمة، أما إذا تخلى عنها أفراده فإنه بالتالي يحمل عوامل انهياره ولو بعد حين ولذلك فإن الأخلاق قوام الأمم والحضارات وهي من الأسس التي ينبني عليها كل دين جاء من عند الله -عزّ وجلّ- بعد العقائد والتشريعات.

اجتهد علماء المسلمين- فترة البحث- في نقد التشريعات التي تتعلق بغير اليهود والتي يسميها البعض منهم شريعة الأغيار في العهد القديم، وأكد العلماء بنظرتهم النقدية للنصوص التوراتية- أكدوا تمكن النزعة العنصرية في الشريعة اليهودية-

رصد علماؤنا الأجلاء بعض الجرائم التي ورد ذكرها في نصوص العهد القديم ووقفوا معها وقفة فاحصة مبينين مقدار ما قررته تلك النصوص من عقوبات على هذه الجرائم، وإذا كان الخروج على أحكام الشريعة في العهد القديم له عقابه الذي قد يصل إلى حدّ القسوة فإن المغالاة في العقاب لدرجة لا يرضاها عقل ولا دين

عند فحص الإنتاج العلمي لعلماء المسلمين حول هذا الموضوع، يتبين أن مغزى التشريعات الخاصة بالزواج والأسرة، في العهد القديم يهدف إلى ما يلي: 1 - امتهان كرامة المرأة وإباحتها. 2 - حرمانها من حقوقها الطبيعية. 3 - تقييد حريتها وقهرها.

اهتم النقاد من علماء المسلمين بتعرية السلطه الكهنوتية وكشف زيفها والمبالغات والعجائب التي تحيط بالكهنة في الشريعة اليهودية، واهتموا أيضًا بتوجيه سهام النقد إلى تلك الأمور الغريبة التي يطلبها إله إسرائيل من سيدنا موسى - عليه السلام - كما تزعم التوراة-

وضع علماء المسلمين أيديهم على مواطن كثيرة في العهد القديم تتعلق بالطهارة والنجاسة ونقدوها نقدًا علميًا موضوعيًا، وبينوا إلى أي مدي وصلت إليه الطهارة في العهد القديم من التعقيد والتكلف الذي لا فائدة منه، والذي يصيب النفس بالملل والضيق وذلك لأنه تشريع بشري لا يتلائم مع الطبيعة البشرية

(إن العهود التوراتية الموجودة في التوراة الحالية التي بأيدي اليهود تنص على أن هناك أرضًا أعطاها الله لبنى إسرائيل أيام رسلهم، ويدعى اليهود اليوم أن هذه العهود تنطبق عليهم وأن هذه الأرض عطاء إلهى لهم يعتبر فوق القانون مهما كان نوع هذا القانون وفوق إرادة الشعوب

عقيدة أرض الميعاد من الثوابت الرئيسة في العقيدة اليهودية المحرفة، تلك الأرض التي تنتج لبنًا وعسلًا (1) كما يصفونها في بعض نصوص التوراة، وأصبح الذهاب إليها والعيش فيها حُلم يراود كل يهودي في شتي بقاع الأرض، وصار هذا الحلم أملًا يداعب خيالهم

اهتم بعض المعاصرين من علماء المسلمين بالحديث عن القضاء والقدر في العهد القديم، وفى دراستهم لهذا الموضوع بينوا حقيقة القضاء والقدر في أسفار العهد القديم وألقوا الضوء على النصوص التي تثبت مراتب القضاء والقدر ثم أردفوهها بذكر النصوص التي تقدح فى كمال هذه المراتب

عقيدة الإيمان باليوم الآخر من العقائد الثابتة التي جاء بها الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فقد دعا إليها موسى - عليه السلام - فقال تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} (1).

تنوعت الرؤى النقدية لعلماء المسلمين حول هذا الموضوع - المسيح - عليه السلام - في العهد القديم - ومعظم من تكلم فيها ربط فكرة المسيح المنتظر بالناحية السياسية والقومية لليهود وبين مدى ارتباط هذه الفكرة بفكرة المجيء الثاني للمسيح وأرض الميعاد

أرسل الله -عَزَّ وَجَلَّ- سيدنا موسى - رحمه الله - إلى بنى إسرائيل فهو الشخصية الأولى عندهم يعترفون به نبيًا، وياليتهم حافظوا على هذا الاعتراف وأعطوه من القداسة والاحترام ما يليق بحقه كنبي من أنبياء الله -عَزَّ وَجَلَّ-.

ذكر د/ الهاشمي ما تفتريه التوراة على هوشع النبي فتقول: "إن هوشع النبي - يأمره الرب في التوراة - كذبًا على الله سبحانه أن يتخذ لنفسه امرأة زانية زوجة له، ولها أولاد زنى، إذ هي زانية مشهورة بين اليهود" أول ما كلم الرب هوشع

يزعم العهد القديم أن سيدنا سليمان - عليه السلام - فيه شبهة ابن زنى كما يدعون إذ أنه ابن بتشبع زوجة أوريا الحثي التي زنا بها والده داود (6) -في زعمهم-.

(سلوكه مع ربه): كاستقامته مع الله، وحسن صلته بربه وخشوعه في الدعاء وصدقه فيه (1) وله في العهد القديم سفر (المزامير) وهو أوسع سفر في العهد القديم واسمه في القرآن الكريم (الزبور).

(مع أنه "إسرائيل" وإليه ينتسب بنو إسرائيل "الإسرائيليون" حتى الآن ودولة إسرائيل المسماة باسمة كذبًا وزورًا غير أن محاسنه في التوراة قليلة منها: ظهور الله ليعقوب ثلاث مرات - في زعمهم - وفي إحداهم صارعه وصرع يعقوب الله- أستغفر الله

قصة الذبيح تنسبها التوراة إليه، وتصفه بالوحيد - في حين أن الابن الوحيد هو إسماعيل - إذ بقى وحيدًا 14 سنة حتى ولد إسحاق إذ كان عمر والده 86 سنة "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق (3) " في قصة الذبيح بينما لم يكن الولد الوحيد وإنما الوحيد إسماعيل بقي 14 سنة وحيدًا لأبيه قبل ولادة إسحاق.

ذكرت الباحثة / سميرة عبد الله ما يدل على المقام الحسن لسيدنا لوط - عليه السلام - فى التوراة فقالت: لقد وجد لوط - عليه السلام - نعمة في عيني الرب فأرسل ملائكته لإخراجه هو وأصهاره وبنيه وبناته من مدينة سدوم التي أرسلوا لإهلاكها ومن فيها لشرور أنفسهم

تزعم التوراة: أن إبراهيم - عليه السلام - حين كان راجعًا من شرق الأردن إلى فلسطين أخرج له ملكها "ملكى صادق" خبزًا وخمرًا لانعاشه وإنعاش جنوده الذين معه فأكلوا وشربوا"

من العلماء من يتسم نقده بالنظرة الإجمالية دون الدخول في التفاصيل نظرًا للتشابه في نصوص التوراة حول ما ألصق بالأنبياء تفاديًا للتكرار واكتفى بعرض النص لوضوح المخالفة فيه مع الإشارة إلى موضع الخلل في هذا النص أو التناقض والتعارض

قبل الحديث عن تصور العهد القديم للأنبياء لابد من بيان حقيقة النبوة في العهد القديم وما الذي تحتمله هذه اللفظة "النبوة" من معان ومن هو النبى في وجهة نظر اليهود من خلال نصوصهم المقدسة في زعمهم.

لقد أثبت علماء المسلمين - فترة البحث - انحراف اليهود في عقيدة الإيمان بالكتب المقدسة، فالدكتور / عبد الراضي محمَّد في كتابه "التطرف اليهودي" تأتي وقفته النقدية لتوضح مدى التطرف في الكتب المقدسة بطريقة منهجية

أبرز النقاد من علماء المسلمين- فترة البحث- مدى التناقض والانحراف الذي وقع فيه العهد القديم في هذه العقيدة وغيرها.

من المعلوم أن كل نبي من الأنبياء جاء ليرشد قومه ويدعوهم إلى عبادة الله وحده ونبذ عبادة الأصنام والأوثان، وتعاقب الأنبياء والمرسلون يحملون هذه المهمة ويصححون العقيدة لأقوامهم إذا انحرفوا ويقِّومون ما اعوج من سلوكهم فقال تعالى:

قام العلامة رحمة الله الهندي بنقد سند الأسفار الأخرى للعهد الجديد (بقية الأسفار غير الأناجيل الأربعة) واعتمد في نقده لها على ما ذكره رجال الدين المشهورين عندهم آخذًا من كلامهم ما يهدم دعواهم بصحة هذه الأسفار مبينًا من خلال ذلك مكانتها من حيث الصحة وعدمها

لعلماء المسلمين جهود قيمة حول سند الأناجيل الأربعة وفي نظرتهم النقدية لها بينوا هل لهذه الأناجيل سند متصل أم أنها منقطعة السند؟ وهل يا ترى تصح نسبتها إلى المسيح -عليه السلام- أم أن الأمر بخلاف ذلك؟ هذا ما سنعرفه فى الصفحات التالية:

لقد أحاط العلامة رحمة الله الهندي الأناجيل الأربعة بالدراسة النقدية الفاحصة التي أثبتت بالأدلة العقلية والنقلية وأقوال كتابهم أن هذه الأناجيل ليس لها سند متصل، وأنها قد ألفت بعد رفع المسيح -عليه السلام- بمدة طويلة.

بعد هذه الجولة النقدية لفحص سند الأسفار الخمسة وبعد أن اتضحت الإجابة على التساؤل الذي يطرح نفسه دائمًا هل هذه الأسفار كتبها سيدنا موسى عليه السلام أم لا وهل هى وحي إلهى أم لا، أبين في هذا المبحث إن شاء الله تعالى جهود علماء المسلمين في نقد سند الأسفار الأخرى

للإسناد أهمية كبيرة في قبول الروايات وبه تتميز الأمة الإسلامية عن غيرها (1) ويتوقف تصديق الخبر أو تكذيبه على هذا الإسناد، أما بالنسبة لليهود والنصارى فيما يتصل بالتوراة والإنجيل (فإن السند المتنازع بيننا وبينهم: السند المتصل وهو عبارة عن أن يروى الثقة بواسطة أو بوسائط عن الثقة الآخر ...

اتفق جميع الباحثين على أن التوراة الحقيقية قد فقدت، وبالتالي فالتوراة الحالية مزيفة وذلك باعتراف رجال الدين في المسيحية أنفسهم وقد تتبع علماء المسلمين المهتمين بدراسة الأديان المراحل التى مرت بها الديانة اليهودية وما طرأ عليها من تغيير

الكتاب المقدس: هو مجموع الكتب الموحاة من الله- في زعمهم-، والمتعلقة بخلق العالم وفدائه وتقديسه وتاريخ معاملة الله لشعبه، ومجموع النبوات عما سيكون المنتهى، والنصائح الدينية والأدبية التي تناسب جميع البشر في كل الأزمنة (1) والمقدس في اللغة أي المبارك المطهر (2)

يُعد هذا الكتاب من أقوى الإسهامات المعاصرة في المجال النقدي للعهد القديم، فهو محاولة جادة من كاتب متخصص واسع الاطلاع ذو قدرة على التحليل والاستنباط والترجيح.

تأتي أهمية العهد القديم من أنه يؤمن به اليهود والنصارى على حدٍ سواء باعتبار أن العهد الجديد مُستتر في العهد القديم كما يقولون، ولا يتم فهم أحدهما إلا بالاعتماد على الآخر والاسترشاد به.

جهود مأخوذة من: (جهد في الأمر جهداً أي جد، والمفعول مجهود. والجهدُ المشقة، والنهاية والغاية والوسع والطاقة، والجَهْدُ في الفلسفة: كل نشاط يبذله الكائن الواعى جسمياً أو عقلياً ويهدف غالباً إلى غاية) (1).

الأناجيل الحالية تعتبر تراجم لحياة المسيح، كتبها الحواريون من تلاميذ عيسى عليه السلام بعد رفعه بمدة، وفي أوقات مختلفة ولغات متباينة ضمنوها مقتطفات من المواعظ والحكم والأمثال ولا يصح نسبة هذه الأناجيل إلى عيسى عليه السلام باعتبار أنه يعرفها أو يعرف شيئاً عن كتابتها (1).

المسلم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله بلا تفرقة أو تحيزٍ لأحد منهم فقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} (1).

يقرر القرآن الكريم وقوع التحريف في التوراة الحالية فقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} (4) أعم من أن يكون اختلافاً في جوهرها أو في فهمها

الإِسلام له رأيه المستقيم الواضح في التوراة والإنجيل، وقد أعطي لكل نبي من الأنبياء حقه من القداسة والاحترام إذ أن الرسل "صلوات الله وسلامه عليهم" هم المبلغين عن الله عَزَّ وَجَلَّ بواسطة أمين الوحى جبريل عليه السلام.

كثيرة هى الدوافع التى تكمن وراء تناول الكتاب المقدس بالنقد والتحليل، والتي كانت وراء تنوع الجهود في هذا الميدان مما أسفر عن حصيلة هائلة من الكتب إلى تضطلع بدراسة الكتاب المقدس "دراسة نقدية" من هذه الدوافع ما يلي:

قبل عرض الجهود النقدية لعلماء المسلمين حول الكتاب المقدس سندًا ومتنًا، لا بد من إلقاء الضوء على ما قام به النقاد من علماء المسلمين، في البحث عن السبب الذي جعل النصارى يضمون العهد الجديد إلى جوار العهد القدىم في كتاب واحد

إن الجذور التاريخية لنقد الكتاب المقدس، تمتد التي عمق الزمن، حيث مدرسة الاسكندرية الفلسفية، التي دخلت في صراع فكرى مع اليهود، حول العلاقة بين العقل والنقل، وأيهما يسبق الآخر .

وفي الإصحاح الذي يليه يعظ المسيح - عليه السلام - تلاميذه طالباً منهم حفظ وصاياه، ثم يقول: " متى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي، وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي في الابتداء.

وثمة بشارة أخرى جاءت على لسان المسيح تبشر بالمسيح المنتظر - صلى الله عليه وسلم -، وتؤكد أنه أعظم الأنبياء، وأنه النبي المسمى إيليّا، وأنه الذي تقاطرت النبوات على البشارة به، يقول المسيح: " الحق الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان

ومن الأسماء التي رمز الكتاب المقدس بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - " إيلياء " وهي وفق حساب الجمّل اليهودي تساوي 53. (1)

وبعد عودة بني إسرائيل من السبي، وتخفيفاً لأحزانهم، ساق لهم النبي حجي بشارة من الله فيها: "لا تخافوا، لأنه هكذا قال رب الجنود، هي مرة بعد قليل، فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة، وأنزل كل الأمم، ويأتي مشتهى كل الأمم، فأملأ هذا البيت مجداً ...

وقد نقل الكتاب المقدس بعض نبوءات الأنبياء عن زمن ظهور هذا الملكوت، ومن ذلك أن بختنصر رأى رؤيا أفزعته ولم يعرف العرافون ولا المنجمون تعبيرها، ففسرها له النبي دانيال فقال: "أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم، هذا التمثال العظيم البهي جداً وقف قبالتك

ومن الألقاب التي أعطيت للدين الجديد وأتباعه في الكتاب المقدس " الملكوت " أو " ملكوت السماوات "، الذي أنبأ المسيح عن انتقاله عن أمة اليهود إلى أمة أخرى، فقال: " إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره " (متى 21/ 43).

وها هي المزامير تبشر بالنبي الخاتم، ويصفه أحد مزاميرها، فيقول مخاطباً إياه باسم الملك: "فاض قلبي بكلام صالح، متكلم أنا بإنشائي للملك، لساني قلم كاتب ماهر: أنت أبرع جمالاً من بني البشر، انسكبت النعمة على شفتيك، لذلك باركك الله إلى الأبد.

وقبيل وفاة موسى عليه السلام ساق لبني إسرائيل خبراً مباركاً، فقد جاء في سفر التثنية: "هذه البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته، فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس

وينزل موسى عليه السلام عن جبل الطور بعد ما كلمه ربه، فيقول مخاطباً بني إسرائيل: "قال لي الرب: قد أحسنوا في ما تكلموا، أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه

وقد توالى الأنبياء وهم يبشرون بمقدم نبي آخر الزمان، ويذكرون صفاته وأحواله والتي من أهمها أنه ليس من بني إسرائيل كما أنه صاحب شريعة تدوم إلى الأبد، يسحق أعداءه، ودعوتُه تكون لخير جميع الأمم.

لما بدل بنو إسرائيل وغيروا نزع الله عنهم النبوة والكتاب، ودفعه لأمة أخرى، وحصل ما كان الأنبياء يحذرون منه بني إسرائيل، ألا وهو انتقال الخيرية إلى سواهم. فمن هي الأمة الجديدة، وما صفاتها؟

تتحدث النصوص الإنجيلية بتناقض ظاهر عن موضوع الخلاص الآتي، فحسب يوحنا فإن المسيح قال للسامرية في سياق حديثه عن المسِيّا: "لأن الخلاص هو من اليهود" (يوحنا 4/ 22). لكن هذا الأمر ترده الكثير من النصوص الإنجيلية والتوراتية الأخرى

تتحدث التوراة عن قصة أمر الله إبراهيم بذبح ابنه الوحيد، وبدلاً من أن تسميه إسماعيل، فإنها أسمته إسحاق، وطبقاً لهذا التغيير تغير الزمان والمكان الذي جرت به القصة.

خرج إبراهيم عليه السلام من أرض العراق واتجه إلى الأرض المباركة، أرض فلسطين، وتذكر التوراة أن عمره حينذاك الخامسة والسبعين، ولما يولد له ولد، وخرج بعد أن بشره الله بأن قال: "أجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة ... وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض" (التكوين 12/ 2 - 3).

رأينا أن المسيح عليه السلام لم يدع أنه النبي المنتظر، فهل أخبر محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه ذلك النبي الموعود، الذي بشرت به الأنبياء؟

وإذا كان كثيرون من معاصري المسيح ادعوا أن عيسى عليه السلام هو المسيا المنتظر، كما قالوا من قبل عن يوحنا المعمدان، فهل ادعى عيسى أو قال لتلاميذه أنه المنتظر، وهل حقق عليه السلام نبوءات المسيح المنتظر؟
شغف كتاب الأناجيل بالنبوءات التوراتية، وعمدوا في تكلف ظاهر إلى تحريف معاني الكثير من النصوص التوراتية، ليجعلوا منها نبوءات عن المسيح، إن محبتهم للمسيح أو امتهانهم للتحريف قد جعلهم يخطئون في فهم كثير من النبوءات التي تحدثت عن المسيّا المنتظر.

في عام 63 ق. م وقعت القدس وفلسطين بيد الرومان الوثنيين، ليبدأ - من جديد - اضطهاد آخر عانى منه بنو إسرائيل، بنو إسرائيل الذين كانوا يترقبون مخلصاً عظيماً يرد إليهم الملك الضائع والسؤدد الذي طال لهفهم وشوقهم إليه.

تطلق الأسفار المقدسة على النبي القادم أسماء شتى، فتسميه تارة الملك، وأخرى النبي، وتارة تلقبه بالمسِيّا وأخرى بالمسيح، بمعنى المخلص، فكل هذه الأسماء مترادفات تدل على النبي القادم، وهي في ذات الوقت أوصاف لهذا النبي العظيم.

يزعم اليهود والنصارى أن موسى - عليه السلام - كتب الأسفار الخمسة، يقول القس سويجارت في مناظرته التلفزيونية للعلامة ديدات: " ونحن نعتقد أن موسى كتب ما يسمى بالأسفار الخمسة، تلك الكتب الخمسة الأولى باستثناء الترانيم القليلة، وسفر التثنية

يفتخر النصارى اليوم بوجود الآلاف من المخطوطات للكتاب المقدس تملأ جنبات المكتبات العالمية وتزين خزائنها، وهو أمر صحيح لا مراء فيه ولا ريبة، لكن المفاجأة أن هذه الآلاف من المخطوطات لا يعرف كاتبها، ولا يدرى عن مدى موثوقيته وأمانته وتمكنه من عمله.

وصل إلى أيدينا ثلاث نصوص مختلفة للتوراة، ولا نتحدث هنا عن ثلاث ترجمات، بل نعني أنه توجد نصوص ثلاثة يستقل بعضها عن بعض.

وقبل أن نشرع في إبطال نسبة الأسفار إلى الأنبياء نرى أنه يلزمنا أن نستعرض - ولو سريعاً - أبرز المحطات المهمة في تاريخ بني إسرائيل كما تذكرها التوراة والمراجع التي أفادت منها.

التوراة التي يؤمن بها اليهود والنصارى تتكون من أقسام عدة: أ) الأسفار الخمسة المنسوبة لموسى والتي يقابلها عند المسلمين: التوراة. وهي: سفر التكوين، سفر الخروج، سفر اللاويين، سفر العدد، سفر التثنية.

تبين آيات القرآن الكريم بجلاء موقف المسلمين من التوراة التي أنزلها الله تبارك وتعالى على نبيه موسى عليه الصلاة والسلام، إذ يخبرنا القرآن أنها وحي الله وكتابه وهديه الذي أنزله هدى ونوراً لبني إسرائيل {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا} (المائدة: 44)

وآخر ما نختم به جولتنا لإثبات براءة الوحي من أسفار العهد الجديد، أن نعرض لبعض ما ينسبه كُتّاب العهد الجديد إلى المسيح من أخلاق أو صفات لا يليق أن تصدر من كرام البشر وعقلائهم، فضلاً عن أن يقع فيها نبي كريم جعله الله قدوة صالحة للعالمين.

وللمرء أن يتساءل: ماذا لدى الإنجيل من مقومات الإصلاح لهذا الفساد وتلك الأرقام الوبائية؟ وهل للإنجيل علاقة بهذه الأرقام؟

جاء في كلام المسيح " احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم، هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً، هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة، وأما الشجرة الردية فتصنع أثماراً ردية.

وتبذل محاولات يائسة وساذجة للجمع بين هذه المتناقضات وتقديمها بصورة متوافقة متكاملة، لكن التكلف يكتنف جميع هذه المحاولات التي غالباً ما تظهر باهتة، إضافة لما تحمله من صور للجمع لا دليل عليها.

وكما تناقض الإنجيليون وكتاب الرسائل مع بعضهم فإنهم تناقضوا مع أسفار العهد القديم، في مختلف القضايا التي شاركوا كُتاب العهد القديم في الحديث عنها، اللاهوتية منها والتاريخية.

وتظهر الأناجيل المسيح متناقضاً مع نفسه في أقواله، ومرد ذلك إلى تناقض الإنجيليين الأربعة، أو تناقض الواحد منهم مع نفسه.

وحصرون ولد أرام، وأرام ولد عمينا داب. وعمينا داب ولد نحشون. ونحشون ولد سلمون، وسلمون ولد بوعز من راحاب. وبوعز ولد عوبيد من راعوث. وعوبيد ولد يسى، ويس ولد داود الملك.

{أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} (النساء: 82). تعطي الآية معياراً صحيحاً للتحقق من صحة نسبة أي كتاب إلى الله عز وجل، فالبشر من طبعهم الخطأ والنسيان، والتخليط بعد تقادم الأيام، ولذا تأتي كتاباتهم منسجمة مع هذه الطبائع البشرية.

ولقد يتساءل المرء أين وقع التحريف في الأناجيل؟ هل وقع من الإنجيليين وأصحاب الرسائل، أم من النساخ الذين تصرفوا في النصوص حسب أهوائهم وعقائدهم، أم من أولئك الذين أضافوا القداسة للكتب الشخصية التي خطها الحواريون، أم من ذلك كله؟ ولعل الأخير هو أولاها بالصواب.

كما ثمة أغلاط في الأناجيل يشهد العقل بأنها لا تصدر عن الوحي، لأنه أي العقل يشهد بخطئها وجهل قائلها بقوانين الله في الطبيعة.

وثمة نصوص أخرى كثيرة غلط فيها الإنجيليون بشهادة الواقع والتاريخ، ومن مثل ذلك ما جاء في إنجيل متى عن القيامة القريبة التي تقترن بعودة المسيح القريبة، والتي حددها المسيح كما يزعمون بأنها قبيل انقضاء جيله، وعليه طلب إلى تلاميذه أن لا يذهبوا للدعوة في مدن السامريين فإن القيامة دون ذلك.

وكأي جهد بشري معرض للخطأ، فإن الأناجيل كذلك تمتلئ بالأغلاط التي يكذبها التاريخ والواقع، وثبوت الغلط في الكتاب يحيل قداسته، ويحيل دعوى إلهامه إلى سراب.

وهذا الإنجيل يخالف سائر الأناجيل الأربعة في أمور جوهرية، منها نقضه لدعوى ألوهية المسيح، وتأكيده نجاة المسيح من الصلب، وتنديده ببولس، ورفضه لتبشيره، وكذا تصريحه ببشارة عيسى عليه السلام بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في مرات عديدة.

نشطت حركة التأليف في الجيل الأول من النصرانية بشكل واسع، وظهرت أناجيل كثيرة كما تدلنا على ذلك مقدمة إنجيل لوقا " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً

ويقفز إلى الأذهان أسئلة جديدة: كيف ظهرت الأناجيل بعد اختفاء إنجيل المسيح؟ ومن الذي كتبها؟ وما ظروف كتابتها؟

وإذا كانت هذه الأناجيل والرسائل من صنع البشر وتأليفهم، وإذا كان أصحابها لم يدعوا لأنفسهم أنهم يسجلون كلمة الله، فكيف أضحت هذه الكتابات مقدسة وإلهية؟ وأين الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى، والذي يؤمن به المسلمون؟

وثمة تشابهات أُخر بين الوثنيات وأسفار المسيحية - في غير الولادة والصلب والفداء -، منها ما ذكره متى عن تجربة إبليس للمسيح أربعين يوماً، " فلم يأكل حتى جاع أخيراً" (متى 4/ 1 - 12)، وهو ما ينقل مثله عن بوذا في الصين وزرادشت عند المجوس.

وكذلك سرت في الوثنيات فكرة الفادي والمخلص الذي يفدي شعبه أو قومه، وكانت الأمم البدائية تضحي بطفل محبوب، لاسترضاء من تسميهم آلهة السماء، وفي تطور لاحق أضحى الفداء بواسطة مجرم حكم عليه بالموت، وعند البابليين كان الضحية يلبس أثواباً ملكية

وبولس عندما ادعى صلب المسيح فداء للخطيئة فإنه إنما يكرر عقيدة قديمة، تناقلتها الوثنيات قبل المسيح بزمن طويل، وقد نسج الإنجيليون أحداث صلب المسيح، على نحو ما قرره بولس، وعلى صورة ما ورد عن الأمم الوثنية القديمة، حتى أضحت