المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416622
يتصفح الموقع حاليا : 257

البحث

البحث

عرض المادة

شبهات راجعة إلى تاريخ السنة وتدوينها

إن الأسئلة والاستشكالات حول تاريخ السنة وتدوينها حاضرة بقوة في الخطاب التشكيكي، ونستطيع أن نُرجع الشبهات في هذا الباب إلى أمرين :

الأول : ما يتعلق بالنهي عن كتابة السنّة.

الثاني : تأخر تدوينها.

فأما الأمر الأول : فإنهم يقولون : إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة أي شيء سوى القرآن، وهذا يدل على أن السنة ليست بحجّة؛ لأنها لو كانت حجة لما نهى عن كتابتها، والردّ على هذه الشبهة من وجوه:

الوجه الأول: ما الرابط بين النهى عن كتابة السنّة وبين حجّيتها؟, وهل الحجة مرتبطة بقضية الكتابة فقط؟, فإذا نُهي عن كتابة شيء تسقط حجيته تمامًا؟ أم نلتزم بما ورد في حدود النص الذي هو في النهي عن الكتابة؟ وهل لا توجد وسيلة لحفظ الأخبار إلا الكتابة فقط؟!.

الوجه الثاني: إن الذي نهى عن كتابة السنة - صلى الله عليه وسـلم - هو الذي أمر بحفظها وتبليغها, ونهى عن ردّ ما زاد منها على القرآن, كما في حديث الأريكة([1])، أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟, أتنتقون من السنة ما يوافق آراءكم ،وتتركون ما لا يوافقها؟, أتأخذون من السنة حديث النهي عن الكتابة ؛لأنه يوافق ما تريدون الوصول إليه -مع أنه في الحقيقة لا يوافق- وتتركون ما هو أوضح دلالة على حجية السنة؟, إنكم إذن لمتناقضون!.

الوجه الثالث : النهي عن كتابة السنة قد قُوبل بنصوص أخرى ترخِّص في كتابتها، منها قوله صلى الله عليه وسلم مجيباً طلب أبي شاه في كتابة خطبته: «اكتبوا لأبي شاه»([2])، ومنها أن عبد الله بن عمرو كان يكتب وأيّده النبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: «اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق»([3]), وأشار إلى فيه.

وكل ما جاء من النصوص في النهي عن الكتابة ضعيفٌ, إلا حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني، ولا حرج»([4])، فهذا نص في مقابله نصوص أخرى في الرخصة في الكتابة فما وجه الجمع بينها؟.

لأهل العلم مسالك في الجمع بين هذه النصوص أو الترجيح بينها:

  • فمنهم من قال : إن النهي عن الكتابة لا يصحّ مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الصواب فيه الوقف على أبي سعيد الخدري (أي أنه من كلام أبي سعيد). وهذا المسلك هو طريقة الإمام البخاري - رحمه الله -, وقد ذكر ذلك ابن حجر - رحمه الله - في «فتح الباري»([5])، وبعضُ طرق هذا الموقوف ذكرها ابن عبد البر ، في جامع بيان العلم وفضله.
  • ومنهم من ذهب إلى أن النهي عن الكتابة منسوخ بأحاديث الرخصة في الكتابة، وأنه إنما نهي عن الكتابة أول الأمر خشية اختلاط السنة بالقرآن، فلما أُمن ذلك رُخص فيها.
  • ومنهم من قال إنه لم يأتِ النهي عن الكتابة المفردة المفرقة، وإنما جاء النهي عن التدوين العام، قالوا :ولو كلفهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لكلفهم بأمر شاق جدًا، خاصّة وأنّ الكُتّاب في وقته قليل.
  • ومنهم من ذكر أنه وقع الحث على كتابة القرآن ؛لأنه متعبّدٌ بألفاظه وحروفه ؛ فاحتيج إلى كتابته لفظًا ونصًا؛ بخلاف السنة التي يجوز روايتها بالمعنى بشروط وضوابط يذكرها أهل العلم.
  • وقيل :إن ذلك ؛ لإبقاء سُنّة الحفظ التي كانت عند العرب.
  • وقيل :غير ذلك.
  • فهذه مجموعة من المسالك لأهل العلم في التوفيق بين النصوص، وقد وقع في بداية الأمر خلاف في جواز كتابة الحديث، ثم زال الخلاف واستقر الإجماع. قال الإمام أبو عمرو بن الصّلاح - رحمه الله -: «ثم إنه زال ذلك الخلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته»([6])

وأما الأمر الثاني من الشبهات في هذا الباب ، فهو ما يتعلق بتأخر تدوين السنّة :

والإجابة الوافية عن هذه الشبهة تقدمت تحت عنوان (مراحل العناية بسنّة النبي صلى الله عليه وسلّم)، وخلاصة الرد بثلاثة أمور:

أولاً: أن التوثيق لا ينحصر في الكتابة، ولذلك فإن توثيق القرآن لم يكن بالكتاب فقط، بل بالتلقين والنقل الشفهي أيضاً، وكان ذلك من أهم وسائل تثبيته، وهذا قد حصل في السنّة وإن لم يكن على سبيل الكثرة كالقرآن.

ثانياً: أن التدوين كان موجوداً من وقت النبي صلى الله عليه وسلّم؛ بشكل مُفرّق إلى وقت التدوين الشامل، فدعوى تأخر التدوين مطلقاً غير دقيقة.

ثالثاً: أنّ الرواة قد اعتنوا بالحفظ، وملازمة الشيوخ، وضبط أحاديثهم، ثم جاء النقاد ونخلوا كل المرويات وميزوا بين الصحيح والضعيف، وقد أثبتنا شيئا من ذلك في إقامة البرهان على صحة علم الحديث.

 

 

([1]) سنن الترمذي (2663)، سنن أبي داود (4605)، سنن ابن ماجه (13).

([2]) سبق تخريجه.

([3]) سبق تخريجه.

([4]) صحيح مسلم (3004).

([5]) فتح الباري, لابن حجر (1/208).

([6]) علوم الحديث, لابن الصلاح (ص 138).

  • الاربعاء AM 02:32
    2020-11-11
  • 1570
Powered by: GateGold