المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416537
يتصفح الموقع حاليا : 257

البحث

البحث

عرض المادة

الزّعْمُ أنّ تحديد مُدَّة بقاءِ الكُفّارِ في النّارِ بالأحقاب دليلٌ على فناءِ النّارِ

تقول الشُّبْهَةُ: "لقد حدّدَ اللّهُ تعالى مُدَّةَ بقاءِ الكُفّارِ في النّارِ بقولِه: {لَّـٰبِثِینَ فِیهَاۤ أَحۡقَابࣰا} [النبأ: 23]، وهذه المُدّةُ محدودةٌ وليْستْ أبَدِيّةً؛ لأنّ الأَبَدَ لا يُقدّرُ بالأحقاب."

 

أوّلاً- لقد أَوْضَحَ بعضُ المُنْتَمِين إلى طائفة (القرآنيون) جُمْلةَ: "الأبَدُ لا يُقدّر بالأحقاب"، بقولِه: "وكلمة أحقاب: جمع كلمة (حُقْب)، التي تدل على مجموعة زمنية طويلة جداً، ولكن في النهاية هي محدودة من حيث الكم، ومجموع المحدودات محدود ضرورة، بينما اللانهاية لا تُجْمَع!".

 [انظرامرإسلامبولي https://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=505730&r=0 :].

 

ويُرَدّ عليه بما يأتي:

 

أ) كلمةُ لانهاية تدل على "عدم وجود نهاية"، وفي عالم الحساب ترمز اللانهاية لِمفْهومٍ عدَدِيٍّ، لا يمكن تَخَيُّلُ ما هو أكبرُ منه؛ ويُعَبّرُ عنه في مادة الرياضيات باستعمال رمزٍ خاصٍّ يُقْرأُ: لانِهايَة.

 

ب) العددُ الصحيحُ الموجَبُ 80 -مثلاً- محدودٌ، ومجموعُ مِائَةٍ من الأعداد تساوي كلُّها 80، هو عددٌ محدودٌ -لا شكّ في ذلك-، وقيمته هي 8000.

 

ولكنْ -حسب قواعد الرياضيات- مجموعُ ما لا نِهاية مِن الأعداد تساوي كلُّها 80، لا يمكن أن يكون محدوداً، بل هو غيرُ محدودٍ، ومِن السهل -لِغيْر المتخصصين في مادة الرياضيات- ملاحظةُ ذلك: قُمْ بهذا الجمع -مثلاً-:

 

80+80+80+80+...

 

فإنّك ستُلاحظُ أنّه كُلّما أضفْتَ العددَ 80 إلى آخر نتيجةٍ وصلْتَ إليها، فإنّك ستَحصُل على نتيجةٍ أكبرَ منها؛ ثمّ تصوّر الآن أنك لمْ تتوقّف عن إضافة العدد 80 بعد كلّ نتيجة وصلْتَ إليها، فهل النتيجةُ ستكون محدودةً؟

 

تنبيه هامّ:اِنْتشَرَتْ مُؤَخَّراً على شبكةِ الإنترنت، نتيجةٌ غيرُ صحيحةٍ، اِدّعَى مُرَوِّجُوها أنّه إذا قُمْتَ بجمع الأعداد الصحيحة الموجبة المتتابعة: 1+2+3+... وبدون توقّف، فإن النّتيجَة لن تكون اللانهاية، بل ستكون: 12/1-

 

ويمكن لِأَيِّ شخصٍ مُثقَّف أنْ يقتنع بنفسه، بعدم صِحَّة هذه النتيجة، التي لا يَسْتسِيغُها العقلُ، ولا تتقبلها قواعدُ الرياضيات. وأوّلُ خطأ هو أنّ مجموعَ عِدَةِ أعدادٍ صحيحةٍ موجَبةٍ لا يكون سالباً، بل يكون موجباً. [وانظر: الرّدَّ على هذه المغالطة -إنْ شِئتَ- في https://www.google.com/amp/s/www.syr-res.com/amp.php%3fid=6787 ].

 

ومثلُ هذه المُغالطاتِ تخْدِمُ بعضَ المفاهيمِ الخاطئة، مثل القاعدة الباطلة السابِقة، التي تقول بأنّ "مجموعَ المحدوداتِ محدودٌ ضرورةً"، والتي يستَدِلُّ بها البعضُ على أنّ مُدّةَ العذابِ في النّارِ محدودةٌ، وأنّ النّارَ ستفنى!

 

والقاعدةُالمشهورةُ التي تقول: "ما بُنِيَ على باطلٍ فهو باطلٌ"؛ تكفي لإِبْطالكلّ مفهوم بُنِيَ على باطلٍ.

 

ج) قال تعالى: {جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِی وَعَدَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ عِبَادَهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ إِنَّهُۥ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَأۡتِیࣰّا. لَّا یَسۡمَعُونَ فِیهَا لَغۡوًا إِلَّا سَلَـٰمࣰاۖ وَلَهُمۡ رِزۡقُهُمۡ فِیهَا بُكۡرَةࣰ وَعَشِیࣰّا} [مريم: 61-62].

 

قال ابن كثير (774 ھ) في «تفسير القرآن العظيم»: "وَقَوْلُهُ: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} أَيْ: فِي مِثْلِ وَقْتِ البُكُراتِ وَوَقْتِ العَشِيّاتِ، لَا أَنَّ هُنَاكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَلَكِنَّهُمْ فِي أَوْقَاتٍ تَتَعَاقَبُ، يَعْرِفُونَ مُضِيَّهَا بِأَضْوَاءٍ وَأَنْوَارٍ."

 

وقال ابن الجوزي (597 ھ) في تفسيره «زاد المسير»: "قَوْلُهُ تَعالى: {وَلَهم رِزْقُهم فِيها بُكْرَةً وعَشِيًّا} قالَ المُفَسِّرُونَ: لَيْسَ في الجَنَّةِ بُكْرَةٌ ولا عَشِيَّةٌ، ولَكِنَّهم يُؤْتَوْنَ بِرِزْقِهِمْ -عَلى مِقْدارِ ما كانُوا يَعْرِفُونَ- في الغَداةِ والعَشِيِّ."

 

في الجَنَّة أَوْقَاتٌ تَتَعَاقَبُ، يَعْرِفُها أهلُ الجَنَّة بِعلاَمَاتٍ، ولا شكّ أنّ هذه الأوقاتَ محدودةٌ؛ فهل سنقول: إنّ مجموعَ هذه الأوقاتِ المحدودةِ محدودٌ، إذن مُدةُ البقاء في الجنة محدودٌ أيضاً، وأنّ الجنة ستفنى؟

 

د) جاء في القرآن الكريم، أنّ أهل الجنة يتمتعون بأنواع النعيم: وقت يأكلون فيه، ووقت يشربون فيه، ووقت يتحدثون مع زوجاتهم، إلخ. ولا شكّ أنّ كلَّ وقتٍ من هذه الأوقاتِ محدودٌ، فهل سنقول أيضاً: إنّ مجموعَ هذه الأوقاتِ المحدودةِ محدودٌ؛ إذن مدّةُ البقاءِ في الجَنَّةِ محدودٌ، وهذا دليلٌ على أنّ الجَنَّةَ ستفنى وينقضي نعيمُها؟

 

ھ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا، يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ، وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا." [رواه مسلم].

 

قال الإمامُ النووي في «شرح مسلم»: "الْمُرَادُ بِالسُّوقِ مَجْمَعٌ لَهُمْ يَجْتَمِعُونَ كَمَا يَجْتَمِعُ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا فِي السُّوقِ، وَمَعْنَى (يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ) أَيْ: فِي مِقْدَارِ كُلِّ جُمْعَة، أَيْ: أُسْبُوعٍ، وَلَيْسَ هُنَاكَ حَقِيقَةً أُسْبُوعٌ؛ لِفَقْدِ [أي: لعَدَمِ وجودِ] الشَّمْسِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ."

 

إنّ المُدّةَ التي تفْصِل بين جُمعةٍ وجُمعةٍ محدودةٌ، فهل سنقول أيضاً:إنّمجموعَ هذه المُدَدِ المحدودةِ محدودٌ، إذن مدّةُ البقاءِ في الجَنَّةِ محدودٌ؛ وهذا دليلٌ على فناء الجنة؟

 

ثانياً- تفسير قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} عند أهل اللُّغَة والتفسير:

 

قال ابن قتيبة (276 ھ) في «تفسيرغريب القرآن»: "{لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} يقال: "الْحُقْبُ ثمانون سنة. وليس هذا مما يدلُّ على غايةٍ، كما يظن بعض الناس؛ وإنما يدُلُّ على الغايةِ التوقيتُ: خمسةُ أحْقابٍ أو عشَرةٌ(*). وأراد: أنهم يَلْبَثُون فيها أحقابًا، كلَّما مضى حُقْبٌ تَبِعه حقبٌ آخرُ."

 

(*)أيْ: أنّ الذي يدلُّ على عَدَدٍ مَحْصُورٍ، هو أنْ نقول -مثلاً-: خمسةُ أحقابٍ أو عشَرةُ أحقابٍ، أو عشرون حُقُباً.

 

وقال النسفي (710 ھ) في تفسيره «مدارك التنزيل»: "{أحْقابًا} ظَرْفٌ، جَمْعُ (حُقُبٌ)، وهو الدّهْرُ، ولَمْ يُرَدْ بِهِ عَدَدٌ مَحْصُورٌ، بَلِ الأبَدُ، كُلَّما مَضى حُقُبٌ تَبِعَهُ آخَرُ، إلى غَيْرِ نِهايَةٍ، ولا يُسْتَعْمَلُ الحُقُبُ والحُقْبَةُ إلّا إذا أُرِيدَ تَتابُعُ الأزْمِنَةِ، وتَوالِيها."

 

وقال ابن الجوزي (597 ھ) في «زاد المسير»: "وأمّا الأحْقابُ فَجَمْعَ حِقْبٍ، وقَدْ ذَكَرْنا الِاخْتِلافَ فِيهِ في [الكَهْفِ: 60] .

 

فَإنْ قِيلَ: ما مَعْنى ذِكْرِ الأحْقابِ، وخُلُودُهم في النّارِ لا نَفادَ لَهُ؟ فَعَنْهُ جَوابانِ:

 

أحَدُهُما: أنَّ هَذا لا يَدُلُّ عَلى غايَةٍ، لِأنَّهُ كُلَّما مَضى حِقْبٌ تَبِعَهُ حِقْبٌ. ولَوْ أنَّهُ قالَ " لابِثِينَ فِيها عَشَرَةَ أحْقابٍ أوْ خَمْسَةً " دَلَّ عَلى غايَةٍ، هَذا قَوْلُ ابْنِ قُتَيْبَةَ والجُمْهُورِ. وبَيانُهُ أنَّ زَمانَ أهْلِ الجَنَّةِ والنّارِ يُتَصَوَّرُ دُخُولُهُ تَحْتَ العَدَدِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَها نِهايَةٌ.

 

والثّانِي: أنَّ المَعْنى: أنَّهم يَلْبَثُونَ فِيها أحْقابًا {لا يَذُوقُونَ} في الأحْقابِ {بَرْدًا ولا شَرابًا}، فَأمّا خُلُودُهم في النّارِ فَدائِمٌ. هَذا قَوْلُ الزَّجّاجِ. وبَيانُهُ أنَّ الأحْقابَ حَدٌّ لِعَذابِهِمْ بِالحَمِيمِ والغَسّاقِ، فَإذا انْقَضَتِ الأحْقابُ عُذِّبُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ العَذابِ."

 

وقفةٌ تأمُّليّةٌ:في الجَنَّة كُلّمامضى أسبوعٌ من النّعيم، تَبِعَه أسبوعٌ آخرُ من النّعيم، أبدَ الآبدين؛ وفي النّار كلَّما مضى حُقْبٌ من العذابِ، تَبِعه حقبٌ آخرُمن العذابِ، أبدَ الآبدين.

  • الاربعاء PM 05:22
    2020-11-04
  • 1055
Powered by: GateGold