المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413260
يتصفح الموقع حاليا : 299

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى دونية المرأة وانحطاط منزلتها في الإسلام

دعوى دونية المرأة وانحطاط منزلتها في الإسلام (*)

مضمون الشبهة:

يدعي أدعياء تحرير المرأة أن المرأة في الإسلام مسلوبة الإرادة، مهضومة الحق، منحطة المنزلة، مكبوتة الحرية، مهمشة الدور؛ مستدلين على ذلك بمزاعم ملفقة وأوضاع خاطئة؛ منها ما تأتي:

  1. أنالإسلام دعا إلى أنتظل المرأة طوال حياتها رهينة المحبسين - الدار والجهل - وأن السلامة في سترها، بل طمرها داخل البيت، فلا تخرج إلا إلى بيت الزوجية ومنه إلى القبر.
  2. إنالإسلامصادرحقهافياختيارزوجها،ثمقيدهافيبيتالزوجيةبتعليماتتجعلهاعديمةالشخصية،تابعةللرجل،وهذاواضحفي:
  • القوامة:[1] فالرجلهوالقائد والسيد المطاع وهو الآمر والناهي، وعلى المرأة أن تكون مطيعة له فقط، وقد تكون أرشد منه عقلا وأوفق رأيا، أي أن القوامة ديكتاتورية واستبداد، وتفضل على النساء على طول الخط دون اعتبار لخصوصية أو استثناء؛ بموجب قول الله عز وجل: )الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض( (النساء:٣٤).
  • الضرب: فالمرأةإذالمتطعزوجهااعتبرهاناشزا[2] يحقلهأنيضربها،وليسلهاأنتبديأدنىاعتراضعلىذلك.
  • نسبةالولدلأبيه: فعلىالرغممنأنالأمهيالتيتعبتفيالحمل،وتحملتمشاقهوعانتآلامالولادة،والسهر على الرضاعة والتربية، والرجل ما هو إلا آت شهوته، مستمتع بها - على الرغم من ذلك كله ينسب الولد إليه لا لها!!
  • التعدد:[3] حيثأباحالإسلامللرجلأنيجمعأكثرمنواحدةحتىأربع،وفيهذاإهدارلكرامةالمرأة،فضلاعنأنالقرآنيعترفباستحالةالعدلبينالزوجات فيقول عز وجل: )ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم( (النساء:129)، هذا في الوقت الذي حرم المرأة من حق التعدد مثل الرجل.
  • الطلاق:[4] وهوحقبيدالرجلفقطيستخدمهكيفيشاء،حسبهواهومزاجه،فيحينحرمتالمرأةمنذلك.
  • منعالمرأة من السفر إلا مع محرم: مما يسلبها حريتها ويجعلها مقيدة برأي محرمها الذي تسافر معه.

وبالجملة، يرى هؤلاء أن المرأة في الإسلام دائما تحت سلطان الرجل وإمرته؛ سواء في بيت أبيها فهو وليها والقيم على أمرها، ومن حقه أن يجبرها على ما يريد، أو في بيت زوجها فلا تستطيع أن تفعل شيئا إلا بعد إذنه ورضاه.

  1. وممايراههؤلاءهضمالحقالمرأة،وتهميشالدورهافيالمجتمعأنالإسلامفيظنهم: منعهامنمزاولةالوظائفالعامة،وتقلدالولاياتوالنيابات،وحرمهامنحقوقهاالسياسية.
  2. كمايرونأنالتحيزللرجلوتمييزهعنالمرأةيبدوجليا حين اعتبر الإسلام شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل.[5]
  3. أماالظلمالصارخللمرأةوالتفضيلالبينللرجل - منوجهةنظرهم - فإنهيتجلىفينظامالميراثفيالإسلام؛إذأعطىللذكرمثلحظالأنثيين.

وبهذه المزاعم المفتراة يعتقد هؤلاء المتوهمون أن الإسلام لم يقدم جديدا للمرأة سوى أنه قنن نظرة الجاهلية لها، بل زاد عليها أمورا جعلتها أحط مكانة منها في الجاهلية، كما تقرر نصوص كثيرة؛ منها: حديث: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم[6] من إحداكن». [7] وحديث: «لا يصح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صح لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها» [8].

ولقد وصل سوء فهمهم وتجاوزهم إلى حد أن زعموا أن الإسلام سوى بين المرأة والغائط؛ إذ إن مسها ينقض الوضوء تماما كإتيان الغائط، قال عز وجل: )أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء( (المائدة: ٦).

وجوه إبطال الشبهة:

1) سبب هذا الخلط والاشتباه - في قضايا المرأة - راجع إلى جمود بعض المتشددين من المنتسبين إلى الإسلام - وهم قلة - وإلى كيد الجموع المتربصة من أعدائه، ويجب أن لا يحمل الإسلام أخطاء هؤلاء ولا مغالطات أولئك.

2) يبدو أن قضية المرأة مفتعلة من أساسها؛ ذاك أن الواقع يقر أنه لا مشكلة للمرأة فيما خصها الإسلام من تعاليم، فقد أنصفها بما لم ينصفها غيره من الشرائع والفلسفات، ولكن هؤلاء استغلوا جمود الجامدين واستدرجوا الجاحدين، فحولوا المسألة من فراغ إلى قضية في حياة الشرق المسلم منذ مطلع القرن الماضي.

3) تدني مكانة المرأة قبل ظهور الإسلام وعند الأمم والشعوب المختلفة قديما وحديثا يؤكد عظم صنيع الإسلام وتكريمه للمرأة، ورفعه مكانتها وشأنها.

4) الإسلام هو الذي كرم المرأة وأعطاها حقوقها، بعد أن لم يكن لها أي حق، ورفع عنها الظلم الذي أوقعته بها الأمم الأخرى.

5) للمرأة في الإسلام أن تمارس الأعمال المشروعة، متقيدة بالضوابط الشرعية، وغير مقصرة في مهمتها الأصلية، وهي رعاية بيتها وتربية أبنائها، وأن تراعي الأولى فالأولى، فهي ليست رهينة المحبسين كما يدعي المفترون.

6)  فيتاريخالمسلمينأعلاممنالنساءفيكلميدان،اجتهدنفيعملهنولم يقصرن في أداء مهامهن.

7) أما بالنسبة لمزاولة المرأة للوظائف العامة والنيابات والولايات والمشاركة في العمل السياسي، فالإسلام لا يمنع المرأة من ذلك؛ حيث يبيح لها أن تكون رئيسة لآلاف الرجال في هذه الوظائف، ما دامت تمتلك من المؤهلات الشخصية ما يؤهلها لذلك، باستثناء الرئاسة العليا للدولة إجماعا، والقضاء على خلاف فيه.

8) سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في جملة الحقوق والواجبات - ولا تعنينا التقاليد التي أحدثها الناس - وإذا كانت في الإسلام فروق معدودة بين الرجل والمرأة؛ فقد جاءت احتراما لأصل الفطرة الإنسانية، وما يتصل بذلك من تفاوت الوظائف، وتلك الفروق نوضحها بالآتي:

  • عقدالزواج: اشترطالإسلاملصحةعقدالزواجرضاالمرأة،فالثيب[9] تستأمروالبكر[10] تستأذن،فأينالمصادرةالمزعومةعلىحقهافياختيارزوجها؟!
  • القوامة: تعنيالمسئوليةوالقيادةوالإشرافلاالاستبدادوالدكتاتورية، واختص بها الرجل لما جبلت عليه شخصيته من صفات تؤهله لهذه القيادة، فهو أقرب إلى تحكيم النظر العقلي المتزن، بخلاف المرأة التي تتحكم في تصرفاتها العاطفة المتغيرة في الغالب، كما أن الرجل هو الذي يتحمل تبعات هذه المسئولية من: تأثيث منزل الزوجية وتجهيزه، وتكاليف الزواج، ودفع المهر، ثم بعد ذلك النفقة على الأسرة، في حين أن المرأة لا تتحمل من ذلك شيئا، كما أن هناك تبعات أخرى للقوامة لا تستطيع المرأة القيام بها بحكم طبيعتها؛ مثل: الحماية والرعاية والولاية، وتوفير الأمن والاستقرار للأسرة، فهي منوطة بقوامة الرجل، والواقع ومشاهدات الحياة يؤكدان أن الزعامة السياسية والوظيفية والأسرية كانت - ولا تزال - للرجل في كل مكان وزمان، وذلك راجع إلى اختلاف الصفات الطبيعية، والخصائص الفسيولوجية، والملكات الفطرية، والقدرات النفسية بين الجنسين، والتي يكمل بعضها بعضا، وليس في تلك التبعية حط من منزلة المرأة ومكانتها، بل على العكس نجد المرأة تشرف وتفتخر حين تكون تحت قيادة رجل حازم، وإنما التبعية عند أعداء المرأة - من أدعياء تحريرها - حين ينسبونها إلى زوجها لا إلى أبيها، وحين يجردونها من طبيعتها الأنثوية، ويتركونها تناطح الرجال في معتركات الحياة القاسية التي تتصادم مع طبيعتها، ثم التجارة بها باسم تحرير المرأة.
  • الضرب: ولايكونإلاللناشز[11]فقط؛لتفاديالطلاقويكونآخرمرحلة،بعدوقتطويلمنالوعظوالإقناع،ثمالامتعاض[12] والهجر،[13] قالتعالى: )واللاتيتخافوننشوزهنفعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا( (النساء: 34)، ويشترط أيضا أن لا يكون مبرحا، فلا يترك أثرا، وأن يتجنب المواضع الحساسة والمكرمة كالوجه مثلا، ثم إن الضرب لا يكون إلا للمرأة الناشز، سليطة اللسان، المجاهرة بعصيان زوجها ومعاندته، الحريصة على إهانته ومخالفة أمره، غير المكرمة لنفسها أو لما بينهما من عشرة... فالضرب بهذه الصورة للتقويم والتأديب والعلاج والإصلاح لا للامتهان والإذلال والازدراء، وهذا ما تحقق على أرض الواقع، فبالرغم من إساءة بعض المسلمين البعيدين عن تعاليم دينهم للمرأة، والاعتداء عليها بالضرب أو غيره، إلا أن المرأة المسلمة هي الأقل من بين أخوات جنسها تعرضا للضرب أو الإهانة على مستوى العالم، بل إن الإحصائيات في الدول التي تدعي المدنية والتحضر - غربية كانت أو شرقية - تدل على شناعة وفظاعة ما تتعرض له المرأة من الاعتداءات المتكررة، التي تصل إلى تكسير العظام، والكي بالنار، للاستمتاع بذلك، لا للعلاج والتهذيب... إلخ، فلم يحدث أن وصل الأمر في الشريعة الإسلامية قط إلى قتل الزوجات أو تكسير العظام.
  • نسبةالولد: ونسبةالأبناءإلىأبيهمهوالأمرالطبيعي،فالمعهودأنتنسبالجماعةإلىقائدها، القائم على أمرها كما أن في ذلك حفظا للأنساب، وصونا للأعراض، وهذا ما عليه معظم الأمم والديانات قديما وحديثا، كما أن في حجب اسم الأم تكريما له عن أن تبتذله الألسن، أو يتساب به السفهاء على قوارع الطريق، وليس في هذا تهوين من أمر بر الأم وتعظيم لبر الأب، بل إن الإسلام راعى أن الأم تتعب أكثر من الأب في عملية الإنجاب والتربية؛ فأوصى بالأم ثلاثة مقابل واحدة للأب.
  • تعددالزوجات: وإباحةتعددالزوجاتللرجلفيالإسلامليسهوالأصل،فالتعددليسأمراإجباريا،بلأمراختياريمشروطبإمكانيةالعدلوالقدرةعلىالإنفاق، ومن مقاصده التقليل من نسبة العنوسة [14] المرتفعة، ووقاية المجتمع من الفاحشة، وإعالة من لا عائل لهن من الأرامل[15] والمطلقات والمرضى، وهل الأفضل للمرأة - إذا كانت عاقرا[16] أو مريضة مرضا مزمنا[17] أو طاعنة في السن - أن تطلق ليتزوج زوجها من غيرها، أم يضم أخرى إليها وتبقى مصونة الحقوق، مرعية الشئون، مكفية الحاجات والنفقات، محمية في ظل زوجها وبيته.... هل الأفضل للمرأة أن تكون زوجة ثانية مكفولة جميع الحقوق السابقة جميعا؟1 أم أن تكون وحيدة تتناوشها[18] الذئاب والوحوش الضارية؟! [19] إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية،[20] والوحدة قرينة الشيطان، فتشريع التعدد إنما هو لصالح المرأة قبل كل شيء، ولحفظها من الضياع خاصة في ظل التزايد المطرد في عدد الإناث، بل على العكس فإن التعدد فيه احترام وتكريم لحرية المرأة، حيث هي التي تختار أن تكون زوجة ثانية ولايجبرها أحد على ذلك، إلا أن تكون محتاجة لهذا،. وهو نظام شائع معروف عند كثير من الأمم والشعوب قديما وحديثا، وعلى العكس من ذلك تقع المفاسد العظيمة إذا أبيح هذا الحق للمرأة من اختلاط الأنساب إذ تكون وعاء لأكثر من رجل، بالإضافة إلى كثير من الأمراض العضوية والجنسية التي تنشأ عن ذلك، كما أن هذا الأمر تأباه الفطر السوية ولا يتقبله أحد من الجنسين.
  • الطلاق: وإنماجعلحقابيدالرجل؛لأنههوالذيتكلفكلمطالبالزواجوالحياةالزوجيةبعدهمنمهرونفقات،وهوالذييخسركلهذامنمالهإذاطلقزوجته،وفيالمقابلجعلالخلع[21] بيدالمرأة،وهيلا تخسر شيئا في البداية ولا في النهاية أيضا، كما أن لها أن تكون العصمة[22] بيدها عند بعض الفقهاء كأبي حنيفة، ولها أيضا اللجوء إلى القضاء. فأيهما أفضل حالا وأحسن حظا؟! المرأة التي إذا كرهت؛ اختلعت تخسر شيئا، أما الرجل إذا كره طلق وخسر ماله؟! كما أن طبيعة الرجل العقلية تؤكد أحقيته بالقوامة وتؤهله لجعل الطلاق بيده بخلاف طبيعة المرأة العاطفية المتقلبة أحيانا والانفعالية المتأثرة أحيانا أخرى.
  • المحرم: [23] وجودالمحرممعالمرأةفيالسفر؛ليحميهاويحرسهامنأنينالهاأحدبسوء؛لأنهاإذاسافرتبلامحرمكانتعرضة لحوادث الطريق المريعة[24] وشباك قطاع الطرق، وما جنت المرأة من سفرها مفردة في أعظم دول العالم حضارة إلا الاغتصاب أو الأسر والاتجار بها في سوق الدعارة. [25] فانظر إلى تكريم الإسلام للمرأة حين يحفظها كالجوهرة المصونة، ويجعلها كالملكة المحصنة بالجنود والحرس، فلا يستطيع أن يقربها أحد، فضلا عن أن يعتدى عليها، وما اعترض المغالطون على ذلك إلا لأن الإسلام حرمهم من نزواتهم الفاجرة، وسد أمامهم كل سبيل أرادوا أن ينتهكوا الأعراض من خلاله أو يجدوها فيه سهلة المنال ميسورة الطلب.

هل بعد هذا يستطيع أحد أن يدعي أن المرأة في الإسلام تابعة للرجل واقعة تحت قهره وسلطانه؟! إن الإسلام حين سن هذه التشريعات صان المرأة وكرمها وحفظها من أيدي الماجنين العابثين الذين أرادوها ألعوبة في أيديهم، وأداة للاتجار بها، ووسيلة سهلة ميسورة للمتاع، ثم إلقاءها في سلة المهملات، فهذه لا تنطلي عليها دعواتهم البراقة، ولتتعظ المرأة بمن سقطن في شباكهم.

9)لم يظلم الإسلام المرأة ولم يهضمها حقها حين جعل شهادتها نصف شهادة الرجل لأن الشهادة تقوم على شروط ليست عائدة إلى وصف الذكورة والأنوثة، وإنما إلى العدالة والضبط وعدم التحيز، وإلى الصلة بموضوع الشهادة والدراية به، وعليه فشهادة المرأة تختلف من موضع إلى آخر، فالمرأة لا تشهد في القصاص[26] والحدود[27] مطلقا، وشهادتها تعدل نصف شهادة الرجل في المبايعات[28] والمداينات،[29] وتساوي شهادة الرجل في اللعان،[30] وتنفرد بالشهادة دون الرجل في أحوال الولادة وإلحاق النسب والرضاعة؛ وبهذا تبين أن الإسلام لم يظلم المرأة حين جعل شهادتها نصف شهادة الرجل في بعض الأمور التي لا دخل للنساء فيها كالمبايعات والمداينة.

10)   ليسصوابامايظنمنأنحقيقةالميراثفيالإسلام،ترتبطبالنوع؛بلالصوابأنأنصبةالميراثلاتتفاوتحسبالذكورةوالأنوثة، وإنما حسب درجة القرابة، وموقع الجيل الوارث، والعبء المالي،[31] والمرأة لا ترث نصف الرجل إلا في أربع حالات وترث في إحدى عشرة حالة مثل الرجل، وترث في أربع عشرة حالة أكثر من الرجل، وترث في خمس حالات ولا يرث نظائرها من الرجال... والحالات الأربع التي ترث فيها نصف الرجل ترجع إلى العبء المالي الذي يوجبه الإسلام على الرجل في مقابل إعفاء المرأة من هذه الالتزامات.

11)   وليسمنالصحةفيشيءمايقالمنأنالإسلامسوىبينالمرأةوالغائطلأنهأمربالتطهرمنهما: )أوجاءأحدمنكممنالغائطأولامستمالنساء( (المائدة: 6)؛ ذاك أن الإسلام حين أوجب التطهر من مس النساء - والمقصود به الجماع أو المس بشهوة - كان هذا أمرا يرجع إلى الإنسان الماس نفسه لا إلى المرأة، كما أنه ليس كل ما يتطهر منه نجسا أو مستويا في وصفه؛ فالإنسان حين يصيب ثوبه أو بدنه عسل أو لبن أو يغمس يده أو ثوبه في العسل أو اللبن، فإنه ينظف ثوبه وبدنه منه تماما، كما يفعل إذا أصابته نجاسة، فهل العسل أو اللبن يستوي والنجاسة إذ ينظف المسلم منهما جميع ثيابه وبدنه؟!

12)    الأحاديثالتيتوحيبدونيةالمرأة؛إماضعيفةواهيةأوموضوعةمكذوبة،ولاأصللهافيالحديثالنبوي وفي الإسلام بعامة، بل معارضة معارضة جلية لنصوصه الصحيحة، وما صح في ذلك فله تفسيره الذي لا يشعر إلا بتكريم المرأة ورفع مكانتها وصون حقها.

وبهذا لا يستطيع أحد أن يدعي أن الإسلام لم يقدم للمرأة جديدا، وأن الإسلام لم يكن سوى مقنن لما كانت عليه النظرة الجاهلية للمرأة، فأين كانت المرأة قبل الإسلام؟ وماذا كان لها من الحقوق حتى يقال - بعد كل هذه الحقوق وكل هذا التكريم - إن الإسلام لم يقدم لها جديدا؟!

وكذلك تتضح منزلة المرأة في الإسلام وتشريفه لها ورفعه مكانتها، على عكس ما هي عليه عند الأمم والشعوب قديما وحديثا.

التفصيل:

أولا. المرأة بين جمود الجامدين وجحود الجاحدين:

ما ابتلي الإسلام على يد قوم قدر هاتين الطائفتين - الجامدين من جهة والجاحدين من جهة أخرى - خاصة في مجال فقه المرأة وأحكامه، فقد نفذت من هذه النافذة على يد الجاحدين، إلى كبد الإسلام سهام مريشة، [32] مستغلين جهالات الجامدين وبعض الأوضاع في واقع المسلمين، فأصابت سهامهم كثيرا وأدمت، لا لصدق دعاواهم وعدالة قضاياهم، بل لسوء نواياهم وخبث طواياهم.

يعتصر الألم نفس الداعية الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - وهو يقول: "والذي يحز في نفسي أن جمهورا من المتدينين الجهلة في بلادنا تبنى مفاهيم الجاهليات، وقرر أن يحيا في نطاقها، وزاد إلى هذه السفاهة أن قرر الدعوة إليها بحسبانها مفاهيم إسلامية! كيف نحمي الإسلام من أصدقائه الجهلة؟ فهم أضر عليه من أعدائه السافرين؟!

في دراستي للمجتمع العربي قبيل البعثة الشريفة وفي مطلع الدعوة الإسلامية، وجدت وضع المرأة أوضح وأرسخ من وضعها أيام انحلال الأمة في عصور الهزيمة والانحلال الأخيرة، وبعد أن يروي من أخبار التاريخ ما يؤيد وضوح وضعها، وتقدير قيمة دورها في الحياة، ومن ذلك خبر بيعة نساء الأنصار للرسول يواصل حديثه قائلا: أذكر أن أحد العلماء المسئولين عتب علي أني حين أدخل للتدريس بين الطالبات ألقي عليهن السلام! قلت: وما الحرج في أن يسلم أستاذ على تلميذاته؟! قال: هذا لا يجوز! قلت له إن البخاري روى جواز هذا ووقوعه، فقال: لكن العلماء لم يأخذوا بروايته. قلت: أي علماء؟! إن الجهال هم الذين يقولون في الإسلام بغير علم، ويرجحون تقاليد آبائهم على الإسلام.

في عصور متطاولة كان نصيب المرأة قليلا من الرحمة العامة الغامرة، التي بعث بها صاحب الرسالة الخاتمة! حاشا عصر البعثة الشريفة والخلافة الراشدة، فإن المرأة شهدت أياما ذهبية. وتأمل موقف النبي الكريم من جميلة بنت أوس، عندما جاءته تشكو بقاءها في بيت الزوجية، لا لشيء إلا لأنها تكره هذا الزوج وتعاف عشرته! إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة» [33]!

إن الأسرة لا تقوم على امرأة تبغض الرجل وتشتهي مفارقته، ومن هنا قال سبحانه وتعالى: )فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به( (البقرة: 229)، هل هذا الخلع طلاق أم فسخ لعقد؟

بحث لا نتعرض له هنا، وإنما نتعرض لعوج فقهي، أو قانوني عاصرته في مصر؛ فقد كان القضاء الشرعي يحكم بأن يقود رجال الشرطة المرأة الكارهة بالقوة إلى بيت الطاعة لتحتضن من تبغض!! وكان رد الفعل على هذا المسلك أن وضع باسم الشريعة قانون آخر يخرج الرجل من البيت إذا أوقع الطلاق.

لم هذا الاضطراب في فهم الدين وتطبيقه؟ وأين قوله سبحانه وتعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان( (البقرة: 229)، إن للمسلمين غرائب في فهم شريعة الخلع وشريعة الطلاق لا تقوم على فقه واع واسع الأفق [34]!!

وقد صدق الشيخ فإن دعاة التنوير - الذي يوشك أن يكون تزويرا - وأساتذتهم من المستشرقين المغرضين - وهم الأكثرية في ميدان الاستشراق - قد تلقفوا مثل هذه الأفكار والأوضاع ونفثوا فيها من ريق سحرهم البغيض، واستدرجوا قطاعات من المرأة المسلمة لتنقلب على دينها ومجتمعها، وتلبس لباسهم، وترى بمنظارهم، وتتكلم بمثل كلامهم.

يعري هذه المواقف ويكشف طبيعة مراميها د. جيرة بقوله: وفي ظل الاستعمار ظهرت قوى الاستنارة، التي أخذت تنظر إلى الحياة بمنظار الغرب، وتبني حياتها الاجتماعية على فلسفات الغرب.

تلك القوى التي أوجد المبشرون بعضها، وبعضهم الآخر التقت أهدافه مع أهدافهم؛ فنشأت أجيال تنادي بتحرير المرأة، وأن تصبح المرأة في مجتمعنا الشرقي مثل المرأة الأوربية، التي شاهدها ووصفها رفاعة الطهطاوي في كتابه "تخليص الإبريز"، والذين نادوا بذلك إنما هم تلامذة المستشرقين، وبعض المستشرقين كانوا في الأصل مبشرين، وقد ترجمت دراساتهم وأبحاثهم، وتربي عليها قادة التنوير، وكثيرون من الذين ذهبوا إلى أوربا بهدف التعليم عادوا إلينا وهم يحتقرون تاريخهم، وينبذون كل مقومات الحياة الاجتماعية في أوطانهم.

والغريب أن المستشرقين الذين أصبحوا أساتذة لأبناء المسلمين؛ بسبب حاجة المسلمين إلى التعليم، وحاجتهم إلى تغير المسلمين، كانوا حريصين على أن ينسبوا كل تخلف في مجالات الحياة عند المسلمين إلى تخلف المرأة عندهم... ومن هنا بدأت فكرة تعليم المرأة من قبل تلامذة المستشرقين والمبشرين، ولهذا لم تبدأ البداية الصحيحة، حيث أخذ المبشرون بزمام الأمر، ثم عهدوا إلى المستنيرين من تلامذتهم بإتمام دورهم، إن بدا أنهم عاجزون أو حدث النفور العام من أسلوبهم[35].

وفي هذا السياق أيضا يزيد د. البوطي الأمر جلاء، حين يقول: "أحكام المرأة في الإسلام قديمة قدم الإسلام ذاته، فهي ليست وليدة تطورات زمنية أو ثورات إنسانية أو أعراف متجددة، ومع ذلك فلم نسمع من ينتقد هذه الأحكام أو شيئا منها باسم الانتصار للمرأة، والدفاع عنها إلا في هذا العصر، فما السبب؟!

هل كانت الأجيال السابقة أقل اهتماما بالمرأة ومصالحها، أم هل كانت أقل تنبها إلى ما يراه كاتبو اليوم وباحثوه من أن الإسلام لم ينصف المرأة فيما قرر لها من حقوق وألزمها به من واجبات؟ والحق أن ليس في الأمر هذا ولا ذاك؛ فلا السابقون كانوا أقل غيرة على المرأة وحقوقها، ولا خلفهم اليوم أكثر حذقا في فهم الشريعة الإسلامية والانتباه إلى نقائصها، إن كان فيها نقص أو ثغرات، ومعاذ الله أن يكون فيها شيء من هذا أو ذاك.

إنما السبب أن الغرب لم يكن فيما مضى في وضع يمكنه من الكيد للإسلام، إذ كان مشغولا بإصلاح شأنه والتخلص من مشكلاته، والعمل على جمع شمله. فلما أتيح له أن ينهض من كبوته ويفيق من تخلفه، رأى في الإسلام والمسلمين الخطر المهدد لنهضته، ورأى في الذخر الذي متعهم الله به ما أطمعه في بلادهم، فوضع كل همه في السعي إلى اختراق، بل إلى تقويض أقوى وأهم حصن يقي المسلمين عادية أي سوء قد يطوف بهم أو يتسرب إليهم، ألا وهو الإسلام نفسه، بما فيه من عقائد علمية راسخة عن الكون والإنسان والحياة، وأحكام سلوكية تمتعهم بحضارة إنسانية باذخة.

ونظر قادة الغرب، فوجدوا أن مجال التربية أفضل ساحة لتمرير هذا الكيد والبلوغ به إلى الهدف المرسوم. ثم تأملوا فوجدوا أن عنصر المرأة أمضى سلاح لفرض التربية المطلوبة وإحلالها محل التربية الإسلامية الراشدة.

وسبيل ذلك أن يؤلب[36] الغرب المرأة على الإسلام وآدابه بحجة أنه لم ينصفها، ولم يرع إنسانيتها، ولم يضمن لها كامل حقوقها، ثم أن يقذف هوى نظامه في فؤادها، بحيث ترى أنه النظام الوحيد الذي يرعى حقوقها ويحمي كرامتها، ويؤكد مساواتها بالرجل في كل الشئون والأحوال.

فبذلك تتحول المرأة المسلمة إلى عنصر معارضة للإسلام، لتصبح في الوقت ذاته أداة طيعة في يد الغرب، ورسول دعوة إلى مبادئه وأفكاره، ونظرا إلى أن المرأة أينما كانت، هي المصدر الأول لتربية أولادها، فلسوف تغدو المرأة المسلمة خير مصدر لغرس التربية الغربية في نفوس الناشئة الإسلامية، وبذلك ينحسر سلطان الإسلام عن المجتمع الإسلامي بجهود مباشرة من المسلمين أنفسهم.

لا شك أن هذا الأمر الذي وصفت ينطوي على مأساة، ولكن المأساة الكبرى لا تكمن في الافتئات[37] على الإسلام، ولا في إظهار الشفقة الكاذبة على المرأة المسلمة في المجتمع الإسلامي، وإنما تكمن في موقف بعض المسلمين من هذا الافتئات، بل من هذا النفاق في إبراز الشفقة الكاذبة على حال المرأة المسلمة"[38].

ثانيا. قضية مشكلة المرأة قضية مفتعلة استغلها هؤلاء وحولوا المسألة إلى قضية حياة الشرق المسلم منذ مطلع القرن الماضي:

  • إفكمفترى:

لقد بلغ الافتراء على الإسلام مداه - وبخاصة في شأن المرأة - حتى بلغ حدا لا يكاد يصدق من إبطال الحق وإحقاق الباطل، يصوره قول د. السباعي في ثنايا حديثه عن تشويه الاستعمار لحقائق الإسلام -، فيقول: "إنه لأمر تتركز عليه جهود علمائهم المنحرفين ولاهوتييهم[39] المتعصبين، وصحافيهم المأجورين، وكتابهم وأدبائهم المتاجرين بالأدب؛ ليكتبوا للجمهور عندهم كل غريب وكل طريف عند الأمم الأخرى وبخاصة المسلمون.

إنك إذا قدر لك أن تزور أوربا كان أول حديث بينك وبين أي أوربي، حين يعرف أنك مسلم، حول موقف الإسلام من المرأة، وإهانته لها!! وانتقاصه لحقوقها، فهم يزعمون أن المرأة مهينة القدر مهيضة الحقوق في الإسلام، حتى لقد كتب كاتبون منهم، وتحدث متحدثون كما روى لي ذلك شاب مسلم، سمع ذلك بأذنه، حين لقيته في أوربا في صيف أحد الأعوام، أن الإسلام يحظر على المرأة دخول الجنة وأن ليس لها فيها مكان تستريح فيه أو تنفذ إليه" [40].

  • قضيةمفتعلة:

كيف استغل الشياطين جمود الجامدين واستدرجوا الجاحدين، فحولوا المرأة - من فراغ، حيث لا أساس في الأصل لقضية - إلى قضية في حياة الشرق المسلم مع مطالع القرن الماضي، أقاموا فيها الدنيا ولم يقعدوها حتى الآن، وتراكمت بمرور الزمن مضاعفاتها - ولا تزال -، وهي تقذف كل يوم بالجديد من الشبهات، والطازج من الأباطيل المثيرة للجدل والخلاف. كيف؟ هذا ما تستطيعه مهارات الأبالسة.

حقا كانت للمرأة في الغرب قضية لها مسبباتها ومضاعفاتها، فهل كان الأمر على الشاكلة نفسها في الشرق؟! الحق: لا، لا من حيث الدواعي ولا الوقائع والظواهر، وإن كان لدى المرأة في الشرق بعض المضايقات، الرجل من أسبابها، فما الذي حول قضيتها - بطريقة جهنمية - إلى مواجهة مع تعاليم الدين في شأن مسائل كالحجاب والميراث والزواج والطلاق... إلخ؟! أليس في الأمر ما يثير الشكوك ويغري بالتساؤلات؟!

ولندع الأستاذ محمد قطب ينبش عن جذور هذه القضية ولنتابع معه تطورات نمو سيقانها وأوراقها التي مازالت تتساقط علينا شبهات وفرى؛ كتب فضيلته تحت عنوان "قضية تحرير المرأة" يقول: "بطل هذه القصة هو قاسم أمين، شاب نشأ في أسرة تركية مصرية - أي: محافظة - فيه ذكاء غير عادي، حصل على ليسانس الحقوق الفرنسية من القاهرة وهو في سن العشرين، بينما كان هناك في عصره من يحصل على الشهادة الابتدائية في سن الخامسة والعشرين!

ومن هناك التقطه الذين يبحثون عن الكفاءات النادرة والعبقريات الفذة ليفسدوها، ويفسدوا الأمة من ورائها! التقطوه وابتعثوه إلى فرنسا لأمر يراد. اطلع قبل ذهابه إلى فرنسا على رسالة لمستشرق يتهم الإسلام باحتقار المرأة وعدم الاعتراف بكيانها الإنساني، وغلى الدم في عروقه - كما يصف في مذكراته - وقرر أن يرد على هذا المستشرق ويفند افتراءاته على الإسلام. ولكنه عاد بوجه غير الذي ذهب به! لقد أثرت رحلته إلى فرنسا في هذه السن المبكرة تأثيرا بالغا في كيانه كله، فعاد إلى مصر بفكر جديد وعقل جديد ووجهة جديدة. عاد يدعو إلى "تعليم المرأة وتحريرها" على ذات المنهج الذي وضعه المبشرون وهم يخططون لهدم الإسلام!

يقول في مذكراته: إنه التقى هناك بفتاة فرنسية أصبحت صديقة حميمة له، وإنه نشأ بينه وبينها علاقة عاطفية عميقة، ولكنها بريئة، وإنها كانت تصحبه إلى بيوت الأسر الفرنسية والنوادي والصالونات الفرنسية، فتفتح في وجهه البيوت والنوادي والصالونات ويكون فيها موضع الترحيب. وسواء كان هو الذي التقى بها أم كانت موضوعة في طريقه عمدا؛ ليلتقي بها، فقد لعبت هذه الفتاة بعقله كما لعبت بقلبه، وغيرت مجرى حياته، وجعلته صالحا للعب الدور المطلوب، الذي قررت مؤتمرات التبشير[41] أنه لا بد منه لهدم الإسلام! ونحن نميل إلى تصديقه في قوله: إن العلاقة بينه وبينها كانت بريئة، لا بالمعنى الإسلامي للبراءة بطبيعة الحال، ولكن بمعنى عدم وصول هذه العلاقة إلى درجة الفاحشة، فإنها - على هذه الصورة - تكون أقدر على تغيير أفكاره من العلاقة المبتذلة التي تؤدي إلى الفاحشة؛ لأن الفتاة ستكون حينئذ ساقطة في حسه غير جديرة بالاحترام، وغير جديرة بأن تكون مصدر إلهام.

وسواء كانت الفتاة قد مثلت الدور بإتقان، لتظل العلاقة بينه وبينها روحية وفكرية لتستطيع التأثير عليه، أم كانت تربيته المحافظة في الأسرة المنحدرة من أصل تركي هي التي وقفت بهذه العلاقة عند الحد الذي يصفها بالبراءة، فالنتيجة النهائية كانت انقلابا كاملا في كل كيانه.

ولنحاول أن نتصور كيف حدث التغيير. هذا شاب عبقري، نعم، ولكنه قادم من بلاد محتلة، تحتلها إحدى الدول الأوربية، وهو قادم إلى أوربا، تلك التي يتحدث قومه عنها بانبهار المأخوذ، وتمثل في حسهم العملاق الضخم الذي يتضاءل الشرق أمامه وينزوي. فنستطيع عندئذ أن نتوقع أنه قادم إلى أوربا وهو منخنس داخل نفسه، يحس بالضآلة والقزامة، ويتوجس أن يزدرى في بلاد العمالقة؛ لأنه قزم قادم من بلاد الأقزام، وأقصى ما يتمناه قلبه أن يجد الطمأنينة النفسية والعقلية في تلك البلاد الغريبة التي لا يكاد يستوعبها الخيال!

وبينما هو كذلك - منكمش متوجس - إذا بهذه الفتاة تبرز له في الطريق فتؤنس وحشته بادئ ذي بدء، فيزول عنه انكماشه وتوجسه، ويذهب عنه توتر أعصابه، ويشعر بالطمأنينة في المهجر. ثم إن هذه الفتاة تبادله عواطفه - كما قص في مذكراته - فيشعر فوق الطمأنينة بالسعادة والغبطة، ويزداد استقرار نفسه، فلا يعود يشعر بالغربة النفسية الداخلية، وإن بقيت الغربة بالنسبة للمجتمع الخارجي الذي لم يحتك به بعد.

غير أن الفتاة تنتقل معه - فتنقله - خطوة أخرى، فهي تصحبه إلى الأسر الفرنسية فتفتح له تلك الأسر أبوابها وترحب به، وتصحبه إلى النوادي والصالونات، فترحب به كذلك. وهنا تزول الغربة نهائيا، سواء بالنسبة لمشاعره الخاصة أو بالنسبة للمجتمع الخارجي، وينطلق في المجتمع الجديد واثقا من نفسه واثقا من خطواته. كيف تصير الأمور الآن في نفسه؟ كيف ينظر إلى العلاقة بينه وبين هذه الفتاة؟ وكيف ينظر إلى التقاليد التي تم عن طريقها كل ما تم في نفسه من تغيير؟! علاقة بريئة، أي لم تصل إلى الفاحشة، نمت من خلالها نفسه نموا هائلا، فخرجت من انكماشها وعزلتها؛ واكتسبت إيجابية وفاعلية مع نمو في الثقافة وسعة في الأفق؛ ونشاط وحيوية.

ما عيب هذه التقاليد إذن؟ وما المانع أن تكون تقاليدنا نحن على هذا النحو البريء؟!! هناك بلا شك - مهما أحسنا الظن - مجموعة من المغالطات في هذا المنطق - وبعد أن يعدد المؤلف هذه المغالطات المتمثلة في الخلوة المحرمة وما ترتب عليها من شيوع الفاحشة في هذه المجتمعات، ويستطرد الأستاذ محمد قطب قائلا: وأيا كان الأمر، فقد عاد قاسم أمين من فرنسا داعيا لتحرير المرأة، داعيا إلى السفور ونزع الحجاب.

نفس الدعوة التي دعا بها رفاعة الطهطاوي من قبل عند عودته من فرنسا، فللقضية جذورها القديمة إذن، مع فارق رئيس، لا في الدعوة ذاتها، ولكن في المدعوين؛ فإن أكثر من نصف قرن من الغزو الفكري المستمر كانت قد فعلت فعلها في نفوس الناس، فلم تقابل دعوة قاسم أمين بالاستنكار البات الذي قوبلت به دعوة رفاعة الطهطاوي، ولم توأد في مهدها كما وئدت الدعوة الأخرى من قبل!

ومع ذلك فلم يكن الأمر سهلا؛ فقد أثار كتاب "تحرير المرأة" معارضة عنيفة جعلت قاسم أمين ينزوي في بيته خوفا أو يأسا، ويعزم على نفض يده من الموضوع كله. ولكن سعد زغلول شجعه، وقال له: امض في طريقك وسوف أحميك.

عندئذ قرر أن يعود، وأن يسفر عن وجهه تماما! فلئن كان في الكتاب الأول قد تمحك في الإسلام، وقال إنه يريد للمرأة المسلمة ما أعطاها الإسلام من حقوق، وفي مقدمتها التعليم، فقد أسقط الإسلام في كتابه الثاني"المرأة الجديدة" ولم يعد يذكره، إنما صار يعلن أن المرأة المصرية ينبغي أن تصنع كما صنعت أختها الفرنسية، لكي تتقدم وتتحرر، ويتقدم المجتمع كله ويتحرر!! وهكذا سقط الحاجز المميز للمرأة المسلمة، وصارت هي والمشركة أختين بلا افتراق!

والآن وقد صار للمرأة قضية فلا بد للقضية من تحريك، وتبنى القضية فريق من النسوة على رأسهن هدى شعراوي، وفريق من الرجال المدافعين عن حقوق المرأة. وأصبح الحق الأول الذي تطالب به النسوة هو السفور، وصارت القضية التي يدور حولها الجدل هي السفور والحجاب. من أين جاءت القضية؟!

حين قامت الحركة النسوية في أوربا كان للمرأة بالفعل قضية! قضية المساواة في الأجر مع الرجل الذي يعمل معها في نفس المصنع ونفس ساعات العمل، بينما تتقاضى هي نصف ما يتقاضاه الرجل من الأجر. وحين اتسعت القضية هناك وتعددت مجالاتها - تلقائيا أو بتخطيط الشياطين - فقد كان محورها الأول هو قضية المساواة مع الرجل في الأجر، ترجع إليه كلما طالبت - أو طولب - لها بحق جديد، حتى أصبحت القضية هناك في النهاية هي قضية المساواة التامة مع الرجل في كل شيء، ومن بين ذلك: حق الفساد الذي كان الرجل قد وصل - أو وصل - إليه، فصار حق الفساد داخلا بدوره في قضية المرأة.

أما في مصر - أو في العالم الإسلامي - فلم تكن للمرأة قضية خاصة! إنما كانت القضية الحقيقية هي انحراف هذا المجتمع عن حقيقة الإسلام، مما سميناه "التخلف العقدي" وما نتج عن هذا التخلف العقيدي من تخلف في جميع مجالات الحياة. وما تحقير المرأة وإهانتها وعدم إعطائها وضعها الإنساني الكريم إلا مجال من المجالات التي وقع فيها التخلف عن الصورة الحقيقية للإسلام، وعلاجها - كعلاج غيرها من الحالات جميعا - هو العودة إلى تلك الصورة الحقيقية، والتخلي عن ذلك التخلف المعيب.

تلك هي القضية، وهي ليست قضية المرأة ولا قضية الرجل، إنما قضية الأمة الإسلامية كلها، بجميع رجالها ونسائها وأطفالها وحكامها وعلمائها وكل فرد فيها، وتخصيصها بأنها قضية المرأة تخصيص لا يعالج القضية فضلا عن مجانبته للنظرة العلمية الفاحصة؛ لأنه يأخذ عرضا من أعراض المرض فيجعله مرضا قائما بذاته، ويحاول علاجه، فلا يقدر لهذا العلاج أن ينجح؛ لأنه يتعامى عن الأسباب الحقيقية من ناحية، ويفتقر إلى الشمول من ناحية أخرى.

وإذا كان لا بد للقضية من موضوع، فقد جعلت القضية - فجأة بلا مقدمات حقيقية - قضية الحجاب والسفور!! لقد كانت القضية في أوربا منطقية في ظاهرها، أو في بدايتها على الأقل. فحين تضطر المرأة إلى العمل - لظروف ليس هنا مجال تفصيلها - ثم تعطى نصف أجر الرجل الذي يقوم بنفس العمل، فطلب المساواة في الأجر قضية حقيقية من جهة، وجيهة كل الوجاهة من جهة أخرى.

أما قضية الحجاب والسفور فما مكانها من المنطق؟ وما مكانها من الحق؟!

لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة، فترفع المرأة قضيتها ضده لتتخلص من الظلم الذي أوقعه عليها، كما كان وضع القضية في أوربا بين المرأة والرجل، إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها، الذي لا تملك - إن كانت مؤمنة - أن تجادله سبحانه فيما أمر به، أو يكون لها الخيرة من الأمر: )وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا (36)( (الأحزاب).

ثم إن الحجاب في ذاته لا يشكل قضية، فقد فرض الحجاب في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونفذ في عهده، واستمر بعد ذلك ثلاثة عشر قرنا متوالية. وما من مسلم يؤمن بالله ورسوله يقول: إن المرأة كانت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مظلومة.

فإذا وقع عليها الظلم بعد ذلك، حين تخلف المسلمون عن عقيدتهم الصحيحة ومقتضياتها، فلم يكن الحجاب - بداهة - هو منبع الظلم ولا سببه ولا قرينه؛ لأنه كان قائما في خير القرون على الإطلاق، التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني».[42] وكان قرين النظافة الخلقية والروحية، وقرين الرفعة الإنسانية التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية كله.

لكن المطلوب هو نزع الحجاب! المطلوب هو السفور! المطلوب هو التبرج! المطلوب هو أن تخرج المرأة في النهاية عارية في الطريق! ذلك ما تطلبه مؤتمرات المبشرين، وما يطلبه الصليبيون الذين يخططون. فلتكن القضية إذن هي قضية السفور والحجاب، وليوصف الحجاب بكل شر يمكن أن يرد على الذهن، وليوصف السفور بكل خير يخطر على البال. ولتبدأ القضية من هنا. ولتنته حيث يريد الشياطين!

تلقفت القضية - كما قلنا - مجموعة من النسوة، فطالبن بالسفور على أنه حق للمرأة، سلبها إياه المجتمع أو سلبها إياه الرجل الأناني المتحجر المتزمت الرجعي متعفن الأفكار، وكانت زعيمة النهضة النسوية هدى هانم شعراوي التي اتخذت من بيتها صالونا، تقابل فيه الرجال سافرة، في غير وجود محرم.

وكانت قمة المسرحية هي مظاهرة النسوة في ميدان قصر النيل - ميدان الإسماعيلية - أمام ثكنات الجيش الإنجليزي سنة 1919م. فقد كانت الثورة المصرية قد قامت، وملأت المظاهرات شوارع القاهرة وغيرها من المدن، تهتف ضد الإنجليز، وتطالب بالجلاء التام أو الموت الزؤام، ويطلق الإنجليز الرصاص من مدافعهم الرشاشة على المتظاهرين فيسقط منهم كل يوم قتلى بلا حساب.

وفي وسط هذه المظاهرات الجادة قامت مظاهرات النسوة، وعلى رأسها صفية هانم زغلول زوجة سعد زغلول، وتجمع النسوة أمام ثكنات قصر النيل، وهتفن ضد الاحتلال، ثم - بتدبير سابق ودون مقدمات ظاهرة - خلعن الحجاب وألقين به في الأرض، وسكبن عليه البترول، وأشعلن فيه النار، وتحررت المرأة!! سمي "ميدان الإسماعيلية" الذي تحللت فيه المرأة من حجابها الإسلامي "ميدان التحرير"؛ تخليدا لهذه الذكرى العظيمة!! ويعجب الإنسان الآن للمسرحية وخلوها من المنطق!!

فما علاقة المظاهرة القائمة للاحتجاج على وجود الاحتلال الإنجليزي، والمطالبة بالجلاء عن مصر، ما علاقة هذا بخلع الحجاب وإشعال النار فيه؟! هل الإنجليز هم الذين فرضوا الحجاب على المرأة المصرية المسلمة من باب التعسف والظلم، فجاء النسوة يعلن احتجاجهن على وجود الإنجليز في مصر، ويخلعن في الوقت نفسه ما فرضه عليهن الإنجليز من الحجاب؟!

هل كان الإنجليز هم الذين ألبسوا المرأة الحجاب ما يزيد على ثلاثة عشر قرنا كاملة قبل ذلك؟! أو كانوا هم الذين سلبوا المرأة حق السفور منذ ذلك الزمن السحيق، فجئن اليوم يتحررن من ظلمهم، ويلقين الحجاب في وجههم تحديا لهم ونكاية فيهم؟!

أي منطق هذا الذي في هذه المسرحية؟! لا منطق في الحقيقة! ولكن التجارب التالية علمتنا أن هذا المنطق الذي لا منطق فيه هو الطريقة المثلى لمحاربة الإسلام، وأن الذي يقوم بعمل من أعمال التخريب والتحطيم ضد الإسلام ينبغي أن يكون "بطلا" لتتدارى في ظل البطولة أعمال التخريب والتحطيم [43]!

ثالثا. مكانة المرأة قبل ظهور الإسلام وبعده:

1.المرأة في الحضارات القديمة:

يؤكد لنا التاريخ أن المرأة كانت قبل الإسلام مظلومة مهانة من كل الحضارات القديمة سواء حضارات أوربا القديمة أو الفرس، فلم تمر حضارة من الحضارات الغابرة، إلا وسقت المرأة ألوان العذاب، وأصناف الظلم والقهر، وإليكم نبذة عما كانت عليه المرأة في ظل هاتيك الحضارات:

  • فعندالإغريقيين: هيشجرةمسمومة؛يقولسقراط: إنوجودالمرأةهوأكبرمنشأومصدرللأزمةوالانهيارفيالعالم،إنالمرأةتشبهشجرةمسمومة،حيثيكونظاهرهاجميلا،ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالا". وقالوا: هي رجس من عمل الشيطان.
  • وقالعنهاالرومان: ليسلهاروح،وكانمنصورعذابهاأنيصبعليهاالزيتالحار،وتسحببالخيولحتىالموت،وهيعلىأحسنالأحواللخدمةالرجلومتعته[44]. والمرأةتعاملفيالقانونالرومانيكالأطفال والمجانين؛ فهي فاقدة الأهلية[45] بقانون "الألواح الاثني عشر"، الذي نص على أن أسباب انعدام الأهلية: صغر السن والجنون والأنوثة. وسلطة رب الأسرة على بناته وزوجاته تشمل البيع والنفي والتعذيب، بل والقتل [46].
  • وقالعنهاالصينيون: مياهمؤلمةتغسلالسعادة، وللصيني الحق أن يدفن زوجته حية، وإذا مات زوجها حق لأهله أن يرثوه فيها. وكانت القاعدة في الصين "ليس في العالم كله شيء أقل قيمة من المرأة"، و "النساء آخر مكان في الجنس البشري ويجب أن يكون من نصيبهن أحقر الأعمال" [47].
  • وقالعنهاالهنود: ليسالموتوالجحيم والسم والأفاعي والنار أسوأ من المرأة[48]، وليس للمرأة الحق عند الهنود أن تعيش بعد ممات زوجها، بل يجب أن تحرق معه.
  • وفياليونان: كانتالقاعدةأنالمرأةتدخلضمنممتلكاتوليأمرها[49] قبلالزواج،وتدخلضمنممتلكاتزوجهابعدالزواج،ومنالمفكرينمنرأي أن يسجن اسمها في البيت كما يسجن جسمها. وكانت القيمة الحقيقة للمرأة كما سجلها ديموستين هي قوله: "إننا نتخذ العاهرات للذة، ونتخذ الخليلات[50] للعناية بصحة أجسامنا اليومية، ونتخذ الزوجات ليكون لنا أبناء شرعيون"[51].
  • وفيإيطاليا: كانتبعضبلدانهاتعدالزوجةخادمةفيالمنزلوعليهاأنتجلسعلىالأرضبينمايجلسالرجلعلىالمقاعد،وإذاركبزوجهاالحصانفلابدأنتسيرعلىقدميهاخلفهمهماكانبعدالمسافة.

2.المرأة في الأديان السابقة:

  • المرأةفيالتوراة:

لقد ورد في المزمور[52] أن المرأة أصل الخطيئة؛ ولذا استحقت اللعنة، وهي بالخطيئة تحمل؛ ففيه: "هأنذا بالإثم صورت، وبالخطية حبلت بي أمي". (المزمور 51: 5)، وفي سفر[53] التثنية: "إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها، فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء، وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته، ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر، فإن أبغضها الرجل الأخير وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته، أو إذا مات الرجل الأخير الذي اتخذها له زوجة، لا يقدر زوجها الأول الذي طلقها أن يعود يأخذها لتصير له زوجة بعد أن تنجست؛ لأن ذلك رجس لدى الرب. فلا تجلب خطية على الأرض التي يعطيك الرب إلهك نصيبا". (التثنية 24: 1-4).

والبنت في منزلة الخادم عند بعض الفرق اليهودية؛ فقد ورد ذلك في عدة مراجع، ففي سفر أيوب: "ولم توجد نساء جميلات كبنات أيوب في كل الأرض، وأعطاهن أبوهن ميراثا بين إخوتهن". (أيوب 42: 15). أي أن نبي الله أيوب أعطى نساءه ميراثا لأنهن جميلات؛ لأن الأصل عند شرائع اليهود أن تحرم الأنثى من الميراث؛ بنتا كانت أو زوجة، طالما وجد للميت ذرية من الذكور [54].

وفي معتقدات اليهود كذلك يعدون العنصر الأنثوي منتميا إلى اليسار، وهو جانب الصرامة، وهو أيضا جانب النزعة الشيطانية؛ لذا نجد المرأة مرتبطة بهذا التصنيف فهي عندهم غير قادرة على أن تصل إلى درجات الفكر العليا.

كما جاء في سفر الخروج: "وإذا باع رجل ابنته أمة، لا تخرج كما يخرج العبيد". (الخروج 21: 7)، وفي أيام القضاة اشترى بوعز جميع أملاك أليمالك وما لكليون ومحلون، ومن ضمن ما اشتراه راعوث الموآبية امرأة محلون: "فقال بوعز للشيوخ ولجميع الشعب: أنتم شهود اليوم أني قد اشتريت كل ما لأليمالك وكل ما لكليون ومحلون من يد نعمي. وكذا راعوث الموآبية امرأة محلون قد اشتريتها لي امرأة، لأقيم اسم الميت على ميراثه ولا ينقرض اسم الميت من بين إخوته ومن باب مكانه. أنتم شهود اليوم". (راعواث 4: 9، 10)، وفي العهد القديم: "فوجدت أمر من الموت: المرأة التي هي شباك، وقلبها أشراك، ويداها قيود. الصالح قدام الله ينجو منها. أما الخاطئ فيؤخذ بها. انظر. هذا وجدته، قال الجامعة: واحدة فواحدة لأجد النتيجة التي لم تزل نفسي تطلبها فلم أجدها. رجلا واحدا بين ألف وجدت، أما امرأة فبين كل أولئك لم أجد"! (الجامعة 7: 26 - 28).

ويقرن سفر اللاويين المطلقة والأرملة بالزانية، فيعتبرهن دنايا يحرم على الكاهن الزواج منهن: "والكاهن الأعظم بين إخوته الذي صب على رأسه دهن المسحة، وملئت يده ليلبس الثياب، لا يكشف رأسه، ولا يشق ثيابه، ولا يأتي إلى نفس ميتة، ولا يتنجس لأبيه أو أمه، ولا يخرج من المقدس لئلا يدنس مقدس إلهه، لأن إكليل دهن مسحة إلهه عليه. أنا الرب. هذا يأخذ امرأة عذراء.أما الأرملة والمطلقة والمدنسة والزانية فمن هؤلاء لا يأخذ، بل يتخذ عذراء من قومه امرأة. ولا يدنس زرعه بين شعبه لأني أنا الرب مقدسه". (اللاويين 21: 10-15)، كما يفرض نفس السفر أحكاما غاية في القسوة على المرأة حال حيضتها، حتى وصل الأمر إلى أن مجرد مسها ينجس الماس إلى المساء، كما ينجس كل من مس فراشها، أو شيئا من متاعها: "وإذا كانت امرأة لها سيل، وكان سيلها دما في لحمها، فسبعة أيام تكون في طمثها. وكل من مسها يكون نجسا إلى المساء. وكل ما تضطجع عليه في طمثها يكون نجسا، وكل ما تجلس عليه يكون نجسا. وكل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء، ويكون نجسا إلى المساء. وكل من مس متاعا تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحم بماء، ويكون نجسا إلى المساء". (اللاويين 15: 19-22) [55].

كما أن القوانين الحديثة عند اليهود تنص على هذا؛ فالمادة (36) من قانون الأحوال الشخصية للإسرائيليين بمصر تنص على أنه "إذا توفي الزوج ولا ذكور له، تصبح أرملته زوجة لشقيق زوجها أو لأخيه من أبيه، ولا تحل لغيره إلا إذا تبرأ منها". هذا الحكم مصدره سفر الخروج في التوراة، ويسري في حق النساء تلقائيا، وما زال مطبقا حتى اليوم؛ لأنه حكم التوراة، والتي أوضح الإسلام أنها قد حرفت في أمور، وهذا منها [56].

  • المرأةفيالإنجيل:

لقد جاء الإنجيل خاليا من أي نصوص تنظم الحياة الاجتماعية؛ ولذا يعتمد على العهد القديم؛ لأنه من الكتاب المقدس وهو يشتمل على التوراة، وهي التي أوردنا حكمها من قبل، ولكن فكرة الخطيئة الواردة في التوراة انتقلت إلى الأناجيل، ففي رسالة بولس إلى أهل رومية: "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع. فإنه حتى الناموس كانت الخطية في العالم". (رسالة بولس إلى أهل رومية 5: 12، 13)؛ ولهذا قرر مجمع رومية المقدس المنعقد عام 582م أن المرأة كائن لا نفس له؛ ولهذا لن ترث الفردوس، ولن تدخل ملكوت السماوات، وأنها رجس من عمل الشيطان.

 وقدوردفيإنجيليوحناأنالسيدالمسيحقدمإليهأحدهمامرأةمتلبسةبالزناوقالواله: "يامعلم،هذهالمرأةأمسكتوهيتزنيفي ذات الفعل، وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم. فماذا تقول أنت؟ قالوا هذا ليجربوه، لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه. وأما يسوع فانحنى إلى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض. ولما استمروا يسألونه انتصب وقال لهم: من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر"! (يوحنا 8: 4 - 7)[57].

فلم يكن الحال عند المسيحيين بأفضل مما سبق حيث عقد الفرنسيون في عام 586م مؤتمرا للبحث: هل تعد المرأة إنسانا أم غير إنسان؟! وهل لها روح أم ليست لها روح؟ وإذا كانت لها روح فهل هي روح أم أدنى منها؟ وأخيرا قرروا أنها إنسان، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب.

وأصدر البرلمان الإنجليزي قرارا في عصر هنري الثامن ملك إنجلترا، يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب "العهد الجديد"، أي: الإنجيل المحرف؛ لأنها تعتبر نجسة.

وقد جاء في رسالة بولس الأولى إلى أهل تيموثاوس: "لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع. ولكن لست آذن للمرأة أن تعلم ولا تتسلط على الرجل، بل تكون في سكوت، لأن آدم جبل أولا ثم حواء، وآدم لم يغو، لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي". (رسالة بولس الأولى إلى أهل تيموثاوس 2: 11- 14).

ويقول مؤكدا ما يكنه من ازدراء للمرأة: "لأن الرجل ليس من المرأة، بل المرأة من الرجل. ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل". (رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 11: 8، 9).

ومنذ ألبس بولس المرأة خطيئة الأبوين، والفكر النصراني يضطهد المرأة ويعتبرها بابا للشيطان، ويراها مسئولة عن انحلال الأخلاق وتردي المجتمعات البشرية، ومن ذلك يقول القديس ترتليان (ق3): "إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، ناقضة لنواميس الله، مشوهة لصورة الله (الرجل)".

ويقول أيضا - بعد حديثه عن دور حواء في الخطيئة الأولى -: "ألستن تعلمن أن كل واحدة منكن هي حواء؟! أنتن المدخل الذي يلجه الشيطان. لقد دمرتن بمثل هذه السهولة الرجل صورة الله".

ويقول القديس يوستام عن المرأة: "إنها شر لا بد منه، وآفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت، ومحبوبة فتاكة، ومصيبة مطلية مموهة".

ويقول القديس جيروم (ق5) في نصيحته لامرأة طلبت منه النصح: "المرأة إذن هي ألد أعداء الرجل، فهي المومس التي تغوي الرجل إلى هلاكه الأبدي، لأنها حواء، لأنها مثيرة جنسيا".

ويتساءل القديس أوغسطين (ق5): "لماذا خلق الله النساء"؟ ثم يقول: "إذا كان ما احتاجه آدم هو العشرة الطيبة؛ فلقد كان من الأفضل كثيرا أن يتم تدبير ذلك برجلين يعيشان كصديقين بدلا من رجل وامرأة، ثم تبين له أن العلة من خلقها هي فقط إنجاب الأولاد، ومنه استوحى لوثر فقال: "إذا تعبت النساء أو حتى ماتت فكل ذلك لا يهم، دعهن يمتن في عملية الولادة، فلقد خلقن من أجل ذلك".

وقال القديس جيروم: "المرأة عندما تكون صالحة تكون رجلا". أي: شذت عن مثيلاتها الإناث فكانت مثل الرجال.

وقد انعكست هذه الصورة القاتمة للمرأة على القوانين المدنية والتي كانت تفرض عليهن غير بعيد عن رأي القساوسة والأساقفة فيهن؛ فقد بقيت المرأة في القانون الإنجليزي تباع من زوجها لآخر بست بنسات،[58] واستمر هذا القانون ساريا حتى عام 1805م، فيما اعتبر قانون الثورة الفرنسية المرأة قاصرا[59] كالصبي والمجنون، واستمر ذلك حتى عام 1938م.

وكان من أشد الاضطهاد الذي تعرضت له المرأة في ظل سيرة الكنيسة في القرن السادس عشر، ظهور فكرة اجتاحت أوربا وهي وجود "نساء متشيطنات" أي تلبسهن روح شيطانية، فهن يعادين الله ويعادين المجتمع، وتقول كارن أرمسترنج في كتابها "إنجيل المرأة": "لقد كان تعقب المتشيطنات بدعة مسيحية، وكان ينظر إليها على أنها واحدة من أخطر أنواع الهرطقات،[60] ومن الصعب الآن معرفة عدد النساء اللائي قتلن خلال الجنون الذي استمر مائتي عام، وإن كان بعض العلماء يؤكد أنه مات في موجات تعقب المتشيطنات بقدر ما مات في جميع الحروب الأوربية حتى عام 1941م، يبدو أن الأعداد كانت كبيرة بدرجة مفزعة".

هذه هي صورة المرأة في التراث المسيحي، والعجيب أننا لا نجد حملات تشويه وهجوم على وضع المرأة في التراث المسيحي بقدر ما نجد حروب التزييف التي تشن على الإسلام وحضارته في تعامله مع المرأة [61].

  • المرأةوالأحكامالعبرية [62]:

لقد وردت في التوراة أحكام خاصة بالمرأة؛ نذكر منها ما تأتي:

  1. قطعاليد: "إذاتخاصمرجلان،رجلوأخوه،وتقدمتامرأةأحدهمالكيتخلصرجلهامنيدضاربه،ومدتيدها وأمسكت بعورته، فاقطع يدها، ولا تشفق عينك". (التثنية 25: 11، 12).
  2. الإحراقبالنار: "وإذاتدنستابنةكاهنبالزنافقددنستأباها. بالنارتحرق". (اللاويين 9: 21)،كماوضعاليهودأحكامامنفهمهمللتوراةوفلسفتها،ومنهذاالمنطلقالفكريالخاصبمسئوليةالمرأةعنالخطيئةالأولى،وجلبهاالمتاعبللجنسالبشري،وضرورةتسلطالرجل عليها واستعبادها لتلد له الأولاد.
  3. فيالزواجوالطلاقوالإنفاق: تقولالمادة (402): "ماأسعدمنرزقهاللهذكورا،وماأسوأحظمنلميرزقبغيرالإناث،نعملاينكرلزومالإناثللتناسل،إلاأنالذريةكالتجارةسواءبسواء،فالجلدوالعطركلاهمالازمللناس،إلا أن النفس تميل إلى رائحة العطر الزكية، وتكره رائحة الجلد الخبيثة، فهل يقاس الجلد بالعطر"؟!

تقول المادة (407): "إذا لم تدخل الزوجة على زوجها بمال على ذمة الزوجية، فلا يكلف الزوج بأن ينفق عليها في غير الحاجات اللازمة التي لا بد منها. أما إذا دخلت عليه بمال، فيجب عليه التوسع في النفقة بقدر حاله".

  1. سلطةالزوجوالحقوقالمالية:

تقول المادة (413): "سلطة الزوج على الزوجة في أمر التربية وتعليم أمور الدين والدنيا مطلقة لا حدود لها، فعليه أن يستعملها في محلها مع الحكمة والاعتدال".

تقول المادة (414): "متى خرجت الزوجة من بيت أهلها ودخلت بيت زوجها، صار له عليها حق الطاعة التامة والامتثال الكلي في جميع ما يأمرها به؛ فعليها ألا تخالفه في شيء مما يطلبه منها، بل تمتثل له كما تمتثل الجارية لسيدها".

تقول المادة (418): "مهما بلغت ثروة الزوجة ومهما كان مقدار المال الذي دخلت به للإعانة على حوائج الزوجية، فإنه يجب عليها القيام بالأعمال اللازمة لبيتها صغيرة كانت الأعمال أو كبيرة؛ لأن البطالة قد تؤدي إلى فساد الأخلاق. وليست لها مفارقة زوجها لأي سبب كان حتى لو أصيب بعجز أو صار مقعدا واحتاج للسؤال لأجل النفقة عليها".

تقول المادة (419): "جميع مال الزوجة ملك لزوجها، وليس لها سوى ما فرض لها من المهر في عقد الزواج تطالب به بعد موته، أو عند الطلاق إذا وقعت الفرقة، فكل ما دخلت به من المال على ذمة الزوجية، وكل ما تلتقطه، وكل ما تكتسبه من سعي وعمل، وكل ما يهدى إليها في عرسها، ملك حلال لزوجها يتصرف فيه كيف يشاء، بدون معارض ولا منازع".

تقول المادة (426): "إذا ماتت الزوجة ولم تعقب ذرية من الأولاد، فزوجها وارثها الشرعي".

  1. أسبابالطلاق:

تقول المادة (428): "الأسباب التي يحل معها الطلاق ثلاثة؛ الزنا وعيوب الخلقة وعيوب الخلق".

تقول المادة (429): يحل للرجل أن يطلق زوجته إذا أشيع عنها الزنا، ولو لم يثبت عليها الزنا فعلا، كما يحل له طلاقها إذا اتضح له بعد الزواج أنها كانت سيئة السلوك".

تقول المادة (430): "يجب على من لم يرزق من زوجته بذرية بعد معاشرتها عشر سنوات، أن يفارقها ويتزوج غيرها".

تقول المادة (433): "ليس للمرأة أن تطلب الطلاق مهما كانت عيوب زوجها حتى ولو ثبت عليه الزنا".

تقول المادة (434): "متى نوى الزوج الطلاق حرمت عليه زوجته؛ فبمجرد عزمه على مفارقتها وجب عليه الإسراع إلى طلاقها".

  1. لاترثالإناثإلاعندفقدالذكور:

"فتقدمت بنات صلفحاد بن حافر بن جلعاد بن ماكير بن منسى، من عشائر منسى بن يوسف. وهذه أسماء بناته: محلة ونوعة وحجلة وملكة وترصة. ووقفن أمام موسى وألعازار الكاهن وأمام الرؤساء وكل الجماعة لدى باب خيمة الاجتماع قائلات: «أبونا مات في البرية، ولم يكن في القوم الذين اجتمعوا على الرب في جماعة قورح، بل بخطيته مات ولم يكن له بنون. لماذا يحذف اسم أبينا من بين عشيرته لأنه ليس له ابن؟ أعطنا ملكا بين إخوة أبينا». فقدم موسى دعواهن أمام الرب. فكلم الرب موسى قائلا: «بحق تكلمت بنات صلفحاد، فتعطيهن ملك نصيب بين إخوة أبيهن، وتنقل نصيب أبيهن إليهن. وتكلم بني إسرائيل قائلا: أيما رجل مات وليس له ابن تنقلون ملكه إلى ابنته. وإن لم تكن له ابنة تعطوا ملكه لإخوته. وإن لم يكن له إخوة تعطوا ملكه لإخوة أبيه. وإن لم يكن لأبيه إخوة تعطوا ملكه لنسيبه الأقرب إليه من عشيرته فيرثه». فصارت لبني إسرائيل فريضة قضاء، كما أمر الرب موسى". (العدد 27: 1-11). وهكذا يتحول الميراث إلى الذكور فقط إذا لم يوجد للميت ابنة ترثه.

وفي كتاب "الأحكام العبرية" المواد التالية:

تقول المادة (313): "إذا لم يكن للميت ولد ذكر فميراثه لابن أخيه، وإن لم يكن له ابن ابن فالميراث للبنت، وإن لم يكن له بنت فالميراث لأولاد البنت، وإذا لم يكن له حفدة فلأولاد أولادهم الذكور، وإذا لم يكن له أولاد حفدة من الذكور فالميراث لبنات الحفدة".

تقول المادة (315): "إذا لم يعقب الميت ذرية ولا نسلا من ذكر أو أنثى، أولادا أو حفدة، أو من نسلهم ذكورا أو إناثا، فميراثه لأصوله، وأحق الأصول بميراث الميت أبوه وله كل التركة، وإذا لم يكن له أب، فجده ثم أصوله من أبيه".

3.مكانة المرأة في التشريعات القديمة [63]:

إن أقدم تشريع ظهر حتى اليوم هو التشريع القانوني لمدينة بابل، الذي يرجع إلى القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد.

وهذا التشريع يعطي رب الأسرة حق بيع أفراد الأسرة أو هبتهم إلى الغير مدة من الزمن، وفي هذا القانون: "إذا الزوج طلق زوجته تلقى في النهر، ولكن إن أراد عدم قتلها نزع ثوبها عن جسمها وطردها من منزله نصف عارية إعلانا منه بأنها أصبحت شيئا مباحا لكل إنسان".

  • قانونحمورابي وحماية الزوجات:

ولما أراد حمورابي حماية الزوجات أصدر قانونا هو أقدم نص تشريعي حتى اليوم، ولقد نص هذا القانون على أن المرأة إذا أهملت زوجها أو تسببت في خراب بيتها تلقى في الماء (مادة 143).

ونص على أنه عند اتهام الزوجة بالزنا دون أن يوجد دليل على ذلك وتناولتها ألسنة الناس تلقى في النهر وتغطس في الماء، فإن عامت على وجه الماء كانت بريئة، وإن غطست اعتبرت آثمة (مادة 129).

  • بينحمورابيوالتوراة:

والجدير بالذكر أن التوراة ظهرت بعد قانون حمورابي وفيها: "أن المرأة المتهمة بالزنا يسقيها الكاهن بالماء المر المشوب بالغبار، فإن كانت قد خانت فعلا دخل الماء في المرارة فيتورم بطنها وتسقط ركبها وتظل ملعونة بين شعبها، وإن لم تكن خائنة لم يضرها الماء وتبرأ".

  • المرأةفيأوربا:

ابتكرت أوربا في العصر الوسيط حزاما يعرف بحزام العفة يمنع المرأة من أي اتصال بغير زوجها.

والوضع في دول الغرب وأوربا بصفة خاصة هو ما سجله هربرت سبنسر في كتابه "علم الاجتماع"، إذ قال: "إن أوربا حتى القرن الحادي عشر الميلادي كانت تعطي الزوج الحق في أن يبيع زوجته، فجعلت حق الزوج قاصرا على الإعارة[64] والإجارة[65] وما دونها".

ولكن إنجلترا ظلت تسمح ببيع الزوجة حتى سنة 1805م، بل حدد ثمن الزوجة بستة بنسات آنذاك، ثم حدث أن باع إنجليزي زوجته سنة 1931م بخمسمائة جنيه، وقال محاميه في الدفاع عنه: إن القانون الإنجليزي قبل مائة عام كان يبيح للزوج أن يبيع زوجته، وكان سنة 1801م يحدد ثمن الزوجة بستة بنسات بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوجة، فأجابت المحكمة بأن هذا القانون قد ألغي سنة 1805م بقانون يمنع بيع الزوجات أو التنازل عنهن، وبعد المداولة حكمت المحكمة على الزوج بالحبس عشرة أشهر.

وفي القرن الخامس انعقد "مجمع ماكون المسيحي المقدس" للنظر في حقيقة المرأة، هل هي مجرد جسم لا روح فيه، أم لها روح كالرجال؟

وكان القرار: أن المرأة لها روح شريرة غير ناجية من العذاب فيما عدا أم المسيح، فإنها وحدها ذات روح ناجية من عذاب النار، بل من علمائه من أبدى أن النساء خطيئة جسيمة وأجسامهن من عمل الشيطان ويجب أن نلعنهن.

وسنة 586هـ انعقد مؤتمر في فرنسا لبحث هل المرأة من البشر أم لا، وكان القرار: أنها إنسان خلق لخدمة الرجال فقط.

ولما قامت الثورة الفرنسية وأعلنت الحرية والمساواة لم تستطع أن تمتد إلى المرأة، فالقانون المدني الفرنسي قبل تعديل سنة 1942م كان يعد المرأة ناقصة الأهلية لا يسمح لها بالتعاقد إلا بإذن وليها.

وبعد التعديل أبيح للمرأة الرشيدة غير المتزوجة حق التعاقد والتصرفات المالية، أما المتزوجة فلا يسمح لها بالتعاقد بالبيع أو الشراء، أو الهبة أو الرهن، أو غير ذلك إلا بعد موافقة زوجها على العقد أو إجازته لها.

  • مظالمالمجتمعالعربيالجاهلي:

كانت المرأة العربية قبل الإسلام مهدرة الحقوق، ولكن لم يصل ذلك إلى الوضع الذي كانت عليه المرأة في غير بلاد العرب؛ لأن التقاليد العربية - ومنها المروءة والشهامة - كانت تحتم حماية المرأة والذود عنها.

ومن أبرز ما هضمت فيه المرأة العربية ما تأتي:

  1. لقدكانتبعضقبائلالعربتقتلالمولودإنكانمنالإناث،فأبطلاللههذهالعادةضمنماأبطلمنالعاداتالجاهلية،وأنزلفيذلكقولهعزوجل: )وإذابشرأحدهمبالأنثىظلوجهه مسودا وهو كظيم (58) يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون (59)( (النحل).

ثم تولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضيح هذه المعاني وتلك المفاهيم وتعميقها في نفوسهم؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "من ولد له أنثى فلم يئدها - أي لم يدفنها حية - ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله بها الجنة".

  1. كانتالمرأةنفسهاتورثكالأشياء،وفيذلكقالابنعباس: "كانالرجلإذاماتأبوهأوأخوهفهوأحقبامرأتهإنشاءأمسكهاأوحسبهاحتىتفتديبصداقهاأوتموتفيذهببمالها"[66]. وهكذا كان من حق ولي المرأة أن يمنعها من الزواج ويحبسها عنده حتى تموت فيرث أموالها، أو حتى تفتدي نفسها من الحبس بما تدفعه من الأموال، فحرم الله ذلك في قوله سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن( (النساء: ١٩).
  2. كانتلاترث؛لأنهالاتحارب،فقررالإسلامحقهاوفيذلكقالعزوجل: )ولاتتمنوامافضلاللهبهبعضكمعلىبعضللرجالنصيبممااكتسبواوللنساءنصيبممااكتسبنواسألوااللهمنفضلهإناللهكانبكلشيءعليما (32)( (النساء).
  3. كانتلاتملكحق الانفصال عن زوجها، بل لزوجها عليها كل الحقوق ولا حق لها؛ فمثلا يطلقها مائة مرة وتظل تابعة له فجعل الإسلام حق الزوج في هذا مقصورا على مرتين، وبالطلقة الثالثة تنفصل عنه بقوة القانون الرباني: )الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان( (البقرة: ٢٢٩)، وصدر الآية السابقة قد جعل القاعدة في هذا: )ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم (228)( (البقرة).
  4. كانالرجليتزوجبغيرحدودويعددالزوجاتحسبماشاء،فوضعالإسلامللتعددقيودا،ولمينشئهمنالعدم،كماوضعلهقيوداتحولدونالظلمقال سبحانه وتعالى: )فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة( (النساء: ٣).
  5. لميكنللفتاةأيحقفياختيارزوجهاولافيالعودةإليه،بللأهلزوجهاالحقفيالاستيلاءعليهاكميراث،وإذاماتالزوجفمنحقابنزوجهاأنيلقيثوبهعليها؛لتصبححقالهرغمأنفهافحرماللهذلك، قال سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن( (النساء:١٩).

ولكن الإسلام لم يكتف بإبطال هذه القواعد والقوانين الجائرة الظالمة، كما لم يكتف بإصدار القواعد القانونية التي تقرر حق المرأة، بل أرسى هذه القواعد بالتطبيق العملي. فقد ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - المثل للرجال، فكان يعاون أزواجه في أعمال البيت؛ لقد جاء عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة» [67].

وفي تعميم هذه السنة العملية يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». [68] ويقول صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم» [69].

بل تؤكد بعض الروايات على مشاركة زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - له في الرأي؛ فقد ثبت عن عمر بن الخطاب قوله: «كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرا، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم، فبينا أنا في أمر آتمره، إذ قالت لي امرأتي: لو صنعت كذا وكذا، فقلت لها: ومالك أنت وما تكلفك في أمر أريده؟! فقالت لي: يا ابن الخطاب، ما تريد أن تراجع أنت وإن ابنتك - أي: حفصة زوج النبي - لتراجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يظل يومه غضبان؟! ثم يقول عمر: فآخذ ردائي ثم أخرج حتى أدخل على حفصة، فقلت لها: تعلمين أني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله، ثم خرجت حتى أدخل على أم سلمة لقرابتي منها، فكلمتها، فقالت لي: عجبا يا ابن الخطاب، قد دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله وأزواجه، فأخذتني أخذا كسرتني به عن بعض ما كنت أجد، فخرجت من عندها» [70] [71].

4.المرأة في الحضارة الغربية الحديثة:

إن امتداد النظرة المضطهدة للمرأة إلى عصرنا هذا حتى بين من يتشدقون بشعارت حماية حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، يجعلنا نثق بالله، ونثق بأحقية دين الإسلام بالاتباع؛ إذ ثبت لنا بالتاريخ القديم والحديث أن كل من تعامل مع المرأة وحقوقها خارج إطار الإسلام تجنى عليها وحرمها حقوقها واضطدها، والحمد لله رب العالمين [72].

وعن وضع المرأة في الحضارة الأوربية الحديثة يحدثنا المستشار سالم البهنساوي فيقول: [73] المرأة في التشريعات القانونية السابقة على النهضة الأوربية، كانت فاقدة الأهلية القانونية؛ فليس لها حق الحضور أمام القضاء ولا حق إبرام العقود، بل ينوب عنها أبوها أو زوجها.

ثم بعد النهضة أريد علاج ذلك في القانون المدني الفرنسي، فنصت المادة (215) منه على أنه: "لا تستطيع المرأة الحضور إلى القضاء إلا بموافقة زوجها".

ونصت المادة (217) على أن المرأة لا تملك البيع أو الهبة بغير مشاركة زوجها في العقد أو موافقته المكتوبة، وإذا كان الزوج قاصرا؛ كان على الزوجة أن تحصل على تفويض من القانون، سواء للحضور أمام المحكمة أو لإبرام العقد.

وظلت المرأة بعد النهضة تابعة لزوجها في اسمها وشخصيتها القانونية، فلا تملك أن تتسمى باسم أبيها؛ لأنها تفقد لقب عائلتها بمجرد الزواج وتتبع زوجها في ذلك.

وما يسمى بـ "الثورة النسائية في أوربا وأمريكا" مجاله هو: المطالبة بالتحرر من هذه التبعية، وبمساواة المرأة بالرجل في الأجور، وأيضا تهدف المطالب النسائية إلى التحرر من التبعية للزوج في الأموال؛ لأن نظام الزواج في القانون المدني يجعل الرجل هو المتصرف في أموال زوجته، والتعديل الذي توصلوا إليه سنة 1942م هو أن تتصرف الزوجة في أموالها الخاصة، بشرط إثبات أنها ليست أموال الزوجية المشتركة، ولا من أموال الدولة المقدمة منها للزوج للمساهمة في النفقات، وهذا في الحقيقة استقلال غير تام، فالمرأة لا تمتلك التصرف في أموالها الخاصة، إلا إذا أثبتت المرأة أمورا ليست في اختصاصها مثل مستنداتها التي تحت يد الزوج، أو تحتاج إلى إقرار منه، وهذا يجعلها ناقصة الأهلية القانونية[74].

  • إنشاءلجنةالقضاءعلىالتمييزضدالمرأة:

بمقتضى المادة (17) من الاتفاقية الدولية للأجور نشأت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة - يشار إليها فيما بعد باسم اللجنة - وذلك من أجل دراسة التقدم المحرر في مجال تنفيذ هذه الاتفاقية، وتتألف اللجنة - عند بدء تنفيذ الاتفاقية - من ثمانية عشر خبيرا من ذوي المكانة الخلقية الرفيعة والكفاءة.

ومما هو جدير بالذكر أنه لا يسمح للمرأة المتزوجة في بعض الدول حتى الآن بأن تعمل، أو أن تفتح حسابا في البنك، أو أن تطلب قرضا بدون موافقة زوجها، ولا تتمتع المرأة المتزوجة بحقوق مماثلة لحقوق الرجل، فيما يتعلق بالعلاوة الاجتماعية أو بدل السكن أو الضمان الاجتماعي، حتى لو كانت المرأة منفصلة عن زوجها أو كان زوجها عاطلا، ويسري هذا الوضع على المرأة العاملة الأرملة والمطلقة؛ ففي بعض الدول يقوم أقارب الزوج المتوفى بطرد الأرملة التي لا أبناء لها من أرضها؛ لأنها لا ترث أرضه، ومن المفارقات أن قوانين الإصلاح الزراعي كثيرا ما أضرت بحقوق المرأة؛ حيث لم تعترف إلا بالرجل باعتباره ربا للأسرة ومشتغلا بالزراعة، وبالتالي فهو الشخص الذي له الحق في الحصول على القروض أو الائتمان أو عقد الملكية؛ ومن ثم فإن المرأة التي تبقى بلا زواج كثيرا ما يتعذر عليها أن تستصلح الأرض التي تكون مسئولة عنها بكفاءة، وبالتالي لا تتمكن من زيادة الإنتاجية الزراعية، وتوفير المنتجات الغذائية وزيادة دخلها الخاص[75].

  • مظالمالنظامالماليوأهليةالمرأة[76]:

لقد أخذت القوانين الحديثة عن القانون الروماني وبالتالي تأثرت به، فظهر ذلك في النظام المالي بين الزوجين وفي أهلية المرأة.

فظلت السيادة للزوج تحت مدلول الطاعة المطلقة لشخصه، تلك الطاعة التي تعدلت في القانون الفرنسي حتى أصبحت طاعة للزوج بصفته رئيسا للأسرة وليست طاعة لذاته وبصفته الفردية، حيث نصت المادة (213) بإلزام الزوجة بطاعة زوجها، وأن تسكن معه حيث يسكن.

ومع هذا فبصفته الرئاسية قد يطلب أمرا أو يسعى إلى شيء ضار؛ ولهذا فالله الخالق العليم بخلقه يجعل الطاعة له بصفته منفذا لمنهاج الله ودستوره للحياة الزوجية، فإن تخطى هذا الدستور فلا طاعة له، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» [77].

وفي القانون الفرنسي توجد تبعية حقيقية، ولكن قومنا أو بعضهم لا يدركون ذلك، ومن ثم نشير إلى الدوطة (مال تدفعه الزوجة لزوجها) واختلاط الأموال واستقلالها.

فالنظام المالي للزوجين يجعل المرأة تابعة لزوجها كما أن القانون يجعلها تابعة له في اسمه؛ فالزوجة تفقد شخصيتها المستقلة وتتسمى باسم عائلة زوجها، والمطالب النسائية هناك تدور حول هذه الأمور، وليس لمزيد من التحرر الأخلاقي، كما هو ظاهر في شأن المساواة في المجتمعات العربية أو بعضها.

والإسلام قد جعل المرأة صانعة للرجال ولها من الحقوق مثلهم، ولا تتبع زوجها في أي نظام مالي أو غيره، فلها التصرف في أموالها دون الرجوع إليه.

وفي الميراث في إنجلترا مثلا تجعل نظام الوصية هو المهيمن؛ ليتمكن الرجل من أن يوصي بكل ماله لمن يشاء، ولو كان من القطط أو الكلاب، وذلك بدعوى المساواة والحرية، وهذا من أخطاء هذه المفاهيم، والإسلام وضع للحرية مفهوما آخر، فلا حرية لإنسان خارج نظام الإسلام ومظلته.

لهذا أرسلت فرنسا وفدا من رجال القانون إلى السعودية لاقتباس الميراث؛ بسبب دقة تشريعه، ولا نعي ذلك ونقلده من غير وعي، دون أن ندرك أن المساواة في الغرب لها أسباب أخرى، فالنظام المالي له الأثر الملحوظ على المرأة في شخصيتها وأهليتها، فيحسن أن نشير إليه بإيجاز شديد.

لقد اعترف القانون المدني الفرنسي المعدل بأهلية المرأة المتزوجة، ولكنه نص على أن النظام المالي للزوجين هو الذي يحدد الحقوق والالتزامات، مادة (216)، كما ألزم الزوجين بأن يوثقا معا الإدارة المعنوية والمادية للأسرة مادة (213)، ولكن النظام المالي للزوجة في القانون الفرنسي يندرج تحت أحد أنظمة ثلاث، وهي:

  1. نظامالدوطة:

وهي المال الذي تقدمه الزوجة لزوجها؛ لتعينه على تحمل أعباء الزوجية، حيث نصت على ذلك المادة (1540) من القانون المدني الفرنسي.

والدوطة تنشأ وقت إبرام عقد الزواج، فلا يجوز إنشاؤها أو الاتفاق على زيادتها بعد العقد، ونظام الدوطة يسمح بأن يتم الاتفاق على أن تتناول الدوطة جميع الأموال الحالية والمستقبلة للزوجة، وكل ما يتفق عليه، ولكن في وقت العقد وليس في تاريخ لاحق عليه، ورد هذا في المواد من 1540 إلى 1543، وأموال الدوطة تخضع لسلطة الزوج وحده، فهو الذي يستثمرها ويديرها وينفق منها، ويجوز أن يتفق في عقد الزواج على تسليم الزوجة مبلغا سنويا لنفقاتها الشخصية أو لمعايشتها.

ولكن رهن أموال الدوطة أو التصرف فيها ممنوع إلا باتفاق الزوجين، وهذا مفصل في المواد (1545: 1605).

  1. نظاماختلاطالأموال:

يجوز أن يتضمن عقد الزواج نصا باختلاط أموال الزوجين، ومن ثم تنشأ مشاركة رضائية أو اتفاقية.

ونظام المشاركة في الأموال يجعل ما يملكانه وقت العقد، وكذا ما يملكانه خلال الزواج، خاضعا لهذه المشاركة (المواد 1393: 1400).

والزوج وحده هو الذي يدير هذه الأموال المشتركة، وله التصرف فيها بالبيع أو الرهن أو غير ذلك دون إذن من الزوجة (المادة 1421).

ولكن الهبة لا تكون إلا بموافقة الزوج حتى لو كانت لأبنائها، والزوجة لا تملك أن تبرم أي عقد بشأن هذه الأموال إلا بموافقة الزوج (المواد 1422-1426).

  1. نظاماستقلالالأموال:

ويصبح هذا النظام هو المعمول به، إذا خلا عقد الزواج من بيان خضوع الأموال لنظام الدوطة والمشاركة، ولكن يجب أن يتضمن عقد الزواج أعباءهما في نفقات المعيشة، فإذا لم يوجد اتفاق على ذلك، فالأصل العام هو المشاركة في النفقات، كل حسب مقدرته المالية، فالمادة (207) تنص على أن الالتزامات متبادلة، والمادة (214) تنص على أنه: إذا كان نظام الزواج لم ينظم النفقة، التزم بها الزوجان بحسب استطاعة كل واحد، ويلتزم الزوج بالتكاليف بصورة رئيسة؛ بتقديم كل ما هو ضروري حسب قدرته وحالته، وتلتزم الزوجة بأن تساهم من الموارد التي تحت يدها وبنشاطها في البيت ومن مساعدتها في مهنته.

ويشترط لأحقية الزوجة في الاحتفاظ بأموالها من العمل أو الإيراد - أي يشترط لإخراج مال الزوجة من أموال الدوطة أو الأموال المشتركة - أن تكون مهنة الزوجة منفصلة عن مهنة الزوج، ومع هذا يدخل هذا المال ضمن الضمان العام لدائني الزوج.

  • الاستقلالالصوري:

من هذا العرض يتضح أن القانون المدني الفرنسي بعد أن عدل عن اشتراط موافقة الزوج الكتابية على كل تصرف مالي تقوم به الزوجة في أموالها، أخضع المرأة لقيود بعضها ترد في عقد الزواج مثل نظام الدوطة، فالأموال المقدمة من الزوجة بموجب هذا النظام تخضع لسلطة الزوج وحده، أي: لا أهلية للمرأة فيها، ومثل نظام اختلاط الأموال، فالمشاركة أن يكون للشريك حقوق متساوية، لكن الزوجة لا تملك إبرام أي إجراء أو تصرف في الأموال المشتركة، فالزوج وحده صاحب هذا الحق.

أما القيود الواردة بنص القانون فمنها: التزام المرأة المتزوجة بأن تثبت عند كل تصرف - في أموالها المستقلة، أو المال موضع التصرف - أنه ليس من أموال الدوطة أو من الأموال المشتركة، وأيضا اشتراط كون مهنة الزوجة منفصلة الأموال عن مهنة الزوج، فهذا يعد قيدا على أهلية المرأة في أموالها الخاصة.

من أجل ذلك فالنص في القانون الفرنسي على كمال الأهلية ليس إلا من قبيل المجاملة؛ لأن كمال الأهلية يستلزم رفع هذه القيود واستبعاد هذه الشروط، والمساواة بينها وبين الرجل في هذا المجال، وهذا ما يفتقده القانون الفرنسي والقوانين الأوربية التي أخذت أو تأثرت به مثل ألمانيا، وهولندا، وبريطانيا، والبرتغال، وبلجيكا، وبعض دول أمريكا اللاتينية كالبرازيل، ومع هذا فالتعديل الفرنسي هو من قبيل الثورة التشريعية؛ لأن القانون القديم كان يعد المرأة عديمة الأهلية، ويضعها في الفصل الخاص بالمجانين والصبيان، وإن كان استقلال الأموال في هذا التعديل محفوفا بقيود تجعله استقلالا غير حقيقي أو غير كامل [78].

هذا عن الظلم الاجتماعي في قضايا الأموال الذي تتعرض له المرأة الأوربية، أما عن اعتداءات الأزواج على أزواجهم داخل الأسرة فحدث ولا حرج، فإن الإحصائيات تشير إلى مآس ومهازل، وفيما يلي بعض الإحصائيات التي تعبر عما تتعرض له المرأة في الحضارة الغربية الحديثة[79]:

o    79% من الرجال في أمريكا يضربون زوجاتهم ضربا يؤدي إلى عاهة.

o  17% منهن تستدعي حالاتهن الدخول للعناية المركزة، والذي كتب ذلك هو د. جون بيريه الأستاذ المساعد في مادة علم النفس في "جامعة كارولينا".

o   حسبتقريرالوكالةالمركزيةالأمريكيةللفحصوالتحقيقFPT هناك زوجة يضربها زوجها كل 18 ثانية في أمريكا.

o كتبتصحيفةأمريكيةأنامرأةمنكل 10 نساءيضربهازوجها،فعقبتعليهاصحيفةFamily Relation أن امرأة من كل امرأتين يضربها زوجها، وتتعرض للظلم والعدوان.

o أمافيفرنسافهناكمليوناامرأةمعرضةللضربسنويا... أمينةسرالدولةلحقوقالمرأة (ميشيلأندريه) قالت: حتىالحيواناتتعاملأحياناأفضلمنالنساء،فلوأنرجلاضربكلبافيالشارعسيتقدمشخصمايشكولجمعيةالرفق بالحيوان، لكن لو ضرب رجل زوجته في الشارع فلن يتحرك أحد في فرنسا.

o  92% من عمليات الضرب تقع في المدن، و60% من الشكاوى الليلية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس هي استغاثة من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن.

o   فيبريطانيايفيدتقريرأن 77% منالأزواجيضربون زوجاتهم دون أن يكون هناك سبب لذلك.

o وفيبريطانياأكثرمن 50% منالقتيلاتكنضحاياالزوجأوالشريك،وارتفعالعنففيالبيتبنسبة 46% خلالعامواحدإلىنهايةآذار 1992،كماوجدأن 25% منالنساءيتعرضنللضربمنقبلأزواجهنأوشركائهن،وتتلقىالشرطةالبريطانية 100ألف مكالمة سنويا لتبلغ شكاوى اعتداء على زوجات أو شريكات.

رابعا. الإسلام هو الذي كرم المرأة وأعطاها حقوقها، ورفع عنها الظلم الذي أوقعته بها الأمم الأخرى:

وحتى نعلم مكانة المرأة في الإسلام لا بد من مطالعة نصوص الوحيين الشريفين القرآن والسنة، وبعد ذلك ننظر هل طبق المسلمون هذه النصوص عبر تاريخهم؟ أم أن نصوص شرعهم كانت منهجا نظريا لم ير طريقه للواقع؟ لنبدأ بنصوص الشرع الشريف التي تعبر عن مكانة المرأة العالية.

  1. مكانةالمرأةفينصوصالإسلام:

كرم الله الجنس البشري بنوعيه دون تميز بين رجل وامرأة، وأخبر ربنا سبحانه وتعالى أنه فضل الإنسان على كثير من خلقه، فقال سبحانه وتعالى: )ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70)( (الإسراء).

وأكد ربنا على وحدة الأصل الذي خلق منه الرجل والمرأة، وأنهما باجتماعها يمثلان النواة الأولى لوجود البشرية وتكاثرها، فقال سبحانه وتعالى: )يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا (1)( (النساء)، وقال سبحانه وتعالى: )وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون (98)( (الأنعام)، وقال عز من قائل: )هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها( (الأعراف: ١٨٩)، وقال سبحانه وتعالى: )خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها( (الزمر: ٦).

وكرم الله الجنس البشري بنوعيه الذكر والأنثى، ولم يفضل الذكر على الأنثى، بل جعل سبحانه معيار التفضيل بينهما التقوى والعبادة، فقال سبحانه وتعالى: )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)( (الحجرات)، بل ساوى - سبحانه وتعالى - بين الإنسان وجميع الخلق في أصل العبودية، فالرجل والمرأة وجميع الخلائق عباد له؛ فقال سبحانه وتعالى: )إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا (93)( (مريم).

وكرم الله الرجل والمرأة بالتكليف والخطاب الإلهي إليهما دون تمييز، ورتب سبحانه الثواب على الامتثال، والعقوبة على المعصية إن شاء فقال سبحانه وتعالى: )من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب (40)( (غافر)، وقال سبحانه وتعالى: )فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض( (آل عمران: ١٩٥).

وقال سبحانه وتعالى: )ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا (124)( (النساء)، وقال سبحانه وتعالى: )من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97)( (النحل).

وكرم الله المرأة في منظومة المعاملات والعلاقات في المجتمع، فساوى بين ما للرجال وما للنساء، وما على الرجال والنساء، فقال سبحانه وتعالى: )ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف( (البقرة: 228)، ورغم إعفاء المرأة من كافة النفقات والمسؤليات المادية جعل لها ربها نصيبها في ميراث أبويها، قال سبحانه وتعالى: )للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا (7)( (النساء).

وأوصى ربنا بالمرأة تكريما لها، ورحمة بها، خاصة في مقام الزوجية، فقال سبحانه وتعالى: )وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا (19)( (النساء). وقال سبحانه وتعالى: )ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين (236)( (البقرة)، وقوله سبحانه وتعالى: )أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى (6)( (الطلاق)، وقوله سبحانه وتعالى: )فآتوهن أجورهن فريضة( (النساء: 24)، وقوله عز وجل: )فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا (34)( (النساء)، وقوله سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن( (النساء: 19)، وقوله سبحانه وتعالى: )فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله( (البقرة: 229).

وقد قرن الله - عز وجل - النساء بالرجال في فضائل الأعمال للتأكيد على المساواة بينهما في التكليف والجزاء؛ فقال سبحانه وتعالى: )إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما (35)( (الأحزاب).

وعلى نفس المنهج جاءت نصوص السنة النبوية تكرم المرأة وترفع شأنها، وتوصي بها وترحمها، ويتضح ذلك من أمر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بالإحسان للنساء بصفة عامة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا».[80] وبين صلوات الله عليه وسلامه أن المرأة شقيقة الرجل، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن النساء شقائق الرجال» [81].

وقد اعتنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأنثى في كل أطوار حياتها، ويتضح هذا الاهتمام منذ طفولتها؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه». [82] كما نهى أن يفضل الذكر على الأنثى في التربية والعناية، بل أمر بالعدل بين الأبناء ذكورا كانوا أو إناثا، ففي الحديث عن النعمان بن بشيرأن أباه أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكل ولدك نحلته مثل هذا"؟ فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأرجعه» [83].

وعن أنس رضي الله عنه «أن رجلا كان جالسا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء ابن له فقبله وأجلسه في حجره، ثم جاءت بنته فأخذها فأجلسها على جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما عدلت بينهما» [84]؟

وقد أثرت هذه النصوص على مذاهب الفقهاء في التصرفات المالية للأب، فذهب الظاهرية والحنفية إلى وجوب المساواة بين الذكر والأنثى في العطاء والهبات.

يقول ابن حزم الظاهري: "ولا يحل لأحد أن يهب، ولا أن يتصدق على أحد من ولده حتى يعطي أو يتصدق على كل واحد منهم بمثل ذلك. ولا يحل أن يفضل ذكرا على أنثى، ولا أنثى على ذكر، فإن فعل فهو مفسوخ مردود أبدا".

وقال العلامة الكاساني الحنفي: "وينبغي للرجل أن يعدل بين أولاده في النحل: لقوله سبحانه وتعالى: )إن الله يأمر بالعدل والإحسان( (النحل: ٩٠). وأما كيفية العدل في ذلك أن يسوى بينهم في العطية، ولا يفضل الذكر على الأنثى".

كما اتضح جمال النبي - صلى الله عليه وسلم - في سيرته العطرة، التي تفيض بمواقف حسن معاملة الزوجة، فكان من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - أنه جميل العشرة دائم البشر، يداعب أهله ويتلطف بهم، ويوسع عليهم في النفقة ويضاحك نساءه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين - رضي الله تعالى عنها - يتودد إليها بذلك؛ قالت: «خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: "تقدموا"، فتقدموا، ثم قال لي: "تعالى حتى أسابقك"، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: "تقدموا"، فتقدموا، ثم قال: "تعالي حتى أسابقك"، فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وقال: هذه بتلك» [85].

وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام، وتجلت قيمة المعاملة الحسنة للمرأة، حيث اعتبرها النبي - صلى الله عليه وسلم - هي معيار الفضل والخيرية بين الناس وعند الله - عز وجل - حيث قال صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». [86] كما أرشد - صلى الله عليه وسلم - إلى التوسعة على الزوجة في النفقة، واعتبر أن ما ينفق عليها هو صدقة في ميزان حسنات الرجل، وأرشد إلى أن إطعام المرأة اللقمة في فمها صدقة؛ وذلك لحث الرجال على إحسان المعاملة، فقال صلى الله عليه وسلم: «مهما أنفقت فهو لك صدقة، حتى اللقمة ترفعها في - فم - امرأتك»[87].

ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كراهية الزوجة، حتى وإن بدا منها أخلاق مذمومة، فعليه أن ينظر إليها بتكامل، فيغلب الأخلاق الحسنة التي بها على الذميمة، فيقول - صلى الله عليه وسلم - في هذا المعنى: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر»[88].

كذلك اتضح اهتمامه - صلى الله عليه وسلم - بمكانة المرأة في مرحلة الأمومة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك"، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك»[89].

وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - رضاها طريقا إلى الجنة، فقد قال رجل: «يا رسول الله، أردت الغزو وجئت أستشيرك، فقال: "فهل لك من أم"؟ قال: نعم، قال: فالزمها، فإن الجنة عند رجليها»[90].

اتضح مما سبق من نصوص الشرع مكانة المرأة في الإسلام، وتتجلى عظمة الإسلام على كل حضارات الأرض في تعاملها مع المرأة، ونرى فيما يلي هل ظهر ذلك التأصيل الشرعي العقائدي العبادي في حضارة المسلمين وثقافتهم، وهو ما يتضح لنا بإلقاء نظرة تحليلية على تاريخ المسلمين ومدى تطبيقهم للإسلام في هذه القضية.

  1. مكانةالمرأةفيتاريخالمسلمين:

التاريخ هو مرآة حضارة الشعوب؛ إذ لولا التطبيق الفعلي ما عرفت حقيقة عقائد الأمم، فإن محل الأفكار والعقائد الأذهان والقلوب والأشخاص والمكان والزمان والأحوال هم عناصر بيئة تطبيق تلك الأفكار والعقائد، بل لن نكون مبالغين إذا قلنا: إن التطبيق الفعلي هو التفسير الحقيقي للنظرية التي قد يفهم من ألفاظها أكثر من معنى، وعلى هذا المعنى قدم علماء الأصول فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الحوادث على قوله - صلى الله عليه وسلم - بل جعلوا فعل الصحابي موضحا للنص التشريعي في بعض الأحوال.

والواقع التاريخي يخبرنا بأن هناك نساء كثيرات أثرن في مسيرة الأمة الإسلامية، وساهمن في رفعة مجدها في جميع المجالات، ولقد بدأ الدور النسائي في المسيرة الإسلامية مبكرا جدا؛ فالمرأة هي أول من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والمرأة هي أول من استشهد في سبيل الله، والمرأة هي أول من هاجر إلى الله ورسوله مع زوجها، وقد كانت السيدة عائشة - رضي الله عنها - أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

فالسيدة خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - هي أول من آمن بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وصدقه، غير أنها زادت على ذلك فقد كانت ملاذا له - صلى الله عليه وسلم - ومأمنا؛ بل ونصرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بمالها، ورزقه الله منها الولد، ولقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - عام فراقها له بعام الحزن.

وكانت السيدة سمية بنت خياط زوج ياسر والد عمار، هي أول شهيدة في الإسلام، وكانت أقوى من ولدها الشاب حيث رفضت سب النبي - صلى الله عليه وسلم - والنطق بكلمة الكفر في سبيل نجاتها، وأظهرت التمسك والإيمان بدينها وبنبيها حتى استشهدت رضي الله عنها.

وكانت السيدة رقية بنت سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي أول مهاجرة في سبيل الله مع زوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وكانت السيدة فاطمة - رضي الله عنها - من أحب الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخصها بما لم يخص به غيرها؛ كإخباره لها بأنها أول من يلحق به من أهل بيته[91]. وقوله فيها: «إن فاطمة مني....».[92] وكذلك السيدة عائشة - رضي الله عنها -، فقد جاء «عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة"، فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها»[93].

ولم تقتصر مكانة المرأة في الإسلام على كونها أول مؤمنة في الإسلام، وأول شهيدة، وأول مهاجرة، وأحب الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بل شاركت أيضا في الأنشطة الميدانية عبر العصور والدهور؛ فجاهدت، وعلمت، وأفتت، وباشرت الحسبة[94].... وغير ذلك الكثير مما يشهد به تاريخ المسلمين.

فالمرأة كالرجل في أصل التكليف، وأصل الحقوق والواجبات، والاختلاف الذي بينهما في ظاهر الحقوق والواجبات من قبيل الوظائف والخصائص[95]، وليس من قبيل تمييز نوع على آخر، فلا يعد اختلاف الوظائف والخصائص انتقاصا لنوع، فمثلا إذا وعد أب أن يكسو أبناءه في العيد، فالظلم هنا أو الانتقاص هو أن يكسو الأبناء دون البنات، ولكن ليس من الظلم أن يفرق بين نوع الملابس التي يلبسها ابنه الذكر عن تلك الملابس التي تلبسها ابنته الأنثى؛ طبقا لاختلاف الوظائف والخصائص.

فالمرأة تمتاز بخصائص فكرية وعاطفية وفسيولوجية، وتقوم بوظائف تناسب طبيعتها وتكوينها؛ فهي الزوجة التي تحمل الحياة، وهي الأم التي تربي المولود وترضعه وتحنو عليه، وهذه الوظائف تتناسب مع خصائصها الفكرية والعاطفية والفسيولوجية، في توافق مبهر مع طبيعة الحقوق التي تتميز بها، والواجبات التي تلتزم بها في منظومة متكاملة، تبرز تميز كل نوع عن الآخر، كما تجعله متكاملا معه مندمجا، ومكونا معه أولى لبنات المجتمع وهي الأسرة.

والعجيب أن هذه البدهية الواضحة سارت محل جدل عند الآخر للتسوية بين الذكر والأنثى في النمط الشكلي، وفي نمط الأزياء، وكذلك ما فتح للمرأة من رياضات العنف التي لا تناسب طبعها كحمل الأثقال وغيره، بل تم تجاوز ذلك كله، حينما سمحوا بزواج المثلين،[96] في إشارة لتضييع تميز كل نوع عن الآخر، فعقولهم وقوانينهم قبلت أن تتزوج المرأة المرأة، والذي يعني قيام المرأة بوظائف الرجل الاجتماعية وحتى الجنسية، مما يعد مسخا مقيتا لصورة المرأة التي خلقها الله عليها، وكأنهم يستجيبون للشيطان كما حكى عنه القرآن قوله: )ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا (119)( (النساء)، والحمد لله رب العالمين حيث أظهروا مفهوم المساواة الذي يطالبوننا به، مما يوجب على أبناء ثقافتنا وحضارتنا أن يكفوا عن اتباع أهوائهم والسير وراء شهواتهم وترديد كلامهم دون فهم أبعاده [97].

  1. مجملحقوقالمرأةفيالإسلام:

لقد نزل القرآن الكريم في أوائل القرن السابع الميلادي ليرفع عن البشرية مظالم القرون الوسطى، ويرفع من مكانة المرأة في المجتمع، وفيما يتعلق بالمرأة نجمل بإيجاز شديد أهم حقوقها في الإسلام:

  • المرأةتحتفظبشخصيتهاالقانونيةالمستقلة،بمافيذلكاحتفاظهاباسمهاواسمأبيهاوعائلتها،وحفظحقهافيالملكوالتصرففيأموالهاالثابتةوالمنقولةبغيرإذنمنأبأوزوج،ولوارتضتالزوجةأنتفقدشخصيتهاالقانونيةوأنتنتسبإلىأسرةزوجها وتدع اسم أبيها، فلا يبيح لها الإسلام ذلك كما لا يبيحه للرجل، قال عز وجل: )ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله( (الأحزاب: 5)، وبالتالي لا إكراه فيما دون ذلك.
  • ساوىالإسلامبينالرجلوالمرأةفيحقالطعنبانعدامدستوريةالقوانينأواللوائحوالأوامر؛كفى المرأة المسلمة شرفا أن اعترضت سيدة من سواد الناس على قرار أكبر وأقوى حاكم في عصره؛ هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، إذ كان قد أصدر قراره بمصادرة ما زاد على أربعين أوقية من مهور النساء ليمنع بذلك المغالاة في المهور، فاعترضت عليه سيدة كانت تجلس في صفوف النساء بالمسجد، واحتجت بقوله سبحانه وتعالى: )وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا (20)( (النساء)، فرجع الخليفة عن قراره وقال: أصابت المرأة وأخطأ عمر.

لم يكتف النظام الجاهلي بسلب الحقوق المالية للمرأة، بل سلب حقها في أخص خصائصها وهو حقها في اختيار زوجها، فجاء الإسلام، وأبطل هذا العرف الفاسد، فمكن الفتاة من ممارسة حريتها بعد أن وضع هذه الحرية في نطاقها الصحيح.

أما الطاعة فقد كانت طاعة مطلقة؛ أي لذات الرجل؛ أبا كان أو زوجا أو حاكما، فوضع الإسلام مبدأ الطاعة في نطاق منهاج رشيد يلتزم به الرجل والمرأة والحاكم والمحكوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».[98] كما قال: «لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف». [99] فما خرج عن حدود الله فلا طاعة فيه، وما كان في حدود المعروف فالطاعة فيه واجبة، وهي طاعة الله خالق هذا المعروف، وليست طاعة لذات الآمر به من البشر؛ زوجا كان أم أبا أم رسولا، وحسبنا في هذا ما سجله الإمام الغزالي في كتابه المستصفى إذ قال: "لا حكم ولا أمر إلا لله، أما النبي والسلطان والسيد والأب والزوج فإذا ما أمروا أو أوجبوا، لم يجب شيء بإيجابهم، بل بإيجاب الله تعالى طاعتهم".

  • وضعالإسلامقضيةالمساواةفينطاقهاالصحيح،فساوىبينالرجلوالمرأةفيماتماثلافيه،وفيهذايقولالنبيصلىاللهعليهوسلم: «إنماالنساءشقائقالرجال». [100]،ويقولاللهعزوجل: )ولهنمثلالذيعليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم (228)( (البقرة).

أما ما اختلفت فيه الطبيعة وتكوين كل منهما فالمساواة فيه ظلم وجهالة، ومن هنا خص الله المرأة بالأمومة وما يتعلق بها، كما خص الرجل بالقوامة وما يتعلق بها من حق، قال الله عنه: )وللرجال عليهن درجة( (البقرة: 228).

تلك القوامة التي ترجع إلى اختلاف التكوين الجسماني بين الرجل والمرأة، فقد جعل الله الرجل أكثر تحملا للمشاق والمصاعب، ومن ثم كلفه كفالة المرأة وحمايتها وتحمل جميع نفقاتها، وفي هذا قال الله سبحانه وتعالى: )الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم( (النساء: ٣٤).

  • الحريةفيالإسلاممصونةكصيانةالعقيدة،فلاتكرهالجماعةالمسلمةغيرالمسلمينعلىاتباعدينالإسلام،قالسبحانهوتعالى: )لاإكراهفيالدين( (البقرة: 256)،وقالعزوجل: )وقلالحقمنربكمفمنشاءفليؤمن ومن شاء فليكفر( (الكهف: 29)، ولكن الاعتداء على المقومات الأساسية للمجتمع وفي مقدمتها القواعد الأخلاقية يقاتل عليه المجتمع منعا من الفتنة؛ قال سبحانه وتعالى: )وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (193)( (البقرة)، والدين هنا بمعنى النظام العام الذي تنص جميع القوانين المعاصرة على أنه من القواعد التي لا يجوز الاتفاق على خلافها.
  • لاتوجدقيودعلىالمرأةالمسلمةإلافيإطارالقواعدالأخلاقيةالمعروفة،وهيليستانتقاصامنمكانتها،فقدكانللمرأةالمسلمةمنالقدروالمكانة والعلم، ما جعلها تعترض على رأي الرجال إذا أخطأوا وتردهم إلى الصواب، ولم يحل بينها وبين ذلك قيد من القيود المزعومة التي يدعي ضربها على المرأة المسلمة في كل ناحية من نواحي حياتها.

إن القيد الوحيد على المرأة هو التوفيق بين مسؤوليتها عن أولادها وزوجها، وبين ممارستها للعمل الاجتماعي في الحياة العامة.

إن هذا هو القيد الوحيد على المرأة؛ لأن الضوابط الأخلاقية ليست قيودا، كما أنها إلزام على المرأة وعلى الرجل وليست فرضا على النساء وحدهن.

وهذه الضوابط الأخلاقية هي من الفطرة السليمة وجاءت بها كل الديانات، وجاء القرآن ليتم ما تحتمه قواعد المروءة والأدب والإنسانية؛ لأنها المميز للإنسان عن الأنعام، وفي هذا قالت الصحفية الأمريكية هيلسيان ستانسيري بعد زيارتها للجامعات المصرية: "من الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بدينه وتقاليده، فالقيم عندنا تهدد اليوم الأسرة والمجتمع في أوربا، فامنعوا الاختلاط وقيدوا حرية الفتاة؛ لأن الحرية التي عندنا قد جعلت منه عصابات؛ منها عصابات أحداث وعصابات مخدرات".

وفي ظل الأسرة يتساوى الرجل والمرأة فيما تماثلا فيه، فقد قال ابن رشد: فكما جعل الله الطلاق بيد الرجل إذا كره المرأة جعل الخلع بيد المرأة إذا كرهته، وقد روى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنه - «أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت له: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتردين عليه حديقته"؟ فقالت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة» [101].

  • ولاتنقطعحقوقالمرأةبوقوعالطلاق؛فلها - بعدالطلاق - عددمنالحقوق،أهمهاالحقفيإرضاع ولدها، وليس لمطلقها منعها من ذلك مالم تتزوج غيره لعموم قوله تعالى: )لا تضار والدة بولدها( (البقرة: ٢٣٣)، ولها حق طلب حضانته ما لم تتزوج، كما لها الحق في النفقة والسكنى إذا كان الطلاق رجعيا ما دامت في العدة لقوله سبحانه وتعالى: )ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة( (الطلاق: ١)، ولقوله تعالى: )ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن( (الطلاق: ٦).

ويرى الأحناف: أن المطلقة طلاقا بائنا لها حق النفقة والسكنى، ويرى الشافعية والمالكية أن لها السكنى دون النفقة، ويرى أحمد أنه ليس لها حق النفقة أو السكنى. وللمطلقة حق السكنى والنفقة إذا كانت حاملا حتى تضع حملها لقوله سبحانه وتعالى: )وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن( (الطلاق: ٦).

وبهذا يتبين أن الإسلام كفل للمرأة كافة الحقوق المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، وأعطى للمرأة حق إنهاء العلاقة الزوجية عن طريق الخلع، كما أعطاها حق حضانة أطفالها بعد الطلاق، ولا يوجد أي تمييز ضد المرأة في هذه الحقوق [102].

خامسا. للمرأة أن تمارس الأعمال المشروعة، متقيدة بالضوابط الشرعية، وغير مقصرة في مهمتها الأصلية، وهي رعاية بيتها، وتربية أبنائها، وأن تراعي الأولى فالأولى:

من المتحدثين في الدين أو باسمه من يرى أن المرأة وكل ما يخصها عورة، وأن السلامة في سترها بل في طمرها داخل البيت؛ فلا تخرج منه إلا إلى بيت الزوجية، ومن هناك إلى القبر.

هذه بضاعة الجامدين، أرأيت أفضل من هذا معينا للجاحدين الملحدين ليلصقوه بالدين ويشنعوا به على المؤمنين؟

فأي صيد ثمين هذا للعلمانيين الجاحدين المارقين يطيرون به فرحا، ويسودون الصفحات في تشويه الإسلام وذم المسلمين أجمعين، وليس فقط هذا النفر من الجامدين. فما وجهة نظر الشرع الصحيح في مشاركة المرأة في مجريات الحياة وشئون الاجتماع؟

يجيبنا عن هذا التساؤل بتفصيل شاف واف - في سياق رده على استفتاء بخصوص اختلاط الجنسين - د. القرضاوي، فيقول: مشكلتنا - كما ذكرت وأذكر دائما - أننا في أكثر القضايا الاجتماعية والفكرية، نقف بين طرفي الإفراط والتفريط، وقلما نهتدي إلى (التوسط)الذي يمثل إحدى الخصائص العامة والبارزة لمنهج الإسلام ولأمة الإسلام. وهذا أوضح ما يكون في قضيتنا هذه وقضايا المرأة المسلمة المعاصرة بصفة عامة.

فقد ظلم المرأة صنفان من الناس متقابلان، بل متناقضان:

  • صنفالمستغربين: الذينيريدونأنيفرضواعليهاالتقاليدالغربية،بمافيهامنفسادوتحلل من القيم - وأعظمها الدين - وانحراف عن سواء الفطرة، وبعد عن الصراط المستقيم، الذي بعث الله الرسل، وأنزل الكتب لبيانه، ودعوة الناس إليه. وهؤلاء يريدون من المرأة المسلمة أن تتبع سنن المرأة الغربية، "شبرا بشبر، وذراعا بذراع" كما صور الحديث النبوي، حتى لو دخلت جحر ضب لدخلته وراءها على ما في جحر الضب من الالتواء والضيق، وسوء الرائحة، ومع هذا لو دخلته المرأة الغربية لدخلته المرأة المسلمة بعدها، أو بعبارة أخرى: لظهرت مودة جديدة يروج لها المروجون تسمى: "مودة جحر الضب"!

وهؤلاء يغفلون ما تشكو منه المرأة الغربية اليوم، وما جر عليها الاختلاط المفتوح من سوء العاقبة على المرأة وعلى الرجل وعلى الأسرة وعلى المجتمع كله، ويسدون آذانهم عن صيحات الاستنكار التي تجاوبت بها الآفاق في داخل العالم الغربي نفسه وعن كتابات العلماء والأدباء، ومخاوف المفكرين والمصلحين على الحضارة كلها من جراء إلغاء القيود في الاختلاط بين الجنسين.

كما ينسى هؤلاء أن لكل أمة شخصيتها التي تكونها عقائدها وتصورها للكون والحياة والوجود ورب الوجود، وقيمها وتراثها وتقاليدها، ولا يجوز أن يغدو مجتمع صورة مكررة من مجتمع آخر.

  • والصنفالثاني: همالذينيفرضونعلىالمرأة تقاليد أخرى، ولكنها تقاليد الشرق لا تقاليد الغرب، وإن صبغت في كثير من الأحيان بصبغة الدين، ونسبها من نسبها إلى ساحته، بناء على فهم فهمه، أو رأي قلده، أو رجحه، لأنه يوافق رأيه في المرأة، وسوء ظنه بها، بدينها وبعقلها وسلوكها.

ولكنه على أية حال لا يخرج عن كونه رأيا لبشر غير معصوم، متأثر بمكانه وزمانه، وشيوخه ومدرسته، تعارضه آراء أخرى، تستمد حجيتها من صريح القرآن العظيم، ومن هدي النبي الكريم، ومن مواقف الصحابة وخير القرون.

وعلى كل حال، فإن الإسلام لا يصدر حكما عاما في مثل هذا الموضوع، وإنما ينظر فيه على ضوء الهدف منه، أي المصلحة التي يحققها، والضرر الذي يخشى منه، والصورة التي يتم بها، والشروط التي تراعى فيه... إلخ.

وخير الهدي في ذلك هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وهدي خلفائه الراشدين، وأصحابه المهديين. والناظر في هذا الهدي يرى أن المرأة لم تكن مسجونة ولا معزولة كما حدث ذلك في عصور تخلف المسلمين[103].

وبعد أن يستعرض د. القرضاوي من هذا الهدي نماذج دالة على أنها كانت تشهد الجمعة والجماعة في الصفوف المتأخرة خلف الرجال، وخصص لهن باب (باب النساء)، كما كن يحضرن صلاة العيدين ويحضرن دروس العلم ويستفسرن في أمر دينهن، كما شاركن في المجهود الحربي في خدمة الجيش والمجاهدين وأسهمن في القتال عند الضرورة، وكذلك شاركن في الحوارات العامة ورددن رأي الرجال؛ بل ولاة الأمر، كالتي أصابت وأخطأ عمر، وتقلدن المناصب العامة، فقد ولى عمرـ رضي الله عنه - الشفاء بنت عبد الله الحسبة على السوق. وغير هذا مما هو مشهور معروف من سيرته - صلى الله عليه وسلم - وهدي أصحابه، وهدي الأنبياء السابقين - بعد كل هذا يعود د. القرضاوي فيجمل القضية قائلا: ولا يعني ذلك أن تذوب الحدود بينهما، وتنسى القيود الشرعية الضابطة لكل لقاء بين الطرفين، ويزعم قوم أنهم ملائكة مطهرون لا يخشى منهم ولا عليهم، يريدون أن ينقلوا مجتمع الغرب إلينا، إنما الواجب في ذلك هو الاشتراك في الخير، والتعاون على البر والتقوى، في إطار الحدود التي رسمها الإسلام؛ ومنها:

1.الالتزام بغض البصر من الفريقين، فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة، قال سبحانه وتعالى: )قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون (30) وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن( (النور).

2.الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم، الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين، ولا يشف ولا يصف، قال سبحانه وتعالى: )ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن( (النور: 31). قد صح عن عدد من الصحابة أن ما ظهر من الزينة هو الوجه والكفان.

وقال تعالى في تعليل الأمر بالاحتشام: )ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما (59)( (الأحزاب)، أي أن هذا الزي يميز المرأة الحرة العفيفة الجادة من المرأة اللعوب المستهترة، فلا يتعرض أحد للعفيفة بأذى؛ لأن زيها وأدبها يفرض على كل من يراها احترامها.

3.الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء، وخصوصا في التعامل مع الرجال:

  • فيالكلام، كما قال سبحانه وتعالى: )فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا (32)( (الأحزاب).
  • فيالمشي،كماقالسبحانهوتعالى: )ولايضربنبأرجلهنليعلممايخفينمنزينتهن( (النور: ٣١)،وأنتكونكالتيوصفهااللهبقوله: )فجاءتهإحداهماتمشيعلى استحياء( (القصص: ٢٥).
  • فيالحركة،فلاتتكسرولاتتمايل،كأولئكاللائيوصفهنالحديثالشريفبـ "المميلاتالمائلات" ولايصدرعنهامايجعلهامنصنفالمتبرجاتتبرجالجاهليةالأولىأوالأخيرة.

4.أن تتجنب كل ما شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولزوجها لا للقاء الرجال الأجانب.

5.الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم، فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك، وقالت: "إن الشيطان ثالثهما". [104] إذ لا يجوز أن يخلى بين النار والحطب، وخصوصا إذا كانت الخلوة مع أحد أقارب الزوج، وفيه جاء الحديث: «إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أرأيت الحمو؟![105] قال: الحمو الموت». [106] أي: هو سبب الهلاك؛ لأنه قد يجلس ويطيل الجلوس، وفي هذا خطر شديد.

6.أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية، أو يعرضها للقيل والقال، أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأجيال [107].

فانظر إلى هذه الوسطية الميسرة والاعتدال المحمود، مقارنة بالجمود القاسي والجحود المنكر.

أما عن العمل - عموما - في الإسلام وممارسة الوظائف الاجتماعية والسياسية - وخاصة عمل المرأة - فنود أن نوضح هذا الأمر جليا مفصلا حتى لا يلتبس على أحد من الناس، فأولا وبادئ ذي بدء لقد اهتمت الشريعة الإسلامية بتبيان قيمة العمل وبينت فضله؛ فعن المقداد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده". وقد كان أنبياء الله قدوة لعباده في هذا الشأن، فقد رعوا الأغنام وتاجروا وتكسبوا، قال سبحانه وتعالى: )وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق( (الفرقان: 20).

وما اكتفى الإسلام بالحث على العمل فقط؛ بل حض النبي - صلى الله عليه وسلم - على إتقانه: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه». [108] وبناء على قاعدة أن الأصل في الإسلام المساواة بين الذكر والأنثى فإن الشرع الإسلامي لا يحرم عمل المرأة إن هي احتاجت إلى ذلك أو فرضت ظروف المجتمع ومصالحه هذا الأمر، على أن يكون ذلك كله في إطار شرعي يصوره لنا د. البوطي بقوله: إن الأعمال المشروعة التي أباحها الإسلام للرجال، هي ذاتها التي أباحها للنساء، والأعمال الشائنة التي حرمها الله على الرجال هي ذاتها التي حرمها على النساء.

غير أن الله - عز وجل - ألزم الرجال بآداب سلوكية واجتماعية، فاقتضى ذلك أن تكون أعمالهم التي يمارسونها خاضعة لتلك الضوابط والآداب. وألزم النساء أيضا بآداب سلوكية واجتماعية، فكان عليهن ألا يخرجن في أعمالهن التي يمارسنها على شيء من تلك الأحكام والآداب.

وعلى سبيل المثال، فإن الله فرض على المرأة التقيد بمظاهر الحشمة، وحرم عليها الخلوة بالرجال الأجانب كما حرم عليهم ذلك، فلا يجوز لها أن تمارس من الأعمال ما قد يضطرها إلى الخلوة المحرمة أو إلى التخلي عن حشمتها المطلوبة، كما أنه لا يجوز للرجل أن يباشر من الوظائف أو الأعمال ما قد يزجه في خلوة محرمة، أو يعرضه للفتنة من جراء اختلاطه بنساء غير ملتزمات بضوابط الحشمة المطلوبة.

فإذا انتفى هذا المحذور، الذي هو محذور في حق كل من الرجل والمرأة، كما قد رأيت، فللمرأة أن تمارس أي وظيفة من الوظائف المشروعة بحد ذاتها، كما أن لها أن تباشر أي عمل من الأعمال المباحة في أصلها، سواء كانت صناعة أو زراعة أو تجارة أو غير ذلك.

غير أن الأعمال الوظيفية والمهنية عندما تتزاحم بحكم المتطلبات الأسرية والاجتماعية، فلا مناص عندئذ من اتباع ما يقتضيه سلم الأولويات، في تفضيل الأهم، فما دونه، من حيث رعاية الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينيات من مصالح المجتمع.

إن المرأة المتزوجة التي أنجبت أطفالا، يلاحقها المجتمع بطائفة من الأعمال الكثيرة التي لا تقدر في الأغلب على النهوض بها كلها، فهي ملاحقة برعاية زوجها وتوفير مقومات إسعاده، وهي ملاحقة في الوقت ذاته برعاية أطفالها وتربيتهم، كما أنها بحكم ثقافتها واختصاصها العلمي الذي تتمتع به، مدعوة إلى أن تساهم في خدمة مجتمعها من خلال وظيفة تعليمية في إحدى المدارس. وقد تكون ذات نشاط اجتماعي، فهي مدعوة بحكم مزيتها هذه إلى أن تبذل من نشاطها هذا ما تساهم به في رعاية مجتمعها وحل بعض مشكلاته.

إن الوقت لا يسعفها في النهوض بسائر هذه المهام والوظائف، وهي كلها جيدة ومفيدة، فما الحل الذي يجب المصير إليه؟

ليس ثمة حل منطقي سليم، إلا اللجوء إلى ما تقتضيه رعاية سلم الأولويات. وسلم الأولويات يقول فيما قرره سائر علماء الاجتماع: إن نهوض الزوجة الأم بمسئولية رعاية زوجها وتربية أولادها والعمل على تنشئتهم النشأة الصالحة، يرقى إلى مستوى الضروريات من مصالح المجتمع. ذلك أن صلاح الأسرة هو الأساس الأول لصلاح المجتمع. فإذا فسدت الأسرة، وعصفت بها رياح الفوضى والإهمال، فإن سائر الأنشطة العلمية والثقافية، يتبعها سائر القوى والمدخرات الاقتصادية، لا يمكن أن يحل محل الأسرة في إقامة المجتمع على نهج سوي. إن المجتمع كان ولا يزال، هو التابع لحال الأسرة، وما هي عليه من صلاح وفساد ولم يثبت عكس ذلك في وقت من الأوقات.

وانطلاقا من هذا الواقع، فإذا لم تتمكن الزوجة الأم، من الجمع بين النهوض بمهام الأسرة، والأنشطة الثقافية والاجتماعية الأخرى، فإن عليها - فيما يقضي به اتباع سلم الأولويات - أن توفر وقتها للنهوض بالضروري الذي هو السهر على رعاية الأسرة، وإن اقتضى ذلك التضحية بوظائف وأعمال أخرى.

ويزداد الحق في هذا الذي نقوله وضوحا، عندما تجد الزوجة نفسها مندفعة إلى الوظيفة أو العمل، لمجرد طمع في وجاهة اجتماعية، أو لمجرد رغبة في التمتع بمزيد من المال، إنها في هذه الحالة تغامر - بدون شك - بحياتها الزوجية أو بالسعادة التي ينبغي أن تشيع بينها وبين زوجها، كما تغامر بما قد يكون أهم من ذلك، ألا وهو رعاية الأولاد والتفرغ لحسن تربيتهم، في سبيل هوى من الأهواء العابرة، وابتغاء متعة سرعان ما تتحول إلى أعباء ثقيلة من المغارم.

ولكي يتيسر السبيل أمام المرأة للتقيد بمقتضى سلم الأولويات هذا، ولكي لا ترى عنتا في إلزام نفسها بذلك، فقد كفتها الشريعة الإسلامية مؤونة النفقة على نفسها وأولادها، ووفرت لها الجهد الذي كان ينبغي أن تبذله لذلك، عندما ألزم الزوج بالإنفاق عليها وعلى أولادها...

وليكن معلوما أن هذا التيسير الذي حققه الشارع أمام المرأة بين يدي اتباعها لما يقتضيه سلم الأولويات، لا يعني أنه حرم عليها ممارسة الوظائف والأعمال الأخرى خارج المنزل، بل إن باب الوظائف والأعمال المختلفة يظل مفتوحا أمامها كما هو مفتوح أمام الرجل، ولكن ضرورة البدء بالأهم - فما دونه - واجب تنسيقي يخاطب به المنطق الفكري والاجتماعي كلا من المرأة والرجل على السواء.

وعلى سبيل المثال، فإن الزوجين إذا اقتنعا بأن الوظائف البيتية أقل من أن تملك على الزوجة كامل وقتها، فلا مانع شرعا من أن تنفق فضول وقتها في أي عمل صالح تؤديه خارج المنزل، على أن تأخذ بعين الاعتبار الآداب والضوابط التي يجب أن تلتزم بها، حتى إذا رأيا أن عملها هذا يخل بالأهم من ضرورات رعاية الأسرة وحمايتها من الآفات التي تتربص بها، كان عليهما أن يتخذا القرار المتفق مع مبدأ تدرج المصالح الاجتماعية.

وانظر إلى المجتمعات الغربية اليوم، كم تندب حظها التعيس في انهيار الأسرة الغربية، وفي تحول المنازل التي كانت يوما ما خلايا مقدسة لأسر متماسكة، إلى(هوتيلات) صغيرة يأوي إليها أشخاص تقطعت فيما بينهم صلات التعاون والقربى، فلم يعد يجمعهم إلا المبيت في هذه الملتقيات، ثم تساءل معي: ما الذي جعل صلات القربى - وهي موجودة - تتقطع فيما بينهم؟

إن الذي قطع هذه الصلة، إنما هو استقلالية كل من أعضاء الأسرة الواحدة، فالزوجة الأم والبنت البالغة والزوج الأب كل منهم مسئول عن نفسه، ومن ثم فعلى كل منهم أن يبحث عن معيشته التي يحلم بها، من خلال جهده الشخصي وكد يمينه.

ولهذا الواقع المأساوي الذي يئن الغرب تحت وطأته اليوم - صورة ومضمون - بينهما بعد النقيض؛ أما الصورة فهي الاستقلال الاقتصادي الذي تتمتع به المرأة الغربية، ويخدع بها اليوم طائفة كبيرة من المغفلين والمغفلات في مجتمعات العالم الثالث.

وأما المضمون، فهو قهر الرجل المرأة على العمل خارج المنزل، لتسد حاجة نفسها، ولو اقتضى ذلك أن تسحق أنوثتها في غمار الأعمال القاسية والمضنية، بعد أن يقهرها على مضاجعته في فراش الزوجية، ثم يقهرها على التخلي عن وظيفة أمومتها والتفرغ لرعاية بيتها وأولادها، فإن ضاقت بذلك ذرعا وأعلنت احتجاجها على هذا الظلم، أحيلت إلى قطيع النساء المطلقات، بعد أن تنال نصيبها الأوفى من الإيذاء والضرب. وهو قطيع كبير، ولا سيما في أمريكا، ويمثل أكبر مجتمع مأساوي في الغرب اليوم.

أما شرعة الإسلام، فقد حصنت المرأة آمنة مطمئنة في مملكة أنوثتها، ويسرت لها السبيل الأمثل لتكون عضوا صالحا في أسرة سعيدة صالحة تتفرغ لرعايتها وحمايتها من كل سوء وآفة، وفتحت أمامها المجال في الوقت ذاته لتمارس ما تشاء من الأنشطة الاجتماعية، وتنهض بما قد يناسبها من الوظائف والأعمال المفيدة، إشباعا منها لهواية أو رغبة، لا انسياقا ذليلا وراء ضرورة ملجئة[109].

هذا عن عمل المرأة الشخصي، أما عن مشاركتها في شئون المجتمع العامة فقد أعدت د. سعاد صالح بحثا وافيا حول هذه المسألة خلاصته أن المرأة حظيت - عبر العصور - باهتمام بالغ وجهد كبير من قبل العلماء والباحثين على اختلاف نزعاتهم وتعدد مشاربهم وتنوع تخصصاتهم. كما أن الشرائع السماوية المنزلة من عهد آدم - عليه السلام - إلى خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - عنيت بأمر المرأة أشد العناية.

خلال هذه العصور المديدة فإن ما انطبق على المرأة زمنيا ينطبق على المرأة المسلمة في الوقت الحاضر بدرجة أكبر، فالمرأة المسلمة تتجاذبها اليوم تيارات متباينة:

الأول: يرى أنصاره أن لا مكان للمرأة إلا داخل بيتها خادمة ومربية وملبية رغبات الرجل. وإن خرجت فلضرورة ملحة وتحت الملاحظة.

الثاني: يطالب بحرية كاملة للمرأة ومساواة مطلقة في الحقوق والواجبات، ويشتط إلى حد إنكار الفروق الخلقية بين المرأة والرجل وتجاهلها. ويصل الشطط مداه حين تطرح أسئلة تثير الشكوك، بل تصادم صراحة القواعد والأحكام المستقرة والمستمدة من الأصول الشرعية، ومن أمثلتها: لماذا لا يكون الطلاق من حق المرأة؟ ولماذا لا يكون من حقها التعدد كما هو حق للرجل؟ وكيف يكون للمرأة نصف نصيب الرجل في الميراث، وقد خرجت إلى المدرسة والجامعة وأماكن العمل المختلفة؟ وكيف تكون شهادة الأستاذة الجامعية نصف شهادة الرجل الأمي؟

وغير هذا من الأسئلة المشكلة، التي يطالب الفكر الإسلامي الرشيد بتقديم ردود بشأنها في جدية وسماحة واعتدال.

الثالث. التيار الوسطى: الذي يرى أن المرأة نفس بشرية جديرة بالاحترام وطاقة خليقة بالتقدير، وإهدارها حرمان للمجتمع من طاقة يمكن أن تكون نافعة بناءة إذا أحسن توجيهها في إطار مبادئ الإسلام، ودون الخروج على ثوابته.

ولكل من هذه التيارات الثلاثة أنصاره وتداعياته الفكرية والتطبيقية في واقع الحياة. ولقد كان من أخطر التحديات في وجه المرأة المسلمة أو في عالمها تلك الدعوى التي انطلقت تحت شعار "تحرير المرأة" في أوائل القرن العشرين، وكانت - في التحليل النهائي، رغم بعض الملطفات - جزءا من مخطط الاحتواء الغربي، والغزو الثقافي والاجتماعي الذي يستهدف إخراج المرأة عن رسالتها وقيمها، ودفعها في طريق السفور والتحلل.

في التشريع الإسلامي خوطبت المرأة كما خوطب الرجل، بالأوامر والتكاليف، وقد بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - كما بايعه الرجل، وتقررت أهليتها الاجتماعية في هذا التشريع، ومن مظاهر ذلك:

  • حريةالمناقشةوإبداءالرأي: فلقدباشرتالمرأةحقهافيإظهاررأيهاوالدفاععنهقيامابفضيلةالأمربالمعروفوالنهيعنالمنكرواستنادالقولهصلىاللهعليهوسلم: «الدينالنصيحة». [110] فأعلنتوحاجتبهوجادلتدونه،قالاللهعزوجل: )قدسمعالله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير (1)( (المجادلة).
  • حقالمشاركةفيالحياةالاجتماعية؛يقولاللهعزوجل: )والمؤمنونوالمؤمناتبعضهمأولياءبعضيأمرونبالمعروفوينهونعنالمنكرويقيمونالصلاةويؤتونالزكاة ويطيعون الله ورسوله( (التوبة: 71). وليس أدل على احترام هذا الحق - المشاركة العامة - من إجازة إجارتها - أي حمايتها للغير - كالرجل تماما؛ فعن أم هانئ بنت أبي طالب - رضي الله عنها - قالت: «يا رسول الله، زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلا أجرته، فلان بن هبيرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ»[111].

هذا، ولم ترد دواعي مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية ولقائها الرجال في نصوص مستقلة في القرآن الكريم والسنة الشريفة ولكن بالإمكان استخلاصها من مجموع النصوص والشواهد، التي وردت في هذا الشأن - بعامة - في مجالات مختلفة ومناسبات شتى.

فمن أهم دواعي مشاركة المرأة في الشأن الاجتماعي العام:

  • تيسيرالحياة: لتمضيدونحرجأوإعنات،ويمضيمعهاالمؤمنونوالمؤمناتفيراحةويسروسعة،«فماخيررسولالله - صلىاللهعليهوسلم - بينأمرينإلااختارأيسرهما، ما لم يأثم».[112] كما قالت السيدة عائشة، رضي الله عنها. وقد كانت النساء يأتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما عنت لهن مسألة، بل كان أزواجهن يدفعونهن، أحيانا، إلى سؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك أن امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنها كانت ذات مال، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصدقة، فطلبت من زوجها أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أيجزئ عنها أن تنفق على زوجها وعلى أيتام لها من الصدقة؟ فقال لها عبد الله: سلي أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلقت إليه فقالت: يا نبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي مال فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه هو وولده أحق من تصدقت به عليهم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم» [113].
  • تنميةشخصيةالمرأةوإفادةمجتمعها: فمشاركةالمرأةفي الحياة الاجتماعية تكسبها خبرات متنوعة، بينما انعزالها وتقوقعها يهبط بشخصيتها ومستوى اهتماماتها. المهم أن تتوفر في مجتمع المشاركة الأحاديث والحوارات الرصينة والنشاط الجاد المثمر، سواء في مجال العبادة والخلق، أو في مجال العلم والفكر، أو في مجال العمل الاجتماعي والسياسي.

وقد كان الحد الأدنى من كل ذلك على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يحصل بقصد النساء المسجد؛ فقد كان المسجد النبوي مركز إشعاع عبادي وثقافي واجتماعي للرجل والمرأة على السواء.

سادسا. في تاريخ المسلمين أعلام من النساء في كل ميدان اجتهدن في عملهن ولم يقصرن في أداء مهامهن:

أما الحد الأعلى فتمثل في أزواجه - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، اللائي بلغن بمعايشتهن وعشرتهن للنبي - صلى الله عليه وسلم - وسماعهن منه وأخذهن عنه - منزلة علمية رفيعة، فأخذ عنهن كبار الصحابة والتابعين الحديث والتفسير والفقه[114].

ويطول الحديث عن أمثلة واضحة وشواهد بينة لمشاركة صحابيات وتابعيات بأدوار متميزة في الجهاد والدعوة والعلم، ومن نماذجهن:

1.الشفاء بنت عبد الله القرشية: التي احتلت منزلة مرموقة بين نساء مكة؛ لامتلاكها صفات كانت نادرة عند المرأة في ذلك العهد، فهي تمثل المرأة المثقفة المتعلمة المتميزة، فقد أسلمت في وقت مبكر وبايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمن كان الإيمان والبيعة مصدر شقاء وتعذيب واضطهاد على يد المعاندين للدين. وعن هذه الشخصية المتميزة تقول د. سعاد صالح: "كانت تأتي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لتسأله وتتناقش معه حول أمور كثيرة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدهش لسعة معارفها وعمق اهتماماتها، وفطنتها وإدراكها للأمور، وقد اكتشف النبي - صلى الله عليه وسلم - في شخصية الشفاء وعقلها ونضجها ورزانتها نموذجا للمرأة المسلمة التي يمكنها أن تلعب دورا بارزا في تطوير الحركة النسائية في المجتمع المسلم.

وكان احتكاك الشفاء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - باستمرار لطرح الأسئلة عليه، والحصول على الأجوبة والاستفسارات، من أكبر العوامل التي حولت الشفاء فيما بعد إلى راوية أمينة وصادقة للحديث النبوي؛ فقد اختزنت ذاكراتها الكثير من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وعادت تقدمه للناس بعقل ناضج وأسلوب واضح.

وإلى جانب دورها في الحفظ والرواية لعبت دورا في مجال التعليم، وأكبر دليل على بروز أهميتها في هذا المجال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي إلى بيتها ويقيل عندها، وقد طلب منها أن تعلم زوجته حفصة، فقد قال لها مرة: «ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة». [115] أي أنها كانت طبيبة ومعلمة للقراءة والكتابة، وقد علمت الكثيرين.

وهذا الدور التربوي والتعليمي حظي بمكانة خاصة في صدر الإسلام، مما دفع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - تقديرا منه للشفاء ولدورها الاجتماعي والعلمي المطلوب بإلحاح في هذا المجتمع، أن أقطعها دارا لتقيم بها مع ابنها.

وقد عمرت الشفاء مدة طويلة حتى أدركت خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد روي أنه كان يقدمها في الرأي ويقبل نصائحها ويبرها. وقد روي أن عمر قد ولاها الإشراف على السوق.

2.أسماء بنت عميس الخثعمية: من أسبق النساء دخولا في الإسلام، وقد بايعت وهاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة ثم إلى المدينة.

وقد روى أبو موسى - رضي الله عنه - ما خلاصته «أن أسماء بنت عميس دخلت على حفصة زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - زائرة، فدخل عليهما عمر، فقال: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم. قال: فلما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا. قال: فما قلت له؟ قالت: قلت له كذا وكذا. قال: ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان. قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالا - أفواجا ناسا بعد ناس - يسألونني عن هذا الحديث» [116] [117].

3.أسماء بنت أبي بكر: لم تشهد امرأة في الإسلام ما شهدته أسماء بنت أبي بكر، وقد ولدت قبل الهجرة بسبعة وعشرين عاما، وامتد بها العمر لتموت بعد الهجرة بثلاثة وسبعين عاما؛ أي أنها عاشت قرنا كاملا، امتد منذ العصر الجاهلي إلى العصر الأموي، مرورا بكل الأحداث التي عاشها الإسلام منذ لحظاته الأولى، مرورا بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الراشدين واحدا تلو الآخر، ثم مرحلة التحول من العصر الراشدي إلى العصر الأموي.

كانت السيدة أسماء - رضي الله عنها - تعمل خارج البيت وتلقى الرجال أحيانا، قالت: «كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: "إخ إخ" ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال». [118] وكانت - رضي الله عنها - تحرص على استفتاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما عرض أمر[119].

4.السيدة أم عمارة (نسيبة بنت كعب): أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية النجارية الأنصارية، كانت من المؤمنات المجاهدات، أسلمت مع زوجها زيد بن كعب على يد مصعب بن عمير عندما قدم إلى يثرب مبعوثا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهدت بيعة العقبة الثانية.

جاءت نسيبة ومعها وفد من المسلمات يسألن النبي - صلى الله عليه وسلم - السماح لهن بالجهاد، فسألها الرسول صلى الله عليه وسلم: "وماذا تفعلين يا نسيبة"؟ قالت: نرتق[120] الثياب ونقي الجرحى[121] ونداوي المرضى، وخرجت نسيبة مع المسلمين في غزوة أحد، فقد ذكر ابن هشام عن أم سعد بنت سعد بن الربيع - رضي الله عنهما - قالت: دخلت على أم عمارة - رضي الله عنها - فقلت لها: يا خالة، أخبريني خبرك. فقالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس، ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في أصحابه، والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله، فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف، وأرمي عنه بالقوس حتى خلصت الجراح إلي. قالت أم سعد: فرأيت على عاتقها جرحا شديدا أجوف له غور.[122] فقلت لها: من أصابك بهذا؟ قالت: عمرو بن قمئة أقمأه الله، لما ولى الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل يقول: دلوني على محمد - صلى الله عليه وسلم - لا نجوت إن نجا. فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير - رضي الله عنه - وأناس ممن ثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كان عليه درعان [123].

قتل مسيلمة الكذاب ابنها حبيبا حين قال له: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ فقال حبيب: نعم. قال مسيلمة: أتشهد أني رسول الله؟ فقال: لا. فجعل يقطعه عضوا عضوا حتى مات في يديه. وخرجت أم عمارة مع المسلمين إلى اليمامة حيث قتل مسيلمة الكذاب ورجعت جريحة [124] [125].

ونصل إلى قمة المشاركة العامة للمرأة بالسؤال عن مدى أحقيتها في المشاركة في الحياة السياسية، وهذا ما سنتولى بيانه.

سابعا. الإسلام لا يمنع المرأة من مزاولة الوظائف العامة والنيابات والولايات والمشاركة في العمل السياسي باستثناء الرئاسة العليا للدولة فقط والقضاء على خلاف:

حول الدور المتاح لها في هذا المجال يحدثنا د. البوطي قائلا: "إن ما قلناه عن الحرية الخارجية، أي مدى ما يملكه الإنسان من حرية في علاقاته الخارجية، كما رأيناه في انطباقه على حرية العمل لدى المرأة، سنجده ينطبق هو ذاته على الأنشطة السياسية التي بوسع المرأة أن تمارسها.

إننا إن استثنينا رئاسة الدولة التي كثيرا ما يعبر عنها بالخلافة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن سائر الرتب والأنشطة السياسية الأخرى، تعد في الشريعة الإسلامية مجالات متسعة لكل من الرجل والمرأة.

ولنبدأ ببيان موقف الشريعة الإسلامية من إسناد رئاسة الدولة إلى المرأة، وبيان الحكمة من ذلك. يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي بكرة: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».[126] ومن المعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك عندما هلك شيرويه - أحد ملوك الفرس - وتولت الملك من بعده ابنته بوران.

وقد استدل جمهرة علماء الشريعة الإسلامية بهذا الحديث الصحيح على حرمة إسناد مهام الخلافة أو ما يسمى اليوم برئاسة الدولة إلى المرأة أيا كانت، وكذلك على أن البيعة لا تنعقد شرعا.

ولكن ما الحكمة من هذا الحجر الذي جاء خاصا، وبموجب نص صريح، برئاسة الدولة؟

الحكمة أن قسما كبيرا من المهام التي يقوم بها الخليفة أو من يحل محله، دينية محضة، وليست سياسية مجردة، فمن مهام الخليفة جمع الناس على صلاة الجمعة وخطبتها. وهي مهمة دينية محضة كما هو واضح. ومن المعلوم أن المرأة غير مكلفة بصلاة الجمعة ولا بالحضور لها، للأسباب التي سبق ذكرها، فكيف تقود الناس وتشرف عليهم في عمل هي غير مطالبة به؟ فإن قلنا: فلتنب عنها من يقوم بهذا الواجب من الرجال، أشكلت على ذلك القاعدة الفقهية القائلة بأنه لا تصح الوكالة إلا عمن يستوي مع الوكيل في المطالبة بذلك الحكم وشرائط صحته وانعقاده.

ومن مهام الخليفة إعلان حالة الحرب مع من اقتضى الأمر محاربتهم وقتالهم، وقيادته الجيش في عمليات القتال. ومن المعلوم أن المرأة غير مكلفة بالجهاد القتالي إلا عند النفير العام، أي عند مداهمة العدو دار الإسلام واقتحامه لأراضي المسلمين. فكيف يستقيم منها أن تقود الناس في عمليات هي غير مكلفة بها؟

ومثل ذلك إعلان الهدنة والصلح ونحو ذلك مما يعد نتائج وفروعا لحالة الحرب والإعلان عنها. ومن المعلوم أن الذي لا يكلف بأصل الشيء ومصدره، لا يكلف بشيء من فروعه وآثاره.

ومن مهام الخليفة الخروج بالناس إلى صلاة العيد، وإلى صلاة الاستسقاء، وإلقاء الخطبة المتعلقة بالصلاتين. والمرأة قد لا تكون في وضع يخولها القيام بهذه المهام ونحوها مما هو كثير.

فاقتضى ذلك ألا تزج المرأة في هذه المحرجات دون ما ضرورة تستدعي ذلك. والواقع أنه ليس ثمة ضرورة تقتضي تحميل المرأة هذه المحرجات.

وبقطع النظر عن هذا السبب الذي يتلخص في أن كثيرا من مهام الخلافة أو ما يقوم مقامها من رئاسة الدولة، من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، مهام دينية مجردة، فإن الواقع التاريخي منذ أقدم عصور الحضارة الإنسانية، كان ولا يزال متفقا مع هذا الذي قررته الشريعة الإسلامية.

تأمل في أسماء من نصبوا ملوكا أو رؤساء لدولهم؛ منذ أقدم العصور إلى هذا اليوم، خارج المجتمعات الإسلامية، تجد أن غالبيتهم العظمى كانوا رجالا، بل إنك لا تكاد تعثر على أسماء نساء تولين رئاسة الدولة أو الملك أكثر من عدد أصابع اليدين.

ولا شك أن هذا يدل دلالة واضحة على أن تلك المجتمعات مقتنعة - رجالا ونساء - بما قد قضى به الإسلام. وإلا فلماذا لم ترتفع نسبة الرؤساء والملوك من ذوي السلطة الحاكمة، من النساء، إلى النصف أو إلى الربع أو إلى عشر أمثالهن من الرجال طوال هذه الأحقاب[127] المنصرمة كلها؟ لماذا لم نسمع عن امرأة تولت الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ فجر ولادة هذه الدولة إلى اليوم؟ بل لماذا لم نسمع عن أي امرأة رشحت نفسها للرئاسة؟ وهي الدولة التي تهيب بالنساء في العالم العربي والإسلامي أن يكافحن لنيل هذا الحق!!

فإذا تجاوزنا مهمة الخلافة أو رئاسة الدولة، إلى الوظائف والمهام السياسية الأخرى، فإننا لا نكاد نجد مدخلا لخصوصية الذكورة والأنوثة في الأمر.

ولنستعرض هذه الوظائف والمهام، متدرجين من الأدنى إلى الأعلى:

أولى هذه المهام وأدناها: مبايعة الحاكم، وتدخل في حكمها مبايعة من يختارون ممثلين عن الأمة أو الشعب في مجالس الشورى. هذه المبايعة السياسية التي يأمر بها الدين، يستوي في المطالبة والتكليف بها الرجال والنساء معا، دون أي فرق.

فقد جاء عن عائشة أم المؤمنين«أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبايع النساء بالكلام» [128]. أي بدون مصافحة، وقد فصل كل من ابن هشام في سيرته والطبري في تاريخه القول في مبايعته - صلى الله عليه وسلم - للنساء يوم فتح مكة.

إذا تبين هذا، فإن القول ذاته يرد في مبايعة أو انتخاب المرأة لأعضاء مجلس الشورى؛ ذلك لأن مناط الحكم[129] ومصدره واحد في الحالتين. صحيح أن مجلس الشورى لم يكن يعين فيما مضى، عن طريق الانتخاب أو المبايعة، وإنما عن طريق اختيار الدولة لمن يسمون بأهل الحل والعقد، ولكن لما أحالت الدولة حق الاختيار هذا إلى الشعب - وهذا سائغ ومبرر شرعا - كان لا بد أن يستوي في ذلك الرجال والنساء، بمقتضى حق الإحالة التي منحته الدولة، وبمقتضى الحق الشرعي الذي منحه الشارع لهما فيما هو أخطر وأهم ألا وهو حق اختيار الإمام ومبايعته.

ثاني هذه المهام: الاشتراك في عضوية مجالس الشورى، على اختلاف أنواعها ومراتبها، وبصرف النظر عن الأشكال والأساليب التي تطورت إليها هذه المجالس، بل التي يمكن أن تتطور إليها أيضا في المستقبل، فإن مبدأ اعتماد الدولة على الشورى، في كل ما تصدر عنه من قرارات وأحكام اجتهادية لا نص يلزم بها واجب شرعي يدخل في جوهر الدين وأسسه الراسخة. وكلنا قرأ ووعى في ذلك قول الله - عز وجل - خطابا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بوصفه الإمام الأول لهذه الأمة: )فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين (159)( (آل عمران).

وكلنا قرأ ووعى بعد ذلك قوله - عز وجل - وهو يصف سلسلة المجتمعات الإسلامية السائرة على نهج الرعيل الأول، وانضباطها بأوامر الله وهديه: )والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون (38)( (الشورى).

فهذا الواجب الذي كلف الله به إمام الأمة أو رئيس الدولة، جعله الله في الوقت ذاته حقا ثابتا من حقوق الأمة. أي فهو واجب تكلف بتنفيذه الدولة، وحق تتقاضاه الأمة.

ونظرا إلى أن الأمة، أو الرعية، أو الشعب على حد العبارة الدارجة، تتألف دائما من شطري الرجال والنساء، فإن حق الشورى مستقر بحكم الله وشرعته لهذين الشطرين من النساء والرجال. وقد جرى تطبيق هذا الحكم في عصر النبوة بأجلى صوره التي لم تدع مجالا لأي خلاف فيه.

فقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه دخل يوم صلح الحديبية على أم سلمة يشكو إليها أنه أمر أصحابه بنحر هداياهم وحلق رؤوسهم فوجموا ولم يفعلوا. فقالت: «يا رسول الله أتحب ذلك؟ اخرج ولا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعل ما قالته أم سلمة» [130].

وقد كان الصحابة يستشيرون النساء، وكان في مقدمة من يفعل ذلك عمر رضي الله عنه. روى ابن الجوزي عن يوسف بن الماجشون، قال: قال لي ابن شهاب ولأخ لي ولابن عم لي، ونحن صبيان: لا تستحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا أعياه الأمر المعضل دعا الأحداث (أي الشباب) فاستشارهم لحدة عقولهم، وكان يشاور النساء.

وذكر ابن حجر في "الإصابة" عن أبي بردة عن أبيه قال: ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علما. وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس وأحسن الناس رأيا في العامة.

وقد كان - رضي الله عنه - يستشيرها في كل ما يتعلق بأمور النساء، وأحوال رسول الله البيتية كما يستشير غيرها من النساء. وقد استشار ابنته حفصة في المدة التي ينبغي أن تحدد لابتعاد الرجل عن زوجته في المهام الجهادية ونحوها، فأشارت عليه بأن يكون أقصى مدة غياب الرجل عنها أربعة أشهر، فأمضى كلامها واتخذ من ذلك أجلا أقصى للبعثات التي يوفد إليها الرجال.

وكان أبو بكر وعثمان وعلي يستشيرون النساء... ولم نجد في شيء من بطون السيرة والتاريخ أن أحدا من الخلفاء الراشدين أو الصحابة حجب عن المرأة حق استشارتها والنظر في رأيها.

كما أننا لم نعثر فيما صح من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته على ما يدل صراحة أو إشارة، على أن المرأة لا حق لها في الشورى، ولم نجد أنه - صلى الله عليه وسلم - تعمد أن يتجنب مشاورة النساء في بعض مما قد يشاور فيه الرجال.

أما الكلام الغريب الدائر على كثير من الألسن، والذي قد يتلقاه بعض العامة من الناس على أنه حديث من كلام رسول الله، وفيه: "... شاوروهن وخالفوهن..."[131]. فلم أجد من رواه حديثا عن رسول الله، لا بسند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع... وربما رواه بعضهم أو روى نحوه من كلام عمر، ولكن لم يصح عنه شيء من ذلك؛ بل المعروف عنه كما قد رأيت نقيض هذا الكلام، فقد كان يشاورهن ويأخذ بمشورتهن.

واعتمادا على هذه الأدلة الثابتة من عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمل صحابته، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الشورى تلتقي مع الفتوى في مناط واحد. فكل من جاز له أن يفتي ممن توافرت لديه شرائط الفتوى، جاز له أن يشير، وجاز للإمام وللقاضي أن يستشيره ويأخذ برأيه. ومعلوم أن الذكورة ليست شرطا في صحة الفتوى ولا في تبوء منصبها.

يقول الماوردي في "أدب القاضي": إن كل من صح أن يفتى في الشرع، جاز أن يشاوره القاضي في الأحكام، فيجوز أن يشاور الأعمى والعبد والمرأة.

وهذا كلام عامة الفقهاء؛ فكلهم يؤكدون أن على القاضي أن يستشير قبل اتخاذ الأحكام، كما يؤكدون أن الرجل والمرأة في الاستشارة سواء. ولم نجد في مقابل هذا الاتفاق أي نص أو رواية تتضمن حجب حق الشورى عن المرأة في نظر أحد من الفقهاء.

غير أن الحكم الواضح كما قد رأيت في كلام الفقهاء الأقدمين، وفي عمل رسول الله وأصحابه، اتسم بقدر من الاضطراب، بسبب ما كتبه بعض الفقهاء المعاصرين، ولعل في مقدمتهم الشيخ أبا الأعلى المودودي فقد صرح في كتابه "نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور" بأن الذكورة شرط من شروط الأهلية لمجلس الشورى، مخالفا بذلك الهدي النبوي وعمل الصحابة واتفاق جمهور الفقهاء، واستدل على اجتهاده المخالف هذا بأن المستشار يمارس بشوراه نوعا من القوامة، وقد قال الله عز وجل: )الرجال قوامون على النساء( (النساء: 34).

فإننا نتساءل في عجب: ما علاقة القوامة بالشورى؟ وما هو وجه اللزوم بينهما؟

إن من آداب القضاء أن يستشير القاضي حتى من هو دونه في المعرفة واتساع العلم وعمق النظر، كما ذكر الفقهاء، مستدلين بأنه قد يوجد لدى المفضول ما لا يوجد لدى الفاضل، فهل من مستلزمات الشورى أن تصبح للمستشار المفضول قوامة على المستشير الفاضل؟ ثم ما قيمة هذه الحجة بعد عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمل أصحابه؟

إن المشورة مهما كانت صفتها، ومهما تطورت أطرها وأساليبها التنظيمية، لا تعدو أن تكون مظهرا من أبرز مظاهر التعاون للوصول إلى معرفة الحق والتواصي به. والمسلمون والمسلمات كلهم شركاء في تحمل هذه المسؤولية التي هي سياسية في مظهرها، ولكنها كثيرا ما تكون دينية واجتماعية واقتصادية في مضمونها.

نعم إن مجلس الشورى ليس من اختصاصه - فيما يقضى به الإسلام - أن يشرع أحكاما تتصادم أو تخالف شرع الله وحكمه، ولكن هذا المنع لا علاقة له بنوع الأشخاص الذين يشرعون تلك الأحكام؛ إذ الخطر في ذلك متجه إلى الرجال والنساء على السواء.

ثالث هذه المهام: الوظائف السياسية على اختلافها وتفاوت درجاتها. ومن أبرزها الوزارات وما في حكمها.

إن المرأة التي تكون أهلا من حيث المبدأ والاختصاص لإحدى هذه الوظائف، والتي تكون على استعداد لأن تضبط نفسها وسلوكها بالضوابط الدينية التي أمر بها الله - عز وجل - مما قد مر بيانه أو التذكير به، ليس في الشرع ما يمنع من ممارستها لتلك الوظيفة، بسبب أنها امرأة.

وبتعبير آخر - وربما أوضح - نقول: إن الحظر الذي نطق به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو ذاك الذي تضمنه قوله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة». [132] إنما هو خاص - كما قد علمت - بإمامة الأمة أو رئاسة الدولة؛ إذ هو يعني "بوران" التي نصبت ملكة على قومها في المملكة الفارسية، وإنما يسري هذا الحكم على نظائره في المجتمعات الإسلامية.

وتبقى الوظائف والمهام السياسية التي هي دون ذلك، والتي قد تكلف بها المرأة، مسكوتا عنها، وقد علمنا أن الأصل في الأشياء كلها الإباحة، حتى يرد ما يخالف ذلك من الحظر، وهذا يعني أن سائر الأنشطة السياسية التي قد تمارسها المرأة مما هو دون رئاسة الدولة داخل في عموم حكم الإباحة، بشرط أن تكون المرأة أهلا لها، مع تقيدها بأوامر الدين وآدابه وضوابطه.

والغريب أن المارودي شرط في كتابه "الأحكام السلطانية" الذكورة في صحة تقليد الوزارة سواء كانت وزراة تفويض أو تنفيذ ولم يشرطها في الإمامة الكبرى أو ما يسمى اليوم برئاسة الدولة.

ولعمري إن عدم اشتراطه لها سهو في الثانية، لصريح حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، كما أن اشتراطه لها ينبغي أن يكون سهوا في الأولى، إذ هي ليست مشمولة بمضمون الحظر الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم... نعم إن وزارة التفويض يمكن إدخالها اجتهادا في حكم الإمامة الكبرى، إذ هو يقصد بها نوعا من النيابة عن الإمام في القيام ببعض أعبائه. والقائم بمثل هذه النيابة لا يسمى في اصطلاح هذا العصر وزيرا، بل يسمى نائبا عن رئيس الجمهورية. ومن المقبول اجتهادا أن تأخذ هذه الوظيفة في شرائطها حكم رئاسة الدولة ذاتها. ومثلها وظائف الولاية التي ينوب فيها الوالي عن إمام المسلمين أو رئيس الدولة.

ومن الوظائف التي قد تندرج في سلك الوظائف السياسية: القضاء؛ فهذه الوظيفة وإن كانت تعنى بتنفيذ الأحكام الشرعية بين المتخاصمين، إلا أنها من حيث هي جزء من نظام الحكم في الإسلام، تعد جزءا من البنيان السياسي للدولة.

غير أن العلماء اختلفوا في حكم إسناد وظيفة القضاء إلى المرأة. فذهب أكثر الفقهاء إلى اشتراط الذكورة فيمن يتولى القضاء. وذهب الحنفية إلى عدم اشتراط ذلك في أعمال القضاء المدني، نظرا إلى صحة شهادتها في سائر القضايا المدنية. أما في الحدود والقصاص فقد وافق الحنفية الجمهور في اشتراط الذكورة، نظرا لعدم نفاذ شهادتها في الجنايات.

أما ابن جرير الطبري: فذهب إلى جواز إسناد وظيفة القضاء إلى المرأة مطلقا، مستدلا بأن القضاء مثل الفتوى، ولما كان إسناد وظيفة الفتوى إلى المرأة جائزا بالاتفاق، اقتضى ذلك أن يكون إسناد القضاء إليها أيضا جائزا وأن يكون حكمها في شؤون القضاء نافذا.

وقد نقل ابن حجر في فتح الباري عن بعض المالكية أنهم أطلقوا الحكم أيضا بجواز إسناد مهام القضاء إلى المرأة، أي في الجنايات وغيرها... ولكني لم أجد فيما لدى من المراجع وأمهات مصادر الفقه المالكي ما يؤيد هذا النقل [133].

وفي نهاية الحديث عن هذا الجانب الذي يوضح ما يضمنه الشارع من حق الحرية للمرأة، يجب أن نعيد إلى الذاكرة ما قلناه من أن مدار هذه الأحكام التي ذكرناها على شيئين اثنين:

أولهما: أن تتصف المرأة التي ترشح لشيء من هذه الوظائف بالمزايا والمؤهلات التي تضمن أن يكون قيامها بأعباء تلك الوظيفة محققا للخير الذي يتوخى للمجتمع من ورائها، وهذا الشرط يلاحظ في حال الرجل كما يلاحظ في حال المرأة.

ثانيهما: ألا تحملها أعباء تلك الوظيفة على الاستهتار بشيء من الضوابط والآداب الدينية التي ينبغي أن تتقيد بها. والواقع أن شيئا من الوظائف المذكورة، ليس فيها ما يحمل المرأة على التخلي عن شيء من الضوابط الدينية التي يجب أن تتحلى بها، وإنما المجتمع بنظمه وعاداته هو الذي يحمل المرأة أو لا يحملها على التخلي عن تلك الضوابط أثناء قيامها بمهام تلك الوظائف.

ولا تنس أننا إنما نتحدث عن حقوق المرأة في الإسلام، في مناخ إسلامي صالح؛ ذلك لأن الإسلام إنما يتحمل مسئولية رعاية الحقوق لأصحابها، في مجتمع يكون هو المهيمن فيه. فأما المجتمع الشارد عن تعاليمه وإرشاداته، فليس من المنطق تحميل الإسلام مسئولية فشل المجتمع في رعاية لقطات جزئية من مبادئه وأحكامه[134].

ثامنا. سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في جملة الحقوق والواجبات وراعى أصل الفطرة الإنسانية ولا شأن له بالتقاليد التي أحدثها الناس لا رب الناس:

حسب تقاليد بعض مجتمعات المسلمين في بعض العصور، فإن المرأة وقد صودر - من الأصل - حقها في اختيار شريك حياتها، من الطبيعي أن ينظر إليها هذا الشريك - وقد أخذها استبدادا - نظرة التابع الخانع فاقد الشخصية مهيض الجناح [135].

ولعل هذا الصنف من الناس هو ما ألمح الشيخ الغزالي إليه، تحت عنوان: "حسنوا صورة المرأة المسلمة" قائلا: "إن بعض المسلمين يعرضون دينهم مزورا دميم الوجه، ثم يذمون الناس لأنهم رفضوه، وعندي أن هذا البعض الجهول يجب سجنه أو جلده لأنه صاد عن سبيل الله، فتان عن الحقيقة التي صدع بها صاحب الرسالة الخاتمة صلى الله عليه وسلم.

إن الإسلام سوى بين الرجل والمرأة في جملة الحقوق والواجبات، وإذا كانت هناك فروق معدودة فاحتراما لأصل الفطرة الإنسانية وما ينبني عليها من تفاوت الوظائف، وإلا فالأساس قوله سبحانه وتعالى: )فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض( (آل عمران: ١٩٥). وقوله عز وجل: )من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97)( (النحل).

إن هناك تقاليد وضعها الناس ولم يضعها رب الناس، دحرجت الوضع الثقافي والاجتماعي للمرأة، واستبقت في معاملتها ظلمات الجاهلية الأولى، وأبت إعمال التعاليم الإسلامية الجديدة؛ فكانت النتائج أن هبط مستوى التربية ومال ميزان الأمة كلها مع التمهيل المتعمد للمرأة والانتقاص الشديد لحقوقها"[136].

ويقول أيضا: "ومصيبة ديننا في أناس يحرفون الكلم عن مواضعه ويطيرون بحديث موضوع أو معلول ليلغوا به الآيات البينات والسنن الثابتات.

إن الذي يتدبر القرآن الكريم يحس المساواة العامة في الإنسانية بين الذكور والإناث، وأنه إذا أعطى الرجل حقا أكثر فلقاء واجب أثقل، لا لتفضيل طائش.

وكما أن طاعة الشعب للحكومة لا تعني الطغيان والإذلال؛ فإن قوامة الرجل في البيت لا تعني ضياع المساواة الأصلية، إذ للتنظيم الاجتماعي له مقتضياته الطبيعية، ولا مكان للشطط في تفسيره.

وهناك من يردد أقوالا عن النساء لا تستحق إلا الازدراء، قال أحدهم: السفهاء هم الصبية والنساء، قلت له: عمن رويت ذلك؟ عن عمدة القرية أو شيخ البدو؟ وزعم كذوب أن المرأة يساق فيها قوله سبحانه وتعالى: )كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير( (النحل: 76)، قلت: تلك صفة نفر من الناس رجال أو إناث محروم من المواهب عاجز عن العطاء، ويخجلني أن هذا الوصف يكاد يطوي جماهير المسلمين في المشارق والمغارب بعدما تخلوا عن رسالتهم ونسوا كتابهم، وعاشوا عالة على الحضارات الغالبة.

إنني أحذر على الإسلام صنفين من الناس؛ المكذبون به والجاهلون به، المكذبون به من أعدائه، والجاهلون به من أصدقائه، وأكرر ما قلته من قبل: إنني أحارب الأدوية المغشوشة بالقوة نفسها التي أحارب بها الأمراض المنتشرة.

والثغرة التي ينفذ منها أعداء الإسلام إلى بيضتنا[137] - ونحن نقاوم الغزو الثقافي - هي موقف بعض الشيوخ من قضايا المرأة، فهم يقفون أحجارا صلبة أمام كل الحقوق التي قررها لها الإسلام يريدون تعطيلها أو تشويهها... والرجل قيم على بيته يقينا، وهذه القوامة تكليف قبل أن تكون تشريفا، وتضيحة قبل أن تكون وجاهة.

المشكلة في الأمة الإسلامية أن الجهل عم الزوجين الذكر والأنثى، وأن العلاقة بين الجنسين ينظر إليها من ناحية الشهوة وحدها، أما رسالة الأمة الكبرى في العالم فما يدريها الآباء ولا الأمهات، الزواج عقد نكاح وحسب، يحكمه منطق البدن الأقوى[138].

ثم يقارن الشيخ بين هذه المواقف المستهجنة والأوضاع المستغربة المجافية لجادة الصواب وبين شواهد من عصور الإشراق الباكرة، من خير القرون، حيث ترجم سلوك المسلمين - في الغالب - تعاليم الإسلام الصحيح عمليا على أرض الواقع، خصوصا في شأن المرأة. وقد ظل هذا الفهم، ومن ثم السلوك، الوسطى المعتدل، ديدن قطاعات كبيرة من المجتمعات الإسلامية - نسبيا - في مختلف العصور حتى العهد الحاضر. لكن الصوت النشاز - دائما - عالي النبرة.

يقول الرجل: كلما رجعت إلى السيرة النبوية ازددت معرفة بما كان للمرأة من مكانة، وبما كفله الإسلام لها من حقوق، لقد كانت لها شخصية مقدورة وأثر يحسب، يقول المحدثون: «لما نزل قول الله لنبيه: )وأنذر عشيرتك الأقربين (214)( (الشعراء). صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفا ونادى: "يا بني عبد المطلب، اشتروا أنفسكم من الله، يا أم الزبير بن العوام عمة رسول الله، ويا فاطمة بنت محمد، اشتريا أنفسكما من الله، فإني لا أملك لكما من الله شيئا». [139]

إن نداء المرأة بهذا الصوت الجهير شيء مستنكر في عصرنا الأخير، كنا نعد اسمها كشخصها عورة لا يجوز أن يعرف، ونقول: ما للمرأة وهذه الشئون؟ يكفي أن يحضر رجل من أسرتها ليبلغها، أما أن تنادى على رؤوس الأشهاد فذلك عيب.

لكن المرأة في صدر الإسلام عرفت قدرها، ولما سمعت مناديا ينادي للإيمان سارعت إلى تلبيته... ودخل الرجال والنساء - على السواء - في دين الله، وأعطوا المواثيق على اعتناق الحق والعمل به والذود عنه، وانتظمت الصفوف في المسجد النبوي تستوعب الرجال والنساء على السواء، فقد جاء عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: «أخذت )ق والقرآن المجيد (1)( (ق) من في - فم - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة وهو يقرأ بها على المنبر في كل جمعة» [140].

ومن الطرائف أن امرأة كريمة موسرة كانت تصنع وليمة بعد الجمعة يحضرها من شاء، فقد جاء عن سهل بن سعد قال:«كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء[141] في مزرعة لها سلقا، فكانت إذا كان يوم جمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر، ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها، فتكون أصول السلق عرقه،[142] وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه، وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك» [143].

هذه امرأة مؤمنة سمحة تدخل السرور على الناس بما آتاها الله من فضله، ولو فعلت ذلك في عصرنا لأنكر المتزمتون عليها، ولقال كل جريء على الفتوى: كيف يلقي عليها السلام؟ وكيف ترده؟ وكيف تلقى الضيوف؟... إلخ [144].

كيف يصح إذن أن تجمل الأمور إجمالا مخلا مبتسرا فترمى المرأة المسلمة بأنها فاقدة الشخصية تابعة للرجل، هكذا على الإطلاق غير الدقيق والتعميم غير الموضوعي؟! كيف والإسلام يحض على استشارتها والاعتداد برأيها - وكم استشيرت بالفعل، وكم اعتبر رأيها، وكم حالفه الصواب.

وفي شأن الحض على مشاورتها والحرص على ذلك يقول الشيخ عطية صقر: "المشورة في حد ذاتها أمر هام لكل إنسان يريد أن يحيا حياة طيبة، فالمشكلات كثيرة، وقد تخفى وجوه حلها على الكثير من الناس، بحيث لايستطيع الرأي الفردي أن يهتدي إليها.

ومشكلات الحياة الزوجية كثيرة، وتبعاتها جسيمة، ومسيرتها الطويلة تعترضها عقبات لا محالة، فلا بد من التشاور لحل ما أشكل، وإزالة العقبات أو اتقائها. والرجل والمرأة شريكان فيما يصيب الأسرة من خير وشر، ومن هنا نرى أنه ليس من الصواب أن يستبد الرجل برأيه، ويتعالى على استشارة زوجته، وبخاصة في الأمور التي تتعلق بالحياة الزوجية.

لقد ذهب بعض المتزمتين إلى إهمال رأي الزوجة إهمالا تاما، لأنها في نظره ليست أهلا للاستشارة، وآثر أن يعيش مستبدا يملك كل الزمام بيده، وما على الزوجة إلا أن تطيع طاعة عمياء، وتنفذ كل ما يريد، وهي قائمة على الاستغلال السيئ لقول الله عز وجل: )الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض( (النساء: 34).

وذهب بعض آخر إلى إشراك المرأة مع زوجها في كل شأن من الشئون، حتى التي لا تتصل بحياة الأسرة، وتعدى ذلك الأمر حده حتى تملص الزوج من المسئولية، وآثر أن يعيش شخصا عاديا في المنزل، يجري عليه ما يجري على أي فرد فيه، فصارت المرأة ممثلة للسلطة التشريعية، وهو المنفذ لما تقرره، بل تمادت حتى استأثرت هي بالسلطتين معا، فاستولت على إيراد الزوج، ووضعت بنفسها مشروع الميزانية المنزلية، ونفذته كما تريد.

لا يهمها بعد أن تغطي المصروفات، أو تلجأ إلى الاحتياطي حتى تأتي عليه أيضا... والذي حدا بهؤلاء إلى سلوك هذا المسلك:

  • إماتأثرهمبالتياراتالفكريةالحديثةفيإعطاءالمرأةحقوقها،واحترامهافيالمجتمعالعصرياحترامايجعلهامساويةللرجلفيكثيرمنالحقوق،إنلميكنفيجميعها.
  • وإما تملصهم من لوم ينصب عليهم منها لو أخطأ أحدهم في أمر استبد برأيه فيه، وكثير من هؤلاء الرجال ليس لهم من الرجولة إلا اسمها، فهم أضعف من أن يقفوا أمام رغباتها، أو يعترضوا سلطانها الذي تعدى حدوده الطبيعية والاجتماعية والدينية.

وإما ميلهم إلى الراحة الفكرية والنفسية، وإلقاء تبعة الحياة الزوجية كلها على عاتق المرأة، ليخلو له الجو في حياته الخارجية، ولا يعترض تيار لذاته شيء من مشكلات الحياة المنزلية، وتغالى هؤلاء فجعلوا الزوجة مستشارهم الأول في كل شئون الحياة، لأنها جديرة بذلك في المجتمع العصري الحديث.

وكلا النوعين من الأزواج على خطأ عظيم؛ فالأولون قد فرطوا في حق التشاور، ونظروا إلى المرأة بمنظار قاتم، كأنها متمحضة[145] للشر ولا خير فيها. وقد يكون لها نظر تحمد عليه، أو رأي صائب يلجأ إليه... فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستشير أصحابه، وهم أدنى منه نظرا وفكرا، قال سبحانه وتعالى: )وشاورهم في الأمر( (آل عمران: 159)، وقد حمد لصفية رأيها في عدم بنائه بها وهو في الطريق منصرفا من خيبر، خوفا عليه أن يبغته اليهود وهو قريب منهم.

وكذلك استجابته - صلى الله عليه وسلم - لرأي أم سلمة في أزمة الحديبية؛ فقد جاء عن الثقات أنه لما فرغ من كتاب الصلح أمر أصحابه أن يتحللوا من إحرامهم بالنحر والحلق، ويرجعوا إلى المدينة؛ لأنهم أحصروا عن إتمام النسك، فعز عليهم أن يرجعوا من غير فتح ولم يبادروا إلى تنفيذ أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على غير عادتهم؛ انتظارا منهم لوحي قد ينسخ[146] ما كان، أو دهشة منهم لهذا الوضع الذي اضطروا إليه، أو لحملهم أمر الرسول على الترخيص[147] دون الإلزام[148]، فلما رأى منهم ذلك دخل على أم سلمة وشكا إليها تباطؤهم في تنفيذ أمره، فقالت: «يا نبي الله، أتحب ذلك؟! اخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك فقاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا». [149] وقد علق العلماء على ذلك بمدحهم مشورة المرأة الفاضلة، وسداد رأي أم سلمة - رضي الله عنها -.

 والحقالذييفهممنروحالإسلام وتدل عليه طبيعة الحياة الزوجية أنه لا بد أن تكون هناك مشاورة بين الزوجين في شئون الحياة الزوجية بالذات[150].

وإنما أفضنا في الحديث عن تقدير العقلاء لمنزلة المرأة وشخصيتها واستماعهم لحديثها وأخذهم بمشورتها في أحيان كثيرة؛ لنبطل الزعم القائل - في تعميم فج - إن المرأة المسلمة - حسب واقعها وحسب تعاليم دينها أيضا - وضعيفة الشخصية أو فاقدتها بالجملة، خاضعة للرجل، تابعة له؛ إشارة إلى وجود ما بين الرجل والمرأة من فروق اقتضتها طبيعة الفطر وخصائص الجبلة؛ نبينها على النحو الآتي:

1.اشترط لصحة عقد الزواج رضا المرأة؛ بأن تستأمر الثيب، وتستأذن البكر:

كانت العرب في جاهليتها تتصرف في شئون البنت - في الغالب - كما يريد أهلها، دون اعتبار لإرادتها الشخصية. ومن مظاهر ذلك إهمال رأيها في اختيار زوجها.

فلما جاء الإسلام بتشريعاته الراقية وعدالته السامية كرمها ورفع منزلتها، وجعل رضاها - وهي بالغة مدركة - شرطا لصحة العقد عليها، بحيث لا يكون لأحد من أبويها أو غيرهما أن يجبرها على الزواج بمن لا ترضاه، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح الأيم - الثيب - حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن» [151] وقد اهتم الرسول بمتابعة تنفيذ هذا الحكم اهتماما بالغا، لدرجة أنه أمر بفسخ[152] نكاح خنساء بنت خذام - وكانت ثيبا - حينما شكت إليه أن أباها قد زوجها بغير رضاها، وعندما شكت إليه امرأة أخرى الشكوى نفسها خيرها بين القبول أو الرفض. كما أن المذاهب الأربعة قد أقرت بحق البنت في البقاء على النكاح أو نبذه وفسخه، إذا كان ولي أمرها قد زوجها ولما تبلغ بعد.

هذه رعاية الإسلام للمرأة وعنايته بحقوقها واعتباره لآدميتها وإنسانيتها في هذا الشأن، وفي هذا الوقت الذي ظلت فيه نظيراتها في أوربا محرومة منه حتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي[153].

هذا هو الأصل الشرعي الذي جاء به الإسلام، فما الذي جرى - وما يزال يجري - على أرض الواقع أحيانا كثيرة وأخذ الإسلام بجريرته، وشنع عليه وعلى تشريعاته بسببه؟

يجيبنا عن هذا د. السباعي قائلا: "لا تزال التقاليد في مجتمعنا - وبخاصة في الريف - تكاد تسلب الفتاة حريتها في اختيار الزوج، والأغلب أن يفرض عليها من يريده الأب، أو ترضاه الأم، وهي بواقعها كفتاة عذراء تستحيي أن تبدي رأيها، وبواقع المجتمع الذي تعيش فيه، لا يحق لها أن تعترض على إرادة أبيها وأوليائها، وكثيرا ما أخفق الزواج في مثل هذه الحالات، وجر وراءه مآسي كثيرة. وليس لهذا سند صريح من الشريعة، إلا أن بعض المذاهب الاجتهادية ذهبت إلى أن الأب يستطيع إجبار فتاته البكر - دون الثيب - على الزواج، ويستحب له أن يأخذ رأيها.

وقد خالف في ذلك أبو حنيفة - رحمه الله - ومن وافقه؛ فقالوا: ليس للأب ولا لغيره من الأولياء إجبار البنت البكر البالغة على الزواج، ويجب على الأب أو الأولياء استئمارها في أمر الزواج، فإن وافقت صح العقد وإلا فلا.

وقد كان العمل - ولا يزال - في المحاكم الشرعية جاريا على الأخذ برأي أبي حنيفة، فلم يكن للأب أو الأولياء سبيل إلى إعنات الفتاة وإجبارها على الزواج بمن لا تريد. غير أن أبا حنيفة ومن معه يرون أن من حق الأولياء الاعتراض على رغبة الفتاة في الزواج بمن تحب عن طريق الادعاء بأمرين:

الأول: عدم كفاءة الزوج، وللكفاءة عند أبي حنيفة وغيره مقاييس من الحسب والمهنة ومكانة الآباء والجدود والغنى، وغير ذلك مما يفتح المجال واسعا أمام الأولياء الجاهلين للتحكم في زواج بناتهم إذا لم يوافقوا على مكانة عائلة الخاطب وثروته وغير ذلك.

الثاني: عدم مهر المثل،[154] فإذا زوجت الفتاة نفسها بأقل من مهر مثلها كان لأبيها أو لأوليائها فسخ العقد؛ لأنه مما تلحقهم فيه المعرة [155].

ولا شك أن تطور الحياة الاجتماعية يقتضي تغيير النظرة إلى هذه المسألة تغييرا أساسيا، ولذلك عالجها قانون الأحوال الشخصية معالجة موفقة؛ فمن حيث الكفاءة أقر القانون اشتراط الكفاءة بين الزوجين، وهذا من حيث المبدأ ضروري لضمان سعادتهما وتفاهمهما، ولكنه ترك تحديد الكفاءة إلى عرف البلد الذي يجري فيه العقد، وهذا إجراء حكيم مرن يمكن تطبيقه في كل وقت بما يكفل هناءة الأسرة، وجعل القانون من حق الأب الذي تزوجت فتاته في سن الزواج القانوني بغير رضاه أن يعترض لدى القاضي بعدم الكفاءة فحسب، فإن تحقق القاضي من عدم الكفاءة فسخ العقد وإلا أجراه، وبهذا حال القانون دون تعنت الآباء أو الأولياء في زواج فتياتهم[156].

لكن الواقع الذي يجري على الأرض، كثيرا ما يباين القواعد والقوانين، ومن هنا تنشأ الأوضاع المخالفة غير الشرعية، فيلصقها الجهلاء بأحكام الشرع أو المتجاهلون لها بالإسلام نفسه، دون وزر منه ولا ذنب!!

في لمحة ذكية ونظرة أوسع مدى - تراعي الظروف القائمة والأحوال العامة - يرقب فضيله الشيخ محمد الغزالي آثار هذه المسألة حين يقول: "هناك سباق قائم بين عدة أديان كي يثبت كل منها أنه أولى بالحياة وأجدر بالبقاء! والغريب أن بعض المنتمين إلى الإسلام يجهل هذا الواقع ويرتكب حماقات تسيء إلى دينه، بل تنفر منه وتصد عنه! ولعله مطمئن - من الناحية النفسية - إلى صدق عقائده وسلامة تعاليمه، فعلى الناس أن يؤمنوا به إذا شاءوا أو يذهبوا إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، [157] وهذا جهل وطيش، فإن السلعة النفيسة قد تكسد لسوء العرض وقصور الإعلان، وتسبقها سلع أخرى أحسن أصحابها الدعاية لها واجتذاب الأبصار إليها.

والحضارة المعاصرة جعلت الإنسانية شعارا لها، وجعلت من حقوق الإنسان محورا للعلاقات الدولية، ونوهت بقيمة العدالة الاجتماعية والمستويات الصحية والثقافية العالية، وقد تكون هذه الحضارة غاشة أو مدعية أو مقصرة، فإن هذه التهم لا تمحو ما تواضعت عليه المحافل العالمية واتفقت على احترامه.

فلحساب من يتحدث بعض الناس عن الإسلام ويصورونه بعيدا عن مقررات الفطرة وأشواق الإنسانية الكاملة؟ ولحساب من يعلو صوت الإسلام في قضايا هامشية ويخفت خفوتا منكرا في قضايا أساسية؟ ولحساب من يرى بعضهم الرأي من الآراء، أو يحترم تقليدا من التقاليد ثم يزعم أن الإسلام الواسع هو رأيه الضيق، وأن تقاليد بيئته هي توجيهات الوحي، وبقايا التعاليم السماوية في الأرض؟

وقد قلت - والكلام للشيخ الغزالي - لنفر من أولئك المتحدثين: إن وجه الإسلام جميل، ولكنه من خلال كلماتكم يبدو دميما متجهما، وإنه لمن حسن العبادة أن تسكتوا، فلا يسمع لكم صوت.

إن أي كلام يفيد منه الاستبداد السياسي، أو التظالم الاجتماعي أو العطن الثقافي أو التخلف الحضاري لا يمكن أن يكون دينا، إنه مرض نفسي أو فكري، والإسلام صحة نفسية وعقلية.

كنت أناقش رجلا كنديا يسألني بضيق عن موقف الإسلام من المرأة، فجاء في حواري: المرأة حرة في اختيار زوجها، ولا يمكن إكراهها على قبول من تكره، ولها أن تباشر عقدها أو توكل فيه كما تشاء.

وكان هناك من يرقبنا وهو ساخط، وحمدت الله أنه لاذ بالصمت، فلما انتهى الحوار اقترب مني المعترض المؤدب قائلا: لا يجوز أن تباشر المرأة عقدها، بل الدين ضد هذا! قلت له: رأيك ضد هذا، قلدت فيه بعض المذاهب الفقهية، ورجحت أنا وجهة النظر الأخرى، واعتقدت أنها أقرب إلى عقول الأوربيين والأمريكيين، والعمل عليها يجري في أقطار إسلامية محترمة، ومن مصلحة الإسلام أن تتسع دائرة هذه الأقطار.

إن شرا مستطيرا يصيب الإسلام من تقوقع بعض أتباعه في آراء فقهية معينة شجرت في ميدان الفروع، ويراد نقلها من مكانها العتيد لتعترض عقائده وقيمه الكبرى، والرجل الذي يخسر السوق كلها؛ لأنه يفضل دكانا أو سمسارا على سمسار لا يسمى تاجرا[158]. فيا أيها الجاحدون المتفلتون، هذا ذنب بعض الجامدين المتزمتين لا ذنب هذا الدين القويم!

2.القوامة: تعني المسئولية والقيادة والإشراف لا الدكتاتورية والاستبداد، واختص بها الرجل لما يتمتع به من صفات تؤهله لهذه القيادة ولأنه يتحمل تبعاتها من الحماية والرعاية والنفقة، والمرأة ليست ملتزمة بشيء من ذلك:

يعترض المخالفون للشريعة الإسلامية على مبدأ القوامة الذي يطلق البعض عليه لفظ "قيمومية" قاصدين بذلك تعريف القوامة بأنها "تقييم دور الرجل"، فيتساءلون: هل هذه الحقوق الممنوحة للزوج والتي تدعم هذه السلطة أعطته إياها النصوص القرآنية، أم أنها تشكل تحديدا "لحالات واقعية" تترجم فكرة "الدور" الخاص بالرجل والذي لا بد من حمايته؟

إن الخلط في تفسير مفهوم القوامة إنما يعود لاعتبارهم رئاسة الرجل على المرأة رئاسة تقوم على الاستبداد والظلم، بينما هي في الحقيقة رئاسة رحمة ومودة وحماية من الخوف والجوع، إنه لو كان في الأمر استبداد وتسلط من الرجل على المرأة، لكان يحق للرجل أن يمد يده إلى مال زوجته، أو يمنعها من أن تتاجر بمالها، والإسلام يمنعه من ذلك، أو أن يجبرها على تغيير دينها، والمعروف أن الإسلام أباح للمسلم أن يتزوج النصرانية واليهودية مع احتفاظ كل منهما بدينه.

إن هذه القوامة مبنية على كون الرجل هو المكلف بالإنفاق على الأسرة، ولا يستقيم مع العدالة في شيء أن يكلف فرد بالإنفاق على هيئة ما، دون أن يكون له القيام عليها والإشراف على شئونها، وعلى هذا المبدأ قامت الديمقراطيات الحديثة، ويلخص علماء القانون الدستوري هذا المبدأ في العبارة التالية: "من ينفق يشرف" أو: "من يدفع يراقب".

هذا هو الأصل، الزوج ملزم بالعمل، والمرأة ليست كذلك، إذا أحبت عملت وإذا كرهت جلست، وما أجمل قول أجاتا كريستي: "إن المرأة مغفلة؛ لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءا، يوما بعد يوم، فنحن النساء نتصرف تصرفا أحمق؛ لأننا بذلنا الجهد الكبير خلال السنين الماضية للحصول على حق العمل والمساواة في العمل مع الرجل، والرجال ليسوا أغبياء، فقد شجعونا على ذلك، معلنين أنه لا مانع مطلقا من أن تعمل الزوجة وتضاعف دخل الزوج. ومن المحزن أننا أثبتنا - نحن النساء - أننا الجنس اللطيف، ثم نعود لنتساوى اليوم في الجهد والعرق اللذين كانا من نصيب الرجل وحده".

إن الإسلام نظام عالمي لكل الأزمنة والأمكنة، وأي إساءة في استخدام هذا التشريع لا تعود للتشريع نفسه، وإنما تعود للأشخاص الذين يسيئون فهمه أو يجهلون أحكامه، فالإسلام أقام دعامته الأولى في أنظمته على يقظة ضمير المسلم واستقامته ومراقبته لربه، وقد سلك لذلك سبلا متعددة تؤدي، إذا روعيت بدقة وصدق، إلى يقظة ضمير المسلم وعدم إساءته فيما وكل إليه من صلاحيات، وأكبر دليل على ذلك أن الطلاق لا يقع عندنا في البيئات المتدينة تدينا صحيحا صادقا إلا نادرا، بينما يقع في غير هذه الأوساط بشكل كبير لا فرق بين غنيها وفقيرها.

من هنا فإن إساءة استعمال التشريع الرباني لا تقتضي إلغاءه وإعادة النظر فيه؛ وإنما تقتضي منع تلك الإساءة عبر تنشيط الوازع الديني الذي يؤدي إلى ذلك [159].

ويوضح لنا الشيخ الغزالي الذي أولى اهتماما كبيرا لقضايا المرأة وعلاجها المفهوم الإسلامي للقوامة تحت عنوان: "القوامة لا تعني القهر" قائلا: هل قوامة الرجل على بيته تعني منحه حق الاستبداد والقهر؟ بعض الناس يظن ذلك وهو مخطئ! فإن هناك داخل البيت المسلم ما يسمى "حدود الله" وهي كلمة لاحظت في تلاوتي للقرآن الكريم أنها تكررت ست مرات في آيتين اثنتين!

والآيتان في دعم البيت المسلم حتى لا يتصدع، وفي تدارك صدوعه حتى لا ينهار، وهما قوله سبحانه وتعالى: )الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون (229) فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون (230)( (البقرة).

ما هذه الحدود التي تكررت ست مرات خلال بضعة سطور؟ إنها الضوابط التي تمنع الفوضى والاستخفاف والاستضعاف، ضوابط الفطرة والعقل والوحي التي تقيم الموازين القسط بين الناس، إن البيت ليس وجارا[160] تسكنه الثعالب، أو غابا يضم بين جذوعه الوحوش.

لقد وصف الله مكان المرأة من الرجل، ومكان الرجل من المرأة بهذه الجملة الوجيزة: )هن لباس لكم وأنتم لباس لهن( (البقرة: ١٨٧). إن هذا التمازج بين حياتين يكاد يجعلهما كيانا واحدا، وليست الغريزة هي الجامع المشترك؛ فالنزوة العابرة لا تصنع حياة دائمة! وقد عني المفسرون الكبار بجو البيت المسلم وهم يشرحون حدود الله التي تكررت كثيرا فيما سقنا من آيات، وكان أهم ما حذروا منه الظلم! قال صاحب "المنار": "الظلم آفة العمران ومهلك الأمم، وإن ظلم الأزواج أعرق الإفساد وأعجل في الإهلاك من ظلم الأمير للرعية، فإن رابطة الزوجية أمتن الروابط وأحكمها فتلا في الفطرة الإنسانية! فإذا فسدت الفطرة فسادا انتكث به هذا الفتل، [161] وانقطع ذلك الحبل، فأي رجاء في الأمة من بعده يمنع عنها غضب الله وسخطه... إن هذا التجاوز لحدود الله يشقي أصحابه في الدنيا كما يشقيهم في الآخرة... وقد بلغ التراخي والانفصام في رابطة الزوجية مبلغا لم يعهد في عصر من العصور الإسلامية، لفساد الفطرة في الزوجين واعتداء حدود الله من الجانبين".

والواقع أن داخل البيت يتأثر بخارجه، وتيارات الميوعة والجهالة والإسراف إذا عصفت في الخارج تسلك إلى الداخل فلم ينج من بلائها إلا من عصم الله!

إننا نريد أن نتفق أولا على إقامة حدود الله، كما رسمها الكتاب الكريم، وشرحتها السنة المطهرة، وأرى أن ارتفاع المستوى الفقهي والخلقي والسلوكي لكلا الجنسين سيوطد أركان السلام داخل البيت وخارجه، وسيجعل المرأة تبسط سلطانها في دائرتها، كما تتيح للرجل أن يملك الزمام حيث لا يصلح غيره للعمل في زحام الحياة وعراكها الموصول.

إذا كان البيت مؤسسة تربوية أو شركة اقتصادية فلا بد له من رئيس، والرياسة لا تلغي البتة الشورى والتفاهم، وتبادل الرأي والبحث المخلص عن المصلحة، إن هذا قانون مطرد في شئون الحياة كلها، فلماذا يستثنى منه البيت؟

وقوله - سبحانه وتعالى - في صفة المسلمين: )وأمرهم شورى بينهم( (الشورى: ٣٨) نزل في مكة قبل أن تكون هناك شئون عسكرية أو دستورية! وعموم الآية يتناول الأسرة والمجتمع، ويقول الأستاذ أحمد موسى سالم: "إن القوامة للرجل لا تزيد عن أن له بحكم أعبائه الأساسية، وبحكم تفرغه للسعي على أسرته وللدفاع عنها ومشاركته في كل ما يصلحها... أن تكون له الكلمة الأخيرة - بعد المشورة - ما لم يخالف بها شرعا أو ينكر معروفا أو يجحد بها حقا أو يجنح إلى سفه أو إسراف، من حق الزوجة إذا انحرف أن تراجعه وألا تأخذ برأيه، وأن تحتكم في اعتراضها عليه بالحق إلى أهلها وأهله أو إلى سلطة المجتمع الذي له وعليه أن يقيم حدود الله".

وهذا كلام حسن، وأريد هنا إثبات بعض الملاحظات:

  • أنالنفقةبجبينالرجلوحده،وأنإنفاقالمرأةفيالبيتمسلكمؤقتوتطوعغيرملزم،وعليهاأنتجعلأثمنأوقاتهالتربيةأولادهاوالإشرافالعلميوالأدبيعليهم.
  • أندورالحضانةمأوىموقوتتلجئإليهضروراتعابرة،وأنالأساسفيالإيواءوالتربية هو البيت الأصلي ودفء الأمومة وحنانها!
  • حرماتاللهحولهافيالإسلامأسوارعاليةيجهلهاكلسكرانأوديوث،وتقاليدالغربالتيتتيحلأيامرئأنيراقصأيامرأةبإذنأوبغيرإذنمنزوجهايرفضهادينناكلالرفض،وليسلرجلأوامرأةأيحريةفيانتهاكحدوداللهوالاعتداء على حرماته.
  • الأسرةمملكةذاتحدودقائمةتشبهحدودالدولفيعصرناوطبيعةهذهالحدودالحمايةوالمحافظة،فليستالبيوتمبنيةعلىسطحبحرمائجالتيارات،وليستبابامفتوحالكلوالجوخارج.

ولعقد الزواج أبعاد فقهية واجتماعية وتربوية ينبغي أن تعرف وأن تعرف معها قوامة الرجال.

وكان من السهل أن يتضح ذلك لو سارعنا إلى إنشاء "علم اجتماع إسلامي"، تلتقي فيه قضايا الأسرة كلها، إلى جانب ضروب التعاون والتلاقي بين طوائف الناس المختلفة، ولكننا ما نزال نحبو في هذا المجال مكتفين بالترجمة والتقليد، مع أن العلوم الإنسانية في برامجها الجديدة تمس كيان الأسرة من زوايا كثيرة، بل إن علوم التربية والأخلاق والاقتصاد والاجتماع - قبل علم القانون - تتصل بشئون الأسرة.

وقد غضبت نسوة غيورات لما عرف الفقهاء عقد الزواج بأنه: "عقد يبيح حل المتعة بالمرأة"! وظاهر أن التعريف قاصر عن المعنى الكبير للعلاقة بين الزوجين! إنه تناول الجانب الذي يدخل منه القانون، ولم يتناول الجوانب التي تدخل منها بقية العلوم الإنسانية، والزواج أكبر من أن يكون عقد ارتفاق بجسد امرأة، قال عز وجل: )والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون (72)( (النحل). وقال عز وجل: )ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة( (الروم: 21).

قالت لي امرأة غاضبة - والكلام للشيخ الغزالي -: أإذا غضب مني زوجي في حوار، قد أكون فيه صاحبة حق حرمت رضوان الله، ولعنتني الملائكة و.... و....؟! فقاطعتها على عجل، وأفهمتها أن الحديث الوارد في شأن آخر بعيد عما تتوهمين، الحديث ورد في امرأة تعرض زوجها للفتنة؛ لأنها تمنعه نفسها، وهو لا يستغني عنها، ذاك هو المراد! إن الإسلام يقوم على حقائق الفطرة والعقل؛ لأنه فطرة الله التي فطر الناس عليها [162].

3.الضرب لا يكون إلا للناشز المستعلية على زوجها، المتكبرة عليه: وهذه حالة نادرة أو شبه نادرة وفيها يكون الضرب أخف ضررا من غيره؛ إذ يأتي الضرب لتفادي الطلاق، ويكون آخر مرحلة بعد وقت طويل من الوعظ والإقناع، ثم الامتعاض والهجر، وألا يكون مبرحا ولا ينال المواضع الحساسة والمكرمة كالوجه؛ وذلك لأن الأصل في العلاقة الزوجية قوله عز وجل: )ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف( (البقرة: 228)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «النساء شقائق الرجال» [163].

وحتى نعلم شروط الضرب ومتى يلجأ إليه وكيفيته، لا بد أن نعلم النصوص التي وردت في ذلك، وندرك تفسيرها ومفهومها، فالأصل في ذلك قوله عز وجل: )الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا (34)( (النساء).

ويقول - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: «ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» [164].

والملاحظ أن هؤلاء الأشخاص تحت شعار إنسانية المرأة وكرامتها يأخذون من الآية ما يريدون، وهي كلمة الضرب، وينسون التسلسل الذي ورد في الآية؛ حيث ورد في البداية مدح للمرأة المؤمنة الحافظة لحدود الزوج، ومن ثم ورد ذكر الناشز، فالكلام إذا يتعلق بنوع خاص من النساء وليس كل النساء، والمعروف أن طبائع الناس تختلف من شخص لآخر، وما ينفع الواحد لا ينفع الثاني، ومن عدالة الإسلام أنه أورد العلاج لكل حالة من الحالات، فما دام يوجد في هذا العالم امرأة من ألف امرأة تصلحها هذه العقوبة، فالشريعة التي يفوتها هذا الغرض شريعة غير تامة؛ لأنها بذلك تؤثر هدم الأسرة على هذا الإجراء، وهذا ليس شأن شريعة الإسلام المنزلة من عند الله.

والواقع أن التأديب لأرباب الشذوذ والانحراف، الذين لا تنفع فيهم الموعظة ولا الهجر أمر تدعو إليه الفطر ويقضي به نظام المجتمع، وقد وكلته الطبيعة من الأبناء إلى الآباء، كما وكلته من الأمم إلى الحكام، ولولاه لما بقيت أسرة ولا صلحت أمة، وما كانت الحروب المادية التي عمادها الحديد والنار بين الأمم المتحضرة الآن إلا نوعا من هذا التأديب في نظر المهاجمين، وفي تقدير الشرائع لظاهرة الحرب والقتال. قال عز وجل: )فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله( (الحجرات: ٩).

وإضافة إلى ذلك فإن الضرب الوارد في الآية مشروط بكونه ضربا غير مبرح، وقد فسر المفسرون الضرب غير المبرح[165] بأنه ضرب غير شديد ولا شاق، ولا يكون الضرب كذلك إلا إذا كان خفيفا وبآلة خفيفة، كالسواك ونحوه.

ولا يكون القصد من هذا الضرب الإيلام وإطفاء الغيظ، ولكن التأديب والإصلاح والتقويم والعلاج، والمفترض أن التي تتلقى الضرب امرأة ناشز، لم تنفع معها الموعظة والهجر، لذلك جاء الضرب الخفيف علاجا لتفادي الطلاق، خاصة أن نشوز بعض النساء يكون عن غير وعي وإدراك لعواقب خراب البيوت وتفتت الأسرة.

إن سعي بعض الداعين لإبطال مفعول آية الضرب تحت حجة المساواة، لن يفيد في إيقاف عملية الضرب؛ إذ إن المرأة ستبقى تضرب خفية كما يحصل في دول العالم الغربي الحافل بالقوانين البشرية التي تمنع الضرب، وتشير إحدى الدراسات الأمريكية التي أجريت عام 1987 إلى أن 79% من الرجال يقومون بضرب النساء، هذا عام 87، فكيف النسبة اليوم؟! هذا ويقدر عدد النساء اللواتي يضربن في بيوتهن كل عام بستة ملايين امرأة.

فإذا كان هذا العدد في تزايد في تلك الدول التي تحرم الضرب، فلماذا لا يوجد في بيئاتنا الإسلامية هذا العدد مع أن شريعتنا تبيح الضرب؟ أليس لأن قاعدة السكن والمودة هي الأساس بينما العظة والهجران والضرب هي حالات شاذة تقدر بضوابطها وكما قال - سبحانه وتعالى - في نهاية الآية: )فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا( (النساء: ٣٤) [166].

يقول الشيخ الغزالي موضحا أسباب الضرب وأصل العلاقة الزوجية: ما يقع هو النشوز، ومعنى الكلمة الترفع والاستعلاء، أي أن المرأة تستكبر على الزوج وتستنكف من طاعته ويدفعها هذا إلى كراهية الاتصال به في أمس وظائف الزوجية فيبيت وهو ساخط! وقد يدفعه هذا إلى ضربها!

وهناك أمر آخر أفحش، وهو أن تأذن في دخول بيته لغريب يكرهه، مع ما في ذلك من شبهات تزلزل العلاقة الزوجية وتجعلها مضغة في الأفواه.

ولم أجد في أدلة الشرع ما يسيغ الضرب إلا هذا وذاك، ومع ذلك فقد اتفقت كلمة المفسرين على أن التأديب يكون بالسواك مثلا! فلا يكون ضربا مبرحا، ولا يكون على الوجه؛ ففي الحديث: "ولا تضرب الوجه، ولا تقبح". أي: لا تقل لها: قبحك الله!

ثم قال تعالى في الزوجات المستقرات المؤديات حق الله وحق الأسرة: )فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا (34)( (النساء).

وختام الآية جدير بالتأمل، فقد تضمن صفتين من صفات الله تعالى هما العلو والكبرياء، وهما صفتان تنافيان الإسفاف في التصرف، والاستئساد على الضعيف، والمسلك البعيد عن الشرف، وفي ذلك كله لفت أنظار الرجال إلى أن تكون سيرتهم مع أهليهم رفيعة المستوى، متسمة بالرفق والفضل، وليس يتصور مع هذا كله أن يعدو الرجل على امرأته كلما شاء، وأنه لا يسأل عن ذلك أمام الله" [167].

وعندما ضرب كثير من الرجال نساءهم في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهبن للشكوى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعنف النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، وغضب منهم، وقال لهم: «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم» [168].

فسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي عدم الضرب، فلم يضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه قط، وإنما أبيح الضرب بالسواك؛ ليظهر لها غضبه، وعدم الرضا بإصرارها على ترك واجباتها، وفي بعض البيئات الثقافية تحتاج المرأة إلى ذلك، وتراه بنفسها دلالة على رجولة زوجها، وهذه البيئات الثقافية لا يعرفها الغرب، ولم يطلع عليها، ولكن القرآن جاء لكل البشر، ولكل زمان ومكان، ولكل الأشخاص إلى يوم الدين، فشملت خصائصه كل أنواع البيئات والثقافات المختلفة التي إذا لم تراع أدى إلى اختلال ميزان الاستقرار في الأسرة، وهدد بفشلها وانهيارها، فكان هذا للتقويم والإصلاح.

ولسنا بصدد قضية نظرية بقدر ما هي واقعية، فلو كانت المصادر التشريعية للمسلمين تحثهم على النساء وتدعوهم إلى ظلمهن لظهر ذلك في واقعهم، وإن كانت المصادر التشريعية تحثهم للرحمة والمودة لظهر ذلك أيضا، يقول سبحانه وتعالى: )والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا( (الأعراف: 58)، ودعونا نتذكر قول المسيح عيسى - عليه السلام - حينما يقول: "من ثمارهم تعرفهم، هل تجني من الشوك عنبا، أم من العوسج[169] تينا؟! إذا وقفنا عند قضية ضرب النساء بالسواك إظهارا لعدم الرضا، فلننظر في المجتمعات الإسلامية مدى وجود شكوى العنف ضد النساء أو التعذيب ضدهن أو ضربهن، فلو وجدنا ذلك لوجدناه في حالات معدودة وقليلة ناتجة عن عدم التزام تلك الحالات بتعاليم دينهم الحنيف. فأغلب الرجال في المجتمعات الإسلامية لا يمارسون العنف والضرب والتعذيب ضد النساء، ويصون الرجال النساء في تلك المجتمعات ويحافظون عليهن.

وفي المقابل إذا أردنا أن نقرأ واقع الغرب وضرب النساء الظالم الشائع فيه نجد الإحصائيات الموثقة من المصادر الغربية نفسها تشهد بذلك.

ولا شك أن مفهوم الضرب بهذه الصفة مصيبة يجب على جميع البشر الوقوف ضدها، وفقهاء المسلمين يقفون ضد هذا الضرب، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يبين أن العلاقة بين الرجل والمرأة تقوم على المودة والرحمة، وهذا يتنافى مع الضرب للإيذاء؛ ولذلك يستنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك استنكارا شديدا؛ فيقول صلى الله عليه وسلم: «بم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل أو العبد ثم لعله يعانقها؟» [170] فذلك الرد على من زعم أن الإسلام أهان المرأة بإباحة ضربها من الرجل [171].

4.نسبة الأبناء إلى أبيهم هو الأمر الطبيعي، فدائما تنسب الرعية إلى قائدها والدولة إلى زعيمها، كما أن في ذلك حفظا للأنساب وصونا للأعراض، وهذا ما عليه معظم الأمم والشعوب والديانات قديما وحديثا، كما أن في حجب اسم الأم تكريما له من أن تبتذله الألسن أو يساب به السفهاء على قوارع الطريق... وليس في هذا تهوين من شأن البر بالأم أو تعظيم لشأن البر بالأب، فالإسلام راعى أن الأم تتعب أكثر من الأب في عملية الإنجاب، فأوصى بالأم ثلاثا مقابل واحدة للأب.

وهذه كلها حقائق مشاهدة وواقعية ولا سبيل إلى المغالطة فيها، فليس النسب إلى الآباء أمرا مستحدثا اخترعه الإسلام والمسلمون، ولكنه أمر واقع معروف على طوال التاريخ، وكذلك فإن معظم دول العالم تجمع على هذا السلوك حتى في عموم المجتمعات الغربية.

وإنه لمن التناقض العجيب أن يتهم الإسلام بظلم المرأة حين ينسب الأبناء إلى أبيهم، ولا تجد أي نوع من الاعتراض على نسبة المرأة كلها عند الزواج إلى زوجها، وإهدار حق أسرتها التي تربت ونشأت في كنفها؛ لتحمل اسم الزوج وتصبح شيئا من أشيائه.

إن نسبة الأبناء إلى أمهاتهم سوف يحدث اضطرابا وتشويشا في المجتمع ويعرضه لاختلاط الأنساب وسوف يؤدي إلى انتشار الفساد وتفشي الفواحش والمنكرات.

فالرجل الذي تزوج بأكثر من زوجة سوف تختفي العلاقات الأخوية بين أبنائه؛ لأنهم لا يجتمعون تحت سقف واحد، أو لا تجمعهم عصبة واحدة، وهي النسبة إلى أبيهم؛ لأن كلا منهم منتسب إلى أم، وقد يكن من قبائل شتى، فإذا نسب كل منهم إلى أمه فسوف ينسب بالتالي إلى قبيلتها؛ وبهذا تختفي العلاقات بين العصبات ويحدث الخلط في الأنساب، ويصير من القوم من ليس منهم ويخرج منهم من هو من صلبهم... ولا يقتصر الأمر على هذا التشويش الاجتماعي فحسب، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى ما هو أنكى من ذلك وأمر، فهذه دعوة شيطانية تستهدف تقنين الزنا؛ حيث لا تجد المرأة مشكلة في نسبة ابن الزنا إليها دون الحاجة لمعرفة أبيه، وهذا يتنافى مع الدعوة للزواج الذي هو من أسس الإسلام حيث جعله الله آية من آياته فقال عز وجل: )والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون (72)( (النحل).

وبالتالي فإنه من حق المرأة أن تحمل من أي رجل دون أن يسألها أحد عن والد هذا الطفل الذي ينسب إليها تلقائيا، وبالتالي فهي دعوة شيطانية للاستغناء عن بناء الأسر الذي هو قوام المجتمع، وللاستغناء عن وجود الرجل في الأسرة.

إن الإسلام حين أقر نسبة الولد لأبيه لم يكن في ذلك أي احتقار أو نظرة دونية للأم، بل على العكس كان في ذلك التبجيل والتكريم لاسم الأم وشخصها من أن تناله الألسن البذيئة أو الأفواه المتطاولة من السفهاء والعابثين، كما نسمع من الشباب الشتائم على نواصي الطرق، ومجالس السوء.

إن الإسلام حين أقر نسبة الولد لأبيه لم يكن في ذلك أدنى تهوين من شأن بر الأم، وحبها واحترامها وتقدير دورها في عملية الإنجاب، ولم يكن في ذلك أيضا تفضيل للأب عليها، بل على العكس من ذلك نجد الإسلام يأمر الأبناء ببر الوالدين عموما؛ فيقول سبحانه وتعالى: )وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما (23)( (الإسراء).

إذا كان ذلك كذلك، فإن العناية ببر الأم والوصاية بها كانت في تعاليم الإسلام ونصوص القرآن والسنة أعظم بكثير من الأب؛ وفاء لها بما تعبت وتحملت من مشاق وآلام في الحمل والولادة والرضاعة والتربية يقول الله عز وجل: )ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين (15)( (الأحقاف).

ولعظم حق الأم وصى النبي - صلى الله عليه وسلم - ببرها ثلاثا، في حين وصى ببر الأب مرة واحدة، ففي الصحيح أنه «جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك"، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك» [172].

ومن هذا يتبين أن نسبة الابن لأبيه تقوم عليها مصالح منها: حفظ الأنساب وتماسك الأسر ومعرفة القبائل وجمع الأبناء تحت قيادة واحدة هي قيادة الأب، وليس في ذلك أدنى تحقير للأم أبدا.

أما نسبة الابن لأمه فتقوم عليه مفاسد عظيمة؛ منها: اختلاط الأنساب وشيوع الفحشاء وانحلال المجتمع واضطراب القيم، وهذا ما يريده أعداء الإسلام. والمرأة المسلمة، بل إن غير المسلمة لا ترضى بذلك أبدا حتى لو أتيح لها هذا الحق.

5.إباحة تعدد الزوجات للرجل في الإسلام ليس الأصل وليس إجباريا، بل هو اختياري مشروط بالعدل والقدرة على الإنفاق، ومن مقاصده: التقليل من نسبة العنوسة المرتفعة، ووقاية المجتمع من الانحلال، وإعالة من لا عائل[173] له من الأرامل واليتامى والمطلقات؛ لذا فهو تشريع في صالح المرأة قبل الرجل... أما إذا أبيح هذا الحق للمرأة، فسوف تترتب عليه مفاسد عظيمة من: اختلاط الأنساب، وشيوع الفواحش والأمراض العضوية والجنسية، بالإضافة إلى أن الفطرة تأباه من الجنسين... كما أن التعدد معروف وشائع عند معظم الأمم والشعوب قديما وحديثا.

ومن عجب أن يعترض أنصار حقوق المرأة على نظام تعدد الزوجات الذي يقره الإسلام، ويعتبرون أن فيه إهدارا لكرامة المرأة وإجحافا بحقها، واعتداء على مبدأ المساواة بينها وبين الرجل، إضافة إلى أن في هذا الأمر مدعاة للنزاع الدائم بين الزوج وزوجاته، وبين الزوجات بعضهن مع بعض؛ فتشيع الفوضى ويشيع الاضطراب في حياة الأسرة، والأعجب من ذلك أن يدعونا نحن إلى التأسي بتركيا وتونس اللتين ألغيتا نظام التعدد وفرضتا نظام آحادية الزواج، مع أن هؤلاء الدعاة أنفسهم لو اطلعوا على إحصاءات المحاكم في هاتين الدولتين لبدلوا رأيهم أو بعضا من آرائهم.

ومن الحسن أن نورد أبرز نتائج إلغاء نظام التعدد على لسان الغربيين أنفسهم، الذين يؤكدون على الخلل الذي أصاب المجتمع؛ نتيجة تزايد عدد النساء بشكل عام، حيث تزايد هذا العدد إلى ثمانية ملايين امرأة في أمريكا، وقد أرسلت فتاة أميركية اسمها "ليندا" رسالة إلى مجلس الكنائس العالمي تقول فيها: "إن الإحصاءات قد أوضحت أن هناك فجوة هائلة بين عدد الرجال والنساء؛ فهناك سبعة ملايين وثمانية آلاف امرأة زيادة في عدد النساء عن عدد الرجال في أمريكا، وتختم رسالتها قائلة: أرجوكم أن تنشروا رسالتي هذه لأنها تمس كل النساء، حتى أولئك المتزوجات، فطالما أن النسبة بين الرجال والنساء غير متكافئة، فالنتيجة الأكيدة هي أن الرجال سيخونون زوجاتهم، حتى ولو كانت علاقتهم الزوجية قائمة على أساس معقول".

ومن نافلة القول نشير إلى أن تزايد عدد النسوة عن عدد الرجال له مبررات عدة، منها ما هو طبيعي، ومنها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو خاص؛ أما المبررات الطبيعية فتتمثل في القوانين التي تخضع لها الفصيلة الإنسانية فيما يتعلق بالنسبة بين الذكور والإناث، فيما ترجع أهم المبررات الاجتماعية إلى أمرين:

أحدهما: يعود إلى أعباء الحياة الاجتماعية وتوزيع الأعمال بين الجنسين، وكل ذلك يجعل الذكور أكثر تعرضا للوفاة من الإناث وأقصر منهن أعمارا.

وثانيهما: أن الرجل لا يكون قادرا على الزواج بحسب الأوضاع الاجتماعية، إلا إذا كان قادرا على نفقات المعيشة على زوجته وأسرته وبيته في المستوى اللائق به... على حين أن كل بنت تكون صالحة للزواج وقادرة عليه بمجرد وصولها سن البلوغ.

بينما تتمثل المبررات الخاصة فيما يطرأ أحيانا على الحياة الزوجية من أمور تجعل التعدد ضرورة لازمة، فقد تكون الزوجة عقيما، أو قد تصير إثر إصابتها بمرض جسمي أو عصبي أو بعاهة غير صالحة للحياة الزوجية.

فأي الأمور أصلح للزوجة: أن تطلق وهي مريضة تحتاج إلى العناية والاهتمام، وينعت الرجل حينذاك بالصفات الدنيئة من قلة الوفاء والخسة، والمثل المعروف يقول: "أكلها لحمة ورماها عظمة"، أم يكون من الأشرف للزوجة أن يتزوج عليها مع احتفاظها بحقوقها المادية كافة [174]؟

ويحدثنا المستشار سالم البهنساوي عن مفهوم التعدد في الإسلام وشروطه وأهميته، ولماذا اختص به الرجل فقط؛ فيقول: "توجد فوارق بين الرجل والمرأة في الزواج تتعلق بتعدد الزوجات، فالإسلام لا يبيح تعدد الأزواج لأخطاره وأضراره على الفرد والمجتمع، ولأنه يجعل المرأة سلعة مهانة تنحط عن كثير من الحيوانات.

أما تعدد الزوجات فكان موجودا قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - بغير حدود ولا ضوابط ولا قيود، فجاء الإسلام وحده بما لا يزيد عن أربع نسوة بشرط العدل والقدرة على أعباء التعدد.

لم يأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل بالزواج لأنه ابتغى بذلك الغريزة وحدها، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لا. ثم عاد الرجل واستأذن ثانية وثالثة والنبي يرفض ويقول له: تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم»[175].

أما من يتمسك بظاهر قوله سبحانه وتعالى: )فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع( (النساء: 3)، فقد أجاب الإمام الطبري عليه بقوله: "فإن قال قائل: إن أمر الله ونهيه على الإيجاب والإلزام حتى تقيم الحجة بأن ذلك على التأديب والإرشاد والإعلام، وقد قال سبحانه وتعالى: )فانكحوا ما طاب لكم(، وذلك أمر. فهل من دليل على أنه من الأمر الذي هو على غير وجه الإلزام والإيجاب؟ قيل: نعم، والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: )فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة( (النساء: ٣)، فكان معلوما بذلك أن قوله سبحانه وتعالى: )فانكحوا ما طاب لكم( وإن كان مخرجه مخرج الأمر، فإنه بمعنى الدلالة على النهي عن نكاح ما خاف بالنكاح الجور فيه من عدد النساء، لا معنى الأمر بالنكاح، فإن المعنى به: )وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى( (النساء: 3)، فتحرجتم فيهن فكذلك فتحرجوا في النساء، فلا تنكحوا إلا ما أمنتم الجور فيه منهن.

وقد عقب الأستاذ البهي الخولي على ذلك فقال: هذا الذي يفهم من النص إباحة تعدد الزوجات يتجه في الحقيقة إلى تقييد التعدد والاكتفاء بواحدة، فإن الوجه الذي اختاره العلماء يأمرهم فيها أن يتحرجوا من ظلم نسائهم، كما يتحرجون من أكل مال اليتيم، فإن الظلم قبيح في كل حال دون أخرى، وعليهم لإقامة العدل أن يقللوا عدد الزوجات إلى أقل عدد. ثم قال: فالقرطبي والطبري والزمخشري - ومن قبلهم ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي وقتادة وغيرهم - يرون الآية تمنع من الزيادة التي تؤدي إلى ترك العدل، والطبري يرى أنها بمعنى الدلالة على النهي عن نكاح ما خاف الزوج الجور فيه من عدد النساء، فالإسلام إنما أباح تعدد الزوجات بشروط، فإذا امتنعت هذه يمتنع التعدد، إذ يصبح حراما عند الجور، فالأصل هو الزوجة الواحدة وهو الأفضل والمستحب.

وقد حكم الله بامتناع التعدد إن خاف أن يظلم الزوجة الأولى، فقال سبحانه وتعالى: )فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة(، لهذا فمن باب أولى يمتنع التعدد إن كان الرجل غير قادر على توفير مسكن مستقل لكل زوجة وتوفير أسباب العيش الكريم لها لنسلها منه، أو كان عمله يشغله عن العدل بين الزوجات ليسكن إليها وهي سكينة المودة والرحمة، وهذه لا تتحقق مع الانشغال المطلق في العمل طول النهار وشطرا من الليل، وهذا الأمر يستفاد من قوله سبحانه وتعالى: )ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (21)( (الروم)، فالزواج جعله الله للسكينة والمودة، فإن امتنع ذلك منع من باب أولى الزواج بثانية أو ثالثة؛ إذ تتعذر إقامة العدل.

نوع العدل ومداه:

فإذا وجدت ضرورة شرعية للزواج بأخرى وكانت الأسباب المطلوبة شرعا متوفرة، فإن العدل يستطاع في أمور وقد لا يستطاع في أمور، والعدل المستطاع هو العدل في المسكن والملبس وسائر أمور المعيشة وكل ما يتعلق بالعدل المادي، والعدل الذي قد لا يستطيعه كل إنسان هو توزيع درجات الحب، فهذا من الميول القلبية التي من أجلها قال الله سبحانه وتعالى: )ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة( (النساء: ١٢٩).

لهذا أوجب الله أن يراجع الرجل نفسه إن تزوج بأخرى؛ فلا يترك لعواطفه وميوله القلبية الحبل على الغارب، فيؤثر زوجة بهذه العاطفة فيميل إليها كلية ويترك الأخرى، لا تجد منه هذه العاطفة وهذه المودة، وهي لا تملك أن تميل إلى غيره حيث حرمه الإسلام، والنتيجة أن تصبح كالمعلقة[176] لا هي متزوجة فيمتعها زوجها بحقوق الزوجة ومنها الحب والمودة، ولا هي مطلقة في الميل إلى غيره والزواج منه.

وفي هذا قالت السيدة عائشة: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم[177] من مكثه عندنا، وكان كل يوم إلا ويطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها» [178].

والإسلام يوجب على الزوجة أن تحترم مشاعر شريكتها والتي اصطلح الناس على تسميتها "ضرتها"؛ فقد ورد عن أسماء أن امرأة قالت: «يا رسول الله، إن لي ضرة، فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور»[179] والتشبع: أن تدعي الزوجة كذبا أن زوجها أعطاها أشياء أو خصها بشيء عن الزوجة الأخرى، وهذا يثير عوامل الغيرة ويؤذي المشاعر؛ ولهذا حرمه الله تعالى.

هذا التعدد الشريف والذي يحفظ حق الزوجة الأخرى وكرامتها، ويحول دون انتشار الأمراض الجنسية والاغتصاب المدمر، بل له فوائد صحية ونفسية كشفت عنه الألمانية استر فليمر، قد أصبح هذا التعدد وللأسف - عند فئة من غير المسلمين - وسيلة للطعن في الإسلام لمجرد أنه يبيحه!!

 بلإنأحدهؤلاءوهومنتجمريواتفيكتابه "محمدفي المدينة" زعم أن القرآن لا يضع حدا للتعدد، فلا يمنع من كان لديه ست أو سبع نساء أن يتزوج غيرهن، ولا يقف الكاتب عند هذا الحد، بل يزور التاريخ فيزعم أن سير الحياة في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النساء كان لهن أكثر من زوج واحد، كما افترى هذا المستشرق على رسول الإسلام؛ مدعيا أنه توجد وثائق تثبت أنه بالإضافة إلى زوجاته - صلى الله عليه وسلم - الشرعيات والجواري، كانت له علاقة بنساء أخريات، وهذه المفتريات على القرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم - وكتب التاريخ تبين أن المقصود هو الطعن في الإسلام، وليست المسألة ضرورة تعدد الزوجات أو عدم ذلك؛ لأن المجتمعات غير الإسلامية ينتشر فيها التعدد الخفي، وتحميه القوانين مع أنه معاشرة غير شرعية بين الزوج وعدة نساء، ولكن إذا أصبحت هذه العلاقة مشروعة، وأفرغت في عقد زواج يقضي القانون ببطلان هذا الزواج!

على أن هؤلاء الكتاب ومن يقلدونهم من الأعراب لا يجهلون ذلك، كما لا يجهلون ما تأتي:

  • ذكروسترماكأنتعددالزوجاتباعترافالكنيسةبقيإلىالقرنالسابععشرالميلادي،وهذافيكتابه "قصةالزواج"،وأنالتحريمالمنسوبللمسيحيةابتدعهرجالالكنيسة،كماابتدعواالرهبانيةولميلتزموابها هم أنفسهم، وكان ما كان من فضائحهم مع الراهبات.
  • نقلالشيخمحمدرشيدرضارأيإنجليزيةفيتعددالزوجاتجاءبه: "للهدرالعالمالفاضلتومس،فإنهرأىالداءووصفالدواءالكافيللشفاء،وهوالإباحةللرجلبالتزوجبأكثرمنواحدة،وبهذهالواسطةيزولالبلاءلامحالة وتصبح بناتنا ربات بيوت".
  • دعامؤتمرالشبابالعالميالمنعقدبألمانياسنة 1948مإلىتعددالزوجات؛حلالمشكلةتكاثرالنساء،وأعلنكبيرأساقفةإنجلتراأنهلايوجدعلاجلمنعالتحللوالانهيارالعائلي،اللذينفشيابعدالحربالعالميةالثانيةإلاإباحةتعددالزوجات.
  • كمايقررغوستافلوبونأننظامتعددالزوجاتفيالحقيقةنظاممستقلوجدقبلمحمد - صلىاللهعليهوسلم - بينشعوبالشرقوأممه،والجديربالذكرأنهذالميكنبينشعوبالشرقفقط،بلوالغربأيضا،حتىإنملوكفرنساكانلهمأكثرمنزوجةدوناعتراضالكنيسة، فقد ذكر وسترماك أن ملك أيرلندا كانت له زوجتان، وكذلك ملك فرنسا، كما تزوج فريدريك الثاني من اثنتين بموافقة الأساقفة.
  • إنالمعاشرةغيرالمشروعةفيأورباتمخضعنهاأننصفالمواليدهناكأطفالغيرشرعيين،لامكانلهمإلافيالملاجئولايوجدلهمحقوقفيالمجتمع.
  • إنعددالنساءفيجميعبلدانالعالميزيدعلىعددالرجال؛فالإحصائياتالرسميةتدلعلىأنعددالنساءفيالاتحادالسوفيتييزيدعنعددالرجالبنحوعشرينمليوننسمة،ويزيدفيألمانياالغربيةبنحوعشرينمليوننسمة،ويزيدفيالولاياتالمتحدةالأمريكيةعنهذا العدد بنحو مليوني نسمة، ولا سبيل لعلاج هذه الزيادة إلا التعدد عند الضرورة، وشروطه التي أوردها الإسلام، أو أن يدخل هذا العدد من النساء الأديرة كرها، فتصبح هذه الأماكن سجنا لهن!

والغريب أن رجال الدين في أوربا أباحوا الشذوذ الجنسي ورضوا بالخليلات والزنا، وفي أمريكا يباح تبادل الزوجات ومنح لهؤلاء دار مشروعة هي نادي تبادل الزوجات، وهو لا يقل خطرا عما هو سائد في أوربا من نظام الخليلات، الذي أدى إلى أن يصبح عدد الأولاد غير الشرعيين نصف المجتمع، وأن ترتفع نسبة الأمراض التناسلية.

إن هذه المأساة دعت إحدى الباحثات في الغرب أن تنشر على الناس أنه "قد كثر عدد الشاردات من بناتنا وعم البلاء وقل الباحثون عن أسباب ذلك، وإذا كانت امرأة تراني أنظر إلى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزنا، ولا فائدة إلا العمل بما يمنع هذه الحالة الرجسة".

إن المجتمع الأوربي يتعايش عمليا مع تعدد الزوجات ولكنه يقبل التعدد غير الشريف، ويسمى الأولاد غير الشرعيين بالأولاد الطبيعيين للدلالة على أن هذه العلاقة طبيعية!

وقد نشرت الصحف العالمية تصريح الرئيس الفرنسي فرانسو ميتران اعترافه بوجود علاقة معاشرة مع امرأة أخرى غير زوجته أنجبت له بنتا اسمها مازرين، وأنه فخور بتخرجها، وأقام لها حفلا عائليا حضرته زوجته التي ترفض هذه العلاقة.

كما شغلت الصحافة العالمية بأخبار زوجة الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا؛ لأنهما في حالة انفصال جسماني منذ سنوات، يؤهلها لطلب الطلاق بسبب وجود عشيقة لزوجها الذي يخاطر بفقدان العرش الملكي[180].

التعدد بين الواقع والكتاب المقدس:

ويصف الفيلسوف شوبنهور التعدد بأنه مبدأ تحتمه الإنسانية وتبرر وجوده، فإن الأوربيين في الوقت الذي يستنكرونه يتبعونه عمليا، ولا أحسب أن بينهم من يكتفي بالزوجة الواحدة.

وقد نقل غوستاف لوبون أن التعدد لم تكن إباحته قاصرة على المسلمين، بل وجد على مر التاريخ؛ فالفرس كان التعدد عندهم بغير حدود، وقد أمر زرادشت بتعدد الزوجات، كما كان التعدد عند الرومان؛ فالإمبرطور سيلا جمع بين خمس زوجات وكان عند قيصر أربع زوجات، والمسيحية التي نشأت وظهرت في الدولة الرومانية لم تنقض هذا التعدد؛ فقد ورد صريحا في التوراة، ولم يرد في الإنجيل ما ينسخ ذلك. فما ورد في التوراة هو الشريعة المقدسة لليهود والنصارى معا؛ لأن الإنجيل لم ينسخ هذا التعدد.

ولكن قاسم أمين ينقل عن الغربيين أن تعدد الزوجات نظام بدائي، يتبع حالة المرأة انحطاطا ورقيا، ويساير الغرائز الجنسية والشهوة البهيمية.

  • التعددعندالنصارى:

توجد أقوال عند بعض رجال الدين المسيحي تحبذ المرأة الواحدة، حتى قيل: إن المسيحية هي شريعة الزوجة الواحدة. وهذه الأقوال قد فهمت خطأ، وأظهرها قول بولس الرسول: "يجب أن يكون الأسقف - بلا لوم - بعل امرأة واحدة". (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 3: 2) وقال: "ليكن الشمامسة لكل بعل امرأة واحدة". (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 3: 12).

وهذه الأقوال هي توصية منه إلى رجال الدين فقط وليست للشعب كله، كما أنها ليست من نصوص الإنجيل، وهذا ما فهمه النصارى في العصور الأولى للمسيحية وهي أقرب إلى الحواريين وأعلم بحقيقة شريعة المسيح، فالقديس أوغسطين استحسن للزوج الذي عقمت زوجته فلم تنجب أن يتخذ معها سراري من النساء، وقد أصدر الإمبراطور فلافيوس فالنتيان قانونا يبيح تعدد الزوجات، وذلك في منتصف القرن الرابع الميلادي، ولم يعترض الأساقفة وسائر رجال الدين.

ولكن الذي منع تعدد الزوجات عند النصارى هو الإمبرطور جوستنيان (527-565م)، ولكنه لم يفلح، فقد اعترفت الكنيسة بأبناء شرعيين للملك شرلمان من عدة زوجات.

لقد نقد غوستاف لوبون هذه النظرة الأوربية فقال: "لا نجد نظاما أنحى عليه الأوربيون باللائمة كمبدأ تعدد الزوجات مع أن الإنسانية تحتمه وتقره، ولا نجد نظاما أخطأ الأوربيون في إدراكه كهذا المبدأ، ولا أجد سببا ليكون التعدد الشرعي أدنى مرتبة من التعدد السري عند الأوربيين، مع أنني أبصر العكس تماما".

ولقد صدق الواقع ما قاله غوستاف لوبون؛ ففي ولاية تنيسي، نشأت علاقة جنسية بين السيدة ماري آن جارنون باسي وابنها جيمس باسي، وكانت قد تخلت عنه منذ ثلاثة وعشرين عاما، واستمرت العلاقة الجنسية مع أمه وهو في سن السادسة والعشرين، ثم اكتشف أنها أمه.

وفي كليفورنيا أصدرت محكمة سانديفو حكما بالسجن لمدة اثني عشر عاما على رجل بتهمة أنه اغتصب زوجته، حيث شكت أنه اتصل بها ولم تكن راضية.

  • تعددالزوجاتفياليهودية:

إن تعدد الزوجات جائز شرعا في اليهودية، ولم يرد في أسفار العهد القديم تحديد لعدد النساء اللاتي يسمح بالجمع بينهن؛ فهذه الأسفار تذكر تعدد الزوجات كأمر مفروغ منه، لكنها تنظم الأمور التي تترتب عليه: "إذا كان لرجل امرأتان، إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة، فولدتا له بنين، المحبوبة والمكروهة. فإن كان الابن البكر للمكروهة، فيوم يقسم لبنيه ما كان له لا يحل له أن يقدم ابن المحبوبة بكرا علي ابن المكروهة البكر، بل يعرف ابن المكروهة بكرا ليعطيه نصيب اثنين من كل ما يوجد عنده، لأنه هو أول قدرته له حق البكورية". (التثنية 21: 15- 17).

ولقد عدد الأنبياء زوجاتهم قبل التوراة، كما فعل إبراهيم ويعقوب. كما عدد الأنبياء بعد التوراة، كما فعل موسى وجدعون وداود وسليمان.

  • تعددالزوجاتفيالمسيحية:

أعلن المسيح في مستهل دعوته الإطار العام لتعاليمه، فقال مخاطبا الجموع التي تبعته ووقفت تستمع إليه من بني إسرائيل: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض، بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى أصغر في ملكوت السماوات. وأما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السماوات". (متى 5: 17ـ 19).

وفي نهاية دعوته، دعا المسيح تابعيه وكل بني إسرائيل أن يتمسكوا بكل ما يأمرهم به موسى على لسان الكتبة والفريسيين من أجل الحفاظ على شريعته. وفي هذا يقول الإنجيل: "حينئذ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه، قائلا: «على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا، لأنهم يقولون ولا يفعلون". (متى 23: 1 - 3).

وبين بداية دعوة المسيح ونهايتها، نجده في كل حين مرتبطا تماما بناموس موسى، حريصا عليه، داعيا إلى الاستمساك به، بدءا من الوصايا حتى أدق تفاصيل الشريعة اليهودية. لقد تقدم إليه واحد قائلا: "أيها المعلم الصالح، أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟ فقال له: لماذا تدعوني صالحا! ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله".

ومن هذا يتضح أن السيد المسيح لا يخالف ناموس الأنبياء. ولهذا فما دام الإنجيل لم يحظر تعدد الزوجات فسيظل حكم التوراة هو شريعة النصارى[181].

6.الطلاق: وإنما جعل بيد الرجل لأنه هو الذي تكلف كل مطالب الزواج ونفقات الحياة الزوجية، فإذا طلق خسر كل ذلك، وفي المقابل جعل الخلع للمرأة إذا كرهت وأرادت الفراق؛ لأنها لا تخسر شيئا من مالها:

يعترض بعض المشككين على كون الطلاق بيد الرجل، ويرون أن الإنصاف للمرأة والأكثر ملاءمة للمساواة بينها وبين الرجل أن يكون الطلاق بيد القاضي بناء على طلب المتضرر من الزوجين.

والواقع أن هذه الأطروحات حول الطلاق لا تخرج كثيرا عما يدعو إليه علماء الغرب وأتباعهم من الكتاب الذين يريدون بذلك تنفيذ القانون المدني الفرنسي، ومن المفيد هنا الإشارة إلى النقاط التالية:

  • إنقبولالزوجينالارتباطالإسلامييفرضعليهماالالتزامبأحكامالشرعالتيلاتخلومنبعضالحقوق،التييمكنللزوجةالخائفةعلىنفسهامنالزوجأنتحميبهانفسها،كأنتجعلالعصمة بيدها، وأن تشترط في عقد الزواج شروطا خاصة.
  • إنحصرالإسلامالطلاقفييدالزوج؛إنمايعودلعدةأسبابأهمهاكونهالمتضررالأولمنالطلاقمنالناحيةالمادية،فهوالذييجبعليهالمهروالنفقةلمطلقتهولعيالهطوالفترةالعدةوالحضانة،وهذاالأمريجعلهأكثر ضبطا لنفسه من المرأة التي قد لا يكلفها أمر رمي يمين الطلاق شيئا.

إن حصر الطلاق بيد الزوج وعدم إعلانه للقاضي إلا في حالات قصوى إنما يعود لمبدأ التستر الذي يدعو إليه الإسلام؛ لأن معظم أسباب الطلاق تتمثل في أمور لا يصح إعلانها، حفاظا على كرامة الأسرة وسمعة أفرادها ومستقبل بناتها وبنيها.

كما أن حصر الطلاق بيد القاضي أمر أثبتت التجارب عدم جدواه وذلك من نواح عدة؛ منها:

  • الفشلفيالتقليلمننسبالطلاق،وهذاأمرأثبتتهإحصائياتالطلاقالتيسجلتفيتونس؛حيثإنالعددلمينقص،بلعلىالعكسمنذلكفلقدارتفعارتفاعا ملحوظا، رغم أن المبرر الذي قدم لانتزاع سلطة الطلاق من يد الزوج وإيكاله إلى القاضي هو حماية الأسرة بإتاحة فرصة للقاضي ليراجع فيها الزوجين ويحاول الصلح بينهما، فإن الواقع يثبت أن نسبة المصالحات الناجحة ضئيلة جدا؛ فمن بين 1417 قضية طلاق منشورة في المحكمة الابتدائية بتونس في الموسم القضائي 80-81 لم يتم المصالحة إلا في عشر منها، بينما كان الاعتقاد أن تعدد الزوجات وجعل العصمة الزوجية بيد الرجل وعدم تغريمه لفائدة الزوجة، هي الأسباب الرئيسة للطلاق، وأن القضاء عليها سيقلل من نسب الطلاق، والإحصائيات تثبت أن شيئا من ذلك لم يحدث.
  • لجوءبعضالمحاكمالغربيةالتيتتوكلبنفسهاأمورالطلاقفيمحاولةمنهاإلىخفضنسبةالطلاق،إلىرفضالتطليقإذالميكنبسببالزنى؛لذلككثيرامايتواطأالزوجانفيمابينهماعلىالرميبهذهالتهمةليفترقا،وقديلفقانشهاداتووقائعمفتعلةلإثبات الزنى حتى تحكم المحكمة بالطلاق.

فأي الحالتين أكرم وأحسن وأليق بالكرامة؟ أن يتم الطلاق بدون فضائح؟ أم ألا يتم إلا بعد الفضائح؟! [182].

يقول الشيخ البوطي موضحا عدالة هذا النظام في التشريع الرباني: "لقد جعل الله تعالى من الطلاق مغنما للرجل وربطه بالمهر والنفقة اللذين جعلهما الله مغرما عليه، وفي المقابل فقد جعل الله المهر والنفقة مغنما للزوجة وربطهما بالطلاق الذي جعله الله مغرما عليها.

ومعنى ذلك أن المرأة غرمت الطلاق ولكنها غنمت بالمقابل مهرها المتقدم والمتأخر كاملا، وأن الرجل غرم المهر، ولكنه غنم بالمقابل حق الطلاق فأين هو مظهر اللامساواة أو حقيقتها في هذا الترابط المتكافئ [183]؟

7.أما منع الإسلام المرأة من السفر بدون محرم، فهذا من مزايا الشريعة الغراء ومحاسن الدين الكامل، والإسلام قد كرم المرأة بهذا وغيره وجعلها كالملكة المحروسة والأميرة المحمية بالجنود والعسكر... ولا يماري في ذلك إلا الحمقى الذين أرادوها فريسة سهلة لنزواتهم.

إن وجود محرم مع المرأة في السفر أمر واضح حكمته، بين مقاصده؛ فهذا المحرم وجد معها ليحرسها ويحميها من أن ينالها أحد بسوء، أو يعتدى عليها ذئب من ذئاب الطريق الضالة التي تبحث عن الفرائس والضحايا وما أكثرهم اليوم! ولا يستطيع أحد أن يقول: إن التقدم الحضاري قد قلل من أمثال هذه الكلاب المسعورة، بل الحقيقة أنهم في زيادة مطردة كلما تقدمت الإنسانية أو ادعت الحضارة والمدنية؛ لذلك فهم أكثر عددا وأقوى تنظيما وأشد شراسة في الدول التي تدعي أنها وصلت إلى قمة الحضارة والمدنية.

وما جنت المرأة من سفرها مفردة في أعظم دول العالم إلا الاغتصاب أو الأسر في شباك الثعابين الملساء، حين يلتقون بالضحية أو الفريسة مفردة، ويظل يناغمها باسم الحب والغرام تارة، والمدنية والانفتاح تارة أخرى، حتى تستسلم له وتقع في شباكه، ثم بعدما ينال منها مأربه ويقضي نهمه يتركها للضياع كسيرة مذلولة؛ لتكمل مسيرة حياتها مجروحة عارية عن معنى الإنسان والآدمية، مستسلمة لأيدي كل عابث بها... لقد فقدت شرفها وكرامتها وإنسانيتها فلم يبق لها شيء تخاف عليه أو تمتنع لأجله... وهذا لون من ألوان الدعارة وإن تباينت أشكالها.

 ولعلهذهأحسنحالامنغيرهاالتيوقعتبالفعلفيشباكتجارالجنسوأسواقالدعارة؛فتباعبلاثمنوتتلقفهامحالالدعارةلتغنممنبضعهاوتربحمنجسدهاوتصيرمطيةلكلماجنيدفعلسيدهاثمنابخسادراهممعدودة،فلاهيحافظتعلىشرفهاوكرامتها،ولاهي استفادت من ورائه حتى بالمال الحرام والثمن البخس... بئسما أراد أعداء المرأة لها... تلك هي المخاطر الفظيعة والحوادث المريعة التي تنتظر المرأة المسافرة وحدها.. فمن الذي يريد صونها والحفاظ عليها نقية عفيفة طاهرة لا تنال إلا بحقها وكرامتها وشرفها؟!

إن الإسلام حينما شرع ذلك كرم المرأة وجعلها بمثابة الجوهرة المصونة والملكة المحروسة بالجند والسلاح، فلا يستطيع أن يقربها أحد، فضلا عن أن يعتدي عليها معتد... وما اعترض هؤلاء المشككون على شريعة الإسلام إلا لأنها تحرمهم من ممارسة نزواتهم الماجنة، وتسد في وجوههم كل طريق أرادوا أن ينتهكوا الأعراض من خلاله أو يجدوها سهلة المنال ميسورة المأخذ.

هل بعد هذا يستطيع أحد أن يدعي أن المرأة في الإسلام تابعة للرجل أو قابعة تحت سلطانه وقهره، سواء في سفرها أو زواجها أو طلاقها أو نسبة الأولاد لزوجها أو القوامة عليها!!

إن الإسلام حين سن هذه التشريعات صان المرأة وكرمها وحفظها من أيدي الجناة العابثين، ونزوات الطغاة الآثمين الذين أرادوها ألعوبة في أيديهم وأداة سهلة للمتاع الجنسي والجسدي فقط، أو سلعة رخيصة للاتجار بها في سوق الدعارة ثم لتعيش هي تعيسة بئيسة مهملة في سلة البؤساء.

إنهم ينقمون على الإسلام لأنه حفظ المرأة منهم وأراد أن يأخذ لها حقها رغم أنوفهم... لكن على المرأة ألا تفرط في نفسها وتستسلم لغواية الشياطين وألا تنطلي[184] عليها دعواتهم البراقة... ولتتعظ بمآسي الفتيات حولها ممن سقط في شباك الأخطبوط.

تاسعا. ليست شهادة المرأة نصف شهادة الرجل على الدوام، بل قد تعدل شهادتها شهادة الرجل وقد يؤخذ بشهادتها ولا يؤخذ بشهادته في الأمور التي لا يطلع عليها سواها:

أما من يرون أن الإسلام يقف عائقا أمام تساوي الرجل والمرأة في الشهادة، معتبرين أن قضية الشهادة هذه منافية لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وأنها مظهر آخر من مظاهر دونية المرأة في الشريعة الإسلامية، فإن مزاعمهم هذه تنهار حينما يعلمون أن التمييز في الشهادة بين الرجل والمرأة ليس مطلقا؛ بل يختلف من حالة إلى أخرى وهي على أقسام:

  • الشهاداتالتيلاتقبلفيهاشهادةالمرأةمطلقا: وهيشهادة القصاص والحدود؛ ذلك لأن هذه القضايا تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها.
  • شهادةالمبايعةوالمداينة: وهيالتييطلبفيهاشهادةرجلينأورجلوامرأتينكماأمرسبحانهوتعالى: )واستشهدواشهيدينمنرجالكمفإنلميكونارجلينفرجلوامرأتانممنترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى( (البقرة: ٢٨٢).

وهذا التمييز في هذا النوع من الشهادة ليس تمييزا عبثيا؛ وإنما يعود إلى الفوارق الفطرية والطبيعية بين الرجل والمرأة، حيث إن المرأة لقلة اشتغالها بالمبايعات معرضة للضلال أكثر من الرجل الذي هو نسيان جزء وتذكر جزء آخر، ويعود سبب ضلال المرأة أكثر من الرجل إلى طبيعة تركيبة جسمها الذي يجعلها تتأثر بسرعة؛ مما يعرضها لعدم الثبات.

  • شهادةاللعان: التيتتساوىفيهاشهادةالرجلوشهادةالمرأةكمافيحالاللعان،وهيالحالةالتييحصلفيهااتهامبالخيانةالزوجية؛ قال سبحانه وتعالى: )والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين (6) والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين (7) ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين (8) والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين (9)( (النور).
  • شهادةالولادةوإحقاقالنسبللمولودوالرضاعة: كلهاشهاداتتنفردفيهاالمرأةدونالرجل،كماجاءعنرسولالله - صلىاللهعليهوسلم - فقدروى«عنعقبةبنالحارث،أنهتزوجأميحيىبنتأبيإهاب،فجاءتامرأةوقالت: لقد أرضعتكما. فسأل عقبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "كيف وقد قيل؟". ففارقها عقبة، فنكحت زوجا غيره» [185].

يتبين لنا مما سبق أن وجوب وجود امرأتين في الشهادة مع رجل واحد، هو أمر خاص في المداينة فقط، دون سائر أنواع الشهادات مما ينفي وجود تمييز في الحقوق بين الرجل والمرأة، ومما ينفي المساس بكرامة المرأة، بل جل ما في الأمر أن الدين الحنيف يهدف إلى توفير الضمانات في الشهادة وزيادة الاستيثاق لإيصال الحق إلى أصحابه [186].

عاشرا. حكمة اختلاف ميراث المرأة عن ميراث الرجل:

إن المطالبة بالمساواة في الإرث بين الرجال والنساء أمر ليس بغريب على الإسلام، بل إن بوادر هذا الأمر بدأت منذ نزول الوحي، فقد جاء في إحدى الروايات عن سبب نزول قوله سبحانه وتعالى: )ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما (32)( (النساء). فقد جاء أن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: «يا رسول الله، يغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث»[187].

فلأول وهلة قد يبدو أن الإسلام ظلم البنت؛ إذ جعل لها نصف حظ أخيها من تركة الأب، إلا أن هذا الأمر ينافي الواقع؛ إذ إن الإسلام كلف الرجل بما لم يكلف به المرأة، فهو المسئول عن نفقتها ونفقة عياله وحتى أخواته إذا لم يكن لهن معيل،[188] بينما لم يكلف الشرع المرأة بأية مسؤوليات، فالمال الذي ترثه من أبيها يبقى لها وحدها لا يشاركها فيه مشارك، فنصيب الابن معرض للنقص بما ألقى عليه الإسلام من التزامات متوالية متجددة، ونصيب البنت معرض للزيادة بما تقبض من مهور وهدايا.

أما حجة نساء اليوم بأن المرأة تعمل وتنفق على بيتها كالزوج وتشاركه في الأعباء؛ فلهذا انتفى الحكم التاريخي لهذه الآية، هذا القول هو أمر مرفوض شرعا حتى لو اتفق الزوجان على كتابة شرط عمل المرأة في العقد صح العقد وبطل الشرط، بخلاف بعض القوانين الغربية كالقانون الفرنسي الذي يشترط مساهمة الزوجة في النفقة.

ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن قاعدة التنصيف في الإرث المبنية على قوله سبحانه وتعالى: )للذكر مثل حظ الأنثيين( (النساء: ١١) ليست قاعدة مطردة؛ لأن هناك حالات يتساوى فيها الذكر والأنثى كما في حال تساوي نصيب الأب وهو ذكر مع نصيب الأم وهي أنثى في ميراث ابنهما [189].

حادي عشر. لم يسو الإسلام بين المرأة والغائط؛ إذ ليس كل ما يتطهر منه للعبادة نجسا، وكيف يكرم الإسلام المرأة ويرفع مكانتها ثم يسويها بالغائط؟!

لم يكن يتصور أن الكيد للإسلام بلغ مداه إلى هذه الدرجة، أو أن السفسطة والتفاهة قد وصلت بالمتربصين به من أعدائه إلى هذا الحد حين يفترون مثل هذه الترهات التي لم تكن تخطر على بال ذي لب سليم، وكان الأحرى بهم أن يحترموا عقولهم أكثر من ذلك، ويربأوا بأنفسهم عن الانضمام إلى صفوف الحمقى والسفهاء المتطاولين... فلو أن الأمر به شيء يدعو إلى التوهم أو الاشتباه لكان لدعواهم مبرر.... ومع هذا فلربما تنطلي تلك الدعوى على بعض الجهال والمغفلين من قليلي العلم؛ لهذا نبين - وإن كان الأمر أوضح من أن يبين - أن ليس كل ما يتطهر منه للمثول في العبادة يعد نجسا، بل إننا نلمس في واقع الحياة أمور النظافة الحسية، التي هي من أمور العادات لا العبادات عند جميع الناس في أنحاء العالم أمورا ينطبق عليها مثل ذلك؛ فمثلا الإنسان حين يصيب ثوبه أو بدنه عسل أو لبن - وهما طاهران عند جميع الناس، بل ومن أشهى المأكولات - أليس عندما يخالط ثوب الإنسان أو بدنه شيء منها يقوم الإنسان بتنظيف ثوبه وبدنه تماما كما يفعل إذا أصابته نجاسة؟ فهل العسل أو اللبن يستوي مع هذه النجاسة حين يتنظف الإنسان منه كما يتنظف من النجاسة؟!

كما أن مس المرأة في حد ذاته لا يتطلب التطهر، بل المقصود هنا ما وضحه العلماء: المس بشهوة أو الجماع، والطهارة هنا لخروج شيء من أحد السبيلين - القبل - من مذي[190] أو ودي[191] أو مني،[192] إذن فالطهارة بسبب وصف قام بمن وجد في نفسه هذه الشهوة أو أنزل شيئا، وهي لا تخص المرأة وحدها بل تخص المرأة والرجل، فلماذا لا نقول إن الرجل نجس هو الآخر وقد وجبت عليه الطهارة مثل المرأة؟!

وليس معنى وجوب التطهر من حدث أو نجس أن الإنسان الذي وجبت عليه الطهارة يعد نجسا رجلا كان أو امرأة، إنما المراد أنه قام به وصف يجب التخلص منه بالتطهر، سواء كان غسلا أم وضوءا.

ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيه في طريق من طرق المدينة وهو جنب، فانسل فذهب فاغتسل، فتفقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما جاء قال: "أين كنت يا أبا هريرة"؟ قال: يا رسول الله، لقيتني كنت جنبا، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس» [193] [194].

بل إن الإنسان على العموم مسلما كان أم غير مسلم لا يعتبر نجسا أو محتقرا لعموم قوله سبحانه وتعالى: )ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70)( (الإسراء).

أما قوله سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم (28)( (التوبة). فهو خاص بالعقيدة كما قال العلماء والمفسرون، فالمشركون نجس في الاعتقاد لا في أصل الإنسانية.

ولكي نزيد الأمر وضوحا نعرض هذه المسألة فقهيا كما هي عند العلماء على هذا النحو:

قال الله سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون (6)( (المائدة)، وقال الله سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا (43)( (النساء).

المراد في الآية بالملامسة الجماع أو المس المرأة بشهوة وليس مطلق المس على الراجح، وذلك أن ثمة خلافا بين الفقهاء في مفهوم "الملامسة" في الآيتين المذكورتين، وخلاصته أن الحنابلة والمالكية والحنفية مجمعون على أن الوضوء لا ينتقض بمجرد التلامس العادي بين الرجل والمرأة [195].

وخالفهم الشافعية فحكموا بنقض الوضوء. وقولهم مرجوح؛ إذ حجهم الجمهور بالأحاديث الآتية:

  • حديثعائشةرضياللهعنهاقالت: «إنكانرسولالله - صلىاللهعليهوسلم - ليصلي،وإنيلمعترضةبينيديهاعتراضالجنازة،حتىإذاأرادأنيوترمسنيبرجله». [196] وظاهرهأنالمسكانبلاحائل،وهذادليلعلىأنلمسالمرأةلاينقضالوضوء.
  • حديثعائشةأيضاقالت:«فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الفراش، فالتمسته، فوضعت يدي على باطن قدميه، وهو في المسجد، وهما منصوبتان...». [197] وفيه تعضيد لدلالة الحديث السابق[198].

وعلى هذا فالراجح أن نقض الوضوء يكون بالجماع أو اللمس بشهوة، وعلة النقض لا ترجع إلى نفس المرأة بل إلى الإنزال أو مظنته وهي متحققة حال وجود الشهوة. يقول د. وهبة الزحيلي: "وسبب النقض: أنه مظنه التلذذ المثير للشهوة التي لا تليق بحال المتطهر" [199].

وعليه فليست في حد ذاتها شيئا نجسا أو ناقضا للوضوء وإنما نقضه ذلك الوصف الذي تلبس به مس المرأة كما مر.

ثاني عشر: الأحاديث الموحية بدونية المرأة إما ضعيفة وإما موضوعة لا تصح نسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحقيقة، وإما صحيح له تفسيره ومعناه الذي يبتعد عن الانحطاط بالمرأة ومنزلتها:

أما عن سبب انتشار هذه النصوص بين فئات من الناس؛ فإنه يرجع إلى الموروث التراثي الذي كان سائدا قبل الإسلام وهو ذلك الموروث الكامن في العقل الجمعي، الذي استفحل أثره في الوجدان العربي الإسلامي عند قليلي الثقافة والعلم بالشريعة الإسلامية ومراميها، خاصة كلما بعد العهد وشط المزار[200] عن العهد الأول، عهد النبوة والرعيل الأول الذي كان قد قضى على كل مظاهر الدونية للمرأة علميا على أرض الواقع.

غير أن الغالبية العظمى من هذه الآثار واه ضعيف لا يصح إسناده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو مخالف لصحيح السنة وصريح القرآن، والقسم القليل الصحيح منها تبين المناسبات التي ذكرت هذه الأحاديث فيها أن لها دلالات خاصة تدفع كثيرا من الأغلاط الرائجة في هذا الشأن وتصححها، فعلى سبيل المثال لا الحصر:

حديث: «ما رأيت من ناقصات عقل ولا دين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن» [201].

فقد علل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك وفسره لما سئل عنه، فأما نقصان العقل: فلأن شهادة امرأتين تعدل شهادة الرجل. وأما نقصان الدين: فقد علله بقول: "تمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين". وهي لا تأثم عليه. فقلة التكاليف لا تعني نقص الدين، ولا الحكم المؤبد بنقصان الأهلية، فالجنسان في الحقوق والواجبات سواء.

ونقص عقل المرأة سر السعادة بين الزوجين، وهنا في هذا المقام مدح وليس ذما فكيف يصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها تذهب بلب الرجل الفطن العاقل الأريب، ثم يعتبر هذا ذما؟! وعليه يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم - أنه من قبيل ملاطفتهن ومداعبتهن، وإلا كيف يجمع بين صدر الكلام وعجزه... كقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: «إنا أمة أمية». [202]، فهل يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تكون الأمة أمية ويحث على ذلك؟ لا ولكنه وصف للحالة [203].

وأخيرا بعد هذا العرض المفصل يحق لنا أن نتساءل:

هل حقا ظلم الإسلام المرأة؟ وإن كانت الإجابة بالإيجاب؛ ففي أي شيء ظلمها؟ ولماذا ظلمها؟ وكيف إنصافها؟

وما المقصود بالمساواة في مفهوم دعاة التحرير والمساواة؟!

هل هي المساواة في الحقوق والواجبات؟ أم المماثلة المطلقة في الخصائص والصفات؟ هل من العدل أن تكون المساواة في الخصائص الفطرية والصفات الفسيولوجية؟!

هل من الإنصاف أن نجور على فطرتها ونطالبها أن تقوم بما يتنافى مع طبيعتها وما لا تنسجم معه، ونحملها ما لا تطيق باسم المساواة المزعومة؟! إن المرأة نفسها برئية ممن يريد ذلك، بل وترفض كل ما يتناقض مع تكوينها الخلقي.

إن المساواة في الخصائص والصفات مستحيلة؛ لأن لكل من المرأة والرجل دورا يقوم به أحدهما ليكمل الآخر، ولا يستطيع كل واحد منهما الاستغناء عن الآخر، ويقوم بالدورين معا، ومن هنا يتأكد لنا أن دور المرأة لا يتعارض مع دور الرجل، وكذلك العكس، فلا قوام للإنسانية إلا بهما، فهما كجناحي طائر لا يستطيع الطيران بدون أحدهما.

إن طلب المساواة بمفهوم دعاة التحرير يتنافى مع فطرة الله التي فطر الجنسين عليها، بل إن الحياة كلها تفسد لو أريد مثل هذه المساواة، وهذا ما تؤكده الطبيعة الفسيولوجية المتباينة لكلا الجنسين، كما يذكر العلماء والمختصون في هذا الشأن، بل إن قوانين المادة كلها في هذه الحياة قائمة على التميز والتباين.

الإسلام هو الذي كرم المرأة وأكد إنسانيتها بعد أن لم تكن شيئا يذكر، أما التفضيل الحقيقي فإنه يرجع إلى حقيقة التقوى والالتزام بها: )إن أكرمكم عند الله أتقاكم( (الحجرات: ١٣) وهذا يستوي فيه الرجال والنساء.

أما الأمور التي ظاهرها التمييز بين الرجل والمرأة فإنها ترجع إلى ما اقتضه طبيعة الخلقة والفطرة لكل منهما، بل إن كل أمر تميز فيه الرجل عن المرأة يصب في مصلحتها في جميع الأحيان، وفق منظومة الإسلام الشاملة التي تحافظ على كيانها وتنمي وظائفها المنوطة بها في الحياة.

وبعد ماذا قال المحايدون - الذين درسوا الإسلام شريعة وتاريخا - عن المرأة في الإسلام؟! وماذا أعطى الإسلام المرأة على ألسنة المنصفين من غير المسلمين؟

والإجابة عن هذا السؤالتقتضي رصد شهادات المنصفين المحايدين الناطقة بالحق وإن كان الإسلام لا يحتاج إلى شهادة أحد في الدلالة على صحته، ولكن ربما استوحينا من هذه الشهادات قوة الإسلام في نفاذه إلى عقول وقلوب أولي الألباب؛ من غير ذويه إن زامر الحي لا يطرب كما يقولون؛ ومن هذه الشهادات[204]:

  • مارسيلبوازار (مفكروقانونيفرنسيمعاصر):

ومما لا شك فيه أن الإسلام رفع شأن المرأة في بلاد العرب وحسن حالها، وفي الحديث: «وخياركم خياركم لنسائهم» [205].

وقال عمر: ما فتئنا نعد النساء من المتاع حتى أوحى في أمرهن مبينا لهن. وأمر بالرفق بهن ونهى عن تزويج الفتيات كرها، وعن أكل أموالهن بالوعيد أو عند الطلاق، ولم يكن لهن ميراث فورثهن، وحرم وأد البنات[206] وزواج المتعة[207] وحمل الإماء[208] على البغاء،[209] وأباح تعدد الزوجات ولم يفرضه بشرط العدل، فلا يهب إحداهن إبرة دون غيرها... أيهما أفضل: تعدد الزوجات الشرعي أم تعدد الزوجات السري؟ إن تعدد الزوجات من شأنه إلغاء البغاء والقضاء على عزوبة النساء ذات المخاطر.

  • أميلدرمنغم (مستشرقفرنسي):

من الخطأ الفادح قولهم إن عقد الزواج عند المسلمين عبارة عن عقد تباع فيه المرأة فيصير شيئا مملوكا لزوجها؛ لأن ذلك العقد يخول للمرأة حقوقا أدبية وحقوقا مادية من شأنها إعلاء منزلتها في الهيئة الاجتماعية.

  • هنريديكاستري (مقدمفيالجيشالفرنسي):

لا يتمرد الإسلام على الطبيعة التي لا تغلب، وإنما هو يساير قوانينها ويزامل أزمانها، بخلاف ما تفعل الكنيسة من مغالطة الطبيعة ومصادفتها في كثير من شئون الحياة، مثل ذلك الفرض الذي تفرضه على أبنائها الذين يتخذون الرهبنة، فهم لا يتزوجون وإنما يعيشون غرباء... على أن الإسلام لا يكفيه أن يساير الطبيعة وأن لا يتمرد عليها، وإنما هو يدخل على قوانينها ما يجعلها أكثر قبولا، وأسهل تطبيقا في إصلاح ونظام ورضا ميسور مشكور؛ حتى لقد سمي القرآن لذلك بـ "الهدى".

  • أيتيندينيه (تعلمفيفرنساوقضىشطرامنحياتهفيالجزائر):

إننا نخشى أن تخرج المرأة الشرقية إلى الحياة العصرية فينتابها الرعب لما تشهده لدى أخواتها الغربيات، اللاتي يسعين للعيش وينافسن في ذلك الرجال.

كان مركز المرأة المسلمة يمتاز عن مراكز المرأة في بعض البلاد الأوربية من ناحية هامة، تلك هي أنها كانت حرة التصرف فيما تملك، لا حق لزوجها في شيء من أملاكها.

  • ولديورانت (مؤلفأمريكيمعاصر):

لقد وضعت المرأة على قدم المساواة مع الرجال في القضايا الخاصة بالمصلحة... إن تعدد الزوجات يقيد الانطلاق مع الشهوات الجامحة... لقد حقق التشريع الإسلامي بهذا تماسك الأسرة.

  • جاكديسلر (باحثفرنسيمعاصر):

على فرض وجود بعض القيود على المرأة المسلمة في ظل الإسلام، فإن هذه القيود ليست إلا ضمانات لمصلحة المرأة المسلمة نفسها، ولخير الأسرة والحفاظ عليها متماسكة قوية... وأخيرا فهي لخير المجتمع الإسلامي بوجه عام.

  • مارش (باحثةأمريكيةحصلتعلىماجستيرفيالعلومالسياسيةمنواشنطن):

إن الإسلام يحضنا على القيام بالعمل المثمر، شريطة أن نلتزم - نحن النساء - بالحشمة في لباسنا، وأن نستر جمال أجسادنا، وعلينا أن نكون جادين في حديثنا، وهكذا فالإسلام لا يمنع المرأة من ممارسة عمل شريف يناسب طبيعتها... إلا أن أقدس واجب على المرأة هو واجبها الطبيعي في خدمة أسرتها والعناية بأعضائها؛ لأن أجرها على ذلك يعادل أجر المجاهدين في سبيل الله، والمرأة المسلمة ما زالت تقوم بهذه الواجبات بكل اعتزاز.

  • ماكوسكي (ألمانيةتعملقنصلالبلادهافيبنجلادش):

الحجاب شيء أساسي في الدين الإسلامي؛ لأن الدين ممارسة عملية أيضا، والدين الإسلامي حدد لنا كل شيء؛ اللباس، والعلاقة بين الرجل والمرأة. والحجاب يحافظ على كرامة المرأة ويحميها من نظرات الشهوة، ويحافظ على كرامة المجتمع، ويكف الفتنة بين أفراده، لذا فهو يحمي الجنسين من الانحراف، وأنا أومن أن السترة ليست في الحجاب فحسب، بل يجب أن تكون العفة داخلية أيضا، وأن تحتجب النفس عن كل ما هو سوء.

  • روزماريهاو (صحفيةإنكليزية):

لأن يشتغل بناتنا في البيوت خادمات خير وأخف بلاء من اشتغالهن بالمعامل، حيث تصبح المرأة ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد... ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والعفاف والطهارة.

وأخيرا... وقفة... وتنبيه:

من هم دعاة التحرر؟! وماذا يريدون؟! وما هي الإسهامات الحضارية التي قدموها للبشرية؟! وما إمكاناتهم العلمية والثقافية حتى ينصبوا أنفسهم دعاة للتحرر؟! وما هي مكانتهم الاجتماعية والأدبية والخلقية حتى يجعلوا من أنفسهم أوصياء على المرأة؟! وبم تتسم سيرتهم الذاتية؟ أتتسم بالأدب والعلم والعفة والطهارة؟! أم هي نقيض ذلك؟! هل يتسمون بالموضوعية والنزاهة أم أنهم أصحاب أهواء وتعصب؟! هل لهم قبول عند المجتمع أم أنهم منبوذون؟! وماذا يقول عنهم المجتمع؟! وما موقف الناس من دعوتهم تلك؟! هل لدعوتهم أي صدى في المجتمع؟!

إن الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها - مما يدور في أذهان كثير من الناس الذين فوجئوا بهذه الدعوات دون سبب يستدعيها - لا يستلزم كبير جهد، فالأمور مكشوفة مفضوحة، لكنه الزمان الذي انقلبت فيه الموازين وانحطت فيه القيم واختلت فيه المعايير وساد الهرج والمرج؛ بسبب البعد عن ناموس الله الذي أوجد الحياة من العدم، ووضع لها ما يسيرها من النواميس، التي عندما يحيد عنها الناس يغوصون في تيه من الضلالات... هذا الزمن الذي علت فيه أصوات تنادي بنقيض الفطرة وتحاول إشاعة الفوضى والانحلال... وما كان لمثل هذه الأصوات أن تسمع أو تظهر لكنها علت حينما انتزع الحياء واضطربت الأمور... علت يوم أن سمح لكل من هب ودب أن يتحدث فيما يحسن وما لا يحسن، وهذه الأجواء المليئة بالفوضى دائما قرينة التخلف والانحطاط الحضاري.

ولا يظهر إلا في أزمنة البؤس والشقاء، واسألوا التاريخ يوم أن كان لنا مجد وحضارة هل كان يجرؤ مثل هذا الهراء أن يظهر؟!

من هم دعاة التحرر وماذا يريدون؟

دعاة التحرر: رؤوس الأفاعي الحقيقية هم اليهود والنفعيون والعلمانيون والإلحاديون الذين تحرروا من دينهم بعدما حرفوه.

o  اليهود: وهمأحرصالناسعلىإفسادالبشريةوتدميرعقائدهموأخلاقهم،وسببتفانيهمفيهذاالإفسادأنهملايرونلأنفسهموجوداإلابإهلاكالآخرين،أوإفسادهمليعيشواعبيدا لهم كما يقولون.

o  العلمانيون: سواءالغربيون؛منلادينلهمولاخلقسوىالإباحيةوالخروجعلىالأديان،أورسلهموإنزعمواأنهممسلمون،ولكنإنكانللعلمانيةالغربيةمايسوغهافيبلادالغربفليسلهامايسوغهافيبلادالمسلمين.

o  الإلحاديون: الذينتعدوا على الخالق وألهوا الطبيعة، فهل بعد هذا الجرم شيء أشنع منه حتى يبقوا على شيء من إفساد البشرية أو يريدوا لها إصلاحا؟!

o  النفعيون: الذينيريدونزيادةدخلهموكثرةأرباحهم،وإنكانذلكعلىحسابالمرأة،فهيوسيلتهمللدعايةإلىسلعهم،وهيوسيلتهملاجتذابالباعة في متاجرهم، وهي وسيلة ضغط لكثير من النفعيين الذين يستطيعون أن يضعوا في شباك المرأة أناسا مرموقين، ثم تلتقط لهم الصور على أوضاع مزرية؛ لتكون ورقة ضغط عليهم، يبقون بسببها عبيدا لأولئك الذين أوقعوهم في تلك المزالق.

دعاة التحرر في بلادنا هم الذين تربوا زمنا في ديار الغرب وأنسوا بحياتهم الاجتماعية هناك، وأحبوا نقلها إلى ديار الإسلام؛ حتى قال قائلهم: إن السفور والاختلاط ليس داعيا إلى الفساد، وقال الآخر: يجب أن نأخذ الحياة الغربية كما هي بحلوها ومرها، وقال ثالث: إن أكبر الأسباب في انحطاط الأمة المصرية تأخرها في الفنون الجميلة؛ التمثيل، والتصوير، والموسيقى.

هل مساواة المرأة بالرجل حلم في النظرية أم كابوس في الممارسة؟

قالوا: نريد مساواة كاملة بين المرأة والرجل... دون مراعاة لاختلاف الأدوار ودون مراعاة لاختلاف طبيعة المرأة عن طبيعة الرجل، مع نسيان الناحية البيولوجية والفروق الفسيولوجية.

ولندعهم يقولون هم وإحصائياتهم.

أجرت مجلة "ماري مكير" الباريسية استفتاء على الفتيات الفرنسيات في جميع الأعمار والمستويات الاجتماعية شمل 2. 5 مليون فتاة، عن رأيهن في الزواج من العرب، وكانت إجابة 90% منهن: نعم، والأسباب:

o       مللتالمساواةبالرجل.

o       مللتحالةالتوترالدائم.

o       مللتالاستيقاظعندالفجروالجريوراءالمترو.

o       مللتالحياةالعائليةالتيلاترىفيهاالأمأطفالهاإلاحولمائدةالطعام.

وليست المساواة في الغرب إلا حبرا على ورق، فليس لها في أرض الواقع إلا صورة واحدة هي الظلم الذي عانت منه شعوبهم؛ تقول خبيرة أمريكية في شئون الأسرة: إن فكرة المساواة بين الرجل والمرأة غير عملية أو منطقية، وقد ألحقت أضرارا كثيرة بالأسرة والمجتمع. وتقول الممثلة الأمريكية كيت ونسلت: إن هذه الطموحات - أي المساواة - تصيبها بالقرف؛ لأنها تصر على تجاهل حتى الفروق البيولوجية بين الذكر والأنثى. هذه شهادات من المجتمع الأمريكي المتحضر!!

أعيدونا للبيوت!!

تؤكد إحصائية رسمية في أمريكا أن نحو 40 مليون امرأة في أمريكا يتعرضن لتحرشات قولية أو فعلية، وأن معظمهن يرغب في العودة للمنزل لولا ضغوط الحياة ومتطلباتها، كما قررت 6 ملايين امرأة من خريجات جامعات عريقة في أمريكا العودة للمنزل، وتقول إحداهن: لقد حطمت حياتي بخروجي من المنزل وترك بيتي وأطفالي وزوجي، كما دعت مديرة كلية تشلنهام البريطانية أولياء الأمور لإلحاق بناتهم بمدارس غير مختلطة. وطالبت الحركة النسائية في ألمانيا بعودة التعليم غير المختلط.

كما دعت عالمة النفس الغربية جاتا بولي لعودة المرأة الغربية لبيتها وتقول: إن المرأة التي تعمل طول الوقت مع الرجال تفقد أنوثتها وأمومتها ومن ثم سعادتها.

وفي ألمانيا:

على الرغم مما توصف به بأنها بلد ديمقراطي... تكاليف المساواة بين الرجال والنساء باهظة فيها، فاليد العاملة النسوية ما زالت تعاني من هضم حقوقها، والدليل على ذلك أن راتب المرأة في قطاعات كثيرة أقل بحوالي 10% من راتب زميلها الرجل حتى ولو كانت تنجز نفس العمل.

ومعاناة زميلتها في الأقاليم الشرقية أعلى؛ لأن الفارق يصل في بعض الأحيان إلى 15%، مع أنها - كما في الأقاليم الغربية - عليها دفع نفس النسبة الضريبية ومستحقات الضمانات الاجتماعية الأخرى.

الخلاصة:

  • ماابتلـيالإسلامعلىيدقومقدرماابتليبجمودالجامدينوجحودالجاحدين،خاصةفيمجالفقه المرأة وأحكامه، فقد رماه الجاحدون بسهام مريشة، مستغلين جهالات الجامدين، وبعض الأوضاع في واقع المسلمين بعامة والمرأة المسلمة بخاصة، فأصابت سهامهم وأدمت، لا لصدق دعاواهم وعدالة قضاياهم، بل لسوء نواياهم وخبث طواياهم.
  • ودعاةالتنوير - الذييوشكأنيكونتزويرا - وأساتذتهم من المستشرقين المغرضين - وهم الأكثرية في ميدان الاستشراق - تلقفوا بعض الأفكار السقيمة والأوضاع الخاطئة في واقع المرأة المسلمة، ونفثوا فيها من ريق سحرهم البغيض، واستدرجوا قطاعات من المرأة المسلمة؛ لتنقلب على دينها ومجتمعها وتلبس لباسهم وترى بمنظارهم وتلوك بلسانها كلامهم.
  • لمتكنالمرأةتعانيمنمشكلةفيظلالإسلام،ولاأحستيومابظلمواقععليها،ولميكنللمرأةقضية؛لعدمالحاجةإلىذلك،لكنشياطينالإنسوالجنزينوالهاالباطل،وأقنعوهابضرورةالتحرروالخلاصمنقيودالإسلام،وجعلوامنهاقضيةتثار كل يوم في الشرق والغرب؛ ليتسنى لهم اللعب بأعصابها والتحكم في جسدها، واستغلالها كما يريدون.
  • حقا،كانتللمرأةفيالغربقضيةلهامسبباتهاومضاعفاتها،فهلكانالأمرعلىالشاكلةنفسهافيالشرق؟الإجابة: لا،لامنحيثالدواعيولامنحيثالوقائعوالظواهر. وإن كان لدى المرأة في الشرق بعض المضايقات - الرجل أحد أسبابها - فما الذي حول قضيتها - بطريقة جهنمية مريبة - إلى مواجهة مع تعاليم الدين في شأن مسائل كالحجاب والميراث والزواج والطلاق... إلخ؟! أليس في الأمر ما يثير الشكوك ويغري بالتساؤلات؟!
  • منالمتحدثينفي الدين - أو باسمه - من يرى أن المرأة وكل ما يخصها عورة، وأن السلامة في سترها بل في حبسها داخل بيتها، فلا تخرج منه إلا إلى بيت الزوجية، ومن هناك إلى القبر. هذه بضاعة الجامدين، أرأيت أفضل من هذا معينا للجاحدين الملحدين ليلصقوه بالدين ويشنعوا به على المؤمنين؟!
  • إنمشكلتناتكمنفيأنناأكثرالقضاياالاجتماعيةوالفكرية،نقفبينطرفيالإفراطوالتفريط،وقلمانهتديإلىالتوسطوالاعتدالوهوأحدالسماتالبارزةلمنهجالإسلام.
  • لصحةعقدالزواجاشترطالإسلامرضاالمرأة؛فالثيبتستأمروالبكرتستأذن. فأينالمصادرةالمزعومة هنا على حقها في اختيار زوجها؟!
  • سوىالإسلامبينالرجلوالمرأةفيجملةالحقوقوالواجبات،وإذاكانتهناكفروقمعدودةفقدجاءتاحترامالأصلالفطرةالإنسانيةومايتصلبذلكمنتفاوتالوظائف؛أيأنالمساواةبينالرجلوالمرأةفيالإسلاممساواةفيالحقوقوالواجبات، لا في الخصائص والصفات.
  • للمرأةأنتمارسالأعمالالمشروعة،متقيدةبالضوابطالشرعية،وغيرمقصرةفيمهمتهاالأصليةوهيرعايةبيتهاوتربيةأبنائهامعمراعاةالأولويات.

وفي تاريخ المسلمين أعلام من النساء في كل ميدان، اجتهدن في عملهن، ولم يقصرن في أداء مهامهن، ولم يخرجن عن طوع الشرع.

  • الشروطالتيتجبمراعاتهافيالشهادةليستعائدةإلىوصفالذكورةأوالأنوثةفيالشاهد؛وإنماترجعإلىعدالةالشاهد،وضبطه،وأنتنتفيعنهاحتمالاتالتحيزأوالإيذاء،وأنيكونعلىعلمودرايةبالمسألةالتييشهدفيها؛وعليه فالشهادة تختلف وتتفاوت بين الرجل والمرأة من موضوع لآخر، فالمرأة لا تشهد مطلقا في القصاص والحدود؛ لأن علمها بذلك يكاد يكون معدوما، وتعد شهادتها نصف شهادة الرجل في المبايعات والمداينات لضعف خبرتها في ذلك، كما أن شهادة المرأة تساوي شهادة الرجل في اللعان، وتنفرد المرأة بالشهادة من دون الرجل في شئون تخصها دونه كما في أحوال الولادة وإحقاق النسب والرضاعة، ومن هذا يتبين أن شهادة المرأة ليست نصف شهادة الرجل إلا في حالة واحدة فقط تقابلها حالات تشهد فيها مثله تماما بتمام، وحالات أخرى تنفرد فيها بالشهادة دون الرجال.
  • لم يكن الإسلام جائرا أو مجاوزا للعدالة حين أعطى للمرأة نصف الرجل في الميراث في بعض الحالات القليلة، ولم يكن ذلك مصادفة، وإنما كان ذلك لأجل النفقات والأعباء المالية التي يوجبها على الرجل في حين يعفي منها الأنثى التي تأخذ حقها خالصا؛ لذلك فهي الأوفر نصيبا والأحسن حظا... كما أنه يجب أن يعلم أن المرأة ترث نصف الرجل في أربع حالات فقط، في حين أنها ترث في ثلاثين حالة أخرى، إما مثل الرجل أو أكثر منه أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال.
  • أباحالإسلامنظامتعددالزوجاتلمصلحةالمرأةفيالمقامالأول،ومراعاةلمشاعر العوانس والمريضات والعقيمات، وإقرارا لحقوقهن في ممارسة الحياة الشرعية، وراعى أيضا مصلحة المرأة في كيفية التعدد وتطبيقه، فكفل حق كل زوجة، وقسم الحقوق والواجبات بينهن، واشترط على الزوج القدرة المالية والصحية، والعدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة من غير ميل أو محاباة... ونحن نتساءل: ماذا يفعل الرجل الذي يفقد القدرة الجنسية في زوجته؟! وماذا يفعل من كانت زوجته عاقرا أو من كبرت زوجته ولم تعد بها حاجة إلى الجنس؟!

هل يتخذ العشيقات أم يطلق زوجته وتعيش بلا مأوى بعدما كانت مكفولة الحقوق والواجبات؟!

هل يتزوج الرجال جميعا واحدة فقط ثم تظل الباقيات بدون زواج؟!

هل يتزوج كل رجل بامرأة واحدة ويخادن أخريات إشباعا لرغبتهن الفطرية أو رغبته الفطرية؟! أم يتزوج الرجال الأكفاء القادرون بأكثر من واحدة حتى تعالج المشكلة من كل جوانبها؟! نترك الإجابة للعقلاء... لا الحمقى والسفهاء.

  • أماعنمزاياالتعددفهيكثيرةولاتحصى؛منها: الأمنالاجتماعي؛لاعترافالمجتمعبحقوقأزواجهوبأولادهالشرعيين،بخلافالعشيقاتوالأولادغيرالشرعيينالذينلايعترفبهمأحد،حتىفيالمجتمعاتالتيتبيحالجنسولاتحرمه. ومنهاالاستقرارالنفسي،فهويفعلمالا يخفيه عن الناس، إذ يشبع كل من الجنسين الغريزة بلا حرج وفي مأمن وسكن وراحة نفسية. ومنها ضمان الحقوق الزوجية من المعاملة والنفقة والمعاشرة والعفة والطهارة. ونحن نتساءل: هل تفضل المتزوجة أن تقترن برجل صريح كفء واضح التصرف على أساس من الشرع؟! أم بآخر لا يلوي على شرع أو عرف وإن كانت زوجة وحيدة؟! هل تسمح كرامتها أن يخونها مع عشرات النساء من بنات الليل ولا تسمح لها أن يعدد بأربع فقط من العفيفات الطاهرات؟!
  • هلفيإباحةالتعددللمرأةمصلحةللمجتمعكإباحتهللرجل؟! والإجابةأنهعلىالعكسمنذلكيترتبعلىحظرتعدد الزوجات في المجتمع مفاسد جمة كالسلبيات الأخلاقية، والإصابة بالأمراض النفسية والعضوية والجنسية، وغياب الشعور بالمسئولية، واختلاط الأنساب.
  • نستطيعأننقرباطمئنانأنماكانمنإباحةالتعددفيحقالرجلإنماهولمراعاةمصالحعدة،والمرأةأولها،وماكانمنعدم إباحته في حق المرأة أيضا لمصالح ومقاصد على رأسها الحفاظ عليها صحيا، وعدم تعريضها للأمراض القاتلة، وحفاظا على نسلها من الضياع، وضمانا لحقوقها كاملة غير منقوصة.
  • القوامة: تعنيالمسئوليةوالحماية،والرعايةفالرجالمكلفونبرعايةأزواجهنوالسعيمنأجلهن،فالقوامة تكليف قبل أن تكون تشريفا، ومعنى)بما فضل الله بعضهم على بعض( (النساء: ٣٤)، ليس تفضيلا للرجال على النساء، فإن الضمير مبهم فيها وذلك معناه - والله أعلم - أن القوامة تحتاج إلى فضل مجهود من حركة وكد من ناحية ليأتي بالأموال، ويقابله فضل من ناحية أخرى وهو ما تعانيه المرأة من آلام الحمل ومخاض الولادة وتعب التربية للأبناء، فهما مهمتان متكاملتان.
  • أماعنقضيةضربالمرأةفيالإسلام: فالضربلايكونإلاللمرأةالناشزالتيتمتنععنأداءواجباتهاوحقوقزوجها،ولايكونإلاآخرمرحلةبعدوقتطويلمنالوعظوالإرشاد ومحاولة الإقناع، ثم الهجر وإظهار الغضب والامتعاض والتبرم، فإذا لم يجد شيء من ذلك كان الضرب غير المبرح الذي لا يترك أثرا ولا يكسر عظما ولا يمس الأماكن الحساسة والمكرمة كالوجه... وبهذا التوجيه الإسلامي كانت الكرامة للمرأة المسلمة دون غيرها من النساء على مستوى العالم. وهذا ما تحقق على أرض الواقع، فلو نظرنا إلى المجتمعات الإسلامية ومدى وجود شكوى العنف ضد النساء أو التعذيب ضدهن أو ضربهن، لوجدناه في حالات نادرة ناتجة عن عدم الالتزام بتعاليم الدين الحنيف، فأغلب الرجال في المجتمعات الإسلامية لا يمارسون العنف أو الضرب والتعذيب ضد النساء، ويصون الرجال النساء في تلك المجتمعات ويحافظون عليهن، وفي المقابل إذا أردنا أن نقرأ واقع الغرب وضرب النساء الظالم الشائع، فإننا نجد الإحصائيات الموثقة من المصادر الغربية نفسها تشهد بفظائع يندى لها جبين الإنسانية.
  • نسبةالأبناءإلىأبيهم هو الأمر الطبيعي عند غالبية الأمم والشعوب والديانات قديما وحديثا، وفيه صون للأعراض وحفظ للأنساب، وإنه لمن العجب أن يستنكر هذا على الإسلام ولا يستنكر على غيره، حين يجعل المرأة كلها تابعة لزوجها، فاقدة الشخصية حتى اسمها حين ينسبونها إلى زوجها، فتحمل اسمه بدلا من اسم أبيها، أليس في هذا إهدار لحق أسرتها التي أنجبتها وقامت على تربيتها وتنشأتها، ثم تصبح تبعا لزوجها وكأنها شيء من ممتلكاته؟! كما أن نسبة الأبناء إلى أمهاتهم سوف يؤدي إلى اضطراب المجتمع وتشويشه؛ لاختلاط الأنساب، كما أنه يؤدي إلى شيوع الفساد وتفشي الفواحش والمنكرات، فالمرأة يمكنها أن تأتي بالولد من أي شخص ولا يستطيع أحد أن يسألها عن ذلك؛ لأنه في النهاية ينسب إليها لا إلى من كان منه ذلك الولد، وفي هذا ما فيه من الدمار الخلقي والانهيار الاجتماعي.
  • أماعنالتطهرمنمسالمرأة،فليسالمقصودمطلقالمس، بل هو كل مس كان بشهوة، أو المقصود منه هو الجماع، والعلة هنا ليست راجعة إلى المس نفسه ولا إلى المرأة، بل إلى وصف قام بالإنسان اللامس، وهي مظنة التلذذ المثير للشهوة التي لا تليق بحال المتطهر، ولا يستطيع أن يقول عاقل يحترم عقله إن ذلك يوجب أن تكون المرأة نجسة لأنها جاءت بعد ذكر الغائط في الآية، فالإسلام هو الذي كرم المرأة وبرأها من الخطيئة الأولى ونظر إليها على أنها شقيقة الرجل.
  • أماعنالأحاديثالتيتوحيبدونيةالمرأة،فغالبهاأحاديثمكذوبةومفتراةلاتنسبإلىالنبي - صلىاللهعليهوسلم - وأماماصحمنهافعند التدقيق في الفهم وتحري الصواب وعدم تبييت سوء النية سلفا، سوف ترتفع الحجب عن الحقائق؛ فتسفر عن وجهها الجميل، وهو أن النظرة الدونية للمرأة لم توح بها تعاليم الإسلام، ولا فهم المسلمون ذلك من دينهم، ولم يقل مسلم بما تبناه آخرون من استصغار لشأن المرأة بل استحقار لها مثل القول بأنها أرذل من العبد، وأنها إذا ارتقت بقرة، والمصادر الحقيقة لهذا الاشتباه هي عادات وتقاليد بالية موروثة عن أمم أخرى، أو ناتجة عن جهل بعض المسلمين بحقيقة تعاليم دينهم، مما يقرر عادات جاهلية حرر الإسلام المرأة منها، ولكنها عادت إلى الحياة الاجتماعية في عصور التراجع الحضاري.
  • وبهذاالعرضالتفصيليتتضحلنامكانةالمرأةفيالإسلاموعظممنزلتها،وأنهلميحطمنقدرهاإلادعاةتحريرها،فهمالذينيريدونإهانتهاواستخدامهالأغراضهمالخبيثةالدنيئة،كماهوواقعالحالفيالمجتمعاتالتيحررتهامنكل فضيلة وأطلقتها للضياع وأيدي العابثين بها، فهناك لا أب يدافع عنها، ولا زوج يحمي عرضها ويصون كرامتها، ولا أخ يفتديها بنفسه، بل هي هائمة في النوادي والشوارع والمسارح وكل مكان، يتلقفها كل ماجن ليسلبها إنسانيتها قبل عرضها وشرفها وكرامتها، ويسكب عليها كل ألوان خساسته ونذالته، ثم يلقيها ترتع في مرابض العار والشنار، بلا ضمير يؤنبه، فهو وحش كاسر وذئب بهيمي لا إحساس عنده ولا شعور، ولا يؤمن بإله يعاقبه وقد فسق من كل دين، ولا أحد يستنقذها من يده فقد تخلى عنها كل من كان ينصرها، ومن ينصرها وقد نفض الكل عنها يده؟! فأصبحت المسكينة ذليلة تحت قدميه يركلها كيف يشاء.. هذا ما جنته المرأة من الحضارة ودعاة التحرير وأئمة التنوير، والصواب أنهم دعاة التخريب وأئمة التزوير.. وهذا جزاء استسلامها لهم والانصياع وراء دعواتهم التي ينخر فيها سوس المكر والخديعة، وهذا ما يراد للمرأة المسلمة وهي الجوهرة المصونة في مجتمعها والملكة المحروسة في قومها... يراد لها أن تخرج للضياع والتيه، وأن تقع فريسة في أيدي العابثين يمتطيها أهل الفجور والفسق والمجون.
  • إنواقعالمسلمينالذينيتهمدينهمبأنهيحقرمنشأنالمرأةتعاملفيهالمرأةأكرممعاملة،إذاما قورن بالواقع الذي يوهموننا بأنه واقع التحرير، فإن لم تكن تعاليم الإسلام هي التي تحض المسلمين على تكريم المرأة فمن أين استقى المسلمون تلك المعاملة الكريمة؟! إنها تعاليم الإسلام الراقية وتشريعاته الحضارية التي قصر دونها كل تشريع.

 

 

 

(*) المرأة بين الشريعة وقاسم أمين، زكي علي السيد، دار الوفاء، القاهرة، ط1، 1424هـ /2004م.

[1]. القوامة: ولاية يفوض بموجبها الزوج بتدبير شئون زوجته وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من البروز.

[2]. النشوز: خروج الزوجة عن الطاعة الواجبة للزوج. والنشوز يكون من الزوجة ومن الزوج، وإن لم يشتهر إطلاق النشوز في حق الرجل.

[3]. التعدد في اللغة: الكثرة، ويختص التعدد بما زاد عن الواحد. وتعدد الزوجات: هو أن يجمع الرجل تحته أكثر من امرأة، وتعدد الزوجات إلى أربع مشروع ورد به القرآن الكريم في قوله تعالى: ) فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ( (النساء: ٣).

[4]. الطلاق: رفع قيد النكاح (في الحال أو المآل) المنعقد بين الزوجين بألفاظ مخصوصة وهو ما اشتمل على الطلاق، وهو تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب فيقطع النكاح.

[5]. الشهادة في الشريعة: هي إخبار عن عيان بلفظ الشهادة في مجلس القاضي بحق للغير على آخر، فالإخبارات ثلاثة: إما بحق للغير على آخر وهو الشهادة، أو بحق للمخبر على آخر وهو الدعوى، أو بالعكس وهو الإقرار. والشهادة في عقد النكاح شرط من شروط صحة الزواج.

[6]. الحازم : الضابط المتقن.

[7]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم (298)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات (2500) بنحوه.

[8]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه (12635)، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب حق الزوج على المرأة (1853) بنحوه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3366).

[9]. الثيب: هي المرأة التي سبق لها الزواج وفضت بكارتها، ويقال للإنسان إذا تزوج: ثيب، وإطلاقه على المرأة أكثر؛ لأنها ترجع إلى أهلها بوجه غير الأول.

[10]. البكر: هي العذراء التي لم يسبق لها الزواج ولم تفض بكارتها، والبكر ضد الثيب.

[11]. النشوز: خروج الزوجة عن الطاعة الواجبة للزوج. والنشوز يكون من الزوجة ومن الزوج، وإن لم يشتهر إطلاق النشوز في حق الرجل.

[12]. الامتعاض: الغضب.

[13]. الهجر: الترك، والهجر في المضجع: هو ترك الجماع والمضاجعة. وقيل: لا يكلمها حال مضاجعتها. وقيل: يترك مضجعها فلا ينام معها في فراش، ويمكن أن يهجرها في الكلام إن قصد إصلاحها وتأديبها، ويمكن أن يزيد على ثلاثة أيام.

[14]. العانس: هي البنت التي طال مكثها في بيت أهلها بعد إدراكها سن الزواج ولم تتزوج.

[15]. الأرمل: من ماتت زوجته، وهي أرملة: أي مات عنها زوجها.

[16]. العاقر: الذي لم يلد من الرجال والنساء.

[17]. المرض المزمن: أي المرض الذي يدوم زمنا طويلا.

[18]. تناوش القوم في القتال: تناول بعضهم بعضا بالرماح.

[19]. الضاري: المولع بأكل اللحم من السباع.

[20]. القاصي: البعيد.

[21]. الخلع: هو فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه من امرأته أو من غيرها بألفاظ مخصوصة.

[22]. العصمة: ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها، والعصمة المؤثمة: هي التي تجعل من هتكها آثما. العصمة المقومة: هي التي يثبت بها للإنسان قيمة، بحيث من هتكها فعليه القصاص أو الدية. والعصمة في عقد النكاح: أن يجعل الرجل أمر زوجته بيدها، فتستطيع أن تطلق نفسها منه بالشروط المتفق عليها.

[23]. المحرم: هو من لا يجوز له مناكحتها على التأبيد بقرابة أو رضاع أو مصاهرة.

[24]. المريعة: المفزعة.

[25]. الدعارة: الفسق والخبث والفجور.

[26]. القصاص: هو أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل في نفس أو ما دون النفس، وأن يوقع على الجاني مثل ما جنى؛النفس بالنفس، والجرح بالجرح... إلخ.

[27]. الحدود: جمع حد، وهي في اللغة: المنع، وفي الشرع: عقوبة مقدرة وحبت حقا لله تعالى أو حقا لآدمي، وهي خلاف التعزير الذي هو عقوبة غير مقدرة متروكة لتقدير الحاكم على حسب نوع الجريمة المرتكبة.

[28]. المبايعات: ما يكون بين الناس من عقود البيع وغيرها، أو ما يكون بين الأمة والحاكم في مبايعته بالخلافة.

[29]. المداينات: ما يكون بين الناس من عقود المدانيات، ويكون بين الدائن والمدين؛ كعقد القرض، وثمن المبيعات وغير ذلك.

[30]. اللعان: شهادات مؤكدات بأيمان من الزوج والزوجة، مقرونة باللعن من جانب الزوج وبالغضب من جانب الزوجة. وهو أن يرمي الزوج امرأته بالزنا ولم يكن له أربعة شهود يشهدون عليها بما رماها به. أو ينفي حملها وقت قيام الزوجية الصحيحة بينهما؛ لأن الزوج يبتلى بقذف امرأته لنفي العار والنسب الفاسد، ويتعذر عليه إقامة البينة، فجعل اللعان بينة له.

[31]. العبء المالي: هو ما يتحمله الإنسان تجاه الغير، والعبء المالي للزوج ناحية المرأة هو ما يتحمله من مهر ونفقة (مسكن ـ ملبس ـ مشرب ـ دواء) في حال قيام الزوجية، ونفقة عدة ومهر مؤخر عند الطلاق، والعبء المالي للفرد المسلم: هو ما يتحمله تجاه أقاربه ( أب ـ أم ـ إخوة وأخوات ) إذا كانوا محتاجين إليه وعنده فضل مال.

[32]. سهم مريش: ركب عليه الريش.

[33]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب الخلع وكيفية الطلاق فيه (4971).

[34]. قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، الشيخ محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط6، 1996م، ص66 وما بعدها.

[35]. التبشير وقوى الاستنارة في مصر، د. عبد الرحمن جيرة، دار المحدثين، القاهرة، ط2، 2007م، ص129 وما بعدها.

[36]. يؤلب: يفسد.

[37]. الافتئات: الاختلاق والافتراء.

[38]. المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني، د. محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط6، 1425هـ/ 2005م، ص12 وما بعدها.

[39]. اللاهوتيون: جمع اللاهوتي، واللاهوتي هو الذي يهتم بالعلم الذي يبحث عند الله وما يتعلق به تعالى، فالله بأوصافه كلها ـ سواء كانت متعلقة بذاته، أو بصلته بمخلوقاته، أو كانت مبينة لعلاقته بالإنسان وعلاقة الإنسان به ـ هو موضوع علم الألوهية أو علم اللاهوت، ويطلق على هذا العلم في مجال الدراسات الإسلامية "علم العقيدة" أو "الإلهيات".

[40]. إسلامنا، د. مصطفى السباعي، دار الوراق، مصر، ط1، 1422هـ/2001م، ص90، 91.

[41]. التبشير: الدعوة إلى الدين.

[42]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد (2509)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (6635).

[43]. واقعنا المعاصر، محمد قطب، مؤسسة المدينة، السعودية، ط3، 1410هـ/1989م، ص250 وما بعدها.

[44]. مكانة المرأة في الإسلام وحقها في التعليم، مقال د. علي جمعة، ضمن بحوث ووقائع المؤتمر العالمي الثامن عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان "مشكلات العالم الإسلامي وعلاجها في ظل العولمة"، وزارة الأوقاف، مصر، 1427هـ/ 2006م، ص141.

[45]. فقدان الأهلية: تعني نفصانها بالصغر أو بالجنون، فالطفل فاقد الأهلية، والمجنون فاقد الأهلية. فالأهلية: صلاحية الشخص لثبوت الحقوق المشروعة له ووجوبها عليه، وصحة التصرفات منه، وفاقد الأهلية لا تصح التصرفات منه.

[46]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص12.

[47]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص11.

[48]. مكانة المرأة في الإسلام وحقها في التعليم، مقال د. علي جمعة، ضمن بحوث ووقائع المؤتمر العالمي الثامن عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان "مشكلات العالم الإسلامي وعلاجها في ظل العولمة"، وزارة الأوقاف، مصر، 1427هـ/ 2006م، ص141.

[49]. الولي: فعيل بمعنى فاعل، ومن وليه إذا قام به. والولاية أقسام؛ منها الولاية على المال، والولاية على النفس: وهي سلطة على شئون القاصر ونحوه المتعلقة بشخصه ونفسه؛ كالتزويج والتعلم والتطبيب والتشغيل ونحو ذلك. وسبب الولاية على النفس الصغرة، والجنون، والعته، والأنوثة.

[50]. الخليلات: جمع خليلة، وهي المرأة تتخذ للهو بها في الحرام.

[51]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص12.

[52]. المزمور: هو الاناشيد والأدعية التي كان يترنم بها داود عليه السلام.

[53]. السفر: الجزء من أجزاء التوراة.

[54]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص13.

[55]. مكانة المرأة في الإسلام وحقها في التعليم، مقال د. علي جمعة، ضمن بحوث ووقائع المؤتمر العالمي الثامن عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان "مشكلات العالم الإسلامي وعلاجها في ظل العولمة"، وزارة الأوقاف، مصر، 1427هـ/ 2006م، ص143.

[56]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص13.

[57]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص13. ولمزيد من التفصيل حول مكانة المرأة في الحضارات القديمة انظر: هل المرأة نصف الرجل في الإسلام على الدوام، أحمد المرسي جوهر، مكتبة الإيمان، المنصورة، 2007م، ص5: 16.

[58]. البنسة: عملة تتعامل بها بعض الدول.

[59]. القاصر: من الورثة هو من لم يبلغ سن الرشد، والجمع قصر. والقاصر: من لا يولى على نفسه وماله؛ كالصغير والمجنون والمعتوه، فتثبت له ولاية من غيره عليه.

[60]. الهرطقات: الهرطقة لفظة دينية نصرانية تعني البدعة الدينية الجديدة، وهي تطلق على أي انحراف.

[61]. مكانة المرأة في الإسلام وحقها في التعليم، مقال د. علي جمعة، ضمن بحوث ووقائع المؤتمر العالمي الثامن عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان "مشكلات العالم الإسلامي وعلاجها في ظل العولمة"، وزارة الأوقاف، مصر، 1427هـ/ 2006م، ص144، 145.

[62]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص14: 17. ولمزيد من التفصيل ينظر: المرأة بين الفقه والقانون، د. مصطفى السباعي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط6، 1404هـ/ 1984م، ص13: 23. هل المرأة نصف الرجل في الإسلام على الدوام، أحمد المرسي جوهر، مكتبة الإيمان، المنصورة، 2007م، ص16: 25. المرأة المسلمة في مواجهة التحديات المعاصرة، د. شذى سلمان الدركزلي، جامعة درم، المملكة المتحدة، ص98.

[63]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص20: 22. المرأة بين الفقه والقانون، د. علي السباعي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط6، 1404هـ/1984م، ص18 وما بعدها. ولمزيد من التفصيل ينظر: هل المرأة نصف الرجل في الإسلام على الدوام، أحمد المرسي جوهر، مكتبة الإيمان، المنصورة، 2007م، ص5 وما بعدها.

[64]. الإعارة: الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه بلا عوض. وهي تمليك المنافع بغير عوض.

[65]. الإجارة: عقد على المنافع بعوض، وهي تمليك منافع شيء مباحة مدة معلومة بعوض.

[66]. جامع البيان عن تفسير آي القرآن، الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر،مؤسسة الرسالة، بيروت

ط1 ، 1420 هـ /2000م، (8/106).

[67]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجماعة والإمامة، باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج (644)، وفي مواضع أخرى.

[68]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب حسن معاشرة النساء (1977)، والترمذي في سننه، كتاب المناقب، باب فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (3895)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (285).

[69]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (7396)، والترمذي في سننه، كتاب الرضاع، باب حق المرأة على زوجها (1162)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (284).

[70]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة الطلاق (4629)، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن (3765).

[71]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص23، 22. أحكام تصرفات المرأة في الشريعة الإسلامية، د. كوثر كامل علي، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 2005م، ص3: 6.

[72]. مكانة المرأة في الإسلام وحقها في التعليم، مقال د. علي جمعة، ضمن بحوث ووقائع المؤتمر العالمي الثامن عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان "مشكلات العالم الإسلامي وعلاجها في ظل العولمة"، وزارة الأوقاف، مصر، 1427هـ/ 2006م، ص147.

[73]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص38، 39.

[74]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص38، 39.

[75]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص42.

[76]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص54: 57.

[77]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب السير، باب في إمام السرية يأمرهم بالمعصية من قال لا طاعة له (33717)، أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1095)، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (13477).

[78]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص52: 57.

[79]. مكانة المرأة في الإسلام وحقها في التعليم، مقال د. علي جمعة، ضمن بحوث ووقائع المؤتمر العالمي الثامن عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان "مشكلات العالم الإسلامي وعلاجها في ظل العولمة"، وزارة الأوقاف، مصر، 1427هـ/ 2006م، ص147، 148.

[80]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء (4890)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء (3720).

[81]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (2338)، وأبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب في الرجل يجد البلة في منامه (236)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2863).

[82]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصة والأدب، باب فضل الإحسان إلى البنات (6864).

[83]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الهبة وفضلها، باب الهبة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئا لم يجز حتى يعدل بينهم (2446)، ومسلم في صحيحه، كتاب في الهبات، باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة (4262).

[84]. صحيح: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، باب في حقوق الأولاد والأهلين وهي قيام (8700)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2994).

[85]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (26320)، وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في السبق على الرجل (2580)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (131).

[86]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب حسن معاشرة النساء (1977)، والترمذي في سننه، كتاب المناقب، باب فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (3895)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (285).

[87]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل (5039)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث (4296) بنحوه.

[88]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء (3721).

[89]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة (5626)، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والأدب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به (6664).

[90]. حسن صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكيين، حديث معاوية بن جاهمة السلمي رضي الله عنه (15577)، والنسائي في المجتبى، كتاب الجهاد، باب الرخصة في التخلف لمن له والدة (3104)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2485).

[91]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب من ناجي بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه فإذا مات أخبر به (5928)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام (6468)، وهو حديث أن فاطمة أول أهل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحوقا به.

[92]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الخمس، باب ما ذكر من درع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعصاه وسيفه وقدحه (2943)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام (6462).

[93]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا خليلا" (3462)، وفي موضع آخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق (6328).

[94]. الحسبة: هو من يحسن تدبير الأمور، ويقال: فلان فعل ذلك الشيء حسبة: أي يدخر أجره عند الله، وهو منصب كان يتولاه في الدولة الإسلامية رئيس يشرف على الشئون العامة؛ من مراقبة الأسعار، ورعاية الآداب.

[95]. للتفصيل حول الفروق بين الجنسين انظر: المرأة المسلمة، وهبة سليمان غاوجي، دار القلم، دمشق، ط8، 1420هـ/ 1999م، ص49: 95.

[96]. زواج المثلين: عقد زواج بين الرجال فقط، أو بين النساء فقط، وهذا ممنوع في الشريعة الإسلامية، ومن شروط الانعقاد في عقد الزواج أن يكون أحد العاملين رجلا والآخر امرأة، فلا يكون العقد بين رجلين ولا بين امرأتين.

[97]. مكانة المرأة في الإسلام وحقها في التعليم، مقال د. علي جمعة، ضمن بحوث ووقائع المؤتمر العالمي الثامن عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان "مشكلات العالم الإسلامي وعلاجها في ظل العولمة"، وزارة الأوقاف، مصر، 1427هـ/ 2006م، ص148: 156 بتصرف.

[98]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب السير، باب في إمام السرية يأمرهم بالمعصية من قال لا طاعة له (33717)، والطبراني في المعجم الكبير، باب العين، عمران بن مصيبة يكني أبا نجيد ومن أخباره وذكر نسبته (381)، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (13477).

[99]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التمني، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم (683)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (4871)، واللفظ له.

[100]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (26238)، وأبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب الرجل يجد البلة في منامه (236)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2863).

[101]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب الخلع وكيفية الطلاق فيه (4971).

[102]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص43: 46.

[103]. فتاوى المرأة المسلمة، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1416هـ /1996م، ص49 وما بعدها.

[104]. إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، منسد العشرة المبشرين بالجنة، مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه (114)، والنسائي في سننه الكبرى، كتاب عشرة النساء، ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر عمر فيه (9221)، وصحح إسناده الأرنؤوط في تعليقات مسند أحمد (114).

[105]. الحمو: أقارب الزوج.

[106]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول على المغيبة (4934)، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها (5803).

[107]. فتاوى المرأة المسلمة، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1416هـ /1996م،ص65: 68.

[108]. صحيح: أخرجه أبو يعلى في المسند، مسند عائشة رضي الله عنها (4386)، والطبراني في المعجم الأوسط، باب الألف، من اسمه أحمد (897)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1113).

[109]. المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني، د. محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط7، 1425هـ/ 2005م، ص63 وما بعدها.

[110]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة (205).

[111]. أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب الجزية والموادعة، باب أمان النساء وجوارهن (3000)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان (1702).

[112]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله (6404)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب مباعدته للآثام واختياره من المباح أسهله (6193).

[113]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب (1393).

[114]. قضايا المرأة المعاصرة، د. سعاد صالح، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، ط1، 1423هـ/ 2003م ص185 وما بعدها.

[115]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها (27140)، وأبو داود في سننه، كتاب الطب، باب ما جاء في الرقي (3889)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1931).

[116]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر (3990)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم (6567).

[117]. قضايا المرأة المعاصرة، د. سعاد صالح، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، ط1، 1423هـ/ 2003م، ص212: 214 بتصرف.

[118]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الغيرة (4926)، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب جواز إرداف المرأة الأجنبية إذا أعيت في الطريق (5821).

[119]. قضايا المرأة المعاصرة، د. سعاد صالح، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، ط1، 1423هـ/ 2003م، ص214 بتصرف.

[120]. الرتق: الإصلاح.

[121]. نقي الجرحى: نداويهم.

[122]. غور: عمق.

[123]. السيرة النبوية، ابن هشام، مكتبة الإيمان، المنصورة، ط1، 1426هـ/ 1995م، ج3، ص30.

[124]. السيرة النبوية، ابن هشام، مكتبة الإيمان، المنصورة، ط1، 1426هـ/ 1995م، ج2، ص73.

[125]. الحقوق العامة للمرأة، صلاح عبد الغني محمد، الدار العربية للكتاب، القاهرة، ط1، 1418هـ/ 1998م، ص140، 141.

[126]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر (6686).

[127]. الأحقاب: جمع حقبة، وهي فترة من الزمن.

[128]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب بيعة النساء (6788)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب كيفية بيعة النساء (4941) بنحوه.

[129]. المناط: هو العلة، وبعض علماء الأصول عد من مسالك العلة "تنقيح المناط"، والمراد بـ "تنقيح المناط": تهذيب ما نيط به الحكم وبني عليه وهو علته.

[130]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (2581).

[131]. لا أصل له: ذكره الفتني في تذكرة الموضوعات (1/128)، وأخرجه الألباني في السلسلة الضعيفة (430).

[132]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر (6686).

[133]. لمزيد من التفصيل يرجى الرجوع إلى: ولاية المرأة القضاء في الإسلام: دراسة فقهية مقارنة، د. أحمد علي موافي، دار المقاصد الحسنة، الرياض، ط1، 1428هـ/ 2007م. المرأة والولاية العامة، د. طه الدسوقي حبيشي، ط1، 1419هـ/ 1998م، د. م، د. ت، طبعة خاصة. المرأة في الحضارة الإسلامية، د. علي جمعة، دار السلام، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م ، ص79.

[134]. المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني، د. محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط7، 1425هـ/ 2005م، ص69: 81 بتصرف.

[135]. مهيض: مكسور.

[136]. قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط7، 1422هـ/ 2002م، ص15، 16.

[137]. البيضة: هي الحوزة والحمى.

[138]. قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط7، 1422هـ/ 2002م، ص34 وما بعدها.

[139]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية (3336)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: ) وأنذر عشيرتك الأقربين (214) ( (الشعراء)، (524) بنحوه.

[140]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة (2049).

[141]. الأربعاء: النهر الصغير، أو الساقية، أو حافة أحواض الزراعة.

[142]. العرق: اللحم الذي على العظم، والمراد أن السلق يقوم مقام هذا اللحم عندهم.

[143]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب قوله تعالى: ) فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ( (الجمعة: ١٠) (896).

[144]. قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط7، 1422هـ/ 2002م، ص56، 57.

[145]. متمحضة: خالصة.

[146]. النسخ: هو رفع الشارع حكما شرعيا بدليل شرعي متراخ عنه، كالذي في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها"، فإن الأمر بالزيارة رفع النهي السابق، وأصبحت الزيارة به مباحة بعد أن كانت محرمة.

[147]. الرخصة: هو ما شرع من الأحكام للتخفيف عن العباد في أحوال خاصة.

[148]. الإلزام: هو الوجوب، وألزم فلان الشيء: أوجبه عليه؛ ولزم الشيء فلانا: وجب عليه، ولزمه الغرم، ولزمه الطلاق: وجب عليه، وألزمه المال والعمل والحجة وغير ذلك: أوجبه عليه.

[149]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (2581).

[150]. موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، عطية صقر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ج3، ص174 وما بعدها.

[151]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها (4843)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت (3538).

[152]. الفسخ لغة: النقض والبطلان والزوال، واصطلاحا: حل ارتباط العقد، وقلب كل واحد من العوضين لصاحبه، وفسخ العقد: رفعه من الأصل كأن لم يكن ، أي ارتفاع حكم العقد من الأصل.

[153]. المرأة وحقوقها في الإسلام، مبشر الطرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، ص17.

[154]. مهر المثل: هو مهر امرأة تماثل الزوجة وقت العقد، وتستحقه المرأة إذا إن العقد صحيحا وخلا من تسمية المهر، أو كانت التسمية غير صحيحة، أو كان هناك اتفاق على عدم المهر.. إلخ، ويشترط في مهر المثل تساوي الزوجة مع مماثليها وقت العقد في السن، والجمال، والمال، والأدب، والعقل والعلم، والصلاح، والبكارة والثيوبة، وفي عدم الولد.

[155]. المعرة: الأذى.

[156]. المرأة بين الفقه والقانون، د. علي السباعي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط6، 1404هـ/1984م، ص65، 66. وانظر: الأحوال الشخصية، الشيخ محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، ط3، 1369هـ/ 1950م، ص52: 60، ص118: 146.

[157]. أم قشعم: المنية، وهو مثل فيه دعاء، أي: اذهبوا إلى غير رجعة.

[158]. قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط7، 1422هـ/ 2002م، ص158، 159.

[159]. موقع صيد الفوائد، د. نهى قاطرجي. www. saaid. net . الزواج والطلاق والتعدد بين الأديان والقوانين ودعاة التحرر، زكي علي أبو غضة، نشرة المؤلف، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص43 وما بعدها.

[160]. الوجار: بيت الثعلب.

[161]. الفتل: الوثاق.

[162]. قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط7، 1422هـ/ 2002م، ص154: 157.

[163]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (26238)، وأبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب في الرجل يجد البلة في منامه (236)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2863).

[164]. حسن: أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الرضاع، باب حق المرأة على زوجها (1163)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب كيف الضرب (9169)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1930).

[165]. المبرح: الشديد.

[166]. موقع صيد الفوائد، د. نهى قاطرجي. www. saaid. net

[167]. قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط7، 1422هـ/ 2002م، ص157.

[168]. صحيح: أخرجه الدارمي في سننه، كتاب النكاح، باب في النهي عن ضرب النساء (2219)، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب ضرب النساء (2148)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1879).

[169]. العوسج: جنس نبات شائك من الفصيلة الباذنجانية، له ثمر مدور كأنه خرز العقيق، واحدته عوسجة.

[170]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: ) يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ( (الحجرات: ١١) (5695).

[171]. المرأة في الحضارة الإسلامية، د. علي جمعة، دار السلام، القاهرة، ط2، 1428هـ/ 2007م، ص88: 91.

[172]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة (5626)، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والأدب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به (6664).

[173]. العائل: هو من يعتمد عليه غيره، فالأب عائل لأولاده، فهم يعتمدون عليه في كل ما يحتاجون إليه حتى يكبروا ويعولوا أنفسهم.

[174]. موقع صيد الفوائد، د. نهى قاطرجي. www. saaid. net

[175]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه (13594)، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب النهي من تزويج من لم يلد من النساء (2052)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2383).

[176]. المعلقة: هي المرأة المتزوجة التي يتركها زوجها ولا يعدل ولا يقسم لها مع ضرتها، فتكون معلقة لا هي بالزوجة فتأخذ حقوقها من زوجها، ولا هي بالمطلقة فتتزوج. فأمر الأزواج الذين لهم أكثر من زوجة بالعدل بين الزوجات.

[177]. القسم: النصيب.

[178]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (24809)، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء (2137)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1868).

[179]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن التزوير في اللباس وغيره (5706).

[180]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص212: 217.

[181]. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية،سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص219: 223.

[182]. موقع صيد الفوائد، د. نهى قرطاجي. www. saaid. net

[183]. المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني، د. محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط7، 1425هـ/ 2005م، ص136.

[184]. تنطلي: تلتبس.

[185]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله (88)، وفي مواضع أخرى.

[186]. موقع صيد الفوائد، د. نهى قرطاجي. www. saaid. net

[187]. إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (26779)، والترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، سورة النساء (3022)، وحسن إسناده الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (3022).

[188]. المعيل: هو المسئول عن تلبية رغبات من يتولى أمرهم من مأكل ومشرب وملبس وغير ذلك.

[189]. موقع صيد الفوائد، د. نهى قرطاجي. www. saaid. net.

[190]. المذي: ماء رقيق يخرج عند الملاعبة أو التذكر ويضرب إلى البياض، والمذاء فعال للمبالغة في كثرة المذي، من مذى يمذي.

[191]. المني لغة: ماء الرجل والمرأة، وسمي المني منيا؛ لأنه يمنى، أي: يراق ويدفق. ومن هذا سميت منى: لما يمنى بها، أي: يراق من دماء النسك. واصطلاحا: هو الماء الأبيض الذي ينكسر الذكر بعد خروجه ويتولد منه الولد, وهو الماء الدافق الغليظ الذي يخرج عند اشتداد الشهوة.

[192]. الودي: الماء الثخين الأبيض الذي يخرج في إثر البول، فهو لا يخرج عند الشهوة وإنما عقب البول، ويكون ثخينا، بخلاف المني والمذي، فإنهما يخرجان عقب الشهوة، والمني يعقبه فتور، والمذي لا يعقبه فتور.

[193]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الغسل، باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره (281)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب الدليل على أن المسلم لا ينجس (850)، واللفظ له.

[194]. فقه السنة، الشيخ سيد سابق، دار الفتح للإعلام العربي، مصر، ط2، 1419هـ/ 1999م، ج1، ص18.

[195]. الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، دار الصفوة، مصر، ط1، 1995م، ج35، ص333.

[196]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (26277)، والنسائي في المجتبى، كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من مس الرجل امرأته من غير شهوة (166)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (166).

[197]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود (1118).

[198]. الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط3، 1409هـ/ 2003م، ج1، ص276.

[199]. الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط3، 1409هـ/ 2003م، ص277.

[200]. شط المزار: بعد.

[201]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب (1393)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات (250) بنحوه.

[202]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكتب ولا نحسب" (1814)، مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال (2563).

[203]. هل هن ناقصات عقل ودين، محمد سلامة جبر، دار السلام، مصر، ط2، 1427هـ/ 2006م.

[204]. قالوا عن المرأة، عماد أبو خليل.

[205]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الأدب، باب ما ذكر في حسن الخلق وكراهية الفحش (25318)، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب حسن معاشرة النساء (1978)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (284).

[206]. وأد البنات: دفنهن أحياء مخافة العار.

[207]. زواج المتعة: ويسمى "الزواج المؤقت"، وهو أن يقول الرجل للمرأة: أعطيك كذا على أن أتمتع منك يوما أو شهرا أو سنة أو إلى انقضاء الموسم أو قدوم الحاج وشبهه، سواء أكانت المدة معلومة أم مجهولة ونحو ذلك، وسمي "نكاح المتعة"؛ لأن الرجل ينتفع به، ويتمتع بالمرأة إلى الأجل الذي وقته. وحكمه أنه حرام وباطل عند عامة العلماء إلا الشيعة الإمامية.

[208]. الإماء: جمع أمة، وهي المرأة المملوكة، ضدها: الحرة.

[209]. البغاء: يقال: بغت المرأة بغاء: أي فجرت، فهي بغي بغير تاء، والبغي: الفاجرة تتكسب بفجورها، أي تزني بأجر.

 

  • الاثنين PM 03:09
    2020-10-19
  • 2402
Powered by: GateGold