المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409063
يتصفح الموقع حاليا : 252

البحث

البحث

عرض المادة

الطعن في حديث "من استعاذكم بالله فأعيذوه"

الطعن في حديث "من استعاذكم بالله فأعيذوه" (*)

مضمون الشبهة:

يطعن بعض المتوهمين في صحة الحديث الوارد من طريق الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا: «من استعاذكم بالله، فأعيذوه، ومن سألكم بالله، فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن استجار بالله فأجيروه، ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا الله له حتى تعلموا أن قد كافأتموه»، ويدعون أن هذا الحديث ضعيف. ويستدلون على دعواهم هذه بأن هذا الإسناد لم يرد إلا معنعنا، والأعمش مدلس قليل السماع من مجاهد. كما أن الحديث جاء من طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد وهو ضعيف، وفي ذلك دليل على عدم سماع الأعمش من مجاهد بل سمعه من الليث ثم دلسه. هادفين من وراء ذلك إلى الطعن في السنة النبوية المطهرة، وطرقها التي وصلت بها إلينا من خلال تشكيك المسلمين في الأحاديث الصحيحة واحدا تلو الآخر.

وجها إبطال الشبهة:

1) إن حديث الاستعاذة السابق حديث صحيح، رواه ابن حبان والحاكم وغيرهما، وإسناد الحديث عندهما إسناد صحيح على شرط الشيخين، ووافقهما الذهبي، وصححه الشيخ الألباني - أيضا - في الصحيحة.

 

2) لقد ثبت سماع الأعمش من مجاهد في نيف وثلاثين حديثا، وتدليس الأعمش من الطبقة الثانية، وحديثه مقبول لا شك فيه، والأعمش ثقة ثبت عند علماء الحديث، وهذا الحديث ورد عن الليث وعن إبراهيم التيمي عن مجاهد، وهي طرق متعددة تثبت صحة الحديث، أما الزعم بضعف الحديث لكونه معنعنا فمردود لأنه رواية ثقة عن ثقة.

 

التفصيل:

أولا. هذا الحديث حديث صحيح على شرط الشيخين:

 

هذا الحديث حديث صحيح، رواه أصحاب السنن والصحاح، فقد رواه أبو داود عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر مرفوعا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوا به فادعوا الله له حتى تروا أنكم قد كافأتموه»[1]، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة، وعلق عليه قائلا: أخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم (216)، وأبو داود (1/ 389)، (2/ 622)، والنسائي (1/ 358)، وابن حبان في صحيحه (2071)، والحاكم (1/ 412)، والبيهقي (4/ 199)، وأحمد (2/ 68، 99)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 56). من طرق عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وتابعه ليث عن مجاهد به، دون الجملة الأولى، والرابعة[2].

 

ورواه الحاكم - أيضا - في مستدركه عن أبي العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، حدثنا الأحوص بن جواب، عن عمار بن رزيق عن الأعمش، عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم... فذكره[3].

 

ثم قال: وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد تابع عمار بن رزيق على إقامة هذا الإسناد أبو عوانة، وجرير بن عبد الحميد، وعبد العزيز بن مسلم، عن الأعمش[4].

 

وقد رواه ابن حبان في صحيحه بإسناده، وعلق عليه شعيب الأرنؤوط فقال: إسناده صحيح على شرطهما[5].

 

ورواه الطبري في تهذيب الآثار عن علي بن مسلم الطوسي، حدثنا محمد بن أبي عبيدة المسعودي عن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن مجاهد... فذكره[6].

 

وهذا إسناد صحيح إلى الأعمش فثبت أن الواسطة غير ليث؛ بل هو إبراهيم بن يزيد التيمي، وهو ثقة من رجال الجماعة. ورواه الطبري عن يحيى بن إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة المسعودي حدثني أبي عن أبيه عن جده عن الأعمش عن إبراهيم التيمي به...

 

وقد صح الحديث من الطريق الأول، وليث متابع لإبراهيم وروايته عند أحمد وغيره، فيزداد بها الحديث قوة، وقد صحح الحديث ابن حبان، والحاكم، ووافقه الذهبي، والنووي في رياض الصالحين، والشيخ الألباني، والشيخ شعيب الأرنؤوط كما في التعليق على المسند، والشيخ مقبل بن هادي - رحمه الله - كما في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين، وقال: صحيح على شرط الشيخين"[7].

 

ورواه أبو بكر بن عياش فقال: عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم... الحديث، وأخرجه أحمد والحاكم وقال: إسناده صحيح، فقد صح عند الأعمش الإسنادان جميعا على شرط الشيخين، ونحن على أصلنا في قبول الزيادات من الثقات في الأسانيد والمتون[8].

 

وبهذا فإن الحديث قد تعددت طرقه، وورد في كثير من كتب السنة، وحكم جمع غفير من المحدثين الثقات قديما وحديثا بصحته، أبعد هذا كله يأتي هؤلاء ويدعون أنه حديث ضعيف لا يعمل به؟ إن هذا هو الجهل والإفتاء بغير علم ودرس، وهو ما لا يقبله منصف.

 

 

 

ثانيا. ثبت عن الأعمش سماعه من مجاهد في أكثر من ثلاثين حديثا:

 ذكر أبو عيسى الترمذي قال: قلت لمحمد بن إسماعيل البخاري: لم يسمع الأعمش من مجاهد إلا أربعة أحاديث قال: ريح. ليس بشيء، لقد عددت له أحاديث كثيرة، نحوا من ثلاثين أو أقل أو أكثر، يقول فيها: حدثنا مجاهد[9].

 

أما قول هؤلاء المنكرين بضعف الحديث لكونه معنعنا، فيجاب عن ذلك بأن ليس كل معنعن يرد حديثه، وليس كل تدليس مردود فهناك من احتمل الأئمة تدليسه وقبلوا حديثه.

 

وبالرجوع إلى مذاهب أهل العلم في رواية من ذكر أو اشتهر بالتدليس، وذلك باعتبار تقسيمهم المدلسين إلى طبقات بحسب من يقدح وصفه به في رواياته ومن لا يقدح، فقد ذهب جماعة من متأخري الحفاظ إلى تقسيمهم إلى خمس طبقات:

 

الأولى: من لم يوصف به إلا نادرا، بحيث إنه لا ينبغي عده فيهم مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة.

 

الثانية: من احتمل الأئمة تدليسه، وخرجوا له في الصحيح وإن لم يصرح بالسماع؛ وذلك إما لإمامته، وقلة تدليسه في جنب ما روى، أو لأنه لا يدلس إلا عن ثقة، ومن أمثلة هذه الطبقة: الزهري والأعمش وسفيان الثوري.

 

وحكم هذه المرتبة كحكم أهل المرتبة الأولى، تقبل روايتهم سواء صرحوا بالسماع أو لم يصرحوا[10]، ثم بعد ذلك الطبقات الثلاث الأخرى ودرجة قبول روايتهم أقل من ذلك.

 

ويقول عبد الله بن يوسف الجديع: "إن رواية الأعمش على القبول في الجملة، وما أورده الذهبي من احتمال التدليس نادر لا أثر له في كثرة حديث الأعمش، غير أن التحري لدفع العلة مطلوب لتحقيق صحة الحديث"[11].

 

وبإلقاء نظرة خاطفة على رأي علماء الجرح والتعديل في الأعمش الذي طعنوا في الحديث بسببه، يتبين مدى قبول حديثه أو رده.

 

قال فيه أحمد بن عبد الله العجلي: كان ثقة ثبتا في الحديث، وكان محدث أهل الكوفة في زمانه[12].

 

وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: الأعمش ثقة، وقال النسائي: ثقة ثبت[13].

 

وذكر القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي أنه ليس بالكوفة أحد أعلم بحديث عبد الله بن مسعود من سليمان الأعمش[14].

 

هذا هو الأعمش ورأي علماء الحديث فيه.

 

 وخلاصة القول أن ابن حجر العسقلاني لما جاء يصنف المدلسين على طبقات وضع الأعمش (سليمان بن مهران) ضمن الطبقة الثانية، وقال عن هذه الطبقة الثانية: من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة[15]، ولهذا فحديثه صحيح متصل، وهو من الحفاظ الكبار.

 

أما القول بأن الحديث جاء من طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد، وهذا دليل على عدم سماع الأعمش من مجاهد بل سمعه من الليث ثم دلسه فقول باطل لا أصل له؛ لأن الطبري رواه في تهذيب الآثار - كما ذكرنا آنفا - عن علي بن مسلم الطوسي حدثنا محمد بن أبي عبيدة المسعودي عن أبيه، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن مجاهد.. فذكره، فثبت بذلك أن الواسطة غير ليث بن أبي سليم بل هو إبرهيم بن يزيد التيمي وهو ثقة من رجال الجماعة[16].

 

ومن هذا تبين لنا أن الأعمش سمع من مجاهد كثيرا، وتدليسه من الطبقة الثانية، وحكمها أن تقبل روايتهم، سواء صرحوا بالسماع أم لم يصرحوا، ولم يدلسه الأعمش ويدعي أنه سمع من مجاهد وهو رواه عن ليث؛ لأنه روي من طريق آخر عن إبراهيم التيمي عن مجاهد، وهذا دليل كاف على صدق الأعمش فيما رواه.

 

الخلاصة:

  • إنهذاالحديث«مناستعاذكمباللهفأعيذوه»صحيح،رواهالحاكموابنحبانوغيرهما،وذكرهالنوويفيرياضالصالحين.

 

  • هذاالحديثإسنادهصحيحعلىشرطالشيخين،قالبذلك الذهبي وشعيب الأرنؤوط ومقبل بن هادي، وقد صححه الشيخ الألباني في سلسلته الصحيحة.

 

  • إنحديثالاستعاذةباللهالذيرواهالأعمشلهطرقأخرىتعضدهوتقويه.

 

  • لقدسمعالأعمشمنمجاهدنيفاوثلاثينحديثا،فهوبذلكليسقليلالسماعمنمجاهدكمازعموا،والأعمش ثقة ثبت عند علماء الجرح والتعديل وتدليسه لا يقدح في حديثه؛ إذ إن المدلسين على خمس طبقات: الأولى والثانية منها يقبل حديثهما دون تردد، وكان الأعمش من الطبقة الثانية.

 

  • لقدروىالطبريفيتهذيبالآثارهذاالحديثعنالأعمشعنإبراهيمالتيميعنمجاهد،فثبتبذلك أن الواسطة غير ليث بن أبي سليم، فلا يطعن وجود الليث بن أبي سليم في الحديث؛ لأنه روي عن غيره.

 

  • ومنهذاتبينأنالحديثصححهكثيرمنالعلماءالقدامىوالمحدثين،وأنالأعمشالذيرواهثقةثبتعندعلماءالحديث،وأنهقدرواهعنليث،وعنإبراهيمالتيميوهمايعضدانالقولبالصحة.

 

 

 

 

 

(*) إتحاف النفوس المطمئنة، أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم، مكتبة ابن عباس، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م.

 

[1] . صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الزكاة، باب: عطية من سأل بالله، (5/ 61)، رقم (1669). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (1672).

 

[2]. سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1399هـ/ 1979م، (1/ 454).

 

[3]. صحيح: أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب: الزكاة، (1/ 572)، رقم (1502). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (254).

 

[4] . المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ/ 1990م، (1/ 572).

 

[5]. صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: الزكاة، باب: المسألة والأخذ وما يتعلق به من المكافأة والثناء والشكر، (8/ 199)، رقم (3408). وصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان.

 

[6]. أخرجه الطبري في تهذيب الآثار، كتاب: ذكر الرواية عن نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعن بعض من حضرنا ذكره من السلف في ذلك، باب: من أعطاكم فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا الله، (1/ 100)، رقم (88). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (254).

 

[7]. إتحاف النفوس المطمئنة، أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم، مكتبة ابن عباس، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص78، 79.

 

[8]. السلسلة الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1422هـ/ 2002م، (1/ 455).

 

[9]. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ابن عبد البر، تحقيق: محمد الفلاح، مطبعة فضالة، المغرب، ط2، 1402هـ/ 1982م، (1/ 35).

 

[10]. ضوابط قبول عنعنة المدلس، دراسة نظرية وتطبيقية، د. عبد الرزاق خليفة الشايجي، مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت، 2002م، ص104.

 

[11]. تحرير علوم الحديث، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3، 1428هـ/ 2007م، (2/ 992).

 

[12]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (12/ 87).

 

[13]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (12/ 89).

 

[14]. تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (9/ 10) بتصرف.

 

[15]. انظر: تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، ابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ/ 1984م، ص23.

 

[16]. إتحاف النفوس المطمئنة، أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم، مكتبة ابن عباس، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص78.

  • الاثنين AM 01:38
    2020-10-19
  • 2026
Powered by: GateGold