المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409037
يتصفح الموقع حاليا : 328

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى تعارض حديث "الاستشفاء بالعسل" مع المعارف الطبية

دعوى تعارض حديث "الاستشفاء بالعسل" مع المعارف الطبية (*)

مضمون الشبهة:

يطعن بعض المغالطين في حديث "الاستشفاء بالعسل" الوارد في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال:«جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن أخي استطلق بطنه([1])، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسقه عسلا، فسقاه، ثم جاءه فقال: إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا، فقال له: ثلاث مرات، ثم جاءه الرابعة فقال: اسقه عسلا، فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق الله وكذب بطن أخيك، فسقاه فبرئ». زاعمين أنه يتعارض مع المعارف الطبية التي تقرر أن العسل يزيد من الاستطلاق، كما ينكرون تكرار النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمر للرجل بأن يسقي أخاه عسلا على الرغم من عدم جدواه في شفائه، وهم يرمون من وراء ذلك إلى الطعن في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- والتشكيك في هديه صلى الله عليه وسلم.

وجه إبطال الشبهة:

  • حديث الاستشفاء بالعسل صحيح في أعلى درجات الصحة؛ فقد ورده في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة بأسانيد قوية صحيحة، كما أنه لا يتعارض مع المعارف الطبية؛ فعشرات الدراسات سواء الإسلامية منها أو غير الإسلامية أكدت أن بالعسل مواد تقتل الجراثيم التي تسبب النزلات المعوية والإسهال، فضلا عن فاعليته في علاج سائر الأمراض التي تصيب المعدة والجهاز الهضمي.

التفصيل:

حديث الاستشفاء بالعسل متفق على صحته:

إن حديث علاج "استطلاق البطن بالعسل" الذي ينظر إليه خصوم السنة النبوية المطهرة بعين الشك والريبة هو حديث صحيح في أعلى درجات الصحة؛ فقد رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

فقد رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري: «أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال صلى الله عليه وسلم: اسقه عسلا، ثم أتاه الثانية، فقال -صلى الله عليه وسلم-: اسقه عسلا، ثم أتاه الثالثة فقال -صلى الله عليه وسلم-: اسقه عسلا، فقال الرجل: فعلت، فقال صلى الله عليه وسلم: صدق الله وكذب بطن أخيك، اسقه عسلا، فسقاه فبرئ»([2]).

كما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري - أيضا - قال: «جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اسقه عسلا"، فسقاه، ثم جاءه فقال: إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا. فقال له ثلاث مرات، ثم جاءه الرابعة فقال له صلى الله عليه وسلم: "اسقه عسلا"، فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق الله وكذب بطن أخيك"، فسقاه فبرئ»([3]).

ومعلوم بالضرورة أن كل ما اتفق عليه الشيخان؛ مقطوع بصحته ونسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فها هو الإمام الشوكاني يقول في "تحفة الذاكرين": "واعلم أن ما كان من أحاديث هذا الكتاب في أحد الصحيحين؛ فقد أسفر فيه صبح الصحة لكل ذي عينين؛ لأنه قد قطع عرق النزاع ما صح من الإجماع على تلقي جميع الطوائف الإسلامية لما فيهما بالقبول، وهذه رتبة فوق رتبة التصحيح عند جميع أهل العقول والمنقول على أنهما قد جمعا في كتابيهما من أعلى أنواع الصحيح ما اقتدى به وبرجاله من تصدى بعدهما للتصحيح"([4]).

فإذا أضفنا إلى ما سبق أن الصحيحين هما أصح الكتب بعد كتاب الله -عز وجل- باتفاق علماء المسلمين من القدماء والمحدثين يتبين لكل أحد أنه لا مجال للطعن في سند الحديث أو متنه.

وليس هذا فحسب، فقد روى هذا الحديث كذلك الإمام أحمد في مسنده([5])، والترمذي في سننه([6])، وأبو يعلى في مسنده([7]) بأسانيد قوية صحيحة.

وأما عن متنه، فإنه لا يتعارض ألبتة مع المعارف الطبية الحديثة - كما يقول مثيرو الشبهة؛ فقد أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن العسل علاج فعال للإسهال المزمن، ولإثبات ذلك علينا أولا أن نعلم مما يتكون العسل.

فالعسل مركب كيميائي معقد التركيب جدا، وفضلا عن احتوائه على كثير من أنواع السكر المختلفة، فإنه يحتوي على كثير من الأملاح المعدنية مثل: أملاح الصوديوم، والبوتاسيوم، والكالسيوم، والماغنسيوم، وعديد من الأحماض العضوية مثل حامض التارتاريك، والجليكونيك، والليمونيك، وغيرها، ويحتوي العسل على كثير من الخمائر منها الكاتاليز، والأنفرتيز، والليبيز، والأميليز، وغيرها، ومقادير قليلة من الفيتامينات.

وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن كل (100) جرام من العسل يحتوي على الآتي: (41) جراما من سكر الفاكهة، و(34) جراما من سكر العنب، و(4) جرامات من سكر القصب، وثلث جرام من البروتين، و(0٬04) مليجرام من فيتامين (ب2) (الريبوفلافين)، و(0٬2) جرام من حامض النيكوتينيك، و(4) مليجرام من فيتامين (ج)، و(2 0٬0) مليجرام من فيتامين (ب6)، و(0٬01) مليجرام من فيتامين (ب1)، وآثار من الفيتامينات الأخرى، كما يحتوي كل (100) جرام من العسل –إضافةإلىذلك - على (5) مليجراماتمنالصوديوم،و(4) مليجراماتمنالكالسيوم،و(10) مليجراماتمنالبوتاسيوم،و(6) مليجراماتمنالماغنسيوم،و(0٬02)مليجراممنالمنجنيز،و(0٬9) مليجرامات من الحديد، و(5) مليجرامات من الفسفور، و(0٬02) مليجرام من النحاس، وآثار من أملاح معدنية أخرى، مثل اليود والكبريت والكلور... إلخ([8]).

ولا تقتصر محتويات عسل النحل على ما ذكرناه، وإنما يحتوي - أيضا - على كثير من المواد الأخرى المهمة؛ فتوجد في العسل مثلا: مجموعة كبيرة من الأحماض العضوية، مثل: حمض الليمونيك، واللبنيك، والتفاحيك (الخليك) والأوكساليك، والجلوكونيك، واليروجلوتاميك.

وهناك أيضا مواد زلالية وأحماض أمينية، والكلوروفيل، والزانتوفيلات، كما تذكر الأبحاث الحديثة اكتشاف وجود بعض الهرمونات والمواد المساعدة على النمو، وهناك من الباحثين من يعتقد أن عسل النحل يحتوي على مضادات حيوية ذات طبيعة خاصة تمنع من نمو الجراثيم الممرضة للإنسان، وتؤدي إلى قتلها"([9]).

  • الاستخداماتالطبيةوالعلاجيةلعسلالنحل:

 لقد استخدم الإنسان من قديم الزمان عسل النحل كدواء للعديد من الأمراض، وقد جاءت الإشارة في القرآن الكريم إلى كون العسل شفاء للناس، يقول الله سبحانه وتعالى: )وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون (68) ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (69)( (النحل).

كما وردت في السنة النبوية الشريفة عدة أحاديث تذكر فوائد العسل وتحدد أهميته في العلاج.

فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنهى أمتي عن الكي»([10]).

ومن ثم فقد عرف المسلمون فوائد العسل العلاجية، فاستخدموه لعلاج كثير من الأمراض.

يقول ابن القيم: "والعسل فيه منافع عظيمة، فإنه جلاء للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها، محلل للرطوبات أكلا وطلاء، نافع للمشايخ وأصحاب البلغم، ومن كان مزاجه باردا رطبا، وهو مغذ ملين للطبيعة، حافظ لقوى المعالجين ولما استودع فيه، مذهب لكيفيات الأدوية الكريهة، منق للكبد والصدر، ومدر للبول، موافق للسعال الكائن عن البلغم، وإذا شرب حارا بدهن الورد نفع من نهش الهوام، وشرب الأفيون، وإن شرب وحده ممزوجا بماء نفع من عضة الكلب الكلب([11])، وأكل الفطر القتال، وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراته ثلاثة أشهر، وكذلك إن جعل فيه القثاء، والخيار، والقرع، والباذنجان، ويحفظ كثيرا من الفاكهة ستة أشهر، ويحفظ جثة الموتى، ويسمى الحافظ الأمين، وإذا لطخ به البدن المقمل والشعر قتل قمله وصئبانه، وطول الشعر وحسنه ونعمه، وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر، وإن استن به بيض الأسنان وصقلها وحفظ صحتها وصحة اللثة، ويفتح أفواه العروق، ويدر الطمث، ولعقه على الريق يذهب البلغم، ويغسل خمل المعدة، ويدفع الفضلات عنها، ويسخنها تسخينا معتدلا، ويفتح سددها، ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة، وهو أقل ضررا لسدد الكبد والطحال من كل حلو، وهو مع هذا كله مأمن الغائلة، قليل المضار([12]).

  • العسل في الطب الحديث:

لقد أثبتت البحوث التي أجريت في أمريكا وإنجلترا وروسيا والصين، وكذلك البحوث التي قدمت في مؤتمرات إسلامية أن العسل شفاء لكثير من الأمراض، ويمكن إيجاز ذلك فيما يأتي:

  1. يتميز العسل بفعل مضاد مبيد لكافة أنواع الجراثيم، وهو يتفوق في هذا على المضادات الحيوية الكيميائية.
  2. كما يتميز بتأثير فعال على الفطريات التي تسبب أمراضا مزعجة مثل المبيضات.
  3. لقد ثبت نجاح استخدام العسل في التهابات المعدة والأمعاء، وامتاز عن محلول (الجلوكوز) بأنه يحتوي على (الفركتوز) الذي يشجع على امتصاص الماء من الأمعاء، دون أن يزيد من امتصاص الصوديوم.
  4. عسل النحل يجدي إلى حد كبير في علاج حمى القش (التهاب الأنف التحسسي)، والربو الشعبي، والتهاب الأنف، والبلعوم، والحنجرة.
  5. يلغي العسل تأثير الحموضة الزائدة في المعدة التي تؤدي غالبا إلى الإصابة بقرحة المعدة والإثنى عشر.
  6. ثبت أن للعسل تأثيرا مقويا لمرضى الكبد والقلب والأعصاب.
  7. يستعمل العسل لعلاج التهابات الجفون والملتحمة، والتهاب وتقرح القرنية، ويستعمل أيضا كدواء ناجح لالتئام جروح العين.
  8. ثبت أن للعسل تأثيرا علاجيا فعالا لأمراض الجلد.
  9. يستعمل العسل كعلاج ناجح لتسمم الكحول والسعال.
  10. يستعمل العسل كدواء ناجح لعلاج الجروح؛ ففي أثناء الحرب العالمية الثانية استعمل الأطباء العسل في علاج الجروح المتسببة عن الإصابة بالرصاص، وكانت النتيجة مذهلة من حيث سرعة التئام الجروح وشفائها.
  11. ثبت أن للعسل أيضا تأثيرا علاجيا ناجحا في علاج المثانة.
  12. كما أفاد العسل في علاج التسمم الكبدي، والتسمم الحملي - أي الذي يصيب الحوامل.

ويبقى في النهاية أن نؤكد أننا هنا في مجال ذكر المثال لا الاستقصاء لكل منافع العسل العلاجية والطبية، وإلا لاستغرق ذلك منا كتبا ومجلدات؛ نظرا للكم الهائل من الدراسات العربية والغربية التي أجريت بعد ذلك([13]).

هذا عن الفوائد العلاجية للعسل بصفة عامة، والآن نأتي لموطن الاشتباه؛ لنرد على ما أثاره الطاعنون حول حديث علاج الاستطلاق بالعسل، وفي سبيل ذلك نجيب على السؤال الآتي:

هل يفيد العسل في علاج الاستطلاق أم يزيده كما يتوهمون؟

بداية نشير إلى أن الاستطلاق أو ما يعرف اليوم باسم الإسهال، هو تغير في طبيعة البراز إلى السيولة، فالإسهال ليس مضرا وإنما هو عرض؛ ولذلك يكون علاجه بعلاج مسببه.

وقد ثبت من التجارب التي أجراها مجموعة من الباحثين أن العسل له أثره الفعال في إنقاص مدة الإسهال لدى المرضى المصابين بالتهاب المعدة والأمعاء؛ ويرجع ذلك إلى خواص العسل المضادة للجراثيم، فقد قام الطبيب (ساكيت) - المتخصص في الجراثيم - بإجراء اختبار لمعرفة أثر العسل في القضاء على الجراثيم، فزرع مجموعة من الجراثيم لمختلف الأمراض في مزارع العسل، فوجد أن جميع الجراثيم قد ماتت وقضي عليها - ومنها جراثيم الحمى النمشية (التيفوس) - وذلك بعد 48 ساعة، وأما جراثيم الحمى التيفية فبعد 24 ساعة، وجراثيم الزحار العصري قضي عليها تماما بعد عشر ساعات، كما أظهرت التجارب - أيضا - أن العسل يمكن استعماله كبديل عن (الجلوكوز) الذي يعطى عادة للمصابين بالإسهال.

وجرب عسل النحل أيضا فأعطى على هيئة حقنة شرجية للمرضى المصابين بتقرحات في الأمعاء الغليظة، فثبتت فائدته في التئام هذه القروح، وفي دراسة حديثة حول أثر العسل على ما تفرزه المعدة من أحماض تبين أن العسل يقلل من إفرازات (الهيدروكلوريك) إلى المعدل الطبيعي، وبذلك يساعد على التئام قرحة المعدة والإثنى عشر([14]).

هذا وقد أجري بحث علمي ألقي في المؤتمر العالمي للطب الإسلامي الذي انعقد في الكويت سنة 1981م للدكتور أحمد شوقي إبراهيم، وأثبت البحث بواسطة عديد من التجارب العلمية أن بالعسل موادا تقتل الجراثيم وهي أقوى مفعولا من المضادات الحيوية التي كانت معروفة في ذلك الوقت، وقد قورن مفعول العسل بمفعول المضاد الحيوي القوي (الجنتاميسين) gentamcin، فثبت أن بالعسل موادا أقوى منه مفعولا في قتل الميكروبات التي تسبب الالتهابات المتقيحة.

ولعل من المناسب للمقام أن نفرد بحثا للدكتور أحمد شوقي إبراهيم، والذي ألقاه بالمؤتمر السابق ذكره، وهو بعنوان "تأثير العسل على الإسهال المزمن"، وهو كالآتي:

الدراسة التي بين أيدينا اليوم تدور حول علاج الإسهال المزمن مجهول السبب بعسل النحل، وكذلك استعمال العسل لعلاج بعض الحالات الخفيفة من تقرح الأمعاء ممن يشكون من إسهال مزمن ومن أعراض أخرى تنتمي إلى الجهاز الهضمي.

طريقة البحث:

لقد أجريت الدراسة على ثلاثة وخمسين مريضا، منهم (23) من الذكور تتراوح أعمارهم بين (31: 55) عاما، ومتوسطها (39) عاما، و(30) من الإناث تتراوح أعمارهن بين (19: 45) عاما، ومتوسطها (28) عاما، وقد استغرقت هذه الدراسة سبعة أشهر (من فبراير: أغسطس عام 1981م)، ثم إن هؤلاء المرضى كانوا يعانون من إسهال مزمن لشهور، وربما لسنين خلت قبل إجراء البحث عليهم، وهم الذين طبقت عليهم الشروط، ونلخصها فيما يلي:

  1. أن يشكو المريض من إسهال لا يقل عن ثلاث مرات يوميا، ولمدة لا تقل عن أسبوعين، وإصابته بإسهال متقطع على مدى ثلاثة أشهر.
  2. وجود أعراض مرضية أخرى مثل أوجاع البطن وانتفاخه مع عسر الهضم.
  3. خلو المريض من أمراض عامة أخرى.
  4. خلو البراز من الطفيليات والبلهارسيا والميكروبات المرضية.
  5. أن تكون الأشعة الملونة للقولون خالية من الأورام، والأمراض العضوية.
  6. أجري الفحص المنظاري للقولون وكذلك أخذت عينة نسجية من الغشاء المخاطي لكل مريض.
  7. عدم استجابة المريض للأدوية الخاصة بالإسهال، وكذلك عدم استجابته للالتزام بنظام غذائي معين وهو ما يطلق عليه اسم (الرجيم).

ومن ثم فقد تمت الدراسة على هؤلاء المرضى في بيوتهم، وذلك بعد أن نصحوا بأن يتناول كل مريض ثلاث ملاعق كبيرة من عسل النحل الطازج قبل الإفطار وعند النوم مساء ولمدة ثلاثة أسابيع، ثم قمنا بتتبع كل مريض على حدة، ولمدة أربعة أشهر، كما ترك المريض ليختار الطعام الذي يريحه، فإذا ما انتكس المريض وعاوده الإسهال حينئذ يجب عليه أن يكرر أخذ العسل مرة ثانية وبنفس الجرعة لمدة تتراوح بين أسبوعين وثلاثة أسابيع.

  • نتائجالبحث:

لقد لوحظ أن متوسط أعمار المرضى من الإناث يقل عشر سنوات عنها بين المرضى الذكور، كما يزيد عدد الإناث قليلا عن عدد الذكور، ولقد اشترك جميع المرضى في شكوى الإسهال المزمن الذي عرفنا خصائصه في صدر هذا البحث، ولكنهم اختلفوا في شكواهم الأخرى والمشيرة إلى الجهاز الهضمي، فمنهم من عانى آلاما بطنية، إما محددة بجزء معين في البطن، كالجانب الأيمن أو تحت الضلوع اليسرى أو اليمنى، ومنهم من يشكو آلاما حول السرة، غير أن الغالبية العظمى منهم يعانون آلاما بطنية متنقلة بين جميع هذه المواضع وبصورة متقطعة وليست بصفة مستمرة، كما تبين أن الكثيرين منهم يشكون أعراض انتفاخ في البطن، وكذلك تبين أن بعضهم يشكو من عسر الهضم، ومنهم من كان يعاني من الرغبة في القيء خاصة بعد تناول الوجبات وعلى الأخص وجبة الإفطار صباحا، وأحيانا عند الاستيقاظ من النوم.

ولقد لوحظ أن عددا من المرضى الإناث يشكون من حرقان أو حساسية في فتحة الشرج، أما المجموعة التي أصيبت بتقرح في الأمعاء الغليظة فقد لاحظنا أنه بالإضافة إلى ما ذكرناه من أعراض سابقة، فإن معظمهم يشكون من نقص في الوزن، وفقر في الدم، مع فقدان الشهية للطعام، واكتئاب متوسط الحدة، وأعراض نفسية أخرى.

  • أماعناستجابةالمرضىللعلاجبعسلالنحل:

فمن النتائج الهامة التي حصلنا عليها أن نسبة نجاح العلاج بعسل النحل بين هؤلاء المرضى بلغت 83%، وقد تحسنت أحوالهم النفسية والمرضية، واختفى الإسهال أو خفت حدته، كما تلاشت الأعراض البطنية الأخرى.

ولنا أن ندرك مدى سعادة هؤلاء المرضى الذين استمروا شهورا بل سنين يتعاطون كثيرا من الأدوية المختلفة ما بين أدوية للإسهال، ومضادات حيوية وأدوية للدوسنتاريا الأميبية وأدوية مهدئة للأعصاب، وأخرى مسكنة للآلام البطنية وأخرى لعسر الهضم.

وهذا شأن كل علاج، فقد لاحظنا أن نسبة من هؤلاء المرضى الذين استجابوا للعلاج في بادئ الأمر قد عاودهم الإسهال مرة أخرى، وبلغت نسبة هؤلاء 28%، ولكن نصحوا بأن يتناولوا العسل بالجرعات السابقة ولمدة أسبوع أو أكثر، وكانت استجابتهم هذه المرة طيبة، ولقد عرف المرضى ذلك لدرجة أن الكثيرين منهم بدءوا يفضلون وضع العسل على موائدهم بجانب الأطعمة الأخرى، وأصبح العسل طعاما مشتركا مألوفا ومحبوبا يتناولونه إما صافيا أو مختلطا مع الأطعمة الأخرى.

  • وهناكسؤاليطرحنفسه: كيف يؤثر عسل النحل على الجهاز الهضمي؟

إننا حتى الآن لا نعرف على وجه اليقين كيف يؤثر عسل النحل هذا التأثير النافع على الجهاز الهضمي، ولكن هناك بعض الحقائق عن العسل كشف عنها العلم الحديث نذكر منها ما يأتي:

  1. أن عسل النحل مادة مطهرة، ولا تسمح بنمو الجراثيم أو تكاثرها حتى ولو تركت في العراء دون وقاية.
  2. أن العسل يخفض من نسبة الأحماض بالمعدة، وكذلك يخفض من إفراز بعض الهرمونات المعدية والمعوية والتي لها تأثير مباشر على إفراز المواد الهاضمة والمواد المهيجة والمثيرة لحركة المعدة والأمعاء.
  3. أن عسل النحل يحتوي على مواد عضوية تسمى بالأجسام المضادة، وهذه الأجسام تعمل عملها في محتويات القناة الهضمية وخلايا الغشاء المخاطي الذي يبطنها.
  4. أن العسل يحتوي على 40% من (الدكستروز)، وهي مادة سهلة الهضم ملطفة لأغشية الأمعاء، وهذه قد تمنع تكاثر واختلال نسبة البكتريا الطبيعية في الأمعاء.
  5. أن العسل يحتوي على معادن وأملاح الصوديوم، والبوتاسيوم، والكالسيوم، والماغنسيوم، وغيرها بالإضافة إلى الفيتامينات المتعددة، وهذه تعدل من وظائف القناة الهضمية وتحدث الانسجام في الحركة الدافعة للأمعاء وتنظم خط سيرها.

هذه العوامل - وربما غيرها كثير - تلعب - متضافرة - دورا أساسيا في الحفاظ على الكيان والأداء الوظيفي للجهاز الهضمي حيث ينتظم عمله بصورة طبيعية([15]).

  • فائدةتكرارسقيالعسل:

إن استنكار مثيرو الشبهة تكرار أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل بأن يسقي أخاه عسلا، وزعمهم بعدم جدواه في شفاء الاستطلاق - لا معنى له؛ ذلك أن تكرار سقي العسل - كما يقول ابن القيم - فيه معنى طبي بديع، وهو أن الدواء يجب أن يكون له مقدار، وكمية بحسب حال الدواء؛ إن قصر عنه، لم يزله بالكلية، وإن جاوزه، أوهى القوى، فأحدث ضررا آخر، فلما أمره أن يسقيه العسل سقاه مقدارا لا يفي بمقاومة الداء، ولا يبلغ الغرض، فلما أخبره، علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة، فلما تكرر ترداده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أكد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء، فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء برئ بإذن الله، واعتبار مقادير الأدوية، وكيفياتها، ومقدار قوة المرض والمريض من أكبر قواعد الطب، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "صدق الله وكذب بطن أخيك" إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء، وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه، ولكن لكذب البطن، وكثرة المادة الفاسدة، فأمره -صلى الله عليه وسلم- بتكرار الدواء لكثرة المادة([16]).

وبهذا يتضح لكل أحد أن ما أثاره هؤلاء المدعون من شكوك حول حديث الاستشفاء بالعسل لا يقومها دليل ولا يدعمها برهان.

الخلاصة:

  • إنحديثعلاج "الاستطلاقبالعسل" حديثصحيح،بلفيأعلىدرجاتالصحة؛فقدرواهالشيخان: البخاريومسلم،واتفقاعلىصحته،ورواهأيضاالأئمة: أحمدوالترمذيوأبويعلىبأسانيدقويةصحيحة.
  • يحتويالعسلعلىكثيرمنأنواعالسكرالمختلفة،وكثيرمنالأملاح المعدنية، ومجموعة كبيرة من الأحماض الأمينية، وبه أيضا مواد زلالية، وهناك من الباحثين من يعتقد أن عسل النحل يحتوي على مضادات حيوية ذات طبيعة خاصة تمنع من نمو الجراثيم الممرضة للإنسان، وتؤدي إلى قتلها.
  • لقدأثبتتالبحوثالتيأجريتفيأمريكاوإنجلتراوروسيا والصين، وكذلك البحوث التي قدمت في مؤتمرات إسلامية أن العسل شفاء لكثير من الأمراض.
  • إنالقولبتعارضالحديثمعالمعارفالطبيةالحديثةقولباطلقطعا؛فقدثبتأنالحديثيحملبينطياتهسبقاعلميالايجاريهآخر؛حيثثبتتفاعليتهكعلاجللاستطلاق،وغيرهمن أمراض المعدة والأمعاء، وهو ما توصل إليه الباحثون حديثا من خلال عشرات الدراسات العربية والغربية.
  • لقدكانلتكرارأمره -صلىاللهعليهوسلم- للرجلبأنيسقيأخاهعسلا - فائدةعجيبةومعنىطبيبديع؛إذإنكلداءيتطلبمقداراأوكميةمعينةمنالدواء،وهذهالكمية لابد أن تستوفى حتى يتم الشفاء، فلما تكرر أمر النبي حصل المقدار المطلوب، وبرئ الرجل بإذن الله.

 

 

 

(*) السنة التشريعية وغير التشريعية، علي الخفيف، دار نهضة مصر، القاهرة، ط2، 2005م.

[1]. استطلق بطنه: أصابه الإسهال.

[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الدواء بالعسل، (10/ 146)، رقم (5684).

[3]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: التداوي بسقي العسل، (8/ 3338)، رقم (5663).

[4]. تحفة الذاكرين، الشوكاني، دار القلم، بيروت، ط1، 1984م، ص3.

[5]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، رقم (11162). وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

[6]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الطب، باب: ما جاء في العسل، (6/ 214)، رقم (2164). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (243).

[7]. صحيح: أخرجه أبو يعلى في مسنده، مسند أبي سعيد الخدري، (2/ 451)، رقم (1261). وصححه حسين سليم أسد في تعليقه على المسند.

[8]. موسوعة المعارف الطبية في ضوء القرآن والسنة، د. أحمد شوقي إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1423هـ/ 2002م، (4/ 145، 146).

[9]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، مصر، ط1، 2007م، ص730.

[10]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: الشفاء في ثلاث، (10/ 143)، رقم (5681).

[11]. الكلب الكلب: هو الكلب الذي تعود أكل لحم الإنسان؛ فورث لذلك الجنون والسعار.

[12]. الطب النبوي، ابن القيم، دار المنار، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص26.

[13]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، مصر، ط1، 2007م، ص733: 738 بتصرف.

[14]. مقال بعنوان "علاج الإسهال المزمن بعسل النحل" لكل من: د. سالم نجم ود. محمد علي حسن ود. حامد جمال الدين، موقع إسلاميات (www. islamset. com).

[15]. موسوعة المعارف الطبية في ضوء القرآن والسنة، د. أحمد شوقي إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1423هـ/ 2002م، (4/ 146: 150).

[16]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1405هـ/ 1985م، (4/ 35).

 

  • الاثنين AM 01:13
    2020-10-19
  • 1464
Powered by: GateGold