المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 408995
يتصفح الموقع حاليا : 423

البحث

البحث

عرض المادة

توهم تعارض السنة مع القرآن بشأن القصاص والدية وأداة القصاص

توهم تعارض السنة مع القرآن بشأن القصاص والدية وأداة القصاص(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المتوهمين أن السنة النبوية تعارض القرآن الكريم في دية غير المسلم، وقصاص الكافر من المسلم، وقصاص الولد من الوالد، وكذلك الأداة التي يقتص بها، ويستدلون على ذلك بالآتي:

  1. قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقتل مسلم بكافر»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقاد الوالد بالولد»، وهذا يخالف قول الله تعالى: )النفس بالنفس( (المائدة: ٤٥)، بل إن السنة ذاتها يخالف بعضها بعضا؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل عبده قتلناه»، وقال في حديث آخر «ما يقاد الحر بالعبد».
  2. قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دية عقل الكافر نصف دية عقل المؤمن»، وفي لفظ: «قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين»، وهم اليهود والنصارى، في حين أن القرآن الكريم لا يفرق بين المسلم وغير المسلم في أمر الدية، قال تعالى: )وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة( (النساء: ٩٢).
  3. ما ورد في الحديث عن أبي بكرة: «لا قود إلا بالسيف»، وليس هو الأداة الوحيدة للقصاص حسبما نص القرآن الكريم؛ إذ العبرة فيه بالمماثلة، لقوله تعالى: )وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به( (النحل: ١٢٦)، وقوله تعالى: )فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم( (البقرة: ١٩٤).
  4. ما ورد من حديث أنس «أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا؟ أفلان أم فلان! حتى سمي اليهودي، فأتي به النبي - صلى الله عليه وسلم- فلم يزل حتى أقره، فرض رأسه بالحجارة»، وهذا يناقض قوله تعالى: )الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى( (البقرة: 178).

ويهدفون من وراء ذلك إلى الطعن في الأحاديث النبوية الصحيحة وترك العمل بها.

وجوه إبطال الشبهة:

1) لا تعارض في شأن القصاص بين القرآن والسنة، فقوله تعالى: )وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس( (المائدة: ٤٥) عام مخصص بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقتل مسلم بكافر»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقاد الوالد بالولد» مع التنبيه على حرمة قتل النفس بدون وجه حق وإن كانت غير مؤمنة، وحديث«من قتل عبده قتلناه»ضعيف لا يقوى على معارضة حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- الذي يدل على أن السيد لا يقاد بعبده.

2) دية الكافر نصف دية المسلم لثبوت الأحاديث في ذلك وصحتها، أما قوله تعالى: )وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله( (النساء: ٩٢) - فهو محمول على القتيل المؤمن وليس الكلام على إطلاقه؛ لأن موضوع الآية فيمن قتل مؤمنا خطأ؛ لتصدير الآية بقوله تعالى: )ومن قتل مؤمنا خطأ( (النساء: ٩2) فيحمل المطلق هنا على المقيد في صدر الآية.

3) إن حديث: «لا قود إلا بالسيف» ضعيف لا تقوم به حجة ولا يبنى عليه حكم، وإنما القصاص بالمثل كما في قوله تعالى: )وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به( (النحل: ١٢٦) وقوله تعالى: )فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم( (البقرة: ١٩٤).

4) إن حديث القصاص من اليهودي للجارية لا يتناقض مع قوله تعالى: )كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى( (البقرة: 178). فالآية مبينة لحكم النوع الواحد ولم تتعرض لحكم أحد النوعين إذا اعتدى أحدهما على الآخر والحديث بمثابة التفسير للمبهم والتقييد للمطلق، والجمهور من العلماء على قتل الرجل بالمرأة؛ وهذا هو الراجح الصحيح.

التفصيل:

أولا. حرمة الدماء والاعتداء بغير حق، والقصاص في الإسلام:

حرمة الاعتداء على الغير:

لقد أمر الله تعالى بالعدل والإحسان، ونهى عن الظلم والاعتداء على الغير وقتل النفس بغير حق والفساد في الأرض، قال تعالى: )إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (90)( (النحل).

قال ابن كثير - رحمه الله -: يخبر الله تعالى أنه يأمر عباده بالعدل، وهو القسط والموازنة، ويندب إلى الإحسان، كقوله تعالى: )وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين (126)( (النحل)، وقال: )وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله( (الشورى: ٤٠)، وقال: )والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له( (المائدة: ٤٥)، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على شريعة العدل والندب إلى الفضل.

والبغي: هو العدوان على الناس، وقد جاء في الحديث عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم»([1]) ([2]).

وقال ابن عاشور في تفسير هذه الآية:

"لما جاء أن هذا القرآن تبيان لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين حسن التخلص إلى تبيان أصول الهدى - في التشريع للدين الإسلامي - العائدة إلى الأمر والنهي؛ إذ الشريعة كلها أمر ونهي، والتقوى منحصرة في الامتثال والاجتناب. فهذه الآية استئناف لبيان كون الكتاب تبيانا لكل شيء، فهي جامعة أصول التشريع.

 وافتتاح الجملة بحرف التوكيد للاهتمام بشأن ما حوته. وتصديرها باسم الجلالة للتشريف، وذكر )يأمر( )وينهى( دون أن يقال: اعدلوا واجتنبوا الفحشاء؛ للتشويق. ونظيره ما في الحديث «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا»([3]) الحديث.

والعدل إعطاء الحق إلى صاحبه. وهو الأصل الجامع للحقوق الراجعة إلى الضروري والحاجي من الحقوق الذاتية وحقوق المعاملات، إذ المسلم مأمور بالعدل في ذاته، قال تعالى: )ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة( (البقرة: ١٩٥)، ومأمور بالعدل في المعاملة، وهي معاملة مع خالقه بالاعتراف له بصفاته وبأداء حقوقه؛ ومعاملة مع المخلوقات من أصول المعاشرة العائلية والمخالطة الاجتماعية وذلك في الأقوال والأفعال، قال تعالى: )وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى( (الأنعام: ١٥٢)، وقال تعالى: )وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل( (النساء: ٥٨) ([4]).

قصاص الكافر من المسلم:

لا خلاف في عدم جريان القصاص بين المسلم والكافر الحربي. وإنما الخلاف في جريانه بين المسلم والكافر الذمي على قولين:

القول الأول: أن المسلم لا يقتل بالكافر مطلقا سواء كان حربيا أم ذميا أو معاهدا أو مستأمنا. وهذا مذهب الجمهور من الشافعية والمالكية والحنابلة ([5]). لما روى البخاري عن أبي جحيفة قال: «سألت عليا رضي الله عنه: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟ وقال ابن عيينة مرة: مما ليس عند الناس - فقال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهما يعطى رجل في كتابه وما في الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر» ([6]).

قال الخطابي: "فيه بيان واضح أن المسلم لا يقتل بأحد من الكفار، سواء كان المقتول منهم ذميا أو مستأمنا" ([7]).

ولحديث علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر» ([8]).

القول الثاني: أنه يقتل المسلم بالذمي خاصة. وهذا مذهب أبي حنيفة. لحديث ابن عمر: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قتل مسلما بمعاهد، وقال: أنا أكرم من وفى بذمته»([9]).

قالوا: ولأن الذمي معصوم الدم عصمة مؤبدة، فيقتل به قاتله كالمسلم. ولأن المسلم يقطع إن سرق من مال الذمي، فقتله بهما أولى، لأن الدم أعظم حرمة من المال([10]).

وممن انتصر لرأي الأحناف الطحاوي واحتج بالحديث نفسه الذي استدل به الجمهور على عدم جريان القصاص بين المسلم والكافر مطلقا، وهذا الحديث رواه البخاري، «عن أبي جحيفة قال: سألت عليا رضي الله عنه: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟ - وقال ابن عيينة مرة: مما ليس عند الناس - فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن إلا فهما يعطى رجل في كتابه، وما في الصحيفة. قال: قلت وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر»([11]).

 قال أبو جعفر الطحاوي: فذهب قوم إلى أن المسلم إذا قتل الكافر متعمدا لم يقتل به، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث. وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: بل يقتل به. وكان من الحجة لهم في ذلك أن هذا الكلام الذي حكاه أبو جحيفة في هذا الحديث عن علي - رضي الله عنه- لم يكن منفردا، ولو كان منفردا لاحتمل ما قالوا، ولكنه كان موصولا بغيره.

حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى عن ابن أبي عروبة، قال: حدثنا قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال: «انطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا هل عهد إليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عهدا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا إلا ما كان في كتابي هذا، فأخرج كتابا من قراب سيفه، فإذا فيه: المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، ومن أحدث حدثا فعلى نفسه، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»([12]). فهذا هو حديث علي - رضي الله عنه- بتمامه، والذي فيه من نفي قتل المؤمن بالكافر هو قوله: «لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده». فاستحال أن يكون معناه على ما حمله عليه أهل المقالة الأولى؛ لأنه لو كان معناه على ما ذكروا لكان ذلك لحنا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- أبعد الناس من ذلك؛ ولكان لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذي عهد في عهده. فلما لم يكن لفظه كذلك؛ وإنما هو: «ولا ذو عهد في عهده». علمنا بذلك أن ذا العهد هو المعني بالقصاص، فصار ذلك كقوله«لا يقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر». وقد علمنا أن ذا العهد كافر، فدل ذلك أن الكافر الذي منع النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يقتل به المؤمن في هذا الحديث هو الكافر الذي لا عهد له. فهذا مما لا اختلاف فيه بين المؤمنين أن المؤمن لا يقتل بالكافر الحربي وأن ذا العهد الكافر الذي قد صار له ذمة لا يقتل به أيضا. وقد نجد مثل هذا كثيرا في القرآن، قال الله تعالى: )واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن( (الطلاق: ٤). فكان معنى ذلك (واللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن، إن ارتبتم، فعدتهن ثلاثة أشهر) فقدم وأخر، فكذلك قوله: «لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده»، إنما مراده فيه - والله أعلم - لا يقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر، فقدم وأخر. فالكافر الذي منع أن يقتل به المؤمن هو الكافر غير المعاهد. فإن قال قائل: قوله: «ولا ذو عهد في عهده»، إنما معناه: لا يقتل مؤمن بكافر، فانقطع الكلام ثم قال: «ولا ذو عهد في عهده»كلاما مستأنفا، أي: "ولا يقتل المعاهد في عهده". فكان من حجتنا عليه أن هذا الحديث إنما جرى في الدماء المسفوك بعضها ببعض، لأنه قال: المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، ثم قال: لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده. فإنما أجرى الكلام على الدماء التي تؤخذ قصاصا، ولم يجر على حرمة دم بعهد، فيحمل الحديث على ذلك فهذا وجه. وحجة أخرى أن هذا الحديث إنما روي عن علي - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا نعلم أنه روي عن غيره من طريق صحيح فهو كان أعلم بتأويله. وتأويله فيه إذ كان محتملا عندكم يحتمل هذين المعنيين الذين ذكرتم دليل على أن معناه في الحقيقة هو ما تأوله علي([13]). وذلك أن عليا - رضي الله عنه- كان من الذين أشاروا على عثمان بقتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب عندما قتل الهرمزان (وكان كافرا) وجفينة (وكان نصرانيا مشركا) وابنة أبي لؤلوة (وكانت صغيرة تدعي الإسلام).

يقول الطحاوي: فإن قال قائل: ففي هذا الحديث أن عبيد الله - رضي الله عنه- قتل بنتا لأبي لؤلؤة صغيرة تدعي الإسلام، فيجوز أن يكون إنما استحلوا سفك دم عبيد الله بها، لا بجفينة والهرمزان - قيل له: في هذا الحديث. ما يدل على أنه أراد قتله بجفينة والهرمزان، وهو قولهم"أبعدهما الله"، فمحال أن يكون عثمان - رضي الله عنه- أراد أن يقتله بغيرهما ويقول الناس له (أبعدهما الله) ثم لا يقول لهم (إني لم أرد قتله بهذين، وإنما أردت قتله بالجارية) ولكنه أراد قتله بهما وبالجارية، ألا تراه يقول (فكثر في ذلك الاختلاف)، فدل ذلك أن عثمان - رضي الله عنه- إنما أراد قتله بمن قتل، وفيهم الهرمزان وجفينة.. فانتفى أن يكون فيه (أي في هذا الحديث) حجة تدفع أن يقتل المسلم بالذمي.

وقد أورد الزيلعي في نصب الراية رد البيهقي على الطحاوي، فقال:

"قال البيهقي في المعرفة: واستدل الطحاوي لمذهبه بخبر الهرمزان، وجفينة، وأن عبيد الله بن عمر بن الخطاب قتلهما، فأشار المهاجرون على عثمان بن عفان وفيهم علي بن أبي طالب بقتله بهما، وكانا ذميين، والجواب عن ذلك أنه قتل ابنة صغيرة لأبي لؤلؤة، تدعي الإسلام، فوجب عليه القصاص، وأيضا فلا نسلم أن الهرمزان كان يومئذ كافرا، بل كان أسلم قبل ذلك يدل عليه ما أخبرنا، وأسند عن الشافعي حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن حميد عن أنس، قال: حاصرنا تستر، فنزل الهرمزان، على حكم عمر، فذكر الحديث في قدومه على عمر، وأمانه له، قال أنس فأسلم الهرمزان وفرض له عمر، ثم أسند عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: فرض عمر للهرمزان دهقان الأهواز ألفين حين أسلم، وكونه قال: لا إله إلا الله حين مسه السيف، كان إما تعجبا، أو نفيا لما اتهمه به عبيد الله بن عمر، قال: وأما أن عليا ممن أشار بقتله، فغير صحيح، لا يثبت"([14]).

ومن خلال كلام البيهقي المسبق يتبين لنا أن حجج الإمام الطحاوي في تقوية مبدأ قود الكافر غير المحارب من المسلم مردود عليها، والراجح لدينا هو قول الجمهور - الذي سنزيد تفصيله - من أن الكافر حربيا كان أو ذميا أو معاهدا لا يقاد به المسلم حتى وإن قتله عمدا مع الإشارة إلى حرمة قتل الذمي والمعاهد والوعيد الشديد على ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:«من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما»([15]).

وهذا الحديث في حرمة الدماء عامة، أورده البخاري في باب: إثم من قتل ذميا بغير جرم، ثم أعقب ذلك بباب: لا يقتل المسلم بالكافر، وذكر فيه الحديث: «ولا يقتل مسلم بكافر».

قال ابن حجر: "قوله باب لا يقتل المسلم بالكافر" عقب هذه الترجمة بالتي قبلها للإشارة إلى أنه لا يلزم من الوعيد الشديد على قتل الذمي أن يقتص من المسلم إذا قتله عمدا، وللإشارة إلى أن المسلم إذا كان لا يقتل بالكافر فليس له قتل كل كافر بل يحرم عليه قتل الذمي والمعاهد بغير استحقاق"([16]).

وأما تقدير الطحاوي وتوجيهه للحديث بأن معناه لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده بكافر، واستنتاجه أن يكون الكافر الذي لا يقتل به المسلم هو الحربي فقط، تعقب عليه بأن الأصل عدم التقدير والكلام مستقيم بغيره إذا جعلنا الجملة مستأنفة، ويؤيده اقتصار الحديث الصحيح على الجملة الأولى، ولو سلم أنها للعطف فالمشاركة في أصل النفي لا من كل وجه، وهو كقول القائل: مررت بزيد منطلقا وعمرو، فإنه لا يوجب أن يكون بعمرو منطلقا أيضا، بل المشاركة في أصل المرور.

وقول الطحاوي أيضا: لا يصح حمله على الجملة المستأنفة؛ لأن سياق الحديث فيما يتعلق بالدماء التي يسقط بعضها ببعض، لأن في بعض طرقه: «المسلمون تتكافأ دماؤهم» - تعقب بأن هذا الحصر مردود، فإن في الحديث أحكاما كثيرة غير هذه، وقد أبدى الشافعي له مناسبة فقال: يشبه أن يكون لما أعلمهم أن لا قود بينهم وبين الكفار أعلمهم أن دماء أهل الذمة والعهد محرمة عليهم بغير حق، فقال: «لا يقتل مسلم بكافر ولا يقتل ذو عهد في عهده»، ومعنى الحديث: لا يقتل مسلم بكافر قصاصا ولا يقتل من له عهد ما دام عهده باقيا.

وقال ابن السمعاني: وأما حملهم الحديث على المستأمن فلا يصح لأن العبرة بعموم اللفظ حتى يقوم دليل على التخصيص، ومن حيث المعنى أن الحكم الذي يبنى في الشرع على الإسلام والكفر إنما هو لشرف الإسلام أو لنقص الكفر أو لهما جميعا، فإن الإسلام ينبوع الكرامة، والكفر ينبوع الهوان، وأيضا إباحة دم الذمي شبهة قائمة لوجود الكفر المبيح للدم، والذمة إنما هي عهد عارض منع القتل مع بقاء العلة، فمن الوفاء بالعهد أن لا يقتل المسلم ذميا، فإن اتفق القتل لم يتجه القول بالقود لأن الشبهة المبيحة لقتله موجودة ومع قيام الشبهة لا يتجه القود.

 قلت - أي ابن حجر -: وذكر أبو عبيد بسند صحيح عن زفر: أنه رجع عن قول أصحابه فأسند عن عبد الواحد بن زياد، قال: قلت لزفر: إنكم تقولون تدرأ الحدود بالشبهات فجئتم إلى أعظم الشبهات فأقدمتم عليها، المسلم يقتل بالكافر، قال: فاشهد علي أني رجعت عن هذا.

وذكر ابن العربي أن بعض الحنفية سأل الشاشي عن دليل ترك قتل المسلم بالكافر، قال وأراد أن يستدل بالعموم فيقول أخصه بالحربي، فعدل الشاشي عن ذلك فقال: وجه دليلي السنة والتعليل لأن ذكر الصفة في الحكم يقتضي التعليل، فمعنى لا يقتل المسلم بالكافر تفضيل المسلم بالإسلام، فأسكته، ومما احتج به الحنفية ما أخرجه الدارقطني من طريق عمار بن مطر عن إبراهيم بن أبي يحيى عن ربيعة عن ابن البيلماني عن ابن عمر قال: «قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مسلما بكافر وقال: أنا أولى من وفى بذمته»([17]).

قال الدارقطني: إبراهيم ضعيف ولم يروه موصولا غيره، والمشهور عن ابن البيلماني مرسلا، وقال البيهقي: أخطأ راويه عمار بن مطر على إبراهيم في سنده وإنما يرويه إبراهيم عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البيلماني، هذا هو الأصل في هذا الباب، وهو منقطع وراويه غير ثقة، كذلك أخرجه الشافعي وأبو عبيد جميعا عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، قلت - أي ابن حجر -: لم ينفرد به إبراهيم كما يوهمه كلامه، فقد أخرجه أبو داود في المراسيل والطحاوي من طريق سليمان بن بلال عن ربيعة عن ابن البيلماني، وابن البيلماني ضعفه جماعة ووثق؛ فلا يحتج بما ينفرد به إذا وصل، فكيف إذا أرسل، فكيف إذا خالف؟ قاله الدارقطني. وقد ذكر أبو عبيد بعد أن حدث به عن إبراهيم، بلغني أن إبراهيم قال أنا حدثت به ربيعة عن ابن المنكدر عن ابن البيلماني، فرجع الحديث على هذا إلى إبراهيم وإبراهيم ضعيف أيضا.

قال أبو عبيدة: وبمثل هذا السند لا تسفك دماء المسلمين، قلت - أي ابن حجر - وتبين أن عمار بن مطر خبط في سنده، وذكر الشافعي في الأم كلاما حاصله، أن في حديث ابن البيلماني، أن ذلك كان في قصة المستأمن الذي قتله عمرو بن أمية، قال فعلى هذا لو ثبت لكان منسوخا؛ لأن حديث: «لا يقتل مسلم بكافر» خطب به النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح كما في رواية عمرو بن شعيب، وقصة عمرو بن أمية متقدمة على ذلك بزمان، قلت - أي ابن حجر -: ومن هنا يتجه صحة التأويل الذي تقدم عن الشافعي، فإن خطبة يوم الفتح كانت بسبب القتيل الذي قتلته خزاعة وكان له عهد، فخطب النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: «لو قتلت مؤمنا بكافر لقتلته به»، وقال: «لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده». فأشار بحكم الأول إلى ترك اقتصاصه من الخزاعي بالمعاهد الذي قتله، وبالحكم الثاني إلى النهي عن الإقدام على مافعله القاتل المذكور والله أعلم. ومن حججهم قطع (يد) المسلم بسرقة مال الذمي، قالوا: والنفس أعظم حرمة، وأجاب ابن بطال بأنه قياس حسن لولا النص، وأجاب غيره بأن القطع حق لله، ومن ثم لو أعيدت السرقة بعينها لم يسقط الحد ولو عفا، والقتل بخلاف ذلك، وأيضا القصاص يشعر بالمساواة ولا مساواة للكافر والمسلم، والقطع لا تشترط فيه المساواة ([18]).

 قال ابن قدامة رحمه الله: «ولا يقتل مسلم بكافر» فأكثر أهل العلم لا يوجبون على مسلم قصاصا بقتل كافر؛ أي كافر كان، وروي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت ومعاوية رضي الله عنهم، وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء والحسن وعكرمة والزهري وابن شبرمة ومالك والثوري و الأوزاعي و الشافعي وإسحاق و أبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر.

وقال النخعي والشعبي وأصحاب الرأي: يقتل المسلم بالذمي خاصة، قال أحمد: الشعبي والنخعي قالا: دية المجوسي واليهودي والنصراني مثل دية المسلم وإن قتله يقتل به، هذا عجب يصير المجوسي مثل المسلم - سبحان الله - ما هذا القول؟ واستبشعه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقتل مسلم بكافر» وهو يقول: يقتل بكافر، فأي شيء أشد من هذا؟ واحتجوا بالعمومات التي ذكرناها كقوله تعالى: )النفس بالنفس( (المائدة: ٤٥)، وقوله: )الحر بالحر( (البقرة: ١٧٨) وبما روى ابن البيلماني أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أقاد مسلما بذمي وقال:«أنا أحق من وفى بذمته»، ولأنه معصوم عصمة مؤبدة فيقتل به قاتله كالمسلم.

ولنا - أي الحنابلة ومن معهم - قول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ولا يقتل مؤمن بكافر» رواه الإمام أحمد وأبو داود، وفي لفظ: «لا يقتل مسلم بكافر» رواه البخاري، وأبو داود عن علي - رضي الله عنه- أنه قال: «من السنة أن لا يقتل مسلم بكافر"»رواه الإمام أحمد، ولأنه منقوص بالكفر فلا يقتل به المسلم كالمستأمن، والعمومات مخصوصات بحديثنا، وحديثهم ليس له إسناد، قاله أحمد، وقال الدارقطني: يرويه ابن البيلماني، وهو ضعيف إذا أسند فكيف إذا أرسل؟ والمعنى في المسلم أنه مكافيء للمسلم بخلاف الذمي، فأما المستأمن، فوافق أبو حنيفة الجماعة في أن المسلم لا يقاد به، وهو المشهور عن أبي يوسف، وعنه يقتل به لما سبق في الذمي.

 ولنا - أي الحنابلة ومن وافقهم - أنه ليس بمحقون الدم على التأبيد فأشبه الحربي مع ما ذكرنا من الأدلة مسبقا ([19]).

وسئل الإمام ابن تيمية - رحمه الله - عن رجل يهودي قتله مسلم، فهل يقتل به؟ أو ماذا يجب عليه؟

فأجاب: الحمد لله، لا قصاص عليه عند أئمة المسلمين، ولا يجوز قتل الذمي بغير حق؛ فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا يقتل مسلم بكافر». ولكن تجب عليه الدية. فقيل: الدية الواجبة نصف دية المسلم. وقيل: ثلث ديته. وقيل: يفرق بين العمد والخطأ، فيجب في العمد مثل دية المسلم ويروى ذلك عن عثمان بن عفان: أن مسلما قتل ذميا فغلظ عليه وأوجب عليه كمال الدية. وفي الخطأ نصف الدية. ففي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه جعل دية الذمي نصف دية المسلم». وعلى كل حال تجب كفارة القتل أيضا وهما عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين([20]).

قود الوالد بالولد:

أما عن مسألة قتل الوالد بولده، فالراجح فيها هو أن الوالد لا يقتل إذا قتل ولده لما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول:«لا يقاد الوالد بالولد»([21]).

وهذا لا يعارض قوله تعالى: )النفس بالنفس(؛ إذ السنة هنا مخصصة لعموم القرآن، "وإن كان العلماء قد اختلفوا في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الوالد لا يقتل بولده. وهذا مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة. لحديث عمر - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقاد الوالد بالولد».

قال ابن عبد البر: "هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق، مستفيض عندهم يستغني بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد فيه، حتى يكاد يكون الإسناد في مثله لشهرته تكلفا... ولأنه سبب إيجاده فلا ينبغي أن يتسلط بسببه على إعدامه.

القول الثاني: أن الوالد يقاد بولده مطلقا. وهذا رأي ابن نافع وابن عبد الحكم وابن المنذر. واستدلوا بعموم الأدلة من الكتاب والسنة الموجبة للقصاص. كقوله تعالى: )النفس بالنفس(، وقوله صلى الله عليه وسلم:«النفس بالنفس»[22]).

القول الثالث: أن الوالد يقاد إذا كان على وجه العمد المحض، فيما إذا أضجعه وذبحه، وأما إذا قتله على وجه التأديب أو حذفه بالسيف ونحوه، فلا يقتل به. وهذا مذهب مالك. والراجح مذهب الجمهور"([23]).

قال ابن قدامة رحمه الله: ولا يقتل والد بولده وإن سفل.

 وجملته أن الأب لا يقتل بولده، والجد لا يقتل بولد ولده وإن نزلت درجته، وسواء في ذلك ولد البنين أو ولد البنات، وممن نقل عنه أن الوالد لا يقتل بولده، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبه قال ربيعة والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وقال ابن نافع وابن عبد الحكم و ابن المنذر: يقتل به؛ لظاهر آي الكتاب والأخبار الموجبة للقصاص، ولأنهما حران مسلمان من أهل القصاص فوجب أن يقتل كل واحد منهما بصاحبه كالأجنبيين، وقال ابن المنذر: قد رووا في هذا الباب أخبارا، وقال مالك: إن قتله حذفا بالسيف ونحوه لم يقتل به وإن ذبحه أو قتله قتلا لا يشك في أنه عمد إلى قتله دون تأديبه أقيد به.

 ولنا - الحنابلة ومن وافقهم - ما روى عمر بن الخطاب وابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يقتل والد بولده»([24]) أخرج النسائي حديث عمر ورواهما ابن ماجه وذكرهما ابن عبد البر وقال: هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق مستفيض عندهم يستغنى بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد فيه([25])، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «أنت ومالك لأبيك»([26]) وقضية هذه الإضافة تمليكه إياه، فإذا لم تثبت حقيقة الملكية بقيت الإضافة شبهة في درء القصاص لأنه يدرأ بالشبهات، ولأنه سبب إيجاده، فلا ينبغي أن يتسلط بسببه على إعدامه. وما ذكرناه يخص العمومات ويفارق الأب سائر الناس فإنهم لو قتلوا بالحذف بالسيف وجب عليهم القصاص والأب بخلافه.

والجد وإن علا كالأب في هذا، وسواء كان من قبل الأب أو من قبل الأم في قول أكثر مسقطي القصاص عن الأب. وقال الحسن بن حي: يقتل به.

 ولنا - الحنابلة ومن وافقهم - أنه والد فيدخل في عموم النص، ولأن ذلك حكم يتعلق بالولادة، فاستوى فيه القريب والبعيد، كالمحرمية، والعتق إذا ملكه، والجد من قبل الأم كالجد من قبل الأب؛ لأن ابن البنت يسمى ابنا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم- في الحسن: «ابني هذا سيد»([27]).

 مسألة: قال: والأم في ذلك كالأب.

 "هذا الصحيح من المذهب وعليه العمل عند مسقطي القصاص عن الأب، وروي عن أحمد - رحمه الله - ما يدل على أنه لا يسقط عن الأم، فإن مهنا نقل عنه في أم ولد قتلت سيدها عمدا: تقتل، قال: من يقتلها؟ قال: ولدها، وهذا يدل على إيجاب القصاص على الأم بقتل ولدها، وخرجها أبو بكر على روايتين إحداهما: أن الأم تقتل بولدها؛ لأنه لا ولاية لها عليه فتقتل به، كالأخ، والصحيح الأول؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقتل والد بولده»؛ ولأنها أحد الوالدين فأشبهت الأب؛ ولأنها أولى بالبر فكانت أولى بنفي القصاص عنها؛ والولاية غير معتبرة بدليل انتفاء القصاص عن الأب بقتل الكبير الذي لا ولاية عليه، وعن الجد ولا ولاية له، وعن الأب المخالف في الدين، أو الرقيق، والجدة وإن علت في ذلك كالأم، وسواء في ذلك من قبل الأب، أو من قبل الأم؛ لما ذكرنا في الجد.

وسواء كان الوالد مساويا للولد في الدين والحرية أو مخالفا له في ذلك، لأن انتفاء القصاص لشرف الأبوة وهو موجود في كل حال، فلو قتل الكافر ولده المسلم، أو قتل المسلم أباه الكافر، أو قتل العبد ولده الحر، أو قتل الحر ولده العبد لم يجب القصاص؛ لشرف الأبوة فيما إذا قتل ولده، وانتفاء المكافأة فيما إذا قتل والده"([28]).

لا يقاد حر بعبد:

لقد ضعف العلماء حديث: «من قتل عبده قتلناه»، وما دام الحديث ضعيفا ولم يبلغ درجة من الصحة، فلا تبنى عليه أحكام لأنه ضعيف وبذلك ينتفي التعارض ويزول الإشكال.

فقد رواه البيهقي في السنن الكبرى من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن - يعني البصري - عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:«من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه»([29]).

قال الإمام البيهقي بعد أن أورد هذا الحديث: "قال قتادة: ثم إن الحسن نسي هذا الحديث، وقال: لا يقتل حر بعبد.

قال الشيخ: يشبه أن يكون الحسن لم ينس الحديث، لكن رغب عنه لضعفه.

وأكثر أهل العلم بالحديث رغبوا عن رواية الحسن عن سمرة، وذهب بعضهم إلى أن الحسن لم يسمع من سمرة غير حديث العقيقة.

قال يحيى بن معين: قال أبو النضر هاشم بن القاسم عن شعبة: لم يسمع الحسن من سمرة.

وكان يحيى بن معين يقول: لم يسمع الحسن من سمرة شيئا هو كتاب.

قال يحيى في حديث الحسن عن سمرة«من قتل عبده قتلناه...»: ذاك في سماع البغداديين، ولم يسمع الحسن من سمرة.

وأما علي بن المديني فكان يثبت سماع الحسن من سمرة"([30]).

وفي هذا دلالة على ضعف سند هذا الحديث، بالإضافة إلى رجوع الحسن البصري عن روايته، كما قال قتادة أنه كان يفتي: بألا يقتل حر بعبد، وما قاله قتادة عن نسيانه لا برهان له به.

فقد يكون قوله: «لا يقتل حر بعبد» فيما بعد، هو الذي استوثق منه، وتكون روايته الأولى هي المنكرة، ومهما يكن فاضطراب الأقوال المنقولة عن سمرة يجعلها غير صالحة للاستدلال بها.

قال أبو عيسى الترمذي:

"وقد ذهب بعض أهل العلم من التابعين منهم إبراهيم النخعي إلى هذا - أي قتل الحر بالعبد - وقال بعض أهل العلم - منهم الحسن البصري (راوي الحديث عن سمرة) وعطاء بن رباح: ليس بين الحر والعبد قصاص في النفس ولا فيما دون النفس؛ وهو قول أحمد وإسحاق"([31]).

فدل ذلك على أن حديث"من قتل عبده قتلناه"الذي رواه الحسن البصري عن سمرة - ضعيف، والذي يؤكد عدم ثبوته هو فتوى الحسن البصري بخلافه، فقوله في المسألة: «لا يقتل حر بعبد»كما ذكره عنه الإمام الترمذي، دل على أن الحديث لم يثبت عنده فأفتى بخلافه.

ويؤيد ما ذهبنا إليه ما رواه أبو داود بإسناد صحيح، فقال: حدثنا مسلم بن إبراهيم أخبرنا هشام عن قتادة عن الحسن قال: «لا يقاد الحر بالعبد»([32]).

ومن خلال ما سبق نستطيع أن نقول: إن حديث«من قتل عبده قتلناه»حديث ضعيف لا يصح الاستناد إليه في القول بأن الحر يقاد بالعبد، كما أن هذا الحديث الضعيف وغيره من الأحاديث الضعيفة في هذا الباب لا تقوى على معارضة الحديث الصحيح المذكور وأقوال العلماء التي ذكرناها مسبقا والتي تثبت أن الحر لا يقاد بالعبد، وعلى هذا فلا يصح معارضة ما رجحناه من أنه (لا يقاد الحر بالعبد).

ثانيا. ثبوت الأحاديث في أن دية الكافر نصف دية المسلم:

الدية هي المال الواجب بالجناية على الحر في النفس أو ما دونها مأخوذة من الودي وهو أن يدفع الدية، يقال: وديت القتيل أديه وديا.

والمقصود بالكافر هنا هو الكتابي الذي له ذمة أو أمان.

وقد اختلف أهل العلم في دية الذمي (نصرانيا، يهوديا) أو من له أمان([33]) فذهب الإمام أحمد إلى أن ديته نصف دية المسلم إن قتل خطأ، ومثل دية المسلم إن قتل عمدا، وذهب الإمام مالك إلى أنها على النصف من دية المسلم مطلقا، وذهب الشافعي إلى أنها ثلث دية المسلم وأن دية المجوسي ثلثا عشر دية المسلم([34]) وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن دية الذمي كدية المسلم، والراجح أن دية الذمي نصف دية المسلم لثبوت الأخبار الصحيحة في ذلك ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «دية عقل الكافر نصف دية عقل المؤمن»([35])، وقوله صلى الله عليه وسلم:«عقل أهل الذمة، نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى»([36])، وقوله صلى الله عليه وسلم: «دية المعاهد نصف دية الحر»([37])، وعند الإمام أحمد وغيره «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين، وهم اليهود والنصارى» ([38]).

واستدل القائلون بأن دية الذمي ثلث دية المسلم بما روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كانت قيمة الدية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين، قال: فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر - رحمه الله -، فقام خطيبا، فقال: ألا إن الإبل قد غلت، قال ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية»([39])، فإذا كانت الدية ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم للمسلم، والذمي على النصف من ذلك، ثم زاد من قيمة الدية للمسلم من حيث لم يزدها لأهل الكتاب، تبين لنا أن دية المسلم التي بلغت ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم مع بقاء دية الذمي أربعمائة دينار أو أربعة آلاف درهم، لأنها لم ترفع فيما رفع من الدية، وبذلك تبين لنا أن دية الذمي على الثلث من دية المسلم.

قال النووي: "وهذا المروي عن عمر وعثمان - رضي الله عنهما - وابن المسيب وعطاء وإسحاق"([40]) وهو مذهب الشافعي.

قال الشوكاني: "وذهب الشافعي والناصر إلى أن دية الكافر أربعة آلاف درهم، والذي في منهاج النووي أن دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم، ودية المجوسي ثلثا عشر دية المسلم، قال شارح المحلى أنه قال بالأول عمر وعثمان أيضا وابن مسعود. ثم قال النووي في المنهاج: وكذا وثنى له أمان، يعني أن ديته دية مجوسي، ثم قال: والمذهب أن من لم يبلغه الإسلام إن تمسك بدين لم يبدل فديته دية دينه وإلا فكمجوسي، وحكي في البحر عن زيد بن علي والقاسمية وأبي حنيفة وأصحابه أن دية المجوسي كالذمي، وعن الناصر والإمام يحيى والشافعي ومالك أنها ثمانمائة درهم"([41]).

واستدل القائلون بأن دية الذمي مثل دية المسلم بعموم قوله تعالى: )وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله( (النساء: ٩٢). قالوا وإطلاق الدية يفيد أنها الدية المعهودة، وهي دية المسلم واحتجوا أيضا بما أخرجه الترمذي عن ابن عباس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ودى العامريين بدية المسلمين، وكان لهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم» ([42]) وبما أخرجه البيهقي عن الزهري أنه قال: «كانت دية اليهودي والنصراني في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم- مثل دية المسلم، وفي زمن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما كان (عهد) معاوية أعطي أهل المقتول النصف وألقي النصف في بيت المال، قال: ثم قضى عمر بن عبد العزيز بالنصف وألغى ما كان جعل معاوية»([43])، وبما أخرجه أيضا عكرمة عن ابن عباس: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ودى العامريين بدية المسلمين وكان لهم عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم»([44])، وأخرج أيضا من وجه آخر أنه قال: «جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- دية المعاهدين دية المسلم»([45])، وأخرج أيضا عن أبي كرز عن نافع عن ابن عمر أن: النبي - صلى الله عليه وسلم-قال: «دية ذمي دية مسلم»([46]).

وهذا رأي الثوري والزهري وزيد بن علي وأبي حنيفة وأصحابه والقاسمية([47]).

واحتج القائلون بأن دية الذمي أو الكتابي نصف دية المسلم بالأحاديث التي ذكرناها آنفا وهي قوله صلى الله عليه وسلم: «دية المعاهد نصف دية المسلم»([48])، وفي لفظ: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قضى أن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى»([49])، وفي لفظ: «دية المعاهد نصف دية الحر». ([50]) ([51]) قال الخطابي: "ليس في دية أهل الكتاب شيء أثبت من هذا، ولا بأس بإسناده وقد قال به أحمد، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أولى؛ ولأنه نقص مؤثر في الدية فأثر في تنصيفها كالأنوثة" ([52]).

وحجة الإمام أحمد في جعل دية الذمي مساوية لدية المسلم في حالة العمد هي التغليظ على القاتل المتعمد، "قال الإمام أحمد: وإنما غلظ عثمان الدية عليه لأنه كان عمدا فلما ترك القود غلظ عليه. ومثل هذا ما روي عن عمر - رضي الله عنه- حين انتحر رقيق حاطب ناقة لرجل مزني؛ فقال عمر لحاطب: إني أراك تجيعهم لأغرمنك غرما يشق عليك، فأغرمه مثلي قيمتها" ([53]).

والراجح أن دية الذمي أو الكتابي والمستأمن نصف دية المسلم لثبوت النصوص الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في ذلك والتي لا مطعن فيها ولا شك.

يقول الشوكاني: "أما من قال بأن دية الذمي ثلث دية المسلم وهو الشافعي ومن معهم فقد احتجوا بفعل عمر المذكور من عدم رفع دية أهل الذمة وأنها كانت في عصره أربعة آلاف درهم ودية المسلم اثني عشر ألف درهم - فيجاب عنه بأن فعل عمر ليس بحجة على فرض عدم معارضته لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم- فكيف وهو هنا معارض للثابت قولا وفعلا، وتمسكوا في جعل دية المجوسي ثلثي عشر دية المسلم بفعل عمر المذكور في الباب، ويجاب عنه بما تقدم، ويمكن الاحتجاج لهم بحديث عقبة بن عامر الذي ذكرناه فإنه موافق لفعل عمر؛ لأن ذلك المقدار هو ثلثا عشر الدية؛ إذ هي اثنا عشر ألف درهم وعشرها اثنا عشر مائة، وثلثا عشرها ثمانمائة. ويجاب بأن إسناده ضعيف كما أسلفنا فلا يقوم بمثله حجة. لا يقال: إن الرواية الثانية من حديث الباب بلفظ:«قضى أن عقل أهل الكتابين،...» - مقيدة باليهود والنصارى، والرواية الأولى منه مطلقة فيحمل المطلق على المقيد ويكون المراد بالحديث دية اليهود والنصارى، دون المجوس. لأنا نقول: لا نسلم صلاحية الرواية الثانية للتقييد ولا للتخصيص، لأن ذلك من التنصيص على بعض أفراد المطلق أو العام وما كان كذلك فلا يكون مقيدا لغيره ولا مخصصا له، ويوضح ذلك أن غاية ما في قوله: «عقل أهل الكتابين» أن يكون من عداهم بخلافهم لمفهوم اللقب، وهو غير معمول به عند الجمهور وهو الحق فلا يصلح لتخصيص قوله صلى الله عليه وسلم: «عقل الكافر نصف دية المسلم» ولا لتقييده على فرض الإطلاق ولاسيما ومخرج اللفظين واحد والراوي واحد، فإن ذلك يفيد أن أحدهما من تصرف الراوي واللازم الأخذ بما هو مشتمل على زيادة، فيكون المجوسي داخلا تحت ذلك العموم، وكذلك كل من له ذمة من الكفار ولا يخرج عنه إلا من لا ذمة له ولا أمان ولا عهد من المسلمين لأنه مباح الدم، ولو فرض عدم دخول المجوسي تحت ذلك اللفظ كان حكمه حكم اليهود والنصارى، والجامع الذمة من المسلمين للجميع"([54]).

أما عن حجة الإمام أبي حنيفة ومن وافقه في جعل دية الذمي مثل دية المسلم وهي عموم قوله تعالى: )وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله( (النساء: ٩٢) "قالوا: وإطلاق الدية يفيد أنها الدية المعهودة وهي دية المسلم - ويجاب عنه أولا بمنع كون المعهود ها هنا هو دية المسلم، لم لا يجوز أن يكون المراد بالدية الدية المتعارفة بين المسلمين لأهل الذمة والمعاهدين. وثانيا بأن هذا الإطلاق مقيد"([55]) أي بالأحاديث السابقة الذكر، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: «دية عقل الكافر نصف دية عقل المؤمن» ([56]). وفي لفظ:«أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى»([57]).

قال الشيخ الطاهر ابن عاشور: "وقوله: )وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق( (النساء: ٩٢)، أي إن كان القتيل المؤمن، فجعل للقوم الذين بين المسلمين وبينهم ميثاق، أي عهد من أهل الكفر، دية قتيلهم المؤمن اعتدادا بالعهد الذي بيننا - وهذا يؤذن بأن الدية جبر لأولياء القتيل، وليست مالا موروثا عن القاتل، إذ لا يرث الكافر المسلم، فلا حاجة إلى تأويل الآية بأن يكون للمقتول المؤمن وارث مؤمن في قوم معاهدين، أو يكون المقتول معاهدا لا مؤمنا، بناء على أن الضمير في )كان( عائد على القتيل بدون وصف الإيمان، وهو تأويل بعيد؛ لأن موضوع الآية فيمن قتل مؤمنا خطأ. ولا يهولنكم التصريح بالوصف في قوله: )وهو مؤمن(؛لأن ذلك احتراس ودفع للتوهم عند الخبر عنه بقوله: )من قوم عدو لكم( أن يظن أحد أنه أيضا عدو لنا في الدين. وشرط كون القتيل مؤمنا في هذا الحكم مدلول بحمل مطلقه هنا على المقيد في قوله هنالك: )وهو مؤمن( ويكون موضوع هذا التفصيل في القتيل المسلم خطأ لتصدير الآية بقوله: )ومن قتل مؤمنا خطأ(" ([58]).

قال الشوكاني: واستدلوا (أي: الأحناف ومن وافقهم) ثانيا بما أخرجه الترمذي عن ابن عباس، «أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ودى العامريين - اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري - بدية المسلمين وكان لهما عهد - لم يشعر به عمرو - من رسول الله صلى الله عليه وسلم» ([59]). وبما أخرجه البيهقي عن الزهري أنه قال: «كانت دية اليهودي والنصراني (في زمن) النبي - صلى الله عليه وسلم- مثل دية المسلم، وفي زمن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما كان عهد معاوية أعطي أهل المقتول النصف وألقي النصف في بيت المال. قال: ثم قضى عمر بن عبد العزيز في النصف وألغى ما كان جعل معاوية» ([60]). وبما أخرجه أيضا عن عكرمة عن ابن عباس قال: «جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- دية العامريين دية الحر المسلم وكان لهما عهد»([61]). وأخرج أيضا من وجه آخر أنه قال:«جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- دية المعاهدين دية المسلم»([62]). وأخرج أيضا عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «دية ذمي دية مسلم»([63])، ويجاب عن حديث ابن عباس بأن في إسناده أبا سعد البقال واسمه سعيد بن المرزبان ولا يحتج بحديثه، والراوي عنه أبو بكر بن عياش. وحديث الزهري مرسل، ومراسيله قبيحة لأنه حافظ كبير لا يرسل إلا لعلة. وحديث ابن عباس الآخر في إسناده أيضا أبو سعد البقال المذكور، وله طريق أخرى فيها الحسن بن عمارة وهو متروك، وحديث ابن عمر في إسناده أبو كرز وهو أيضا متروك، ومع هذه العلل فهذه الأحاديث معارضة بحديث الباب([64]) وهو أرجح منها من جهة صحته وكونه قولا وهذه فعلا والقول أرجح من الفعل، ولو سلمنا صلاحيتها للاحتجاج وجعلناها مخصصة لعموم حديث الباب كان غاية ما فيها إخراج المعاهد ولا ضير في ذلك، فإن بين الذمي والمعاهد فرقا، لأن الذمي ذل ورضي بما حكم به عليه من الذلة بخلاف المعاهد فلم يرض بما حكم عليه به منها، فوجب ضمان دمه وماله الضمان الأصلي الذي كان بين أهل الكفر، وهو الدية الكاملة التي ورد الإسلام بتقريرها، ولكنه يعكر على هذا ما وقع في رواية من حديث عمرو بن شعيب عند أبي داود بلفظ «دية المعاهد نصف دية الحر»([65])، وتخلص من هذا بعض المتأخرين فقال: إن لفظ المعاهد يطلق على الذمي فيحمل ما وقع في حديث عمرو بن شعيب عليه ليحصل الجمع بين الأحاديث، ولا يخفى ما في ذلك من التكلف، والراجح العمل بالحديث الصحيح وطرح ما يقابله ممالا أصل له في الصحة، وأما ما ذهب إليه أحمد من التفصيل باعتبار العمد والخطأ فليس عليه دليل([66]).

إلا أنه موافق للقياس الصحيح وللقواعد العامة للشريعة من التفريق بين العمد والخطأ في كل أبوابها وكذلك وجب التغليظ لأنه محل القود بخلاف الخطأ فإنه محل الدية.

ثالثا. القصاص في الإسلام بالمثل وحديث: «لا قود إلا بالسيف» ضعيف:

الإسلام دين العدل والمساواة بين جميع البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم؛ لذا أمر بالعدل في الاقتصاص والمساواة في المماثلة وحذر من الجور والظلم. قال تعالى: )وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين (126)( (النحل).

قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: "يأمر الله تعالى بالعدل في الاقتصاص والمماثلة في استيفاء الحق، كما قال عبد الرزاق، عن الثوري، عن خالد، عن ابن سيرين: أنه قال في قوله تعالى: )فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به( إن أخذ منكم رجل شيئا، فخذوا مثله، وكذا قال مجاهد، وإبراهيم، والحسن البصري، وغيرهم، واختاره ابن جرير.

وقال ابن زيد: كانوا قد أمروا بالصفح عن المشركين، فأسلم رجال ذوو منعة، فقالوا: يا رسول الله، لو أذن الله لنا لانتصرنا من هؤلاء الكلاب! فنزلت هذه الآية، ثم نسخ ذلك بالجهاد، وقال محمد بن إسحاق عن بعض أصحابه عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة النحل كلها بمكة وهي مكية إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد، حيث قتل حمزة - رضي الله عنه- ومثل به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بثلاثين رجلا منهم" فلما سمع المسلمون ذلك قالوا: والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط. فأنزل الله: )وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين( إلى آخر السورة"([67]).

"وقيل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقف على حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه- حين استشهد، فنظر إلى منظر لم ينظر إلى منظر أوجع للقلب منه. أو قال: لقلبه، فنظر إليه وقد مثل به فقال: "رحمة الله عليك، إن كنت ما علمتك إلا وصولا للرحم، فعولا للخيرات، والله لولا حزن من بعدك عليك، لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع - أو كلمة نحوها - أما والله على ذلك، لأمثلن بسبعين كمثلتك" فنزل جبريل - عليه السلام- على محمد - صلى الله عليه وسلم- بهذه السورة وقرأ: )وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به(، فكفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يعني: عن يمينه - وأمسك عن ذلك"([68]).

والراجح - والله أعلم - أنه لما كان يوم أحد وقتل من الأنصار ستون رجلا ومن المهاجرين ستة، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لنمثلن بهم. فلما كان يوم الفتح قال رجل: لا تعرف قريش بعد اليوم. فنادى مناد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قد أمن الأسود والأبيض إلا فلانا وفلانا - ناسا سماهم - فأنزل الله سبحانه وتعالى: )وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به(، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصبر ولا نعاقب"، وهذه الآية الكريمة لها أمثال في القرآن، فإنها مشتملة على مشروعية العدل والندب إلى الفضل، كما في قوله: )وجزاء سيئة سيئة مثلها( (الشورى: ٤٠)، ثم قال: )فمن عفا وأصلح فأجره على الله( الآية (الشورى: ٤٠). وقال )والجروح قصاص( (المائدة: ٤٥)، ثم قال: )فمن تصدق به فهو كفارة له( (المائدة: ٤٥)، وقال في هذه الآية الكريمة: )وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به(، ثم قال: )ولئن صبرتم لهو خير للصابرين( ([69]).

 والمعاقبة: الجزاء على فعل السوء بما يسوء فاعل السوء.

 يقول ابن عاشور: "فقوله: )بمثل ما عوقبتم به( مشاكلة لـ )عاقبتم(. استعمل )عوقبتم( في معنى عوملتم به، لوقوعه بعد فعل )عاقبتم(، فهو استعارة وجه شبهها هو المشاكلة. ويجوز أن يكون )عوقبتم(حقيقة لأن ما يلقونه من الأذى من المشركين قصدوا به عقابهم على مفارقة دين قومهم وعلى شتم أصنامهم وتسفيه آباءهم.

 والأمر في قوله: )فعاقبوا( للوجوب باعتبار متعلقه، وهو قوله: )بمثل ما عوقبتم به( فإن عدم التجاوز في العقوبة واجب.

 وفي هذه الآية إيماء إلى أن الله يظهر المسلمين على المشركين ويجعلهم في قبضتهم، فلعل بعض الذين فتنهم المشركون يبعثه الحنق على الإفراط في العقاب، فهي ناظرة إلى قوله: )ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا( (النحل: ١١٠).

 ورغبهم في الصبر على الأذى، أي بالإعراض عن أذى المشركين وبالعفو عنه؛ لأنه أجلب لقلوب الأعداء فوصف بأنه خير، أي خير من الأخذ بالعقوبة، كقوله تعالى: )ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (34)( (فصلت: ٣٤)، وقوله: )وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله( (الشورى: ٤٠).

 وضمير الغائب عائد إلى الصبر المأخوذ من فعل )صبرتم( كما في قوله تعالى: )اعدلوا هو أقرب للتقوى( (المائدة: ٨).

 وأكد كون الصبر خيرا - بلام القسم - زيادة في الحث عليه.

 وعبر عنهم بالصابرين إظهارا في مقام الإضمار لزيادة التنويه بصفة الصابرين، أي الصبر خبر لجنس الصابرين([70]).

أما عن حديث: «لا قود إلا بالسيف»([71]) فهو حديث ضعيف، وفي رواية للدارقطني: «لا قود إلا بسلاح»([72]).

قال أبو حاتم: حديث منكر وأعله البيهقي بمبارك بن فضالة، رواه عن الحسن عن أبي بكرة (وعن النعمان بن بشير) وسنده أيضا ضعيف، قال عبد الحق وابن عدي وابن الجوزي: طرقه كلها ضعيفة والبيهقي لم يثبت له إسنادا، وقال أبو حاتم: حديث منكر، والبزار: أحسبه خطأ، وقال ابن حجر: رواه ابن ماجه والبزار والبيهقي والطحاوي والطبراني وألفاظهم مختلفة وإسناده ضعيف، ورواه الدارقطني عن أبي هريرة وفيه سليمان بن أرقم متروك.

وقد تمسك بهذا الحديث الكوفيون إلى ما ذهبوا إليه مخالفين للجمهور أن المقتول إذا قتل بعصا أو حجر لا يقتل بما قتل به بل بالسيف، ورده الجمهور بأنه حديث ضعيف، وبفرض ثبوته فإنه على خلاف قاعدتهم في أن السنة لا تنسخ الكتاب ولا تخصصه، وبالنهي عن المثلة وهو صحيح، لكنه محمول عند الجمهور على غير المماثلة في القصاص جمعا بين الدليلين، وهذا مستثنى من اعتبار المساواة في القود، فمن قتل بالسحر قتل بالسيف إجماعا وكذا بنحو خمر ولواط([73]).

ومما يؤكد أن القصاص في الإسلام يكون بالمثل ولا يشترط أن يكون القود بالسيف إضافة إلى ما جاء في القرآن الكريم - كما سبق أن أوضحنا - تلك الأحاديث الصحيحة في مقابل هذا الحديث الضعيف، ومنها ما رواه البخاري بسنده عن هشام بن زيد بن أنس عن جده أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: «خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة، قال فرماها يهودي بحجر، قال فجيء بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وبها رمق، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلان قتلك؟ فرفعت رأسها؟ فأعاد عليها قال: فلان قتلك؟ فرفعت رأسها؟ فقال لها في الثالثة: فلان قتلك؟ فخفضت رأسها، فدعا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقتله بين الحجرين»([74]).

قال ابن حجر في تعليقه على تبويب البخاري لهذا الحديث: " قوله: (باب إذا قتل بحجر أو بعصا: قوله كذا أطلق البخاري ولم يبت الحكم إشارة إلى الاختلاف في ذلك ولكن إيراده الحديث يشير إلى ترجيح قول الجمهور، وذكر فيه حديث أنس في اليهودي والجارية وهو حجة للجمهور أن القاتل يقتل بما قتل به، وتمسكوا بقوله تعالى: )وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به(، وبقوله تعالى: )فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم( (البقرة: ١٩٤)، وخالف الكوفيون فاحتجوا بحديث: «لا قود إلا بالسيف» وهو ضعيف أخرجه البزار وابن عدي من حديث أبي بكرة، وذكر البزار الاختلاف فيه مع ضعف إسناده، وقال ابن عدي: طرقه كلها ضعيفة... وقال ابن العربي يستثنى من المماثلة ما كان فيه معصية كالخمر واللواط والتحريق، وفي الثالثة خلاف عند الشافعية، والأولان بالاتفاق، لكن قال بعضهم: يقتل بما يقوم مقام ذلك" انتهى([75]).

وبهذا يتضح أن العلماء في هذه المسألة - وهي كيفية القود والقصاص من القاتل - على قولين:

القول الأول: لا قود إلا بالسيف. وهذا مذهب أبي حنيفة، والمشهور من مذهب الحنابلة. لحديث أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا قود إلا بالسيف». قال الحافظ: "وهو ضعيف أخرجه البزار وابن عدي"... وقال ابن عدي: "طرقه كلها ضعيفة"([76]). يقول ابن قدامة: "ولأن القصد من القصاص في النفس تعطيل الكل وإتلاف الجملة، وقد أمكن هذا بضرب العنق"([77]).

القول الثاني: إنه يفعل بالجاني مثل ما فعل، فإنه قتله بحجر، أو أغرقه، فعل به مثل فعله. لقوله تعالى: )وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به(، وقوله سبحانه وتعالى: )فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله(. فبين - سبحانه وتعالى- أن العقاب يكون بالمثل، والمثل هو العدل، فيكون القصاص من القاتل بمثل ما قتل به من عقوبة المثل، قال ابن القيم في تعليقه على حديث قود اليهودي بالجارية: "في هذا دليل على أن الجاني يفعل به كما فعل"([78]). وهذا القول هو الصحيح أنه يفعل بالجاني كما فعل. قال ابن القيم: "أصح الأقوال أنه يفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه، ما لم يكن محرما لحق الله تعالى، كالقتل باللواطة، وتجريع الخمر ونحوه، فيحرق كما حرق، ويلقى من شاهق كما فعل، ويخنق كما خنق؛ لأن هذا أقرب إلى العدل وحصول مسمى القصاص، وإدراك الثأر والزجر المطلوب من القصاص"([79]). لكن اختلفوا في هذا التحريق: هل يحرق كما حرق؟ فقيل: لا يحرق؛ لأن التحريق محرم لحق الله تعالى. لما روي عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا يعذب بالنار إلا رب النار»([80]). وقيل: يحرق، وهو مذهب الشافعي؛ لما رواه ابن عازب، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «من حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه»([81])، وحملوا الحديث الأول على غير القصاص في المحرق([82]).

رابعا. مساواة المرأة بالرجل في القود:

الأصل في الحقوق المتبادلة بين المرأة والرجل المساواة، فالإسلام الدين الوحيد الذي أعطى للمرأة حقوقها وساواها بالرجل في أصل التكاليف وجميع التشريعات إلا ما اقتضت الفطرة التي فطرها الله تعالى عليها من التباين في الوظائف التي يكمل بعضها الآخر لاختلاف الخصائص والصفات.

ومن ذلك شأن القصاص والقود فقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في هذا الشأن فإذا قتل الرجل امرأة قتل بها، وكذلك إذا قتلت المرأة رجلا قتلت به.

ومن قال بغير ذلك من الفقهاء فقد وهم أو أشكل عليه الأمر وذلك لعموم قوله تعالى: )وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين( (المائدة: ٤٥). فهذه الآية وإن كانت شرع من قبلنا إلا أنها شرع لنا أيضا لأنه لم يرد في شرعنا ما يخالفها بل ورد في شرعنا ما يعضدها.

قال ابن كثير في تفسير هذ الآية: وهذا أيضا مما وبخت به اليهود وقرعوا عليه، فإن عندهم في نص التوراة: أن النفس بالنفس، وهم يخالفون ذلك عمدا وعنادا، ويقيدون النضري من القرظي، ولا يقيدون القرظي من النضري، بل يعدلون إلى الدية، كما خالفوا حكم التوراة المنصوص عندهم في رجم الزاني المحصن، وعدلوا إلى ما اصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والإشهار؛ ولهذا قال هناك: )ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (44)( (المائدة: ٤٤)؛ لأنهم جحدوا حكم الله قصدا منهم وعنادا وعمدا، وقال هاهنا: )فأولئك هم الظالمون (45)( (المائدة: ٤٥) لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في الأمر الذي أمر الله بالعدل والتسوية بين الجميع فيه، فخالفوا وظلموا، وتعدى بعضهم على بعض. وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا ابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن أبي علي بن يزيد عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قرأها (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين) نصب النفس ورفع العين وكذا رواه أبو داود والترمذي والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن المبارك، وقال الترمذي حسن غريب، وقال البخاري تفرد ابن المبارك بهذا الحديث، وقد استدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا، إذا حكى مقررا ولم ينسخ، كما هو المشهور عن الجمهور، وكما حكاه الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني عن نص الشافعي وأكثر الأصحاب بهذه الآية، حيث كان الحكم عندنا على وفقها في الجنايات عند جميع الأئمة.

وقال الحسن البصري: هي عليهم وعلى الناس عامة. رواه ابن أبي حاتم... وقد حكى الإمام أبو نصر بن الصباغ - رحمه الله -، في كتابه "الشامل" إجماع العلماء على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلت عليه، وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة بعموم هذه الآية الكريمة، وكذا ورد في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم»([83]). وهذا قول جمهور العلماء([84]).

إذن ليس هناك تعارض بين قوله تعالى: )كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى( (البقرة: ١٧٨) وما ورد في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه«أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين، فقيل لها من فعل بك هذا؟ أفلان أم فلان - حتى سمي اليهودي، فأتي به النبي - صلى الله عليه وسلم- فلم يزل به حتى أقر، فرض رأسه بالحجارة»([85]).

يقول القرطبي: "فقالت طائفة جاءت الآية مؤكدة لهذا الحديث والأحاديث التي دلت على القصاص من الرجل للمرأة أو قتل الرجل بالمرأة، فالآية مبينة لحكم النوع إذا قتل نوعه؛ فبينت حكم الحر إذا قتل حرا، والعبد إذا قتل عبدا، والأنثى إذا قتلت أنثى، ولم تتعرض لأحد النوعين إذا قتل الآخر"([86])، يوضح ذلك المناسبة التي ذكرت فيها الآية.

أما الأحاديث فكانت بمثابة التفسير للمبهم والتقييد للمطلق، دون أدنى تعارض أو حتى إشارة إلى نسخ، فمعلوم أنه لا نسخ في الأساليب الخبرية.

ثم إن الجمهور - كما سبق أن وضحنا - على قتل الرجل بالمرأة.

يقول القرطبي: "فالآية محكمة، وفيها إجمال يبينه قوله سبحانه وتعالى: )وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس( (المائدة: ٤٥).

وبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنته لما قتل اليهودي بالمرأة"([87]) دل على ذلك سبب نزول الآية كما روي عن الشعبي فيها، قال: أنزلت في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا فقالوا؛ نقتل بعبدنا فلان بن فلان، وبأمتنا فلانة بنت فلان ([88])".

قال الطبري: "قال قتادة: كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان، فكان الحي إذا كان فيهم عدة ومنعة، فقتل عبد قوم آخرين عبدا لهم؛ قالوا: لا نقتل به إلا حرا؛ تعززا، لفضلهم على غيرهم في أنفسهم، وإذا قتلت لهم امرأة قتلتها امرأة قوم آخرين، قالوا لا نقتل بها إلا رجلا. فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن العبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فنهاهم عن البغي"([89]).

وبهذا يتبين أن نزول هذه الآية لم يكن ليجعل مانعا من المقاصة بين الرجل الحر والمرأة الحرة، والأحاديث التي وردت في هذه المسألة هي بمثابة المقيد للمطلق، والمخصص للعام وليست منسوخة، قال الإمام ابن جرير الطبري: "فالواجب علينا استعمال هذه الآية فيما دلت عليه من الحكم بالخبر القاطع العذر، وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالنقل العام، أن نفس الرجل الحر قود قصاصا بنفس المرأة الحرة... وأجمعوا على أن الله تعالى لم يقض في ذلك قضاء ثم نسخه"([90]).

ومن خلال هذا النص عن إمام المفسرين أبي جعفر ابن جرير الطبري يتبين لنا أن دعوى النسخ مدفوعة بالإجماع الذي حكاه عمن شهدوا التنزيل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يقض قضاء في هذا ثم نسخه.

قال القرطبي: أجمع العلماء على قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، والجمهور لا يرون الرجوع بشيء، وفرقة ترى الاتباع بفضل الديات([91])، وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وأبو ثور: وكذلك القصاص بينهما فيما دون النفس، وقال حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة: لا قصاص بينهما فيما دون النفس بالنفس، وإنما هو في النفس بالنفس؛ وهما محجوجان بإلحاق ما دون النفس بالنفس على طريق الأحرى والأولى، على ما تقدم([92]).

ومن خلال ما سبق يتضح أنه لا تعارض بين آية البقرة )كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى( وبين حديث مقاصة النبي - صلى الله عليه وسلم- من اليهودي للمرأة الذي هو عند البخاري كما ذكرنا.

فآية البقرة بتنصيصها على أن الأنثى بالأنثى لم تتعرض لحكم الرجل بالأنثى، فجاءت السنة الصحيحة لتزيل هذا الإبهام. والبيان لا ينسخ المبين، والسنة منطوق، ودعوى أن الرجل لا يقتل بالمرأة استنباط من مفهوم العبارة، ودلالة المنطوق هي المعول عليها، ولا تترك للمفهوم. كما هو معلوم ([93])؛ إذ لا عبرة بالمفهوم في مقابلة المنطوق الدال على قتل النفس بالنفس كيفما كانت، ولا يقال: تلك حكاية عما في التوراة لا بيان للحكم في شريعتنا، لأنا نقول: شرائع من قبلنا لا سيما إذا ذكرت في كتابنا حجة، وكم مثلها في أدلة أحكامنا حتى يظهر الناسخ، وما ذكرنا هنا من قوله تعالى: )كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى( يصلح مفسرا فلا يجعل ناسخا، وأما أن آية المائدة: )النفس بالنفس( ليست ناسخة لهذه فلأنها مفسرة بها فلا تكون هي منسوخة بها، ودليل آخر على عدم النسخ أن قوله تعالى: )النفس بالنفس( حكاية لما في التوارة وقوله: )الحر بالحر(خطاب لنا وحكم علينا فلا ترفعها آية المائدة"([94]).

قال القرطبي: فلا يصح في الباب إلا حديث البخاري وهو يخصص عموم قوله سبحانه وتعالى: )كتب عليكم القصاص في القتلى( (البقرة: ١٧٨) وعموم قوله: )أن النفس بالنفس( (المائدة: ٤٥)([95]).

وللإمام الشوكاني في هذه المسألة تعليل جيد يحسن ذكره في هذا المقام حيث يقول:

ومما يقوي ما ذهبوا إليه، قوله صلى الله عليه وسلم: «وهم يقتلون قاتلها»([96])،... وجهه ما فيه من العموم الشامل للرجل والمرأة، وما يقوي ما ذهبوا إليه أيضا أنا قد علمنا أن الحكمة في شرعية القصاص هي حقن الدماء وحياة النفوس كما يشير إلى ذلك قوله سبحانه وتعالى: )ولكم في القصاص حياة( (البقرة: ١٧٩) وترك الاقتصاص للأنثى من الذكر يفضي إلى إتلاف نفوس الإناث لأمور كثيرة منها: كراهية توريثهن، ومنها مخافة العار، لاسيما عند ظهور أدنى شيء منهن؛ لما بقي في القلوب من حمية الجاهلية التي نشأ عنها الوأد، ومنها كونهن مستضعفات لا يخشى من رام القتل لهن أن يناله من المدافعة ما يناله من الرجال، فلا شك أن الترخيص في ذلك من أعظم الذرائع المفضية إلى هلاك نفوسهن، ولاسيما في مواطن الأعراب المتصفين بغلظ القلوب وشدة الغيرة، والأنفة اللاحقة بما كانت عليه الجاهلية، ولا يقال: يلزم مثل هذا في الحر إذا قتل عبدا وقد قلتم لا يقتل الحر بالعبد، وذلك لأن الترخيص في القود يفضي إلى مثل ذلك الأمر فيتلف نفوس العبيد كما يتلف نفوس الإناث، لأنا نقول: هذه المناسبة تعتبر مع عدم معارضتها لما هو مقدم عليها من الأدلة فلا يعمل بها في الاقتياد للعبد من الحر لما سلف من الأدلة القاضية بالمنع، ويعمل بهذه الأدلة في الاقتياد للأنثى من الذكر لأنها لم تعارض ما هو كذلك، بل جاءت مظاهرة للأدلة القاضية بالثبوت([97]).

الخلاصة:

  • لاتعارضبينالنصوصالشرعيةمنقرآنوسنةفيأمورالقصاصوالديةوكيفيةالقصاص؛فالأصلفيالإسلامهوحرمةالدماء وصونها، والمساواة بين الناس، وتطبيق العدل الذي أمر الله به في كتابه، وفي سبيل ذلك حرم الإسلام الاعتداء على الغير حتى ولو كان مخالفا في الاعتقاد قال تعالى: )ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق( (لإسراء: ٣٣). وقال تعالى: )ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا( (المائدة: ٨). وقال صلى الله عليه وسلم: «أول ما يقضى بين الناس في الدماء»، وأساس القصاص في الإسلام قوله تعالى: )النفس بالنفس( (المائدة: ٤٥) إلا ما ورد من استثناء لهذه القاعدة أو تخصيص لهذا العموم.
  • لاخلافبينالعلماءعلىأنالقصاصلايجريبينالمسلم والكافر الحربي، وإنما وقع الخلاف في جريان القصاص بين المسلم والكافر الذمي، أي الذي له عهد وذمة أو أمان، والجمهور على أن المسلم لا يقتل بالكافر أيا كان حربيا أو ذميا أو معاهدا أو مستأمنا لورود النصوص الصريحة الصحيحة في ذلك والتي خصصت عموم المساواة بين الناس جميعا كافرهم ومسلمهم.
  • الراجحالذيعليهجماهيرأهلالعلمأنالوالدلايقادبولدهلقولهصلىاللهعليهوسلم: "لايقادالوالدبولده"،والذيخصصقولهتعالى: )النفسبالنفس( (المائدة: ٤٥)؛ولأنالوالدسببإيجادالولدفلايكونالولدسببافيإعدامه،ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك" فإنه شبهة في درء القصاص عن الوالد.
  • إنحديث«منقتلعبدهقتلناه»ضعيفلاتقومبهحجةوهوخلافماثبتعنالنبي - صلىاللهعليهوسلم- فيقوله "لايقادالحربالعبد" وماثبتعنالخلفاءالراشدينوأئمةأهلالعلم.
  • دية الكافر نصف دية المسلم في الخطأ، أما في العمد فهي مثل دية المسلم وهذا هو الراجح من أقوال الأئمة؛ لأن نصف الدية محل دية المسلم في القتل الخطأ والدية كاملة محل القود في القتل العمد، فكان لابد من تغليظها لهذا السبب، أما قوله تعالى: )وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله( (النساء: ٩٢) فهي في المؤمنين خاصة وليست مطلقة.
  • الأصلفيالإسلامالقولبالقصاصوالمماثلةفياستيفاءالحقوقلعمومقولهتعالى: )وإنعاقبتمفعاقبوابمثلماعوقبتمبه( (النحل: ١٢٦) وكذلكلحديثاليهوديالذيقتلجاريتهبحجررماها به فقتله النبي - صلى الله عليه وسلم- بين حجرين.
  • أماحديث: «لاقودإلابالسيف»فهوحديثضعيفلاتقومبهحجةولايشترطأنيكونالقودبالسيفبلالأولىأنيكونالقودبالمماثلةفهيأقوىفيالزجر،وأقربإلىالعدلوحصولمسمىالقصاصوإدراكالثأروالتشفيالمطلوب من القصاص.
  • لقدأثبتتالنصوصالصريحةفيالقرآنوالسنةمساواةالرجلبالمرأةفيالقصاص،فالرجليقتلبالمرأةوالمرأةتقتلبالرجل،لعمومقولهتعالى: )النفسبالنفس( ولقولهصلىاللهعليهوسلم: «المسلمونتتكافأدماؤهم»،وغيرذلكمنالآياتوالأحاديث،ولأنترك القود للمرأة من الرجل إضافة إلى مخالفته للنصوص الشرعية الصحيحة الصريحة يفضي إلى مفاسد عظيمة وضحها العلماء.
  • وبهذايتبينتكاملنصوصالشرعمنقرآنوسنةوأنهالاتتعارضفيمابينها،إنماالتعارضوالتناقضفيعقولمنلايفقهوننصوصهاثميفترونالكذب.

 

 

 

 

(*) مختلف الحديث عند الإمام أحمد، عبد الله بن فوزان بن صالح الفوزان، مكتبة المنهاج، الرياض، ط1، 1428هـ. كيف نتعامل مع السنة النبوية؟، د. يوسف القرضاوي، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2006م.

[1]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: صفة القيامة، باب: (21)، (7/ 180، 181)، رقم (2629). وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2511): حديث صحيح.

[2]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1400هـ/ 1980م، (2/ 582) بتصرف.

[3]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأقضية، باب: النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة، (6/ 2673)، رقم (4401).

[4]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (14/ 254).

[5]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (11/ 466). سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دار ابن الجوزي، السعودية، ط1، 1418هـ/ 1997م، (7/ 19).

[6]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الديات، باب: لا يقتل المسلم بالكافر، (12/ 272)، رقم (6915).

[7]. عون المعبود شرح سنن أبي داود مع شرح ابن قيم الجوزية، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1415هـ، (12/ 169).

[8]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند علي بن أبي طالب، (2/ 198،199)، رقم (959)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند.

[9]. ضعيف: أخرجه البيهقي في سننه، كتاب: النفقات، باب: بيان ضعف الخبر الذي روي في قتل المؤمن بالكافر، (8/ 30)، رقم (15695). وضعفه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (3229).

[10]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (11/ 466). سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دار ابن الجوزي، السعودية، ط1، 1418هـ/ 1997م، (7/ 19، 20) بتصرف.

[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الديات، باب: لا يقتل المسلم بالكافر، (12/ 272)، رقم (6915).

[12]. صحيح: أخرجه الطحاوي في معاني الآثار، كتاب: الحدود، باب: المؤمن يقتل الكافر متعمدا، (3/ 192). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (4734).

[13]. شرح معاني الآثار، الطحاوي، تحقيق محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 1416هـ/ 1996م، (3/ 192).

[14]. نصب الراية لأحاديث الهداية مع حاشية بغية الألمعي في تخريج الزيلعي، جمال الدين الزيلعي، تحقيق: محمد عوامة، مؤسسة الريان، بيروت، ط1، 1418هـ / 1997م، (4/ 338).

[15]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الديات، باب: إثم من قتل ذميا بغير جرم، (12/ 270)، رقم (6914).

[16]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 272).

[17]. ضعيف: أخرجه البيهقي في سننه، كتاب: النفقات، باب: بيان ضعف الخبر الذي روي في قتل المؤمن بالكافر، (8/ 30)، رقم (15695). وضعفه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (3229).

[18]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 272: 274).

[19]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (11/466،467).

[20]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (34/ 146).

[21]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الديات: باب: ما جاء في الرجل يقتل ابنه يقاد منه أم لا؟، (4/ 546)، رقم (1419). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (1400).

[22]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الديات، باب: قول الله تعالى: ) أن النفس بالنفس (، (12/209)، رقم (6878).

[23]. إيقاظ الأفهام في شرح عمدة الأحكام، سليمان بن محمد اللهيميد، (3/ 21، 22)، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 208). سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دار ابن الجوزي، السعودية، ط1، 1418هـ/ 1997م، (7/14: 16).

[24]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند عمر بن الخطاب، (1/ 305)، رقم (346). وحسنه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند.

[25]. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ابن عبد البر، تحقيق: محمد الفلاح، مطبعة فضالة، المغرب، ط2، 1402هـ/ 1982م، (23/ 437).

[26]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند عبد الله بن عمر، (11/ 124)، رقم (6902). وقال عنه أحمد شاكر في تعليقه على المسند: إسناده صحيح.

[27]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الفتن، باب: قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للحسن: "إن ابني هذا لسيد"، (13/ 66)، رقم (7109).

[28]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (11/ 483،484).

[29]. ضعيف: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الديات، باب: ما جاء في الرجل يقتل عبده، (4/ 560)، رقم (1433). وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (1414).

[30]. السنن الكبرى، البيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414هـ/ 1994م، (8/ 35).

[31]. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (4/ 560).

[32]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الديات، باب: من قتل عبده أو مثل به أيقاد منه؟، (12/ 154)، رقم(4507). وقال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4518): صحيح مقطوع.

[33]. انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م، (3/ 714). التيسير بشرح الجامع الصغير، الإمام المناوي، مكتبة الإمام الشافعي، الرياض، ط 3، 1408 هـ / 1988م، (2/ 17). وانظر: المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (12/ 51).

[34]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (12/ 51).

[35]. حسن صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الديات، باب: ما جاء لا يقتل مسلم بكافر، (4/ 558)، رقم (1432). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (1413).

[36]. حسن: أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب: القسامة، باب: كم دية الكافر؟، (4/ 235)، رقم (7009). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (4806).

[37]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الديات، باب: في دية الذمي، (12/ 210)، رقم (4570). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4583).

[38]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو، (11/8)، رقم (6716)، وقال عنه أحمد شاكر في تعليقه على المسند: إسناده صحيح.

[39]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الديات، باب: الدية كم هي؟، (12/ 184، 185)، رقم (4531). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4542).

[40]. المجموع، الإمام النووي، (19/ 52)، وانظر: المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (12/51: 53).

[41]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/ 3536).

[42]. ضعيف: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الديات، باب: (12)، (4/ 549)، رقم (1423). وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (1404).

[43]. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب: الديات، باب: دية أهل الذمة، (8/ 102)، رقم (16132). وعلق البيهقي على هذا الحديث فقال: "فقد رده الشافعي بكونه مرسلا وبأن الزهري قبيح المرسل، وأنا روينا عن عمر وعثمان ـ رضي الله عنهما ـ ما هو أصح منه، والله أعلم.

[44]. ضعيف: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الديات، باب: (12)، (4/ 549)، رقم (1423). وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (1404).

[45]. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب: الديات، باب: دية أهل الذمة، (8/ 102)، رقم (16128).

[46]. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب: الديات، باب: دية أهل الذمة، (8/ 102)، رقم (16130)، والدارقطني في سننه، كتاب: الحدود والديات، (3/ 129)، رقم (149)، وقال الدارقطني: "أبو كرز هذا متروك الحديث ولم يروه عن نافع غيره ".

[47]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/ 3537).

[48]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند عبد الله بن عمرو، (2/ 180)، رقم (6692). وقال عنه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: صحيح وهذا إسناد حسن.

[49]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند عبد الله بن عمرو، (2/ 224)، رقم (7092). وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: إسناده حسن.

[50]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الديات، باب: في دية الذمي، (12/ 210)، رقم (4570). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4583).

[51]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (12/ 52).

[52]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (12/ 52).

[53]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (12/ 53).

[54]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/ 3536،3537).

[55]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/ 3537).

[56]. حسن صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الديات، باب: ما جاء لا يقتل مسلم بكافر، (4/ 556)، رقم (1432). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (1413).

[57]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده،مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو، (11/ 8)، رقم (6716)، وقال عنه أحمد شاكر في تعليقه على المسند: إسناده صحيح.

[58]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (5/ 162).

[59]. ضعيف: أخرجه الترمذي (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: الديات، باب: (12)، (14/ 549)، رقم (1423). وقال عنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (1404): ضعيف الإسناد.

[60]. أخرجه البيهقي في السنن الكبري، كتاب: الديات، باب: دية أهل الذمة، (8/ 102)، رقم (16132)، وقدره الشافعي بأنه مرسل.

[61]. أخرجه البيهقي في السنن الكبري، كتاب: الديات، باب: دية أهل الذمة، (8/ 102)، رقم (16127).

[62]. أخرجه البيهقي في السنن الكبري، كتاب: الديات، باب: دية أهل الذمة، (8/ 102)، رقم (16128).

[63]. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب: الديات، باب: دية أهل الذمة، (8/102)، رقم (16130)، والدارقطني في سننه، كتاب: الحدود والديات، (3/129)، رقم (149)، وقال الدارقطني: "أبو كرز هذا متروك الحديث ولم يروه عن نافع غيره".

[64]. وهو حديث: "عقل الكافر نصف دية المسلم" الذي سبق ذكره.

[65]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الديات، باب: في دية الذمي، (12/ 210)، رقم (4570). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4583).

[66]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/ 3537، 3538)

[67]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1400هـ/ 1980م، (2/ 592).

[68]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1400هـ/ 1980م، (2/ 592).

[69]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1400هـ/ 1980م، (2/ 592، 593).

[70]. التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (14/335: 337).

[71]. ضعيف: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الديات، باب: لا قود إلا بالسيف، (2/ 889)، رقم (2267، 2668). وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (2667، 2668).

[72]. ضعيف: أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب: الحدود والديات، (3/ 88)، رقم (23)، وقال: فيه سليمان بن أرقم وهو متروك".

[73]. فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415هـ/ 1994م، (6/ 565).

[74]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الديات، باب: إذا قتل بحجر أو بعصا، (12/ 208)، رقم (6877).

[75]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 208، 209).

[76]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (12/ 208،209).

[77]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (11/ 508).

[78]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1405هـ/ 1985م، (5/ 9) بتصرف.

[79]. عون المعبود شرح سنن أبي داود مع شرح ابن قيم الجوزية، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1415هـ،(12/ 177).

[80]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الجهاد، باب: في كراهية حرق العدو بالنار، (7/ 239)، رقم (2670). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (2673).

[81]. ضعيف: أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب: النفقات، باب: عمد القتل بالحجر، (8/ 43)، رقم (15771). وضعفه الألباني في إرواء الغليل برقم (2233).

[82]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (11/ 513).

[83]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الجهاد، باب: في السرية ترد إلى أهل العسكر، (7/ 302)، رقم (2748). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (2751).

[84]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1400هـ/ 1980م، (2/61، 62).

[85]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الديات، باب: سؤال القاتل حتى يقر والإقرار في الحدود، (12/ 206)، رقم (6876).

[86]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (2/ 246) بتصرف.

[87]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (2/ 246).

[88]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (2/ 244)

[89]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (3/ 359).

[90]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (3/ 363، 364).

[91]. الاتباع بفضل الديات، يعني: أن يقتل الرجل بالمرأة مع دفع ولي المرأة نصف الدية لولي الرجل على أساس أن دية المرأة نصف دية الرجل.

[92]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (2/ 48) بتصرف.

[93]. لا نسخ في السنة، د. عبد المتعال الجبري، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1415هـ/ 1995م، ص569.

[94]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/ 3472، 3473) بتصرف.

[95]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (2/ 247).

[96]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو، (2/ 43)، رقم (7092)، وقال عنه أحمد شاكر في تعليقه على المسند: صحيح

[97]. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الشوكاني، تحقيق: عبد المنعم إبراهيم، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، (8/ 3474، 3475) بتصرف.

 

  • الاثنين AM 12:42
    2020-10-19
  • 1652
Powered by: GateGold